أحمد عادل كمال مؤرخ الفتوحات الإسلامية على فراش الموت
لعلها اللحظة الأفضل في الكتابة عن المؤرخ الإسلامي الكبير أحمد عادل كمال، فهو يرقد الآن على فراش الموت، وتقول تجربة مع أيامنا هذه بأنه سيصير واحدا في سلسلة عباقرة الأمة المنسيين، الذين لا يكاد يعرفهم إلا القليل من الباحثين في التاريخ الإسلامي.
حتى كتبه التي بلغت من الجدة والتميز والتفوق حدا يجعلها "فتحا علميا" جديدا في مسيرة التاريخ الإسلامي لا يمكن العثور عليها الآن في الأسواق، وقد بذلت –وبعض الأصدقاء- مجهودا كبيرا في محاولة الحصول عليها كلها باءت بالفشل، وكان آخرها محاولة في معرض القاهرة للكتاب (يناير 2010) أسفرت عن نتيجة واضحة، بأن كتب هذا الرجل تكاد تكون هي الأخرى في فراش الموت.
(1)
يعرف أحمدَ عادل كمال صنفان من الباحثين؛ الأولون هم الباحثون في تاريخ الإخوان المسلمين، ويعرفونه بكتابه "النقط فوق الحروف".
والآخرون هم الباحثون في تاريخ الفتوحات الإسلامية، ويعرفونه بسلسلته "استراتيجية الفتوحات الإسلامية" التي صدر منها خمسة كتب هي على الترتيب: الطريق إلى المدائن – القادسية – سقوط المدائن ونهاية الدولة الساسانية – الطريق إلى دمشق – الفتح الإسلامي لمصر. ثم أطلسين آخرين يمثلان فتحا آخر في التأريخ الجغرافي الإسلامي هما "أطلس تاريخ القاهرة" و"أطلس الفتوحات الإسلامية" وهذان الأطلسان هما التراث الذي يمكن إيجاده بسهولة لأنهما من إصدارات دار السلام. وعلى هامش هذه الأعمال الفارقة وُلدت كتب أخرى مثل: سلسلة "من أعلام الفتوح الإسلامية" التي صدر منها: النعمان بن مقرن – طليحة بن خويلد – محمد بن مسلمة – عدي بن حاتم الطائي. ثم كتب أخرى أصغر مثل: "الجمهوريات الإسلامية بآسيا الوسطى منذ الفتح الإسلامي حتى اليوم"، و"جداول التقويم الميلادي / الهجري في سني الفتوحات الإسلامية"، و "الكويت من جزيرة العرب" و"علوم القرآن" و"حجر رشيد والهيروغليفية".
إلا أن المفارقة قائمة في أن شهرة أحمد عادل كمال بكتابه الوحيد "النقط فوق الحروف" باعتباره شاهد عيان على تاريخ النظام الخاص للإخوان المسلمين، أكبر بكثير من شهرته كمؤرخ إسلامي برغم هذه السلاسل العلمية.
(2)
بدأ أحمد عادل كمال حياته كشاب في التنظيم الخاص للإخوان المسلمين، ومن هنا بدأ ارتباطه وتعلقه بالعسكرية وعلوم الحرب، ولئن كان حادث فصله من جماعة الإخوان المسلمين في أزمة 1954م قد بدا شرًّا قبل أكثر من نصف قرن، فإن ذلك الحدث يبدو الآن من نعم الله عليه وعلى الأمة، فمنذ ذلك الوقت بدأ المشروع العلمي الفريد للأستاذ المؤرخ.
وهو مشروع ذهبت فيه طاقة الرجل وعمره، فلم يؤلف شيئا في غير الفتوحات الإسلامية أو ما حولها، اللهم إلا كتابه الشهير "النقط فوق الحروف" عن تجربة النظام الخاص للإخوان المسلمين كما رآها وشهد عليها.
لاشيء غير ترتيب الله تعالى الذي وضع الرجل في نشاط عسكري لمدة من الزمان، ثم انتزعه منه ليكتب عن العسكرية الإسلامية وتاريخها كتبا أستطيع أن أقول إنها بلغت الحد في النهاية، وأنها تمثل مرحلة تاريخية واضحة بين كل ما قبلها وما بعدها، ولا شك في أن الكاتب في موضوعها من بعد سيكون عيالا عليها، كما أن ما رآه المؤلف من جوانب النقص فيها إنما هو في باب التحسين والتجويد والإضافة، أما مجال التأريخ العسكري الجاد للفتوحات فهو باب فتحه هذا الرجل وقد كان قبله مغلقا.
تستحق مؤلفات أحمد عادل كمال أن تكون موضوعا لرسالة ماجستير أو دكتوراة، وقد نصحت صديقا بهذا، فلما انشرح صدره للفكرة وطرحها على أساتذته في الجامعة إذا بهم جميعا لا يعرفون من هو "أحمد عادل كمال"، وعليه ألقيت الفكرة في غابات النسيان. ترى كيف تكون مأساة أمة يجهل أساتذة التاريخ الإسلامي في واحدة من أكبر جامعاتها مؤرخا افتتح بابا جديدا في التأريخ؟؟
لقد شهد المؤرخ المعروف الذي طبقت شهرته الآفاق، الدكتور حسين مؤنس، باليد الطولى لأحمد عادل كمال، إذ كان صاحبنا هذا من ضمن من راجعوا نصوص وخرائط الفتوحات الإسلامية التي وضعها الدكتور مؤنس في كتابه الضخم الفريد "أطلس تاريخ الإسلام"، فأشار –كما يقول د. مؤنس- "بتعديلات كثيرة أدخلت ما كان يجب إدخاله على النص والخرائط منها، وشكرت له الجهد الكبير الذي بذله واليد الطولى التي أسداها إليّ"