محمد إلهامي's Blog, page 93

July 23, 2011

إلى رجال المجلس العسكري!

لن أطيل عليكم، أعرف أنكم لا تحبون كثرة الكلام.

1. للتوضيح وليس نفيا لتهمة: لست من حركة 6 إبريل، بل إنني من المختلفين معها.

2. نحن نعرف عن شباب 6 إبريل أنهم ناضلوا وكافحوا ضد نظام مبارك الباطش الفاسد وتعرضوا في سبيل هذا لمظالم تعرفونها جيدا.

3. لكني لا أعرف أيا منكم؟ لا أعرف تاريخكم ولا ميولكم ولا اتجاهاتكم؟

4. أعرف عنكم شيئين فحسب:

- أعرف أين كنتم يوم أن كان المناضلون في السجون وتحت السياط.

- وأعرف موقفكم المحايد سلبيا في الثورة، ثم الضاغط لتنحي مبارك، غير أني لا أعرف بالضبط كيف تم هذا ولا لماذا تم؟ وهل هي دوافع وطنية خالصة تماما؟ أم أن ثمة توازنات أخرى خارجية وداخلية جعلته القرار الأفضل.. تعرفون أننا في عصر الفضاء المفتوح، ونحن قد سمعنا بآذاننا وشاهدنا بعيوننا أن باراك أوباما تخلى عن حليفه وأنه هدد بقطع المساعدات العسكرية لمصر.

5. حسنا، أنا لا أثق في أحد، كما أني لا أتهم أحدا حتى يكون لدي دليل.. إن تجربة فاقت نصف قرن من الاستبداد تجعلني لا أثق في أحد إلا بما يقدمه من أعمال.. وأعمالكم في هذه الشهور –عفوا- لا تدفع إلى الثقة.

6. وبدافع من هذه الخبرة فإني أدعوكم لنشر ما لديكم من دلائل تدين حركة 6 إبريل، أو فتح تحقيق قضائي مدني نزيه، وهذا يعود علي بالأمان وتجديد الثقة في أسلوبكم لإدارة البلاد، إذ أن ألفاظ "العملاء – الحاقدين – مشبوهة - ..." وأمثالها، وإن كانت حقيقية لا شك، إلا أن كثرة استعمالها بالباطل عبر سنوات القهر قد جعلها مثار سخرية، وجعل قائليها مصدر خوف، ونحن حتى اللحظة لا نحب لكم أن تكونوا حلقة في سلسلة التاريخ الأسود الذي عاشته البلاد.

7. وعليه، فإن تشويه 6 إبريل أو محاولة اتخاذ أي إجراءات ضدها بغير إدانة قضاء مدني نزيه، يعتبر ضربة لكل فصائل الثورة، بل لكل ثائر مستقل غير مسيس، وإذا كنتم تحترمون القانون جدا جدا جدا (كما في حالة المخلوع) فأنتم مدعوون لاحترامه أيضا مع الذين ثاروا عليه.

8. أفهم أنكم لا ترتاحون معنا، هكذا المدنيون، تشيع فيهم الفوضى وينقصهم الانضباط وتعوزهم التربية ولا يعجبهم العجب ولا حتى الصيام في رجب أو شعبان أو رمضان، وعليه فأنتم مدعوون للإسراع في نقل السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة، فالمدنيون يعرفون كيف يربون أنفسهم، وضرب الحبيب (المدني) زي أكل الزبيب، وعلى رأي المثل: "ادعي على ابني واكره اللي يقول آمين"!! والمثل الآخر "أنا وأخويا المدني على ابن عمي العسكري، وأنا وأخويا المدني وابن عمي العسكري على الغريب"!!!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 23, 2011 04:52

July 22, 2011

الشريعة الإسلامية والنفوس العلمانية!

أعد القارئ الكريم بمفاجأة في آخر المقال.

لماذا نريد أن تكون السيادة للشريعة الإسلامية؟ لقد قامت كثير من الكتب والدراسات بمحاولة الإجابة عن هذا السؤال، وربما ننصح في هذا السياق بمطالعة كتاب أستاذ فقهاء القانون الدكتور توفيق الشاوي "سيادة الشريعة الإسلامية في مصر"، وانطلقت الإجابات من وجهات شتى يجمعها ذلك التفرد الجوهري للشريعة الإسلامية، وهو تحرير السيادة من أي جهة بشرية أو أرضية، وبالتالي تخليصها من الأهواء والرغبات وتوازنات المصالح والمكاسب، فيكون إقرار القوانين ووضعها مقصودا به طاعة الله وتحقيق مراده لا طاعة الحاكم وتحقيق أهوائه.

وعلى الجهة الأخرى يكون التزام الناس بالقانون منطلقا من التزامهم بالدين، ويستشعرون في تنفيذه رقابة الله الكامنة في الضمير لا مراقبة الشرطي أو القاضي، ليس يبحث المرء في هذه الحالة عن ثغرات في القانون وإنما يبحث عن الأحوط والأفضل والأسلم، وهو حين ينفذ القانون فإنما ينفذه ابتغاء مرضاة الله، فإن الله هو الذي (يأمر) وإن الله هو (السميع البصير)

في تلك الحالة تنخفض مستويات الاشتباك والتنازع والتخاصم إلى أدنى حالاتها، ذلك أن المؤمنين بالشريعة لا يشتبكون إلا حين يلتبس الحق في المسألة، وساعتها يمكن لشيخ المسجد أو لداعية القرية أو لعلماء القُطْر حل المسألة في جلسة أو جلستين، دون اللجوء إلى خصومات المحاكم بكل ما تستهلكه من وقت وجهد على القضاة والدولة وبكل ما تورثه من عداوات وبغضاء!

***

تكمن المشكلة العلمانية في التخفي والتنكر والتلون، إن وجودها في بيئة إسلامية يمنعها من إعلان رفض الإسلام، ليس لخوفهم من حد الردة –كما يزعم بعض شجعانهم!! فليس ثمة من يطبق حد الردة أصلا- وإنما لأنهم يعلمون أن خطابا رافضا للإسلام كفيلا بتدميرهم شعبيا، ولهذا فهم يعلنون دائما إيمانهم الكامل بالإسلام ثم هم في ذات الوقت يريدون وضع قوانين أو استيراد شرائع قد أمرهم إيمانهم "المُعْلَن" أن يرفضوها ويكفروا بها!!

في مناظرة جرت بين شيخ سلفي ورمز ليبرالي، ظل الشيخ يحاول أن يفهم معنى الليبرالية هل هي تتصادم مع الإسلام؟ فظل الليبرالي يؤكد عدم مصادمتها للإسلام، فلما طرح له بعض التفاصيل الواضحة قال الليبرالي: دعني أفكر فيما تطرحه، فربما أقبله وربما أقبله جزئيا!! وانتهت المناظرة دون جواب واضح.

في هذا السياق نجد أن الله تعالى قد أمر المسلمين بالعمل بشريعتهم، فإن أفضل ما سيحدث بعد فشل المناهج الأخرى أن تسمع منهم: اجتهدنا وأردنا الخير فأخطأنا، حتى حسني مبارك قالها حين شعر بالأرض تميد به: أمضيت عمرا في خدمة هذا الوطن والدفاع عن أرضه وسيادته، وسيحكم التاريخ لي أو عليّ!!

صحيحٌ أننا لم نؤمر بالتفتيش في القلوب والنوايا، فتلك التي لا يعلمها إلا الله، على أننا قد أُمِرنا بالنصيحة، ثم أُمِرنا بالعمل على سيادة الشريعة، فإن الله لم ينزل شرعا لكي نشاهده من بعيد، ولا أرسل رسولا لكي يؤخذ ما صدر منه على سبيل النظر والاستمتاع، بل نؤمن أننا لا نستحق صفة الإيمان إلا بطاعة الله ورسوله والرضا بحكمهما، أيا ما كان هذا الحكم، ومهما بلغ من الصعوبة، فكيف ونحن نرى بأنفسنا شريعة سهلة سمحة رحيمة تقوم بمصالح الناس على خير وجه؟!

ونحن بعد صلاح الدنيا نرجو ثواب الآخرة، ورفقة النبي والصالحين..

***

انتهى المقال..

والمفاجأة التي وعدت بها هي أن كل هذا المقال ليس إلا ترجمة رديئة جدا لكلام قيل قبل أربعة عشر قرنا، ليعلم الجميع أن القرآن حياة، صالح لكل زمان ومكان، فاقرأ ما يلي بقلبك واعف عن ما سبق، فما بينهما هو الفارق بين الرب وبين العبد!

***

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)

فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)

أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)

فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)

وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)

وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)

ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا)

صدق الله العظيم.

نشر في المركز العربي للدراسات والأبحاث

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 22, 2011 10:30

July 19, 2011

التحالف الإسلامي المفقود

كأنما عدت أربعين سنة إلى الوراء حين رأيته فكلمني وكلمته واستمعت إليه، هو أحد أعضاء الجماعة الإسلامية وهو ممن قضى خمسة عشر عاما في سجون مبارك، ذلك أنني رأيت فيه واحدا من رجال جماعة الإخوان الخارجين في أوائل السبعينات من سجون عبد الناصر، يمتلئ توقدا وحماسة وأملا وعملا، به رأيت ما حدث قبل أن أولد، وعرفت أنه بمثل هؤلاء تُبنى الكيانات والجماعات من جديد.

قال كلاما كثيرا مهما وقَيِّما، إلا أن الشاهد في سياقنا الآن هو عتبه الشديد الممتلئ حرارة من جماعة الإخوان التي تتصرف مع الجماعة الإسلامية بتجاهل شديد، أو في أحسن الأحوال بالقبلات والأحضان، فيم تحتاج المرحلة إلى أكثر من الأحضان، أقله التنسيق والترتيب في هذه المرحلة التي تفرض على الإسلاميين أن يتحركوا ككيان واحد قوي يواجه محاولات سرقة الثورة التي تقوم بها جهات الداخل والخارج.

كان مستاءً من حرص الإخوان على تأليف قلوب أمثال رفعت السعيد وتجاهل أمثال عصام دربالة، ومحاولة التنسيق مع أحزاب يعرف الجميع أنها هامشية وتجاوز كيان منتشر في محافظات مصر من جنوبها إلى شمالها يعيد ترتيب نفسه من جديد. بل كان يرى أن من واجب الكيان الإسلامي الكبير (الإخوان) أن يحتوي الكيان الذي يتجمع من جديد لا سيما بعد تصريحات قادة الجماعة المتكررة بدعم الإخوان.

الخلاصة التي فهمتها منه أن الجماعة الإسلامية ستعيد بناء نفسها في كل الأحوال، غير أن هذا إذا تم في جو من التآلف والتنسيق والتوحد سيكون أقوى وأسرع وأنفع لكل الأطراف، وإذا تم في جو التجاهل أو التعالي فإنه سيتأخر وستكون القلوب قد تنافرت!

***

في حوار آخر بعد هذا بأيام كان صديق من جماعة الإخوان ينتقد من جماعته هذا التجاهل للسلفيين الذين خرجوا إلى الحياة السياسية، واستشعروا خطر العلمانيين على الحالة الإسلامية بشكل عام فهم يريدون وجود حد أدنى من التنسيق في الحركة الإسلامية بينهم وبين الإخوان إن على مستوى الانتخابات وإن على مستوى نشر الوعي وتوحيد الأهداف المرحلية.

وقد حمل هذا الصديق أسئلته هذه حتى بلغ بها مسؤول المحافظة الذي اتضح أنه فوجيء بهذا الأمر، وحيث أن لا توجيهات لديه بالتنسيق فإنه التمس الأعذار والمبررات التي تفسر غياب هذا التنسيق، وهي أعذار أقلها لا يُنكر وأكثرها يمكن حله ببساطة، وحتى هذا القليل الذي لا يُنكر من العوائق لا يستعصي على الحل شرط أن توجد الإرادة لذلك!

***

بعد هذا الحوار بيوم واحد كنت في حوار مع أخ سلفي سكندري من مؤسسي حزب النور، وكان يشكو أيضا من التجاهل العظيم من إخوان الإسكندرية للتنسيق الانتخابي مع حزب النور، وتشتد به الحسرة لأنه يعلم أن الإسكندرية هي المعقل الإسلامي الكبير، وأن أدنى تنسيق بين الإخوان والسلفيين في الإسكندرية قد يجعلها خالصة للإسلاميين من دون الآخرين.. في النهاية اضطر حزب النور بعد التجاهل الإخواني له إلى أن يرتب مرشحيه في الدوائر حتى التي سينزل بها مرشحون عن الإخوان المسلمين، ثم لعل الأيام تأتي بالمأمول!

وحدثني أيضا –وهو طبيب ومن المسؤولين عن العمل السلفي في جامعة الأزهر- عن أن الإخوان في انتخابات اتحاد الطلاب رفضوا التنسيق مع التيار السلفي مما أثر بالسلب على نتائج كليهما، فلقد كان من الممكن بقليل من التنسيق الفوز بمقاعد الاتحاد كلها –وربما إلا قليلا- فخرجت النتائج بالثلث للإخوان، والثلث للسلفيين، والثلث للمستقلين.. وبدلا من أن يتم تصحيح الوضع في تشكيل اللجان إذا بالإخوان ينسقون مع المستقلين في مواجهة السلفيين!!

***

في القلب كلام كثير، غير أن هذا يكفي، وهؤلاء ثلاث شخصيات لا علاقة لهم ببعض، ما يجعل الأمر يبلغ حد التواتر ويفيد اليقين، وصلب الموضوع لا يكمن في التنسيق الانتخابي ولكن يكمن في مأساة الحالة الإسلامية نفسها.

اللحظة الآن هي لحظة حراسة الثورة التي يبدو أنها في طريقها للسرقة لا سيما بعد التأجيل العملي لانتخابات البرلمان لشهرين، وتأجيل انتخابات الرئاسة إلى أجل غير مسمى، وإذا لم يكن الإسلاميون يعلمون أنهم أقرب إلى بعضهم من سواهم فيما مضى فإن تجربة الشهور الخمسة الأخيرة لا بد أن تكون قد أظهرت هذا بشكل لا يقبل اللبس ولا الجدل.

الأيام لا تبقى على حال، وإنما هي دول، وكما كان الإخوان في بداية السبعينات أفرادا فصاروا إلى أن يكونوا قوة شعبية كبيرة، فإن الجماعة الإسلامية تبدو في هذه اللحظة وكأنها تنطلق على نفس المسار، كذلك فإن التيار السلفي قد خرج من عزلته المسجدية تيارا عَفِيًّا فَتِيًّا قادرا على قلب ميزان المعادلة السياسية (د. عبد المنعم أبو الفتوح يقر بأن التيار السلفي يبلغ عشرين ضعفا مقارنة بالإخوان المسلمين).. ولا يظل ناقصا في كل هذه المعادلة إلا إرادة القيادات الإخوانية والسلفية وفي الجماعة الإسلامية!

كلهم يعلمون قول الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فأَلَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)، بل كلهم يقولونها.. وبقي أن يسمعوا منا قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كَبُر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).

نشر في شبكة رصد الإخبارية

1 like ·   •  1 comment  •  flag
Share on Twitter
Published on July 19, 2011 12:56

July 16, 2011

يا معشر الإسلاميين: ما نيل المطالب بالتمني!

ليس أسوأ من الحالة الإسلامية الحالية إلا الحالة التي سنصير إليها لو استمرت نفس هذه المسيرة، وليس مقبولا أن تملك الزعامات الإسلامية –سواء كانوا شيوخا أو جماعات- هذا الكم الأقوى والأكبر من القوى البشرية، ثم هي بنفسها التي تظل تكبلها وتطالبها بالهدوء والانتظار والتعقل وتفويت الفرص وسحب الذرائع، وكأنما كتب على الإسلاميين دائما أن يتحركوا في الإطار المسموح به.

الإسلاميون هم أكثر المطالَبين بحماية هذه الثورة وحراستها، فلو أنها فشلت لكانوا هم أول الضحايا بلا جدال، ولو أنها سرقت منهم لكانوا هم أيضا أول الضحايا بلا جدال، كم مرة سيبذل الإسلاميون دماءهم في الثورات ثم يسرقها منهم خسيس يجيد تبديل جلده؟!! إن هذا هو تاريخ مائتي عام سبقت والمهم الآن ألا يأتي من يكتب ذات الكلام بعد نصف قرن آخر!

لكن صرحاء مع أنفسنا، لقد كشفت لنا هذه الشهور الخمسة النفيسة من بعد الإطاحة بمبارك ما لم نكن نكتشفه في غيرها من الشهور:

1. الإسلاميون تقريبا بلا أصدقاء، وقد محصت الأيام صورة كثيرين ظنناهم موضوعيين أو شرفاء، فبدا أنهم ليسوا إلا وجوها أخرى من خدم النظام القديم كانت ترتدي أقنعة وتتخفى تحت مساحيق التجميل.

2. لقد حدث الانقسام فعلا بين الإسلاميين وغيرهم، أو قل بين الإسلاميين وبين الظاهرة التليفزيونية التي لا تملك إلا الشاشات والصحف بينما هي أول من تعرف حجم نفسها شعبيا.. ومن ظن أنه يمكن إعادة التوحد مرة أخرى فهو واهم، وما حدث في جمعة 8 يوليو خير دليل.

3. أثبتت مظاهرات الجمعة أنه بدون الإسلاميين لا يمكن إخراج مليونيات شعبية، مهما بذلت النخبة وامبراطوريتها الإعلامية من مجهود، وهؤلاء يكذبون كما يتنفسون دون شعور بالخجل، فإذا فشلوا في إخراج مليونية فإن الآلاف يتحولون إلى مليونية ناجحة وفريدة وعظيمة ويصابون بالإسهال في التقديرات والأرقام، أما إذا شارك الإسلاميون فخرجت مليونية فإنهم ينسبون النجاح لأنفسهم وحدهم.

4. المجلس العسكري يمارس السلطة بمعزل عن الجميع، ولا يدري أحد كيف تسير الأمور، ولا ماذا يُقال للخارج ولا ماذا يخطط للداخل، ثم أضاف إلى ذلك عدة لقاءات مغلقة، منها لقاء بالبرادعي فهدأت من بعده نبرة الدستور أولا وسرى بينهم ارتياح مريب، ومنها لقاء بالبابا شنودة فهدأت من بعده النبرة الطائفية بل صرح البابا بأنه يصلي من أجل المجلس العسكري!! ومن يدري مع من كانت اللقاءات الأخرى؟ ولا ماذا قيل فيها؟

5. إلا أن المجلس العسكري يتعامل مع الإسلاميين بجزرة الانتخابات، والتي تم تأجيلها بالفعل، وبعدما كان الكلام عن انتخابات برلمانية في سبتمبر ورئاسية في ديسمبر، ذهبت الانتخابات البرلمانية إلى نوفمبر وذهبت الرئاسية إلى المجهول.. والإسلاميون يتغاضون عن كل ما يحدث من خطايا المجلس العسكري ابتغاء أن تعبر هذه الفترة الانتقالية بلا ذرائع يستخدمها العسكر لنقض التحول الديمقراطي.

إذا قمنا بترتيب الأولويات فسنجد أننا في وجه المجلس العسكري الذي نقض فترة الستة أشهر، وقد ذهبت الستة أشهر ولم تحدث ولا خطوة واحدة على مسار التحول الديمقراطي، وبيانات المجلس العسكري في هذه الفترة، لا سيما البيان الأخير، متوجهة لمن يشاغبه ويثير له الإزعاج.

وهذا في النهاية لا يعني إلا أن الإسلاميين انسحبوا بإرادتهم من المشهد العام، أو قل هم يُسحبون منه بإغراء "جزرة" الانتخابات التي تتأجل في كل مرة، ألا تكفي فترة الأشهر الخمسة ليدرك الإسلاميون أن العسكر لا يتحركون إلا بالضغط، وهو في الحقيقة ضغط يبدؤه العلمانيون ولا ينجح إلا بدعم وحشد ومساندة الإسلاميين؟!! فإلى متى يقبلون دور التابع القابع في خانة رد الفعل؟!!

ينبغي أن يكون معلوما أن الذي يتعلل بالذرائع يمكن أن يصنع الذرائع بنفسه لكي يتخلص من التزاماته وتعهداته، غير أن الذي حدث أن المجلس العسكري قد أجل الانتخابات بلا ذرائع.. قمة الاستهانة بالإسلاميين! بل قمة استهانة الإسلاميين بأنفسهم وقوتهم ورضاهم بموقع المراقب المنتظر الذي يرجو ويتمنى، وصدق الذي قال: وما نيل المطالب بالتمني.

ليس طبيعيا ولا منطقيا أن نثق بالمجلس العسكري الذي لا نعرفه، ولا نعرف أيا من أفراده، ليس لديهم من رصيد لدينا إلا ما يقدمونه من "أفعال" وليس "أقوال / وعود / تطمينات ...."، وهم على مستوى الأفعال لم يقدموا شيئا إلا تحت الضغط!

لا نرجو صداما مع الجيش، ولكن:

إذا لم يكن إلا الأسنة مركب ... فما حيلة المضطر إلا ركوبها

وبديهي أن الدماء التي سالت لم تكن لتغيير اسم المستبد، بل لتغيير النظام والدخول في تحول ديمقراطي حقيقي، إن الكرة في ملعب المجلس العسكري، وهو لا يبدو مخلصا للتحول الديمقراطي حتى الآن، وعلى هذا المستوى لم يقدم سوى أقوال ووعود تخالفها كثير من الأفعال على الأرض.

وطالما ظل الفعل الإسلامي في موقع المؤثر للسلامة، المبتعد عن الكريهة، فإن فعل المجلس العسكري سيظل في موقع الإغراء بجزرة الانتخابات حتى تأتي اللحظة التي يمكن فيها الانقضاض على مسيرة التحول الديمقراطي كله.

يرتكب الإسلاميون خطئا بشعا وفاحشا إذا ظنوا أن النخبة وإعلامها، ومن ورائهم الغرب وأمريكا سيضغطون على المجلس العسكري لإحداث ديمقراطية، يعرف الجميع أن الإسلاميين هم المستفيدون منها، إذا جاءت اللحظة التي يقرر فيها المجلس العسكري إنهاء التحول الديمقراطي والانقضاض عليه فإن النخبة وإعلامها ومن ورائهم الخارج سيدعمونه شريطة أن يضمن مصالحهم.. ما يعني أن انتهاء اللحظة الثورية ليس في صالح الوطن، لكن أول ضحاياه وذبائحه وفرائسه ليس إلا الإسلاميين!

وعليه فيجب أن نخرج من الكذبة التي كاد البعض يصدقها، وهو أن ثمة قوى سياسية أخرى في مصر، هذا الوهم الذي نبت في عهد مبارك ليحاول الإخوان جعل حركة المعارضة حركة وطنية وليست إسلامية فحسب.. وهو الوهم الذي لم يصدقه مبارك نفسه، فكان لكل التيارات الأخرى صحف وبرامج يمارسون فيها معارضتهم بخلاف الإسلاميين.. مبارك الذي كان يتحمل نقد إبراهيم عيسى وعبد الحليم قنديل وعلاء الأسواني لم يكن يتحمل نقد محمد عباس ولا إبراهيم شكري ولا عادل حسين، بل ولا تحمل مقالات هادئة في صحيفة إسلامية، وانقضى عهده وليس من "أبطال المعارضة" إسلامي واحد يملك صوتا في صحيفة أو قناة!

الدرس المستفاد من هذا: أن أي نظام يستطيع أن يتحمل نقد من لا يملكون إلا الكلام، وهم أيضا يستطيعون التعايش دائما، بمرتبات ممتازة ووضع اجتماعي فاخر، ويفهمون الإطار ويلتزمونه.

وعليه فلا ينبغي تعليق آمال على التوحد مع "القوى" الأخرى (وما هي بقوى، بل مجرد صوت عال)، ولا انتظار أن تقدم مصلحة الوطن وتحوله الديمقراطي على مصلحة وجودها في الصدارة، فإنهم لا يفعلون.. بل ولا يحترمون رفاقهم (رفعت السعيد في اليوم الثاني للاتفاق على قائمة موحدة –فشلت وانتهت فيما بعد- صرح بأن ما يربطه بالإخوان ليس إلا مجرد ورقة.. هذا الشيء أحرى أن يترك وحده، فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث).

لقد طرأت تحولات رائعة على الخطاب السلفي، فيما ظل الخطاب الإخواني ضعيفا مرتبكا مدافعا قابلا لأن يظل في موقع الدفاع وقفص الاتهام، والقرارات الوحيدة الحازمة التي خرجت من الجماعة كانت قرارات بالفصل لبعض أبنائها، وهذا أمر يخصها إلا أن ما يخص الحالة الإسلامية هو أن نرى بعض هذا الحزم مع الأعداء التاريخيين الذين لا يتوقفون عن نهش الجماعة بل والإسلام نفسه!

وأخيرا ينبغي أن يكون معلوما، وبوضوح، أن القوة وحدها هي الحكم في هذه الدنيا، ونحن نعيش لحظة نادرة تتمكن فيها القوة الشعبية من أن تكون طرفا في المعادلة، وتفويت هذه اللحظة هي كارثة بحجم نصف قرن آخر!

لقد ظل عبد الناصر يصفي القوى من حوله، ولأن قيادة الإخوان وقتها كانت مثالا للسذاجة والتفكك والمحسوبية والشللية والفردية فإنها ظلت تنتظر وتترقب حتى انقسمت القوة الشعبية بينها وبين عبد الناصر ثم ظلت القوة حولها تضعف وتتراجع حتى حسمها عبد الناصر لنفسه بتمثيلية المنشية، وكان الفصل الأخير هو المذابح والسجون..

فإذا تكرر هذا فلا يخرج علينا من يقول إنه على منهج رسول الله، ولا أنه مؤمن، فلقد أخبرنا رسول الله نفسه أن المؤمن كَيِّس فَطِن لا يلدغ من جحر واحد مرتين!

نشر في: شبكة "رصد" الإخبارية

2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 16, 2011 05:19

July 13, 2011

أحمد عادل كمال مؤرخ الفتوحات الإسلامية على فراش الموت

لعلها اللحظة الأفضل في الكتابة عن المؤرخ الإسلامي الكبير أحمد عادل كمال، فهو يرقد الآن على فراش الموت، وتقول تجربة مع أيامنا هذه بأنه سيصير واحدا في سلسلة عباقرة الأمة المنسيين، الذين لا يكاد يعرفهم إلا القليل من الباحثين في التاريخ الإسلامي.

حتى كتبه التي بلغت من الجدة والتميز والتفوق حدا يجعلها "فتحا علميا" جديدا في مسيرة التاريخ الإسلامي لا يمكن العثور عليها الآن في الأسواق، وقد بذلت –وبعض الأصدقاء- مجهودا كبيرا في محاولة الحصول عليها كلها باءت بالفشل، وكان آخرها محاولة في معرض القاهرة للكتاب (يناير 2010) أسفرت عن نتيجة واضحة، بأن كتب هذا الرجل تكاد تكون هي الأخرى في فراش الموت.

(1)

يعرف أحمدَ عادل كمال صنفان من الباحثين؛ الأولون هم الباحثون في تاريخ الإخوان المسلمين، ويعرفونه بكتابه "النقط فوق الحروف".

والآخرون هم الباحثون في تاريخ الفتوحات الإسلامية، ويعرفونه بسلسلته "استراتيجية الفتوحات الإسلامية" التي صدر منها خمسة كتب هي على الترتيب: الطريق إلى المدائن – القادسية – سقوط المدائن ونهاية الدولة الساسانية – الطريق إلى دمشق – الفتح الإسلامي لمصر. ثم أطلسين آخرين يمثلان فتحا آخر في التأريخ الجغرافي الإسلامي هما "أطلس تاريخ القاهرة" و"أطلس الفتوحات الإسلامية" وهذان الأطلسان هما التراث الذي يمكن إيجاده بسهولة لأنهما من إصدارات دار السلام. وعلى هامش هذه الأعمال الفارقة وُلدت كتب أخرى مثل: سلسلة "من أعلام الفتوح الإسلامية" التي صدر منها: النعمان بن مقرن – طليحة بن خويلد – محمد بن مسلمة – عدي بن حاتم الطائي. ثم كتب أخرى أصغر مثل: "الجمهوريات الإسلامية بآسيا الوسطى منذ الفتح الإسلامي حتى اليوم"، و"جداول التقويم الميلادي / الهجري في سني الفتوحات الإسلامية"، و "الكويت من جزيرة العرب" و"علوم القرآن" و"حجر رشيد والهيروغليفية".

إلا أن المفارقة قائمة في أن شهرة أحمد عادل كمال بكتابه الوحيد "النقط فوق الحروف" باعتباره شاهد عيان على تاريخ النظام الخاص للإخوان المسلمين، أكبر بكثير من شهرته كمؤرخ إسلامي برغم هذه السلاسل العلمية.

(2)

بدأ أحمد عادل كمال حياته كشاب في التنظيم الخاص للإخوان المسلمين، ومن هنا بدأ ارتباطه وتعلقه بالعسكرية وعلوم الحرب، ولئن كان حادث فصله من جماعة الإخوان المسلمين في أزمة 1954م قد بدا شرًّا قبل أكثر من نصف قرن، فإن ذلك الحدث يبدو الآن من نعم الله عليه وعلى الأمة، فمنذ ذلك الوقت بدأ المشروع العلمي الفريد للأستاذ المؤرخ.

وهو مشروع ذهبت فيه طاقة الرجل وعمره، فلم يؤلف شيئا في غير الفتوحات الإسلامية أو ما حولها، اللهم إلا كتابه الشهير "النقط فوق الحروف" عن تجربة النظام الخاص للإخوان المسلمين كما رآها وشهد عليها.

لاشيء غير ترتيب الله تعالى الذي وضع الرجل في نشاط عسكري لمدة من الزمان، ثم انتزعه منه ليكتب عن العسكرية الإسلامية وتاريخها كتبا أستطيع أن أقول إنها بلغت الحد في النهاية، وأنها تمثل مرحلة تاريخية واضحة بين كل ما قبلها وما بعدها، ولا شك في أن الكاتب في موضوعها من بعد سيكون عيالا عليها، كما أن ما رآه المؤلف من جوانب النقص فيها إنما هو في باب التحسين والتجويد والإضافة، أما مجال التأريخ العسكري الجاد للفتوحات فهو باب فتحه هذا الرجل وقد كان قبله مغلقا.

تستحق مؤلفات أحمد عادل كمال أن تكون موضوعا لرسالة ماجستير أو دكتوراة، وقد نصحت صديقا بهذا، فلما انشرح صدره للفكرة وطرحها على أساتذته في الجامعة إذا بهم جميعا لا يعرفون من هو "أحمد عادل كمال"، وعليه ألقيت الفكرة في غابات النسيان. ترى كيف تكون مأساة أمة يجهل أساتذة التاريخ الإسلامي في واحدة من أكبر جامعاتها مؤرخا افتتح بابا جديدا في التأريخ؟؟

لقد شهد المؤرخ المعروف الذي طبقت شهرته الآفاق، الدكتور حسين مؤنس، باليد الطولى لأحمد عادل كمال، إذ كان صاحبنا هذا من ضمن من راجعوا نصوص وخرائط الفتوحات الإسلامية التي وضعها الدكتور مؤنس في كتابه الضخم الفريد "أطلس تاريخ الإسلام"، فأشار –كما يقول د. مؤنس- "بتعديلات كثيرة أدخلت ما كان يجب إدخاله على النص والخرائط منها، وشكرت له الجهد الكبير الذي بذله واليد الطولى التي أسداها إليّ"


1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 13, 2011 15:51

July 10, 2011

بئس الخواتيم أيها البوطي!

ليس أسوأ من الطاغية المجرم إلا المنافق الذي ينظر لهذا الإجرام ويبرره وينقله من خانة الجريمة إلى خانة "الواجب الوطني"، وليس أسوأ من هذا المنافق إلا عالم السوء الذين ينقل الجريمة إلى خانة "الواجب الشرعي".

وقد فُجِع الكثيرون من أتباع الشيخ السوري محمد سعيد رمضان البوطي في مواقفه الأخيرة تجاه الطاغية السوري، حتى إن الرجل لم يستحيي أن ينشر على موقعه فتوى تجاوز فيها كل ما يطوف بالخيال.

سأل السائل: السلام عليكم شيخنا الفاضل أنتم مشايخنا الذين وضعكم الله لإثبات كلمة الحق فأفتونا رعاكم الله، إلى شيخي محمد سعيد رمضان البوطي: أرجو أن تفتونا في أمرنا أرجوكم أرجوكم ما حكم من أجبر على توحيد غير الله؟ وذلك من قِبَل الأمن (أقسم بالله أني لا أبالغ)، لي أصدقاء قد ضُرِبوا بالعصي والهراويل على رأسهم لأنهم سألوه أليس ربك **** (أي رئيس الجمهورية!)؟، لم يجيب فقد نال ما نال، وهناك عدة أشخاص في السجون تعذب لنفس السبب والحالة تنتشر بشدة، أليس أنتم الآن مسؤولون عن هذه الحالات؟ ألستم أنتم من يحملون أمر أمتنا؟ ألستم أنتم من يجب القضاء على الفساد الذي انتشر والذي وصل للألوهية؟ ماننتظر؟ أفتنا في أمرنا شيخنا وعالمنا الفاضل ولك جزيل الشكر. [هذا نص الفتوى بعد تصحيحات إملائية بسيطة]

فأجاب رمضان البوطي بتلك الإجابة التي أتحدى القارئ أنه لن يصدقها وسيقرأها مرتين على الأقل، قال:

لماذا تسألني عن النتيجة ولا تسألني عن سببها؟ ما سبب ملاحقة هذا الشخص وإجباره على النطق بكلمة الكفر التي تذكرها؟ أليس سبب ذلك خروج هذا الشخص مع المسيرات إلى الشارع والهتاف بإسقاط النظام وسبّ رئيسه والدعوة إلى رحيله؟ لماذا لا تسألني عن هذا السبب وحكمه وموقف رسول الله من هذا العمل؟ ألا تعلم - والمفروض أنك تقرأ القرآن- أن الله نهى المسلمين على استثارة المشركين بسب أصنامهم، ولم يتحدث عن سب المشركين لله نتيجة لذلك؟ لماذا الإصرار على مخالفة أمر الله وأمر رسول الله، ثم التشدق بعد ذلك بالسؤال عن حكم الإسلام في حق النتيجة التي انبثقت عن هذه المخالفة؟!.. استجيبوا لأمر رسول الله القائل في حق مثل هذه الفتنة (عليك بخاصة نفسك) ثم انظروا هل ستجدون من يلاحقكم إلى بيوتكم ويجبركم على النطق بهذا الكفر؟

انتهت الفتوى! وبها انتهى كل ما لهذا "الشيخ" من قدر في نفس من أحبوه وخُدِعوا ذات يوم به، والأمر أوسع من أن يُناقَش فقهيا، فلو صح تسميتها بـ "الفتوى" فهي تصلح نموذجا للفتوى السلطانية، المهلهلة فقهيا بل ومنطقيا.. وبوسع المرء أن يأسى ما فاض به الأسى على الجامع الأموي الذي صارت مشيخته إلى البوطي بعدما كان معقلا لعمالقة الإسلام الكبار في الشام!

فمن كان يظن أن القهر على الإشراك بالله جائز طالما أن المقهور "ارتكب مخالفة"؟!! ومن كان يظن أن هذه المخالفة هي الخروج في مسيرات تدعو إلى رحيل الرئيس؟!! ومن كان يظن أن القهر على الشرك إنما هو مُدان فحسب إذا دخل أحدهم عليك بيتك وقَهَرَك، أما إذا قََهَرَك على توحيد بشار والشهادة له بالألوهية في غير هذا الموطن فأمر لا يعني الشيخ أن يجيب عليه، فعنده أن الأولى هو إدانة السبب!!

ترى ماذا بقي للشيخ الذي بلغ أرذل العمر وتظلله اثنتا وثمانون عاما؟ وكيف يبيع من كان في مثل هذا من العلم آخرته بدنيا غيره؟

لقد كنا نقرأ عن سوء الخواتيم كثيرا، غير أنها المرة الأولى التي نرى فيها خاتمة شيخ لا يرى بتوحيد غير الله أمرا أولى بالإدانة من مخالفة جهاد السلطان الذي لم يعد جائرا، بل كافرا!!

نشر في: المصريون

2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 10, 2011 00:14

July 9, 2011

الإسلاميون وضرورة الترشح للرئاسة (4)

اقرأ أولا:

الإسلاميون وضرورة الترشح للرئاسة (1)
الإسلاميون وضرورة الترشح للرئاسة (2)
الإسلاميون وضرورة الترشح للرئاسة (3)

كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: اللهم إني أشكو إليك جَلَد الفاجر وعجز الثقة. والمعنى البسيط: أن ثمة فاجر لديه عزم وقوة وصبر وإرادة، كذلك فإن من أهل الثقة والأمانة والدين أصحاب تردد وارتباك يؤثرون السلامة والأمان على الدخول في غمار عزائم الأمور.

وبالنسبة للتيارات الإسلامية فإن هذا الانسحاب يكون تحت غطاء إسلامي، فلا بد من "تبرير إسلامي" لهذا الانسحاب من المعركة القائمة، وهذا أنتج دائما ما أسميه "الحالة المثالية المنعزلة"، فالشيعة منذ قديم وحتى سنوات مضت كانوا "ينتظرون" المهدي، وهم في انتظارهم هذا مستسلمون لمعركة ينتصر فيها الباطل ويسود، ويشبههم على الجهة الأخرى الصوفية الذين اتكأوا على فكرة "الخلاص الفردي" فانصرفوا عن الدنيا إلى التكايا والزوايا والخوانيق، ويشبههم السلفيون الذين منهم من ينتظر إماما ينادي بالجهاد إذ "لا يجوز القتال من غير راية ولا إمام" (بعض السلفيين في فلسطين يمتنعون عن الجهاد لهذا السبب)، ومن السلفيين من ظل خارج السياسة طيلة السنوات الماضية بإرادته لأن "اللعبة السياسية بشكلها الحالي تفرض تنازلات لا يمكن القبول بها"، وإلى حد ما ظل الإخوان أسرى لكثير من "الثوابت" أو "المثاليات" التي منعتهم من اتخاذ خطوات جريئة باتجاه الحل.

ليس الوقت لاجترار الماضي، إنما هو وقت التعلم منه، والخلاصة التي أريد التركيز عليها في البداية هي أن: الانسحاب من المعركة القائمة لا يورث إلا الخسارة، ثم هو يورثنا تبرير هذه الخسارة والتماس سبيل يجعلنا أهل الحفاظ على الثوابت لا الحفاظ على البلاد والتمكين لشرع الله، وأهل التضحية والصمود في وجه الباطل لا القائمين بالحق في هذه الأرض!

***

الإسلاميون الذين اختاروا عدم المنافسة على الرئاسة أو على أغلبية البرلمان دفعهم إلى هذا كثير من المخاوف التي تحيط بوصول شخصية إسلامية إلى الحكم:

· لا يقبل الغرب وجود شخصية إسلامية في موقع رئاسة الجمهورية.

· وراثة الخراب الهائل من النظام السابق تجعل المهمة عسيرة.

· انقلابات الأجهزة الأمنية: الشرطة – أمن الدولة – المخابرات ... إلخ

· احتمال انقلاب الجيش على نتائج الانتخابات.

وكلها مخاطر لا تُنكر ولا يُقَلَّل من شأنها، إلا أن مناقشتها ينبغي أن تكون مرتكزة على أساسين كبيرين (التصور الكلي)، وأما التفاصيل فأمرها يطول ويتنوع وهو يُترك لنقاش موسع وللمختصين والخبراء.

***

الأساس الأول: منهج النبي في مواجهة المشكلات لا سيما مشكلات الفترة الأولى من العهد المدني، وسيبدو واضحا:

1. أنه صلى الله عليه وسلم لم يتراجع أمام عمل تترجح فيه مصلحة الدين والدعوة مهما تهددته المخاطر، فالسيرة في مكة كلها إنما هي سيرة المخاطر، وكذلك الهجرات إلى الحبشة والمدينة، ثم عند المفاجأة المدهشة حين خرج ليقابل العير ففوجئ بالنفير، فلو أنه يحسبها بالمخاطر لرجع على الفور وما كان استشار أحدا في البقاء والقتال... وهكذا، والمقام لا يتسع لعرض مفصل، غير أن الخلاصة هي أن منهج النبي الدائم هو فِعْل ما يترجح أن فيه مصلحة الدين والأمة ولو راح في سبيل هذا دماء وأموال.

2. ولا يكون التراجع عن خطوة ذات مخاطر إلا حين يتحقق أن هذه الخطوة لم توصل إلى الهدف فعلا، من ذلك جهاده في محاولة إقناع سادة قريش، فلم يتراجع (صلى الله عليه وسلم) على رغم ما أصابه من أذى إلا حين تبين أن رفضهم راسخ أكيد، وكذلك في رحلة الطائف، وكذلك في دعوته القبائل، وكذلك في سيرته مع يهود المدينة... وهكذا: لا تراجع إلا حين يتحقق فشل هذا المسعى يقينا.

3. لقد كان حكم المدينة في العام الأول للهجرة عملا كله مخاطر، ومخاطره فيما يبدو للناظر أعظم بكثير من فرص النجاح فيه، وإليك مختصر مبسط جدا لصورة الوضع:

- الدين: مسلمون (أغراب عن بعضهم، وذوي إرث جاهلي)، ومشركون، ويهود، ومنافقون.

- الاقتصاد: المدينة أرض زراعية، وتعتمد على الاستيراد، ويحتكر التجارة فيها اليهود، والمهاجرون فقراء، وهم أهل تجارة لا يجيدو الزراعة فانتشرت بينهم البطالة.

- التاريخ: عداء بين المدنيين: أوس وخزرج، وعداء بين اليهود وبعضهم، وعداء بين اليهود وأهل المدينة.

- فلول النظام القديم: وعلى رأسهم الزعيم الكبير عبد الله بن أبي بن سلول الذي كاد أن يكون ملكا لولا أن جاء محمد إلى المدينة.

والمقام لا يتسع لتفصيل أكثر من هذا، غير أن دراسة الفترة الأولى من المرحلة المدنية دراسة وافية ستمكننا من اكتشاف الطريق الذي تم به القضاء على هذه المشكلات على خير وجه (يمكن الاستزادة بالرجوع إلى محاضرة ألقيتها بعنوان: كيف نبني نظاما جديدا؟ في جمعية مصر للثقافة والحوار، في 20/4/2011)

***

والأساس الثاني: الثقة في الشعب

الإسلاميون أولى الناس أن يعلموا أن هذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس، بشهادة القرآن، وأن هذه الأمة إنما هي كالغيث لا يُدرى أوله خير أم آخره، بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الأمة لم تُخيَّر أبدا بين الإسلام وغيره إلا واختارت الإسلام، وهذه شهادة التاريخ طوال الخمسة عشر قرنا، وأن كل الاتجاهات المغايرة والمذاهب الباطلة إنما فرضت بالقهر والقمع والإجبار ولم تدخل أبدا إلى قلوب الناس، بل غاية ما فعلت أنها ظلت قشرة خارجية وطلاء لا يلبث أن يزول عند أول فرصة ويسقط عند أول تمرد.

إن الإسلاميين أنفسهم يُفاجَأون في كل انتخابات شبه نزيهة بنتائج تفوق توقعاتهم، وفي هذا درس بليغ وينبغي ألا يُنسى.. وفي هذا السياق ليس من تجربة أوضح ولا أبلغ من تجربة حماس التي يساندها شعب القطاع في ظروف بالغة الخطر والصعوبة.. وهذا هو معدن أمتنا الحقيقي الذي يجب أن نراهن عليه ونستند إليه.

***

وتبقى ملاحظات سريعة في جانب الخواطر المتوقعة:

· الغرب:

لا شك في أن القوى الكبرى لا تقبل حُكْما إسلاميا في مصر، بل هي لا تريد أن ترى حكما إسلاميا في كل الدنيا، ولكن متى سارت الدنيا على هوى أحد؟ ومتى استطاع أحد أن يُسيِّر الدنيا كما شاء؟

إن القوى الكبرى تستخدم الورقة الاقتصادية في الضغط لمصالحها، إلا أنها هي نفسها أسيرة الحالة الاقتصادية، وخسران السوق المصرية وما يتبعها ليس قرارا سهلا، ومصر لديها من الإمكانات ما يُمَكِّنها من أن تلاعب هذه القوى الدولية لا سيما إن تمت الاستعانة بالإمبراطور الصيني الذي صار طرفا قويا في المعادلة الدولية. فعلى أساس المصلحة المشتركة يمكن التفاهم مع هذا الغرب، وهو لا شك تفاهم الأعداء الأشبه بالهدنة، فالعلاقة بين الشرق والغرب علاقة صراع تاريخي مستمر، حتى لو لم نرغب في هذا.

مع العلم بأن البديل هو أن هذا التفاهم سيتم مع العلمانيين، على قاعدة استمرار الهيمنة والتغريب، إضافة إلى قمع الإسلاميين.. فإما أن نكون أو لا نكون!

· الجهاز الأمني

وهذه هي المعضلة الأعمق والأخطر، فنحن نعلم على سبيل اليقين، ومن خلال تصريحات للإسرائيليين أنفسهم بأن المؤسسات الأمنية المصرية مخترقة، ولا يُعرف على وجه اليقين إلى أي حد تم هذا الاختراق.

والجهاز الأمني هو حجز الزاوية في بناء الدولة، ولئن نسيت فلست أنسى كلمة قالها عزام الأحمد في مفاوضات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية قبل أعوام بأن حركة فتح على استعداد للتنازل عن كل الوزارات لحماس مقابل أن تسيطر فتح على وزارة الداخلية!!

وعلى خطورة هذا الأمر إلا أنه لا يستعصي على وجود حل، والتفصيل يُترك لأهل الشأن المختصين، وقد يكون بعض الحل في الاستعانة بشركات أمنية، أو حتى تكوين لجان شعبية، أو تخريج دفعات حديثة، وكل هذا يتم مع الاستعانة بالشرفاء والمخلصين.. ومن صحَّ منه العزم أُرشد للحيل، وما كان الله ليضيع إيمانكم.

وينبغي أن يُعلم أيضا أن البديل هو بقاء هذه المؤسسات على فسادها واختراقاتها، ولا يستبعد أبدا أن تسلط على الإسلاميين مرة أخرى كما فعلت عهود الطغيان جميعا، فإما أن نكون أو لا نكون!

· الجيش:

وما يقال على الجهاز الأمني يقال أيضا عن الجيش، فمن المؤكد أن الجيش هو مجموعة من البشر فيهم الصالح والطالح وفيهم الوطني وغير الوطني، ومن المؤكد أن قيادات الجيش ليست بعيدا عن مسرح السياسة، ومن المؤكد أن الجيش له قناة مفتوحة مع أمريكا.. وكل ما بعد ذلك فهو غير مؤكد، ولا مضمون!

ما زال موقف الجيش من الثورة تشوبه الكثير من علامات الاستفهام، وكذلك موقف أمريكا التي لا بد أنها كانت تملك خطة بديلة حين تخلت بسرعة مدهشة عن حليفها الكبير حسني مبارك، وكل ما لا نعرفه ينبغي أن نحذر منه، فمثل هذه المعلومات لا تخرج إلى العلن إلا حين لا يكون منها فائدة عملية.

على أن المهم هو أن هذه اللحظة إنما هي اللحظة الأبعد التي يُتوقع فيها انقلاب الجيش على النتائج الديمقراطية، ففي ظل الثورة تكون الحسابات مختلفة، أما الانتظار بعد أربع سنوات أو خمس فهو يعني تراجع الزخم الثوري الذي يمثل القوة الشعبية فلا يظل فاعلا على الساحة إلا القوة الفعلية.. هذه هي لحظة الاحتماء بالجماهير الثائرة، وتفويتها يعني أن تتكرر مأساة الحركات الإسلامية جميعا! فعلى طول القرن الماضي تستطيع الحركات الإسلامية بناء جماهيرية شعبية ثم تستطيع السلطة إنهاء كل شيء بحملة أمنية شرسة، فلا تُغني الشعبية عنها شيئا، اللهم إلا التعاطف والدموع ثم الانصراف إلى مظانّ الأمان.

تلك هي اللحظة التي تستطيع فيها الشعبية الجماهيرية أن تتحول إلى فعل مقاوم ملموس في حال الانقلاب على النتائج الديمقراطية من أي جهة.. وتفويتها يعني نصف قرن آخر من الانسحاق!

· الإعلام العلماني

كل ما سيُقال في هذه النقطة معروف، وتأثير الإعلام لا جدال حوله، فالإعلام يستطيع تحويل القضية التافهة إلى مصيرية، ويستطيع سحق وشيطنة القضية مهما كانت عادلة ونبيلة، وما رأيناه في هذه الشهور من الإعلام العلماني الذي يحركه المال السياسي من الداخل والخارج يساوي ما رأيناه عبر عشرين سنة.. وما من شك في أن أحد أخطر سبل محاربة الحكم الإسلامي هو الإعلام، وعلى الجهة الأخرى فإذا لم يتم رفع القيود عن الإعلام وإتاحته للقاعدة الأوسع من الشعب فإن الخطر سيظل قائما!

لقد أرجع الإعلامي والخبير في الشئون التركية توران كيشلاكجي، وهو مدير موقع تايم تورك، أرجع سقوط أربكان إلى أسباب من أهمها عدم اهتمامه بالإعلام وهو عكس ما فعله أردوغان، كذلك فإن تجربة حماس في قطاع غزة تثبت أن الوجه الإعلامي لحماس كان أحد أهم أدوات الصمود والتحدي ومحاربة هجوم الشرق والغرب والداخل والخارج.

***

إلى هنا تنتهي طاقة العبد الفقير إلى الله في هذا الموضوع، ولعل الله أن يجعل فيه الخير.. ويحضرني الآن قول أبي الفضل الرياشي:

وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمرٌ عاتب القَدَرا

وقول أبي جعفر المنصور:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تترددا

ولا تمهل الأعداء يوما بقدرة ... وبادرهم أن يملكوا مثلها غدا

وقول المتنبي:

ولم أر في عيوب الناس عيبا ... كنقص القادرين على التمام

نشر في: شبكة رصد الإخبارية

 •  1 comment  •  flag
Share on Twitter
Published on July 09, 2011 05:04

July 3, 2011

مسؤولية الإعلام عن تخلف الأمة

روى ابن قتيبة في عيون الأخبار أن أبا حية النميري، وكان مشهورا بالجُبن مع الكذب والتعالي، كان له سيف يسميه "لُعاب المَنِيَّة" رغم أن ليس بينه وبين الخشبة فرق، سمع يوما صوتا خارج الدار فظنه لِصًّا فخرج حاملا خشبته ينادي: أيها المغترّ بنا والمجترىء عليّنا، بئس واللّه ما اخترت لنفسك، خير قليل وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهور ضربته لا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك وإلا دخلت بالعقوبة عليك، إني واللّه إن أَدْعُ قيساً تملأ الأرض خيلاً ورجلا، يا سبحان اللّه، ما أكثرهم وأطيبهم! ثم فتح الباب فإذا كلب قد خرج، فقال: الحمد اللّه الذي مسخك كلبا وكفاني حربا.

وإن مثل إعلامنا في العالم العربي الآن كمثل أبي حية، يختلق القضايا الموهومة ثم يُشبعها مناقشة ومتابعة وتحليلا ورصدا، ولا يكاد ينتهي من حادثة إلا ليبدأ في أخرى تدور في نفس سياق القضايا الموهومة.

خذ مثلا قضية "الدولة الدينية، والدولة المدنية"، ذلك الأمر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بفعل الهوس الإعلامي، تبدو القضية وكأنها فكرة طرحت نفسها الآن للمرة الأولى، رغم أن نقاشها بدأ منذ نحو مائة عام في العالم الإسلامي، وقد كُتب فيها ما لا يكاد يحصى من الدراسات والمقالات والكتب حتى صار اتهام الإسلام بالدولة الدينية اتهاما مُمِلاًّ وسخيفا، إنها تهمة لا نجدها حتى في كتب المستشرقين منذ نصف قرن على الأقل! فهل هذا فِعْل جاهل لا يعلم أم فِعل مُغرض لا يريد أن يفهم؟!

ومثل هذا كثير في عالمنا العربي، إذ تظل القضايا المطروحة "محلك سر"، كأنما الحياة لا تتحرك ولا تفرض قضايا جديدة هي أولى وأهم، ولم يعد غريبا أن تقرأ الرد على ما يطرحه الإعلام الآن في كتاب مات صاحبه منذ قرن!!

هذه الأزمة التي تفرض التوقف والتكرار وإعادة هضم المهضوم وإنتاج المستهلك إنما هي صورة للمشكلة العميقة التي تجعل النموذج الغربي هو النموذج المقدس الذي تُحاكَم إليه المواقف والرؤى، فبه تُقَاس وبه يُقضى عليها بالصلاحية أو عدمها، وهو حديثٌ مُنْسَحِقٌ حضاريا، جعلنا في "مأزق حقيقي لا يمكن الخروج منه إلا بتجاوز الإشكاليات الأساسية" بحسب د. رفيق حبيب (القبطي ديانة والمسلم حضارة) الذي يقول بأن "شرط الديمقراطية كقاعدة للعمل السياسي تحول إلى معيار تملكه القوى العلمانية، فأصبحت هذه القوى هي المسيطرة على المفهوم، وهي الداعية له، وعلى هذا الأساس أصبحت هناك فئة محددة تملكل أن تقرر ديمقراطيةة القوى الأخرى من عدمها، ويتعقد الموقف بسبب تبني هذه القوى في معظمها للنموذج الغربي، مما علها وكيلا للحضارة الغربية، وفي نفس الوقت صاحبة الحق الوحيد في قبول ورفض القوى السياسية الأخرى وتحديد مدى صلاحيتها للعمل السياسي، وبهذا فُرِض النموذج الغربي باعتباره الإطار المرجعي لتحديد "الشرعي" وعزل "غير الشرعي". أدى ذلك بالضرورة لأزمة "الإسلامي" فأي طرح إسلامي يوضع على معيار غربي حتى يتم قبوله أو رفضه"

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 03, 2011 15:30

July 1, 2011

وجوه ثلاثة للعلمانية!

لا يدرك العلمانيون كم خسروا حين اعترفوا بأن أفكارهم قائمة على تنحية الدين من المجال السياسي، باعتبار أن الدين مقدس والسياسة مدنس، وحيث أنهم أقروا بوجوب "تحرر" العمل السياسي من الدين، فإن هذا قد انعكس عليهم بالسلب، فصار كل فعل صادر منهم مشكوك في أغراضه وأهدافه لأنه مؤسس على "إدراك الهدف دون الالتزام بقيمة عليا ولو كانت الدين"، ليتهم كانوا أعلنوا –ولو ظاهريا- تمسكهم بالمقدس، فلربما التمسنا لهم نية حسنة ومنعنا أنفسنا من سوء الظن.

في الأسبوع الماضي ظهر مقالان في الشروق للدكتور عمرو حمزاوي في 25/6/2011 بعنوان "وثيقة الأزهر الشريف"، والأستاذ خالد الخميسي بعنوان "هل يمكن تطبيق الشريعة فى دولة مدنية ديمقراطية؟" في 26/6/2011، ويبدو أن الخميسي كان يرد على مقال الدكتور علاء الأسواني في المصري اليوم (14/6/2011) بعنوان "هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة؟!".. في هذه المقالات الثلاثة تبدت ثلاثة أوجه للعلمانية في عرض نفسها على جمهور لا يقبلها ولا يرضى بها.

في مقال د. حمزاوي حفاوة بالغة بـ "وثيقة الأزهر الشريف"، ذلك أنها جاءت على هواه، بل مثلت في رأيه "الإسناد والشرعية الدينية لمطلب الدولة المدنية" (!!) وبالإمكان أن نتعجب ما نشاء إزاء هذه العبارة التي كل دلالاتها لا تصب في صالح د. حمزاوي؛ فهي اعتراف بأن مطلب الدولة المدنية ظل بلا شرعية ولا إسناد مقبول في المجتمع حتى جاءته هذه الوثيقة، كذلك فإن حفاوته تعني قيمة ما يمثله "الإسناد والشرعية الدينية" في منح الأفكار قبولا في المجتمع المصري، وقبل كل هذا وبعده نجد أنفسنا إزاء مشهد مدهش: إذ أن التيارات العلمانية تستخدم الدين في دعم وإسناد وترويج أفكارها! وهي التهمة التي طالما أرهقوا بها الإسلاميين!!

كان الأولى بالدكتور حمزاوي أن يرفض وثيقة الأزهر رفضا مبدأيا، لأن الأزهر لا علاقة له بالسياسة، سواء كان رأيه موافقا أو مخالفا، فهذا هو المبدأ العلماني الذي يرفض تدخل الدين في شئون الدولة وسياستها، إلا أن هذا ما لم يحدث، وعليه فها هو الوجه العلماني الأول: لا ما نع من استخدام الدين في دعم الأفكار والترويج لها!

***

الوجه الثاني كان من نصيب د. علاء الأسواني، الذي يبدو أنه قد استطاب له مجال الشريعة والتاريخ الإسلامي، لكنه بدلا من أن يدخل فيهما باحثا جادا، دخل فيهما فقيها مؤرخا بلغ مرتبة الفتوى، وهو إفتاء لا يحترم حتى الآراء الأخرى بل ينفيها ويسفهها، وليت أحدا ينصحه بأن يتوقف إذ هو لا يدري أن ما يكتبه يثير السخرية في أوساط صغار الباحثين فضلا عن المتخصصين!

وهذا المقال المشار إليه هو بكامله مجموعة من العبارات التي يمكن التوقف عند كل واحدة منها بالرد والتفنيد، فهو يخترع التعريفات التي لا توجد في الموسوعات ودوائر المعارف، ثم يخترع واقعا يحاربه ويرفضه ويهاجمه، ولم يكلف نفسه التأكد من صحة المعلومات التي يعلق عليها ويحللها!

غير أن ما يهمنا في سياق هذا المقال هو قوله بأن الدولة المدنية تسمح بتطبيق الشريعة إذا وصل المطالبون بها إلى الحكم عبر انتخابات حرة نزيهة، يقول: "فإذا كان هناك حزب سياسي إسلامي يعتبر أن القانون المصري غير مطابق لمبادئ الشريعة فمن حقه أن يسعى إلى تطبيق ما يراه صحيحا، وعليه عندئذ أن يدعو بوضوح إلى برنامج انتخابي يشرح فيه القوانين التي سيسنّها من أجل تطبيق الشريعة، فإذا حصل هذا الحزب على غالبية الأصوات فى انتخابات نزيهة يكون من حقه أن يطبق البرنامج الذي انتخبه الناس من أجله".

والمدهش أن الإسلاميين لم يقولوا بغير هذا، وهم أكثر الناس حرصا على نزاهة الانتخابات وثقة في تأييد الشعب لهم، مما يجعل كل مقال الأسواني من قبل ومن بعد، بل كل مقالاته ليست إلا اختراعا للمعركة ثم خوضها على غرار دون كيشوت!!

إن الذين يصح أن توجه لهم النصائح هم الذين يريدون الانقلاب على الديمقراطية، ثم يلتمسون لذلك الأسباب: شعب غير مؤهل، مواد فوق دستورية، الدستور أولا... إلخ، وهم يفعلون كل هذا تحت عنوان "الدولة المدنية"، حتى لقد تحولت "الدولة المدنية" إلى "دولة دينية جديدة" ودينها هو اللادين، وأتباعها يجاهدون في فرضها بأشرس مما يفعل الإسلاميون، فهؤلاء يريدونها برغبة الناس، وأولئك يريدونها ولم لم يَرْض الناس!

هذا هو الوجه الثاني للعلمانية: رمتني بدائها وانسلت! ثم اشتكت وهاجمت وحاربت أيضا!

***

كلام الأسواني لم يعجب الخميسي الذي كان أكثر وضوحا، فاعترف بأنه لا يوجد في كتب العلوم السياسية مصطلح "الدولة المدنية" أساسا، بل اعترف بأن تعريفات المصطلحات السياسية كلها –بما فيها "الديمقراطية"- ليس لها تعريف محدد، بل تعريفاتها وفيرة متطورة كل يوم.. لكنه برغم هذا سيضع لها تعريفا من عنده ليرى ما إذا كانت الدولة الديمقراطية سيصلح معها تطبيق الشريعة أم لا؟!!

تكاد تقتلك الدهشة حين ترى في نفس المقال هجوما لأن الخميسى يرى "أن لا أحد يعرف على وجه الدقة ماذا تعنى تطبيقات هذه المفاهيم (تطبيق الشريعة، والدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية) على الواقع السياسى والاقتصادى"!!!

أحلال أن تكون مصطلحاتكم "تعاني من وفرة التعريفات" لكنها –مع ذلك- جميلة وقديرة ورائعة، بينما تكون التعريفات الأخرى غير واضحة "على وجه الدقة" (!!) وبالتالي فهي لا تصلح؟!! يا سبحان الله!!!

إلا أن هذا التناقض المعرفي العقلي ليس أغرب ما في المقال، الأغرب من ذلك أنه على ضوء تعريفه هو للديمقراطية حَكَم بأن الدولة الديمقراطية لا يمكن أن تسمح بتطبيق الشريعة، ذلك أن الشريعة تفرق بين الذكر والأنثى في الميراث، وتطلب الجزية من غير المسلم، بل لا مجال للالتقاء بين الديمقراطية والشريعة فهما تياران مختلفان!

وهكذا أسس الخميسي لقاعدة أن لكل من يرى نفسه فاهما أن يضع تعريفا للديمقراطية، ثم له أن يقرر بناء عليه ما إذا كان مسموحا للشريعة بالوجود أم لا!

لم ننته من الغرائب، فما زال الخميسي يجود.. إذ زعم بأن الإسلام نفسه، وعبر "عشرات الأدلة الفقهية" يقرر بأن شريعته منتهية الصلاحية، وأنها لا تصلح لغير الزمان والمكان الذي نزلت فيه!!

فهذا وجه ثالث للعلمانية: قل ما تشاء، فقولك هذا يعطي الصلاحية أو ينزعها من الآخرين، بل يجب أن يجد الآخرين "عشرات الأدلة" على فساد دينهم لحساب صلاحية ما فاضت به قريحتك!

***

رُوي أن رجلا سُئل عن مولده فقال: وُلِدت رأس الهلال، للنصف من شعبان، بعد العيد بثلاثة أيام، فاحسبوا كيف شئتم!

ذلك مثل العلمانيين في تخبطهم إزاء الدين!

نشر في "المصريون"

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 01, 2011 20:11

June 25, 2011

الإسلاميون وضرورة الترشح للرئاسة (3)

اقرأ أولا:

الإسلاميون وضرورة الترشح للرئاسة (1)

الإسلاميون وضرورة الترشح للرئاسة (2)

أول ما بدأتُ الكتابة في هذه السلسلة كان المشهد الإسلامي في مصر وكأنه تَابَعَ قرار جماعة الإخوان المسلمين بعدم الترشح للرئاسة، فالسلفيون اختلفوا على ما دون ذلك من تشكيل الأحزاب ودرجة المشاركة السياسية، لكن الوضع قد اختلف الآن وصار لدينا أكثر من مرشح إسلامي قوي على رأسهم: د. سليم العوا، ود. حازم صلاح أبو إسماعيل، ود. عبد المنعم أبو الفتوح، حتى إن الساحة الإسلامية تشهد رغبة في التوحد خلف مرشح واحد وتخشى من تفتت الأصوات، وهو كل حال أمر سابق لأوانه!

حين اعتزم د. أبو الفتوح الترشح للرئاسة كانت النغمة العلمانية تعزف أنه يمثل رأس الحربة الماكر للمؤامرة الإخوانية الخبيثة في "الانقضاض – القفز – القنص – السيطرة - ..." على الوطن، عبر مسلسل توزيع الأدوار بين الجماعة وأبو الفتوح، فلما بدا واضحا أن قرار الإخوان صادق وجاد وتم فصل د. أبو الفتوح، تحول الرجل بين عشية وضحاها إلى الرمز المعتدل المستنير ضحية الإرهاب الإخواني وأُسبِغت عليه مدائح ومناقب ممن لم يقف بجواره مرة واحدة في أي محاكمة أو اعتقال أو تضييق.. إلا أن الوقت فاجأهم بالمصيبة الأخرى؛ إذ أعلن د. سليم العوا ترشحه للرئاسة، وهو الترشح الذي قلب كل استطلاعات الرأي على الانترنت، حتى تهدد موقف البرادعي (الذي يصفه البعض عن حق بمرشح الانترنت) لصالح العوا، فبدأت وصلات الهجوم على العوا سرا وجهرا، تلميحا وتصريحا، غمزا ساخرا أو غمزا في ثوب نصيحة!.. إن هذا يؤكد لمرة أخرى الحقيقة اليقينية في خطورة أن يُترَك مصير البلاد إلى مثل هذه الفئة التي يصفها الشيخ حازم أبو إسماعيل عن حق بأنها ليست إلا "ظاهرة تلفزيونية".

***

المهم في سياقنا الآن، أن الوتيرة قد زادت بشأن تعداد تجارب الحكم الإسلامية على أنها جميعا وعن بكرة أبيها تجارب فاشلة، وتستعرض هذه التجارب غزيرة التفاصيل في سطر أو بضع سطر، وبأسلوب يمثل نموذجا للتسطيح والاختزال، مع كثير من الجهل والافتراء.. على أن الرد لم يعد مجديا، المُجدي في السياق الإسلامي أن نرى هذه التجارب في ضوء بعض الأسئلة:

1. إلام انتهت التجارب التي خلت من الإسلاميين، أو التي ترك فيها الإسلاميون السلطة طوعا أو كرها؟

2. ما هي التجارب التي فشلت بالفعل؟ وما هي التجارب التي يُسَوَّق أنها فشلت؟

3. وهذه التجارب الفاشلة.. لماذا؟ وهل أسبابها قَدَرٌ سيطارد الحالة المصرية؟

4. ما هي التجارب التي نجحت؟ وهل أسباب نجاحها مستبعد في ظل الحالة المصرية؟

إن لدينا تجارب كثيرة منذ نصف القرن الماضي الذي شهد موجات من الثورات العربية التي خلعت الاحتلال، غير أنها -وبكل أسف- ثورات لم تكتمل، إذ قفز الخارج في المشهد الداخلي وتحالف مع طبقة العسكر التي قامت بانقلابات سرقت بها الثورات الحقيقية، وعملت النخب التي زرعها الاحتلال كإسناد يوالي ويشرعن لهذا الوضع الجديد.

أما التجارب التي خلت من الإسلاميين أو تركوا فيها السلطة طوعا أو كرها فهي تمثل صلب المشهد العام في العالم العربي، منذ انقلابات سوريا في أواخر الأربعينات حتى انقلاب موريتانيا الأخير في 2008م، فإلى أين صار المشهد العربي في هذه السنوات الستين؟ أليس حال العالم العربي كله دليلا ولا أوضح على فشل وبؤس وسقوط التجربة العلمانية؟!

بالكاد تم إسقاط النظام في تونس ومصر بعد أعوام من القهر والفساد (وما زال يُخشى على ثورتيهما)، ومشهد دموي فاجر في ليبيا وسوريا، ووضع قلق مضطرب في اليمن، وقهر سائد مطبق في الجزائر التي تحولت لغرفة عمليات إفشال الثورات العربية ودعم الأنظمة المستبدة، ومن قبل هذا: سقوط العراق تحت الاحتلال، واستقرار القوات الأجنبية في الخليج والبحر الأحمر والمتوسط، وانفصال جنوب السودان، ودخول القضية الفلسطينية في متاهة المفاوضات التي يديرها مجموعة من العملاء.. وبالجملة، فالعالم العربي بعد ستين سنة من ثورات حلمت بالتحرر والحرية والتقدم صار بين محتل ومقهور وممزق ومجاهد ينفذ ثورة جديدة فإما وصل ويخشى على ثورته وإما ما زال يجاهد لإنجاح ثورته.

***

إيران، أفغانستان، السودان، غزة .. هذه هي الأسماء التي يحفظها المطالع لإعلام النخبة العلمانية في سياق تشويه الحكم الإسلامي، ومما يثير الدهشة أن جبل الخوف الرهيب تمخض بعد الضغط والفحص فولد أربعة أسماء فقط!!

وقد كانوا من قبل يضيفون "تركيا" فالآن يتجنبون ذكرها خِزْيًا وتزويرا!

أما غزة فهي في الحقيقة تجربة نجاح أسطورية لا مثيل لها، وهي وحدها كافية تماما للدلالة على أن الحكم الإسلامي هو أفضل النماذج، فهذا القطاع الصغير المخنوق جغرافيا، والمحاصر من جميع الجهات، والذي تآمرت عليه القوى العالمية والإقليمية، واجتمع عليه شرار العرب والعجم، يستطيع مواصلة الحياة بدون ديون خارجية وبشفافية شهدت بها التقارير الدولية، وتصدى وحده للوحش الإسرائيلي القادر على اكتساح محيطه العربي كله بسهولة، ويدير علاقاته العربية والدولية بقدر غير متوقع من الكفاءة والمهارة، فيم تتراكم الديون واتهامات الفساد وتجارب الفشل السياسي على جماعة رام الله!!

وأما إيران، فهي بعد ثلاثين سنة من ثورتها أفضل من جميع الدول العربية بعد نصف قرن من ثورتها، وهي قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها، ولها نفوذها الواسع، وتحقق تقدما اقتصاديا جيدا، وأوضح منه تقدمها العسكري الذي يجعلها بالنسبة للقوى الأخرى موضع تهديد.. ولئن كان لا يعجبنا من إيران استبدادها الداخلي أو محاولتها نشر التشيع ودعم بشار في سوريا، فهذا أمرٌ سيئ بلا شك غير أنه دليل على سوء السياسة لا على فشل تجربة الحكم الإسلامي، على أن كثيرا من هذا السوء راجع إلى طبيعتها كدولة تعتمد المذهب الشيعي وولاية الفقيه وهو الأمر الذي لا وجود له في الحالة المصرية ولا في أي حالة إسلامية أخرى.

وإذن، فقد بقيت لدينا من التجارب الفاشلة: أفغانستان والسودان، ولا بأس أن نعترف بأنهما تجربتان قد فشلتا، حتى لو تجاوزنا كل الأسباب من حصار دولي ودعم لحركات التمرد والمعارضة، ثم تحالف القوى الدولية لاحتلال أفغانستان الفقيرة الضعيفة (مشهد نموذجي للتوحش)، وتحالف دولي آخر لفصل جنوب السودان الفقير المتهالك هو الآخر!

في كلا التجربتين كثير من الأعذار والمبررات، ولكن، لا بأس.. لنعترف جدلا ودون دخول في تفاصيل بأنهما تجربتين قد فشلتا، مقابل تجارب إسلامية أخرى ناجحة، ومقابل تجارب علمانية كلها فاشلة!

***

على أن ما يهمنا في السياق المصري أن كثيرا من أسباب الفشل في تجربتي أفغانستان والسودان لا تتوفران في الحالة المصرية، فليس في مصر مناطق تمرد كجنوب السودان أو شمال أفغانستان، وليس في مصر تمايز عرقي أو لغوي أو ديني كالذي فيهما، والعمق الجغرافي لمصر آمِنٌ ومتسع على خلاف السودان وأفغانستان، كما أن مصر أفضل من أفغانستان في الموارد وأكثر قدرة على استغلال مواردها من السودان.. إلى غير هذا من الأمور التي تصب كلها في صالح الحالة المصرية.

إن اللحظات الفارقة تصنع أوضاعا فارقة، فبعد عشر سنوات يمكن أن نتحدث عن سبل تحسين الأداء في المرحلة القادمة، كما يمكن أن نؤرخ للمذبحة التي كانت فيها ويكون أقصى الأمل هو الخروج بأقل الخسائر والبحث في متاهات الوضع القانوني والسياسي عن مجرد التواجد الشرعي.

إن الأتراك يتحدثون عن المستقبل الأفضل، فيم يتحدث المصريون والتونسيون عن بداية المستقبل، فيم يظل آخرون يجاهدون في سبيل الخروج من الماضي البغيض، وثمة أناس ما زالوا يبحثون عن بداية للخروج من هذا الماضي.. فأي هؤلاء نود أن نكون بعد نصف قرن آخر؟

ليس الأمر سهلا، هذه حقيقة معروفة، إلا أن الأمر لن يكون ذات يوم سهلا، بل الخشية ألا يكون –إذا أفلتت هذه الفرصة- بمثل ما هو الآن عبر جيلين أو ثلاثة.. لابد من دراسة المخاطر والمحاذير وسبل التعامل معها، وهذا بإذن الله ما نتركه للمقال القادم والأخير في هذه السلسلة.

نشر في شبكة رصد الإخبارية

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 25, 2011 07:42