محمد إلهامي's Blog, page 99

December 26, 2010

الدولة تبني الحضارة.. والأمة أيضا


في حواره مع الموقع الشبابي الرائد "يقظة فكر"، قال الأستاذ الكريم المقري الإدريسي عبارة أحسب أنه ينبغي التوقف عندها كثيرا، فلقد قالها ببساطة وحسم وكأنها "قانون معروف"، أو كأنه "اكتشاف حضاري" يملك عليه الأدلة المتواترة. تلك هي قوله "حضارة الإسلام بنت الدولة وليست الدولة التي بنت حضارة الإسلام".. ولقد جعل الموقع من هذه العبارة عنوان الحوار الرئيسي مما عطاها ثِقلاً جديدا.

وأحسب أن الأستاذ جانبه الصواب في هذه العبارة، لاسيما وأن مقدماته لا توصل بحال إلى هذه النتيجة؛ لقد نفي الأستاذ –عن حق- أن الدولة الإسلامية "دولة شخص لأنه حتى الرسول – صلى الله عليه وسلم – الشخصية المحورية والمركزية في كل هذا المشروع، قال عنه القرآن الكريم: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم)... المعنى من هذا أنَّ الدولة الإسلاميَّة ليست دولة شخص وليست الأُمَّة الإسلاميَّة أمة الدولة بل هي تصنع الدولة" ثم انتقل من هذه المقدمة ليقول: "في تاريخ الإسلام الدولة مكون من مكونات الأُمَّة, وهي عنصر ناظم فقط لكل طاقاتها، حيث توفر جانب الأمن والكرامة والحريَّة والرمز والراية والجيش والعلاقات الخارجيَّة والأمن والاستخبارات فقط، وماعدا هذا فالأوقاف والمجتمع الأهلي والمدني والعلماء والقضاة والدعاة والمجاهدين والشهداء والمفكرين والمرجعيَّات كانوا يمثلون عمدة الوجود المعنوي للأمة، ولهذا فـ"حضارة الإسلام بنت الدولة وليست الدولة التي بنت حضارة الإسلام".

ويبدو أن الأستاذ المقريء الإدريسي أراد أن يُعَظِّم من شأن المجهود الجمعي للأمة وإسهاماته الحضارية فَتَطَرَّف في العبارة حتى أَغْرَب في هذا الاتجاه، إلى الحد الذي جعل الحضارة والدولة من نتاج هذا المجهود!

والحق أن ثمة "خصوصية إسلامية" في المسار الحضاري للأمة المسلمة، تلك هي "الإبداعات" الحضارية التي جعلت الأمة تمتلك "تمويلا ذاتيا" لمشروعاتها الحضارية، وأهم مصادر هذا التمويل هو مؤسسة الوقف.. لقد ضمنت مؤسسة الوقف بما تجمعه من الأمة من أموال نموا ذاتيا للمؤسسات العلمية والتعليمية والصحية والتعميرية، وضمنت أيضا استقلالا للعلماء الذين يحصلون على أجورهم من أموال الأمة لا من خزانة السلطان، ثم ضمنت تمويلا لطلبة العلم المتفرغين له، وكل هذا أتاح للأمة أن تواصل مسيرتها ونموها الحضاري بمعزل عن الحالة السياسية.

ولهذا تكرر كثيرا أن يهوى الوضع السياسي في الضعف والانحدار فيما الأمة تواصل تفوقها الحضاري، فحين أقبل الصليبيون أخذوا الأرض نتيجة الانهيار السياسي، ولكنهم أُسِروا أمام التفوق الحضاري وبدأوا يتعلمون منه، وكذلك المغول، وكذلك الإسبان حين كانوا يقتطعون من الأندلس حتى ابتلعوها، وكذلك النورمان حين طردوا المسلمين من صقلية... وهكذا، كانت النمو الحضاري للأمة بمعزل عن حالتها السياسية.

لكن يجب ألا نتوقف هنا فنضع نقطة في آخر السطر ونسكت، وكذلك يجب ألا نبالغ في هذا المجهود الجمعي حتى نظن أن الأمة هي التي أفرزت الدولة وهي التي أفرزت الحضارة.. بل إن الحقيقة التاريخية المعروفة تقول بأن الحضارات لا تنشأ إلا في دُوَلٍ مستقرة.

***

إن بداية الحضارة دائما كانت من الدولة وليست من الأمة، ثم إنه لا معنى لأن نقول إن الأمة تفرز الحضارة، ذلك أن الحضارة –بشقيها: المادي والقِيَمي- لابد لها من أرض تنشأ عليها، ولابد لها –كذلك- من دولة توفر لها مقومات الحياة، والأستاذ الإدريسي نفسه قال بأن الدولة "عنصر ناظم فقط لكل طاقاتها، حيث توفر جانب الأمن والكرامة والحريَّة والرمز والراية والجيش والعلاقات الخارجيَّة والأمن والاستخبارات فقط"، ولنا أن نتعجب ما نشاء من لفظ "فقط" بعد كل هذه "الضرورات الحيوية" التي ذكرها، ثم كيف يستقيم أن تكون الدولة عنصرا ناظما لطاقات الأمة بما يُفضي في النهاية إلى تكوين الحضارة، ثم يُقال بعد سطور بأن الحضارة إفراز من الأمة وليست من الدولة؟

لقد بدأت حضارة الإسلام من "دولة" المدينة، وكانت الحضارة في هذه اللحظة متكثفة في المنظومة القيمية لا في الإنتاج المادي، وما كان لهذه المنظومة القيمية أن توجد إلا في ظل "دولة"، صحيح أن القيم نفسها بدأت مع الرسالة في مكة إلا أنها حوربت وعوديت ولم يُسمح لها بالحياة، فلما أن قامت "دولة" الإسلام في المدينة نزلت الأحكام التفصيلية التي كانت بمثابة الثوب والتطبيق والتفعيل للقيم التي جاءت بها الرسالة.

ما كان المسلمون في مكة يستطيعون أن يطبقوا منظومتهم الأخلاقية الحضارية، فما استطاعوا أن يُنشئوا الحضارة الإسلامية في مكة، ولو في شقها القيمي الأخلاقي فحسب.. بل نزلت الأحكام حين صارت لهم "دولة" تستطيع أن تبدأ فيها الحضارةُ مسيرتَها.

***

ثم بدأ منحنى الإنتاج المادي يتصاعد، لكن هذا التصاعد بدأ بـ "قرارات الدولة"، فاستيعاب أحوال الدواوين الفارسية واعتمادها في الدولة الإسلامية كان بقرار من الخليفة، ثم تعريب الأنظمة والمكاتبات والنقود كان بقرار من الخليفة، ثم انطلاق مشروع الترجمة عن العلوم اليونانية والفارسية والهندية كان بقرار من الخليفة، وبداية إنشاء المؤسسات العلمية والتعليمية والصحية كلها كانت قرارات صدرت من رأس "الدولة".. كان لابد من دولة تُطلق "الشرارة الحضارية" ثم بعدئذ تتمكن الأمة من تمويل هذه البدايات الحضارية ورعايتها ودعمها حتى تتمكن من الاستقرار والمواصلة.

ولو لم تكن الدولة صاحبة هذه القرارات التي بدأت بها "الشرارة الحضارية"، ما كان أحد من الناس يستطيع أن يتخذ قرارا بتنظيم الدواوين، ولا بتعريبها، ولا بإنشاء دار الحكمة، ولا برعاية مشروع الترجمة، ولا ... ولا ... ولا ... إلى آخر هذه القرارات التي بدأت بها مسيرة حضارية.

كان عهد أبي بكر الصديق بتثبيت استقرار الدولة ثم بتمكينها، ثم جاء عمر ومن بعده عثمان فبدأت في عهدهما بدايات الحضارة الإسلامية (في شقها المادي بالطبع، لأن الشق القيمي الأخلاقي استقر منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم).

ثم حدثت اضطرابات معروفة في مسار الدولة، حتى تمكن عبد الملك بن مروان من إحكام أمر الدولة ثم توسيعها، فكان عهد الأمويين عهد الفتوحات والاستقرار السياسي الذي أسس لظهور البناء الحضاري الشامخ الذي بلغ ازدهاره في عهد العباسيين الذين ورثوا ملكا مستقرا فكان عليهم أن يُثَمِّروه ويُنضِجوه حضاريا ففعلوا هذا على خير وجه.. وفي عهدهم نمت العلوم والمؤسسات وأساليب الإدارة والحكم والفن وسائر المظاهر الحضارية.

وفي الأندلس لم تبدأ الحضارة الأندلسية إلا بعد استقرار الدولة على يد عبد الرحمن الداخل، ونفس الأمر تم مع العثمانيين.

كانت الحضارة تبدأ بعد استقرار الدولة، وبقرارات الحكام الأقوياء النابهين الذين يظهرون في هذه المراحل من عمر الدول، فيُطلِقون الشرارة الحضارية فتبدأ عجلة الحضارة في الدوران.

فلهذا تنشأ الدولة فتنظم شؤون الأمة ثم تبدأ شرارة الحضارة فتعمل الأمة على تلقفها وتثميرها وتمويلها ودعمها.. ولو صح أن الأمة تفرز الدولة والحضارة لرأينا المسار معكوسا، لرأينا الأمة –وإن كانت في فترات اضطرابها – تستطيع أن تنتج دولة أو حضارة.. وهو ما لم يحدث.

***

صحيح أن الحضارة الإسلامية لم تكن تنتهي حين ينتهي النظام السياسي، إلا أنها كانت تتأثر بمناخ الضعف والانحدار ولاشك، وحين يطول عليها الانهيار في الحالة السياسية فإن أعراض الضعف تبدأ فيها حتى نصل إلى التخلف الحضاري.

لكن اللحظة الفارقة والمؤثرة في المسار التاريخي للعالم كله كان في ظهور "الدولة المركزية"، وخطورة الدولة المركزية تتمثل في أنها استولت على مقدرات الأمة وما كان بيدها من أدوات، فاحتكرت الإعلام والتعليم والسلاح حتى جردت الأمة من إمكانيتها في الحركة، فإذا جاء على رأس هذه الدولة مستبد أمكنه أن يصوغ الناس على مثاله ولو كره الناس.

ولقد بدأت هذه اللحظة في العالم الإسلامي على يد محمد علي، ألغى الأوقاف وجمع في يده مقاليد الأمور حتى لم يعد للأمة شيء، ولا حتى إمكانية الدفاع عن نفسها، وعلى رغم انتصار المصريين بمجهودهم الذاتي على حملة فريزر الإنجليزية وردها عن مصر خاسرة، إلا أن محمد لم يسمح بأن يبقى في يد العامة سلاح لأنه يعلم جيدا أنه سلاح تحرر من المحتل ومن المستبد أيضا.

وعليه جمع محمد علي السلطات في يده، وجَرَّد الأمة من مقوماتها الذاتية، فبدأت مرحلة تاريخية جديدة، مرحلة إذا مات فيها الحاكم مات معه مشروعه الحضاري (كما حدث مع مشروع محمد علي نفسه)، وإذا هُزِم فيها جيش الدولة فإن الدولة كلها تسقط تحت الاحتلال.

وبعد أن عاشت الحملة الفرنسية ثلاث سنوات تعاني فيها من مقاومة شعبية لا تتوقف، إذا بالاحتلال الإنجليزي ينعم بسبعين سنة في مصر. وبعد أن تولي محمد علي السلطة على رغم أنف الباب العالي بدعم من "القيادات الشعبية" المصرية، ترك محمد علي الحكم لأولاده وقد خلت مصر من القيادات الشعبية واستقر فيها حكم القائد الواحد المستبد. وبعد أن كان الشيوخ مستقلون بما يجري عليهم من أموال الأوقاف صارت رواتب الشيوخ تخرج من خزائن السلطان.

منذ ظهور الدولة المركزية بطبيعتها المتغولة صار كل إصلاح يصطدم بالدولة التي تملك وسائل التأثير والتوجيه والضغط والإغراء، ومن قبل ذلك وبعده تملك القوة التي يُحسم بها كل أمر مريب.

لقد أدى هذا إلى نشوء ظاهرة أسميها "المجتمع الإسلامي المشوه" (صدر ضمن إصدارات يقظة فكر)، مما يحسم التفكير نحو نتيجة خلاصتها أنه لابد من إصلاح الدولة لكي نحقق هذه النهضة الحضارية المأمولة.

نشر في: يقظة فكر

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 26, 2010 08:24

December 21, 2010

تحقق ما توقعته..

لست -يعلم الله- ممن يحب أن يقول إذا صح له رأي: ألم أقل لك؟ ألم أقل لك؟
ولكنه ليس إلا تذكيرا بأن أمورا شديدة الوضوح قد تغيب عن الذهن أحيانا حين يزيد التفاؤل عن حده الطبيعي فيدخل في حد الحلم والخيال..
وكنت قد كتبت قبل أكثر من سنة عن أن الحركات الإسلامية ستعود أدراجها بعد "طردها" من المجال السياسي نحو التربية والعمل المجتمعي، متصورة أنها لم تتراجع ولم تخسر.. وهو ما كشف عنه بصراحة ووضوح المقال الأخير للدكتور عصام العريان. (الفقرة الأخيرة على وجه التحديد).
انظر:
الحركات الإسلامية، انسحاب وتراجع أم عودة للتربية 1/3 الحركات الإسلامية، انسحاب وتراجع أم عودة للتربية 2/3 الحركات الإسلامية، انسحاب وتراجع أم عودة للتربية 3/3
وكنت قد كتبت من قبل عن المقال العجيب للدكتور عصام العريان، وتوقعت أنه ليس أكثر من مناورة ستفشل (الفقرة الأخيرة على وجه التحديد).. وقد حدث هذا كما رأيناه جميعا.
ولا أدعي أنها عبقرية أو ذكاء غير عادي.. إنما أزعم أنه قراءة عادية جدا لواقع واضح جدا، لا يغيبه عن الأذهان إلا تفاؤل مفرط لابد من التحكم فيه.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 21, 2010 00:23

December 8, 2010

الهجرة .. ومنهج البحث عن حل

يكاد القرار العُمَري الذي اتخذ الهجرة حدثا للتاريخ الإسلامي أن يكون وحيا، ولا عجب؛ فذلك العقل العُمَري بلغ من الشفافية والعبقرية أن قد نزل الوحي ليوافقه في أكثر من رأي، ومن ثم كان قرار التأريخ بالهجرة ثمرة من ثمار ذلك العقل الألمعي الجبار فاقتضى أن يتوقف المسلمون أمامه في كل عام، وهي وقفات لا تزال تمدهم بالجديد والضروري لمسيرتهم في التاريخ.

في هذه السطور سنرى أن الهجرة تقدم للمسلمين منهجا في بحثهم عن الحلول للمشاكل القائمة، وسنرى كيف أن الإخفاقات التي يشهدها واقع الأمة راجعة إلى اعتماد حلول "ناقصة" لم تدرك بعض الحقائق التي كان ينبغي استلهامها من حادث الهجرة.

***

طبيعة المشكلة

كان قيام الدولة الإسلامية ضرورة شرعية وضرورة تاريخية، فعلى المستوى الشرعي كان لابد للرسالة الخاتمة أن تستكمل فصولها فتخبر الناس كيف يديرون حياتهم في دولة، وكيف ينظمون لأنفسهم طرق السياسة والإدارة والحرب والقانون. فكان لابد من وجود صورة للدولة الإسلامية تظل بمثابة النموذج الذي يُلهم الناس ويُرشدهم. وهي صورة لا يستفيد منها المسلمون وحدهم بل هي كذلك من وسائل الدعوة لكل العالمين، فإن تحقيق الفكرة للنجاح على الأرض يدفع ويُغري من لم يقتنع بالفكرة ذاتها إلى أن يقتنع بها حين يرى آثارها وثمارها.

وذلك قانون تاريخي لا يُجادل فيه، فكل فكرة في التاريخ لم تستطع صناعة دولة -تتمثل بها في واقع الحياة- ماتت في مهدها أو في صباها، أو ظلت –في أحسن الأحوال- حلما يراود الخيال، وينفر منه الواقعيون، ويطرحه السياسيون والقادة وصناع التاريخ.

فكان لابد للرسالة الخاتمة أن تُنشيء الدولة لتحقق ثمرة الفكرة، ولتثبت الفكرة أنها عملية قادرة على الحياة وقابلة للتطبيق، بل هي النموذج الأمثل والأنجح من بين كل الأفكار. هذا على مستوى الضرورة الشرعية.

وأما على مستوى الضرورة التاريخية، فيبدو الأمر واضحا لو حاولنا تخيل مسار التاريخ الإنساني بدون الرسالة الإسلامية، إن الصورة تبدو كارثية بكل الوجوه، فإن القفزة الحضارية التي صنعها المسلمون وضعت بصمتها على كل التاريخ الإنساني وعلى مختلف أنشطة السلوك الإنساني حتى ليبدو المفكر الإنجليزي الكبير مونتجمري وات مذهولا إذ يقول "إننا لنجد شيئًا لا يكاد العقل يصدقه، وبالتالي فهو أمر يخلب اللبَّ، حين نقرأ عن كيف تحوَّلت الحضارات القديمة في الشرق الأوسط إلى حضارة إسلامية"

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 08, 2010 01:46

November 30, 2010

أسير الفضل أم أسير الحق؟



أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني

***

وإني لأعترف أول المقال أن فضل جماعة الإخوان المسلمين عليَّ هو مما لا يمكن أن أجحده ولا أنكره ما طالت بي الأيام، فلقد تعلمت الوسطية في كتب أعلامها من الفقهاء والمفكرين، وتعلمت الأخلاق وحسن النظر على يد كثير من أبنائها ومربيها، وعشت مع الإخوان فترة لازلت أفخر أني عشتها بينهم، لا سيما فترة الجامعة، وإني إل الآن أقدر أني لو لم أكن عشتها بينهم لكان مصيري إلى الانحراف بلا شك، لقد جعلوني أفخر بشبابي إلى آخر عمري، فلم يكن يشغلني –في هذه الفترة المتوقدة وفي زمن الفتن- إلا أحوال الأمة والدعوة، فَسَلِمْت بحمد الله مما يشغل أقراني من الشباب।

ولكن..

هل هذا الفضل ينبغي أن يجعلني أسيرا طول عمري؟ لا أقول بحق إذا علمته، ولا أنبه على باطل كما أراه؟

الكل سيجيب: لا، ولكن انصح وقل، وأعلن رأيك، فنحن بشر ونسمع النصيحة ونحب التطور والتجديد والتناصح، وقد نأخذ بالرأي إذا رأيناه أنفع، و .... إلى آخر هذا الكلام

إلا أن لسان الحال يقول: نعم، ينبغي أن تظل أسيرا، وتذكر فضلنا القديم المقيم الذي لا ينكره إلا جاحد، فإذا عَنَّ لك أن تنصح ففي السر، وبأدب، ثم ينبغي ألا تصر على رأيك حين تسمع الرد، بل تترك ما في رأسك لأن إخوانك يعلمون أكثر منك، وهم أحكم منك، وهم أبعد نظرا، وهم الذين يرون المشهد من فوق، وهم الذين حَنَّكَتْهم التجارب، وهم الذين ضحوا في سبيل هذه الدعوة، وعاشوا مرارات السجن والتعذيب .. وهم ... وهم ... وهم ... إلخ

***

والحق أن العقل الذي أنقد به الإخوان الآن، لا أنكر أنهم ساهموا في تكوينه، وأن القلم الذي أكتب به الآن لا أنكر أنه ترعرع في ظلالهم وفي مجلاتهم ومنتدياتهم.. إلا أن الفضل –من قبل ومن بعد- هو فضل الله تعالى، وإن كان قد جرى على يد الإخوان، وهذه الأدوات إنما هي نعم الله أولا وأمانته استودعنا إياها واسترعانا فيها، وقد أوصانا (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين).

وما أحسب أنه يجب مراعاة الفرع على حساب الأصل، ولا أن يُخشى في الله كيد عدو كما لا يخشى فيه عتاب الحبيب.. وإن قَصْدَ الله في القول والعمل ينبغي أن يكون القَصْدُ الوحيد للمسلم، ولقد كان من فضل الله علينا وعلى عباده جميعا أن أمرنا بالتوحيد فمن ثَمَّ تَوَحَّدَت وِجْهَة العمل والقَصْدِ (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون، ورجلا سَلَمًا لرجل، هل يستويان مثلا؟؟).

ولو أن لكل أحد فضل على أحد، فأراد بهذا الفضل أن يحمله على اتباع مذهبه وطريقته، إذًا لما انتقل أحد من الضلالة إلى الهدى، فلقد تعلم سلمان الفارسي واشتد عقله وعوده وهو بين المجوس، وبهذا العقل الذي تَكَوَّن عند المجوس ثم عند النصارى دَخَل في الإسلام، بل أستطيع أن أقول بأن من أهم ملامح عظمة الصحابة أنهم استطاعوا نقد تاريخهم والتبرؤ منه حين بدا لهم أنهم كانوا على ضلالة، ولاشك أن مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص وغيرهما كانوا تحت ضغط رهيب إذ تسبب اتباعهم لما رأوا أنه الحق في إغضاب أمهاتهم وهن من أصحاب الفضل، حتى لقد بلغ سعد أن يقول لأمه "لو كانت لك ألف نفس، فخرجت نفسا نفسا ما تركت هذا الدين".. وإن من المثير للعجب أن ترى خالد بن الوليد يؤمن بدين يطالبه أن يؤمن بأن أباه في النار، وكذا عكرمة بن أبي جهل، وكذا الوليد بن عقبة..

إن جيل الصحابة هو الجيل الأعظم الذي استطاع نقد ومحاكمة تاريخه ورفضه بكل ما كان في هذا التاريخ من فضل عليه، ومن أصحاب الفضل عليه..

وهل نحن في حاجة لأن نذكر من أسلم من أحبار اليهود والنصارى، عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، والسمؤال بن يحيى المغربي، وقائمة طويلة طويلة ممن نشأوا في ظلال قوم لا يدينون بالإسلام حتى تبوأوا فيهم مناصب السيادة والرياسة ثم تركوهم حين تبين لهم الحق.

ولقد حدث هذا بين المسلمين، فكم من عالم نشأ على مذهب ثم انتقل إلى مذهب آخر واستمسك به، ثم أشبع المذهب الأول نقدا وأخذ في الانتصار لمذهبه الجديد، متجاوزا فضل شيوخ المذهب الآخر الذين علموه وأنشأوه وأَمَدُّوه بما ساهم في تكوين عقله وفكره ونظره..

إنني أدافع عن نفسي، نعم، رغم أنه ليس من طبعي، إلا أنني أفعله أمام قوم أحبهم وأعلم أن كثيرا منهم ما زال يحبني، وإني –يشهد الله- لأرجو لهم الخير كما أرجوه لكل المسلمين ولكل الناس، وأعلم أن كثيرا منهم ما زال يرجو لي الخير.. وما كان أشد على نفسي من شيء كما كان تَغَيَّر بعضهم عليّ، وقولهم فيّ ما لم أكن أتوقع أن يُقال.

***

فيا أيها الإخوان.. هذا فضلكم منسوب إليكم لا أجحده ولا أنكره، غير أن الأمانة التي حَمَّلَنا الله إياها تستدعي أن أقول ما أراه حقا، ولو لم يعجبكم.

***

لقد كان أشد ما آلمني أن الإخوان –لاسيما الشباب- دخلوا معركة الانتخابات، وكأنهم فقدوا الذاكرة..

فقبل الانتخابات تجد حماسة من يرى التغيير على بعد يوم منه، ليس بينه وبين التغيير شيء إلا أن ينجح في حشد الناس للتصويت وتعليمهم الإيجابية، فإذا نوقشوا في طبيعة هذا الحماس على خلفية خبرة الماضي تمخض الحماس كله عن هدف "فضح النظام"، وأحيانا عن هدف "خطوة على الطريق".. وهي الأهداف التي يتضح أنها لا تستحق كل هذه المعاناة وهذا الجهد والبذل والتعرض للبطش والاعتقال.

لكن بعيدا عن النقاشات التي تهدأ فيها الحماسة وينزل فيها مستوى الحلم والأهداف، يظل الخطاب حماسيا مشتعلا، حتى لقد قال صديق ذات مرة: " من يتطلع إلى التغيير من خلال الانتخابات القادمة .. فهو يؤمن بأن الثعلب قد يبيض أحيانا"، فرد عليه صديقنا الإخواني بقوله " فعلا أن أؤمن بأن الله قادر على أن يجعل الثعلب يبيض، مثلما أنا مؤمن أن الله قادر على إحداث التغيير"!!!

وصحيح أن الله قادر على كل شيء، إلا أنه عدل وحق، وضع في هذا الكون قوانين وسنن لا يخرقها محاباة لأحد، فنسيان القوانين والسنن والتصرف من منطلق الحلم، بل من منطلق الإيمان بأن الله قادر على كل شيء وعلى خرق قوانينه في الكون والتاريخ هي سذاجة بل ربما أقول إنه استحباب للعمى!

ثم في أثناء الانتخابات يختفي حماس الخطاب الذي كان في اليوم السابق، ويظهر الخطاب الذي ينعى على البلد حالها، ويشكو ما يفعله النظام، ويندب حظ الديمقراطية والإصلاح..

وبعد الانتخابات يأتي الخطاب الذي يرثى لحال البلد، ووضعها وكوارثها وما أنزله النظام بها، ثم بعد قليل خطاب آخر يواصل "الثبات" و"الصمود" والسير في طريق الإصلاح.. وكأني أرى ياسر عرفات قائلا: "يا جبل ما يهزك ريح"!!

المثير للدهشة والإشفاق أن هذه الخطابات الثلاثة –قبل وأثناء وبعد الانتخابات- تظهر وكأن الانتخابات تحدث للمرة الأولى، حماسة قبلها، ثم دهشة وصدمة في أثنائها، ثم رثاء لما وصل إليه الحال بعد انقضائها.. وكأن "صفر" مجلس الشورى لم يكن منذ شهور معدودات!!!

***

ما أشبه المفاوضات بالانتخابات..

ولقد كان عرفات، ومن بعده عباس يدوران فيها كالثور في الساقية.. بعدما يبذل المجهود العظيم يجد نفسه في المكان الذي بدأ منه، ثم هو يظن نفسه –أو هكذا يقول- "مجاهدا" في سبيل القضية، حتى إنه ليخوض "مفاوضات شرسة"، ويقف في "صمود رائع" ضد ما يُطلب منه من تنازلات، رغم كل "الضغوط الخارجية".. وفي النهاية، فإننا سننتصر، و"ستحمل زهرة من زهراتنا وشبل من أشبالنا علم فلسطين فوق أسوار القدس، عاصمة دولة فلسطين".

وإذا ذُكِّر بـ"تاريخ" المفاوضات، وأُريد منه أن يتعظ من "التجارب السابقة" سارع بالقول: "هذه المرة تختلف"، ثم التمس أي اختلاف كأن يكون في السلطة حزب العمل لا حزب اليمين المتطرف، أو أن يكون في البيت الأبيض رئيس مثل أوباما وليس مثل بوش، أو أن يكون رئيس أمريكا في الولاية الثانية له وليس في الولاية الأولى... وهكذا.

وحقيقة الأمر أنه تحت "السيطرة الكاملة" لعدوه، لقد أدخل نفسه في لعبة يملك خصمه كل أطرافها، وليست بيده أية أوراق ضغط على الإطلاق، ولا يستطيع أن يستمر وأن يبرر وجوده إلا بتسويق مزيد من الفرص والجولات التفاوضية ويقول "هذه المرة تختلف".

ولو أزحنا عن عقولنا بعض الهوى، لوجدنا حال جماعة الإخوان مع النظام كحالة عباس وعرفات مع إسرائيل وأمريكا.. الجماعة تحت السيطرة الكاملة للنظام، ويجب عليها ألا تتعدى حدودا معينة في حركاتها وإلا أودعنا نفرا من قياداتها في السجن أو في محاكمة عسكرية، أو نَفَّذْنا حملة اعتقالات، فهذه الإجراءات قادرة على توصيل الرسالة.

والجماعة المسالمة رغم امتلاكها تنظيما منتشرا في المحافظات المصرية، إلا أنه تنظيم مكشوف تماما للأجهزة الأمنية، وأي تمرد لا يخضع لقواعد اللعبة يمكن على الفور إنهاءه بالقبض على أعضاء مكتب الإرشاد وأعضاء المكاتب الإدارية في المحافظات، وتنتهي قدرة التنظيم على إحداث ضغط حقيقي.

كل هذا يدركه النظام كما تدركه الجماعة، ولذا فلا مجال أمام الجماعة إلا أن تعارض بحساب وبحذر، ولئن علت الأصوات حينا فالأمر على أرض الواقع مختلف.. على أرض الواقع ليس ثمة خطوط حمراء كما هو في الخطابات؛ فلقد ضرب الأمن –مثلا- الطالبات، واعتقلت بعض النساء الإخوانيات أكثر من مرة، ولم يحدث شيء ذو بال لانتهاك هذه "الخطوط الحمراء"..

حتى النائب صبحي صالح –شفاه الله وعافاه- بعدما أعلن في لقطة مصورة أنه سيموت على الصندوق، صورت له لقطة أخرى في يوم الانتخابات وهو يقول: "أعمل إيه؟ أعملها مطحنة يعني؟!"..

لقد كان المرشد العام –وهو من علماء العرب المعدودين في مجاله- أكثر الناس هدوءا وواقعية، وكانت حلقته في بلا حدود على قناة الجزيرة اعترافا واضحا بإفلاس الجماعة الكامل، فهو سيظل في نضاله، وإن زورت الانتخابات سيناضل قانونيا وقضائيا، فإن لم تنفذ أحكام القضاء فلا حيلة أمامه، إنها حلقة كاشفة فعلا لأن الرجل كان صادقا وواقعيا ولا يحب العبارات النضالية التي تثير الإعلام ولا قدرة له على تنفيذها.

وشخصيا أتوقع أن يفوز عدد قليل في انتخابات الإعادة بعدما وصلت رسالة النظام للجماعة بأنها غير قادرة على الحصول على مقعد واحد مهما كانت شعبيتها (وهي الرسالة التي يُدهشني أن الإخوان لم يقروؤها من انتخابات الشورى الماضية).. وإن كنت أيضا لا أستبعد أن تُحرم الجماعة من أي مقعد.

***

ما بقي للجماعة إلا "الصمود" و"الثبات"، والعودة "لتربية الشعب وتأهيله ليطالب بحقه"، وفي كل الأحوال ستقول الجماعة إنها نجحت، نجحت في فضح النظام، وفي التواصل مع الناس، وفي تحريك قواعدها الداخلية... وكفي بهذا مكسبا ونصيبا!!
ولقد صدمني أحدهم ذات يوم بقوله (كره الله انبعاثهم فثبطهم، وقيل اقعدوا مع القاعدين * لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم...) والحمد لله أنه لم يُكمل الآية إذا لوضعني مع المنافقين المتخلفين عن الجهاد॥

فالحمد لله الذي "نَقَّى" صفوفهم من أمثالي، وصرت –فيما أحسب- من الذين قيل فيهم "لا يلدغ من جُحْرٍ مرتين"!!


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 30, 2010 05:35

November 29, 2010

بلبل حيران.. وسافل!!

منذ أن بدأ مصطلح "السينما النظيفة" يظهر كتيار جديد في الأفلام السينمائية، إلا وأعلن جيل "الكبار" من النقاد والممثلين والمخرجين الحرب على هذا المصطلح، فظهور "سينما نظيفة" يضرب فكرتهم بأن الخلاعة ضرورة فنية لابد منها لإخراج فن "حقيقي وواقعي"، ويدلل على أنه من الممكن أن توجد "أفلام نظيفة" وتقدم أيضا فنا حقيقيا وواقعيا.

وكأنما كان جيل الكبار لا يحتاج إلا إلى نفخة واحدة لينهار، فاختفت تماما أسماء العاريات والخليعات: ليلى علوي، نبيلة عبيد، نادية الجندي وغيرهن من السينمات، وهاجرن هجرة جماعية إلى التليفزيون ومسلسلاته لأن التلفزيون ما يزال معقلا لبقايا الاشتراكيين والشيوعيين، وهم المنحرفون الذين ترعاهم الدولة.. ونستطيع أن نقول بأنه لم يصمد من جيل الخلاعة إلا خالد يوسف، وهذا لأنه يقدم أفلاما ذات حبكة فنية قوية.

على أية حال، ساد مصطلح السينما النظيفة على رغم أنف من كرهوه، وأصبحت أفلام الجيل لا تعتمد على العري والإسفاف مثلما كان الحال في الثمانينات والتسعينات، بل تعتمد على القصة أو الكوميديا.

وكان أحمد حلمي –والحق يُقال- من هؤلاء الذين يحافظون على "نظافة" ما يُقدِّمون، ثم تطورت النظافة بلا مضمون إلى نظافة ذات مضمون رائع وقوي بلغ ذروته في رائعته "ألف مبروك" الذي يمكن أن نقول إنه فيلم إسلامي بامتياز.

وكان من البشريات الأخرى، أن فيلم ألف مبروك أفصح عن اسم جديد في عالم التأليف –والتأليف هو صلب العمل الفني وجوهره- ذلك هو "خالد دياب"، وفوجئنا بأن "خالد دياب" مؤلف فيلم ألف مبروك "بالاشتراك مع أخيه" هو نفسه المتسابق في برنامج عمرو خالد "مجددون"، بل هو الذي فاز بجائزة هذا البرنامج الرائع، وأعلن أن مشروعه النهضوي سيكون هو البحث عن شباب يستطيعون تأليف شيء ذي مضمون وقيمة.

وفي أثناء برنامج مجددون كان فيلم خالد دياب الثاني في مراحله الأخيرة، وخرج الفيلم "عسل أسود" ببطولة أحمد حلمي، ولقد كان عدد كبير من متابعي "مجددون"، ومن محبي عمرو خالد قد انتظروا الفيلم وسارعوا إلى مشاهدته فور نزوله.

وعن نفسي، توقعت أن يكون الفيلم على نفس مستوى الرائعة السابقة "ألف مبروك"، وصُدِمت كثيرا لأن المستوى كان أقل من السابق بكثير، إلا أن الفيلم ما زال ذا فكرة جيدة ومضمون جيد، وإن كانت نهايته غير واقعية وتغلب عليها العاطفية والرومانسية والوطنية مما أفسد –برأيي- فكرة الفيلم، فجعله يرسل رسالة أن المصريين مهما كان واقعهم مرا سيعيشون فيه لأنهم يحبون بلدهم، وذلك بدلا من أن تكون رسالة الفيلم صيحة تحذير مما تفعله الأوضاع السيئة بشباب هذا البلد، فتدفعهم إلى تركها ليعاني الوطن من هجرة الطاقات والعقول.

ليس هذا موضوعنا على كل حال.. إنما الموضوع الآن، هو هذه الكارثة التي نزلت على رؤوسنا منذ أيام والمتمثلة في فيلم "بلبل حيران"..

إنه بلبل حيران .. وسافل..

وهذا الفيلم هو أسوأ دعاية لخالد دياب، كما أنه خصم كبير من رصيد أحمد حلمي..

خالد دياب أعلن في "مجددون" أن الأمة الآن تحتاج إلى فن نظيف وهادف، لأن الفن الآن هو المربي الحقيقي للناس لا سيما الأطفال والشباب.. فكيف يخرج من مؤلف هذه رسالته فيلما يحتوي كل هذه الالفاظ والتلميحات السافلة القبيحة والتي لم يكن لها أي ضرورة ولا ساهمت بأي إضافة في سياقها الفني، اللهم إلا انتزاع ضحكات المراهقين..

وأحمد حلمي الذي ظل محافظا على مستوى راقٍ في أفلامه انحدر في هذا الفيلم إلى مستوى هابط لم يكن متوقعا منه، وهو الذي يعتبر الآن على قمة عرش الكوميديا، ولا يحتاج إلى مزيد من الشهرة أو إلى اتخاذ مثل هذه الوسائل الرخيصة لجذب الأنظار أو لتحقيق نجاح في شباك العرض.

لقد كانت صدمة عنيفة حقا حين شاهدت هذا الفيلم، وهو ذو فكرة جيدة "إذا كنت عايز واحدة سوبر وومن فانت لازم تكون سوبر مان"، وهذه العبارة هي الترجمة العصرية للحكمة التي تقول: "إذا أردت فاطمة فلتكن عليًّا"، وحيث أنك لن تصل إلى مستوى "السوبر مان = عليّ"، فيجب أن تختار الشخص الأنسب وتصبر على ما فيه من عيوب لأنك أيضا تحتاج إلى من يصبر على عيوبك.

لكن الفكرة الجيدة قد لوثتها بذاءة العرض، وهي بذاءة السيناريو الذي أضاف له المخرج والماكيير والمصور بذاءة الملابس والزوايا والحركات.. وأخشى أننا إن مددنا هذا الخط على استقامته فسنعيد سيرة نادية الجندي وهي تفعل كل خليع في سبيل الوطن، فيترسخ بشكل عملي أن الغاية تبرر الوسيلة.

فماذا حدث لخالد دياب أو لأحمد حلمي.. وإن كان عتابنا لخالد دياب أشد، فهو صاحب السيناريو فضلا عن أنه صاحب رسالة.. هل علقنا أملنا –لمرة أخرى- على أوهام؟؟ وهل في كل مرة تأتينا الضربة من المأمن، من حيث لا نحتسب؟؟


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 29, 2010 02:40

November 26, 2010

الإخوان المسلمون، ثمانون عاما من الاضطهاد

ثمانون عاما من الاضطهاد.. لأنها ثمانون عاما من الحكام الفاشلين الذين أوصلوا مصر إلى حضيض الدنيا، فمن من ذهب غير مأسوف عليه إلى مزبلة التاريخ، ومنهم من تنتظره المزبلة.. وعسى أن يكون قريبا..
وأول من قال "إن المشكلة لا يمكن أن تكون في أنظمة الحكم جميعا، بل لابد أن تكون في الإخوان" هو –على حد علمي- محمد حسنين هيكل، وهو –ولا فخر- فيلسوف عصر المظالم والهزائم الناصري، ثم انطلت الكذبة حتى شارك فيها بعض الإخوان ممن يحبون أن يكونوا "إصلاحيين" على خط التنوير والحداثة والتجديد!!
والحق أن المشكلة في الحكام، وبلا خلاف، ولو استطعنا أن نخرج في هذه الأعوام الثمانين حاكما واحدا فعل شيئا ذا بال لهذه البلاد لما وجدنا، فالحقبة الملكية كان حكمها على الحقيقة بيد المندوب السامي البريطاني (هل كان البريطانيون وطنيين؟!!)، ثم خلفها حكم عبد الناصر الذي حارب ثلاثة حروب انهزم فيها جميعا، وأسس فيها للاستبداد والتسلط، وتوحش للأجهزة الأمنية والمخابرات، ومات بعد أن بلغت مصر في عهده أصغر مساحة عبر تاريخها، وقد بلغت السجون في عهده حدا لم تبلغه سجون الاحتلال، وأعدم فقهاء القانون والتفسير وعذب فيه شيوخ الأزهر، وهو ما لم يفعله جنود مملكة لا تغيب عنها الشمس.. من يستطيع أن ينكر أن عهد عبد الناصر كان مذبحة للحريات وللمؤسسات؟!!
ولئن كان عبد الناصر قد اضطهد الجميع، وخص بمزيد من الوحشية جماعة الإخوان المسلمين، فإن السادات أنعم على الجميع بالشرعية إلا جماعة الإخوان المسلمين، فهل كانت المشكلة في الإخوان.. ثم لقد مات الرجل بعد أن اضطهد الجميع أيضا، فهل هي مشكلة الجميع؟!!
ثم جاء حسني مبارك، ولقد أطال الله في عمره وفي عهده حتى لم تُبْقِ له أعماله مُحِبٌّ ولا متابع، اللهم إلا المنافقون، الآكلون على كل الموائد، واللاعقون كل حذاء.. عبيد أهوائهم وشهواتهم، ولو ضاعت البلاد وهلك الحرث والنسل.
ثمانون عاما من الفشل.. ونعم، لقد كانت مشكلة هذه البلاد في أنظمة حكمها..
وهي مشكلة وصلت إلى عمق جديد في هذا المشهد الانتخابي المصري الأخير، إذ برغم أن النظام قد تخلص من كل المعوقات التي قد تضايقه في التزوير، لا رقابة دولية، لا إشراف قضائي، لا شعارات "دينية"، إلا أنه مصرٌّ على أن يمارس لذته في الضرب والتعذيب والاعتقال.
وأيا ما كان الاختلاف حول قرار الإخوان بالمشاركة أو المقاطعة، فلا خلاف في أن المشاركة –كالمقاطعة- قرار سياسي يحتمل الصواب والخطأ، وسوء التقدير وارد عند من اتخذ هذا التوجه أو ذاك، إلا أن الاختلاف غير وارد حول هذه المذبحة التي ينصبها النظام للإخوان المسلمين.
وحقا.. إن كل ذا مظلمة له من يبكيه، إلا المسلمين لا بواكي لهم، ولو أن ما يحدث في حق الإخوان كان يحدث عشر معشاره في حق الأقباط لاشتعلت لك الصحف والفضائيات والمنظمات والهيئات واللجان، ولرأيت على كل شاشة كل ذا عاطفة يبكي.
أما ما ينزل بالإخوان فالكل إزاءه كالعذراء في خدرها، ومن لم يكن كالعذراء ساكتا يُلَمِّح ويُداري، كان كالمومس العاهرة التي يؤرقها أن في الدنيا نساء شريفات فترميهن بالتهم والأكاذيب والافتراءات.
وبرغم اعتراضي على "الوداعة" التي تتلقى بها الجماعة ضربات النظام في صمت، إلا أنه يجب أن نقدر أن جماعة كبرى ولها تنظيم –وإن كان مكشوفا لجهاز الأمن- قادرة على مضايقة النظام، وتفجير ساحة من الصراع مهما كانت النتائج الأخيرة.. ولدينا ما فعله نظير جيد (المعروف بالبابا شنودة) إذ يحرك كم ألفا من الأقباط حتى اقتحام مبنى محافظة الجيزة، لا لشيء إلا لأنهم يريدون بناء كنيسة بالقوة ولم يعجبهم أن الأمن تدخل لوقف البناء.
إذن، إشعال المعارك يمكن أن يتم بسهولة، ولئن كان نظير جيد (شنودة) لا يهتم بإحراق البلد، فإن مما يجب أن يُنْتَبَه إليه ألا نفجر ساحة صراع أخرى مع جماعة كالإخوان، لا سيما وأن ليس ثمة ما يستحق إشعال معركة.. فاللعبة الانتخاية بكاملها تحت "السيطرة الكاملة" للنظام، ويمكن أن تتم العملية بشكل أفضل وأكثر أناقة.
إنه مهما كان الخلاف حول قرار الإخوان بالمشاركة، فإن الذي لا خلاف فيه أن هذه الجماعة لم تكن يوما ضد هذا البلد ولا ضد مصالحه، بل هي أكثر من قدم الضحايا في سبيل إثبات هذه الحقيقة لو كان في البلد من يسمع ومن يعقل. وهي الجماعة التي لم تحتجها البلاد يوما إلا وكانت في مقدمة من يتحرك، وأعمال الإغاثة في الهيئات الرسمية والجمعيات الخيرية إن لم يديرها الإخوان فهم يشاركون فيها.
وهي الجماعة التي استطاعت أن تتجاوز كثيرا من المشكلات كان أقلها يستطيع تفتيت أحزاب وهيئات ومؤسسات، فمَثَّل أفرادها بهذا –حتى من تركوها- نموذجا في التعالي على الأغراض الشخصية التي تدفع غيرهم لخوض حرب مع المؤسسة حتى هدمها.
وهي الجماعة التي تتناسى الماضي وأيام التعذيب والقهر، ولم تحاول الانتقام من قضاة أصدروا الأحكام أو من جلادين مارسوا التعذيب، أو من أبنائهم وزوجاتهم.. وهي الجماعة التي لم يوجد في مصر أوسع منها صدرا في تحمل النقد والتجريح حتى من بين أعضائها، وأنت ترى عداوات بين رجال السياسة والثقافة تنشأ من موقف أو من مقال ثم تتفاعل وتزيد وتكبر حتى تصير رسالةُ كلِّ طرف أن يهدم الآخر.
والحق أنه ليس في المشهد المصري الحالي من يستطيع منافسة الإخوان في العطاء وفي التاريخ، بما فيهم البرادعي الذي لم نر منه شيئا إلا في الأيام الأخيرة، وكان من قبل هذا عن أمرنا من الغافلين!
لقد اختار الإخوان أن يواجهوا النظام، ربما أخطأوا ولكن، من ذا الذي يستطيع أن ينفي بسالتهم وشجاعتهم وجرأتهم وهم يعرضون أنفسهم لهذا؟؟ لا سيما بعد أن دخل النساء على خط المواجهة، فاحتملت النفوس هما آخر هو أقسى وأشد؟؟!!
ولقد دخلوا المواجهة وهم يعرفون مسبقا، أن لا بواكي لهم، ولن يعلو صوت أحد مدافعا عنهم، حتى مجالس المرأة التي يلهبها ختان فتاة في قبيلة بدوية أو عند منابع النيل لا ترى ما يحل بنساء الإخوان المرشحات للمقاعد التي "جاهدت" لأجلها هذه المجالس.. فمن يملك إلا التحية لهذه البسالة؟؟ ومن في مصر يستطيع أن يكون في هذا الوضع ثم يُخاطر هذه المخاطرة؟؟
وصدق المتنبي لما قال:
أفاضِلُ النّاسِ أغراضٌ لَدى الزّمَنِ ... يَخلُو مِنَ الهَمّ أخلاهم من الفِطَنِوإنّما نَحْنُ في جيلٍ سَواسِيَةٍ ... شَرٍّ على الحُرّ من سُقْمٍ على بدَنِ
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 26, 2010 00:27

November 22, 2010

صدور كتابي الأول "التأمل؛ كيف تصل إلى اليقين"


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..
صدر -والحمد لله- كتابي الأول "التأمل؛ كيف تصل إلى اليقين" بعد تعطل أربع سنوات كاملة في محاولات النشر، وقد تفضل الأستاذ الدكتور راغب السرجاني فكتب له مقدمة أثنى فيها على الكتاب وعلى كاتبه ثناءا ما أظنه إلا من كرمه وسمو أخلاقه.
صدر الكتاب عن مؤسسة اقرأ للنشر - القاهرة
ويمكن الحصول عليه عبر المؤسسة نفسها، عبر الاتصال:
0225326610 - 0105224207 - 0126344043
أو في مقر المؤسسة:10 ش أحمد عمارة، بجوار حديقة الفسطاط - الدور الثاني
أو من خلال حضور محاضرة "دوائر المعرفة" يوم الخميس من كل أسبوع في مقر جمعية مصر للثقافة والحوار [وهذه نسخة بتوقيع من المؤلف]
أو من خلال المكتبات الإسلامية بشكل عام، فمؤسسة اقرأ من الدور التي تتعامل مع غالبية المكتبات الإسلامية في القاهرة والمحافظات.
-----------------------
من مقدمة د. راغب السرجاني
"والأخ الكريم محمد إلهامي باحث شاب أعطاه الله عز وجل من الملكات والمواهب الكثير، فهو ليس غزير المعرفة فقط، ولا مبدعا في أسلوبه وتعبيراته فحسب، وإنما أهم من كل ذلك أراه عميقا في رؤيته وتحليله، وناقدا متدبرا، لا يُسَلِّم بما قد يراه عامة الباحثين من المُسَلَّمات.. إنما يبحث ويُنقِّب، ويقرأ ويحلل، ويبتكر ويبدع.. وقد يخرج بشيء جديد تماما عما رآه السابقون، أو قد يؤيد ما قالوه، لكن بعد وعي وإدراك، ودليل وحجة، فأنا أحسبه – والله حسيبه- على خير كبير، واسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل نظرتي فيه صائبة، وليكونن له –بإذن الله- شأن كبير، فاللهم ارزقه الإخلاص في كل أقواله وأعماله.
جاء كتابه هذا تفصيلا لما لخصته للأخت السائلة، وجاء شارحا وافيا لعبادة مهجورة، وغضافة جيدة –بل ممتازة- للمكتبة الإسلامية، وفي اعتقادي أن هذا أول الغيث، وسيتبعه سيل غزير نافع يمكث في الأرض بإذن الله، فاللهم وفقه لكل خير، وسدّد قلمه وفكره، حتى تخرج أمتنا من كبوتها، وتستعيد مكانتها بجهده وجهد أمثاله من العاملين"
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 22, 2010 20:55

November 9, 2010

محاضرة في "رحلة الاستشراق"

الحمد لله وبعد،

يشرفني حقا أن أدعو قراء مدونتي الكرام، وهم من أعز الناس عليّ؛ فكل جمهور عزيز على قلب الكاتب- يشرفني أن أدعوكم إلى محاضرة سألقيها في "جمعية مصر للثقافة والحوار" بعنوان "رحلة الاستشراق، قراءة في التجربة الاستشراقية":

وفيها:

1. كيف نظر الغرب إلى المسلمين طوال تاريخ يزيد على ألف سنة؟
2. ما هي العوامل التاريخية التي كانت تؤثر على رؤية الغرب للمسلمين؟
3. كيف تطورت رحلة الاستشراق من الخرافة إلى الاحتراف؟
4. كيف نحكم على المستشرق؟
5. وكيف نقيم أخطاء المستشرقين؟
6. هل انتهى الاستشراق اليوم من عالمنا المعاصر؟
7. لو لم ينته فأين الإنتاج، ولو انتهى فما هو البديل؟
8. ما هي خلاصة رحلة الاستشراق؟
9. كيف يستفيد العالم الإسلامي من هذه الخلاصة؟
10. هل بدأ الاستغراب؟
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 09, 2010 07:16

October 19, 2010

وهكذا سُرق مني "الموبايل"!

اللهم لك الحمد.. أعطيت الكثير وأنعمت بالكثير فضلا .. ومنعت بعضا وأخذت شيئا رحمة منك وحكم..

كان الأمس -18/10/2010- يوما طريفا..

كنت قبل أسابيع قد وصلت إلى "حقيقة " تقول بأنه لابد من شراء الكمبيوتر المحمول "لاب توب" لأن كثيرا من الوقت يضيع لظروف انتقالاتي غير المستقرة، ما يترتب عليه أن كثيرا من الأوقات التي كان يمكن صرفها في القراءة والكتابة تضيع في ما هو أقل شأنا من هذا.. وقد بلغت الحاجة -في تقديري- مبلغا يجعل الاقتراض من أجلها لا يخالف الشرع.. وعزمت على الاقتراض، وحدثت بذلك صديقا كريما فأمهلني أياما..

وقبل أن تنقضي الأيام إذا برزق من الله ينزل علي فجأة دون حساب ولا حتى توقع، ومن طريق لم يخطر لي على بال.. فيسر الله تعالى -صاحب الفضل والنعمة والعظمة .. الرحيم العليم- فاشتريت هذا الجهاز وكان معي صباح الأمس.

بعد انتهاء العمل، وبينما أسير في طريقي إلى المترو، وكنت أحادث خطيبتي المصونة، وإذ بي أشعر أن يدا تمتد فتأخذ الهاتف، في لمح البصر رأيت اثنين قد اختطفاه وانطلقا بدراجتهما البخارية -الموتوسيكل- وكان جريي وراءهما لا يسمح باللحاق لفارق السرعة بالطبع.. ولقد دهش الناس الذي وصلهم صياحي فلم يستطيعوا أن ينتبهوا إلا بعد أن كان السارقان قد ابتعدا جدا..

ألهمني الله تعالى أن أقول "الحمد لله".. وأن آخذ الأمر بلطف وهدوء، قال لي أحدهم: ادع عليهم، قلت في مودة خالصة وصافية "ربنا يهديهم".. هاج الرجل وصرخ في وجهي: "ربنا مش هيهديهم.. دول كذا وكذا".. (ألفاظ لا تصلح للكتابة) غير أني لم أكن ساخطا.. وهذا شيء عجبت له من نفسي.

وإلى هذه اللحظة لست بساخط عليهما، ولقد دعوت لهما طول الليل بالهداية وأن تكون آخر سرقاتهما، ولا أتخيلهما إلا فقراء يحتاجون المال، أو حتى مدمني مخدرات.. إنني أتخيلهما -لا أدري لم- ضحايا يستحقون التعاطف.

هذا رغم أن هذا الهاتف المحمول لم يمض معي سوى شهرين، بعد عناء مع سابقه الذي انتهى عمره الافتراضي فزادني رهقا، ولقد اشتريته أيضا برزق نزل من عند الله، ومن باب لم أتوقعه ولم يخطر لي على بال.

بعد اليأس من استرداده واصلت طريقي نحو المترو، وهناك أخرجت مائة جنيه كانت معي لآخذ تذكرة المترو.. لم يكن مع الرجل سيولة ولم يكن معي أقل من هذه المائة.. وإذا بشاب صغير ربما في أوائل العشرينات يدفع من نفسه تذكرة ثم يقول لي: هذه لك يا شيخ لكي لا تعطل نفسك ويضيع وقتك في الانتظار.

لا أعرفه ولا يعرفني، أدهشني جدا، وأدهشني إصراره وهذه اللفتة اللطيفة.. ربما رأى لحيتي فظن أني من الصالحين فكانت عاطفته أسبق من عقله، أو ربما غير ذلك.. إلا أنه موقف مسح نفسي وغسل قلبي ومنعني من الاحتفاظ بموقف السوء الذي كان قبل قليل..

في هذا اليوم.. رزقني الله بالكمبيوتر المحمول، وبالتعاطف، وبهذا الفتى اليافع.. وأخذ مني الهاتف المحمول..

فاللهم لك الحمد.. أعطيت بنعمتك وفضلك.. وأخذت برحمتك وحكمتك..
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 19, 2010 03:23

October 12, 2010

حمار الأعرابي الأحمق مات!!


روى ابن الجوزي في "أخبار الحمقى والمغفلين" أن أعرابيا مرض له حمار، فنذر لله إن شُفِيَ حماره أن يصوم عشرة أيام، فشُفيَ الحمار، فصام الرجل الأيام العشرة، فما إن قضاها حتى تُوفي الحمار، فنظر الأعرابي إلى السماء وقال: غررتني يارب، والله لأقضينها من رمضان!!

لقد ظن الأعرابي أن الصيام كُلْفة ومشقة، ولم يفطن إلى أنه مدرسة.. فلولا أنه كان من المغفلين للبث في حمد الله وشكره، وعبادته والصوم له إلى يوم يُبعثون.

لقد طَرَقَ الخاطرَ ونحن في آخر شوال أن شوال قد انتهى، ألا ما أبعد ما بينه وبين انتهاء رمضان، فكأننا في آخر شوال غير الناس الذين كانوا في آخر رمضان، وما بينهما إلا شهر واحد.

الصيام مدرسة، فيها التأديب والتهذيب والتربية، فكان الذين خرجوا من مدرسة الصيام أرق قلوبا وأطيب أفئدة، وأكثر إيمانا وأعمق يقينا.. ما يزال لسانهم رطبا من ذكر الله، وما تزال الوجوه تعلوها مسحة الإيمان ولمسة شفافة كتبها على الجباه قيام الليل.

فكيف تبدو الوجوه، ومن ورائها القلوب، بعد انتهاء شوال؟ أما كان حالنا في نهاية رمضان خيرا من حالنا في نهاية شوال؟

إني أربأ بمن عبدوا الله في رمضان أن يكونوا قد عادوا سيرتهم الأولى، فلم يخطر هذا بالبال أبدا، بل ما زال أثر رمضان في قلوبهم ووجوههم وأعمالهم، إلا أني أتحدث عن الفارق، والفارق واضح وملموس، يراه المرء في نفسه قبل أن يراه غيره فيه.

تلك العزيمة الرمضانية التي كانت تنصب أقدام المرء ساعات في صلاة القيام، لا يمل فيها من القيام ولا من سماع القرآن، فإذا دخل عليه الاعتكاف وَدَّ لو أن الدنيا تتوقف عن المسير، حتى إذا جاء اليوم الأخير رأيت الحزن باديا على الوجوه، ومحسوسا في انكسارة القلوب. ووالله لولا أن الله أمرنا بالفرحة في العيد لما استطاع المؤمن أن يفرح وهو يودع رمضان!

الآن، هذه العزيمة مفقودة، تأتي بعد جهاد ومعاناة، كأنما تُنْتَزع من بين أنياب الدنيا حيث الوقت ضيق والمشاغل كثيرة، والأرض جذَّابة، وهموم تطوف بالبال وتسكن الروح فكأنها لم تترك فيها فسحة لعزم من أهل السماء!!

في رواية أسمعها ولم أهتد لها في كتب الحديث، يروى أن النبي  قال: "لو تعلم أمتي ما في رمضان من الخير لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان"، وسواء صحت الرواية أو حتى كانت إحدى الحِكَم التي هي ضالة المؤمن يأخذها من أي فم خرجت، سواء هذا أو ذاك، فمعناها –حقا- دقيق، خرج من قلب استشعر أمر الصيام كما أراده الله للناس.

رجل رأى في الصوم مدرسة.. لا كهذا الأحمق صاحب الحمار!!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 12, 2010 06:55