محمد إلهامي's Blog, page 95
May 31, 2011
النخبة المصرية.. القذافيون الجدد!!
أضحك العقيد معمر القذافي الملايين حول العالم بتعريفه اللوذعي للديمقراطية، فأصلها عنده (ديموكراسي democracy) وهي تعني "ديمو كراسي" أي "الدهماء على الكراسي".. هكذا قال العقيد!!
لك أن تضحك ما تشاء، وللمؤرخين بعد مئات السنين أن يندهشوا ما شاءوا، وللأجيال أن تحكم عليه بما تشاء.. ذلك أن التعريف جمع بين عمق لغوي ورصانة فكرية وانتقال دقيق بين الأصوات والألفاظ والمعاني والدلالات..
ليس العجب من القذافي فهو رجل دائم الإدهاش، إنما الجديد هو أن الأيام الماضية قد أثبتت أن "النخبة" المصرية تعتمد نفس تعريف القذافي للديمقراطية!! وكنا نظن في سالف الأيام أن نخبتنا أعقل من القذافي حتى جاءتنا الأيام بما خيَّب ظنوننا.
النخبة في مصر الآن تتحدث بوضوح، والحرب تجري على المكشوف، والعبارات صريحة مهما تزخرفت وناورت والتفت ودارت وتسلقت: الإسلاميون لهم شعبية جارفة، ولا نستطيع مقاومتهم، وإذا جاءت انتخابات نزيهة فإنهم سيكتسحونها، ثم يكتبون الدستور. ولهذا فلا بد من تأجيل الانتخابات ما أمكن، وكتابة الدستور أولا، وأما الفترة الانتقالية فلا مانع لو طالت في حكم الجيش ويا حبذا أن لو كانت عبر مجلس رئاسي.. هذه –زعموا- هي المصلحة الوطنية التي لا تجعل الحكم في يد الشعب العاطفي المتدين بطبيعته الذي ما زال يحبو في سلم الديمقراطية وغير القادر على تمييز الاختيار الأصوب في اللحظة الحرجة التاريخية التي تمر بها مصر.
الديمقراطية إذن، هي "الدهماء على الكراسي".. كما عرفها الأخ العقيد معمر القذافي!
القذافي أيضا كان يرى نفسه إمام المسلمين وعميد الحكام العرب وملك ملوك إفريقيا.. نخبتنا كذلك يرون أنفسهم حكماء التاريخ وفلاسفة الرأي وفقهاء القانون وأهل الحل والعقد.. وقد صارت صحفهم الآن لا تصف الواحد منهم بغير "الخبير في الشأن الفلاني" حتى لو كان صحفيا مجهولا عمل لحساب أجهزة داخلية أو خارجية وافتتح مركزا للدراسات (لا نعرف له إصدارا واحدا أو دورية واحدة أو حتى موقع على الانترنت)!!
يرى القذافي أن الخطر على ليبيا هو من الإرهابيين الإسلاميين.. وهو –أيضا- نفس الذي تراه نخبتنا!! وقد استعمل القذافي كتائبه الأمنية فيما استعملت نخبتنا كتائبها الإعلامية.. ومثلما لم تُجْدِ كتائب القذافي نفعا لم تُجد كتائب النخبة نفعا!!
وكما لجأ القذافي في خطابه الذي كان في الثلث الأخير من الليل إلى التوسل إلى القبائل وإلى العالم، لجأت نخبتنا إلى التوسل إلى العالم أيضا ولقد فاضت الأخبار بهذه الأنباء حتى انزعج منها مارك فرانكو رئيس وفد المفوضية الأوروبية في القاهرة الذي صاح قائلا: "لقد تعبت ومللت من الشكوى حول الإخوان المسلمين في كل مكان، توقفوا عن الشكوى من أن طرفا آخر قوى، ابدءوا فى تقوية أنفسكم... ابدءوا فى العمل وتكوين أحزاب، اذهبوا للصعيد واعرضوا برامجكم وأظهروا ما نجحتم فيه، تحركوا وتأكدوا أن قوى التغيير تنتقل من الميدان إلى البرلمان، حيث تكون اللعبة الحقيقية، الميدان كان مهما عندما كان البرلمان عبارة عن سيرك، أما الآن فهناك إمكانية لإيجاد برلمان يعكس آراء الناس فاقتنصوا هذه الفرصة".
في الحقيقة لقد أسفت لحال الشاكي، فصورته التي يظهر لنا بها هي صورة القوي المكين الذي يملك الحشد والدعم والتأثير، بل هو يملك تفجير الثورات وإخمادها..
ورحم الله أديبنا الكبير ابن عبد ربه الأندلسي، روى في كتابه "العقد الفريد" أن رجلا ادعى النبوة فجيء به إلى أمير البصرة سليمان بن علي مُقَيَّداً، فقال له: أنت نبي مرسل؟ قال: أما الآن فأنا نبي مقيد. قال: من بعثك؟ قال: أبهذا يخاطب الأنبياء يا ضعيف؟ والله لولا أني مقيد لأمرت جبريل يدمدمها عليكم. قال: وهل المقيد لا تجاب له دعوة؟ قال: نعم، الأنبياء خاصة إذا قُيِّدت لم يرتفع دعاؤها. فقال سليمان ضاحكا: سأطلقك كي تأمر جبريل، فإن أطاعك آمنا بك وصدقناك. قال: صدق الله (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم).
ثم عرف سليمان أنه مجنون فأخلى سبيله..
فلو كان سليمان في عصرنا لقيل له: إنه "نخبة" أو.. إنه القذافي!!
نشر في "المصريون"
May 29, 2011
تلك النخبة العلمانية الحقيرة
آمنت بالله.. آمنت بالله.. آمنت بالله..
قبل الثورة لطالما حيرني الخطاب القرآني أحيانا، إنه خطاب يتعامل مع المؤمنين ككيان واحد، ويتعامل مع غير المؤمنين ككيان آخر.. وهذا النسق مضطرد في القرآن اضطرادا يعرفه ويشعر به كل من له ورد من القرآن يقرؤه يوميا..
قد حيرني هذا النسق، كنت أرى كثيرا من الإسلاميين منهزمين وساكتين، وكنت أرى كثيرا من العلمانيين ثائرين على الفساد والاستبداد.. إلا أنني بعد الثورة آمنت بأن أي التقاء بين الإسلاميين وغيرهم إنما هو التقاء عابر في لحظة عابرة.. وأن أي افتراق بين الإسلاميين وبعضهم إنما هو افتراق الألوان في الشعاع الواحد.
ما حدث بعد الثورة لا يكاد يصدق.. لقد رأيت من حقارات العلمانيين وسفالتهم وسوء أخلاقهم ووحشيتهم ما يدهشني في كل يوم، ومهما تخيلت أني رأيت المستحيل فاجأوني بأن لديهم كنزا من القذارة يسيل في كل يوم بكل جديد.
أنا أتكلم عاقلا وأعني ما أقوله من ألفاظ ومصطلحات قد ينزعج لها المغفلون الساذجون، أو غير المتابعين، أو ذوي الذوق الرفيع جدا.. بل الحقيقة أني لا أجد ألفاظا تصف هذا التوحش العلماني القبيح.
الحمد لله أني لم أرتكب يوما جريمة التنديد بجماعات التكفير والهجرة أو جماعات العنف المسلح، الحمد لله أني لم أرتكب هذه الجريمة.. ولكنني الآن أشعر أني مدين بالاعتذار إليهم، ذلك أن نفسي من داخل نفسي كانت تنتقد ما فعلوه، والحق أنهم لم يكونوا إلا الضحية التي سلخت حية ثم هوجمت لأنها شعرت بالألم.. في تلك الأيام كانوا يرون ما أراه الآن من الطباع المفترسة للعلمانيين ولم يكن لهم وسيلة واحدة للرد.. فإذا كنت أشعر بهذا القدر الهائل من الغضب في الوقت الذي أستطيع فيه تنفيس هذا على الانترنت، فكيف كانوا يشعرون وهم يسمعون النجاسة التي تسيل من فرج فودة ونصر أبو زيد وحسين أحمد أمين ومحمد نور فرحات وسعيد العشماوي؟؟؟
ولمرة أخرى أنا أعني ما أقول، ومن لم يكن قرأ لهذه الأسماء فلا ينبغي أن ينتقد ألفاظي قبل أن يعلم.. هذا المقال ليس لأصحاب الذوق الرفيع أساسا.. لو كنت منهم فارحم نفسك منذ الآن واذهب إلى عمل آخر.
إن الإسلاميين يتعرضون لحرب حقيقية واقعة.. الصحف والقنوات تنهش فيهم بكل ما تستطيع، وتستخدم أسلحة أقلها الكذب والافتراء والاختراع.. منذ قليل تركت صحيفة المصري اليوم (عدد 29/5/2011) التي كانت أشبه بمنشور حرب خلاصته لا للإسلاميين..
حتى مجدي الجلاد الذي كان يحب جمال مبارك ويحترمه لبث ثوب الثورية، ومعه وحيد حامد عميل النظام الفاسد البائد ويده التي كان يضرب بها كتب مقالا ملأه بالكذب على الواقع قبل أن يمارس الكذب في التاريخ..
يكاد لا يوجد واحد من "رفاق النضال" السابقين إلا وسقط سقوطا مدويا، فمن لم يطلب صراحة إلغاء نتيجة الاستفتاء طلب التحايل عليه والالتفاف حوله، ومن لم يطلب هذا طلب وضع مواد فوق دستورية (غصب عن الشعب)، ومن لم يطلب هذا طالب بأن يكون الجيش هو الوصي على البلاد.. هذا الكلام خرج ممن كان ينادي بالديمقراطية وكنا نظنهم صادقين..
حسبنا بهذا عقوبة أننا لم نفهم كلام ربنا، العليم الخبير، ولهذا يوصي العلماء والفاهمون أن يكون لك ورد يومي من القرآن.. إنك تكتشف القرآن في كل يوم بما يفسره لك من أحداث مستجدة، كما تكتشف طبيعة الأحداث اليومية المستجدة في القرآن الكريم.
لقد كنت فيما مضى أهاجم السلفيين وأهاجم الإخوان وأتمنى لهم ثورية كتلك التي أراها في بعض العلمانيين.. الآن أعرفهم أن ثوريتهم لم تكن لأجل حقوق الناس، بل كانت لأن النظام لم يسمح لهم هو بالتواجد (والدليل: أن العلمانيين الذين استوعبهم النظام ظلوا في أحضانه)، وأنهم حين وردت احتمالات تفيد بأن ثمة حرية حقيقة ستعبر عن رأي الشعب وقد لا يكونون في صدارتها تراجعت مواقفهم إلى النقيض وتحولت "ثوريتهم" إلى الإسلاميين الذين بدت منهم لهم كراهية عميقة (وما تخفي صدورهم أكبر)!
الآن أعلم أن الإسلاميين كانوا أشرف منهم حين احتسبوا الظلم ولم يثوروا لتقديرهم بأن مصلحة البلاد في التحمل مع الصبر والاحتساب، وأنهم كانوا أشرف منهم حين ثاروا إذ هم من أنقذوا الثورة في لحظات مفصلية ورغم هذا لم يدعوها لأنفسهم ولا تفاخروا بأن الثورة من غيرهم كانت ستفشل ولا طلبوا احتكار سلطة.. بل تنازلوا في سبيل المصلحة العامة عن حقوق أصيلة كالترشح للرئاسة والمنافسة عن كل مقاعد البرلمان..
إن هذا لن يرضي العلمانيين والنصارى وغيرهم.. وقد قال لنا الله من قبل (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)..
هل انتقلتُ أنا من الاعتدال إلى التطرف.. أو حتى من التطرف إلى التعصب؟؟
في الحقيقة لا يهمني الأسماء ولا تصنيفاتهم.. يهمني أني في كل يوم أعرف الحقيقة أكثر.. ولئن سميت هذه الحقيقة تعصبا أو تطرفا.. فمرحبا وأهلا وسهلا.. واسأل الله أن يميتني وأنا أول المتطرفين!
May 28, 2011
تزوير تاريخ الثورة يضيعها
ربما كان يوم 25 يناير هو البداية للثورة، إلا أن يوم 28 يناير كان هو يوم الثورة الحقيقية، وقد سار هذا اليوم على طريقة لم يتوقعها أحد أبدا، لا من جانب الثوار ولا من جانب النظام البائد، ولا فضل فيها إلا لله رب العالمين.
وحتى لا يتم تزوير تاريخ الثورة، ويحتكر بعض أصحاب الصوت العالي الحديث باسمها، فلا بد أن نتذكر حقيقة رئيسية، وهي: أن الأمور على الأرض تحسمها القوة الفعلية لا مجرد نبل الموقف.. فصاحب الحق لو لم يمتلك قوة كافية فلن يغني عنه حقه شيئا.
لقد كان هذا هو موقف النشطاء والمعارضين طوال الفترة الماضية، كما كان هذا وضعهم أيضا يوم 25، 26، 27 يناير.. إلا أن يوم 28 شهد وضعا جديدا، إذ خرج الشعب بأعداد كبيرة غير متوقعة، أعداد لم يُخْرِجها إلا الله وحده ولا يستطيع مخلوق أن يدعيها لنفسه، هذه الأعداد منها من لا يعرف الانترنت ولا الفيس بوك ولا يقرأ الصحف ولا يتابع الجزيرة، بل أزعم أن هذه كتلتها الرئيسة، لكن الأهم من هذا أنها كتلة "غير سلمية".. وعدم سلميتها هذا كان هو الفضل الأكبر على الثورة إذ تم الهجوم على مقرات الشرطة وإحراقها في كل أنحاء القاهرة في وقت واحد عجزت معه القيادة المركزية على التصرف تماما ولم يكن أمامها إلا الانسحاب.
بهذا الانسحاب تم كسر ذراع النظام الباطش وعدو الشعب الأول والأقسى.. الشرطة!
زاد في هذا قرار اتخذه النظام بسحب قوات الشرطة من القاهرة، وهم ما كشفت عنه أكثر من وثيقة ومن اعتراف، ثم إطلاق "البلطجية" والمساجين للتخريب.. وبالتوازي معه إطلاق حملة تفزيع وترهيب عبر القنوات باقتحام البيوت واغتصاب النساء وقتل الأطفال، وبدلا من أن تحقق الخطة هدفها في سحب المتظاهرين من الشوارع شاء الله أن يحدث العكس وأن ينزل من كانوا في البيوت لتنظيم أنفسهم في لجان لحماية شوارعهم ومنشآتهم.. فزاد عدد الناس في الشوارع واطمأن المتظاهرون على أهلهم فظلوا في أماكنهم بل ازدادوا، ثم زاد كل هذا في انكسار الشرطة التي كان يتعرض أفرادها أنفسهم للتفتيش أو القبض عليهم في لجان الحماية الشعبية.
ومع انكسار الشرطة أمر مبارك بنزول الجيش لإنهاء الاحتجاجات.. ونزل الجيش فعلا ولكنه لم يتعرض لأحد بسوء.. فازداد وضع النظام تأزما وازداد وضع الثائرين قوة.
بدون هذا الترتيب الذي لم يدبره إلا الله.. ما كان للثورة أن تنجح، الثورة التي كانت في هذا اليوم "غير سلمية" على الإطلاق، بل إن خُلُوَّها هذا من "السلمية" هو الذي وضع أساس نجاحها.
دخلت الثورة في مرحلة ركود، لا يدري من في التحرير ماذا يفعلون أكثر من الهتاف "السلمي" كما فشل النظام في تفريقهم "سلميا" مع إصرار الطرف القوي الوحيد (الجيش) على عدم التدخل لصالح أحد من الطرفين.
ثم كانت معركة البغال والخيول والجمال (2/2/2011) ثم هجوم البلطجية والقناصة، وهي المعركة "غير السلمية" التي تم التصدي لها بطبيعة الحال بمقاومة "غير سلمية".
ثم دخلت الثورة في مرحلة ركود أخرى، فلا الهتاف "السلمي" قادر على إسقاط النظام، ولا المحاولات "السلمية" التي تولاها عمر سليمان قادرة على إنهاء الثورة، لم يحسم هذا الركود إلا الطرف صاحب القوة، وهو الجيش، وانتهى الأمر بتنحية مبارك.
لم يكن أحد بحاجة لترديد هذه الحقائق التي لم يمض عليها وقت يُنسيها إلا لأن البعض اعتقد أن وجوده على الفيس بوك، أو امتلاكه لعمود في صحيفة، أو لبرنامج في قناة، قد أشعل الثورة وأبقاها وأنجحها وأجبر مبارك على التنحي!!!
ثم استمر في ترديد هذا الهراء حتى صدَّق نفسه ودعا الناس لتصديقه وتصرف مع الثورة وكأن هذا حقيقة بل وصل الحال إلى التهديد بتفجير ثورة ثانية.. لم تنفجر، ولن تنفجر.
من المهم لكل الأطراف أن تسعى للتوافق الشعبي لتحقيق "قوة" شعبية إن كانوا مخلصين لصالح هذا البلد، وهو يساوي أهمية أن يتوافق الجميع على بقاء الجيش "صاحب القوة" في موضع المدير للفترة الانتقالية القصيرة قبل أن تترسخ سلطته في الحكم ويستطيع استعمال "القوة" في ترسيخ وجوده.. وهي قوة لا ينفع معها الفيس بوك ولا أعمدة الصحف ولا برامج الفضائيات.
الحقيقة الواقعية التي لا ينبغي أن نغفلها هي أن الأمور متوقفة على الجيش، لأنه لا طرف يملك المواجهة الحقيقية، وسياسة الجيش حتى الآن تسير سيرا حسنا، لا هو بالكمال الذي نريد ولا هو بالسوء الذي يؤثر على التحول الديمقراطي المنشود.. ولذا فلابد من وجود التوافق الشعبي ليتحقق أقصى المتاح من القوة الشعبية لضمان التحول الديمقراطي.
ويحسن بمن يخشى على وضعه من سرعة التحول الديمقراطي باعتباره ليس مستعدا، أن يضحي بمصلحته الخاصة (وجوده في الخريطة القادمة) لصالح مصلحة الوطن (التأسيس للديمقراطية)، لا سيما وأن لديهم ميزة هائلة: ألا وهي خوف الإسلاميين وترقبهم واختيارهم عدم المخاطرة بالترشح للرئاسة أو بالترشح للأغلبية البرلمانية، واستعدادهم الدائم للتنسيق مع مختلف التيارات السياسية.
وصدق نصر بن سيار لما قال:
فإن يَقِظوا فذاك بقاء قومٍ ... وإن رقدوا فإني لا أُلام
نشر في "شبكة رصد الإخبارية"
May 27, 2011
فقه اختيار الرجال للأعمال (4)
في الحديث عن "فقه اختيار الرجال للأعمال" قمنا باستقراء المنهج الإسلامي عبر سيرة النبي، وسيرة خلفائه الراشدين، ومنهج العلماء –لا سيما أهل الحديث- في نقل الدين، وطالعنا كيف توصلت علوم الإدارة الحديثة إلى نفس الخطوات التي استقرأناها من المنهج الإسلامي في ترتيب المراحل والاختبارات التي نختار بها الرجال للأعمال.
وكانت النتيجة النهائية التي توصلنا إليها أن نختار من بين الأكفاء أوثقهم، لا أن نختار من بين الموثوقين أكفأهم.
وهنا نبت لنا سؤال الولاء: فإذا كنا سنختار الأكفأ الأقل في الولاء، فكيف لنا أن نضمن ولاءه للعمل والمؤسسة؟
May 25, 2011
الفشل الحقيقي للثورة
لو أننا نكتب لوجه أحد، لكتبنا لوجه الجيش والحكومة إن كنا نريد الدنيا، أو لكتبنا لوجه الثوار إن كنا نريد الذكر عند الناس، حسبنا أننا نكتب لوجه الله ولو أخطأنا، ونسأله تعالى الصواب والإخلاص.
ما هو الخطر الذي يتهدد الوطن الآن؟ وما هو الفشل الحقيقي للثورة؟
هل هو التباطؤ في محاكمة حسني مبارك وبقايا النظام البائد؟ هل هو التباطؤ في استرداد الأموال المنهوبة؟ هل هو أسلوب إدارة المجلس العسكري للمرحلة الانتقالية؟
أم أن الخطر الحقيقي والفشل الأكبر هو في ضياع التحول الديمقراطي ودخول البلاد في حالة من الفوضى أو الاضطراب أو اشتعال المعركة بين الشعب والجيش (هذا بافتراض أن الشعب فعلا يريد الاشتباك مع الجيش).. من المؤهل في هذه اللحظة لإدارة البلاد من النخبة الموجودة الآن؟
يمكننا أن نقضي ما نشاء من الوقت في تعداد أخطاء المجلس العسكري وحكومة تسيير الأعمال، لكن السؤال الأهم: ماذا نملك من البدائل العملية (أكرر: العملية) لإدارة الفترة الانتقالية؟
والأهم من كل هذا هو عمق الأزمة: هل نريد البقاء في حكم الشعب المقهور الذي "يطالب" أم ينبغي الإسراع بأقصى ما يمكن في أن نتحول إلى الشعب الذي "يحكم"؟
لو أن تلك النخبة التي تريد إطالة الفترة الانتقالية وتفصيل دستور على هواها تملك إخلاصا للمصلحة الوطنية يفوق إخلاصها لأفكارها لكان همهم الأكبر هو التحول الديمقراطي الذي يجعل تنافس الأفكار قائما في أرضية تتحمل استيعابه، فإن أسفر التنافس الديمقراطي عن انتصار أفكارهم فبها ونعمت، وإن لم يكن فقد ساهموا في تحول هذه البلاد من الاستبداد إلى الحرية وكفى به عملا عظيما يشكرهم عليه الناس ويذكرهم به التاريخ.
إلا أن انتهاز فرصة الفوضى والاضطراب والدفع بالصراع مع المؤسسة الأخيرة المتماسكة في الوطن، أو لنقل بأدق من هذا: المؤسسة الوحيدة المتماسكة التي لا مصلحة لها في عداوة الشعب، والضغط بكل الوسائل غير المشروعة لإنهاء التحول الديمقراطي لصالح الأفكار الخاصة، وشيطنة من لا يتوافق مع هذه الأفكار والعمل على تشويههم.. كل هذا يفضي في النهاية إلى استمرار واقع الاضطراب وبالتالي استمرار واقع الشعب الذي "يطالب" على حساب الشعب الذي "يحكم".
مدهش أن من يريد الصراع مع المجلس العسكري في أغلبهم يريدون تمديد الفترة الانتقالية!! مدهش كذلك أن من يريد استقرارا يستعد فيه لتنظيم نفسه حزبيا للمنافسة في الانتخابات القادمة هم في أغلبهم من يدفعون للاضطراب!!
إن مبارك نفسه لا يعنيني، وكذا باقي رجاله الذين أحسب أن ظهرهم قد قُصِم وأن أيامهم قد ذهبت، ولو تُركت وما أتمنى لكان حبسهم كافيا حتى تتم محاكمتهم في ظل السلطة الشرعية المنتخبة.. لا يعنيني غير إتمام التحول الديمقراطي في أسرع وقت.
إن طول الوقت يصب في مصلحة كل الأطراف إلا مصلحة الوطن..
طول الوقت يُغري بالبقاء في السلطة فالعسكريون بشر لا تؤمن عليهم الفتنة، وفتنة المنصب أي فتنة.. كما يوفر وقتا أطول لمن انهزموا وانحلوا وتشتتوا وانشغلوا بالتخلص من أدلة إدانتهم ودفع التهم عن أنفسهم أن يعيدوا تنظيم أنفسهم.. كما يوفر وقتا للخارج أن يرتب أوضاعه كما يحلم فهو يتعامل مع سلطة يعرف أنها غير مستقرة ولا تحظى بالشرعية وهو ما لا يمكنه أن يفعله مع سلطة شرعية منتخبة تحظى باستقرار الأغلبية..
ولو أن طول الوقت يكسب منه الإسلاميون، فنحن نتمنى على معاشر الوطنيين من الاتجاهات العلمانية أن يقبلوا التضحية بانزواء أفكارهم إلى حين لحساب خروج الوطن من الاستبداد إلى الديمقراطية.. وهي تضحية يشكرها لهم الناس ويذكرهم بها التاريخ.
من سينزل إلى التحرير يوم 27 مايو للمطالبة بالإسراع في المحاكمات واعتراضا على سياسات المجلس العسكري فإني أتفهم مطالبه، لكنني أختلف معه في الأولويات.. أما من سينزل إلى ليطالب بالمجلس الرئاسي والدستور قبل الانتخابات فلا يستحق خطابا أصلا.
نشر في المصريون
May 24, 2011
زلة لسان كاشفة
كنت من المستبشرين بقرار د. عصام شرف اتخاذ د. معتز بالله عبد الفتاح مستشارا سياسيا، ذلك أن الرجل بدا كصوت محترم نادر غريب على الإعلام المصري السائد، ذو لهجة هادئة ودودة غير إقصائية ويبدو على جانب من الثقافة التراثية الإسلامية بنوع من الاستيعاب على عكس غيره من أصحاب الأعمدة والبرامج ممن لا يعلمون في هذا الجانب شيئا ولا يفقهون، وإن حاول بعضهم إظهار معرفته بالتاريخ والتراث الإسلامي فإنه يقع في الحرج دون أن يدري، فكلامه يدل على مبلغ علمه فيصير كما قال الشاعر:
خمسٌ وخمسٌ ستةٌ أو سبعةٌ ... قولان قالهما الخليل وثعلب
إلا أن الدكتور معتز بعد هذا الاختيار قد انفتحت أمامه أبواب الفضائيات، ولئن كان في أوائل ظهوره موفقا، إلا أنه كما قيل "من كَثُر كلامه كثر خطؤه"، فما هو إلا أن أخطأ خطأ لا يمكن قبوله في حديثه إلى قناة المحور (مساء الاثنين 23/5/2011)، والذي يهمني منه الآن عبارتين فحسب:
الأولى تصريحه بأن الحكومة لن تتعامل بالرحمة والاحتواء مع الاعتصامات المقبلة.
وهذا تحول خطير في مسار الحكومة، فليس من حق أحد على الإطلاق أن يحرم الشعوب من حق الاعتصامات، وهو الحق الذي بلغ بهذه الحكومة مكانها هذا، مهما كانت درجة اتفاقنا أو اختلافنا مع المعتصمين وأهدافهم ومطالبهم.. فالحق في الاعتصام كمبدأ هو فوق كل اختلاف ما دام المعتصمون في الإطار السلمي الذي لا يعتدي على المرافق ولا يعطل حركة السير.
ولن أطيل في هذا الرد لأن النشطاء قد قاموا بهذه المهمة خير قيام في عوالمهم الحرة التي لم تصلها يد الاستبداد على الانترنت.
إلا أن العبارة الثانية هي التي لم يلتفت لها كثيرون، وهي كاشفة جدا عن شيء كلما حاول البعض إخفاءه ظهر من حيث لا يحتسبون، تلك هي قوله بالحرف: "لو كان بين إخواننا المسيحيين (في اعتصام ماسبيرو) عدد كافي من المسلمين لفعلنا نفس الشيء"، ونفس الشيء هذا هو الوحشية التي تم بها فض مظاهرات السفارة الإسرائيلية.
ولا أظن الأمر يحتاج مزيدا من التوضيح، فلأن المعتصمين كانوا من الأقباط فقد اكتسبوا –بهذه الصفة وحدها- حصانة تمنع معاملتهم كباقي المصريين، ولو أن المشهد اختلف قليلا فغلب عليه المسلمون لتبخرت هذه الحصانة ولتم استخدام العنف.. فمن هو المضطهد في هذه البلد؟!!
لا أحد يريد مساواة في الظلم أو في العنف، بل المطلوب هو المساواة في العدل أو في الرحمة.. والمطلوب أيضا أن يستحيي المتاجرين بأن "الأقباط مضطهدين"!
May 23, 2011
لقطة شخصية
منذ أربع أو خمس سنوات على الأكثر، تغير تفكيري تغيرا جذريا، بعدما كنت أنتمي بكل كياني إلى فكر الإخوان المسلمين ومنهجهم في الإصلاح والبناء إذا بالحوادث تكشف لي كثيرا من الثغرات غير المحلولة وغير القابلة للتجاوز والتي يقف أمامها فكر الإخوان عاجزا في الحقيقة وإن دارى عجزه هذا بكثير من التبريرات أو ادعى أنه غير عاجز عنها أصلا..
كثير من الحوارات كانت بيني وبين أعضاء في الإخوان، ومن استطعت لقياهم من القيادات الوسيطة، وكثير من الحوارات على مدونتي القديمة (اسأل الله لها عودة قريبة ففيها خمس سنوات غاليات من الكتابة والردود).. وبعد كل حوار تزداد قناعاتي ولا تقل، وتزداد الفجوة بيني وبين فكر أعطيت له عمر الشباب كله بكل ما أملك من وقت وطاقة وجهد وحماسة، وتعرضت في سبيله إلى أذى غير قليل وغير كثير.. ولست من النادمين، والحمد لله رب العالمين..
هل هو غرور أن أكشف اليوم عن فرح حين أجد أفكارا ناديت بها قبل سنوات يتم تبنيها من قبل أساتذة كبار نظروا إلى طرحي لها بغير اهتمام؟؟
لست أدري في الحقيقة.. لكنني فعلا أشعر بهذا، ولن أكشف عن تفاصيل لكي لا يخرج الأمر عن الفرحة المشروعة إلى الغرور المذموم.
لكن إن نسيت فلست أنسى مرة حوارا بيني وبين أحد مشاهير الدعاة في العالم الإسلامي، كان يتحدث عن أن أمامنا الكثير وأنه لا ينبغي أن نفكر الآن في الحكم ولو عُرض علينا.. أخذت أعترض وأقول له بل إن جاءت الفرصة فلا ينبغي أن تفوت.. يقول: لقد اعترض النبي ولم يقبل شروط شيبان حين قالوا له "نحميك قبل العرب أما الفرس فلا" فرد عليهم بقوله "إن هذا الدين لا ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه".. فقلت له: هذه واقعة ضعيفة ومن الأسف أن هذا الضعيف يمثل مركزية في عقول الإسلاميين فيظنون أنهم ينفذون الإسلام وهم لا يدرون أنهم في الوهم، إن النبي قبل دائما بأدنى شروط إقامة الدولة، حتى أنه قبل من الأنصار أن يحموه داخل مدينتهم فقط ولم يشترط عليهم لا حماية من العرب ولا من غيرهم، ولما خرج إلى بدر كان محتاجا لبيعة أخرى لنصرته خارج المدينة..
بدا مترددا في قبول ما أقول، لكنه استقبل كلامي ووعد بدراسته ومراجعته.. وليس هذا غريبا عليه فإني أشهد أنه من خير من عرفت عقلا وذكاء وإخلاصا وأخلاقا.
غير أن موقفه لم يتغير..
إنني الآن أراه أحد أشد المتحمسين لهذه الفكرة.. وهو ينادي بها.. بل وأخرج لها من الأدلة ما لم يخطر ببالي وما لم أكن أعرفه..
إنني فرح بإخلاصه للحق ربما أكثر من فرحي بما كان من تأثير هذا النقاش عليه..
فاللهم لك الحمد، كل الفضل منك ولك، أهل الثناء والمجد، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
May 21, 2011
في خلاف الإسلاميين حول الديمقراطية
اتهمني صاحبي بأن دفاعي الدائم عن الديمقراطية يجعل المرء يظن أنها نظام إسلامي نازل من عند الله فواجبٌ على الأهل الأرض أن يقولوا سمعا وطاعة! ثم ساق إليّ أمثلة ونماذج تقول بأن الديمقراطية ما هي في النهاية إلا تسليم الشعوب لأصحاب رأس المال، فهم الذين يملكون وسائل الإعلام التي تسيطر على توجيه العقول، ومن ثم تكون الديمقراطية مجرد لعبة يملك أصحاب الأموال كل تفاصيلها.
قلت له: أزيدك من الشعر بيتا، إذ أن أصحاب الأموال لا يمارسون فقط التوجيه بل يمارسون الفعل، ذلك أنهم بامتلاكهم قلاعا صناعية يتحكمون في السياسات، فلا يستطيع السياسي أن يخط سياسة تهدد مصالح الرأسماليين وإلا كان لهم إنهاء بعض أعمالهم ونقلها إلى دولة أخرى مما يتسبب في مشكلة اقتصادية ومشكلة بطالة تجعل الفوز في الانتخابات القادمة في حكم المستحيل.. وذلك الموضوع شرحته باستفاضة نورينا هيرتس في كتابها "السيطرة الصامتة.. الرأسمالية العالمية وموت الديمقراطية".
فحَيَّرَه ما قلتُ، وبدا كأنني عدت عن رأيي!.. غير أن الأمر لم يكن هكذا..
يكاد الخلاف بين الإسلاميين عن الديمقراطية يكون خلافا لفظيا:
فمن يرى أن الديمقراطية وسيلة إجرائية تضمن التعبير عن رأي الشعب ومنع الاستبداد، فهو يوافق عليها باعتبار أن الوسائل إنما هي من التراث الإنساني الذي ينبغي الاستفادة منه، وهو في هذه الحالة يراها "جوهر الشورى" كما جاء في برنامج حزب الإخوان المسلمين.
وأما من يراها منظومة فكرية كاملة، تجعل من ذاتها مرجعية ذاتها، وتجعل من التطبيق الغربي المثالَ الوحيد الممكن للتطبيق وهو حده المثال المعبر عنها كفكرة، فهو يرفضها، يرفضها لأنها تستبعد المرجعية الإسلامية أولا، كما أنها تستبعد مستبدا واحدا هو شخص الحاكم لتصنع استبدادا من طبقة الرأسماليين الذين يملكون توجيه العقول والضغط على السياسات، ومن ثم تكون الديمقراطية مجرد لعبة يتوهم فيها الناس أنهم يقررون هذا بأنفسهم وأن لهم إرادة حرة وأن حاكمهم يأتي باختيارهم!
من يدافع عن الديمقراطية همه الخروج من الاستبداد وإرساء نظام يُعطي الأمة حق المشاركة في قرارها ومصيرها، ومن يرفضها يخشى أن تتحول الأمة إلى نموذج جديد من مجتمع بلا هوية ولا فكر ولا قدرة حقيقية على الاختيار فتتحول إلى مجتمع متعلمن مستهلك تم تنميطه والسيطرة عليه!
شخصيا أميل إلى الفريق الأول، الفريق المُدافع عن الديمقراطية، لأني أضمن أن الأمة لن تتحول إلى ما يخشى منه الفريق الثاني..وذلك لسبب بسيط، وهو أن النظام الإسلامي الذي يشتمل على الدين والدنيا معا أوجد مراكز للتأثير تقاوم تفرد رأس المال بالتأثير والتوجيه..
تلك هي.. المساجد والمنابر وصلاة الجمعة..
وهنا تحديدا تتبخر سيطرة رأس المال النافذة في العالم الغربي، وهذا ما يعرفه العلمانيون في بلادنا جيدا، ولذا فإنهم حريصون على فعل أي شيء لإنهاء تأثير المساجد على الناس، وفي عالمنا الإسلامي لم يحدث استفتاء أو انتخابات إلا وفشل رأس المال في تسويق رأيه، وما إن يفشل حتى يفتح سرادق العزاء في المستقبل والشعب والوطن باعتبار أن الجهل يسيطر على الناس مما يسمح للدعاية الدينية والمنابر أن تؤثر عليهم!!
لقد كانت عبقرية النظام الإسلامي في أنها جعلت مناطق التأثير لطبقة الدعاة العلماء لا طبقة رأس المال، وطبقة العلماء ليست ذات مصلحة خاصة في سياسة الدنيا فيُخْشَى من أن تستعمل هذه المصلحة في تسيير الناس، بينما أصحاب رأس المال لا تحركهم غير مصالحهم الذاتية بغض النظر عن مصالح الأوطان والشعوب!
وفي النظام الإسلامي لا يُخاف من أن تتكرر سيرة الغرب المظلمة مع رجال الدين، ذلك أن العلماء والدعاة غير مندرجين في نظام كهنوتي، بل كل منهم يحتفظ باستقلالية كاملة عن غيره، مما يجعل اتفاقهم في كل الأمور شيئا يكاد يكون مستحيلا، وهو إن تحقق فمعناه أن المصلحة واضحة إلى حد يحقق هذا الاتفاق.. كما أنهم لا يملكون سلطة روحية على الناس تجعلهم يستطيعون حرمانه من "الصلاة" أو تجعل المخالفة للواحد منهم ذنبا دينيا أو "خروجا من الملكوت"!!
في ظل هذه الاستقلالية لمراكز التوجيه والتأثير في النظام الإسلامي، لا يكون ثمة اتفاق إلا على ما تتضح فيه المصلحة والمفسدة، وفي التراث الإسلامي تراث مديد رحب شديد الثراء عن تنظيم أمور الخلاف وأدب الخلاف وأصول الخلاف ما يجعل نشوء حرب دينية بأثر من هذه الخلافات أمرا نادرا.. ومن لا يصدق فليراجع تاريخ الحروب الدينية بين التاريخ الإسلامي والتاريخ الغربي!
لهذا لا خطر على الهوية الإسلامية ولا على المجتمع الإسلامي من إجراءات أُبْدِعت لتضمن تعبيرا حقيقيا عن رغبات الشعوب وإن سميت هذه الإجراءات "الديمقراطية"
نشر في "يقظة فكر"
اتخذ البرادعي هيكل أستاذا!
رحم الله أستاذنا العظيم محمد جلال كشك، كلما جاءتنا عجيبة من فيلسوف الاستبداد ومنظر النظام قبل قبل البائد تذكرناه.. أعني محمد حسنين هيكل!
يعرف المهتمون بالتاريخ الإسلامي رجلا اسمه محمد بن عمر الواقدي، مات في القرن الثالث الهجري، يُعترف له بالعلم في أيام العرب وأنسابهم.. إلا أنه كذاب، فلا يؤخذ بروايته في الأمر المهم كالوقائع التي تمس الصحابة، ولا يُعترف بالرواية التي ينفرد بها دون غيره من المؤرخين.. ما أشبه هيكل به!
هيكل لم ينزل مرة إلى الشارع، ولم يكن يوما داعية ثورة، ولم يدفع بنفسه مرة واحدة في اصطدام مباشر مع السلطة.. لكنه يطرح نفسه دائما بحسبانه "الأستاذ" القادر على تحليل كل الوقائع وكشف كل الخفايا والتنبؤ بالمستقبل والمآلات.. وهو يفشل دائما بالمناسبة، وهو فشل يتجاوزه الإعلام ولا يلحظه غير المتابع له.
الكلام عن هيكل يطول، وليس هو مقصود المقال، فما عاد هيكل من المؤثرين!
إلا أن واقعة طريفة حدثت الأسبوع الماضي، وهي كالتالي: خرج هيكل في حوار مع الأهرام ليطالب ببقاء الحكم العسكري والمشير رئيسا وبمجلس رئاسي وتعيين لجنة لوضع الدستور، وهي المطالب التي تنقلب على إرادة الشعب في الاستفتاء الأخير بكل وضوح ولا يتبناها إلا النخب المفقودة الصلة بالجماهير.. إلا أن هيكل يصوغ مطالبه بلغة زئبقية ومُراوِغة (لهذا كان أستاذنا جلال كشك يسميه المهرج، ويمكن الرجوع أيضا إلى كتاب تفكيك هيكل للمؤرخ العراقي الرصين سيار الجميل).. فالمجلس الرئاسي يطرحه باسم "مجلس أعلى للأمن الوطني"!!
الطريف ليس فيما سبق، فكل هذا معروف لمن يتابع هيكل، إنما في ما سيأتي: ذلك أن البرادعي وهو الرجل الليبرالي القادم من بلاد الحرية اتخذ من هيكل أستاذا، فتعلم منه لغة المراوغة وألفاظ المهرجين، وقد كان البرادعي خسر كثيرا من شعبيته (شخصيا كنت أؤيده من قبل) بمجموعة من التصريحات التي أراد فيها الانقلاب على نتائج الاستفتاء ووصف الشعب المصري بأنه غير مستعد للديمقراطية وطالب أيضا بمجلس رئاسي ووضع دستور بالتعيين وتأجيل الانتخابات وطول بقاء الحكم العسكري.. فانظر كيف كان تأثير هيكل.
البرادعي ( 27/3/2011 - تويتر): "الطريق نحو الديمقراطية الحقة والاستقرار واضح منذ اليوم الاول :دستور مؤقت، دستور جديد، انتخابات رئاسية ثم برلمانية. مازالت الفرصة أمامنا".
البرادعي ( 14/5/2011 - تويتر): "في ضوء الفوضى والتشرذم حان وقت تصحيح المسار: دستور جديد يضيء الطريق ويحدد الثوابت، انتخابات برلمانية عندما يستوي الملعب، ثم انتخابات رئاسية".
ذهبت اللغة الصريحة وحلت لغة هيكل الأدبية "يضيء الطريق، يستوي الملعب"!!.. لا سيما كلمة "الملعب" التي تكثر في المعجم الهيكلي!! ودعنا الآن من انقلاب موقفه من ترتيب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
جوهر المشكلة الكبرى في مصر الآن أن "النخبة" منذ بداية الدولة الحديثة إنما هي مفروضة فرضا على الناس، ليست نخبة حقيقية خرجت من الناس، نخبة تركية وفرنسية ويونانية في عهد أسرة محمد علي، ثم نخبة صنعها الإنجليز في سنوات الاستعمار، ثم نخبة صنعها الاستبداد منذ عهد عبد الناصر حتى مبارك.
انظر فيمن حولك من النخبة العلمانية والليبرالية واليسارية الآن، ستتعب حتى تجد واحدا لم يكن رئيس حزب أو رئيس تحرير أو عضوا مرموقا في هيئة رسمية أو سُمِح له بإنشاء منظمات وتلقي تمويل، والحمد لله الذي أحيانا في عصر جوجل فجعل تاريخ هؤلاء مكشوفا لمن ضغط على أزرار الكمبيوتر.. هذه النخبة تعرف تماما أنها لا تعيش إلا في رعاية استبداد فوقي يفرض وجودها على الناس، ولذا فهم أكثر المنزعجين من وجود حرية حقيقية، رغم أنهم لا يتاجرون إلا في الحرية والديمقراطية.
لقد انتهت خرافة "خطر الإسلاميين على الديمقراطية" نحن الآن نعيش حقيقة "خطر العلمانيين على التحول الديمقراطي"نشر في "شبكة رصد الإخبارية"
May 20, 2011
أحمد حسن.. طيفه الذي يظللني

أحمد حسن..
في كل ليلة أشتاق إليك.. أتذكر موقفا كنا فيه معا..
في كل موقف يمر بي أجد ذهني ينصرف إليك بوجه من الوجوه..
لست أدري ما الذي جعلك تسكنني إلى هذا الحد.. أحيانا والله أتساءل: هل تتذكرك والدتك أكثر مني؟
حينما أدعو لك في صلواتي بالرحمة والمغفرة.. أتذكر أن أدعو لمن مات من أهلي وأقاربي.. كأنك ما زلت حيا تذكرني بالخير دائما..
طيفك ما يزال يظللني.. يسيطر عليَّ..
أنت حقا..شخصية مؤثرة..
على كل ما في ملامحك من الهدوء.. وعلى كل ما في طبعك من الكتمان.. تظل شخصية مؤثرة.. أعلم أن كلامي قد يستغرب ممن يعرفك، ذلك أنه لم يعرف عمق شخصيتك إلا أقل القليل من هؤلاء الكثيرين الذين عرفتهم وأحبوك.. وقد لا أكون عرفت عنك كل شيء كما أظن.. إلا أن ما عرفته منك وعنك ما زال يؤثر فيّ..
كل ليلة أتذكرك.. قرابة الخمسة أشهر يا أخي..
خمسة أشهر ليست كالسنين التي عشناها كلها..
لقد وافاك الأجل قبل الثورة المصرية بأيام.. كنت في فراش مرضك الأخير حين كان شعبنا في تونس يتعافى.. مت قبل أن ترى فرحتنا بذهاب مبارك يا أحمد.. ولا بأس عليك يا أخي.. فإني أحسب أنك انتقلت إلى جوار الله، الذي هو خير من كل فرحة نفرحها لأيام..
لكني –وبطبع الإنسان قصير النظر- كنت أتمنى أن تشهد الثورة وتفرح.. كنت أود أن أرى فرحتك التي طالما تمنيتها وحلمت بها..
أحمد.. أخي الحبيب.. الغالي.. الرائع..
يحتبس في صدري شعور كثير لا تنفس عنه الكلمات..
أتذكر ما كنت تحبه من الأكل.. من الثياب.. ماذا تحب أن تسمع.. ماذا تحب أن تقرأ..
أتذكر عنك تفاصيل لا أعرفها عمن هم أقرب مني بالنسب والمعاشرة..
يوم أن رأيتك في الكفن، ولمست جسدك المسجى، ومررت على ملامح وجهك المغطى.. كنت كالذي حفر تفاصيل ملامحك محسوسة في روحي.. لا أزال أتذكر هذه اللمسة الأخيرة.. وأتذكر معها حين كنت أحملك على يديَّ.. كنت أحمل روحي، واسأل الله لك الشفاء أكثر مما أدعو لنفسي..
كنت تستحيي أن تشق عليَّ.. وكنت أجتهد ألا أقوم بما يجعلك تشعر أنك عبء.. من قال لك بأنك كنت عبئا؟.. لقد كنت مثالا في الصبر والرضا.. كنت أحتقر نفسي أمامك.. اسأل الله أن يعطيني ثباتا ورضا كهذا!
الآن.. كلما مررت بجوار مستشفى الفاروق في المعادي.. أو النيل بدراوي على الكورنيش.. أو صليت في مسجد النور المحمدي في قنا.. كلما تذكرتك.. كانت لك بصمة يا أيها الحبيب..
اسأل الله أن يغفر لك ويرحمك بقدر ما أحببناك..
إني لأستعيد الآن شعر ابن رشيق في محبوبته، وما أحسب أن ما كان به يبلغ ما هو بي الآن
يا ليل الصب متى غده ... أقيام الساعة موعده
رقد السُّمَّار وأرَّقه ... أسف للبين يردده
قبل فجر السبت 21/5/2011.. تذكرتك وما استطعت أن أنام