محمد إلهامي's Blog, page 94

June 24, 2011

الإمام المجاهد سليمان الكلاعي

لست ألوم أحدا إن لم يعرفه، فالحق أن الأجيال الأخيرة من أمتنا يكفيها ثباتها الأسطوري على دينها، واعتزازها الكبير بانتمائها لهذه الأمة على رغم ما أحيطت به من ظروف كانت كافية لاستلال أي فكرة من العقول والقلوب، إلا أن معدن الأمة أصيل، شهد له الله تعالى بقوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس).

إنه الإمام العلامة الكبير، والمجاهد العلم الشهيد، سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي البلنسي، كنيته أبو الربيع.

***

لم يحفل عصر من عصور الأندلس بالعلماء والمحدثين كما حفل القرن الممتد من منتصف القرن السادس الهجري إلى منتصف القرن السابع الهجري، إذ بلغت التراجم التي أحصاها ابن الأبار في "تكملة الصلة" لشيوخ هذا العصر نحو 2500، فيم لم يُحص ابن بشكوال في قرن ونصف –منذ أول الخامس حتى منتصف السادس- سوى 1440، وكان ابن الفرضي قد أحصى خلال القرون الأربعة الأولى 1766 رجلا، وهذا مع أن الأندلس كان قد تقصلت أرضه في الزمن الذي رصده ابن الأبار


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 24, 2011 20:20

June 22, 2011

يا معشر الإسلاميين: اليقظة وحدها لا تكفي!

فإن يقظوا فذاك بقاء قوم ... وإن رقدوا فإني لا أُلام

بهذا البيت نادى نصر بن سيار والي خراسان على الخليفة الأموي مروان بن محمد ليسارع بالتصرف إزاء التهديد الذي فاجأ الدولة الأموية، غير أن مروان انشغل بأمور أخرى حتى تعاظم التهديد الخراساني الذي أنهى الدولة الأموية كلها!

في لحظاته الأخيرة تساءل مروان بن محمد عن هذه الهزائم التي نزلت به، فقال له خادمه: من ترك القليل حتى يكثر، والصغير حتى يكبر، والخفي حتى يظهر، وأخر فعل اليوم لغد، حل به أكثر من هذا.

ينبغي أن يعلم الإسلاميون أن الثورات العربية التي سرقت قبل نصف قرن بسبب من سذاجة ومثالية وحسن ظن القيادات الإسلامية آنذاك قد أدخلت بلادنا في العصر الأسود الذي ما زلنا نجاهد للخروج منه، وعليه فينبغي أن تكون قضية إنجاح الثورات العربية الحالية مسألة حياة أو موت!

والملاحظ للحركة الإسلامية في هذه الأيام يلحظ فيها ذات المثالية والبطء وإيثار الهدوء والسلامة والانسحاب من دائرة التأثير على صناعة القرار، بينما ينشغل الطرف الآخر بإدارة المعارك والضغط في مناطق صنع القرار حتى خرجت تصريحات تثير القلق، فنائب رئيس الوزراء الذي لا ندري ماذا يفعل على وجه التحديد يعلنها حربا واضحة وصريحة ضد اختيار الجماهير، وتجرأ ليؤكد بأن رئيس الوزراء على نفس رأيه (ولم نسمع نفيا علنيا من رئيس الوزراء) كما أن كلمات بعض أعضاء المجلس العسكري أصبحت لينة حمالة أوجه، يفهم منها ما يريب ويُحتاج في نفيها أن ندخل في حديث حول السياق والاقتطاع وسوء الفهم!

إن الحركة الأهم ليست على مستوى الجماهير، فالإسلاميون يملكون من التأثير ما ليس لخصومهم في الشارع، غير أن هؤلاء الخصوم يعرفون من أين تُؤكل الكتف، وآخر هذه الأنباء ما كشف عنه إبراهيم عيسى من أن لقاء مغلقا جرى بين البرادعي مع المشير والفريق، وهو خبر خطير ومعانيه كلها لا تطمئن، وقبله لقاء مغلق آخر مع البابا شنودة، ومن السذاجة أن يعتقد الإسلاميون أنهم كانوا غائبين عن مناقشات هذه اللقاءات! بل الذي لا شك فيه أنه لم يحضر غيرهم في هذه النقاشات.. فما الذي كان يرتب لهم؟

كيف نأمن على الوطن قوما يريدون السياسة بلا أخلاق، ويرفضون الدين مرجعية، كيف نرجو أن يحافظوا على مبادئ ديمقراطية قد تسلب منهم سلطانهم؟!!

قد يكون مفهوما أن الهدوء مطلوب لإنهاء المرحلة الانتقالية بأسرع ما يمكن عبر تفويت الفرصة على صانعي المشكلات ومفجري الفتن، غير أنه ينبغي أن يكون معلوما أيضا أن الطامح إلى الذرائع لا تُعْجِزه الحيل، وقد يصنع هو ذريعته بنفسه لكي يحتج بها بعدئذ، وما تزال الكثير من الشواهد مثيرة لأقصى درجات القلق.

اليقظة والمتابعة والرصد أمور لا تكفي وحدها، لا بد من استعداد للتحرك عند كل بادرة تحتمل الشك، والحقيقة أن البوادر قد كثرت، ليس آخرها هذا الاستفتاء غير المفهوم على موقع المجلس العسكري حول المترشحين للرئاسة، ولا تصريحات توني بلير التي هي بالتأكيد لا تعبر عن مجرد رأي شخصي لا يتبعه عمل، ولا هذه اللقاءات المغلقة، ولا التأخر في إصدار قانون مجلس الشعب..

ما أسوأ أن يجلس إنسان بعد نصف قرن آخر يؤرخ لسرقة ثوراتنا هذه الأيام، ويحصي كم من الدماء والأموال والأعراض والبلاد قد ضاعت!! إن الخطأ في اللحظات الفاصلة ليس كالخطأ في غيرها، إنه خطأ بطول السنين وعرض البلاد وعمق المأساة.

نشر في المصريون

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 22, 2011 16:35

June 21, 2011

من الأوقاف إلى الانترنت.. الأمة تصنع حضارتها من جديد!

تذكرت في هذه الأيام دراسة كتبتها قبل ست سنوات عن تأثير الانترنت على الأمة الإسلامية، وجعلت عنوانها "الأمة توشك على النهوض"، وفيها اعتبرتُ أن الانترنت هو النعمة الكبرى التي أنعمها الله على هذه الأمة، وأنه بداية تحول المسار التاريخي نحو النهوض مرة أخرى، وفيها قلتُ بأن الانترنت هو البديل العصري عن مؤسسات الوقف الإسلامية.. هذه المؤسسات التي كانت حجر الزاوية في بناء الحضارة الإسلامية.

ولشرح هذه الفكرة ينبغي أن يكون لنا حديث في التاريخ.. وفيه نرصد أربعة محطات مَثَّلت التحولات الرئيسية:

أولا: قبضة الدولة

فيما عدا القرون الأخيرة من عمر البشرية، كانت قبضة السلطة تتوقف عند حفظ الأمن وضمان الولاء، وكلما كان للسلطة جيش قوي كلما اتسع نطاق مُلكها، وكلما ضمنت ولاء الولاة كلما تمتعت بالاستقرار والهدوء، وكانت نهضة الدولة حينئذ أن تكثر الأموال عبر الاستيلاء على الموارد والثروات وممارسة قدر من ضبط وتنظيم عمليات الزراعة والصناعة وتوفير الأمن، لاسيما في حاضرة الدولة، وكان ظهور الحاكم القوي البعيد النظر إيذانا بدخول أمته في نهضة حضارية عبر رعايته للعلوم والآداب والفنون.. فإذا جاء إلى السلطة حاكم ضعيف كان ذلك إيذانا بدخول أمته في تراجع حضاري يظل سائدا حتى يأتي حاكم قوي مستنير لمرة أخرى.

ثانيا: التمويل الذاتي يرعى "الشرارة الحضارية"

إلا أن الأمر كان مختلفا في الحالة الإسلامية، ذلك أن الإسلام أتى باختراع عبقري جديد، جعل الأمة تمتلك تنمية وتطوير وتمويل نهضتها الحضارية بمعزل عن السلطان، ذلك هو "الوَقْف"؛ فلقد مثلت الأوقاف عبر التاريخ الإسلامي حصنًا أمينًا يحمي مسار النهضة الحضارية من تقلبات السياسة والسلاطين، ولم تكن الأمة تحتاج من السلطة إلا إطلاق "الشرارة الحضارية" لتبدأ في رعايتها وتثميرها وتمويلها ذاتيا عبر الأوقاف، فكان السلطان القوي يأمر بإنشاء المستشفى الفلاني أو المرصد الفلاني أو مدرسة أو بيت للترجمة والعلوم أو ما إلى ذلك من مؤسسات النهضة، وكذلك كان يفعل الأثرياء والقادرون كلٌ حسب طاقته واهتماماته، ثم يُوقِف السلطانُ أو الرجل القادر شيئا من أملاكه للإنفاق على هذه المؤسسة، فكانت الآجال تأخذ الرجال فيما يتولى ما تركوه من أملاك موقوفة تمويلَ مشاريعهم حسب وصيتهم.

هكذا مَوَّلت الأوقاف المساجد والمدراس والمستشفيات والمكتبات والفنادق والخانات والحمامات والأسبلة وإصلاح الطرق وإنشاء القناطر والجسور، كما ساهمت في وتحرير الأسرى والإنفاق على الفقراء واليتامى والعجائز والعَجَزة ومن لا عائل لهم وسائر المحتاجين من طوائف الناس بل لقد وُجدت أوقاف لرعاية الطيور والحيوانات وعلاجها، وأهم مما سبق أنها وَفَّرَت التمويل اللازم لطلبة العلم الفقراء، وأهم من هذا أنها وفرت الاستقلال المالي للعلماء، فأغنتهم بهذا عن التبعية للسلطان.

فمن هنا كانت الحركة الحضارية منفصلةً عن الحركة السياسية، فلربما ضَعُفَت القوة السياسية بل حتى ربما وقعت البلاد تحت الاحتلال، بينما ظلت الحالة الحضارية متوهجة ومتألقة ومزدهرة، فإذا الذين دخلوا بلادنا ليحتلوها يقعون في "الأَسْر الحضاري" فمنهم من دخل في ديننا كالمغول والأتراك، ومنهم من عاد إلى قومه بقبس من نورنا كما في الحروب الصليبية والأندلس.

ولا شك أن هذا الانفصال لم يكن تاما بإطلاق، فلا ريب أن الحركة الحضارية تتأثر بالتراجع السياسي لاسيما إن طال، غير أن الحالة العامة كانت على هذا الشأن، بفضل مؤسسة الوقف التي جعلت الأمة في موضع الفاعل والمشارك في صناعة النهضة والحضارة.

ثالثا: الدولة المركزية والسلطة الحديدية

ثم كانت النكبة الكبرى التي حلت بالأمة حين ظهرت الدولة المركزية، تلك الدولة التي جاءها التطور الحديث بأسلحة جديدة جعلها لا تكتفي فقط باستقرار الأمن وضمان الولاء، بل أعطاها فرصة للتحكم في كل شيء حتى في صناعة العقول، والرقابة على الأفكار، والتحكم في سائر التصرفات التي تشمل حياة الناس، فهي التي تضع مناهج التعليم وتتحكم في اختيار من يقومون بتدريسه (لابد أن يخلو من أفكار لا يهواها السلطان)، وهي التي تضع –بمعزل عن الناس ورغما عنهم- سياسة المال ونظم الإدارة، بل هي التي تصنع الخطاب الإعلامي الذي يسمعه الناس صباحا ومساءا عبر التلفاز والإذاعة والصحافة فتصوغ عقول الناس وقلوبهم على مثالها الذي تريد.. وهي أيضا التي تُشرف على الأوقاف!

ومن هنا صارت السلطة هي الفاعل الوحيد في الحياة بامتلاكها كل المؤسسات، وخرجت الأمة من المعادلة الحضارية، فإذا أنعم الله على أمة بحاكم صالح فهو يسير فيها بالعدل وينهض فيها بالحضارة، وإن كان غير ذلك دخلت الأمة في استبداد مستفحل لا تملك معه شيئا في ظل موازين القوى الجديدة التي تجعل السلطة ذات قبضة حديدية، وكثيرا ما ينتهي هذا الاستبداد إلى الاحتلال.. الظاهر منه والخفي.

وكثيرا ما كانت النخبة الحاكمة غير معبرة عن الأمة بل ربما كانت ضدها على طول الخط، شيءٌ من بقايا الاستعمار وأذنابُه وأذيالُه، حتى لقد كان الكفر يُرَوَّج له بمال الأمة، وتُمَوَّل الأفكار الهدامة من ثرواتها ومقدراتها.

لقد كان من سوء الحظ أن ظهرت الدولة المركزية والأمة في حالة ضعف وتراجع حضاري، فحَكَمَها من لم يكونوا أوفياء لها ولثقافتها وحضارتها فصنعوا أزمتها ورَسَّخوا لتخلفها وتبعيتها في كل المجالات، ثم ما لبث الأمر أن ازداد سوءا حين أتى التطور الحديث بما جعل العالم كله رقعة صغيرة فصار يُراد للأمة لا أن تكون على مثال حاكمها فحسب، بل على مثال القوة الدولية المهيمنة في عصر القطب الواحد.. وعانت الأمة من خطر العولمة والأمركة.

رابعا: ظهور الانترنت وبداية استعادة الأمة للفعل

ثم ظهر الانترنت.. نعمة الله الكبرى على هذه الأمة، ومهما قال القائلون في سلبيات ظهوره وتأثيراته السيئة، فإن المعنى الأهم هي أنه أعطى للأمة فرصة الفعل.

إن معادلة التكنولوجيا معقدة، صحيح أنها تتيح للسلطة تحكما كاملا في النظام التقني (system) لكنها في ذات الوقت تعطي المستخدم صلاحيات واسعة ليكون في موضع الفاعل والمشارك، وهذه هي النقلة الكبرى التي حُرِمتها الأمة منذ ظهرت الدولة المركزية ذات القبضة الحديدية والسلطة الأخطبوطية.

ما الذي حققه الانترنت؟

لن تكفينا صفحات المجلة للحديث عن الفوائد العظمى التي جنتها الأمة من الانترنت، إلا أننا سنمر سريعا وبغاية الممكن من الإيجاز على أهم المحطات الكبرى.

1. مرحلة المواقع

من هنا بدأ التحرر من الإعلام الرسمي وكسر احتكار المعلومات، لقد صارت وسائل الإعلام لا نهائية ولا محدودة، ولئن كانت الفضائيات قد وَفَّرت للأثرياء نوعا من هذا التحرر قبل سنوات، فإن الانترنت وَفَّر هذا لعموم الناس.. لقد كانت هذه هي الخطوة الأولى ليعرف الناس طريق الحقائق كما ترويها الأطراف المختلفة لا كما ترويها السلطة وحدها.. هذه بحد ذاتها نقلة في الوعي هائلة.

2. مرحلة المنتديات

لئن كانت المواقع قد كسرت احتكار المعلومات إلا أنها ظلت في موقع التوجيه وظل الذي يُطالعها في موقع المُتَلقي، فلما جاءت المنتديات الحوارية التفاعلية صار المُتَلَقِّي في موضع الفاعل والمشارك، وهنا التقت الأمة عبر الانترنت، ورويدًا رويدًا بدأت حركة الشعوب تعمل في صمت في هذا العالم الافتراضي، ولقد كانت الأمة –كالعادة- على مستوى المرحلة، فمن المنتديات وُلدت مشاريع حضارية هائلة صغيرة وكبيرة وضخمة، تعارف أصحابها عبر المنتديات ومنها انطلقوا، كثيرة جدا هي فوائد المنتديات من أهمها: إطلاق المواهب والطاقات التي لم يكن واقعها على الأرض يسمح لها بالظهور أو الفعل، التعارف على الأفكار من أصحابها والتحاور حولها دون التقيد بالزمان أو المكان أو السلطة، وفي ظني أن الحوار على المنتديات هو أفضل حوار على الإطلاق؛ ذلك أن الحوار يدور حول الفكرة ولا يرى الأشخاص بعضهم بعضا – لا مجال للمقاطعة – لا مجال لأن يستقل الصغير بنفسه أو يمارس الكبير وصايته.. لقد أسفرت المنتديات عن أدباء وشعراء وكُتَّابًا وفنانين كثيرين جدا، وصاحب هذه السطور لم يكن يدري أنه يجيد الكتابة إلا بعد أن مارس المنتديات وسمع تشجيعا ولقي ثناء وإعجابا.

لقد صنعت المنتديات للأمة شيئا عظيما لا يعرفه حق المعرفة إلا من مارسها طويلا، فمنها بدأ صاحب كل موهبة وعلم في التعاون مع أمثاله لتطوير أنفسهم ولتعليم من لا يعلم، مجانا، دون انتظار أجر، وبدأ صاحب كل طاقة في تسخير طاقته لإدارة الحملات الإعلامية والتنموية والخيرية.. ربما كانت انتفاضة الأقصى الحدث الأول الذي يساهم فيه العرب على الانترنت، ولا شك أن الجانب الأكبر من الزخم الإعلامي المصاحب لها كان الفضل فيه للمنتديات التي كانت تنقل الأخبار عبر المشاركين في الانتفاضة أنفسهم، وبالصور، والفيديو، فأعطى هذا مادةً هائلةً لوسائل الإعلام ما كان بالإمكان أن تصل إليها.. هذا بخلاف التفاعل الذي انهال عليها من كل أنحاء الأمة، وحملات الضغط الإعلامي، وجمع التبرعات، والتوعية بالقضية ونشرها.. لقد كان الحدث يُدار في الحقيقة عبر المنتديات، وبها تحققت انتقالة نوعية في مستوى الوعي والتعاون بين أفراد الأمة بعيدا عن –بل ورغما عن- الحكام الذين اضطروا أن يلاحقوا حركة الشعوب.

وعلى هذا قس ما بعد انتفاضة الأقصى من أحداث، فكل حدث كان أفضل من سابقه، إذ تنضج الخبرات القديمة، وتأتي طاقات جديدة بازدياد عدد الداخلين والمشاركين والمتفاعلين في المنتديات، وتكثر المنتديات نفسها وأحيانا تتحالف، وتشترك في حملات وفاعليات وتديرها معا.

3. مرحلة المدونات

ثم جاءت مرحلة المدونات، وأهم ما فيها أنها وفرت الحرية الكاملة لكل شخص في أن يعبر عن نفسه كيفما أراد دون أدنى نوع من الرقابة، لقد كان من عيوب المنتديات أن لها شروطا تضعها المجموعة التي تدير المنتدى، ويمكنهم حذف وتوقيف عضوية المشارك أو التدخل في مشاركته وتحريرها، وبطبيعة الحال اختلفت مساحة الحرية تبعا لكل منتدى: توجهه وشروطه ومرونة القائمين عليه. فلما صار لكل إنسان القدرة على إنشاء مدونة له يفعل فيها ما يشاء سقطت كل القيود.

وفي المدونات ظهر التلاقح بين كل الأطياف والأفكار من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار (كانت المنتديات الإسلامية تضيق بالملحدين والعلمانيين، والعكس بالعكس أيضا، ويمارس كل توجه في منتداه سلطاته على الأعضاء المخالفين، أما في المدونات فالأمر يختلف).

كما ظهرت شخصيات مثلت رموزا فكرية من الشباب في كل هذه التوجهات، فالمدونة أرشيف للكاتب مقالاته وحوارته، وبعدما كان الواحد من هؤلاء تائها وسط الآلاف مثله في المنتديات، فإنه صار الآن في وضع خاص كالذي يُزار في بيته على وجه الخصوص ليستفاد منه.

أظهرت المدونات كثيرا من الفوائد الجمة، إلا أن أهمها على الإطلاق هو أنها ولدت ما عُرف باسم "الصحافة الشعبية"، حيث نجح البعض من ذوي الموهبة الصحافية والإعلامية في أن يتفوق على الإعلاميين الرسميين في الموهبة، فوق أنه متميز عنهم بانعدام القيود عليه من قبل المؤسسة الإعلامية، وصارت بعض المدونات مصدرا أساسيا للأخبار تنقل عنه وكالات الأنباء العالمية والمؤسسات الإعلامية الكبرى، وبعض هذه المدونات مَثَّل صداعا دائما للسلطات التي فوجئت بأن فضائحها التي كانت تمارسها في الحارات والأزقة حيث لا تصل إليها العيون قد صارت في لحظات منقولة على المدونات ومنها إلى وكالات الأنباء.

لقد كانت المدونات الخطوة الأولى على طريق قلب المعادلة، وجعل الأمة في مكان الفاعل بينما السلطة في مكان المفعول به وموقع رد الفعل.

4. شبكات التواصل الاجتماعي

إلا أن ثمة عيبا في مرحلة المدونات، ذلك هو صعوبة المتابعة، فإذا كنت حريصا على متابعة أربعين أو خمسين مدوِّنًا فأنت مضطر للدخول في كل يوم –أو أكثر من مرة في اليوم بحسب نشاط صاحبها- إلى كل هذه المدونات، وقد لا تجد جديدا.. جرت عدد من المحاولات للتغلب على هذه المشكلة مثل المجمعات التدوينية وبرامج قراءة المغذيات (feed) وغيرها.. إلا أن الثورة الكبرى التي عالجت هذه المشكلة وأضافت إليها ميزات جديدة كانت في ظهور شبكات التواصل الاجتماعي لا سيما الفيس بوك (facebook) والتويتر (twitter) بالإضافة إلى اليوتيوب (youtube)، فبإمكانك أن تتابع مئات وآلاف الأشخاص عبر هذه الشبكات.

صدق أحد الشباب حين قال: لقد تحولت شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي إلى شبكات تواصل سياسي، ولمرة أخرى كانت الأمة على مستوى الحدث تماما، فعبر هذه الشبكات تم تنظيم كل ما يمكن تنظيمه من فعاليات: سياسية واقتصادية وخيرية ودعوية، وفيها تم نشر المقالات والتصميمات الفنية ومقاطع الصوت والفيديو، وصارت هذه الشبكات عقبة حقيقية أمام الحكومات الاستبدادية، فهي توفر مناخا ممتازا لنشر فضائحها ولتنظيم الفعاليات ضدها..

لقد تحولت السلطات إلى موقع رد الفعل، واضطرت في كثير من الأحيان إلى حجب المواقع والصفحات، بل إلى قطع خدمة الانترنت كلها كما حدث في الثورة المصرية التي تم تحضير شرارتها على شبكات التواصل الاجتماعي، وأتوقع أن تستمر الأمة في القيام بالفعل حتى تضطر السلطات إلى القيام بإصلاحات حقيقية أو مواجهة الثورة.. وهذا ما يحدث أمامنا الآن، ونراه بعين الحقيقة لا في الخيال والأحلام.

لقد وضع الانترنت الأمة في موضع الفعل، وهيأ لها سبلا لم تكن متوقعة.. فمن هنا نقول بأن الأيام دارت دورتها، وأن الأمة الآن في طريقها لاستلام زمام نفسها وقيادة نهضتها وإبداع حضارتها من جديد.

نشر في المركز العربي للدراسات والأبحاث

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 21, 2011 15:30

June 20, 2011

رموز تحمي الثورة!

ينبغي أن يتذكر العرب أن هذه الموجة من الثورات ليست الأولى في تاريخهم، ونقصد من هذا التذكير إلى هدفين:

أولهما: التذكير بأن العرب ليسوا قوما من الخانعين الجبناء، وهي الدعوى التي راجت في كتابات "النخبة" قبل الثورة، حتى أُلِّفت فيها كتب!! وهي ذات "النخب" التي ركبت موجة الثورة وتغنت بأغنيات "الشعب العظيم"، لكنها ما لبثت أن عادت سيرتها الأولى في هجاء الشعب الذي كان "جبانا" ثم صار "جاهلا مغفلا"!!

وثانيهما، وهو الأهم والأولى بالحديث: التذكير بأن الموجة السابقة من الثورات العربية قد سُرقت من أصحابها الأصليين من المجاهدين والمعذبين ووُضِعت في أيدي صنائع الاستعمار الذين أدخلوا البلاد في حقبة هي الأسوأ حتى من حقبة الاستعمار نفسه!

إن القوى العالمية لا يهمها الأسماء والأشخاص، وهم على استعداد دائما لاستبدال حمار جديد بالحمار الكبير الذي كسرت ساقه، ولذا فليس في ذهاب بن علي ومبارك وصالح وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ما يثير قلق هذه القوى بقدر ما يثيرها أمر القادمين.

ما زالت الثورات العربية مهددة بالخطر، ذلك أنها –فيما عدا ثورة ليبيا- فشلت في الاتفاق على قيادة موحدة تعبر عنها وتنتظم خلفها، وذلك ما يجعل الأوضاع يُعاد تشكيلها في واقع الحال بعيدا عن الشعب، فلا يدري التونسيون ماذا يدبر لهم في الدهاليز، كما لا يدري المصريون كيف تدار الأمور في المجلس العسكري، وهاهم اليمنيون برغم اختفاء صالح لا يستطيعون الإمساك بزمام الأحداث، فيما لا يحتاج الليبيون إلا إلى التخلص من القذافي ليكون مسار تشكيل الدولة الجديدة سالكا!

لقد حرصت الأنظمة العربية على سحق الرموز لصالح الزعيم الأوحد، وهو ما ضَيَّق كثيرا على حركات الإصلاح التي لا يمكن أيضا تبرئتها من المسؤولية عن فقرها في الرموز الشعبية، على أننا لن نقضي الوقت في تحديد المسؤول بقدر ما يجب أن نعمل على تكوين زعامات شعبية بأسرع وأقوى ما يمكن، ففي تونس كما في مصر يتم تصنيع أسماء بعينها برغم فقر تاريخها النضالي بل رغم بقائها بعيدا عن الوطن طول الزمن!!

يجب ألا تسمح القوى الحية الأصيلة أن تكون الموجة الثورية الثانية كسابقتها الأولى، وأن تستثمر الأجواء الحالية في تقديم رموزها ودعمهم، وإلا كان علينا أن ننتظر نصف قرن آخر في استبداد آخر تحت زعيم أوحد آخر، وما كسبنا –بعد تاريخ الدماء والسجون والتعذيب- إلا تغيير اسم الديكتاتور!!

روى ابن الجوزي في أخبار الحمقى والمغفلين أن هبنقة، وهو ممن ضرب به المثل في الحمق، أضَلَّ بعيره، فصار ينادي ويقول: من وجد البعير فهو له، فقيل له: فلم تنشده؟ فقال: وأين حلاوة الوجدان!!

فهل سيكرر الإصلاحيون مع الثورات سيرة هبنقة مع البعير؟!

نشر في قصة الإسلام

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 20, 2011 09:33

June 19, 2011

الإسلاميون وضرورة الترشح للرئاسة (2)

لا شك في أن الأمر أكبر من أن يحتويه مقال في صحافة سيَّارة، بل هو في حاجة لدراسة موسعة ونقاشات عامة وخاصة، ووضع الخطط والبدائل، وإنما يقول المقال بدور الإشارات العابرة فلعل الله أن يفتح على كاتبها فيُفْتَح بها باب للدراسة والنقاش.

في أمر ضرورة منافسة الإسلاميين على منصب الرئاسة، كان المقال السابق عن خطورة الحكم العلماني حال انفراده بالسلطة، أو بالأحرى حال انفراده بمراكز التأثير في السلطة، وفي هذا المقال نعرض لقراءة عامة في السيرة النبوية، على أن يكون المقال القادم مناقشة للتجارب التاريخية، والذي بعده مناقشة للمخاطر المتوقعة في حال الترشح للرئاسة، إن قدر الله البقاء والقدرة على الكتابة!

في عموم سعي النبي (صلى الله عليه وسلم) للقيام بأمر الرسالة، كان من طبيعة الأشياء أن يبدأ من زعماء القبائل وشيوخها، وبالتوازي مع هذا الخط كان يختار لدعوته الصفوة من الرجال والشباب والنساء ممن يمتلكون الشخصيات القيادية ذات المواهب والإمكانات الفاعلة، ثم هو بعد هذا لا يرد من أتاه مستجيبا لدعوته مهما كان ضعيفا أو مغمورا أو بلا مواهب.

ليس موضع الحديث الآن عن آلية اختيار الأنصار أو رعاية الأتباع فهذا له نقاش آخر، إنما الحديث الآن عن البداية من زعماء القبائل وشيوخها، ذلك أنها بداية من موقع السلطة.

(1)

لم تكن المرحلة المكية سيرة رجل يبحث عن القلوب ليهديها فحسب، بل كانت أيضا سيرة رجل يبحث عن الدولة ليقيمها، وقد تمثل هذا في "جدول أعمال" تبدو فيه ثلاثة بنود واضحة:

1. محاولة إقناع سادة قريش وكبرائها، وكان حرصه على هذا عظيما إلى الحد الذي عوتب فيه بقرآن يصفه بأنه "يقتل نفسه" من الغم لعدم إيمانهم {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف:6] {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3]، بل تروى بعض الآثار –وفيها ضعف- أنه هَمَّ بالاستجابة لطلب سادات قريش بأن يجعل لهم مجلسا غير مجلس العبيد لئلا تسقط بينهم المقامات، فنزل قول الله تعالى {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام : 52].

ولكن اللافت للنظر، والجدير بالتأمل والاعتبار، أنه وقد رأى إصرارهم لم يقعد جالسا منتظرا أن يحول الله قلب أحدهم إلى الإيمان، أو منتظرا تغير الظروف والأحوال، وموازين القوى في مكة، بل انتقل إلى البند الثاني بعدما بدا أن الأحوال في مكة لا تبشر بخير في المدى المنظور.

2. خرج النبي إلى الطائف -وهي القوة المنافسة لقريش في الجزيرة- باحثا عن الأرض التي يقيم عليها الدولة في حماية سادات الطائف، وحين وُوجه هناك بأقسى مما توقع فأُوذي وأُهين وهو الكريم النسب والخلق فإنه أيضا لم يقعد ولم ينتظر.

3. وَسَّع دائرة البحث حتى كان يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج، وشعاره المعبر عن طبيعة الهدف "ألا رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي"، وذكر أصحاب السِيَر أسماء خمس عشرة قبيلة كلها رفض دعوته، حتى أعثره الله في آخر الأمر على النفر الستة من يثرب، فأيده الله بهم.

حتى تحقق الهدف أخيرا، ووجد النبي القوم الذين استعدوا لحمايته.

لكن لا بد من التوقف عند عدة أمور مهمة:

1. أن انتشار الدعوة في المدينة لم يتم تدريجيا كما يتوهم الكثير من الإسلاميين، بل تم بإسلام قيادات المدينة: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وكان هذا السبب الرئيسي في أن المدينة في خلال عامين لم يكن فيها بيت يخلو من الإسلام. هذه هي الطريقة التي لم تنجح في مكة ولا الطائف ولا سائر القبائل لعناد القيادات.

2. أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قَبِل دائما بالحد الأدنى من الحماية، أي بالحد الأدنى من شروط الدولة، فلقد رضي بحماية الأنصار داخل المدينة فحسب، ولما بدا أن قتالا سينشب في غزوة بدر كان محتاجا لاتفاق آخر، فالشاهد أن الحد الأدنى من وجود سلطة كان كافيا لينطلق منه النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرته، ولهذا يجب أن نلفت الانتباه إلى الضعف الشديد للرواية التي تفيد أن النبي رفض عرض بني شيبان لحمايته من قِبَل العرب فقط لا من قِبَل الفرس.

[قبل الانتقال إلى الفقرة التالية، أشير إلى أن ما سبق قد كتبته قبل عام ونصف، وبالتحديد في ذكرى الهجرة 1431 / ديسمبر 2009]

(2)

بالإضافة إلى ما سبق فإن استعراض المشكلات التي واجهها النبي في المدينة تضعنا أمام حقيقة لا ينتبه لها كثيرون، تلك هي أن ظروف المدينة وقت هجرة النبي كانت أسوأ بما لا يقارن بظروف مصر في هذه اللحظة، بل أسوأ بما لا يقارن بظروف غزة وقت فوز حماس وحتى الآن.

وكان نجاح النبي في تأسيس دولة المدينة دليل على أن المنهج الإسلامي قادر على تجاوز أسوأ الظروف بل والانتقال للدولة المثلى في التاريخ، ولذلك أجد كثيرا من الحرج في التأكيد على أن مصر في هذه الأيام لا يستطيع تيار وحده أن يحل مشكلتها!!

واستعراض الظروف ليس هذا مقامه، ولكن يكفينا أن نعرف أن المدينة كانت مجتمعا غير متجانس، فأهل مكة من قبائل شتى وأهل المدينة منقسمون إلى أوس وخزرج ويهود، بالإضافة إلى المهاجرين ممن أسلموا من سائر القبائل، ثم لديك منافقون ومشركون.. ثم هو مجتمع فقير اقتصاديا، تسيطر طبقة اليهود على حركة المال فيه، يعتمد على الاستيراد، كما أدى تبنيه للإسلام إلى مقاطعة شاملة من العالم الخارجي..

كل هذه المشكلات كانت لها حلول، ربما استعرضناها في مقال قادم، لكن الشاهد الذي نريد التأكيد عليه الآن هو أن دولة المدينة كانت في ظروف بالغة السوء وقت قدوم النبي، وقد تم بالحكمة والصبر تحويلها إلى نموذج مثالي!

(3)

لا شك أن الأمر يحتاج مزيدا من إفاضة، لكن لعل فيما سبق كفاية في مقام الإشارة، على أنه لابد من لفت الأنظار إلى أن "الدولة" كانت أمرا ضروريا في زمن لم تكن فيه بهذه المركزية والسلطة، حيث لا حدود ولاموانئ ولا سجون ولا أنظمة سائدة محكمة في الاقتصاد أو التعليم أو غيره، فكيف بالحال الآن في زمن ما بعد الدولة المركزية؟

إن من اللحظات الحاسمة في التاريخ أن التخلف الإسلامي جاء في وقت ظهور الدولة المركزية، وهذا هو السبب الرئيسي في تعثر الكثير من حركات الإصلاح الإسلامي التي وُجِدت تحت سلطة شاملة لدولة شرسة، لكن.. لهذا حديث آخر إن شاء الله في المقال القادم عن التجارب الإسلامية في التاريخ الحديث.

نشر في: شبكة "رصد" الإخبارية

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 19, 2011 17:12

June 11, 2011

كتاب التأمل وصل إلى قنا!!




خبر سار:

وصل الكتاب إلى محافظة قنا، تجدونه -إن شاء الله- في مكتبة الجهاد..


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 11, 2011 18:17

الإسلاميون وضرورة الترشح للرئاسة (1)

بعد خطبة للجمعة يوم 18 مارس الماضي، دعوت فيها الناس للخروج إلى الاستفتاء والحرص على المشاركة فيه، وكنت وقتها أتمتع بقدر أعلى من "الأخلاقية" أو قل "الغفلة" فلم أحاول أن أحشد للتصويت بـ "نعم"، ارتفاعا بالمنابر عن الخلاف الدائر وقتها، بعد الخطبة فوجئت برجل ذي هيئة سلفية يعارضني أشد المعارضة ويؤكد على ضرورة التصويت بـ "لا"، حيث إن "نعم" تزيد من فرص الإسلاميين في المشاركة في الحكم، وحيث أن العالم الآن لا يرضى عن حكم إسلامي فيجب أن ننسحب من هذه المعركة حفاظا على البلد حتى لا تتحول إلى سودان أو أفغانستان أو جزائر أخرى!

اندهشت من منطقه المتخاذل المتراجع الخائف، لكنني بعد قليل من التأمل عرفت أن كلامه يدل على عمق وطنيته وانتمائه وتفضيله لمصلحة البلد إلى الحد الذي يقبل فيه بالتنازل عن حقه لأجل المصلحة الوطنية.. كلما رأيت فريق النخبة العلمانية يريد فرض رأيه بالديكتاتورية ولو بتمديد الحكم العسكري وتأجيل التحول الديمقراطي كلما تذكرت هذا الرجل السلفي، الوطني، الذي يقبل بالخروج من المشهد طواعية لإحساسه بأن وجوده فيه خطر على مستقبل الوطن!!

منطق هذا الرجل، هو في الحقيقة المنطق العام للإسلاميين، وإن كان ليس بهذه الدرجة من التراجع والانسحاب، بل بدرجة أقل، فجماعة الإخوان حسمت قرارها، وهو قرار بالتنازل عن حقها في المنافسة على رئاسة الجمهورية وفي الحصول على أغلبية برلمانية، لا لشيء إلا لتقديرها أن الوضع العالمي لا يقبل بحكم إسلامي في مصر في هذه الفترة، والسلفيون ما زالوا مترددين فيما هو أقل من هذا، في نسبة الترشح وفي تأسيس أحزاب وفي المشاركة الفاعلة على الساحة السياسية.

بعض السلفين قلقون من فكرة تأسيس الأحزاب أصلا ويخشون من تأثيرها على التقدم في الدعوة، باطن هذا القلق هو الخوف من دخول ساحة مجهولة مع إرادة البقاء في الساحة الآمنة التي اعتادوا عليها.

أحسب أن الإسلاميين في حاجة إلى مراجعة مواقفهم بعد الذي رأيناه في الشهور الماضية من الهجمة العلمانية العنيفة التي استعملت كل ما كان بيدها من أسلحة، جلها غير مشروع امتلأ بالكذب والتصيد والافتراء، حتى من كنا نظنهم فعلا دعاة للديمقراطية واحترام رأي الشعب بدا أنهم وجه آخر من النظام البائد وثبت أنهم عارضوه لأنه حرمهم من نصيب في المشهد، لقد انقلبوا على كل ما نادوا به قديما حين بدا لهم أن الديمقراطية لا تصب في صالحهم!

ما رأيناه يعيد إلينا الخوف من جديد في أن هؤلاء لو وصلوا إلى الحكم فإن التجربة الناصرية قد تعود من جديد، ولم لا؟ فأحبالهم الموصولة بالغرب تهيئ لهم إعادة إنتاج النظام السابق مع قدر من الاختلاف في التفاصيل.. فلئن كانوا في هذه اللحظة لا يترددون في محاولات الانقلاب على الخيار الشعبي وما بيدهم سلطة فكيف لو امتلكوها بالفعل؟!!

إن الإسلاميين مهددون حقا بالعودة إلى الصفر أو حتى ما قبل الصفر، فباسم الثورة يمكن للسلطة "الثورية" أن تفعل ما لم يستطع أن يفعله نظام مبارك.. وهكذا فعل عبد الناصر من قبل، فوجد من يصفق له ويؤيده ويساعده في سحق "الإرهابيين / أعداء الثورة"!

الظن الشائع أن حرية الحركة في الفترة القادمة ستهيئ للإسلاميين مزيدا من التواصل مع الناس ومزيدا من تقدم الدعوة، إلا أنه يجب أن نتذكر حقيقة تاريخية وواقعية حاسمة، تلك هي أنه لم توجد سلطة علمانية في عالمنا العربي أو الإسلامي أتاحت للإسلاميين حرية الحركة، فوجود الإسلاميين في ذاته مهدد للمشروع العلماني الغربي، وليس من طبائع الإنسان أن يترك ما يراه تهديدا له يكثر ويتعاظم على اعتبار أن هذه من مبادئ الديمقراطية، فكيف وقد تكشف لنا أنهم لا يؤمنون بالديمقراطية أصلا!!

لقد تنازل الإسلاميون عن حقوق أصيلة لهم لطمأنة الفرقاء والأعداء في الداخل والخارج لأجل دخول البلاد في التحول الديمقراطي، إلا أن هذا التنازل لم يُرضِ أحدًا، وهم على استعداد لإنهاء التحول الديمقراطي أو تأجيله حتى يبلغوا من الشعبية ما يُمَكِّنهم من الوجود بأغلبية، ولو كان الثمن هو الاستمرار في حكم عسكري وخسران البلاد هذه الفرصة الثمينة، وعليه فينبغي أن يكون الدرس واضحا: مهما قدم الإسلاميون من تنازلات فلن يكون كافيا، وهاهم يتعاملون مع الشعب بمنطق (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)!

فكيف يُطمَأَنُّ إلى هؤلاء إذا صارت بأيديهم السلطة الفعلية؟

لطالما صعد أُناس إلى كرسي الحكم على أكتاف غيرهم فانقلبوا عليهم، ومن ينسى محمد علي أو جمال عبد الناصر؟!.. فلا ينبغي أن يطمئن الإسلاميون إلى أن قدرتهم على الحشد ستكون ضمانة لهم فيما بعد!

هذه واحدة من ضرورات أن ينافس الإسلاميون على منصب الرئاسة، وأن ينافسوا بكل قوتهم على مقاعد البرلمان.. وفي المقالات القادمة بإذن الله سننظر في الوضع الدولي والداخلي وخبرة التجارب السابقة.

نشر في: شبكة رصد الإخبارية

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 11, 2011 15:55

June 5, 2011

الموقف الحضاري لعلماء الإسلام.. حديث "العدوى" نموذجا

في كل عصر غرائب، ثم يأتي العلم فإما أن يثبت أنها خرافة، وإما أن يعطي التفسير العلمي لهذه الظاهرة الغريبة.. وفي كل عصر شجعان تصدوا لمحاربة الخرافات، وهؤلاء يكونون روَّاد النهضات وجذورها..

في هذه الدراسة سنرى كيف تعامل العلماء المسلمون مع ظاهرة غريبة، هي انتقال المرض من شخص إلى آخر، لم يكن العلم قد أثبت أن العدوى حقيقة علمية، ثم جاء الشرع بنصوص تحتمل بعض الأوجه، فتعددت الأفهام في المسألة، كل فهم على قدر ما أوتي من الذكاء ومن معارف العصر.. وسنرى أيضا كيف كان منهج العلماء في التعامل مع نصوص القرآن والسنة في ضوء ما يستجد من العلوم والمعارف.

***

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث لم نعرف إعجازها العلمي إلا في أيامنا هذه، مثل قوله –صلى الله عليه وسلم- "إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا"


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 05, 2011 13:02

June 4, 2011

من تدبير الله للثورة المصرية

في المقال السابق كان الحديث عن تدبير الله للثورة المصرية في "جمعة الغضب" حيث سار هذا اليوم دون تنسيق مسبق من أحد في أفضل مسار محتمل بما أخرج كل جهاز الشرطة من المعركة، وأنزل من لم يكن مؤيدا للثورة إلى الشوارع للقيام بمهمة الحماية الشعبية مما زاد في تدعيم موقف المتظاهرين والمعتصمين في التحرير وأفشل خطة نشر الرعب وزاد في كسر الشرطة.

في هذا المقال نرصد تدبيرا آخر من تدبير الله للثورة المصرية، وذلك هو "القنوات السلفية"..

لقد سمح النظام البائد بوجود قنوات للسلفيين لتحقيق مجموعة من الأهداف، على رأسها ترسيخ وجوده في السلطة باعتبار ما يحمله الفكر السلفي من آراء تتركز على "حقن الدماء" و"إخماد الفتن بين المسلمين" بما يستتبع هذا من آراء تحرم الخروج على الحاكم طالما كان الفارق في القوة والقدرة يميل إلى أن هذا الخروج لن يحقق تغييرا حقيقيا ولن ينتج عنه إلا إسالة الدماء والدخول في فوضى!

لسنا في مقام تقييم هذا الفكر الآن، لكنه على كل حال وجهة نظر تنطلق من الحفاظ على الدماء والأعراض والأموال والبلاد..

وللأمانة والتاريخ فقد أفاد النظام من هذا المنهج في أكثر من موقف، لا سيما حرب غزة وحرب لبنان وحركات الاحتجاج والمعارضة والإضرابات.. لا سيما وقد منع النظام تماما ظهور شيوخ السلفية السكندرية أو السلفية الحركية في القاهرة وهم أكثر تشددا وتصلبا في موقفهم من الحاكم، وأكثر فهما واستيعابا لمشكلات السياسة.

لكن الذي لم يخطر للنظام على بال أن القنوات السلفية قد أحدث موجة إسلامية هائلة في طول مصر وعرضها، بل في طول العالم العربي وعرضه، حتى أصبح الشيوخ رموزا ونجوما شهيرة وقد كان لا يعلم أسماءهم غير طلبة العلم، ودخل الدين قرى ونجوعا بعيدة في أعماق الصعيد وأطراف السواحل، ولقد فوجئ الجميع بمن فيهم طلبة العلم وحتى الشيوخ أنفسهم بما حققوه من نجاح جماهيري كبير، وما زلت أذكر قول الشيخ يعقوب "لقد حققت هذه القناة (الناس) في عام واحد ما عجزنا عن تحقيقه في المساجد في عشرين سنة"، وشخصيا أعرف بيوتا وعائلات كاملة تابت على هذه القنوات، وأعرف قرى بعيدة أنبتت فيها هذه القنوات مجموعات شبابية إصلاحية ناشطة، وأعرف كثيرا جدا من العلاقات المهددة بين الأرحام والأزواج انتهت بمواعظ الشيوخ..

ومن بين النجاحات الرائعة لهذه القنوات السلفية أن شيوخها كانوا في الأغلب الأعم ذوي مسؤولية دينية فلم يسخروا برامجهم للطعن في غيرهم من الإسلاميين كالإخوان مثلا (وكان هذا أحد أهداف النظام)، بل جعلت هدفها هداية الناس دون الدخول في معارك مع أحد، وكان لهذا فوائد رائعة كثيرة، أهمها أن الشيوخ صاروا رموزا إسلامية عامة وأن الإسلاميين على اختلاف أطيافهم استفادوا من ثمار هذه القنوات.

ولا فضل في هذا التدبير لأحد إلا لله..

ولما بدا أن الأمور تسير على طريقة غير التي أرادها النظام، وتسبب المد الإسلامي في فزع هائل للتيارات العلمانية، بدأت مراحل التضييق والتأديب لهذه القنوات، ثم لم يصنع هذا كثير فائدة، فتم إغلاقها مرة واحدة.

وما هي إلا شهور حتى اشتعلت الثورة المصرية، وقد سَخَّر النظام كل إمكانياته الإعلامية عن آخرها لإخماد الثورة ولم يفلح، ذلك أن أحدا لا يثق في إعلام النظام ولا منافقيه.. لقد فقد النظام الإعلام الوحيد الذي يثق فيه الناس والذي قد ينفعه في مثل تلك الظروف، وهو القنوات السلفية!

لقد شارك كثير من السلفيين وشيوخهم في الثورة، إلا أن الذين شاركوا ثائرين كانوا هم الممنوعين من الظهور كشيوخ السلفية الحركية، فيما كانت السلفية العلمية على تردد منها أو على رفضها (تبعا لقاعدتهم في الموازنة بين احتمالات المكاسب والخسائر، والتي أوضحناها سابقا).. وحتى بعد التنحي ظل كثير من الشيوخ في موقف المضطرب المتردد غير المصدق أن قناعاته التي ظل يدرسها ويؤكدها قد ثبت خطؤها.

ولو كانت هذه القنوات مستمرة أثناء الثورة لكانت خطرًا عليها بلا أدنى شك، لأن أهلها مخلصون لفكرة يرونها حقا ودينا وليسوا أصحاب مصالح خاصة كغيرهم من منافقي النظام البائد!

ثم عادت القنوات الإسلامية بعد ذهاب النظام، عادت وقد ارتفعت عنها يد الدولة وقيودها، وهي الآن الصوت الإسلامي الوحيد الموجود الذي يواجه الهجمة العلمانية الرهيبة على الإسلاميين منذ ما قبل الاستفتاء على تعديل الدستور!

هكذا دبر الله للثورة المصرية..

لقد تخوفنا حين أُنشئت هذه القنوات برعاية النظام وتوقعنا أنها لمواجهة الإخوان وترسيخ حكم السلطة، ثم غضبنا حين أغلقوها بعدما هدى الله بها كثيرا من الناس.. فمن غير الله كان يدري أن إنشاءها كان خيرا وأن إغلاقها أيضا كان خيرا وأن عودتها بعدئذ سيكون خيرا..

(ويمكرون، ويمكر الله، والله خير الماكرين) صدق الله العظيم.

نشر في "شبكة رصد الإخبارية"

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 04, 2011 06:04

June 2, 2011

حضارة الإسلام في مشهد الجمعة

ذات يوم جمعة، وقعت حادثة استحقت أن تنزل فيها آيات، إذ كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قائما يخطب، وقد أصاب المدينة مجاعة، فأقبلت عير فيها تجارة، فانطلق الناس إليها حتى لم يبق مع النبي إلا اثنا عشر رجلا

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 02, 2011 19:09