محمد إلهامي's Blog, page 90

December 7, 2011

امتحان الشعب المصري

المجموعة الأولى (للمواطن المصري)

- هل المجلس العسكري مكون من البشر أم من الملائكة؟

- أليس من طبيعة البشر صفات مثل شهوة السلطة، النفوذ، الجاه، القوة؟

- أليست مصر دولة كبيرة ومؤثرة ومحورية في منطقة الشرق؟

- أليس من مصلحة أمريكا والقوى الكبرى في العالم السيطرة على الدولة الكبيرة المؤثرة المحورية؟

- أليس ثمة علاقات قائمة قبل الثورة وبعدها بين المجلس العسكري وتلك القوى الكبرى؟

- هل تعرف شيئا عن هذه العلاقات؟

- هل تستطيع الجزم بأن ما يدور في الكواليس منذ ما قبل الثورة وحتى ما بعدها بأحد عشر شهرا مطمئن؟

- كم مرة في حياتك وثقت في شخص واتضح أنه ليس أهلا للثقة؟

- هل سلوك المجلس العسكري هو سلوك من يريد تسليم السلطة بأسرع وقت والعودة إلى الثكنات ليؤدي دوره الوطني؟

- ترى لماذا يصر المجلس العسكري على كتابة الدستور وهو في السلطة؟

- هل تعرف أن كثيرا من البلاد تتمتع بديمقراطية شكلية، تمارس الانتخابات بنزاهة وتتداول التيارات السياسية الحكومة أحيانا، بينما تظل القرارات السيادية الكبرى في يد جهات غير مؤثرة؟.. يمكنك أن تقرأ عن الكويت والأردن والجزائر والمغرب وباكستان وتركيا (حتى وقت قريب).

المجموعة الثانية: مخصصة للإسلاميين من الشعب المصري

- هل تذكر أين كان أعضاء المجلس العسكري حين كنت معلقا في الزنزانة؟

- هل تذكر شيئا مر بك وكان اسمه "المحاكمات العسكرية"؟

- هل تذكر الوعد الذي قطعه المجلس العسكري على نفسه بأن تكون المدة الانتقالية ستة أشهر؟ ثم عاما ينتهي بنهاية 2012؟

- هل تذكر شيئا عن مصير عمر مكرم مع محمد علي باشا؟ أو عن مصير ثورة 1919؟ أو عن مصير ثورة يوليو 1952؟

- لا بأس لا بأس: هل تعلم شيئا عن تجربة الانتخابات في الجزائر منذ أواخر الثمانينات وحتى الآن؟ أو عن تجربة الانتخابات في الأردن منذ أوائل التسعينات وحتى الآن؟ أو عن تجربة الانتخابات في باكستان منذ منتصف الخمسينات وحتى الآن؟

- هل تستطيع تذكيري بحكم مستبد واحد سقط عبر الانتخابات وحدها؟

- هل تذكر حديثا يقول بأن المؤمن لا يُلدغ من جحر واحد مرتين؟

- برأيك: كيف حُسِمت جميع الانتخابات في مصر في عهد حسني مبارك؟

- أكاد أسمعك تقول: ولكن الشعب الآن متيقظ ولن يسكت.. حسنا، دعني أذكرك بأن الناس كانت متيقظة في أكثر من لحظة تاريخية ثم ذهبت اليقظة وجاءت الحسرة ومعها الاستبداد، هل تتصور أن هذه هي لحظة اليقظة الأولى في تاريخنا؟؟!!!

- إذا كنت تنتظر أن يظل الناس متيقظين حتى تحقق الثورة كل أهدافها فيمكنك أن تراجع التاريخ، وابحث أين ذهبت اليقظة التي أسقطت خورشيد باشا وأقامت محمد علي باشا؟ وأين أختها التي أشعلت ثورة 1919 ولماذا ظل الاحتلال ثلاثين عاما أخرى؟ وأين أختها التي كانت عام 1952؟.. برأيك: لماذا لم يجد محمد نجيب أحدا يدافع عنه؟ ولماذا لم تجد أنت من يدافع عنك ويقف أمام ظلم السلطة النازل بك؟

المجموعة الثالثة: أسئلة للنظاميين من الإسلاميين

- هل ترى أن القيادات والشيوخ والعلماء يخطئون أم أنهم معصومون؟

- ما تقييمك للسياسة الإخوانية تحت قيادة المستشار حسن الهضيبي من 1951 وحتى 1954؟

- إذا كنت تراها صحيحة ومتميزة وبلا أخطاء.. فهل لنا نصيب من المسؤولية عن ستين سنة من القهر والظلم التي دخلت فيها البلاد؟

- إذا كنت تراها صحيحة إلى حد ما، فهل لك أن تضع قائمة بالنقاط الخاطئة لكي نحاول تجنبها في هذه الأيام؟

- إذا كنت تراها مخطئة وسيئة، فهل توقن بأن السياسة الحالية للجماعة قد تداركت الأخطاء السابقة وهي الآن على مستوى المرحلة وعلى قدر المسؤولية؟

- إذا لم يكن لديك من العلم ما يكفي لأن تطمئن، فهل دفعت القيادات وحدها –في الماضي- ثمن الأخطاء أم أن الجميع قد دفعوها؟

مع تمنياتي الصادقة –والله على ما أقول شهيد- بالتوفيق والنجاح

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 07, 2011 15:37

من عجائب البشارات بخاتم الأنبياء

إن الله عدل حق، لا يظلم مثقال ذرة، ولا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة، وقد عرض الله في هذه الحياة من صميم آياته ودلائله وبراهنه ما يجعل المعرض عنها مستحقا لعذاب أليم، فكلما انتقل الإنسان من صفحة في الكون إلى أخرى، أو من صفحة في التاريخ إلى أخرى، أو من صفحة في نفسه إلى صفحة أخرى، كلما طالعته الدلائل والبراهين والآيات، مصداقا لقوله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين أنه الحق).

وكان من سنة الله في التاريخ أن كان النبي المرسل في قومه يبشر بالنبي اللاحق، والنبي اللاحق يصدق النبي السابق

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 07, 2011 13:01

December 4, 2011

ردا على إبراهيم الهضيبي ودعوة لدعم عبد المنعم الشحات


حسنا، في مقالات السجال يحسن البدء بتوضيحات..

لا أعرف إبراهيم الهضيبي إلا من خلال ما يكتب، قرأت له كثيرا، ولا أتذكر أني اتفقت معه إلا قليلا، فالخلاف بيننا أصيل على مستوى الرؤية والتقدير، ولا أتوقع أنه يعرفني مطلقا.. كما أني لا أعرف الشيخ عبد المنعم الشحات إلا من خلال ما يكتب قبل الثورة، ثم من خلال مناظراته ومداخلاته المتلفزة بعد الثورة.. فما في الأمر خصومة شخصية ولا بيني وبين أحدهما سابق معرفة، واسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

***

بيني وبين الفكر السلفي خلاف عميق فيما يخص أمر الثورة ومناهضة الحاكم، وهو ذات الأمر الذي جعلني أترك الإخوان منذ خمس سنوات تقريبا، حينها أيقنت أن التغيير المتدرج والإصلاح البطئ هو خرافة كبيرة، لكن الفارق بين الإخوان والسلفيين كان في تأصيل الإخوان لمناهضة الظلم مهما كانت النتيجة ضئيلة بينما فَضَّل السلفيون الانسحاب التام من الساحة وأَصَّلوا لفقه السكوت طالما انتفت القدرة على المناهضة، لهذا التقط الإخوان لحظة الثورة بعدما وصلوا لليأس التام من نظام مبارك (كم أتمنى أن يصلوا إلى اليأس التام من العسكر قبل فوات الأوان) فدعموها بكل طاقتهم، بينما كان المشهد مربكا تماما للسلفيين الذين لم يتخيلوا أنهم قد يرون في حياتهم لحظة كهذه تنهار فيها مُسَلَّماتهم بأن هذا الشعب يمكن أن يثور وأن هذا النظام البوليسي القاهر يمكن أن يضطرب ويسقط.. فمن هنا كان الموقف السلفي من الثورة متذبذبا مهزوزا، فخيرهم ما كان على مذهب دعم الثورة كالشيخ محمد عبد المقصود وأمثاله، ووسطهم ما كان على مذهب الدعوة السلفية في الإسكندرية في حماية البلد أثناء حالة الاضطراب وتذبذبهم في أمر المشاركة، وأسوأ من هؤلاء ما كان على مذهب السكوت والاختفاء، وأسوأ منهم من سار في محاولة تهدئة الجموع خوفا من سيل الدماء، وأسوأهم جميعا من استخفه الشيطان أو السلطان فكان معه كما فعل شيخ الأزهر والمفتي وعلماء السلطة، وهم أزهريون.. ولذا فلا ينبغي أن يعمم على السلفيين وصف عداء الثورة بينما كان أسوأ أعدائها هم رؤوس الأزهر الذين تُسبغ عليهم أوصاف الاستنارة والوسطية!! فلئن كان يجب تجريح السلفيين بموقفهم من الثورة (وهو موقف الارتباك في عمومه) فيجب أن نعترف في المقابل بأن الأزهر في العقود الأخيرة إنما كان مرتعا للنفاق والفساد. ولا يجرح هذا في الشرفاء الثائرين من الطائفتين!

***

هذه مقدمة توضيحية قبل أن ندلف للرد على مقال الأستاذ إبراهيم الهضيبي..

يرى الهضيبي أن مهمة البرلمان القادمة هي: قيادة معركة إخراج العسكر من السلطة، ووضع دستور توافقي يؤسس لبناء الدولة المصرية، وهو يرى أن الشحات لا يصلح لأي منهما.

أما الأولى فإني منه على وجل فعلا، والحالة الإسلامية –السلفية والإخوانية- وإن كانت تتوجس من العسكر ولا تأمن لهم إلا أن الشهور الماضية دليل على أنهم لم يحسنوا التعامل في هذا الملف، والحق أني أخاف من سياسة الإسلاميين –وأنا منهم- في هذا المجال، هم يشعرون أنهم يجب أن يستخلصوا حقوق الوطن من العسكر بأسلم الطرق الممكنة، ومنهم من يُخدع، ومنهم من وقع في أخطاء تمثل خطايا.. والخلاصة أني بالفعل أخشى من سياسة الإسلاميين في معركة إخراج العسكر من السلطة، وإن كنت ما زلت أرجو أن يستفيقوا قبل فوات الأوان فيخرجون من حالتهم الإصلاحية إلى حالة ثورية!

وأما الثانية فهي –في رأيي- خرافة كبيرة، ولست أرى أن الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين في مصر خلافا عاديا أو بسيطا أو يمكن التغلب عليه، بل ولا أرى حتى إمكانية التوصل إلى توافق بينهما، يجب أن نعترف أن الخلاف جوهري وعميق وأن المشروعين متضادين ومتعاكسين بالفعل، وأن أسلم الطرق لحل الخلافات هي في الانتخابات واتخاذ القرار بالأغلبية.. لعل الشهور الماضية دليل على هذا، فهؤلاء لم يدخروا وسيلة واحدة في تشويه الإسلاميين وإبعادهم ما استطاعوا عن التأثير الحقيقي أو الوصول لمنصب في صناعة القرار، لقد صعقهم أن ثمة إسلامي في لجنة التعديلات الدستورية (وكان فيها وفدي ومسيحي ويساري) واعتبرو أن هذه ردة كبرى وصفقة سرية خطيرة بين الإسلاميين والعسكر، ولم تتوقف حملاتهم الإعلامية يوما واحدا، ولم تتوقف عقولهم عن ابتكار الأفكار المستبدة (الدستور أولا – مواد فوق دستورية – ضوابط لجنة اختيار الدستور- القائمة النسبية مع خفض الحد الأدنى... إلخ).

إذا أردنا أن نكون واضحين وواقعيين، فالخلاف بين هذين الفصيلين لا يمكن التوصل فيه إلى توافق، المسألة أكبر من هذا، هذا يتكلم من منطلق عقائدي إسلامي، وهذا لا يخفى ارتباطه بالغرب، ومتى أمكن التوفيق بينهما؟!!

لو كان بالإمكان أن نصل إلى توافق لنجحت محاولات كثيرة كان مصيرها الفشل، وكان الأستاذ الهضيبي طرفا في غير واحدة منها!

***

أما ما حكاه الأستاذ الهضيبي عن تجربته مع الشيخ الشحات في مليونية 29/7 فلا يمكنني التعليق عليه لأني لست من شهوده، ومن المعلوم أنه لا يمكن الاستماع إلى طرف دون الآخر قبل الحكم في الموضوع، لذا فسأقتصر على ملاحظات حول هذا اليوم قد تفسر ما أُرِيد له ألا يُعرف.

لقد قررت الحركات الإسلامية بعد طول سكوت وهدوء أن تدعو إلى مليونية لرفض المبادئ فوق الدستورية التي بدا أن العسكر قد رضخوا لها بعد طول تمنع، فحاولت القوى المرعوبة (العلمانية طبعا) أن تسرق هذا الجهد وأن تحول مسار هذه المظاهرة عن أهدافها، وانتشرت في الإعلام نغمات التوافق بعد أن كانت تسوده نغمة الإسلاميين الشياطين! وخاف بعض المخلصين من مزيد انقسام واستقطاب فأرادوا جعل المظاهرة توافقية وسعوا في التوسط بين الطرفين لتكون تظاهرة وطنية جامعة، من هذه المحاولات كانت محاولة الأستاذ الهضيبي التي لم تكلل بالنجاح!

من ناحيتي أحمد الله أنها لم تكلل بالنجاح، وأحمد الله أن التيارات الليبرالية انسحبت من هذا اليوم فكان انسحابهم كوجودهم صفرا، وكانوا كالذبابة التي حطت على النخلة ثم قالت لها: تماسكي يا نخلة فإني سأطير!! ساعتها لم يكن يستطيع أحد أن يشكك في الوزن الإسلامي مقارنة بالأوزان المجهرية لغيره، فانطلقت نغمة الشيطنة مرة أخرى حتى غُرِس في العقل الجمعي المتابع للإعلام أنها "جمعة قندهار"، وكان طوفان الأكاذيب –كالعادة- شيطانيا إبليسيا بحق، كما قال تعالى (وقد مكروا مكرهم، وعند الله مكرهم، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال).

وأما موقفه منه في كواليس قناة المحور فلا تعليق لي عليه، والشيخ الشحات مدعو لتفسير موقفه، غير أني فهمت أنه في سياق الاستفسار وليس السخرية.. والله أعلم! وأما موقفه مع جورج إسحاق فإني ممن ينتقد الشيخ فيه ويراه مخطئا!

وأما موضوع الدية التي طالما أثارها الإعلام لتشويه السلفيين فالأمر كالآتي: اعتاد الكثيرون التصالح عرفيا بعيدا عن الطرق الرسمية في ظل انهيار مؤسسات الدولة وامتلائها بالفساد كالشرطة والقضاء أيضا، وحين يرتكب أحدهم جريمة القتل ويعجز الطرف الآخر عن إثبات هذا لما يعتور الشرطة والقضاء من ثغرات وفساد فإنه ينحو نحو أن يأخذ حقه بيده، ولقد عادت ظواهر الثأر في القاهرة والإسكندرية والبحيرة والشرقية وغيرها، وزادت في الصعيد بعد أن بدا أنها تتراجع (كل هذا قبل الثورة)، وانتشرت في مصر مكاتب تخليص الحقوق بالبلطجة، وإعلاناتها كانت موجودة في الشوارع "أتعابنا من خصمك" حيث تقوم هذه المكاتب بتخليص الحقوق بالبلطجة بعيدا عن متاهات القانون التي لا تسمن ولا تغني من جوع.. في هذه الأجواء كان من أنشطة الجماعات الإسلامية في الإصلاح بين الناس تكوين مجالس عرفية تقضي بين المتخاصمين، ونجحت هذه المجالس كثيرا كثيرا كثيرا في نزع فتيل أزمات كبرى، وهذه المجالس باعتبارها تستقي أحكامها من الشريعة ساهمت في إرضاء المتخاصمين وإنهاء الصراعات.. من هذه الصراعات جرائم القتل، إذ كانت تحكم فيها بالدية لمن أراد وعفا، وهنا ينجو القاتل من ثأر يطارده كما يكسب أهل المقتول ما يعينهم بعد أن عجزوا عن أخذ أي شيء قانونا أو حتى عن إثبات جريمة القتل..

ما حدث في الثورة هو بالأصل مسؤولية القانون المصري الذي لا يحتوي توصيفا لجريمة "ضد الإنسانية" (تساوي الحرابة في الشريعة)، وقد ألغي منه ما يتعلق بالحسبة، فصار الطريق الوحيد لإدانة ضابط الشرطة القاتل هو أن يثبت أهل الشهيد أن هذا الضابط هو نفسه الذي قتل الشهيد. وحيث كان هذا متعذرا لحالات الارتباك أثناء الثورة وتضارب أقوال الشهود وبسبب ما في الشرطة والقضاء من فساد لم ينتهِ بعد.. كان هذا الإثبات عسيرا، فلجأ بعض الأهالي إلى مجموعة من شيوخ الأزهر ليأخذوا الدية بعد عجزهم عن إثبات القتل، ثم أشير عليهم بأن شيوخ السلفية إنما يقررون الدية بضعف هذا المبلغ أو بضعفيه، فلجأ الناس إلى شيوخ السلفية الذين قدَّروا أن أخذ الدية أنفع لأهل الشهيد من البقاء في المحاكم في ظل غلبة الظن بأنهم سيعجزون عن إثبات القتل.

شخصيا لا أقبل ما ذهب إليه شيوخ السلفية في هذا، وأميل إلى القول بأنها ليست جرائم قتل من التي يجوز فيها دفع الدية بل هي جرائم حرابة (ضد المجتمع) لا يحق فيها لأهل الشهيد التنازل عنها.. هذا موقفي، ولكن أن يتخذ هذا سبيلا لكي يقال إن شيوخ السلفية كانوا في خدمة الشرطة ضد حق المجتمع فهذا هو الظلم الذي لا أقبله ولا أرضاه، وهذا هو ما دندنت حوله وسائل الإعلام شهورا لتشويه السلفيين.

***

ينتقد الهضيبي على التيار السلفي تقديره للأمور، لا بأس بذلك، ولعلي أشاركه كثيرا من انتقاداته هذه، كالموقف في مقتل سيد بلال وفي الثورة، ولكني أفهم هذه المواقف على ما قلته سابقا من أنها في سياق الارتباك والاعتقاد بالعجز التام عن الفعل أمام السلطة الباطشة لا في سياق التنازل أو التطوع لمساعدة السلطة في احتواء الجماهير.

لقد أمسك الجميع في انقلاب السلفية من رفض المشاركة في الانتخابات إلى العكس وكأن السلفيون وحدهم من انقلبوا على أنفسهم!! لا بأس أن ننقد من نراه ينقلب على مبادئه شرط أن نكون عادلين: أين الإعلام من انقلاب شنودة على نفسه، انقلاب ساويرس، انقلاب رفعت السعيد، انقلاب تجار الديمقراطية على بضاعتهم وآلهتهم "الديمقراطية".. انقلاب الجميع بما فيهم الإعلاميون أنفسهم.. الإعلاميون الذين فقدوا الحياء وكان بعضهم يصرخ ويلطم وبعضهم يبكي ويستعبر وبعضهم ينادي ويناشد، هم الآن يزايدون على الثورة والثوار وينطقون باسمهم.. الكل انقلب فلماذا لا يبدو أحد مهتما إلا بانقلاب السلفيين!!

هذا مع أن السلفيين لم ينكروا موقفهم السابق، وإنما أوضحوا تقديرهم في الحالتين، لماذا لم يشاركوا؟ لأن المشاركة قديما كانت عبثا، والآن يشاركون لأن الوضع تغير وصارت المشاركة مؤثرة، وهذا جريا على القاعدة بأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال! (ولو أن السلفيين ما زالوا مطالبين بمراجعة أوضح وأعمق مكتوبة حول أصل المشاركة).. فلماذا لا يبدو هذا كدليل على مرونتهم وبرهان على أنهم قابلون لتغيير مواقفهم تبعا لتغير الأحوال؟..

يخشى الأستاذ الهضيبي من أن هذا التغير الدائم سيجعل الدين في موضع التابع لا المتبوع، وأحب أن أطمئنه إلى أن السلفيين ليسوا الناطق باسم الإله لكي تخشى على الدين من تصرفاتهم، فلا جمودهم هو جمود للدين ولا انقلابهم هو انقلاب في الدين.. هم مجتهدون كغيرهم يعبرون عن فهمهم للدين كغيرهم، ويمكن للجميع أن يصوبهم ويسددهم ويقومهم، وفهمهم هذا لا يلزم أحدا غيرهم هم وأتباعهم..

يحسن ألا نتعامل مع الدين كطفل صغيرن نخشى عليه من هذا وذلك وهؤلاء وأولئك.. ليكن تقديرهم خاطئا، ها أنت موجود لتثبت لهم خطأ هذا التقدير!

***

يجب أن يكون عضو البرلمان من أهل الكفاءة، لا شك في ذلك، ولكن لا أحسب أحدا يختلف على ضرورة وجود النزاهة.. الخلفية الدينية وحدها لا تكفي، لكن وجودها ضرورة، الدين –في رأيي وأحسب أنه كذلك عند أغلب المصريين- هو الضمانة ومعيار الأمانة، لذا فمحاولة إقصاء الخلفية الدينية من معايير البرلماني في محاولة فاشلة، وشخصيا مع اعترافي بالمهارة الخطابية والمعرفية لكثيرين إلا أني حزنت جدا لدخول بعضهم البرلمان، وما ذلك إلا لافتقادهم الخلفية الدينية التي تجعلني لا آمنهم!

وأما الكفاءة السياسية، فالمعلوم لدى الجميع أن أحدا لم يولد سياسيا فذا، وأنه لو كان من شروط دخول البرلمان توفر الخبرة البرلمانية لما دخل أحد على الإطلاق، كل الناس كانوا ذات لحظة جهلاء فتعلموا فعلموا، وكانوا بلا ممارسة ولا خبرة فمارسوا فخبروا.. فلا يزايد علينا أحد بأن الشحات ليست له خبرة سياسية، فكل الشعب هكذا، ولو كان الأمر بالخبرة فلنأت مرة أخرى بفتحي سرور وزكريا عزمي، أو لعلنا نبعث كمال الشاذلي من مرقده هذا لكي يمثلنا في البرلمان!

ما بدا من الشيخ الشحات في هذه الشهور القليلة أذهلني شخصيا، ولم أكن من معجبيه ولا محبيه فصرت منهم في هذه الندوات والمحاضرات والمداخلات التليفزيونية، لقد بدا لي منفتحا ومرنا وواثقا من نفسه ومتمسكا بثوابته وفكرته ومنافحا صلب المراس قديرا في التصدي لخصوم الهوية الإسلامية لمصر، وأراه ممن يجب أن يدخل البرلمان وأدعو بكل طاقتي أن يدعمه أهل دائرته.. وبالرغم من قربي للإخوان عن السلفيين إلا أن الاكتئاب أصابني مدة حين علمت بأن الإخوان لم يتركوا له هذا المقعد وأصروا على منافسته برجل مستقل وليس منهم!!!

***

أعلم أن هذه السطور السابقة لن ترضي أحدا، لا الإخوان ولا السلفيين ولا غير الإسلاميين.. يكفيني أنها ترضي ضميري، واسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.. فالعمر يتناقص، ولم يبق لنا بعد الموت لا برلمان ولا انتخابات ولا علاقات، والشقي الغبي هو من يبيع آخرته بدنيا غيره!

2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 04, 2011 09:32

November 28, 2011

ميدان هادر وبرلمان ثائر!

كالعادة، فاجأت الشعوب تخبتها وقيادتها ودعاتها وعلماءها، وأثبتت لهم أنها أفضل مما يتوقعون.. وكالعادة أيضا ثبت للنخبة الفاشلة المفروضة إعلاميا أنهم منفصلون عن الشعب وأن تأثيرهم مجهري ضئيل فالشعب واجه دعوتهم لمقاطعة الانتخابات بإهمال تام!

أما النخبة المفروضة إعلاميا فلن تفهم ولا أرى محاولة إصلاحها إلا تضييعا للوقت والجهد، فهي بالأساس إما تنطق بلسان صاحب التمويل أو ارتضت أن تبتعد عن نبض الناس ثم اكتسبت كبرا وعجرفة وصدَّقَتْ أنها نخبة فصارت ترى نفسها معصومة لا تخطئ.. وأما العلماء والدعاة وأشباههم فما زلنا نرجو أن تتغير نظرتهم للشعوب، للأمة التي وصفها ربها بأنها خير أمة أخرجت للناس، ما زلنا نرجو أن يعلموا أن سنوات الاستبداد قد صنعت لديهم صورة شائهة قاسية مظلمة، فالاستبداد بطبيعته يخرج أسوأ ما في الناس من أخلاق، ولله در الرائع الكبير الشيخ عبد الرحمن الكواكبي الذي شرح هذا خير شرح في رائعته الخالدة "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"..

***

الثورة المصرية في أزمة، أو هما أكثر من أزمة في الحقيقة؛ الأولى: أنها ثورة بلا رأس ولا قائد، صحيح أن هذا حماها من الإجهاض، لكن في المقابل لم يستطع أحد تطويرها وتصعيدها والاستناد إلى القوة الشعبية في الوصول إلى أهدافها. والثانية: وهي مترتبة على الأولى، إذ سارعت الأطراف المختلفة تحاول سرقتها، فالمجلس العسكري –ومن ورائه الخارج- يحاول إجهاضها والتخلص منها بأقل الخسائر، والقوى المتضخمة إعلاميا تريد سرقتها ونسبتها إلى نفسها والمتاجرة بها (يسري فودة الذي وصف شفيق وعمر سليمان بأنهما من أفضل رجالات مصر يمارس دعارة إعلامية يومية لحساب الليبراليين المجهريين، ويمارسها في قناة ساويرس الذي كان من محاولات إطفاء الثورة ومن رجال المخلوع ومعارضي تنحيه.. هذا مجرد مثال)..

كل الناس يتكلمون الآن باسم الثورة، حتى أركان النظام المخلوع، حتى من عارضها وهاجمها وشوهها، كل التيارات تتحدث عن الثورة، المخلصون والطيبون والمتمولون والأشرار.. حتى أمريكا تعلن عن سعادتها بالثورة وجاءت وزيرة خارجيتها تمشي في ميدان التحرير!!

ولذا، وفي هذه الأجواء تحديدا، تصير الانتخابات أفضل شيء لهذه الثورة، ليس فقط على مستوى الشرعية الشعبية، بل على مستوى الحديث باسم الثورة، بعد الانتخابات "النزيهة" يستطيع ممثلوا البرلمان وحدهم أن يقولوا "الشعب يريد.."، وهم يستندون بالفعل إلى قاعدة شعبية لا يمكن تجاهلها!

لا بد من الانتخابات لنعرف لمن يعطي هذا الشعب قياده ويرضى باختياره، هذا الشعب الذي ثار والذي ظل تسعة أشهر يرى الكل يتحدث بالنيابة عنه هو أحوج ما يكون إلى اختيار ممثليه، فإن اختارهم على مستوى اللحظة فبها ونعمت، وإن لم يكونوا كذلك فقد دفع ضريبة اختياره الخاطئ.

إن صورة العجائز والمرضى والمقعدين الذين ذهبوا للتصويت، وصور من وقفوا في الأمطار وغطوا رؤوسهم للوقاية من المطر انتظارا للتصويت، ومن وقفوا ملتصقين بالحائط لأن الشارع تغرقه المياه انتظارا للتصويت.. هذه الصورة يجب أن تصحح نظرة البعض لمن أسموهم "حزب الكنبة"!.. فهاهو "حزب الكنبة" قد غادرها ليقول رأيه!

***

وعلى الجانب الآخر يجب أن نذكر الصورة المقابلة، هذا من الإنصاف الذي أُمِرْنا به..

لم يسقط حكم مستبد أبدا عن طريق الانتخابات! يجب أن نفهم ونعتبر بهذا، فالحقيقة هي أن: الانتخابات وحدها لا تكفي!

وهذه الانتخابات التي تعيشها مصر الآن هي الأوضح في إثبات هذا، فهي بالأساس لم تأت إلا بثورة، ثورة ضاعت فيها أرواح ودماء وأعضاء، وخرج منها شباب وقد فقدوا عيونهم وأيديهم وأرجلهم، هؤلاء هم من أوصلوا البلاد إلى هذه النقطة، ولن نستطيع أن نجازيهم فثوابهم محفوظ عند الله تبارك وتعالى.

كذلك فإن الانتخابات التي تتم في أجواء ثورة غير التي تتم في أجواء تغول السلطة.. فالأولى يُعْمَل لها حساب والأخرى تُزَوَّر رغما عن الأنوف، فالميدان صاحب الفضل على البرلمان دون شك، لا سيما في هذه الهبة الثورية التي انطلقت في 18 نوفمبر قُبَيْل الانتخابات.. فإن يقظة الشعب وعافيته هي الضمان الوحيد لحراسة الانتخابات.

***

الخلاصة أن الميدان يحتاج إلى البرلمان، والبرلمان يحتاج إلى الميدان، والمعادلة لا ينبغي أن تضعهما متعاكسين، بل الميدان لا يُغني عن البرلمان ولا البرلمان يُغني عن الميدان.. المعادلة المطلوبة ينبغي أن تكون لمصلحة "البرلمان الثائر".. لنقل إن الميدان صانع الألعاب والبرلمان هو من يحرز الأهداف.

***

من كثرة ما سُرقِت الثورات في تاريخنا أصبحنا نحفظ طرقا كثيرة لسرقة الثورات، لذلك لن نطمئن إلى نجاح الثورة إلا حين نرى بأنفسنا أن السيادة يملكها من اخترناه على الحقيقة.. إن ثمة نماذج كثيرة في عالمنا العربي والإسلامي لديها الديمقراطية الشكلية، بينما السيادة الحقيقية في غير يد الشعب؛ خذ لديك: الكويت والأردن والمغرب والجزائر وباكستان وغيرها، حيث تكمن السلطات والسيادة الحقيقية في يد الملك أو العسكر، ويمارس المجتمع ديمقراطية شكلية لتحسين ظروف المعيشة (التي لا تتحسن بالمناسبة) فيم يظل القرار الوطني مرهونا بإرادة الخارج.

لذا فأمامنا مسيرة طويلة للاطمئنان على ثورة مصر، وكافة ثورات الربيع العربي عموما، المسيرة تبدأ من تزوير الانتخابات (انتخابات المرحلة الأولى ليست معيارا، فلقد أجرى حسني مبارك انتخابات نزيهة في المرحلة الأولى ثم انقلب عليها في الثانية والثالثة) وتنتهي بالعلاقة بين السلطة المدنية المنتخبة وبين المؤسسة العسكرية التي تملك قوة السلاح والمتمتعة بامتيازات سيادية واقتصادية كبرى ( وكم من انتخابات وديمقراطيات انقلب عليها العسكر وعادت البلاد إلى الاستبداد مرة أخرى، وهل تاريخ العرب الحديث إلا تاريخ انقلابات عسكرية؟!)..

لا نتشاءم، ولكن يجب أن ننتبه ونتيقظ ونحذر، وفي النهاية، فحتى لو استقرت البلاد كما نريد فأمامنا معركة البناء والنهضة ومواجهة الخارج وعملاءه في الداخل.. إن خلاصة الدنيا كلها في قوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في كبد) وهو ما فقهه الإمام أحمد بن حنبل –الذي عاش في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وفي بغداد عاصمة الدنيا وسيدة البلاد ذلك الوقت- حين سُئِل: متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال: عند أول قدم يضعها في الجنة!

اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك..

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 28, 2011 10:16

November 26, 2011

درس من التاريخ لثوار الربيع العربي (2-2)

لابد للثورة من عقل وقدرة، فالعقل يستعمل القدرة في إنجاح الثورة، والقدرة تحمي العقل وتُبلِّغه أهدافه، بغير اجتماع القدرة والعقل تفشل الثورة، فإما أن تُخْمد وإما أن تُسْرق. ونحن أبناء العرب والمسلمين أكثر من ينبغي أن يفقه هذا، إذ نحن الذين اكتوينا بنيران التخلف الحضاري والعلمي والثقافي، ونحن الذين عشنا حياة الفقر والقهر، وسالت منا الدماء والأموال، وكل هذا لأننا لم نحافظ على ثوراتنا منذ مائتي عام.. وانظر إلى عالم العرب كله، وارجع إلى تاريخه لترى أنه نتاج أمرين: ثورة أُخمدت أو ثورة سُرِقت، فنحن بين استبداد أو احتلال، وما لم ندرك ونتعلم كيف نحافظ على ثوراتنا فنحن قوم نستحق أن يستمر ليلنا الأسود الطويل.

ولكي لا يكون كلامنا نظريا فلسفيا، اقتطعنا من مشاهد التاريخ مشهد ثورة لنرى فيها الصورة الواضحة، واخترنا مشهد الثورة العباسية لأنها واحدة من أشهر الثورات في تاريخنا الإسلامي، تصلح أن نذكرها للعرب من المحيط إلى الخليج، وسيرتها قد مُحِّصت في كتب التاريخ والتراث، وباستطاعة الجميع أن يطالع فصولها.. وقد تناولنا مشهد اشتعالها في خراسان، واستعرضنا أطرافا أربعة كانت تتجاذبها: الطرف الذكي القوي (أبو مسلم الخراساني قائد العباسيين)، والذكي غير القوي (نصر بن سيار الوالي الأموي)، والقوي غير الذكي (علي بن جديع الكرماني زعيم القبائل اليمانية)، وغير القوي غير الذكي (شيبان الحروري الخارجي).

ونحسب أنه لا يمكن فهم هذه السطور القادمة دون الرجوع إلى المقال السابق.

***

في سرخس كان قد استقر أمر شيبان الحروري –حليف نصر بن سيار القديم على أبي مسلم- بعد خروجه من مشهد الصراع في خراسان بعد ضعف موقفه وبإغراءات ابن الكرماني بالولاية على هذه المناطق وجمع الضرائب منها.

ولما انقضت مدة العهد والهدنة بين أبي مسلم وشيبان أرسل أبو مسلم إليه يدعوه إلى البيعة، وكان هذا بالنسبة للعباسيين في حكم الضرورة، فسرخس مدينة إلى الجنوب من مرو (العاصمة)، وكان طبيعيا لقوم يريدون الدولة، فضلا عن الخلافة، ألا تظل في جوارهم القريب مدينة ليست في سلطانهم فضلا عن أن يكون متوليها ليس على الولاء لهم.

وكان هذا بالنسبة لشيبان في حكم المستحيل، إذ أن الخوارج يرون أنهم الأحق بالخلافة لاعتقادهم بأنهم وحدهم على الحق، هذا فضلا عن أن يبايعوا لخليفة من بني هاشم وهم يعتقدون أن الخلافة لا تنحصر في بيت ولا في أهل بلد، فكيف إذا دُعيَ إلى بيعة خليفة مجهول لم يُعرف حتى الآن؟!

فردَّ شيبان: بل أنا أدعوك إلى بيعتي. فأرسل إليه أبو مسلم: إن لم تدخل في أمرنا فارتحل عن منزلك الذي أنت فيه. فأرسل شيبان إلى علي بن الكرماني يستنصره فأبى، فحشد شيبان أتباعه في سرخس وانحاز إليه كثير من قومه من قبيلة بكر بن وائل بدافع العصبية، فبعث إليه أبو مسلم وفدا من تسعة من الأزد –والأزد من العرب اليمانية، ولعله أراد بذلك إنهاء كل أمله في التحالف مع ابن الكرماني وأيضا ضمانة لئلا يعتدي عليهم باعتبارهم من قوم حليفه القديم- يدعونه إلى الدعوة والمسالمة والكف عن الحشد وإشعال الحرب، إلا أن شيبان أخذهم فسجنهم.

فعند ذلك أمر أبو مسلم قائد جيوش العباسيين أن يفصل كتيبة من جيشه لتتوجه إلى سرخس ويبدو –من مقارنة الروايات- أن هذه الكتيبة مارست قدرا من الخداع لشيبان فأعلمته أنها فقط تعبر سرخس في طريقها إلى هراة ولا تقصد قتال شيبان . وأمام هذا الجواب الخادع لا ندري على وجه التحديد هل انخدع به شيبان فوافق على مرورهم، أم أنه توجس خيفة وتشكك غير أنه اضطر للموافقة لأنه لا يملك أن يبدأ أبا مسلم بالعداوة.

على كل حال، انطلقت الكتيبة بقيادة بسام بن إبراهيم وكأنها في طريقها إلى هراة، إلا أنه حين اقترب من سرخس، هاجمها، فخرج إليه شيبان في نحو من ثلاثة آلاف رجل، فاقتتلوا قتالا شديدا، قُتل فيه عامة أصحاب شيبان وانسحب الباقون إلى المدينة، ولجأوا إلى المسجد، وقُتِل شيبان ومن بقي من أصحابه، وبعث بسام برأس شيبان إلى أبي مسلم.

كان فتح العباسيين لسرخس خبرا كبيرا، لأن أهل سرخس لم تتقسمهم العصبية القبلية ولم يكونوا أحزابا، بل كانوا متوحدين ضد جيش العباسيين، ولذا ازداد هم نصر بن سيار ما إن بلغه الخبر، وقال: "اليوم استحكم الشر على بني مروان"

***

وأما نصر بن سيار فقد خاض في أيامه الأخيرة هذه رحلة انسحابات من مدينة إلى مدينة، وذاق فيها مرارات الهزائم العباسية، ثم مرارات الخذلان من قادة الجيوش الأموية التي أقبلت تحاول السيطرة على الوضع في خراسان بعدما تبين أنه أخطر من المتوقع.

لقد بذل نصر بن سيار في حفظ أمر خراسان أفضل ما يمكن أن يبذله قائد في مكانه؛ لقد كانت رسائله تتوارد إلى العراق والشام فلا يجيبها أحد، ولم يخرج من خراسان إلا بعد أن كانت خراسان بالفعل في يد العباسيين وما كان يمكنه المقاومة، بل كانت انسحاباته كلها فيما بعد انسحاب من يخطط للعودة إذ لم يفر إلى أقصى الغرب بل تحول من مدينة إلى أخرى: من مرو إلى باب سرخس، ومنها إلى نيسابور، ثم إلى قومس ثم إلى الري، ولم يكن يترك أحدها إلا حين تصير على وشك السقوط، وأرسل بابنه تميم على رأس فرقة في إحدى المعارك فقُتِل، وكان على استعداد لمواصلة القتال لصالح الأمويين وطلب أن يكون الأمير على القوة الأموية القادمة التي يقودها نباتة بن حنظلة، إلا أن طلبه لم يُرفض فحسب بل لقد قَطَع عنه نباتة راتبه بالكلية، ثم إنه لم ينسحب أيضا انسحاب الفار بل ظل في مدينة "قومس" وبعث بقوة أوقعت بفرقة من جيش العباسيين أسرى.

لقد ظلت الهزائم تجبره على الانسحاب المتتالي، لقد كان يري تساقط الدولة وفوات الوقت، ولهذا قال لمن أرادوه على البقاء: "تركتموني حتى صرت جسرا، قلتم: أقم؟!! شأنكم بالقوم، أما أنا فقد أعذرت".

كان نصر بن سيار قد بلغ الخامسة والثمانين من العمر، وخرج من الري إلى همدان، وهو شديد المرض، فلما صار ببلدة "ساوة" جاءه الأجل.

ما أغنى عن نصر بن سيار موهبته السياسية الفائقة، ولا ثباته الطويل، ولا فروسيته وشجاعته، ولا مواهبه البلاغية فلقد كان شاعرا موهوبا، ما أغنى عنه كل هذا حين افتقد القوة التي يستعملها وتحميه، وعلى رغم أنه نجا بأعجوبة من يد أبي مسلم الخراساني، إلا أنه كم نجا ليرى مزيدا من الذل والمصائب بل ليشهد مقتل ابنه تميم في حياته لتجتمع عليه مرارات الهزائم ومرارات الخذلان.. ليقضي أيامه الأخيرة هاربا كلما دخل أرضا لفظته إلى غيرها.

***

وأما علي بن جديع الكرماني، فقد استمر أميرا على خراسان وكان أبو مسلم الخراساني يناديه بـ "الأمير"، ويصلى وراءه الصلوات، وتم بهذا كسب ابن الكرماني تماما إلى جانب الدعوة العباسية، ولا شك أن علي بن الكرماني كان يعيش في هذه اللحظات نصرا معنويا عاليا، وهو يظن أن الأيام قد أتت له أخيرا بما عجز عنه والده من الزعامة على خراسان، بل بما هو أكثر من ذلك: بدخول التاريخ، إذ هو الأمير على أهل دعوة هاشمية يلوح في الأفق أنها على وشك الانتصار بعد هذا الحال المتضعضع الذي تعيشه الدولة الأموية.

وظل علي بن الكرماني يشهد انتصارات الدعوة العباسية وتقدمها، وفجأة.. وبلا أي مقدمات توحي بها كتب التاريخ قَتَل أبو مسلم الخراساني علي بن الكرماني وأخاه عثمان في يوم واحد، وقتل معهما جماعة من أقوى أنصار علي.

كان أبو مسلم يُقَدِّم علي بن الكرماني تأليفا لقومه اليمانية لا سيما ممن لم يدخلوا الدعوة بعد، وكان يستظهر به كذلك على الربعية والمضرية، حتى إذا انتهت هذه المهمة قتله .

لا تورد المصادر سببا مباشرا لقتل أبي مسلم لابني الكرماني، إلا سبب الانفراد بالسلطة والتخلص من المنافسين الأقوياء، لكن بعضا من الغموض يحيط بهذا الحادث، فلئن كان لأبي مسلم حجة في قتله لاهز بن قريظ باعتباره ارتكب خيانة الدعوة، فما هي الحجة التي اتخذها أبو مسلم لقتل ابني الكرماني؟ وكيف استقبل قومه اليمانية مثل هذا الخبر إذ لا نجد رد فعل ظاهر على مقتل الزعيمين من أتباعهما!!

إلا أن نهاية حياة علي بن الكرماني بهذا الشكل تثير الكثير من التأملات، فهذا الرجل الذي نشأ في ظلال أبيه القوي جديع الكرماني وورث زعامته لليمانية بعد مقتل أبيه، وحادثة مقتل أبيه هذه هي التي أثرت على خريطة خراسان كلها، إذ منعته من التفكير في التحالف مع نصر بن سيار مهما قدم له من التنازلات مفضِّلاً التحالف مع أبي مسلم الذي أظهر طول الوقت أنه داعية بالحق يريد إقامة العدل وإزالة الجور، كان علي بن الكرماني أحد أهم الشخصيات التي سهلت للعباسيين انتصاراتهم في خراسان، من خلال زعامته لليمانية وعلاقته بشيبان بن سلمة الحروري وعداوته لنصر بن سيار. ربما يصح القول بأنه لم يكن يملك طريقا آخر غير الذي سلكه فما كان بالذي يستطيع أن يأمن لنصر بن سيار وكان في الوقت ذاته مضطرا لحلف أبي مسلم لكي ينتصر على نصر بن سيار ويحقق حلم أبيه القديم في ولاية خراسان. لكن يصح أيضا أن نقول: إنه لم يكن في نفس قوة أبيه، وأنه أعطى كل شيء لأبي مسلم دون أي ضمانات إلا الوعود والكلام، وهو الأمر الذي لم يفعله أبدا سياسي ماهر كنصر بن سيار الذي تعطلت تحالفات أبي مسلم معه على صخرة الضمانات هذه.

إن الدرس الكبير في حياة علي بن الكرماني أنه لابد من استمرار اليقظة مع امتلاك القوة، وعدم الارتماء في حلف أحد بلا ضمانات، أو كما يقال: لا تضع كل البيض في سلة واحدة، هذا الدرس الذي غفل عنه ابن الكرماني جعله أميرا على خراسان بالاسم فحسب لكنه فعليا كان في موضع التابع لأبي مسلم، ثم نقله في لحظة واحدة من القصر.. إلى القبر!!

***

قال المتنبي:

الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أولٌ وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس حرة ... بلغت من العلياء كل مكان

نشر في المركز العربي للدراسات والأبحاث

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 26, 2011 15:56

November 24, 2011

خلاصات البيان في معارك الميدان


لا أحب العناوين المسجوعة في عصرنا هذا فهي –في العموم-تعبر عن نوع استعراض بلاغي لا يليق بالظروف التي نحن فيها، ولكن العنوان قفز إلىذهني وكان معبرا عما أريد قوله فكتبته كما هو دون التفكير في غيره.
وطالما بدأ المقال توضيحيا فلا بأس من مزيد توضيحاتشخصية لكي لا يلتبس الموقف على أحد.

كاتب هذه السطور هو أحد المصابين في معارك محمد محمود،إصابات طفيفة والحمد لله، خمس طلقات خرطوش في الرأس والظهر والساقين، وضربتي حجارةفي الرأس، وما سوى هؤلاء من جروح والتهابات واختناقات قد شُفي والحمد لله، وكاتبهذه السطور يصنف نفسه من الإسلاميين المستقلين الذين لا يتبعون حزبا ولا جماعةوينعي على التيار الإسلامي الموجود حاليا افتقاده للثورية وروح المبادرة، وهو ممنيرى أن الشيخ حازم أبو إسماعيل يكاد يكون رجل المرحلة الوحيد.
كان من فوائد الإصابات أنها أقعدتني في البيت أياماطالعت فيها وسائل الإعلام، ولهذا تبدت لي الصورة التي يحاولون رسمها، ولن أستغرقفي التفاصيل فهي كثيرة وفادحة، بل نكتفي بالخلاصات.
1.   المجلس العسكري عدو الثورةويحسن أنك إذا لم تكن مقتنعا بهذا ألا تكمل باقي المقال،فالمجلس العسكري الذي بدأ أيامه في الحكم وهو محط أمل المصريين انتهى هذه الأياموقد خسر أنصاره جميعا، اللهم إلا المنافقون والطيبون.. وقد قام المجلس العسكري بكلما من شأنه تفجير الثورة وإنهاء الزخم الثوري طوال هذه الأشهر، ثم ختمها بوثيقةالسلمي التي أعلن فيها بكل صراحة أنه يريد أن يكون كالجيش التركي سابقا والجزائري والباكستانيحاليا، وهو الأمر الذي ما كان ينبغي السكوت أمامه.
ومجلس كهذا لا يمكن أن يؤتمن على إدارة انتخابات نزيهة،وما فعله في مط المراحل الانتخابية وفي قانون الانتخابات المعيب (أصلا الانتخاببالقائمة النسبية مع خفض الحد الأدنى هو أظلم نظام انتخابي يعطي القوى الصغيرةمقاعد القوى الكبيرة بالقانون ولا يعبر حقيقة عن التمثيل الشعبي) وفي الإصرار علىكتابة الدستور تحت الحكم العسكري وغيره كثير، كل هذه أمور تكشف النية المبيتة فياغتيال الثورة وإعادة إنتاج الحكم القديم مع تحسينات شكلية!
              2. التصعيد المتعمد وعلى غير عادة المجلس مع المليونيات في أول أمره حيث كانيستجيب لها، أقام المجلس عنادا مع القوى الوطنية (وفي الصلب منها القوى الإسلامية)التي دعت إلى جمعة 18 نوفمبر، وكان واضحا أن المجلس العسكري مصر على الاستفزازوالتصعيد، ففي مساء هذه الجمعة أُعْلن أن وثيقة السلمي قائمة وأن "خريطةالطريق" كما هي.. أي أنه رد على الملايين بقوله "اخبطوا دماغكم فيالحيط"..
كنت –وما زلت- من مؤيدي الاعتصام ليلة 18 نوفمبر، ولستممن يتخذ منهج سحب الذرائع مع الخصوم، لسبب بسيط، هو أن الخصم –لا سيما إن كانحاكما مسلحا- قادر في كل اللحظات على إبداع فخاخ جديدة، لكنني نزلت على ما استقرعليه الرأي عند الشيخ حازم وانصرفت (من الطرائف أني انصرفت فوجدت بيتي مقتحما وقدسرقوا اللاب توب وفلاش ميموري فقط.. وما زالت الدلائل تزيد عندي على أنها أصابعأمن الدولة، عفوا: الأمن الوطني).
لكن المجلس الذي سُحبت منه الذرائع وتم فض الاعتصام أمربهجوم على اعتصام بسيط لجرحى الثورة وأهلهم، هجوم وحشي أخلاهم به من ميدانالتحرير، ليختبر به آخر درجات التصعيد الثوري، وتقديري أنه أراد أن يعرف درجة تيقظهذا الشعب وحرارته الثورية فإن كان باردا انفتح الطريق لتزوير الانتخابات واسعا،وإن كان يقظا كان ذلك أول الطريق لصناعة عدم استقرار تبرر تأجيل الانتخابات أوتفجيرها أمنيا (هل تذكرون الإشارة البليغة التي قالها المجلس بأن سقوط 200 قتيل قدتعني إلغاء الانتخابات.. هذا معناه لمن يفهم في السياسة أن قنبلة واحدة في لجنةواحدة تنتظر إشارة التفجير من القيادة لينتهي الأمر).
لكن الشعب أثبت أنه حي يقظ، وأن حرارته الثورية لم تبردولم تخفت، وأنه –على عكس ما توقع كثيرون- لا يرضى بالفتات وأنه لم يكره الثورة ولميلعن الثوار ولم يعد كل همه في لقمة العيش فحسب.. بل يريد أيضا كرامة غير منقوصة.
         3. معارك محمد محمودكتب الكثيرون عن معارك الكر والفر في شارع محمد محمود،وهو الشارع الذي سيتذكره التاريخ حين تنجح الثورة باعتباره واحدا من نقاط المقاومةالبديعة التي تجلت فيها بطولات المصريي البسطاء الذين لا يظهرون على الشاشات ولايكتبون في الصحف، الشجعان ذوي البسالة والإقدام الذين كانوا يتسابقون على القنابللإعادة إلقائها على الأمن المركزي الغشوم الغادر.. كتب الكثيرون تفاصيل كثيرة، لايهمني منها إلا التأكيد على نقاط محددة هي:
1.   مقاتلوا محمد محمود ثوار حقيقيون مصريون وطنيون مخلصوندفعوا أرواحهم، وأي كلام عن كونهم بلطجية أو مستأجرون هو كلام لا قيمة لصاحبه الذييتردد بين الجهل وبين السفالة.2.   صحيح لم يكن يمكن كثيرا السيطرة على اندفاعهم، وفشلتكثير من المحاولات التي بذلناها لتهدئة القتال في محمد محمود، ولكن الذي غدر هوالأمن المركزي، وكان هذا سببا إضافيا لفشل محاولات التهدئة اللاحقة.. لا ثقة فيهم،كلما حاولنا تهدئة الناس وهدأوا غُدر بهم فما عدنا نملك إلا الصمت.3.   كيف يمكن السيطرة على من قتل صاحبه أو أخوه أو عزيز عليهأمامه؟ لماذا يريد منظروا الفضائيات والصحف أن يكون الناس بلا مشاعر؟ إن ثمةغليانا رهيبا تفيض به الصدور من جراء ما فقدت من الأحباب والأصدقاء.. من يستطيع أنيلوم هؤلاء على حرقتهم وثأرهم؟4.   كثر الكلام عن مندسين، ونعم، بينهم مندسون، لكنهم مندسونلا يفعلون أكثر من رمي الحجارة كلما هدأ الموقف، وهي الحجارة التي لا تصل كثيراإلى الأمن المركزي، فلماذا نرى الرد بالقنابل والمطاط والرصاص الحي (كل ما نفاهالمجلس العسكري عن رصاص حي ومطاطي ورش وغاز غير مرئي، كل هذا كذب صريح فاحش وقحيزيد في عدم ثقتنا في هذا المجلس العسكري.. إن إجسادنا تشهد على ما تم إطلاقهبالفعل)
          4. الإسلاميون هم المشكلة دائماحاولت وسائل الإعلام الرسمية والعلمانية تلبيس المشاكلللإسلاميين، وذلك حين كانوا يصفون الموجودين بالبلطجية ومثيري الشغب، وألحوا علىأن هذا من توابع جمعة 18 نوفمبر (حتى الوقاحة لها حدود!) وصالت النخبة وجالت وعلىرأسها البلطجي المجرم ممدوح حمزة (واحد من أهم عناصر تفجير المشهد المصري) ومعهالبلطجية المجرمة تهاني الجبالي، وآخرون معهم وإن كانوا أقل منهم صوتا ولهجة..كلهم يريدون تحميل ما حدث للإسلاميين، ويشيرون بتأجيل الانتخابات أو إلغائها(بالأمس أعلن اللواء العصار أن المجلس اتخذ لنفسه هيئة استشارية وذكر من أسمائها:مممدوح حمزة وعمرو موسى والبرادعي.. يا فرحتي!!).. فلما أعلن الإسلاميون أنهم لاينزلون ولا يريدون من أحد النزول وثبت هذا بالواقع والحقيقة، وثبت أن الشعب نفسهشعب حي ويقظ وثائر انقلبت ذات النخبة لتسحب صفات البلطجية والفوضى والقلاقل وتصبغعلى التحرير صفات الثورة والحرية والمقاومة ثم تسأل –ببراءة الوحوش السافلة- لماذالا ينزل الإسلاميون؟ أين الإخوان؟ أين السلفيون؟... هكذا، كما قال الله تعالى (لايألونكم خبالا، ودوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر)..
وما زالت الدائرة تسير نحو تأجيل الانتخابات، يحاولالمجلس التبرؤ من هذا بالتأكيد على أن الانتخابات في موعدها، ولكن وزير الداخلية(في الحكومة المستقيلة) يقترح تأجيلها، ويصرح أعضاء المجلس للتليفزيون المصري بأنالانتخابات في موعدها ولكن (انظر وتأمل) لأنهم يثقون أن هذه الأزمة ستنتهي(والمعنى المباشر أن الأزمة طالما استمرت فلا انتخابات)!
أختم بنقطتين مهمتين؛ عن مشاهد في الميدان وتعليق علىموقف الإخوان والسلفيين من النزول.
في الميدان ترى المجتمع المصري الذي لا يخرج فيالفضائيات، وإذا كنت من متابعي الصحف والفضائيات فستكتشف أن الشعب المصري علىالأرض شيء آخر غير الذي تراه في الفضائيات.. لقد رأيت بعيني التحاما كاملا بينكافة مكونات الشعب، بل إني حين أصبت (وأنا الملتحي المحسوب إعلاميا على السلفيين) كانالذي أمسك بي أثناء الخياطة شاب مسيحي، وحين بدا علىّ الإرهاق ذات لحظة وجدتالفتاة المتبرجة تقدم لي الطعام، وبينهما عشرات يغسلون وجهك من آثار الغاز ويعطونكالخل والمياه وغيرها.. هذا المشهد رأيته عشرات المرات بلا مبالغة، ما يجعلني اسأل:أين الاحتقان الطائفي الذي أراد أن يشبهنا بالحرب الأهلية في لبنان؟!!
في ميدان التحرير ترى شعب مصر على حقيقته.. وكفى!
تعليق على موقف الإخوان والسلفيين:
لا أحب منهج الإخوان والسلفيين في سحب الذرائع، ولاأوافق على كونهم دائما وضعوا أنفسهم في موضع رد الفعل لا أخذ زمام المبادرة، وكنتأتمنى أن أراهم ينزلون من اليوم الأول طالما علموا أن المجلس العسكري عدو للثورةوأنه –بما ثبت عبر الشهور- لا يريد سلطة حقيقية مدنية منتخبة في مصر..
على أني أتفهم موقفهم في سياق تفكيرهم ومنهجهم، ويساهمفي هذا أني أرى شبابهم موجودا في الميدان ومساهما بقوة في حمايته (في لحظة مناللحظات كان كل من رأيتهم في الصف الأول المواجه للأمن المركزي كله أصحاب لحى..والله يشهد على كلامي)، إنما ما لا أقبله هو التحريض على المتظاهرين، وقد قام بهذاتحديدا أحمد أبو بركة في أكثر من مرة، وكان خطابه لا يختلف عن خطاب ممدوح حمزة علىالإطلاق، ومن موقع النصيحة المحضة أتمنى أن يراجع الإخوان أداء أبو بركة الإعلاميبشكل مجمل في هذه القضية وفي غيرها..
خلاصةنحن الإسلاميون لدينا خبرة طويلة وسنين طويلة من حكمالعسكر المستبد، دفعنا الأرواح والدماء والشهداء، وذقنا الخوف والجوع، هذه الخبرةالطويلة خلاصتها أننا لا نملك ترف الاختيار، معركة وجود دولة تسودها الحريةويحكمها نظام ديمقراطي هي بالنسبة لنا معركة حياة أو موت، فإن لم نمت وسط الناس فيالميدا، فسنموت معهم أيضا في السجون والمعتقلات.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 24, 2011 03:04

November 16, 2011

فقه التولي يوم الزحف

كم مرة سمعت الشيخ يقول:

"لماذا خلقنا الله؟ لقد خلقنا الله لعبادته، يقول تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، والعبادة ليست كما يتبادر إلى ذهنك أنها الصلاة والصيام فحسب، بل العبادة اسم جامع لكل أنواع الخير والصلاح وتعمير الأرض، ولهذا يقول الله تعالى على لسان نبيه صالح لقومه (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها).. فالعبادة المطلوبة، التي هي دورنا في الحياة، هي الاستخلاف في الأرض، وإقامة دين الله وشرعه، وتعمير هذا العالم بالإسلام"..

لا أشك أنك سمعت هذا كثيرا، لا سيما إن كنت من الملتزمين الحريصين على طلب العلم وتتبع أقوال الشيوخ.. ولكن..

كم مرة أمرك هذا الشيخ نفسه بدور مؤثر في هذه المهمة الكبرى، مهمة "الاستخلاف في الأرض وإقامة دين الله وشرعه، وتعمير هذا العالم بالإسلام"؟؟

***

إن ما نراه الآن من حال الحركات الإسلامية في مصر لدليل جديد بين على أن الله لا يظلم أحدا، وأن ما نزل بالبلاد والعباد من بلاء إنما كان مستحقا لأن القائمين برسالة الله في الأرض قد قعدوا.. منهم من قعد لأنه لم يعرف من دين الله غير حفظ المتون ولم يفقه كيف يستفيد من هذه النصوص في التعامل مع زمانه ومشكلات عصره وهؤلاء لا يستحقون وصف العلماء بشهادة الإمام مالك الذي قال: "إن العلم ليس بكثرة الرواية، وإنما العلم نور يجعله الله في القلب"، ومنهم من قعد لأنه آثر السلامة..

ولأن الله خلق في الإنسان كائنا عجيبا اسمه "الضمير" يلهب صاحبه تعذيبا حين يحيد عن الحق، فإن الإنسان يستمر في التحايل على هذا الضمير ليقنع نفسه بأن ما يفعله من قعود ونكوص ليس إلا واجب الوقت وضرورة المرحلة، وكلما وقع على رأي أو تأويل يثبت موقفه في القعود كلما تمسك به، وأفضل منه أن يصنع لنفسه طريقا طويلا طويلا يقدر على أوله ولا يرى آخره، فيسير فيه موهما نفسه بأنه يبذر البذرة ليأخذها الجيل القادم أو الذي بعده أو الذي بعدهما.. المهم أن ما يفعله الآن أمر قليل الكلفة.

وهنا يبدأ التشوه الفكري، هنا يبدأ فقه ما نريد لا فقه ما ينبغي، الإخلاص –فعلا فعلا- أمر في غاية الصعوبة، هو الأمر الذي تمنى بعض السلف أن يموت إذا خلصت له سجدة واحدة.. ذلك أنه أمر يجردك من كل مصلحة ومن كل هوى ومن كل راحة، يجبرك على استفراغ الوسع حقا في دراسة الواقع، وعلى استفراغ الوسع حقا في دراسة الشرع، ثم على استفراغ الوسع مرة أخرى في تحديد واجب الوقت ثم استفراغا أخيرا في العمل لهذا الواجب مع التضحية بكل شيء..

***

لقد أمضت الحركات الإسلامية ستين سنة تحت الحكم العسكري، المهيمن على دولة مركزية باطشة، وذاقوا تحت هذا الحكم ويلات التعذيب والتنكيل والتقتيل حتي أبدعت بلادنا "أدب السجون"، لكن لا ينبغي أن نقول هذا ونسكت، بل يجب أن نذكر أن الحركات الإسلامية نفسها لم تدرك اللحظات الفارقة، وتركت الوقت يمضي فلما حاولت بعد ذلك استعادة زمام المبادرة كان الوقت قد فات!

وحين فات الوقت، وبدلا من أن توثق الحركات الإسلامية تجاربها وتنقدها نقدا بصيرا، فضَّلوا الحديث عن المدائح والفضائل وكتبوا تاريخا مناقبيا ورفعوا رموزهم مقاما عاليا حتى ذهب التقييم الموضوعي أدراج الرياح، وأصبح العقل الجمعي العام في تلك الحركات يرى في طريقه وجماعته الطريق الصحيح والجماعة الصائبة، وأنها كانت وما زالت في المسار الصحيح الذي ينتظر أن يكتمل ذات يوم!!

حديث التاريخ طويل، وقد كتبنا كثيرا منه سابقا، ولكن المأساة التي وصلنا إليها هي ما نعانيه الآن.. لقد وصلنا الآن إلى ذروة الكارثة، فلقد ابتدع لنا الشيوخ فقها جديدا، ذلك هو فقه "التولي يوم الزحف"..

وهو ذلك الفقه القائم على الهروب من المواجهة، الابتعاد عن الصدام، فقه يرفع شعار "حقن الدماء" و"دفع الضرر" و"تجنيب البلاد البلايا" و... و... إلخ

وبدلا من أن تكون مهمة الشيوخ والعلماء "الجهاد" لإقامة دين الله وشرعه، أصبحت مهمتهم "القعود" لدفع الضرر وحقنا للدماء، ويا ليته كان الضرر بالمقياس الشرعي، بل هو الضرر بالمقياس المادي الدنيوي، فلا أكبر في الشرع من ضرر استعباد البلاد والعباد وقهرهم بحكم يضرب بشرع الله عرض الحائط ويلعق أحذية اليهود والصليبيين، وهذا الضرر هو الذي شرع الله لأجله الجهاد، وحرض فيه على بذل الدماء لا حقنها، بل جعل الجهاد في سبيله ذروة سنام الإسلام!

جلس أحد الشيوخ مع أحد القيادات العسكرية، فقال له اللواء: يا شيخ فلان، برأيك: إذا تعارضت مصلحة التيار الإسلامي مع مصلحة مصر، في تصورك ما هي المصلحة التي سنقدمها؟ فقال الشيخ مُسَلِّمًا: مصلحة مصر طبعا!

هذا الشيخ الذي هو واحد من الرموز الإسلامية المعروفة، والذي يمكنه أن يسحرك بمحاضرته وتفصيله وشرحه للإسلام، لم يدرك للحظة أن مصلحة التيار الإسلامي هي هي مصلحة مصر، ومصلحة مصر هي هي مصلحة التيار الإسلامي، لقد ظن أن ثمة تعارضا يمكن أن يقوم بين "الدين" و"الوطن"، بربك: كيف وقع في هذا؟!!

ثم انظر الكارثة الأخرى: إن اللواء يقول له ببساطة: قد أضطر لذبحك إذا كان في هذا مصلحة مصر، والشيخ الغافل لم يدرك المعنى الواضح الصريح المباشر الذي لا يفوت على أحد.

وخذ لديك كارثة ثالثة: إن العسكر في مصر يتكلمون مع الشيوخ بهذه اللغة، لغة الأمر الواقع لا لغة الاستشارة ولا الخداع.. وقد فات كل هذا على الشيخ صاحب الرسائل والمسائل والفضائل!!

إن الفقه الذي ينظر للشهادة على أنها خسائر وللجهاد على أنه فتنة وللاعتراض على أنه خروج ليس فقها إسلاميا، ولن يكون أبدا.. فقه الإسلام هو الذي ينطلق من رؤية الإسلام بأن الإنسان مكلف بعمارة الأرض بمنهج الإسلام، ومنهج الإسلام هذا يعرض على الناس اختيارا لا إكراها، ولذا فتوفير الحرية واجب مقدس، ولم يحدث أبدا أبدا أبدا أن توفر مناخ الحرية، وعُرِض الإسلام على الناس إلا وقبله الناس فأسلموا ودخلوا في دين الله أفواجا.. بل نحن أصحاب الدين الوحيد الذي كان الداخلون فيه يتحولون في أيام إلى مجاهدين في سبيله فاتحين لبلاد أخرى!

إن فقه التولي يوم الزحف، هو ذلك الفقه الذي آثر السكوت حتى صارت المسلمة في بلد الأزهر الشريف تُرجع إلى الكفر قهرا وقسرا.. وكفى به عارا كبيرا!

هذا الفقه هو الذي يريد الآن أن نسكت ونصمت ونقعد في بيوتنا والعسكر يسرقون ثورتنا بعد ستين سنة، وبعد الدماء والأعراض والأهوال، وأعمار دفعناها في التخلف الحضاري.. هذا فقه لا يدرك أن اللحظة الفاصلة إن مضت فإنها لا تعود..

موعدنا 18 نوفمبر، ميدان التحرير..

نشر في شبكة رصد الإخبارية

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 16, 2011 14:44

November 15, 2011

درس من التاريخ لثوار الربيع العربي (1-2)

تنوعت الهموم في عالمنا العربي الإسلامي، ما بين دول تحبل بثورة كما في الأردن والجزائر والمغرب، ودول تمور بها وتعيش مخاضها المؤلم كما في سوريا واليمن، ودول أنجبت ثورتها وأمامها مهمة حماية الوليد من السرقة أو القتل كما في تونس ومصر وليبيا..

على أن نجاح الثورات في إزالة الماضي وإقامة النظام الجديد لابد له من توفر أمرين معا: عقل ذكي يخطط ولا ينخدع، وقوة تحميه ويستعملها، وإذا ضاع أحد هذين فمصير الثورة إلى الفشل المحقق لا ريب في ذلك، فإما ذكي مهزوم وإما قوي مخدوع، وكلاهما تضيع منه الثورة.

هذا المشهد يكاد يتكرر في تاريخ كل ثورة، وينتهي المشهد دائما إلى طرف وحيد فقط هو الذي سيجني مكاسب الثورة جميعا، ففي النهاية ثمة نظام سستؤول إليه الثورة، فإن لم يكن الثوار على قدر اللحظة التاريخية فهم أول الضحايا.

في السطور القادمة سنستعرض أربعة نماذج في تاريخ الثورة العباسية على الدولة الأموية، تلك النماذج هي: للقوي الذكي (المنتصر)، للذكي غير القوي (المنهزم)، للقوي غير الذكي (المخدوع)، لغير القوي غير الذكي (المنهزم المخدوع).

***

كانت الدعوة العباسية تعمل سرا على التحضير للثورة ضد الأمويين، وعلى رغم أن رأس الدعوة كان في الشام، إلا أن مركز الحركة كان في خراسان في أقصى شرق الإمبراطورية، وخراسان في هذا الوقت تعاني من انقسام بين القبائل العربية الكبرى، فكان الخطأ الأول الذي ارتكبه هشام بن عبد الملك (آخر الخلفاء الأمويين الأقوياء) هو أن عيَّن عليهم واليا اجتمعت فيه كل صفات الكفاءة ما عدا واحدة، تلك هي أنه ليس ذو عشيرة تحميه، أي ليس مستندا إلى دعم شعبي في خراسان، ذلك هو نصر بن سيار، وظن الخليفة أن هيبة الخلافة تُغني عن مقام العشيرة.

لكن نصر بن سيار لم يرتفع عن الانقسام بين القبائل في خراسان بل مال إلى الأقربين له من قبائل المضرية والربعية ضد القبائل اليمانية، فترسخت حالة الانقسام وتعمقت واشتد أُوارها، ربما لم يكن يمكنه أن يظل محايدا وهو يحكم مجتمعا تسوده قوة العشائر والقبائل! لا سيما وأن العلاقة بينه وبين والي العراق (وهو الذي يعلوه في الهيكل الإداري للدولة) متوترة، مما يعني أن دعم الخلافة نفسه ليس قائما كما ينبغي.

والخلاصة أن مشكلات خراسان زادت مع نصر بن سيار ولم تُحلَّ، وكان الانقسام هو الطريق الذي مهد للثورة العباسية أن تتجهز وتتقدم وتستمر في غيبة من الوالي المشغول عنها بحروبه مع جديع الكرماني (زعيم القبائل اليمانية) حتى تفاجأ الجميع بوجود حركة تدعو لآل البيت يتزعمها فتى في الثلاثين من عمره ويُدعى أبو مسلم الخراساني.

أبو مسلم الخراساني هو من يمثل القوي الذكي، يستند إلى قوة ثلاثين سنة من العمل المنظم للدعوة العباسية في خراسان، ويمتلئ هو بقوة الشباب وله من المواهب والإمكانات ما جعله على صغر سنه زعيما من أبرز زعماء التاريخ، وهو يقود دعوة ضد الظلم والجور ونصرة للحق وللحكم بكتاب الله وسنة رسوله والأئمة الراشدين.

بينما ساهمت سياسة نصر بن سيار القبلية، ومنها غدره بخصمه جديع الكرماني (زعيم اليمانية) في انفضاض الناس من حوله، فصار يعاني من الضعف في القوة والجند والعدد، ثم زاد الأمر سوءا علاقته المتوترة بوالي العراق يزيد بن عمر بن هبيرة فلم يمده بجنود من عنده متظاهرا بانشغاله بحرب الخوارج، كذلك لم يستطع الخليفة مروان بن محمد الذي اشتعلت حوله الثورات في الشام أن يفعل شيئا لنصر بن سيار في خراسان، فصار نصر بن سيار رغم ذكائه قليل الحيلة إذ لا قوة لديه، وقد أثبت بالفعل في تلك الأيام أنه سياسي من الطراز الأول.

أما الطرف الثالث في مشهد خراسان فهو علي بن جديع الكرماني، الذي ورث زعامة أبيه على القبائل اليمانية وأنصار أبيه من الربعية وبعض المضرية أيضا، وورث فوق ذلك ثأر أبيه أيضا، ولم يعد من شك في أنه سينحاز إلى حلف أبي مسلم الخراساني! وهنا دارت حرب عقول، فمن المهم لأبي مسلم أن يجعل هذا الجمع الكثير من الأتباع أنصارا للدعوة العباسية وأن يسحب انحيازهم بالتدريج لصالحه على حساب زعامة علي بن جديع الكرماني، بينما يريد علي بن جديع أن يصعد على هذه الموجة الثورية العباسية ليصير والي خراسان كما كانت رغبة أبيه ورغبة اليمانية فأَمَّل أن يكون هو الذي يبلغ ذلك الأمل. وقد فهم أبو مسلم الخراساني هذه الرغبة بطبيعة الحال فأنزل علي بن جديع منزل التكريم والحفاوة بل والرئاسة والإمارة وجعله الأمير عليه وكان يصلي وراءه ويناديه بالأمير!

ثم ظهرت في خراسان شخصية أخرى ساهمت في تغيير موازين الصراع المتوتر، وهي شخصية شيبان بن سلمة الحروري؛ كان شيبان من أتباع الضحاك بن قيس من الخوارج والذي انتهت ثورته بالفشل في العراق، ثم انضم إلى ثورة عبد الله بن معاوية في فارس والتي فشلت أيضا وهرب إلى خراسان.. ظهر شيبان الحروري فكان أول من اجتذبه إلى فريقه عليُّ بن جديع الكرماني فَتَقَوَّى مركزه، لكن يجب الأخذ في الاعتبار أن شيبان الحروري –باعتباره من الخوارج- طامح إلى الخلافة ذاتها وكان أنصاره يُنادون عليه بأمير المؤمنين كما هو المعروف عن الخوارج، ولا نعرف بالتحديد كيف كان الاتفاق بين علي بن الكرماني وشيبان الحروري غير أن المؤكد أن شيبان كان يحظى بتوقير كبير وهو في حلف علي بن جديع وكان يُنادي و"يُسَلَّم عليه بالخلافة" ، فهل كان ثمة اتفاق بينهما على أن ينصره هذا في طلب الخلافة وينصره هذا في طلب خراسان؟ أم كان اتفاقا مرحليا لم يتعرض للغايات والأهداف النهائية؟ هذا ما لم نجد شيئا عنه فيما بين أيدينا من مصادر.. فالله أعلم!

بهذا صارت خراسان بين ثلاث جبهات قوية:

1. جبهة علي بن جديع الكرماني في مرو (عاصمة خراسان) ومعه شيبان الحروري وأتباعه.

2. جبهة نصر بن سيار الوالي الأموي في نيسابور (عاصمة خراسان الثانية التي انسحب إليها نصر بن سيار بعد فشله في الاحتفاظ بمرو.

3. جبهة أبي مسلم الخراساني وأهل الدعوة العباسية فيما حول مرو

حاول أبو مسلم ما استطاع أن يجتذب إليه والي خراسان نصر بن سيار، وبذل في هذا محاولات مضنية، لكن نصر بن سيار وهو السياسي الذكي لم يكن بالذي يُخدع، واشترط ضمانات كافية ليدخل في هذه الدعوة، وبطبيعة الحال لم يكن في يد أبي مسلم أي ضمانات يمكن أن يعطيها لنصر بن سيار، فالدعوة العباسية تقف من الأمويين وأتباعهم موقف التناقض الكامل، وكل ما في الأمر أن أبا مسلم يريد انتصار دعوته بأقل الخسائر بينما لا يفوت على نصر بن سيار أنه إن استجاب ودخل في دعوة أبي مسلم فإنه سيفقد الظهر الأموي نهائيا وتذهب كل آمال الإمدادات، وسيصير أسيرا –بحكم الواقع الفعلي- في يدالعباسيين وإن كان يُنادى بالأمير.

ساهم هذا التناقض الكامل في أن يتأكد التحالف بين جبهة العباسيين بقيادة أبي مسلم وبين علي بن جديع الكرماني، وبعد أن كان أبو مسلم حريصا على أن يبدو كالمحايد بين الأطراف المتقاتلة في خراسان تم إعلان هذا التحالف، وقد نزل هذا على رأس نصر بن سيار كالصاعقة، وحاول هو الآخر محاولات مضنية مع علي بن جديع الكرماني ليفض هذا التحالف إلا أنه فشل. فحاول كثيرا مع شيبان الحروري الذي استجاب لنصر بن سيار ولكنها استجابة قلقة على خوف من نصر بن سيار أن يغدر به كما غدر بجديع الكرماني من قبل، ومن ثم أدت هذه الاستجابة القلقة الخائفة إلى انهيار التحالف الهش، فانسحب شيبان الحروري من كل هذا الصراع الدائر في خراسان، وإذا نظرنا إلى الأمور من زاوية شيبان سنجد الآتي:

1. انفضاض كثير من أتباعه عنه ودخولهم في دعوة أبي مسلم وجبهة علي بن الكرماني؛ ذلك أن طرف أبي مسلم هو الطرف الوحيد الذي يتمتع حتى الآن بطهارة الثوب والسمعة الحسنة، وهو صاحب دعوة إلى الحق ولم يرتكب حتى الآن ما يسيء إليه، بل على العكس تماما، فهو الذي رغم امتلاكه الأنصار لم يحارب ولم يقاتل وبدا حريصا على حقن الدماء. كذلك فإن أمر الأمويين مضطرب ومتشتت في الشام يقتل بعضهم بعضا، هذا بالإضافة إلى توثق التحالف بين علي بن الكرماني وبين أبي مسلم.

2. شيبان نفسه –وهو الوافد الغريب عن خراسان- ما كان بإمكانه أن يثق في نصر بن سيار ثقة تامة، فنصرٌ هو الوالي الأموي المخلص لهم، وشيبان ذو تاريخ تمردي ومتواصل.

3. وفي ذات الوقت كان علي بن الكرماني حريصا على ود شيبان فاجتمع به، وبكل لهجة الود والنصح شرح له الوضع المتردي الذي هو فيه، وأعطاه سلطة في سرخس وسمح له بأخذ الضرائب فيما المنطقة ما بين نيسابور وهرات.

وأمام هذا الوضع وهذه الإغراءات لم يملك شيبان إلا أن يطلب السلامة والموادعة واستجاب لهذا العرض وانسحب مع أتباعه من خراسان إلى سرخس، وزاد هذا الانسحاب في قوة أبي مسلم وفي ضعف موقف نصر بن سيار.

فكيف سارت الأمور؟ وكيف تطور المشهد الخراساني؟

أين انتهى الذكي القوي (أبو مسلم الخراساني ودعوته العباسية)؟ وأين انتهى الذكي الضعيف (نصر بن سيار)؟ وأين انتهى القوي غير الذكي (علي بن جديع الكرماني)؟ وأين انتهى غير الذكي غير القوي (شيبان الحروري)؟.. هذا بإذن الله ما نتعرض له في المقال القادم.

نشر في المركز العربي للدراسات والأبحاث

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 15, 2011 04:03

November 14, 2011

رسالة إلى إخواننا المعترضين على جمعة 18-11

فتنة، فوضى، تعطيل عجلة إنتاج، كسر جيش، اعطاء ذريعة لتأجيل انتخابات، مصالح شخصية، تسرع، انفراد بالرأى، وبالمرة أجندات وكنتاكى كى تكتمل الصورة النمطية التى كنا نسمعها قبل وأثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير

تلك الصورة النمطية التى لو كنا قد التفتنا إليها فى ذلك الوقت فلعلنا كنا نرزح الآن تحت حكم الطاغية أومعلقين على أعواد مشانقه.

لكن الله سلم فله الحمد والمنة

ولأن النصر صبر ساعة ولأن أهم قواعد نصرة الحق والجهاد لإعلاء رايته هوعدم الالتفات كما علم رسولنا صلى الله عليه وسلم صاحبه وابن عمه سيدنا على بن أبى طالب بينما هويشيعه إبان ذهابه لنصرة هذا الحق قائلا " امض ولا تلتفت "

فقد كان من الأولى ألا ننشغل بإثبات المثبت وشرح البديهى من الأمور

لكن يبدو أنه ومع مرور الأيام والشهور تزداد الضبابية وتختلط الصورة عند البعض مما يجعل الحاجة ماسة للالتفات المؤقت لتوضيح الأمر لمن لم يظهر له ونحسن به الظن أولدفع تهم قاسية أطلقها البعض مسلمين بذلك إخوانا لهم متخلين عنهم بينما كان حرى بهم وإن خالفوهم أن يبذلوا لهم لهم النصح ون يتبينوا منهم الأمر لا أن يسارعوا لتخوينهم أوتسفيه آراءهم والنيل من أعراضهم وإعطاء الذريعة لمن يتربص بهم أن يجهز عليهم.

لذلك كان لزاما علينا أن نرد وأن نبين لإخواننا أن قراراتنا ليست وليدة الصدفة أونابعة عن سفه وتسرع وثورية غير محسوبة كما يظن البعض إنما هى قرارات مبنية على دراسة علمية وواقعية متأنية تم فيها اعتبار كل الاحتمالات والمعايير مع حساب دقيق للمصالح والمفاسد المترتبة على اختيارنا للنزول يوم جمعة الثامن عشر من نوفمبر القادم بإذن الله

لأجل ذلك قمنا بعمل موضوع تفاعلى بمشاركة العديد من الصفحات الإلكترونية وعلى شبكة التواصل الاجتماعى للوصول إلى كل الأطروحات والرؤى التى التى تعارض النزول يوم الجمعة القادمة إلى ميدان التحرير للمطالبة بالمطلب الرئيسى والأخطر فى هذه المرحلة وهوالإعلان عن جدول زمنى واضح لا يتعدى منتصف العام المقبل لتسليم السلطة واقامة الانتخابات الرئاسية عقب الانتخابات البرلمانية مباشرة

وبالفعل وصلنا الكثير من الرؤى والأطروحات – والتهجمات أحيانا – ممن يعارضون النزول من حيث المبدأ أوالتوقيت ولهم مع اختلافنا معهم كل الاحترام والتقدير ولقد تم جمع أهم هذه الاعتراضات ووجدنا أنها لأهميتها وانتشارها تحتاج إلى جهد جماعى لتفنيدها وتوضيح الصورة كاملة لإخواننا المعترضين على هذه الجمعة التى نراها مصيرية وحاسمة

كما تم التواصل مع الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل ومراجعة بعض تلك الآراء وإطلاعه على طبيعة الردود ووالاستماع إلى رأيه فى أهمها ونورده من خلال هذا البحث الذى نسأل الله أن يكون شافيا كافيا إنه ولى ذلك والقادر عليه

وقد جاء المعارضون لهذه الدعوى ما بين معترض، ومتحفظ، ومتهم، ومتخوف

معترض على المبدأ اثق فى المجلس العسكرى وفى وعوده، ولا اجد ضرورة للضغط عليهالجيش خط أحمر، والجمعة هدفها كسر الجيشالتظاهر ليس الخيار الأمثلالتظاهر يهدد الاستقرار ويعوق عجلة الإنتاج متحفظ على التوقيت من الأولى الإنتظار حتى تنقضى الانتخابات البرلمانية حتى لا يتخذ من التظاهرات ذريعة لإلغائها متهم للشيخ حازم صلاح ابو إسماعيل الشيخ يبحث عن مصلحة شخصية بهذه التظاهرة، ويستغلها فى الدعاية الإنتخابيةالشيخ ينفرد بإتخاذ القرار، ولا يشاور القوى الإسلامية، ويشق الصف متخوف من النتائج اتخوف من رد فعل الجيش تجاه المظاهرة، وأخشى من ضرب الإسلاميين وتصويرهم بأنهم سبب زعزعة الأمن وتهديد الاستقرار خاصة والإعلام ضدهماتخوف من اتخاذ التظاهر ذريعة لتعطيل أوتأجيل أوإلغاء الانتخابات البرلمانيةاتخوف من انحراف التظاهرة عن مسارها والتركيز على مطلب الوثيقة أوإقالة السلمي دون المطلب الأهماتخوف من إظهار المليونية على أنها مظاهرة للإسلاميين وليس لكافة التوجهات المصريةاتخوف من افتعال دعوات تخريبية أومطالب شاذةاتخوف من نتيجة الإعتصام وما إذا كان العسكرى سوف ينزل على مطالبنا ام لا


اثق فى المجلس العسكرى وفى وعوده، ولا اجد ضرورة للضغط عليه

في صباح يوم التنحي أخلى المصريون ميدان التحرير، لقد كانوا يثقون بالمجلس العسكري، وظنوا أنهم لن يعودوا إليه مرة أخرى، لكن الأيام سارت على غير ما يشتهون..

ولقد قال سلفنا الصالح "الحي لا تؤمن عليه الفتنة"، "لا تكتمل سيرة المرء إلا بالموت"، "كل يؤخذ منه ويرد"، وغيرها من الأقوال التي تعلمنا أن الثقة المطلقة لا تكون إلا في نبي معصوم، أما البشر فلا عصمة لهم.

لقد رأينا من المجلس العسكري الكثير مما لا يمكن الاطمئنان إليه، ليس أوله أن قراراته كلها لم تصدر إلا قُبيل مليونية وليس آخرها وثيقة المبادئ فوق الدستورية، فبينهما طابور طويل من محاكمات هزلية وتأجيل مستمر للانتخابات وإخلاف للوعود وتغيير للتصريحات، وكل هذه أمور لا تطمئن أبدا،

أوبعد تسعة أشهر من الخداع المتواصل والمماطلة المملة والتباطؤ الذى لا يمكن أن يفسر إلا بإبدال الباء واوا

لازلنا لم نتعلم الدرس؟؟

لا يزال منا من يسير بخطى ثابتة على قضبان رسمها له العسكر بحرفية تستحق الإعجاب

أين قانون الغدر أوبديله المعيب المسمى قانون العزل السياسى إلى يومنا هذا؟
يا من تنادون للمسارعة بالانتخابات وأنا معكم والله لكن أرأيتم من قبل ثورة تأتى بمن ثارت عليهم لتنافسهم على مقاعد برلمان الثورة، ثورة تأتى بمن أفسدوا حياة العباد وخربوا البلاد ونهبوها وتقول لهم تفضلوا
استعملوا مالكم الذى تربحتموه ونفوذكم الذى حصلتموه وعلاقاتكم التى وطدتموها طوال السين الماضية لتربحوا جولة أخرى من عمر هذا الوطن
بالله عليكم ألم تسألوا أنفسكم من الذى يمنع صدور هذا القانون غير العسكر؟
وكيف أحسن الظن بهم مع هذا المنع المشبوه؟
وكيف ترضون بعد ثورة دفعنا ثمنها باهظا أن يأتى أعداء تلك الثورة ويتكئوا على مقاعد مجلس هومكتسبات هذه الثورة ثم يصدر قانون بعد خراب مالطة يقول لكل معترض منكم على وجود الفلول معه تحت قبة واحدة ( على المتضرر اللجوء الى القضاء ) ولتثبت ساعتها بالدليل أنه أفسد الحياة السياسية لنعزله
ما أنقاها وأودعها من ثورة أين إلغاء قانون الطوارىء إلى اللحظة التى أكتب فيها هذه الكلماتأين الحد الأقصى للأجور ( بلاش الأدنى ) وكل يوم تتكشف بالوثائق مرتبات بمئات الألوف بل وتصل إلى الملايين؟
أين العدالة الاجتماعية التى نادينا بها حتى بحت أصواتنا فى ميادين مصرأين دور العسكر فى مواجهة الانفلات الأمنى الذى كان حجة إلى الآن لاستمرار قانون مشبوه كان من دوافع قيام الثورة؟ وياليته صنع شيئا بل الوضع كما ترون وتسمعون.أين حقوق من نحسبهم شهداء ومصابى الثورة؟
لم يحصل هؤلاء إلى الآن على حقوقهم وتتم معاملتهم اسوأ معاملة ولولا بعض الشرفاء لما عولج هؤلاء الأبطال.أين منع وسائل الإعلام من نقد ومحاسبة العسكر بصفتهم قيادة سياسية من الحرية التى نادينا بها أيام الثورة ( وكلام الشيخ عبد المقصود الذى ذكرناه منذ سطور قليلة عن القيود الإعلامية يشهد بذلك وغيره من مواقف تنبىء بعودة سياسة تكميم الأفواه التى انتهجها النظام السابق )وأخيرا وتلك الطامة الأكبر من طوام حكم العسكر
أين وعد العسكر فى بيانه الرسمى رقم "28″ على ما أذكر أنه لن يمر العام 2011 دون مجلس ورئيس منتخبين؟

أما لاحظت يا من تحسن الظن بالعسكر أن المدة قد تضاعفت مرات منذ ذلك الحين حتى صرح العسكر فى لقاء منى الشاذلى أنه لن يكون ذلك قبل منتصف 2013؟

أترضى أن تظل تلك المرحلة الإنتقالية التى نكست البلاد أمنيا واقتصاديا وطائفيا واجتماعيا لعام ونصف آخرين؟

أنا لا أدرى بكل صدق بعد كل تلك الأسئلة وعندى غيرها كثير والله

كيف لا يزال هناك من يثق بالعسكر؟

كيف لا يزال هنالك من يطمئن إليهم بل وينافح عنهم فى أحيان كثيرة ولا داعى لذكر أمثلة

ألم ينتبهوا إلى نكثهم لوعودهم حتى تلك التى وعدوها يوم وثيقة عنان بحد أقصى ثمان وأربعين ساعة ولم ينفذ منها شىء وذهب " التأييد الكامل " بغير فائدة

ألم يفطنوا إلى إشارات تدخل العسكر فى الدستور الجديد وتلميحه للنموذج التركى ( قبل التعديل الأردوغانى ) وآخر تلك الإشارات تصريح عنان بأن مدنية الدولة مسألة أمن قومى ( يعنى تحت حماية الجيش ) وهمهم أن يدرجوا ذلك فى مبادىء فوق دستورية ورأيناه جميعا فى وثيقة السلمى المشبوهة

كيف تأمنون وجود هؤلاء أثناء كتابة دستور بلادكم حتى وإن كنتم أغلبية فى كتابته وهوأمر غير مضمون على فكرة؟

ومع ذلك فليدافع من يدافع وليثق من يثق وليحسن الظن من شاء وكيفما شاء.

لكن فليدعوا من رأى أن هذه الأفعال من العسكر ليست من الحق وأن عليه أن يصدع بذلك لحاله.

كل ما سلف وغيره كثير يجعلنا لا نتمسك بالثقة الوهمية غير المبررة في المجلس العسكري، ويجعل مطلبنا هو"إصدار قرار" لا مجرد إلقاء وعد أونشر رسالة على الفيس بوك، فكل هذا لم يعد له جدوى، وحتى "إصدار القرار" لن يكون نهاية المطاف بل ستظل الرقابة قائمة لمسار الأحداث والسياسات لنرى كيف يسير تنفيذ هذا القرار.


الجيش خط أحمر، والجمعة هدفها كسر الجيش

مبدئيا لا أحد من المصريين يريد أن يكون جيش مصر ضعيفا أومهددا أومنقسما،ولا يتصور أن يحاول مصرى أويكون من أهدافه كسر هذا الجيش اللهم إلا إن كان خائنا أو عميلا وهوما لا نقبل أن نوصم به.

غير أن هذا لا يعني أبدا أن نسمح للجيش أن يستغل هذا الاحترام الوطني ليفرض نفسه فوق الشعب وفوق الدولة وفوق إرادة الشعب.. الخط الأحمر بالنسبة لنا بعد شرع الله وإقامة دينه فى الأرض هومصلحة الأمة والوطن،

الوطن الذي تمثله ببساطة ووضوح الإرادة الشعبية، وأي محاولة لتجاوز هذه الإرادة الشعبية ينبغي مواجهتها، أيا ما كان الذي ارتكب هذه المحاولة.. ويظل كل من احترم الإرادة الشعبية مقدرا ومحترماويحمل علىالرؤوس والأعناق، كما يظل كل من حاول تجاوزها أوالالتفاف عليها مرتكبا لجريمة في حق هذا الشعب وهذا الوطن.

يكتسب الجيش كونه "خطا أحمر" من دوره الوطني في الدفاع عن سيادة الوطن واستقلال أراضيه، أما أن يتحول الجيش -أوبالأحرى المجلس العسكري- إلى لاعب سياسي يريد تمرير رؤيته المتصادمة مع الإرادة الشعبية، فهنا لا حرمة لأحد، ولا حتى للمجلس العسكري، ولن يكون أحد منهم أحب إلينا ولا أعز علينا من الصديق أبي بكر الذي نادى في الشعب أن يطيعوه ما دام ملتزما بالقانون الإلاهى المحكم (الكتاب والسنة) فإن تجاوزهما فلا طاعة له عليهم.

أما تهمة إثارة الفوضى وكسر الجيش واضعافه فهى فى الواقع ليست بالجديدة، ففي أثناء ثورة يناير قيل أن هؤلاء الشباب الذين قاموا بالثورة عملاء أومغرر بهم من أجل إسقاط مصر (على أساس إن مبارك هومصر) واختلقوا الكثير من المسلسلات الطريفة كقصة فتاة قناة المحور الشهيرة وتامر "بتاع" غمرة، وزيفوا حينها "بانر" موقع الجزيرة نت وكتبوا فيه (معا لأجل إسقاط مصر) إلى آخر هذه الأمور، ومرت الأيام وتكشف للمصريين أن هؤلاء الشباب كانوا من أخلص وأوفى أبناء مصر،

وفورا وبعد التنحي بدأت الحلقة التاية من المسلسل، مسلسل تصوير أي معارض على أنه يريد إسقاط الجيش.

لا أحد يريد إسقاط الجيش أوكسره، ليس فقط لأنه آخر الأعمدة والضمانت لاستقرار الوطن أو ما إلى ذلك، ولكن الحس الوطني عند عموم المصريين يأبى ذلك، بل إن عملية كسر الشرطة نفسها في ثورة يناير لم تكن بالصورة التى يصورها البعض

إن الذي كسر الشرطة طغيانها وبغيها وصلف استشرى فى صفوف رجالاتها أدى لكبت شديد جاشت به صدور المظلومين والمستضعفين وانفجر يوم الغضب فى وجوه جلاديهم،

وهؤلاء المواطنين الذين انفجروا فى وجوه ظالميهم هم أنفسهم من هبوا لحماية ديارهم وبلادهم في ظل اختباء الشرطة وانسحابها وخذلانها الظاهر إلى يومنا هذا، وليس انكسارها كما يقال.

ينبغي أن يتخلص المجلس ومن يثقون فيه من المبدأ الذى كان يردده مبارك لتخويف الناس من المضى قدما فى خلعه (أنا أوالفوضى)، وينبغي أن يعي الجميع أن هذه الوسائل التي لم تسعف مبارك لن تسعف من بعده، فحرية الإنسان السوي وكرامته أغلى عنده من لقمة عيشه وأمنه بل وحياته، ورصاصات الأمن المركزي وحوافر جياد وجمال الحزب الوطنى وزبانيته لم ترد الأحرار عن مطالبهم، بل حتى طائرات الأسد ودباباته وشبيحته ومرتزقة القذافي وجنونه لم يثنوا الشعوب عن التوق للحرية والكرامة.


التظاهر ليس الخيار الأمثل

إذا تركنا خبرة التاريخ وتركنا الميراث الهائل من النصوص القرآنية والنبوية وأقوال أعلام هذه الأمة، واستندنا فقط إلى خبرة الأشهر الماضية وحدها، فإننا سنجد وبوضوح أن المظاهرات والمليونيات والاعتصامات هي التي كانت الوسيلة الوحيدة الناجحة في الضغط على نظام المخلوع ثم في الضغط على المجلس العسكري الحاكم، وليس من قرار واحد كبير تم اتخاذه إلا قُبيْل مليونية أوفي أعقابها.

إن انعدام أي وسيلة للتواصل مع المجلس العسكري الحاكم يجعل الطريقة الوحيدة لتوصيل الطلبات هي وسيلة المظاهرات والاعتصامات، وطبيعي أن تسلك الشعوب هذا المسلك حين لا تجد قنوات مفتوحة وفعالة لتوصيل المطالب والاستجابة لها.


التظاهر يهدد الاستقرار ويعوق عجلة الإنتاج

أما الاستقرار فهو مهدد من تلقاء نفسه، والسبب الأساسي في هذا هو: طول الفترة الانتقالية، وضبابية سياسات المجلس العسكري الحاكم، وعدم تحديد موعد لانتخابات الرئاسة، والانفلات الأمني الذى بات واضحا للعيان أنه متعمد مقصود.

إنه لمن الظلم البين أن تتحمل مظاهرات التحرير وحدها سبب تهديد الاستقرار.

وأما عجلة الإنتاج التي استنزفت على مدار ستين سنة من الحكم العسكري فلا يمكن تحميلها لمظاهرات تخرج يوم الجمعة (العطلة الرسمية)، من أراد إصلاح عجلة الإنتاج حقا فهوبالتأكيد لن يفكر في مناقشة "أزمة التحرير"، بل سيناقش ملفات أخرى كثيرة كلها معروف.

وعلى كل حال، فتلك المقولة تعيد تذكيرنا بعهد المخلوع غير المأسوف عليه، ولوأننا استمعنا إليها قبل شهور لما كان ثمة ثورة من الأصل!


من الأولى الإنتظار حتى تنقضى الانتخابات البرلمانية حتى لا يتخذ من التظاهرات ذريعة لإلغائها

وهذه وجهة نظر تُحترم، لكن لنا عليها كثيرا من الملاحظات التي تدعمها المعلومات والخبرة التاريخية كذلك:

ما زال النظام المصري نظاما رئاسيا لا برلمانيا، وقد صرح اللواء ممدح شاهين بأن المجلس هومن سيحدد رئيس الحكومة وليس بالضرورة أن يكون من الأغلبية البرلمانية، وهذا التصريح يضرب الانتخابات كلها في مقتل ويجعلها تقريبا بلا فعالية واقعية من حيث الحكم.الوقت عنصر فعال في الحياة الإنسانية، وإذا لم تفعل في الوقت المناسب فقد لا تستطيع أن تفعل أي شيء بعد فوات الوقت، قد تتمكن من إنقاذ مريض في لحظة معينة لكن تأخرك عن هذه اللحظة يجعل الأمر مستحيلا.. وعليه، فالوقت الثمين الذي مضى منذ تنحي المخلوع أسفر عن نفسه في الشارع، لقد صار حشد الناس أصعب في كل مرة من المرة التي تسبقها، والحالة الثورية تهدأ بطبيعتها بمرور الوقت، ليس هذا لعيب في الشعب المصري فكل الشعوب كذلك، والانتظار لخمسة أشهر أخرى يجعل الأمر أصعب أضعافا مضاعفة، ويساهم في انتهاء الزخم الثوري، مما يجعل معارضة المجلس العسكري عملا انتحاريا لا فائدة منه وسيعود الاستبداد مرة أخرى (تجربة الانقلاب العسكري في يوليو1952 هي أوضح التجارب وأكثرها شبها باللحظة الحاضرة).ماذا إذا تم تأجيل الانتخابات البرلمانية لأي ذريعة: الانفلات الأمنى مثلا، عدم إشراف القضاة على الانتخابات، توتر حدث على الحدود في أي جهة.. أسباب كثيرة يمكنها أن تؤجل انتخابات البرلمان؟؟ ساعتها سيمضي المزيد والمزيد من الوقت وندخل في المزيد والمزيد من المشكلات الفرعية.ماذا إذا تم تزوير الانتخابات بطرق لطيفة وذكية، أوشاب التزوير مرحلتها الثالثة أوالثانية (على نحوما كان في 2005)، فكيف يمكن الاطمئنان إلى هذا المجلس الذي صارت بيده السلطة التشريعية واكتسب شرعية زائفة.. حينها سيكون الاحتجاج أصعب على كل المستويات: مستوى الناس؛ الذين سيزيد إحباطهم وانصرافهم عن الشأن العام، مستوى الحركات؛ التي سيداعبها الأمل بإصلاح زائف من خلال المقاعد الهزيلة وغير المؤثرة التي سيحصلون عليها ويركنون إليها (إذا كنا نجاهد اليوم لإقناعهم بالنزول وهم لا يملكون إلا حرية هشة فكيف إذا امتلكوا فوقها مقاعد برلمانية وإن كانت غير مؤثرة؟!!)، مستوى المجلس العسكري؛ الذي سيكون بيده المبرر الأوضح للتعامل بعنف مع أي احتجاجات باعتبارها خروجا عن "الشرعية الانتخابية".كل المخاطر القائمة الآن هي هي المخاطر المتوقعة إذا تأجل طرح موضوع موعد انتخابات الرئاسة إلى ما بعد البرلمان.. ولا تنس في كل حال ضغط القوى التي تريد كتابة الدستور تحت حكم العسكر وجعل الجيش فوق الدولة وفوق الدستور، فالانتخابات –إن كانت نزيهة- ستظهر حجمهم الحقيقي في الشارع ما سيجعلهم أكثر تعلقا وتملقا للعسكر، وإن كانت غير نزيهة فنجح عدد منهم فمتوقع منهم المآسى فى كتابة الدستور ولا يستبعد أن يطالبوا بإطالة الحكم العسكري حتى يخرج دستور على هواهم أولا يخرج دستور أبدا. هؤلاء لا مشكلة لديهم في الحكم العسكري المستبد فهم بالأساس نشأوا في ظلاله وألفوا خدمته والاستفادة منه.

كما أن الرد على قضية التوقيت وعلاقته بالانتخابات البرلمانية لا يمكن أن يكون بمعزل عن الكلام حول وثيقة السلمى ويكون ذلك على محورين

المحور الأول: في حال عدم إقرار وثيقة المبادئ الدستورية:

1- انتخابات مجلسي الشعب والشورى ستنتهي في مارس 2012، فليس من المنطقيأبدا ولا من المعقول أن نبدأ في مارس المطالبة بعقد الانتخابات الرئاسية قبل 30 إبريل 2012، فهذه فترة ضيقة جدا، خاصة مع السياسة التجاهلية المتباطئة التي تعودنا عليها طوال العشرة أشهر الماضية، إلى جانب أنه حتى في حال الموافقة الفورية على المطلب، فلن يكون هناك فرصة للمرشحين للاستعداد.

2- إذا كان هناك حسن نية كما يظن البعض وكما يتمنى الجميع فلماذا لا يجاب هذا المطلب الآن ويوضع جدول زمني كامل واضح متلائم مع الإرادة الشعبية، بدلا من أجواء التعتيم والغموض التي ثبت على مدار الأشهر الماضية مدى ضررها ومدى الصدمات التي يتلقاها شعب بعد طول صمت وصبر، لا شك أن استمرار الغموض وكثرة بالونات الاختبار تستدعي عدم الانتظار أكثر من ذلك.

3 – كما أنه من الواضح وضوح الشمس فى كبد النهار أن الانتخابات البرلمانية تتعرض لمحاولات قرصنة من أجل إيقافها، وهذه المحاولات لا تنتظر جمعة 18 نوفمبر كي تبدأ، فنحن نراها في أنحاء مصر كلها من الآن، وقد وصل الحال إلى وجود معارك بين قرى كاملة فى الوقت الراهن، كما تم التلميح بل والتصريح من بعض قيادات المجلس العسكرى بأن الوفيات لوبلغت حدا معينا أثناء الانتخابات- مائتى فرد ولا ندرى لماذا هذا الرقم بالذات - فسوف يتم إلغاؤها وما أسهل أن تبلغ الوفيات هذا الحد المذكور خاصة فى ظل هذا التخاذل المتعمد من الشرطة والتآمر الواضح من فلول الوطنى وبلطجيتهم الذين يجوبون البلاد بحرية مطلقة

إذا نخلص من ذلك أن جمعة 18 نوفمبر ليست هى الخطر الأكبر أوالذريعة المنتظرة لتعطيل الانتخابات إن وجدت هذه النية أصلا، ومن يقول ذلك أويصدقه يعاني من انفصال حقيقي عن الواقع.

بل الحقيقة أن هذه الجمعة ستكون حماية للانتخابات بإذن الله وهذا من مقاصدها الرئيسية كما صرح الشيخ أبوإسماعيل فى غير موضع

إن الشارع كلما حافظ على يقظته، كلما تراجعت محاولات الالتفاف والإفسادوهذا أمر بديهى.

4- ثورة مصر كانت ولا تزال وستظل إن شاء الله سلمية، والثورات السلمية العادلة لا تمتلك قوة بعد اعتمادها على قوة الملك جل وعلى سوى قوة الضغط الشعبي كسبب دنيوى، لذلك فلا بديل عن الحفاظ على الزخم الثوري حتى يتم تنفيذ كل المطالب التي لم ينفذ منها إلا النذر اليسير حتى الآن ولم يحدث إلا تحت ضغط الشارع ومليونياته، وحتى بعض ذلك التنفيذ يتم الالتفاف عليه لاحقا، فلا ندري كيف يعترض المعترضون ويطالبون بمنح الثقة المطلقة للمجلس العسكري رغم أنه لم يلب أي طلب إلا مضطرا، حتى قانون العزل السياسي لم يجد فيه جديد إلى الآن اللهم إلا حكم قضائي من محكمة إدارية جزئية بالمنصورة ويمكن الطعن عليه.

لقد بدا للجميع كم المحاولات والجهود المبذولة لإنهاء هذا الزخم الثوري على مدى الشهور الماضية معتمدين في ذلك على تفرقة القوى الشعبية والسياسية (كما حدث في الاستفتاء الذي تم الالتفاف عليه مرارا) وعلى إطالة الفترة الانتقالية والتباطؤ،

وكلنا شهدنا ونشهد:

• تأخر قانون الانتخابات وكم كان مخزيا يسمح لأناس قمنا بثورة عليهم أن ينافسونا على مقاعد مجلس من مكتسبات تلك الثورة مع الإبقاء على قانون الطوارئ المشبوه ولم يكن هذا ليحدث في بدايات الثورة حينما كان الشارع يقظا.

• وثيقة المبادئ الدستورية التي كانت تطرح على استحياء من شهور، ظهرت من جديد بقوة وبوجه مكشوف، لأن الشارع الآن أضعف كثيرا منه قبل تلك الشهور.

• كم الاعتقالات والمحاكمات العسكرية للناشطين وتقييد الإعلام والإعلاميين وما تصريح الشيخ عبد المقصود عنا ببعيد حينما فضح الضغوط التى تمارس على الاعلام لعدم توجيه اى نقد للمجلس العسكرى ومعدل هذه الانتهاكات فى ازدياد مع مرور الوقت وهوما لم يكن يتصور في بدايات الثورة.

كل ذلك وغيره كثير يجعلنا نتسائل

ماذا لو انتظرنا لبعد الانتخابات؟

عندما يكون التفتت قد ازداد بسبب التنافس بين القوى السياسية لا سيما الإسلامية منها كما بدأنا نلحظ على الساحة

عندما تكون شهور أخرى من عدم الاستقرار قد مرت على الناس وازدادت الهوة بينهم وبين الثورة والثوار وهى التى تتسع يوما بعد يوم والتجربة خير دليل ومن شاء فلينزل ليسأل البسطاء عن مشاعرهم اليوم تجاه الثورة

ما بالنا عندما يكون الزخم الثورى قد فنى أوكاد ولم يتبق منه إلا الذكرى

ولا يمكن أن نظل نعول على استيقاظ الشعب مرة أخرى

إن من قوانين التاريخ المطردة أن الجيل الواحد لا يثور مرتين، والاغترار بأن الشعب المصري يمكن أن يفعلها ويثور مرة أخرى بعد شهور تمضى تطمس فى النفوس كل معانى الثورة إما أنه سذاجة حالمة وإما اعتبار غير واقعى أن المصريين قوم من غير البشر وفوق التاريخ، وكلا الأمرين بمنأى عن المنطق السليم .

5- وفي هذا الصدد أيضا، وثيقة المبادئ الدستورية حتى إذا لم يتم إقرارها فهي دليل مقلق على نوايا العسكر ودماهم التى يحركونها من خلف الاستار كالسلمى ومن قبله الجمل

وإذا تم التراجع عنها اليوم، فربما تعود غدا أو بعد غد مع ازدياد ضعف الشارع مع الوقت، إذًا فالحل هوإنهاء السبب الذى يدفع الأمور كل مرة لهذا الاحتقان السياسى

إنه الحكم العسكري الذى ينبغى أن ينتهى قبل وضع الدستور من الأساس، ويعود جيشنا الحبيب لدوره العظيم ليتصدى للمخاطر التي تحيق بنا من كل مكان.

أما عن التراجع عن النزول إذا سحبت وثيقة المبادئ الدستورية دون إعلان تسليم السلطة قبل 30 إبريل القادم (2012)،وهوشىء متوقع من البعض للأسف الشديد، يساوي بالضبط كما لوكنا تركنا وثيقة المبادئ الدستورية لتصدر وذلك لأن ترك سنة ونصف للأمام تحت السلطة العسكرية ومع توالي ما نراه رأي العين من إضعاف الشعب عن حراسة المسار كفيل وحده تماما بأن تتمكن السلطة القائمة لاحقا من كل شئ رغم كل الأنوف بما في ذلك العودة لإصدار الوثيقة نفسها كلما تفاقمت حالة الضعف الشعبي ومن شاء فليرجع إلى تاريخ العسكر القريب من نكث للوعود الأخيرة كالبيان رقم (28 ) الذى نصوا فيه على انه لن يمر العام الحالى بغير رئيس وبرلمان منتخبين وغيره وكذلك تاريخهم البعيد فى عام 1954

لذلك سيظل جوهر الأمر حتما هوالتمسك بالأصل

التمسك بتوقيت تسليم السلطة قبل 30 إبريل القادم (2012) قولا واحدا مع الإصرار التام على رفض الوثيقة الدستورية كأمر بديهى يعد من المسلمات التى لا تحتاج إلى كثير كلام.

المحور الثاني: في حال التمسك بإقرار وثيقة المبادئ الدستورية:

وهذه الحالة لا تحتاج تعليق أوتوضيح، فحينها لا يوجد سبب واحد يجعلنا نضحي أوننتظر من أجل الانتخابات، فالمجلس القادم ليس له أي صلاحيات تقريبا إلا تعيين عشرين عضوللمشاركة فى وضع الدستور من أصل مائة عضوكان من المفترض أن يعينهم بمقتضى استفتاء التاسع عشر من مارس المأسوف عليه

فإذا سلبت من المجلس الموقر هذه الصلاحية أوتم تقليص دوره بهذا الشكل المستفز فلما الانتظار والخضوع للابتزاز باسم الانتخابات؟

إن مجلس الشعب القادم إذا أتى في ظل هذه الوثيقة لن يتعدى كونه مجلس "طراطير" ومعذرة فى الكلمة فهى على حد تعبير الأستاذ أبوالعلا ماضي رئيس حزب الوسط – المشارك أيضا فى الانتخابات – وهوالذي حضر مؤتمر السلمي بنفسه وشهد بعده تلك الشهادة القاسية.

إذا فقضية التوقيت كما بيننا بعد كل تلك الملابسات أضحت لا تحتمل أى تأخير والتذرع بها لتأجيلالانتخابات أمر غير مقبول وسيؤدى لانكشاف المجلس العسكرى لعموم المصؤريين وكيف أنه كما يقال بالعامية " بيتلصم " لالغاء الانتخابات التى نكرر أن من أهم أهدافنا المعلنة فى تلك الجمعة حمايتها وإرسال رسالة للمجلس أننا لا زلنا فى الشارع وقادرون على حماية ثورتنا ومكتسباتها بإذًا الله.


الشيخ يبحث عن مصلحة شخصية بهذه التظاهرة، ويستغلها فى الدعاية الإنتخابية

لابد أن يعلم الجميع أن الأمر الآن لم يعد أمر الشيخ حازم ولا غيره مع كامل الاحترام له وللجميع

القضية الآن قضية الوطن، قضية ثورة منهوبة، قضية تقديم المبدأ على المصلحة العاجلة

قضية أن يقال لنا بأن الفترة الانتقالية لن تتعدى الستة أشهر ثم تمتد حتى التسعة الأشهر والآن يُراد لها أن تمتد سنتين ونصف وكأن هذا الشعب لا رأي له ولا إرادة ولا وزن،

النزول يوم 18/11 ليس تأييدا للشيخ حازم ولا لغيره، بل هوللمطالبة بتحديد موعد انتهاء الفترة الانتقالية.

وكون هذه المظاهرة تزيد من رصيد الشيخ حازم باعتباره من أبرز الداعين لها فهذا موقف يُحسب له لا عليه،

مع أنه بالمقاييس النفعية (البراجماتية): ليس من مصلحة مرشح رئاسي أن يضع نفسه في خصام مع المجلس العسكري الحاكم

ولوكان الشيخ حازم يريد زيادة فرصه في الحصول على منصب الرئيس لكان سلوكه مختلفا تماما كما هوالحال مع آخرين، حتى وصل الأمر ببعضهم –رغم أنه من رجال القانون- أن صنع وثيقة تجعل الشعب عبدا عند المجلس العسكري!!

كما أنه ليس من مصلحته الانتخابية العاجلة أن ينظر إليه جمهور الأغلبية الصامتة الذين صار لسان حالهم ومقالهم دائم التبرم والتذمر من الثورة والثوار على أنه من دعاة استمرار تلك الثورة والمنافحين عن بقائها فى الشارع لحين تحقيق إن الشعب المصري بطبيعته الحالية لا تستميله الشخصيات الثورية، بل أنه يتعلق بكل من ينادي ويوحي بالاستقرار، فإذا كان للأحداث الحالية تأثيرا على حملة الشيخ الانتخابية فهوتأثير سلبي قطعا، وقد أعلن أبوإسماعيل اكثر من مرة أنه مدرك لمدى الخسارة التي يخسرها بسبب هذا الموقف، ولكنه متمسك به لأنه يرى على الأقل في وجهة نظره أن هذا هوالأفيد للبلاد. مكتسباتها وخصوصا أن هذا الاستمرار صار تشويهه الإعلامى فى ازدياد مستمر وكما يقولون فى المثل العامى " الزن على الودان أمر من السحر "

كان الأهون على الشيخ حازم والأسلم له أن يستمر فى حملته وان يخاطب الناس بما يحبون سماعه وأن يحرص على المتاجرة بمشاعرهم وهمومهم كما يفعل البعض وذلك إن كان يريد عاجلة لكنه آثر أن يقف فى صف الحق الذى يدين به وأن ينادى للناس بحقوقهم كاملة حتى وإن كان وقوفه فى هذا الصف يجعله فى مرمى سهام معلوم من يصوبها


الشيخ ينفرد بإتخاذ القرار، ولا يشاور القوى الإسلامية، ويشق الصف

وهذه نبرة بدأت تظهر من البعض منذ جمعة الثامن والعشرين من أكتوبر وهذا ليس صحيحا بالكلية

أولا لأن المسألة سياسية تقبل الخلاف وليست محل إجماع من الإسلاميين كما يزعم البعض

فمن الإسلاميين من وافق على النزول فى السابقة والاحقة وأيد سواءا على صعيد المشايخ وطلبة العلم أوعلى صعيد الكتاب والسياسيين ولست الآن فى حل أن أفصل وأبوح بأسماء كل من أيد لكن فى من أعلنوا وشاركوا الكفاية كالشيخ أبى الأشبال والشيخ فوزى السعيد والدكتور حازم شومان والشيخ أمين الأنصارى والمهندس خيرت الشاطر والشيخ الكردى وغيرهم من المشايخ والسياسيين والائتلافات والأحزاب الإسلامية التى تضم كما بينت من قبل عقولا وكوادر على درجة رائعة من العلم والفهم والوعى.

لا داعى إذا لزعم إجماع وهمى لا وجود له وقصر محله دائما على رؤوس بعينها لها كل الاحترام والتقدير لكنها لا تمثل التيار الإسلامى وحدها وإلا كان ذلك رميا ليوم الثورة فى الخامس والعشرين من يناير بالبطلان المطلق لخروجه عن إجماع هذه الرؤوس التى أكرر حبى وتقديرى لها.

كما أنى أشهد أن الرجل شاور وناشد بل وترجى الجميع أن ينزلوا معه ويناصروه فى الوقوف أمام هذا الذى قدمت به من تاريخ قريب للعسكر وطالبهم أن يكونزا أعوانا له للضغط عليهم لتحقيق أدنى هذه المطالب المشروعة وهوأن يعلنوا عن تاريخ منطقى يوافق وعودهم السابقة يسلموا فيه السلطة كاملة للرئيس والبرلمان المنتخب

لا داعى إذا لاتهام الرجل بالتعالى على النصح والتغريد خارج السرب، فوالله لقد وجدته من اكثر الناس تواضعا وقبولا للنصح، رجل يجلس على الارض بين الناس ويعطى إذًاه لكل ناصح وإن كان صبيا يافعا دون أن يتململ لحظة وان اطال محدثه وشق عليه.

ويشهد له أكثر ما فعله آخر يوم الثامن والعشرين من أكتوبر

فلوأراد الرجل أن يصطنع بطولة وزعامة لدعى الناس للإعتصام وخصوصا بعد ازدياد أعدادهم بصورة كبيرة واستعدادهم الكامل بل ورغبتهم الشديدة لذلك الإعتصام .

لكن الرجل لم يفعل، الرجل آثر وحدة صف لم يؤثرها كثير ممن هاجموه.

لقد اختار إخوانه الذين وصفهم يومئذ على الملأ وبأعلى صوته أنهم أحب إليه من نفسه وفضل أن يلحقوا به فى جمعة اختاروا هم تاريخها فى الثامن عشر من نوفمبر لاستكمال المطلب المشروع إن لم يهتد العسكر للخير ويعلنوا إذعانهم لما يقبله العقل والمنطق وتقتضيه الثورة التى أتت بهم ولم يأتوا بها.


اتخوف من رد فعل الجيش تجاه المظاهرة، وأخشى من ضرب الإسلاميين وتصويرهم بأنهم سبب زعزعة الأمن وتهديد الاستقرار خاصة والإعلام ضدهم

وهذا فى الحقيقة احتمال بعيد والاحتمال الأكبر أن الجيش لن يتخذ إجراءا دمويا ضد هذه المظاهرة، وكلما كانت حاشدة كلما كان احتمال التدخل العنيف أضعف، ففى النهاية هذا الجيش المصري ليس كتائب مرتزقة ككتائب القذافي وليس جيشا طائفيا كالجيش السوري وليس قبائليا كالجيش اليمني.. وعهدنا وظننا بأفراد الجيش المصري وعبر التاريخ أنهم لا يطلقون النار على أهلهم.

إلا أن الاحتمال الآخر يظل واردا بطبيعة الحال وإن كان بنسبة لا تذكر، و في هذه الحالة نتذكر مساء يوم جمعة الغضب حين انهارت الشرطة ونزل الجيش إلى الشوارع، ساعتها لم يكن الموت برصاص الشرطة أفضل من الموت برصاص الجيش، فكله رصاص وكله موت، وقد اصطفى الله شهداء الثورة كما نحسبهم، ولكن الجيش هوالذي كسب أنه لم يتلوث بدمائهم.

في النهاية طالما كان الهدف هوالحق، فلا خشية من المواجهة إن فُرِضت ولوكرهنا والمعلوم أننا لن نبدأ أبدا بها وحينها لا نملك إلا أن نقول " إخواننا بغوا علينا " فإما عيش السعداء وإما ممات الشهداء، ولن نقبل بالحياة في الذل مرة أخرى أبدا.


اتخوف من اتخاذ التظاهر ذريعة لتعطيل أو تأجيل أو إلغاء الانتخابات البرلمانية

وهذا التخوف إنما يتشارك معنا في عدم الثقة في سياسات المجلس العسكري، ويختلف معنا في الوسيلة، ولكن ينبغي أن نلفت النظر إلى شيء مهم، ذلك هوأن من يستغل الذرائع لضرب التحول الديمقراطي يمكنه أن يصنعها ويُحدثها لكي يستغلها، فلا يتسبب السكوت إلا في مزيد من الانحدار والانهيار.

إن كان المجلس العسكري ينوي الانقلاب على التحول الديمقراطي فسيفتعل الأحداث ليتخذها ذرائع ومبررات ليضرب التحول الديمقراطي، وإن كان لا ينوي فلا تخوف من النزول في جمعة المطلب الوحيد 18/11.


اتخوف من انحراف التظاهرة عن مسارها والتركيز على مطلب الوثيقة أو إقالة السلمي دون المطلب الأهم

وهذه المهمة معتادة من الإعلام المُعادي، سواء كان حكوميا أوغير حكومي، ونحن إزاء هذه المشكلة أمام واقع وعلينا واجب.

الواقع: أن إعلامنا الإسلامي ما زال ضعيفا وأن الإعلام الآخر قوي ومنتشر، ولكن الانتظار إلى تكون إعلام ثوري قوي وانتشاره بشكل مؤثر يعني انتظار سنين، وهوما لا يمكن تأجيل التحرك حتى يتغير هذا الواقع.

والواجب: أننا سنجاهد بكل ما استطعنا من خلال الإعلام البديل كما نفعل الآن عبر الاعلام الالكترونى، وما تيسر من الإعلام الموجود في تجلية هدف المظاهرة، ونسأل الله أن يبلغ أصواتنا، وعهدنا بهذا الشعب في كثير من المواقف أنه لا يتأثر بالإعلام، ودرس الاستفتاء ما زال حاضرا في الأذهان.

وأما عن وضوح الهدف وأن الأولوية ليست لرفض وثيقة السلمى الساقطة وحدها فهذا بيناه مرارا وومن شاء فليرجع لمقال الدكتور محمد على يوسف بعنوان " ولا العسكرى يخدعنى "


اتخوف من إظهار المليونية على أنها مظاهرة للإسلاميين وليس لكافة التوجهات المصرية

وأما عن خوف غير الإسلاميين من أن تكون مظاهرة للإسلاميين وحدهم والعكس خوف الإسلاميين من أن تتواجد دعوات علمانية يومها تؤدى لحدوث صدام

فنحب أن نطمئن الجميع

النزول هذه المرة لمطلب واضح ومشترك وهوالحفاظ على مكتسبات ثورتنا والوقوف فى وجه محاولات العسكر لفرض الهيمنة على الحياة المصرية وهذا مطلب توافقى واضح لا يختلف عليه أحد من الطرفين ومع ذلك فقد توجد أصوات من الجانبين تنادى بالمطالب التى يحرص عليها كل جانب

فنقول هذا أمر مطرد وحدث ويحدث فى كل مليونية منذ الثورة إلى يومنا هذا ولا يؤثر على سير العمل فى المنصات التى نؤكد أنه يتم التنسيق بينها الآن للسير بالجمعة إلى وجهتها وإرجاء الخلافات قليلا لحين الفراغ من القضية الأخطر التى تواجه الأمة فى هذا الحين

ولا شك أن الشرع يسع الاتفاق حتى مع غير المسلمين للوصول إلى غاية مشتركة كإقامة العدل والوقوف فى وجه الظلم كما بين النبى بإقراره لحلف الفضول رغم أنه حلف قام به المشركون لكنه كان لنصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم وهوما ننادى به جميعا


اتخوف من افتعال دعوات تخريبية أو مطالب شاذة الدعاوى التخريبية أوالمطالب الشاذة فهو أمر متكرر لم تخل منه مليونية ولا يمثل إلا الصفحة اوالموقع الذى نشره والذى غالبا ما ينشره إما ليحظى بانتشار بين رواد الشبكة العنكبوتية أو لإثارة تلك الشبهة وبث الخوف فى قلوب الذين عزموا على النزول والجهر بكلمة الحق فى ذلك اليوم

إذًا فلا ينبغى أبد أن نعير تلك الدعوات اهتماما فهى سقطت من قبل وتسقط وحدها عندما تتضح الرؤية وتنجلى الغاية وهذا دور كل من قرر النزول واقتنع بقيمته

ولمن أراد وضوحا أكثر فى الأسباب الدافعة والمقاصد المطلوبة من النزول فليراجع مقال الأستاذ محمد إلهامى بعنوان " لماذا سأنزل فى 18 نوفمبر؟!"

هذا ما علينا أما لو وقعت أحداث شغب أواندس مخربون لا قدر الله فهذا كما قلنا احتمال دائم وقد يحدث وقد لا يحدث وإذا تعدد الاحتمال بطل الاستدلال فلا ينبغى أبدا أن نبنى أى حركة أو فعل على نظرية الاحتمال إنما نتوكل على الله ونصحح النية ونأخذ بالأسباب ونترك بعدها الثمار والنتائج لله عز وجل فعلينا أن نسعى وليس علينا إدراك النجاح.

اتخوف من نتيجة الإعتصام وما إذا كان العسكرى سوف ينزل على مطالبنا ام لا

هذا أمر فى علم الله ولا نستطيع الإجابة عنه ولكن ما نستطيع الإجابة عنه هوتساؤل طرحه أحد مشايخنا الأفاضل حفظهم الله وفحواه عن كيفية وثوقنا فى وعد المجلس إن وعد بتسليم السلطة فى الجدول المحدد إن فعل إن كنا أصلا لا نثق فيهم

والإجابة كالتالى

نحن بالفعل لا نثق فى وعود المجلس العسكرى ولهذا مبرراته التى سقناها فى الاسطر السابقة ونحن وإن كنا نتمنى أن يفى بوعده إن وعد لكننا نعلم أن هناك إحتمال بعدم الوفاء لكن ساعتها نكون قد خرجنا بمكسب مهم

وهوأن المجلس أظهر حقيقته لكل من كان مخدوعا فيه

أظهر ساعتها حرصه على السلطة ونيته للاستمرار إلى أجل غير مسمى وأظهر كذلك نكثه للوعود والعهود وهوأمر وإن كان ظاهرا لنا فيبدوأن لا يزال غائبا عن البعض

وفى هذا الحين لا مناص عن الحركة الشعبية الحاشدة التى ستقف عندها هادرة فى وجه هذه السرقة العلنية لمصير أمة بأكملها

- – - – - -

وأخيرا نؤكد للجميع بالذات لمن يزايدون على رغبتنا فى صالح البلاد واستقرارها نحن أيضا نحب الاستقرار والهدوء، ونتمنى البقاء في بيوتنا بين زوجاتنا وأولادنا،

لا نحب الصدام ولا المواجهة ولا نريدها أونسعى إليها

ونرجوأن تتم الانتخابات البرلمانية في أهدأ وأسلم الأجواء وأن تفرز الممثلين الشرعيين للشعب المصري.. نحب ونتمنى ونرجوكل هذا، ولوكنا نطمئن على أن هذا السبيل يمضي في طريقه لكنا آثرنا الراحة، إلا أننا نرى ما يثير القلق والمخاوف، ولا نرى سكوتنا وبقاءنا في البيوت إلا دعما لسرقة ثورة بذلت فيها الدماء الغالية وتكريسا لإعادة إنتاج نظام الاستبداد، لا سيما ونحن -المصريين والعرب- أصحاب تجارب تاريخية محزنة في سرقة الثورات والانتصارات لنعود بعدها أسوأ مما كنا قبل ذلك.

لذلك وبعد أن عرضنا رؤيتنا بالتفصيل ورددنا على ما استطعنا من الاعتراضات على هذه الرؤية نرجوممن اقتنع بها ألا يكتفى بالاقتناع السلبى بل يشارك ويبذل من وقته معنا

ونرجوكذلك ممن لم يقتنع أن يحترم رأينا وإن اختلف معنا فليختلف وليبقى حسن الظن بيننا فلا نبغى ولا نظن أن مخالفنا يبغى شيئا بخلاف الخير والحق لذلك نرجومنه أيضا ألا يثبطنا أو يكون عونا علينا وليتذكر أن رأيه ورأينا يحتمل الخطأ فلا ينبغى أن يفرقنا ويوصلنا لتدابر وإساءة ظن بل نطالبه وإن لم يشاركنا أن يدعوالله جل وعلا أن يتم الخير الذى نريده وأن يقينا ويقى أمتنا أى شر يراد بها

ونسأل الله أن يجعل هذه الكلمات خالصة لوجهه وألا يجعل لمخلوق فيها نصيب إنه ولى ذلك والقادر عليه

وكتبه؛

المــــــؤرخ محمد إلهــــــــامى
المهندس معتز عبد الرحمـــن
الدكتــــور محمد على يوسف

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 14, 2011 13:31

November 10, 2011

لماذا سأنزل يوم الجمعة 18 نوفمبر

1. لأني أؤمن أن بقاء المجلس العسكري في الحكم حتى 2013 يعني أننا سندخل في النفق المظلم مرة أخرى لنصف قرن على الأقل، ولن يستطيع الشعب أن يثور على العسكر مرة أخرى، من قوانين التاريخ أن الجيل الواحد لا يثور مرتين، والاغترار بأن الشعب المصري يمكن أن يفعلها ويثور مرة أخرى إما سذاجة حالمة وإما اعتبار أن المصريين قوم من غير البشر وفوق التاريخ، وكلاهما غير صحيح.

2. لأن بقاء العسكر في الحكم حتى 2013 يعني صناعة فرعون جديد، إذا كان ثمة من يعتبرون العسكر خطا أحمر بعد أشهر من الثورة، إما نفاقا وإما جُبْنًا، فكيف سيكون الحال بعد سنتين ونصف؟! سيزداد المنافقون، وسيزداد الجبناء طبعا، ثم سيزداد اليائسون والمحبطون، وأما الذين سيتمرون شجعانا فإنهم سيزينون المعتقلات والسجون والمشانق مرة أخرى حتى يتمكن الفرعون من الاستقرار في كرسي الحكم.

3. لأني لا أصدق العسكر، دع عنك الآن أنهم رجال مبارك وصنيعته، وتأمل كيف خالفوا وعودهم بالبقاء ستة أشهر ثم هم يحاولون البقاء حتى منتصف 2013، يريدون أن يُكتب الدستور في ظلال سلاحهم وسلطتهم، ألم تر كيف قال اللواء شاهين أيام الاستفتاء بأن دستور 1971 قد سقط، ثم عاد فقال إنه لم يسقط كله حين أرادوا تمديد العمل بقانون الطوارئ؟.. كيف آمن من كذب مرة أنه لن يكذب مرة أخرى، وقد علمنا رسول الله أن المؤمن قد يسرق وقد يزني، قد يكون جبانا، ولكنه لا يكذب!

4. لأني أرى أمامي المشهد الذي كان منذ ستين سنة، أراه بحذافيره يتكرر وكلي دهشة، حتى لقد كدت أؤمن بالمقولة التي تقول "إن أكبر درس يعطيه التاريخ لنا هو أن أحدا لا يتعلم شيئا من التاريخ".. لقد عشنا ستين سنة سوداء لم نر فيها شمسا ولو ليوم واحد، عشناها كلها في التخلف والقهر والفقر حتى متنا غرقا في العبارات وحرقا في القطارات ودهسا في الشوارع وبالنار في المظاهرات وبالمشانق في السجون وبالتعذيب في أقسام الشرطة.. رأينا في هذه السنوات كل أنواع الموت، كل أنواع الذل، كل أنواع التعذيب.. نحن القوم الذين سخرت منا جميع الأمم وصرنا مثالا على الرجعية والمأساة والبؤس والشقاء.. كيف أتحمل ستين سنة أخرى؟!!!

5. لأني أستطيع حل الخلافات مع الحكم المدني بوسائل كثيرة، أولها الاحتجاج وآخرها أن أسقطه في الانتخابات، بينما لا أستطيع حل الخلاف مع العسكر إلا بالدماء، فلا هو يقبل التنازل عن سلطته ولا فطرة الله التي خلقها في الناس تقبل أن تعيش في الأسر والقهر والظلم.

6. لأن الإنسان إنسان، فيه الخير والشر، قال ربنا (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها)، ومهما بلغ رجال المجلس العسكري فهم بشر، تغريهم السلطة ويداعبهم المال ويجذبهم النفوذ، وهم الطرف الوحيد الذي يملك سلاحا يفرض به إرادته قهرا وغصبا.. فلو بقيت السلطة في أيديهم حتى 2013 فلا أتوقع إلا أن يغلب الشرُّ الخيرَ، ولست مستعدا أن أعيش في تلك المخاطرة، بل أريد حاكما مدنيا وجيشا وطنيا، فلا الحاكم يملك أن يفرض إرادته قهرا على الناس، ولا الجيش له علاقة بالسياسة وتقلباتها.

7. لأن المنطقة مليئة بالتوترات، وتوشك بعض التوترات أن تستحيل حروبا، وأخشى أن يتخذ العسكر مثل تلك التوترات ذريعة للبقاء في الحكم، فإذا ما نشبت حرب ضد إيران مثلا فإن المنافقين والغافلين سيشعلون الدنيا صياحا وصراخا بأنه لا حل إلا أن يبقى الحكم العسكري، وهنا تسقط البلاد في الفخ.

8. لأني أرى أصابع الغرب تعمل من وراء ستار، وهذا الغرب هو الذي كان حتى الأمس القريب يدعم حسني مبارك، إنه الخارج الذي لا إله له إلا مصلحته، وليس لديه أدنى مشاعر أو أخلاق أو إنسانية.. إنه الغرب الذي لا يتردد في سحق الجميع لتبقى مصالحه، هذا الغرب الذي ابتكر النازية والشيوعية والرأسمالية المتوحشة وزرع في أرضنا الصهيونية الدموية، وهو لا يزال يرعاها ويدعمها. ولست أريد شيئا إلا أن نختار بأنفسنا كيف نتعامل مع هذا الغرب، لكي يكون هذا قرارنا الحر المستقل، أن ننتخب من يحمل رؤيتنا لهذا الغرب، ولا أهتم الآن حتى إن اختار الشعب رجلا عميلا للغرب، يهمني أن يختار الشعب ويقرر بنفسه لنفسه، ثم ليجني ثمرة اختيار حلوة كانت أم مرة.. ما لا أريده هو أن يختار الغرب لنا من يتعامل معه، أو أن يستولي علينا بالقهر من يفرض علينا رؤيته، وهو ما سيحدث لو استمر المجلس العسكري في الحكم.

9. لا بأس، خذ سببا شخصيا، قد تزوجت منذ أقل من أسبوعين فقط، ولا أريد أن أحيا حياة الذل مرة أخرى، ولئن كنت أخاف على نفسي وحدها فيما سبق فأنا الآن أخاف على نفسي وعلى زوجتي وعلى ما قد يكون نشأ في جوفها، لن أقبل الحياة في ظل أمن دولة ولا أمن وطني يقتحم علي بيتي فجرا، ويرى محارما أمر الله بسترها ويروع نفوسا أمر الله بصيانتها.. إما أن نحيا كراما أو نموت كراما، فنحن في كل حال عباد الله.. حياتنا لله ومماتنا لله كذلك. إن قوما قد مرت في تاريخهم التجربة الناصرية يكونون حميرا أو عبيدا إن تكررت عليهم.. ولا أقبل أن أكون من هؤلاء بأي حال من الأحوال.

10. لأني سأقف بين يدي الله يوم القيامة، سأقف أمامه عاريا، في الموقف الجليل الرهيب، حين أتمنى أن أزيد ولو حسنة واحدة، حين أعض أصابع الندم أني لم أفعل الواجب في موقف الواجب، حين يسألني: قد علمت، فلم لم تعمل؟.. وذلك موقف رهيب.. رهيب رهيب رهيب.. سؤال قد يُلقي بي في النار، فأكون قد عشت حياة ذل وقهر ثم أخذت جزاءها جحيما وسعيرا! وقد قال الفضيل بن عياض: "إذا علمت أنك لله راجع فاعلم أنك موقوف، وإذا علمت أنك موقوف فاعلم أنك مسؤول، وإذا علمت أنك مسؤول فأعدَّ للسؤال جوابا".. وصدقا صدقا صدقا، ما وجدت جوابا يعذرني أمام الله إن تخليت وقعدت وقت العمل.

والله المستعان..

اللهم لا تحرمنا الشهادة في سبيلك..

نشر في شبكة رصد الإخبارية

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 10, 2011 08:20