محمد إلهامي's Blog, page 48

March 29, 2016

خلاصة تجربة نجم الدين أربكان

اقرأ أولا: موجز تجربة نجم الدين أربكان (1) موجز تجربة نجم الدين أربكان (2)
من بين كثير من الإنجازات للحركة الإسلامية بزعامة أربكان، يعد الإنجاز الرئيسي لها هو نقل الكتلة الإسلامية من ساحة المقهور المغلوب الذي غاية أمله دعم وتأييد الأقل سوءا بين الساسة إلى ساحة الفاعل المتحرك الموجود في خريطة السياسة كبديل وخيارحفلت حياة نجم الدين بأنواع المعاناة، وأولها معاناته من داخل الوسط الإسلامي، أول الأمر، إذ ووجه بذات الإشكاليات المتعلقة بشرعية تأسيس حزب والدخول في الساحة السياسية تحت ظل نظام غير إسلامي وانتهاج وسيلة الديمقراطية سبيلا للتغييرورغم مجيئ وفاته في لحظة من أكثر لحظات العالم العربي ارتباكا، وهي مطلع الثورات العربية، إلا أن اسطنبول قد ارتجت بجنازة هائلة حاشدة مهيبة، قصدها زعماء الحركات الإسلامية من كافة أنحاء العالم، وقطع  أردوغان زيارته لأوروبا ليشارك فيها وحمل نعش أستاذه، ومعه عبد الله جُل رئيس تركيا وقتها، فكان يوما مشهودا، يشهد لصاحبه بالمكانة التي تربع عليها في قلوب الجماهير.
لقد انتهت المسيرة السياسية لأربكان إلى السجن والحظر ولم يفلح حزبه الجديد في أن يجدد مسيرته ولا أن ينافس على السلطة ولا أن يكون رقما في معادلة السياسة، إلا أن أربكان نفسه ظل يحظى بتقدير عظيم داخل العالم الإسلامي جميعا، ولم تمنع طريقته الصوفية ولا دخوله العملية السياسية رموزا سلفية من الثناء عليه، بل لقد توسط له الشيخ ابن باز عندما سجن بعد الانقلاب العسكري لئلا يُعدم فاتخذ لدى الأتراك سبيلا عبر الرئيس الباكستاني الجنرال ضياء الحقولا يمكن فهم تجربة أربكان بغير فهم الساحة التركية، وافتراقها عن الساحات العربيةإن الدولة في العالم العربي أخذت أسوأ ما في النظاميْن: النظام السلطاني القديم ونظام الدولة الحديثة، فصارت تنتج فراعين مستبدين يمتلكون من الصلاحيات التي أتاحها نظام الدولة الحديثة ما لم يمتلكه فرعون نفسه، بينما كانت الدولة التركية برغم كل شيء هيكل نظام دولة حديثة حقيقي، لا تمتلك جهة بعينها تسيير كل الأمور أو التحكم في كل السلطات، كما أن موقع تركيا الجغرافي يجعلها دائما جزءا من معادلة السياسة الدولية، ما يجعل قرارها الداخلي غير خالص لها. ثم إن قسمة تركيا –بالحدود الحديثة التي أسفرت عنها معاهدة لوزان، وبالفكر الكمالي الذي سيطر عليها لزمن طويل- جعلتها دولة حافلة بالقلاقل والأزمات. كل هذا وغيره كثير يجعل السياسي التركي محاطا بعدد هائل من التعقيدات ومراكز القوى، يحتاج فيها إلى ذكاء وصبر وجلد لا يتأتى إلا لأفذاذ الناس.
إن النظر السطحي لتاريخ أربكان سيسفر عن أنه رجل بدأ قويا ثم ظل يتدرج في التنازل تلو التنازل حتى مات وليس بيده شيء ولا حقق نجاحا، بينما الدخول خطوة واحدة إلى ما تحت هذا النظر السطحي يكشف كم كان هذا الرجل ذكيا وجلدا وصبورا ومثابرا، وهو وإن لم ينجح –لأسباب تحتاج إلى الدراسة وقد نتعرض لها في مقالات قادمة- إلا أنه أول خطوة إسلامية قوية في حقبة الدولة التركية العلمانية.
يرى الكثيرون أن أردوغان كان نقيضا أو انقلابا على أربكان، وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن تجربة أردوغان ما كان لها أن تبدأ بحال بغير التمهيد الأربكاني، ويشبه هذا المشهد –بوجه من الوجوه- ما كان بين الرجلين الكبيرين: نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي، فالثاني من ثمرات الأول لكنه لا يشبهه، وحقق ما لم يستطع أستاذه تحقيقه، إلا أنه لولا نور الدين ما كان صلاح الدين ولا كان الأيوبيون جميعا، ولقد كان الخلاف بين الرجلين في آخر أيامهما مما سمح للثاني بمساحة استقلال مكنته فيما بعد من الحفاظ على إنجاز أستاذه وتطويره.
وهكذا تدور ساقية التاريخ، فالمستبد الذي يحرص أن يكون أتباعه ضعفاء معدومي المواهب يدورون في فلكه تنتهي تجربته بنهاية أمره، أما من يصطنع الرجال الأقوياء فثماره تنتهي مع نهاية آخر ثمرات رجاله، إلا أنه كثيرا ما يقع بين الأستاذ القوي وتلميذه القوى خلاف وتضاد، إلا أن التاريخ يغطي على هذا الخلاف لصالح الإنجاز الذي أثمرته مرحلة الأستاذ والتلميذ، فتذهب أخبار الخلاف في بطن الكتب حيث لا يعرفها إلا المتخصصون في التاريخ ويبقى الإنجاز تستفيد به الأمة كلها.
وتلك هي الصورة الآن، يرى معظم الناس أن أردوغان تلميذ أربكان وامتداد له وإكمال لعمله، وقليل منهم من يعرف ما كان بينهما من الخلاف والتضاد، وكلما سارت أيام التاريخ كلما ترسخ الإنجاز وضعف ذكر الخلاف.
نشر في تركيا بوست


Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 31. بسلي وأوزباي: قصة زعيم ص42، 43. Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 40. بسلي وأوزباي: قصة زعيم ص41. منال الصالح: نجم الدين أربكان ص98، 118. د. عبد المحسن الزكري، مقطع فيديو، الرابط: https://goo.gl/2NLPnP حازم أبو إسماعيل، مقطع فيديو، الرابط: https://goo.gl/w3P163 انظر: فوارق رئيسية بين التجربتين التركية والعربية (الجزء الأول، الجزء الثاني)
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 29, 2016 07:05

March 25, 2016

إشكاليات الجماعات التقليدية والصاعدة في مصر

يمكن تقسيم القوى الإسلامية المناهضة للانقلاب العسكري في مصر إلى قسمين: القوى التقليدية، والقوى الجديدة أو الصاعدة.
وإلى لحظة كتابة هذه السطور لا يبدو أن ثمة تعاونا، أو حتى تحالفا حقيقيا قويا، بين هذين القسمين، إلا أن الحالة العامة تشهد موجة أخرى من السيولة التي تعيد تشكيل الخريطة الحالية، لا سيما في الوقت الذي تكثر فيه المناطق الساخنة المحيطة بمصر، وخصوصا ليبيا وسوريا، مع ما استجد على الساحة نفسها من عاصفة مواقع التواصل الاجتماعي التي تصنع حالة فكرية إسلامية عامة تجعل احتكاك الأفكار الإسلامية في أشد حالاته ربما منذ نشأة الجماعات الإسلامية كلها في مطلع القرن العشرين.
ومما يجدر قوله قبل البدء، أن رصد هذه الحالة يكاد يختفي تماما من الأبحاث والدراسات العربية بينما تهتم مراكز الأبحاث والصحافة الغربية برصده والتعرض له، ويعد تقرير كارنيجي –الصادر في 21 أكتوبر 2015- أفضل ما نُشِر في رصد هذه الحالة في حدود ما نعلم.
***أولا: القوى التقليدية
1. الإخوان المسلمون
وهي الأكثر أموالا وأولادا، والأوسع انتشارا في الساحة المصرية كما هو معروف، ومنذ بدأت الثورة المصرية والجماعة تمثل طليعة الحالة الإسلامية في كافة مراحل الثورة، وكانت تُعَلَّق عليها الآمال في تحقيق أوضاع أفضل بكثير إن في سنة الحكم أو بعد الانقلاب على د. محمد مرسي والذي كان عضوا بمكتب الإرشاد (هيئتها العليا) ورئيس الحزب السياسي المنبثق عنها.
لكن الجماعة الآن تشهد حالة ضخمة من الانقسام الداخلي، هو في أحد أهمّ وجوهه اختلاف بين مقاومة الانقلاب أو الالتزام بالسلمية، وتبدو الحالة الراهنة كأن فريق المقاومة يضم غالبية الشباب –الذين هاجر بعض منهم إلى جماعات جهادية أخرى لتأخر قيادة الجماعة في اتخاذ قرار المقاومة- بالإضافة إلى المنافذ الإعلامية الرسمية للجماعة، بينما يضم فريق الالتزام بالسلمية من بقي من القيادات التاريخية وهم في نفس الوقت من يحتكرون أموال الجماعة. وقد صار هذا الانقسام علنيا في الأشهر الستة الأخيرة وبلغ مستويات غير مسبوقة في تاريخ الجماعة المصرية. وقد رُصِد هذا الانقسام منذ وقت كبير من قبل عدد من المراكز البحثية الغربية، وبعضها صارت تعطي التوصيات علانية للقيادات التاريخية بأن تلتزم السملية وتكبح جماح الشباب وتضغط عليهم بورقة التمويل والشرعية التاريخية.
ويبدو أن هذه التوصية قد تحققت بالفعل، فقد نشرت بعض المكاتب الإدارية للمحافظات التي أبدت دخولا على طريق مقاومة الانقلاب، نشرت بيانات تعلن فيها توقف الأموال المستحقة الوصول لها عن طريق الجماعة بما في ذلك الأموال المرصودة للإنفاق على عائلات الشهداء والمعتقلين، وهذا بخلاف الروايات الشخصية المتواترة التي تتسرب بين صفوف الشباب وبعضها صار ينشر على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كما شهدت المنافذ الإعلامية الرسمية وغير الرسمية والسرية حربا من البيانات المتبادلة بين الفريقيْن التي عملت على "شرعنة" موقفها لائحيا في سجال مستمر أشبه أن يدور في أورقة قسم الفتوى بمجلس قضايا الدولة المختص بتفسير اللوائح.
كذلك لم تفلح عدد من مبادرات المصالحة التي قادتها أطراف داخلية (البرلمانيون) وخارجية (قيادات تحالف دعم الشرعية) وعلمائية (الشيخ القرضاوي ومجموعة من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في تخفيف هذا الانقسام.
وقد عاد هذا كله بالضعف على الحراك الثوري، وظهر هذا بأوضح صوره في مرور ذكرى 25 يناير الخامسة بحراك هو الأضعف منذ الانقلاب العسكري.
2. الجماعة الإسلامية
انكمش تأثير الجماعة الإسلامية على الساحة المصرية منذ الضربات الأمنية القاسية التي انتهت في منتصف التسعينات، ولا تملك الجماعة الآن على الحقيقة تنظيما قويا في مصر، وإنما تملك رموزا لها احترامها في الوسط الإسلامي كما تملك شرعية تاريخية ونضالية كبيرة. صحيح أن الجماعة من حيث وجود تنظيم تعد الثانية بعد جماعة الإخوان المسلمين إلا أن الفارق كبير للغاية في كل شيء: الأعداد وقوة التنظيم والكوادر المؤهلة ونسبة الشباب. وتظل قيمة الجماعة في قدرتها على التوجيه والتجييش أكثر من قدرتها على العمل المنظم على الأرض، لطول ما انقطع ما بينها وبين العمل في الواقع المصري، ولأن معظم كوادرها لم يعودوا من الشباب، كما أنهم –إن لم يكونوا من المطاردين خارج مصر- فإنهم من المعروفين لأجهزة الأمن المصرية مما يعطل قدرتهم على العمل المؤثر، لكنهم يستطيعون أن يكونوا في صفوف الدعم المعنوي واللوجيستي أفضل.
ومنذ بداية الانقلاب العسكري تمسكت الجماعة بموقفها الرافض لأن تتصدر لمسألة مقاومة الانقلاب، وحجتهم في هذا أنهم لن يكرروا الخطأ القديم في التقدم على الصف الإسلامي (الإخوان في هذه الحالة) مما يترتب عليه تبرؤ الآخرين من "العنف والإرهاب" كما كان سابقا، وتدفع الجماعة وحدها هذا الثمن.
يجادل آخرون بأن هذا العذر وإن كان صحيحا في نفسه إلا أنه نظري أكثر منه عمليا، وذلك لافتقاد الجماعة القدرة في هذه المرحلة على إعادة التسعينات من جديد، إن على المستوى النفسي (تقدم القيادات والكوادر في السن) والفكري (بعد زمن المراجعات وتوقف ظهور إنتاج فكري جديد) أو على مستوى التسلح والانتشار وقوة التنظيم (بعد الضربات الأمنية وانكشاف التنظيم وانقسامات القيادة).
والمآل العملي أن الجماعة الإسلامية ظلت حريصة على تبني الموقف العلني بمناهضة الانقلاب، والالتزام بالمعارضة السلمية، فظلت –رغم ضغوط أمنية متصلة- طرفا في تحالف دعم الشرعية وفي الظهور على القنوات الإعلامية المناهضة للانقلاب، ونالت بعض قياداتها حظا من الاعتقال والتعذيب أسفرت عن استشهاد زعيم الجماعة الإسلامية عصام الدين دربالة.
3. الجماعات الجهادية
ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة للجماعات الجهادية القديمة في مصر عن حال الجماعة الإسلامية، ولئن كان بعض كوادر الجماعة الإسلامية يستطيعون العمل في المجال الدعوي أو الخيري فإن هذا الباب لا يناسب كوادر الجماعات الجهادية لا فِكْرًا ولا إمكانية، لكل هذا فإن أغلب الكوادر الجهادية القديمة إما صارت منعزلة ومنطوية على نفسها في مصر، وإما صارت في المهجر أو في ساحات الجهاد التي مثَّلت قوة جذب جديدة للكوادر التي استطاعت الخروج من مصر.
وبشكل عام فإن الجماعات التقليدية التاريخية تعاني الآن من عدة أمور أهمها:-       جمود الأفكار وعدم القدرة على التطور وملاحقة الواقع المعاصر.-       ندرة أو انعدام القيادات المؤثرة التي تستطيع تحريك الأتباع.-       الفقر في عنصر الشباب الذي صار الآن يسبق الشيوخ والقيادات أو حتى لا يعرفهم أو صارت معرفته بهم على نحو غامض وتاريخي ينتمي إلى الماضي المثير للإعجاب أكثر منه انتماءً يثير القدوة والاتباع.
إلا أن هذه الجماعات ذاتها إذا ما أتيح لها دعم سياسي مطمئن فإنهم يستطيعون أن يُحدثوا حالة من الحراك الفكري والمعنوي والإعلامي، إذ لا تزال رموزهم التاريخية قادرة على إثارة الكثير من الشباب إذا ظهروا ولو لمجرد سرد تاريخهم وحكاية تجربتهم. وإذا ما أتيح لهم هذا الدعم السياسي فإنه يمكنهم اتخاذ خطوات أكثر جرأة وتحقيق بعض النجاحات الملموسة ولكنها ستكون أقل من المتوقع لمن يحوز على هذا الدعم لما تقدم من الأسباب. كذلك فإن المأزق الفكري الذي تعيشه هذه الجماعات يسهل من إمكانية توجيههم سياسيا.
***ثانيا: القوى الصاعدة
تشهد مصر كما تشير العديد من التقارير البحثية الأجنبية انفجارا في الحركات الثورية الصاعدة، ولا يستطيع أحد أن يحصي على وجه التحديد أو التقريب عدد هذه الحركات ولا تأثيرها المستقبلي، لأن انفجار الأوضاع في مصر وما تبعه من حالة قهر عام بعد حالة ثورية يؤدي إلى نمو مجموعات لم تكن معروفة وليس لها سجل سابق في الثورية.
وقد كشفت التحقيقات الأمنية في المعتقلات، وبعضها أتيح لمراكز بحثية واستفادت منه في نشر تقاريرها، أن مجموعات من الشباب ينظمون أنفسهم ويبدؤون من الصفر بطريقة التجربة والخطأ، وفي كثير من الأحيانات انفجرت بعض القنابل البدائية الصنع فيمن يصنعونها لضعف خبرتهم، وأحيانا انفجرت في سيارتهم قبيل تنفيذهم لعملية في قسم الشرطة بمدينة 6 أكتوبر غرب القاهرة، وبعض هذه المجموعات أوقع بها لضعف قدرتهم على التخطيط أو السرية.. وحتى لحظة كتابة هذه السطور لا تزال قوات الأمن تعتقل مزيدا من الشباب الذين يُعلن عن تكوينهم مجموعات "إرهابية". وتعد هذه المجموعات هي الخطر الحقيقي في المستقبل لأنها تظهر فجأة وبغير توقع مسبق، كما أن كونهم من الشباب يتيح لهم استعمال الانترنت والتواصل فيما بينهم بطرق حديثة ومبتكرة لم تدخل بعد تحت السيطرة الأمنية.
أما المجموعات الكبرى التي ظهرت وبدأت في مواجهة السلطة المصرية فتنقسم إلى:
1. تنظيم الدولة الإسلامية (سيناء، مصر)
وهم في الأصل جماعات جهادية معتدلة، وكانت عملياتها تتوجه حصريا إلى إسرائيل، حتى وقع الانقلاب العسكري وشنت السلطة المصرية حملة أمنية في غاية الشراسة على أهل سيناء بدعم كامل وعلني من الإسرائيليين، فحولوا هدفهم إلى السلطة المصرية، وقد وفرت لهم السياسة الأمنية حاضنة شعبية قوية في ظل الطبيعة القبلية لأهل هذه المنطقة مع الجغرافيا الوعرة ومع كونها منطقة حدودية تنتشر فيها عصابات التهريب وتجارة الأسلحة والمخدرات والأعضاء البشرية واللاجئين كذلك. فأنتجت هذه الظروف وغيرها شبكة من العلاقات القبلية والاقتصادية دعمت جماعة أنصار بيت المقدس فاستطاعت القيام بأقوى العمليات على الإطلاق ضد الجيش المصري ومعسكراته في سيناء.
ويمثل نمو القدرة القتالية لقوات غير نظامية مصرية تطورا غير مسبوق في التاريخ المعاصر المصري، فالعمليات في سيناء تجمع بين ثلاثة أنواع معا؛ الأول: إرهاب المدن كما يسمى في الدراسات الأمنية، ويعني ضرب أهداف مدنيَّة سهلة داخل المدن عبر العبوات والمفخخات والانتحاريين وعمليات الاغتيال. والثاني: تكتيكات العمليات الميدانية لحروب العصابات والتي تشمل عمليات الكر والفر مع محاولة السيطرة على الأرض لفترة محدودة بتشكيلات قليلة العدد وخفيفة التسليح وتجنُّب المواجهة المباشرة طويلة أو متوسطة المدى. أما النوع الثالث -وهو جديد في الحالة المصرية- فهو أشبه بتكتيكات وعمليات ميدانية للقوات النظامية الخاصة؛ حيث يتم استخدام خليط من المدفعية الثقيلة والخفيفة والصواريخ الموجهة وغير الموجهة والقنّاصة؛ لدعم تقدم أو انسحاب تشكيلات مشاة من عشرات أو مئات المسلحين، وبهذا تكون هذه الجماعة هي "أقوى تنظيم عسكري غير تابع للدولة في تاريخ مصر المعاصر"في ديسمبر 2014 أعلنت جماعة بيت المقدس أنها بايعت أبا بكر البغدادي وصارت جزءا من "الدولة الإسلامية" واتخذت اسم "ولاية سيناء"، والمرجح أن هذه الخطوة إنما كانت للحصول على مزيد من الشعبية في مصر وللحصول على ما يمكن من التمويل الذي قد توفره "الدولة الإسلامية" من الأموال أو الرجال أو السلاح أو الخبرة. وذلك أن شعبية "الدولة الإسلامية" تتصاعد في مصر بين الشباب، في ظل ما هم فيه من ضغط أمني كبير وانتفاء وجود حركة قوية تتصدر للمقاومة، وقد تزامن هذا مع الصعود والتمدد الكبير الذي حققه تنظيم "الدولة" في العراق وسوريا، والذي دعمه بإصدارات فنية عالية المستوى تؤثر في الشباب تأثيرا ملموسا.
إلا أن خطاب "ولاية سيناء" ما زال خطابا "معتدلا" بالنسبة إلى خطاب تنظيم "الدولة الإسلامية" وهو لا يتوجه بالتكفير إلا إلى العاملين في السلطة والجيش المصري، ولا يتعرض بالتكفير للفصائل الإسلامية الأخرى، وليس في خطابه ما يستعديهم أو يشوه صورتهم، ولذلك ينقسم الشباب الإسلامي حوله في مصر، فالمؤيدون لتنظيم الدولة يرونه جزءا منهم لا فرق بينه وبين قيادته في العراق والشام، والذين يعارضون تنظيم الدولة يلمسون الفارق في الخطاب والسياسة ويركزون عليها، ويؤيدونه في مواجهته للسلطة المصرية.
وبالعموم فإن "ولاية سيناء" مهما تعاظمت قوتها في سيناء لكنها تظل بعيدة عن التأثير في مجرى السياسة المصرية، لأن الدولة المصرية شديدة المركزية وتكاد تُخْتَزَل في القاهرة، ولهذا فإن عملية صغيرة في القاهرة تحدث من التأثير ما لا تحدثه عملية كبيرة في سيناء أو في الأطراف البعيدة.
2. مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة (أجناد مصر، المرابطون)
وأهم هذه المجموعات التي ظهرت للعلن مجموعتان: تنظيم أجناد مصر، وكان يقوده همام عطية إلى أن قُتِل في اقتحام للأمن المصري، ومن بعدها خفت شأن التنظيم لكنه كان يقدم خطابا جهاديا معتدلا وهو أول تنظيم ينفذ عمليات في قلب القاهرة وفي قلب المناطق السكنية، ولكنها كانت عمليات نوعية تقتصر على الشرطة ولا يُصاب فيها المدنيون، وأعلن التنظيم في أكثر من بيان أنه ألغى بعض عملياته لتواجد مدنيين في موقع العملية، وخرج لقائده حوار وحيد قبل أن يُقتل، وكان طرحه فيه هادئا ومتماسكا ومعتدلا.
ثم ظهر بعد وفاته تنظيم آخر "المرابطون"، ويقوده ضابط صاعقة مصري سابق اسمه "هشام عشماوي"، ويوصف عشماوي بأنه من المتميزين في صفوف الصاعقة المصرية، والأنباء المتداولة التي يصعب التحقق منها بشكل مؤكد تفيد أنه انشق عن جماعة أنصار بيت المقدس حين أعلنت البيعة لتنظيم الدولة الإسلامية واتخذت اسم "ولاية سيناء"، وقد أصدر عشماوي حتى الآن نداءيْن أفاد فيهما أنه يمثل تنظيم القاعدة في مصر، ودعا الشباب للانصمام إلى المقاومة بتنفيذ عمليات وإرسالها إلى عنوان بريدي على الانترنت، وصرح بأن هذا سيكون أسلوب العمل الجديد في مقتبل الأيام.
وبشكل عام فإن هذه الجماعات الجهادية تعيش فترة انتعاش إعلامي ومعنوي، وقد رصدت مراكز الأبحاث وحتى تحقيقات الأجهزة الأمنية إقبالا عليها وهجرة إليها من صفوف شباب التيارات التقليدية التي لم تزل تراوح مكانها. كما تمثل الحالة الثورية السائلة التي تتعاظم وتكثر مددا مستمرا لهذه الحركات التي يتوقع أنها ستستطيع في قابل الأيام تنظيم صفوفها وتأمين الانضمام إليها وسهولة الوصول إلى الشباب الموجودين في منطقة الحالة الثورية السائلة. وقد شهدت الشهور الأخيرة في مصر تمدد "تنظيم الدولة الإسلامية" ليتبنى عمليات في القاهرة، مما يؤكد هذه الفرضية المطروحة بأن الأيام القادمة ستشهد مزيدا من الحركة النوعية الأكثر خبرة وتنظيما، وأن تيار الحالة الثورية سيؤول إلى صفوف التنظيمات الجهادية.
وبالعموم فإن الحالة الجهادية "المصرية" أكثر اعتدالا من التجارب الجهادية الأخرى لطبيعة الشعب المصري نفسه وطبيعة الجغرافيا المصرية، ومن المشهور في تحليلات الجنسيات في صفوف الحركات الجهادية أن المصريين يكونون الأقل غلوا.
إن كلا من الجماعات التقليدية والقوى الصاعدة يمكن أن تحقق بالدعم السياسي وغيره تغييرا في المشهد المصري، وهذه بشكل عام تمثل فرصة لمن يريد الدخول على خط الملف المصري.
لكن القوى الصاعدة تبدو الأفضل من حيث وفرة كوادرها من الشباب، ومرونتهم الفكرية والحركية التي تمكنهم من اتخاذ خطوات جريئة، ولم تزل ضعيفة التأثر بالنمط شديد التطرف كما في حالة "تنظيم الدولة" في الشام والعراق، إلا أن طول الوقت قد يحملها على هذا التشدد لا سيما مع استمرار الضغط الأمني العسكري المتصاعد في سيناء، ونستطيع أن نلمح بعض بوادر هذا في دفع جماعة أنصار بيت المقدس إلى استعمال راية "تنظيم الدولة" والذي ستسرب لها –مهما تأخر الوقت- ما لدى التنظيم من غلو وتطرف شديد. ولا يخفي عدد من المحللين الأمريكان أن الأمور قد تصل إلى هذا المسار، إذ أن من أهداف "داعش" دفع مصر إلى الفوضى لكسب المزيد من الأعضاء والكوادرفماذا تحتاج الكيانات الجديدة؟
تحتاج أمريْن بشكل أساسي: الدعم السياسي، والدعم المالي.
وهكذا تبدو مصر في هذه اللحظة، وربما أكثر من أي وقت مضى، رهينة بنتائج معادلات التفاعل بين الإرادات المختلفة في الحالة الإقليمية، والتي ربما تكون دولا أو حتى فواعل تحت الدولة.نشر في المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية 

د. عمر عاشور: تنظيم ولاية سيناء الصعود العسكري والآثار السياسية، (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 29 يوليو 2015م). Noah Feldman: How Islamic State Pushes Egypt Toward Chaos, (Bloomberg View, 20 Aug 2015). Shadi Hamid: Sisi’s Regime Is a Gift to the Islamic State, (Foreign Policy, 6 Aug 2015).
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 25, 2016 14:23

أسطورة المجاهدين .. أحمد ياسين

كان كُثَيِّر بن عبد الرحمن الخزاعي شاعر فحل، وهو من أشهر شعراء العرب لما أنشده في محبوبته عزة حتى لقد عُرِف باسم "كُثَيِّر عزة"، وكان ضعيفا نحيفا قصيرا حتى وصفته كتب التراجم بأن طوله لا يتعدى ثلاثة أشبار، إلا أنه كان من صلابة النفس وقوة القلب بمكان يعرفه كل من قرأ قصة حبه.
دخل كثير يوما على عبد الملك بن مروان فاندهش لما رآه على هذه الحال، فأنشد كثير يقول:
ترى الرجل النحيف فتزدريه .. وفي أثوابه أسد هصورويعجبك الطرير إذا تراه .. فيخلف ظنك الرجل الطريربغاث الطير أطولها رقابا .. ولم تطل البزاة ولا الصقورخشاش الأرض أكثرها فراخا .. وأمُّ الصقر مِقْلاةٌ نزوروقد عَظُمَ البعير بغير لبٍّ .. فلم يَسْتَغْنِ بالعِظَمِ البعيريُنَوَّخ ثم يُضرب بالهراوى .. فلا عرفٌ لديه ولا نكيرولئن كان كثير أجاد تصوير الأمر بموهبة شعره، فإن حديثنا اليوم عن رجل جعل الصورة حقيقة حية، كتبها بدمه، فجدد مسيرة المجاهدين الكبار الذين كان أولهم عند عبد الله بن أم مكتوم، ذلك الذي حمل الراية يوم اليرموك وهو أعمى ليكثر سواد المسلمين.
(1) أمة كالغيث.. يتتابع ولا ينقطع!
تلك أمة لا تموت.. بل يجدد المجاهدون فيها سيرة بعضهم، فلا يسقط مجاهد شهيدا إلا ويولد مجاهد ينتظر أن يكون شهيدا..
وُلِد أحمد ياسين بعد شهور من اغتيال الشيخ عز الدين القسام، أهم مقاوم للاحتلال الإنجليزي في فلسطين، وقد عايش وهو في الثانية عشرة من عمره ذروة النكبة الإسلامية الحديثة، التي هي سقوط فلسطين بيد اليهود المدعومين بالقوة الصليبية والمحاطة بالدعم الصليبي في البلاد العربية المحتلة المحيطة بها: مصر والأردن وسوريا، وبهذا يكون وعيه قد تفتح في لحظة من أقسى اللحظات التي مرت على الأمة الإسلامية.
وعلى الرغم من أنه أصيب بحادث أثناء ممارسته للرياضة أسفرت عن شلل كلي وهو في الرابعة والعشرين من عمره؛ فإنه أكمل تعليمه وعمله بالتدريس؛ بل صار أشهر خطيب في غزة، فكان شوكة في حلق الاحتلال ودعمًا وسندًا لأهالي الشهداء والمعتقلين؛ بجمع التبرعات التي تحولت إلى أكبر جمعية خيرية في غزة، إلا أن الأهم في مسيرته هو تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وإذن، فلقد كانت حياة أحمد ياسين هي ذاتها عصر العسكر في العالم العربي، أو هو عصر استيلاء عملاء الاحتلال على السلطة، وهي أسوأ لحظة مرت على الأمة الإسلامية عبر تاريخها، أسوأ من زمن الاحتلال نفسه.
ولئن كان كثير ممن أحيوا ذكراه قد سردوا قصة حياته، فقد آثرت أن أكتب ما قد يغيب عن كثيرين تذكُّره، وهو: خلاصة تجربة وأفكار الشيخ الشهيد أحمد ياسين، معتمدين في ذلك على الاقتباس من مجموعة حلقات "شاهد على العصر" التي بثتها قناة الجزيرة، والتي طبعت بعد ذلك في كتاب "أحمد ياسين شاهد على عصر الانتفاضة".
(2) الجيوش العربية وحكم العسكر
روى الشيخ أن الجيوش العربية كانت هي السبب في نكبة فلسطين، وذلك أنهم لما دخلوا إلى فلسطين كانوا يسحبون السلاح من الناس لئلا تكون في البلاد قوة غيرهم، فإذا جدَّ الجدّ وجاء وقت القتال مع اليهود انسحبوا وترك الناس وراءهم عزَّل من السلاح يواجهون مصيرهم، فكان اليهود يرتكبون مذبحة في قرية (صارت بلا سلاح) فيخيف هذا أهل القرى التي حولهم فينسحبون منها، وهكذا تمَّ لهم الاستيلاء على فلسطين بطريقة لم يكن ليتوقعها أحد.
لقد كانت المعارك سجالا بين الفلسطينيين واليهود، ينتصرون وينهزمون رغم الفارق الكبير في الأسلحة، ولكنهم يستعملون أسلحتهم في الدفاع عن أنفسهم أو في تنظيم هجمات على المستوطنات، أما بعد دخول الجيوش العربية فلم يكن إلا الهزائم.. والهزائم فقط.
ولهذا لم يعقد الشيخ أمله أبدا على الجيوش العربية في تحرير فلسطين، وإنما تركزت فكرته على تسليح المجاهدين، وهو يجزم بأن الجيوش العربية لو لم تدخل إلى فلسطين واكتفت بتقديم السلاح لتغير وجه المعركة تماما.
وروى الشيخ عددا من مشاهد بسالة المجاهدين المتطوعين من الإخوان المسلمين وغيرهم، وكيف أن أوامر الانسحاب لم تكن تأتي من قيادة المعارك بل كانت تأتي من قيادة الجيوش –وهي قيادة بريطانية- حتى لو كان الوضع على الأرض هو وضع انتصار صنعه المجاهدون المتطوعون!
كما روى عددا من مشاهد بسالة الجنود المقاتلين الذين قتلتهم قرارات السياسة في أرض المعركة، فذكر أن قائد سفينة حربية استطاع مناورة طائرة إسرائيلية حتى نجا بسفينته، وذكر أن من المشاهد المتكررة في نكبة 1967 أن ترى اثنين من الجنود يقاتلون ويصمدون في موقعهم أمام هجوم الدبابات والطائرات حتى ينالون الشهادة ولا يستسلمون!
إلا أن هذه الطاقات أبيدت وانتهت بسبب السياسة، فعبد الناصر الذي دفع بالأمور إلى حرب 1967 هو نفسه الذي قال –كما روى الشيخ أحمد ياسين- في خطبة أمام المجلس التشريعي الفلسطيني في مصر: "اللي بيقول لكم عنده مخطط لتحرير فلسطين بيكذب عليكم، وأنا قلت.. وأنا بأقول لكم.. إن قلت لكم عندي مخطط لتحرير فلسطين بأكذب عليكم"، وكان يرد بهذا على الملك حسين الذي قال: "لابد من مخطط عربي شامل ومدروس لتحرير فلسطين".
ثم يعَلِّق الشيخ على هذا بقوله: "طيب أنت اليوم قبل سنتين بتقول ما عنديش مخطط، وبعد سنتين صار مخطط وتواجه إسرائيل وبتجيب جيشك في سيناء، هو مش مستعد للمعركة، فالحقيقة يعني كان دخول غير مرتب، غير مستعد، غير مهيأ للمواجهة، وكانت النكبة زي ما أنت شفت يعني فادحة خالص، شفت في ست أيام تنتهي كل القوات اللي دخلت سيناء، كل الدبابات كل الإمكانات مش موجود، يعني يمكن كان عندنا من مقاتلينا اتنين تلاتة في بيت.. بيت!! بيهاجموه بالدبابات وبالصواريخ، بيقعدوا 24 ساعة.. و 48 ساعة مش مِسَلِّمين إلهم".
(3) مواجهة الاحتلال
يروي الشيخ أن الاحتلال يبدأ في محاربة الناس بالحرب النفسية، وذكر أن الإسرائيليين قبل دخولهم إلى مكان يطلقون المنشورات التي تقول "سلِّم تسلم"، وقال بأنهم جمعوا الناس يوما في الساحة وقالوا: "سلموا أسلحتكم، ونحن سنفتش البيوت، والبيت الذي نجد فيه سلاحا سنهدمه". ثم دخلوا بيتين وفجروا فيهما قنبلتين صغيرتين، ففجروهما، فهدموهما، فلما رأى الناس هذا خافوا وأحضروا أسلحتهم وسلموها.
ويشير الشيخ إلى أن الاحتلال يريد أن يعامل الناس فرادى لا جماعات ولا في كُتَل، وبهذا يسهل له السيطرة عليهم.وكان من عبقرية الشيخ رحمه الله أنه يحول المطاردين إلى عبء على المحتل، فيذكر أن واحدا من تلاميذه كان مطاردا فكان يقول له: أنت مطارد لم لا تعمل كل يوم عملية؟! فقال الشاب: ليس معي إلا هذه القنبلة! وفعلا حاصروه في مستشفى الشفا وجرت بينهما مواجهة فألقاها عليهم فقتلوه ومنعوا الإسعاف حتى استشهد نزفًا!
السؤال الآن: ترى لو كنا فقهنا دروس الشيخ هذه، هل كان ليحدث الانقلاب في مصر بهذه الصورة، وهل كان بالإمكان أن يحدث في رابعة ما جرى؟!
على كل حال، انتهت مساحة المقال ولم تنته الدروس، وإن شاء الله تعالى نكمل في المقال القادم خلاصة الشيخ في تأسيس حركة المقاومة وفي التعامل مع السلطة العميلة وفي التعامل مع عملاء الاحتلال.
نشر في ساسة بوست


الطرير: عظيم الجسم، بُغاث الطير: أي الطيور الأليفة، البُزاة: جمع بازي من طائفة الطيور الجارحة، مقلاة نزور: قليلة البيض.والمعنى: أن عظمة النفوس لا علاقة لها بالأجساد، فقد يحتوي النحيف على قلب أسد هصور، ويحتوي السمين على قلب جبان ضعيف، كما تطول أعناق البط والأوز فيما تقصر أعناق الصقور، وكما تكثر فراخ الدجاج والحشرات وتقل فراخ الصقور، وهذه الجمال عظيمة الأجساد لكن يتحكم فيها الإنسان البسيط فيقيمها ويقعدها بالضرب وهي لا تستنكر ولا تقاوم.
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 25, 2016 02:39

March 22, 2016

موجز تجربة نجم الدين أربكان (2)

اقرأ: موجز تجربة نجم الدين أربكان (1)
سُمح بتأسيس الأحزاب (1983م)، فأسس أربكان حزب الرفاه (19 يوليو 1983م) من موقعه في الظل والحظر، إلا أن الحزب لم يُسمح له بخوض انتخابات (1983م) فذهبت أصوات قاعدة الحزب إلى تورجت أوزال وحزب الوطن الأم، وهو ما أدى إلى نقصان أصواته في انتخابات (مارس 1984م) إذ لم يحقق سوى 4.4%، وقد ذهب أربكان خطوات أخرى نحو التقاطع مع العلمانية بدلا من مصادمتها وصكَّ مصطلح "العلمانية الحقة" ويقصد بها التي لا تعادي الدين ولا تهيمن عليه بل تقف منه على الحياد، وابتعد عن وصف حزبه بالإسلامي مغلفا إياه بخطاب إصلاحي أخلاقيانهار التحالف الحاكم بين حزبي الطريق القويم بزعامة تانسو تشيلار وحزب الشعب الجمهوري بزعامة دينيز بيكال، فأجريت انتخابات مبكرة (ديسمبر 1995م) فحصد الحزب 21.38% (158 مقعدا)، وفي ظل عجز الأحزاب الأكبر عن التفاهم صار أربكان نائبا لرئيس الوزراء ثم رئيسا للوزراء على رأس حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيلارجاء أربكان في وقت عصيب، كانت حملة العسكر على الأكراد مستمرة وهم يسحبون السياسة في طريقهم لتكون الحرب على الإرهاب هي الأولوية الأولى أو حتى المهمة الوحيدة، وكانت "الدولة العميقة" تدير هذه الحرب بمستوياتها السرية التي تشيع الاغتيالات والتعذيب وكافة ما هو غير قانوني، وفي نفس الشهر الذي تولى فيه أربكان الحكومة (يونيو 1996م) وقعت حادثة سوسورلوك التي بدأت تتكشف بها خيوط بعض هذه الأعمال القذرة وصارت تُنْشَر في الصحافة وتُواجَه بها الحكومة التي لم تكن تستطيع بحال أن تفعل حيال ذلك شيئاوفي سياق آخر ذهب أربكان في طريق تغيير تركيا، فاتخذ خطوات جريئة من أهمها: تأسيس مجموعة الدول الصناعية الإسلامية الثمانيةفي اجتماع دوري لمجلس الأمن القومي (28 فبراير 1997م)  أُبْلغ أربكان ونائبته تانسو تشيلار من قبل هيئة الأركان بأن تركيا صارت تحت خطر الرجعية الدينية المهددة لوحدة البلاد، وقدموا قائمة بالإجراءات المطلوبة من الحكومة، وهي تتلخص في ضرب التيار الإسلامي: أموالا وإعلاما وتعليما، وإنشاء هيئة برئاسة نائب رئيس الأركان تشرف على التنفيذ، وبعد أيام من الضغط العنيف أجبر أربكان على الموافقةأسس أربكان حزبا جديدا، هو حزب الفضيلة، بمن لم يشملهم الحظر السياسي، وكان برئاسة صديقه محمد رجائي طوقان، واعتمد خطابا أهدأ وأقل من خطاب الرفاهومهما كانت أسماء الأحزاب المختلفة فإن الفكر الإسلامي السياسي ظل كما هو، يُعرف بـ "الفكر الوطني" التي ترى في أن أساس النهضة هو التمسك بالإسلام كهوية والاكتفاء بأخذ ما لدى الغرب من تقنية فحسب مع اعتماد صناعة وطنية تؤسس لوجود حقيقي على الساحة العالمية ورفع سيطرة الدولة على الدين، وحيث كان الحزب ممثلا لهوية جامعة فقد جمع تحته أطيافا هي "تناقضات" من منظور العلمانية التركية، فاجتمع تحت سقفه عدد من الجماعات الإسلامية مع قاعدة شعبية من العمال والقرويين والتجار وأصحاب رؤوس الأموال الصغيرة من الفئات المحافظة، مع عناصر من البرجوازية الصغيرة وقاطني المدن والعاملين في جهاز الدولة، وكان جمهور الحزب هو تلك الجماهير القروية الريفية المتدينة المقهورة تحت سياسات العلمانية، ولذلك اعتبر الحزب نفسه ممثل "الأغلبية المقهورة"بقي أن نرسم الصورة العامة لإنجازات تجربة أربكان، وهو ما نتعرض له في المقال القادم إن شاء الله تعالى.
نشر في تركيا بوست

منال الصالح: نجم الدين أربكان ص176 وما بعدها؛ Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 22-3. Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 21. بسلي وأوزباي: قصة زعيم ص113. منال الصالح: نجم الدين أربكان ص194 وما بعدها؛ Hale, Özbudun: Islamism, Democracy, and Liberalism, p. 4. بسلي وأوزباي: قصة زعيم ص184؛ Lapidus: A History of Islamic Societies, p. 508. Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 42; Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 25. Heinz Kramer: A Changing Turkey, p. 70. كِرِم أوكْتِم: الأمة الغاضبة ص163 وما بعدها. وهي: تركيا، إيران، باكستان، ماليزيا، إندونيسيا، مصر، ليبيا، نيجيريا. Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 23. لقاء مع أبو بكر ريغر، رئيس دار السكة الإسلامية العالمية، فيلم وثائقي "حركة الدينار"، قناة الجزيرة الوثائقية، 10 إبريل 2014م. Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 43-4; Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 26. كِرِم أوكْتِم: الأمة الغاضبة ص169؛ Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 27. بسلي وأوزباي: قصة زعيم ص235؛ Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 44. لقاء مع عمر قورقمامز مستشار أربكان، قناة التركية (العربية)، بتاريخ 27/2/2011. Hale, Özbudun: Islamism, Democracy, and Liberalism, p. 5. Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 27-8. Senem Aydin, Ruşen Çakır: Political Islam in Turkey, (CEPS Working Document No. 265, April 2007), p. 11. بسلي وأوزباي: قصة زعيم ص42؛ Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 40-2; Binnaz Toprak: The Religious Right, p. 635-8; Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 14. Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 45.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 22, 2016 11:51

March 18, 2016

شرعية السلطة بين الإسلام والعلمانية

على حد ما نعلم من التاريخ، فإن "شرعية السلطة" كانت الهمَّ الأول للحاكم، إذ لا يسعه أن يعترف بأنه يحكم قهرا وقسرا وجبرا ورغم أنف الناس بلا حق له في الحكم ولا مبرر ليكون في موقع السلطة، حتى الحاكم بأمر الله الذي نسب إليه أنه نثر الذهب وقال "هذا حسبي" ثم سلَّ السيف وقال "هذا نسبي" إنما حَكَم بشرعية انتسابه لآل البيت وأنه من ولد علي وأن جدته فاطمة بنت النبي.
وهكذا فعل الملوك عبر التاريخ فأعلاهم غرورا فرعون حكم بشرعية {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] و{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] وأشهد قومه على ما البلاد فيه من الغنى والرخاء كمبرر لحكمه {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف: 51] بل ووقف ليعلن نفسه حاميا لقيم ومعتقدات الشعب حين قال مبررا حربه على موسى عليه السلام {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26]، وأدناهم قدرا من حكم بشرعية الضرورة إذ هو أقوى الخصوم وإن كان عبدا مملوكا ليس له نسب ولا علم ولا فتح، فلو أنه ترك حكم البلاد لدهمها العدو أو لانتشرت فيها الفتن.
وإذا كان ذلك كذلك، فلا بد أن تعمل آلة السلطة في تثبيت أركان الحاكم، فتُجَيِّش السلطة أرباب الدين: الكهنة والأحبار والرهبان والفقهاء لإلباسها ثوب الشرعية، وحين جاءت الحقبة العلمانية لم تتخلف هذه القاعدة بل اتخذت لها مثل هذا الجيش، إلا أن كتابها المقدس سُمِّي "الدستور"، وسُمِّي القائمون عليه: فقهاء الدستور وخبراء القانون، وقد قاموا بنفس الدور أيضا.
إلى هنا تظهر خصوصية في الحالة السياسية الإسلامية تجعلها انفرادا بين كل التجارب الإنسانية، تلك الخصوصية هي وجود نص مقدس معصوم، ثم وجود تجربة تاريخية في الحكم والسياسة وَصَفَهَا النص المعصوم بأنها "راشدة" وجعلها مثالا يُقْتَدى ويحتذى، وذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشديين المهديين من بعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ"، وفي الحديث الآخر: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة".
 تلك الخصوصية ليست موجودة في شأن الأمم الأخرى، ذلك أن التجارب التاريخية تكون واحدة من هذه الحالات:
الأول: عدم وجود كتاب صحيح النسبة إلى مصدر إلهي لا يمكن تحريفه (كما في حالة الديانات القديمة).
الثاني: خُلُوّ هذا الكتاب "المقدس" من شريعة في شأن الحكم والسلطة (كما في حالة المسيحية).
الثالث: عدم وجود فترة تاريخية واضحة المعالم تكون سيرتها موضع قدوة في السياسة والحكم (كما في حالة اليهودية).
الرابع: عدم وجود نص مقدس أصلا، وذلك في حالة العلمانية، فالأمر فيها أوضح؛ إذ مداره كله على المصلحة (المنفعة) التي يقدرها البشر لأنفسهم، ومنها يخرج دستور تتفرع عنه قوانين تفصيلية، فإن ارتأى البشر حاجتهم إلى تغيير النص الدستوري فعلوا ولا مشاحة.
فإذا أنزلنا هذا على مسألة "شرعية السلطة السياسية" فإننا في هذا الواقع المعاصر لن نجد اشتباكا حضاريا حقيقيا إلا بين النموذج الإسلامي والنموذج العلماني، لا سيما وأن النموذج العلماني قد سيطر على العالم المسيحي وذاب فيه كذلك الفكر اليهودي (فإسرائيل، وهي التحقق السياسي لليهودية، جزء من النموذج الغربي ولم تكن لها خصوصية حضارية مغايرة عنهحينئذ تكون أول وأهم إشكاليات المقارنة بين النموذجين: الإسلامي والعلماني، هي –في الحالة الإسلامية- وجود نص ثابت معصوم مُلزم مع تجربة تاريخية متحققة "راشدة" يؤخذ منها بوضوح حدود مفهوم "الشرعية السياسية" للسلطة، في حين لا يوجد مثل هذا النص الملزم ولا التجربة التاريخية الموصوفة بالراشدة في الحالة العلمانية بل كل شيء قابل للتغيير وإعادة النظر.
وعلى هذا، فحين لا يجد فقهاء الدستور "العلماني" حرجا في تغيير النص لإسباغ الشرعية على السلطة السياسية وقتما ارتأوا ذلك (في الواقع: وقتما تحكم القوة بذلك) لا يمكن للفقيه في السياسة الشرعية تغيير النص المقدس لإسباغ الشرعية على الحاكم، فإما يلجأ لتأويلها أو يسبغ عليه شرعية الإكراه والاضطرار وفقه الضرورة.فإذا أضفنا إلى هذا أن بناء "السلطة العلمية" في الإسلام يجعلها غير هرمية بل هي حالة تيار عام أو على الأقل "حالة شبكية مجتمعية" فَهِمْنَا أن كل محاولة تأويل فاسد تجد من يفضحها وينزع عنها الشرعية، وكذلك كل محاولة خلق اضطرار بغير حقيقة.
لذلك يمكن في حالة السلطة العلمانية أن يحدث انقلاب عسكري، فيصدر "البيان رقم 1" الذي ينهي به شرعية النظام السابق، ثم يبدأ في إجراءات إنشاء دستور جديد يمثل شرعيته القانونية، ثم يجعل من هذه الشرعية الواقعية –التي تغطت بزخرف قانوني- الأساس الذي يُحاكم ويحاسب الناس عليه. وبقدر ما استطاع هذا النظام الثبات بقدر ما تحول قانونه إلى شرعية راسخة وتقليد مكين.
بينما لا يمكن أن يحدث هذا في ظل النظام الإسلامي، فبعد أربعة عشر قرنا من الزمان لم يعترف الفقه الإسلامي بالشرعية الكاملة لحكم المتغلب، وظل الفقه الإسلامي المكتوب يعتبرها شرعية ناقصة أتت في ظروف اضطرارية وُضِع فيها المسلمون بين اختياريْن أحلاهما مرّ: اختيار الفوضى والفتنة، أو القبول بحاكم يقيم الشرعية ويحمي الثغور ولكنه أتى بغير اختيار حر من الأمة. ولا يزال الأمر حتى الآن موضع خلاف بين الفقهاء في حدود القبول بالمتغلب وشروط القبول به ومتى يمكن القبول به وغيرها.
وظل تيار السياسة الشرعية في الإسلام يحاكم كل حاكم إلى عصر الراشدين، باعتباره العصر القدوة الذي يجب أن يهتدي به الحاكم المسلم، ويُرفع في وجه الحاكم حزم أبي بكر ورفقه، وشدة عمر وعدله، وسياسة عثمان وعلي مع المعارضين، وسنة الحسن في إيثار مصلحة الأمة.. إلى آخر ذلك.
فهذا موضع التميز والانفراد في النموذج السياسي الإسلامي، إذ عملت قوة الدين وقوة نصه المعصوم في تثبيت الحد الذي يمثل الحق الذي يُحاكم إليه الناس، وهو ما لا يمكن أن يوجد في سلطة علمانية، ولا في أي سلطة تفتقد وجود النص المعصوم الذي له تأثير الدين، أو وجود الفترة الزمنية التي تمثل التحقق السياسي والقدوة لمن بعدها.
وهكذا، فما أسهل أن يحصل حاكم على شرعية سلطته بقوة السلاح في أي سياق إلا السياق الإسلامي، فحتى مؤسسو الدول الإسلامية الأقوياء تظل تطاردهم صفحات التاريخ بما خالفوا فيه الدين وسيرة الأئمة الراشدين، بينما من اقترف من الجرائم أضعاف أضعاف أضعاف هذا هم في سياق آخر من الأبطال مؤسسي الدول وموحدي البلاد، وما ذلك إلا لأن الحق هنا فوق القوة، والحق هناك تصنعه القوة.
نشر في المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية


أفاض في إثبات هذا والتدليل عليه د. عبد الوهاب المسيري رحمه الله في العديد من كتاباته. مسألة أن العالم الإسلامي هو من يمثل بديلا –أو تهديدا- حضاريا للغرب يردده من الغربيين من يميلون إلى نظريات الصدام مثل هنتنجتون في "صدام الحضارات" وفوكوياما في "نهاية التاريخ"، ومن يميلون إلى الحوار والتفاهم مثل كارين أرمسترونج في "سيرة النبي محمد" كما يردده فلاسفة ومنظرون إسلاميون مثل أحمد داود أوغلو في "العالم الإسلامي في مهب التحولات الحضارية" وغيرهم.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 18, 2016 13:44

March 17, 2016

التخريب الغربي لبلادنا (3) النزعة الفردية

اقرأ أولا: كيف خربت عصور الاحتلال المجتمعات الإسلامية التخريب الغربي لبلادنا (2) العلمانية والدولة المركزية
أسوأ ما في "النزعة الفردية" أنها لا تزال فكرة براقة تجتذب إليها النفوس، على الرغم مما ظهر من آثارها السيئة، وها نحن نرى مؤلفي كتاب "انتحار الغرب" -الذي صدر قريبًا- يجعلان النزعة الفردية من الأعمدة الستة لحضارة الغرب(لكن هذا الجانب المضيء من تلك النزعة يُخفي وراءه الجانب الأكثر سوءًا وظلامًا، وسنكتفي بضرب ثلاثة أمثلة فحسب عما جناه الغرب، ومن ورائه من تبعه من البلدان والأنحاء من شرور، فبحسب شيوع هذه النزعة في مجتمع بحسب ما أصابه من شرها.

أولاً: تمزيق روابط المجتمع

نشر مايكل دو مونتين مقالاً (1580م) يقول فيه: "أعظم شيء على الأرض هو أن تعرف كيف تنتمي إلى نفسك، فكل إنسان ينظر أمامه، ولكنني أنظر في داخل نفسي، إذ ليس لدي اهتمام بغير اهتمامات نفسي، وأنا أتأمل نفسي باستمرار، وأنا أضبط نفسي، وأنا أتذوق نفسي... نحن مدينون ببعض الأشياء للمجتمع، ولكن القسم الأكبر لأنفسنا". ثم أتى ديكارت فقال قولاً عظيمًا: "الإرادة الحرة هي أنبل شيء نستطيع أن نملكه، وذلك لأنها تجعلنا في أسلوب معين مساوين لله وتستثنينا من كوننا رعاياه"(وحيث نسي القومُ اللهَ فإنه –جل وعلا- أنساهم أنفسهم، فلقد سار الغرب في ترسيخ هذه النزعة الفردية؛ حتى لم يعد ممكنًا كبح هذا الجماح، حتى انتهت العلاقات "التراحمية" في المجتمع لتحل محلها العلاقات "التعاقدية"؛ حيث لا عاطفة ولا تراحم ولا قيم عليا؛ بل مجرد المنفعة(وفي حمأة الجنون الغربي بالحرية الفردية لم يعد ممكنًا حتى الاستماع لأصوات عقلائهم التي تقول مثلا: "إن رأس المال الاجتماعي يُدَمَّر حين يصير المجتمع أكثر فردية، وحين نصير نحن غير مرتبطين مع الأسرة والأصدقاء والجيران والنوادي والكنائس والروابط والجماعات المجتمعية، وتنهار الثقة، وهي مكون مهم للصحة النفسية والنجاح الاقتصادي"(إن تمزق الروابط الاجتماعية اجتاح كل العلاقات حتى أوثقها؛ وهي العلاقات الأسرية؛ فقد بلغت نسبة العزوف عن الزواج في أمريكا 85%، ورُصِد تضاعف معدلات العزوف هذا بين عامي (1970 – 2002م) فبلغ عند الرجال 336% و196% عند النساء، وكذلك تتضاعف نسب الهروب والطلاق بين المتزوجين -والتي تعبر عن نزعة فردية أنانية تناقض كل قيم تحمل المسئولية- فزادت من 3 مليون إلى 10 ملايين بين النساء، ومن 393 ألف إلى 2.25 مليونًا بين الرجال في الفترة ذاتها (1970 – 2002م)، بل صار أكثر من نصف مواليد السويد (54%) من أولاد الزنا، ونحو 40% في فرنسا، و38% في بريطانيا، وتغولت نسب الطلاق حتى بلغت معدلات مخيفة في بلجيكا (69%) والسويد (60%) والنمسا (59%) وألمانيا (51%) وبريطانيا (51%) وأمريكا (48%) وفرنسا (39%)، بل لقد شمل التخريب تعريف الزواج نفسه لم يعد يتحدث عن رجل وامرأة وأطفال مرتبطين بزواج؛ بل صار –بحسب مؤلفي كتاب: الحياة الأمريكية- يتحدث عن "أناس يعيشون مع بعضهم ويحبون بعضهم"، وأبرز تطبيق عملي هو إصدار القوانين المبيحة للزواج المثلي في أوروبا(ومما هو معروف أن الغرب ما يزال في سعيه الحثيث لزرع كل هذه المشكلات في بلادنا، وتكفي في هذا نظرة لتوصيات مؤتمرات السكان وحقوق المرأة، وبرامج المنظمات الحقوقية الممولة غربيًّا والعاملة في العالم الإسلامي، تكفي نظرة واحدة في كل هذا ليُكتشف طريقهم في السعي والإفساد.

ثانيًا: "الفرد- الإله".. أفكار استعبادية

أثناء إعدادي هذا البحث، وعن غير تقدير، أراد أحد الأصدقاء أن يكرمني فذهب بي إلى عشاء في مطعم أمريكي بأحد أحياء القاهرة الراقية، مازحني أول الأمر بأنه تركي، ولكن طريقة الطهي أمريكية، لم أفهم المزحة، واعتقدت أنه تركي فعلاً، ولم أكتشف أنه أمريكي إلا قرب نهاية الأكل.

أهم ما في الأمر أن "النموذج" الغربي كان حاضرًا بقوة، كأنك صرت في أمريكا بالفعل، كل شيء أمريكي، المأكولات باللغة الإنجليزية، وهكذا يحفظها الزبائن ويطلبونها، يطلبون كوب الماء ومناديل الطعام والمياه الغازية وكل شيء بالإنجليزية، الزبون كائن مقدس منذ دخوله حتى خروجه، هذه الحالة تتلبس الزائر كما تتلبس العاملين، الخطأ البسيط جدًّا يحمله على الاستنكار بكل قوة وإهانة، ويحمل العاملين على الاعتذار من أولهم حتى مدير الوردية، هنا يختفي عالم العرب بكل ما فيه من إنسانية وتراحمية وتواصل طبيعي؛ ليسود النموذج الرأسمالي المتوحش، الذي يجعل مالك المال إلهًا مُطاعًا.

صديقي هذا متدين ملتزم؛ لكنه يلبس هذا "النموذج الحضاري" دون أن يدري، لذلك صَدَمَتْه تعليقاتي أول الأمر؛ لكنه لم يلبث أن اقتنع وغَيَّر من سلوكياته، ووعدني بألا يعود إليها مجدّدًا، وحرصنا طوال فترة التواجد على إشاعة الجو الإنساني التراحمي مع العاملين في محاولة –ولو ضعيفة- للتأكيد على مقاومة هذا النموذج، والاحتفاظ بقيمنا النابعة من ديننا، والسائدة في حياتنا خارج هذه المطاعم، التي تمثل المعسكرات الحقيقة للأعداء، بل هي أشد فتكًا من معسكرات السلاح والقنابل؛ لأن المُستعمَرين يدخلونها عن رضا وطيب خاطر ويتقبلونها، وتتسرب إليهم أفكارها ونظمها وهم لا يشعرون، فما هي إلا مرات معدودة حتى يتحول إلى غربي الهوى والمزاج والميول والعادات.

إن النمط الغربي يتأسس على "مفهوم لا رحمة فيه للعلاقات الإنسانية، قائم على فردانية لا كابح لها، لا تُوَلِّد إلا مجتمعات تزاحم على الأسواق ومواجهات وعنف حيت تَسْتَرقّ بعض الوحدات الاقتصادية أو السياسية، الوحدات الأضعف أو تبتلعها"(يمكن رصد الكثير من الآثار لسيادة هذا "النموذج الغربي" في بلادنا العربية والإسلامية، لكن ما يخصنا في سياق هذا البحث هو ذلك الأثر الخطير: اختفاء التواصل الإنساني لحساب النموذج المادي، الذي يستتبع تعاظم الروح الفردية على حساب الروح الجماعية، ومن ثم انهيار شعائر مثل الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ذلك أن العلاقة بينك وبين الآخر علاقة مادية متمثِّلة في مصالح مشتركة خاضعة لبنود أو لوائح أو قوانين صارمة، ولا يجوز التدخل بأكثر من هذا القدر، وإلا فهو اعتداء على الحياة الخاصة للطرف الآخر.

وهذه العلاقة تظل في حالة اتزان ونفع متبادل ما دامت القوى متكافئة، أو ما دامت السلطة قوية وقادرة على إنفاذ القانون بصرامة، أما إذا اختلت هذه الحالة المتزنة فسيبرز للسطح تلك الفكرة الجوهرية؛ وهي "المصلحة المادية"؛ وهي التي تدفع الأقوى لسحق الأضعف بكل عنف ممكن، ما دام يحقق بذلك أقصى منفعة مادية ممكنة.

إن هذه الظاهرة هي العودة الحقيقية للأفكار العميقة، التي أنتجت السياق الغربي، وهي فكرة "الإقطاع" القديم، حيث يسود نمط الخادم – السيد، وللطرف الأقوى حق "استغلال" الطرف الأضعف بما يحقق أقصى منفعة.

ثالثًا: نسب الجريمة بين المدن والقرى


إن أهم الآثار التي تثبت ضرر النزعة الفردية على المجتمعات هو رصد نسبة الجرائم في المناطق التي أصابها التحديث الغربي، مقارنة بالمناطق التي لا تزال الروابط الاجتماعية فيها بخير وعافية، وتعد المقارنة بين المدن والقرى مقارنة ظاهرة كاشفة، فالمدن هي أكثر المناطق المتعرضة للتحديث الغربي على خلاف القرى والبوادي التي تحتفظ بترابطها الاجتماعي.

وقد أثبتت آخر دراسة للأمم المتحدة حقيقة ازدياد "عدد الأشخاص الذين يعانون من الفقر ونقص التغذية في المناطق الحضرية بسرعة تفوق ما تشهده المناطق الريفية"، وقررت حقيقة أن "الجوع نتيجة واضحة للفشل في الحماية الاجتماعية"، حتى إن المأساة لتبلغ حد أن "يساهم نقص التغذية في أكثر من ثلث وفيات الأطفال دون سن الخامسة في العالم"(وعلى غرار إحصائيات الفقر تأتي إحصائيات الأمن، ولا أقرب على ذلك من مشهد الثورات في بلاد الربيع العربي؛ حيث ينتشر الانفلات الأمني في أحيان كثيرة، فتحظى المدن والمناطق الحضرية بنصيب الأسد من حالات الجرائم والتعدي على الممتلكات؛ وذلك في حين تظل المناطق القروية والبدوية تنعم بعيش هادئ؛ لما في الترابط الاجتماعي من عواصم تمنع المجرمين طوعًا (خوف العار والفضيحة)، أو كرهًا (حيث تكون المواجهة مع عوائل وعشائر لا مع أفراد) من الإفساد في الأرض.

وعلى غرار الفقر والأمن تأتي معدلات الأخلاق، فلا خلاف على أن أخلاق القرى والبوادي خير منها في المدن والحواضر، وعلى سبيل المثال فقد أثبتت إحصائيات الأمم المتحدة أن انتشار مرض الإيدز في المناطق الحضرية أعلى منه في المناطق الريفية، وكان السبب الرئيسي هو ارتكاب الفاحشة، حتى بلغ عدد المصابين به أكثر من مليونين من الشباب بين العاشرة والتاسعة عشر عامًا(

إن مناعة المجتمع تتشكل بترابطه وتماسكه، وكلما كانت النزعة الفردية سائدة كانت الأخلاق أدنى والجرائم أعلى، بل كلما سادت النزعة الفردية ترسخ الاستبداد والطغيان، فالسلطة التي تحكم الناس أفرادًا تجترئ على ما لا يمكن لها أن تجترئ عليه لو أنها تحكم الناس عُصَبًا وجماعات وعشائر، بل لعل سيادة النزعة الفردية المؤدية إلى انحلال الأخلاق وانتشار الفسق ومن ثم ترسخ الفرعونية إنما هي تفسير قول الله تعالى عن فرعون: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54].
نشر في ساسة بوست

([1])الأعمدة الستة للحضارة الغربية كما يراها المؤلفان: المسيحية، العلم، التفاؤل، النمو، الليبرالية، الفردية. ([2])ريتشارد كوك وكريس سميث: انتحار الغرب ص223 وما بعدها. ([3])ريتشارد كوك وكريس سميث: انتحار الغرب ص233. ([4])إميل برهييه: تاريخ الفلسفة 7/133، ول ديورانت: قصة الفلسفة ص521. ([5])د. عبد الوهاب المسيري: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة 1/131 وما بعدها، رحلتي الفكرية ص64 وما بعدها. ([6])نيتشه: هكذا تكلم زرادشت ص74 وما بعدها. ([7])برتراند رسل: تاريخ الفلسفة الغربية 3/344. ([8])ريتشارد كوك وكريس سميث: انتحار الغرب ص243، 244. ([9])د. صلاح سلطان: الأسرة آلام وآمال ص9، 11 وما بعدها. ([10])رجاء جارودي: وعود الإسلام ص20. ([11])يونيسيف: الأطفال في عالم حضري (2012م) ص19. ([12])يونيسيف: الأطفال في عالم حضري (2012م) ص22.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 17, 2016 17:49

March 15, 2016

موجز تجربة نجم الدين أربكان (1)

اقرأ أولا: موجز التجربة الإسلامية في تركيا العلمانية
هي أقوى تجربة إسلامية في تركيا منذ دخولها الحقبة العلمانية وحتى ذلك الوقت، حمل لواءها الزعيم الإسلامي الكبير: نجم الدين أربكان (29 أكتوبر 1926 – 27 فبراير 2011م). وهي التجربة التي نشأ في رحمها حزب العدالة والتنمية.
يُعَدّ نجم الدين أربكان أول سياسي إسلامي في تركيا منذ دخولها الحقبة العلمانية، فلقد كان السياسيون خلافه علمانيون، ومن نُسِب منهم إلى العاطفة الإسلامية كمندريس أو أوزال أو ديميريل إنما كانوا يعلنون اعتناق العلمانية وكانوا ليبراليين يفتحون المساحة لبعض المظاهر الإسلامية من منطلق الحريات، الحريات التي يستلزمها موقع تركيا كعضو في المعسكر الغربي الليبرالي ضد المعسكر الشرقي الشيوعي، وفي حين انتهى مندريس نهاية درامية بإعدامه انتهى أوزال نهاية نصف درامية بموت مشكوك فيه وانتهى ديميريل نهاية عادية بذوبانه في النظام وأفول نجمه، ثم كانت الإثارة كلها متكثفة في الحياة الحافلة لنجم الدين أربكان! على أنه ينبغي أن نقول بأنه لولا راديكالية نجم الدين ما سطع نجم أوزال ولا أفل نجم ديميريل ولا ظل نجم مندريس ذكرى تثير الشجون الإسلامية.
لقد كان نجم الدين أهم شخصية إسلامية في تاريخ تركيا العلمانية.
ينحدر أربكان من نسل أمراء السلاجقة، وُلِد في مدينة سنوب شمال تركيا، لأسرة متدينة يعمل أبوه قاضيا، وتربى في أحضان الطريقة النقشبندية، تخرج في كلية الهندسة باسطنبول محققا المركز الأول على دفعته (1948م)، فعُيِّن معيدا فيها، ثم أرسل إلى بعثة في ألمانيا (1951م) وهناك حصل على الدكتوراه من جامعة أخن (1953م) وعمل هناك رئيسا لمهندسي الأبحاث بمصنع محركات في مدينة كولون، وكانت له إضافات في صناعة المحركات، ثم عاد إلى تركيا (1955م) وترقى في المراتب العلمية فكان أصغر أستاذ مساعد في جامعة اسطنبول وهو في سن السابعة والعشرين، ثم أسس مصنع "المحرك الفضي" (1956م) لإنتاج محرك الديزل وكان في الثلاثين من عمره، ولم تزل شركته رائدة في هذا المجال، ثم تولى منصب الأمين العام لاتحاد غرف التجارة والصناعة والبورصة التركية (1967م) ثم صار رئيس الاتحاد عام (1986م)، واستثمر هذا الموقع في خدمة الصناعة الوطنية والدفاع عمن تضررت مصالحهم الاقتصادية من المهمشين ورجال الأناضول، فاصطدم بالعلمانيين وحيتان الأموال والرئيس ديميريل الذي هاجمه أربكان، وتحت ضغوط إعلامية علمانية قوية أُجْبر على ترك الاتحاد وأسس أول أحزابه السياسية ليستمر في الدفاع عن مصالح أمتهلم يكن تأسيس الحزب أول انخراطه بالسياسة، بل كانت بداية المشوار السياسي قديمة منذ تخرجه في الجامعة، إذ انضم إلى حزب العدالة الذي كانت قيادته قد آلت إلى سليمان ديميريل، ومع ظهور توجهه الإسلامي رفض ديميريل أن يضعه على قوائم انتخابات 1969 خروجا من الضغوط العلمانية، إلا أن أربكان ترشح مستقلا في مدينة قونية وفازأسس أربكان حزب النظام الوطني (26 يناير 1970م)، وكان أول حزب إسلامي تعرفه الدولة التركية، إذ أظهر أربكان هويته بكل وضوح، وخطب في مؤتمره الأول قائلا: "أمتنا هي أمة الإيمان والإسلام" وهاجم الشيوعيين والماسونيين وسيطرتهم على الإعلام والاقتصاد وقال: ليس أمامنا إلا العمل معا لنصل تاريخنا المجيد بحاضرنا الذي نريد أن يكون مشرفا"، لكن الحزب أغلق بعد عام وأربعة أشهر (20 مايو 1971م) مع حظر ممارسة السياسة على أعضاء الحزب لخمس سنوات، فاضطر أربكان أن يغادر تركيا، ثم عاد بعد هدوء الأوضاع نسبيا (1972) ليدفع بعضَ الإسلاميين ممن لم ينطبق عليهم هذا الحكم لتأسيس حزب جديد: حزب السلامة الوطني (11 أكتوبر 1972م)، وخفَّف من لهجته الإسلامية وتبنى "صورة أكثر واقعية [تبتعد عن] استخدام شعارات تنادي بالتوجه الإسلامي"دخلت الساحة الإقليمية كلها تطورا جديدا بالثورة الخمينية في إيران (1979م)، وهي الثورة التي أعطت زخما لكل الإقليم، وكان من توابعها في تركيا أن ذهب وفد من حزب السلامة مهنئا الخميني ثم أرسل الخميني رسالة إلى أعضاء حزب السلامة متمنيا لهم النجاح في إقامة دولة إسلامية في تركيا، وفي ذلك الوقت حشد حزب السلامة لمظاهرة ضخمة في مدينة قونية (6 سبتمبر 1980م) تقول بعض التقديرات بأنها بلغت ربع المليون احتجاجا على القرار الإسرائيلي بضم القدس، ومع ما تمر به البلاد من أزمات واضطرابات، كانت المظاهرة مناخا جامعا اختلطت فيه الروح الإسلامية بالروح الاحتجاجية ورُفِعَت فيها شعارات تعلن الإسلام وترفض العلمانية، وهكذا بدا كأن أربكان سيكرر تجربة الخميني في إيران، ولا ريب أن تكرار التجربة جال بخيال الكثيرين من الإسلاميين وأعداءهم، ولهذا لم يكن الجواب إلا انقلابا عسكريا (1980م) قاده كنعان إيفرن، فحلَّ الأحزاب وفرض الإقامة الجبرية على زعمائهالكن الرجل الموصوف بذي الأرواح المتعددة سيعود للسياسة من جديد، وهو ما نعرض له في المقال القادم إن شاء الله تعالى.
نشر في تركيا بوست

منال الصالح: نجم الدين أربكان ص53 وما بعدها. Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 14. منال الصالح: نجم الدين أربكان ص89. Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 14-5. لمزيد من التفاصيل، انظر: منال الصالح: نجم الدين أربكان ص53 وما بعدها، 105 وما بعدها؛ Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 40-1. منال الصالح: نجم الدين أربكان ص149، 150؛ Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 16. منال الصالح: نجم الدين أربكان ص155 وما بعدها.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 15, 2016 15:12

March 12, 2016

التخريب الغربي لبلادنا (2) العلمانية والدولة المركزية

اقرأ أولا: كيف خربت عصور الاحتلال المجتمعات الإسلامية
تخلصت أوروبا من الكنيسة ومن أباطرة العصور الوسطى ومن الإقطاعيين، لكنها استبدلت بهم نموذجًا أدهى وأمرّ؛ ذلك هو "دين العلمانية" و"نظام الدولة المركزية".
كلا الأمرين تابع للآخر، فلا بد لأي مجتمع من قيم حاكمة ومبادئ عليا، ثم لا بد لهذه القيم والمبادئ من أناس يطبقونها ويحكمون بها، فكانت العلمانية هي المبدأ، وكان نظام الدولة المركزية هو نموذج التطبيق.
فأين يكمن الضرر؟
يكمن في أن انتهاء وجود الإله من حياة البشر قد جعلهم عبيدًا لأنفسهم وشهواتهم وأهوائهم، لا يؤمنون إلا بما ينفع ويضر بشكل مباشر واضح، وبهذا انتفى مبدأ الأخلاق والقيم العليا والمُثُل العظيمة، التي انزوت مع الدين في جنبات الكنائس، وصارت اختيارًا شخصيًّا بحتًا، ولهذا أنتج الغرب كل البشائع الإنسانية، التي جعلته "أكبر مجرم في التاريخ"(وهنا تحققت نبوءة توماس هوبز الذي "أعلن أن حالة الطبيعة (أي حالة الإنسان بعد انسحاب الإله من الكون) هي حالة من حرب الجميع ضد الجميع، فالإنسان ذئب لأخيه الإنسان، وسيتم التعاقد الاجتماعي بين البشر لا بسبب فطرة خَيِّرة فيهم؛ وإنما من فرط خوفهم وبسبب حب البقاء، فيُنَصِّبون الدولة التنين حاكمًا عليهم؛ حتى يمكنهم أن يحققوا ولو قدرًا ضئيلاً من الطمأنينة"(وهنا صارت الدولة في مكان الإله، بل هي -كما يقول هيجل- "الحلول الإلهي على الأرض"، وسيادتها هي السلطة المطلقة، وعلى الأفراد أن يخضعوا لهذه السلطة التي تحدد من الداخل إرادة الأفراد(وصارت كفاءة الدولة تقاس بمدى قدرتها على السيطرة التامة على كافة ما يحدث على أرضها من أنشطة، ولم يختلف هذا بين مذهب ومذهب في الفكر الغربي؛ "فالسيطرة على السكان مهمة أساسية لأي سلطة حكومية تهيمن عليها جماعات المصلحة، وعلى الرغم من أن القوتين الدوليتين في زمن الحرب الباردة (أمريكا والاتحاد السوفيتي) كانتا على طرفي نقيض... فإنهما اشتركتا في قوة السلطة المحلية عند تعاملهما مع قضية السيطرة على شعبيهما"(وحين حلت الدولة محل الإله لم يكن لها لا علم الإله ولا رحمته ولا ارتفاعه عن النقائص، وحين حلَّ السياسيون والنخبة محل العلماء والمفتين لم يكن لهم لا تقوى العلماء ولا خشيتهم، بل دخل البشر في حكم البشر، فاستعبد البشرُ البشرَ فأذلوهم وقهروهم، غير أن الأشكال تغيرت؛ فصارت أكثر خداعًا وتلوينًا، وأشهر نمطين لهذا الخداع: الشيوعية والرأسمالية.
فأما الشيوعية فقد ادعت أنها سبيل العدالة الاجتماعية، وضد الإقطاعيين والملوك المستبدين، ولمنع احتكار السلع، ثم كان تطبيقها أعنف استبدادًا من كل الملوك، وأشرس من كل الإقطاعيين، ولم يتحقق في ظلالها إلا العدالة في الفقر؛ حيث صارت الشعوب فقيرة لا تجد الكفاف، بينما تركزت الثروة في يد "الرفاق" الذين يحكمون باسم الشعب، ويقيمون المذابح والسجون باسم الشعب، ويتصرفون في مال الشعب بأهوائهم؛ زاعمين أنها "إرادة الشعب"، وقد طُوِيت صفحة الشيوعية مخلفة وراءها سجلاًّ من المذابح والحروب والفقر العام والفساد الكبير.
وأما الرأسمالية فقد ادعت أنها ضد الاحتكار الاقتصادي وضد الاستبداد السياسي، لكنها أنتجت أكبر المحتكرين، ورعت ودعمت أكابر المستبدين، وهي تسيطر على الشعب عبر الإعلام والأموال، ويظن الناس أنهم يختارون رؤساءهم، وأنهم يغيرونهم كل فترة؛ بينما تظل الحقيقة أنهم يدورون في مسرح يتحكم فيه رجال الأعمال، الذين يتحكمون في الإعلام والاقتصاد؛ فبالإعلام يخدعون الجماهير ويسوقون رجالهم إلى الحكم، وبه وبالاقتصاد يتحكمون في السياسيين والبرلمانيين وصناع القرار(هذه الأزمة القائمة في الغرب حين زُرِعت في بلادنا كانت أسوأ وأشد فتكًا وتدميرًا!
فالعلمانية كانت رغبة شعبية ونتيجة طبيعية لانحرافات الكنيسة، ولم تكن كذلك في بلادنا، ولذا غُرِست بالقهر والعسف والاستبداد، وكان لا بد من وجود حكومات عسكرية تذيق الشعوب الويلات؛ لكي تتمكن من ترسيخ أمرها، وهذا الترسيخ لا يتم إلا بنظام الدولة المركزية، الذي ينزع عن الأمة فاعليتها وترابطها وتماسكها ومصادر قوتها.
أثمر نظام الدولة المركزية في بلادنا أسوأ الثمر؛ فقد سيطرت الدولة على الأوقاف الخيرية، التي هي تمويل الأمة لنفسها وحضارتها، وضربت الدولة نظام القبائل والعصبيات لحساب النزعة الفردية، التي تجعل العلاقة قائمة بين الدولة والفرد على نحو ما هي بين الإله والعبد، وتحكمت الدولة في المساجد ونظم التعليم ومنافذ الثقافة، وصار المواطن لا يستطيع أن يدرس أو يتعلم أو يقرأ أو يسمع إلا ما تريده الدولة أو تسمح به، وهو لا يستطيع أن يمارس نشاطًا ولو خيريًّا إلا إذا سمحت به الدولة، وصار العلماء في يد الدولة؛ إن نطقوا بما أرادت أعطتهم الرواتب والمناصب، وإلا أعطتهم المعتقلات والمشانق، ولا يستطيع الخطيب أن يخطب في الناس ولا أن يدرس لهم ولا أن يقرئهم القرآن إلا بعد تصريح من الدولة... وهكذا صارت وجوه الحياة جميعها. فإذا استحضرنا حقيقة أن الذي حكمنا في عصور ما بعد الاحتلال كان على مذهب الغرب؛ عرفنا أي مصيبة نزلت ببلادنا على يد أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتاكان طبيعيًّا والحال هكذا أن يختفي ترابط الناس وتماسكهم، وأن ينزوي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تضمر حاسة الشعور بالمسئولية، وأن تصير الأمة بعد أن انقسمت أوطانًا قد انقسمت –داخل الوطن الواحد- إلى أفراد متفرقين، بل كان هذا التفرق من ضرورات الاستبداد ومقاصده التي تعمدها، ألم يذكر الله أن فرعون لكي يستبد بأهل مصر {جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} [القصص: 4]؟!
ولم يقف الحال عند تمزق روابط المجتمع، بل جاءهم من الغرب ما يجعلهم أفرادًا مولعين بالانفراد ومتخلين عن الروابط والأواصر الاجتماعية.. لقد أصابتهم لعنة غربية أخرى، تلك هي "النزعة الفردية"، وهي موضع حديثنا في المقال القادم وهو الأخير –بإذن الله- من هذه السلسلة الطويلة.
نشر في ساسة بوست

([1])رجاء جارودي: وعود الإسلام ص19. ([2])د. عبد الوهاب المسيري: رحلتي الفكرية ص219. ([3])د. عبد الوهاب المسيري: رحلتي الفكرية ص219. ([4])جان بيار لوفيفر وبيار ماشيري: هيجل والمجتمع ص72، 73. وفيما يبدو من باقي كلام هيجل فإنه لم يتوقع وجود استبداد جديد من قِبَل الدولة، فلقد كان من المفتونين بالثورة الفرنسية، ويحسب أنها شيء مثل "نهاية التاريخ". ([5])ناعوم تشومسكي: النظام العالمي ص5. ([6])طالع في تفصيل هذا كتاب "السيطرة الصامتة: الرأسمالية العالمية وموت الديمقراطية" للألمانية نورينا هيرتس. استعرض الشيخ محمد عبده "آثار محمد علي في مصر" في مقال مهم، يعد "النموذج المصري" لما جرى بعد ذلك في عالمنا الإسلامي، ولأهميته فقد ضعناه في الملحقات.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 12, 2016 05:02

March 10, 2016

تزكية الشيخ الدكتور صفاء الضوي العدوي

بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد؛
فإن الأخ المهندس محمد إلهامي محمد المتخصص في الهندسة الالكترونية والمهتم بأبحاث التاريخ والحضارة الإسلامية معروف ومشهود له بالخلق الحسن والتواضع والفهم الدقيق والعميق لما يتناوله وهو واسع الاطلاع في كثير من فروع العلوم الشرعية، وفي متابعته اللدراسات والأبحاث التي تنشر بغير العربية، وقد أفادنا جزاه الله خيرا في هذا الجانب.. يعرف المثقف المنصف في مصر وغيرها مكانه ومقامه، وإن له أبحاثا مميزة حازت على التقدير والإشادة والتحكيم من دوائر بحثية عالمية.. أشهد بهذا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا. وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
كتبه 
دكتور صفاء الضوي العدوي عضو اللجنة العلمية في رابطة علماء المسلمين
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 10, 2016 20:27

March 8, 2016

موجز التجربة الإسلامية في تركيا العلمانية

اقرأ أولا: موجز تاريخ تركيا العلمانية (1) موجز تاريخ تركيا العلمانية (2) موجز تاريخ تركيا العلمانية (3)

لئن وقع اختلاف في تأثير النظام العلماني على الإسلاميين وما إذا كان قد هَزَمَ الإسلاميين أو كانوا هم من تعلموا وتطوروا بالتجارب، فإن الثابت أن صورة الإسلاميين ونهجهم عند بداية تركيا العلمانية كانت على خلاف الصورة التي صاروا عليها عند نهاية القرن العشرين.
لقد ظل الإسلام –بالرغم من كل قهر الدولة ومطارداتها- الهوية العميقة للأتراك، وقد جاهد الأتراك للدفاع عن هويتهم بقدر ما استطاعوا، فبالجهاد حينا، وبالسياسة أحيانا، وبالدعوة والتعليم في كل حين.
شهدت البداية مواجهات مسلحة ضد الجمهورية العلمانية عبر سلسلة ثورات لأتباع الطريقة النقشبندية خلال العشرينات والثلاثينيات وُوجهت جميعها بعنف لا رحمة فيهوظهر كثير من المقاومة الدعوية العلمية التي تقتصر على الوعظ ونشر الدعوة وتربية الأتباع والأبناء، وبرزت فيها أسماء علماء كبار منهم: الشيخ عاطف الإسكليبي الذي أُعْدِم بسبب كتاب ينكر ارتداء القبعة تشبها بالغرب وقد صدر قبل قوانين الزي الأتاتوركية، والشيخ سليمان حلمي الذي تصدى سرًّا لتعليم اللغة والحرف العربي بعد قانون كتابة التركية بالحرف اللاتينيوما إن أتيحت الفرصة أمام تشكيل أحزاب سياسية حتى ظهرت أحزاب إسلامية إلى الساحة، كحزب حماية الإسلام الذي أسسه نجمي كوناش ومصطفى أوزباك (19 يوليو 1946م) غير أنه أغلق بعد 23 يوم بذريعة مخالفة الدستور، وحزب المحافظين وأسسه الجنرال رفعت أيتل خان ولقي نفس المصير، وحزب الأمة الذي أسسه المارشال فوزي جقمق (25 يوليو 1948م) ولم يكن بأفضل من سابقيه، مما اضطر الإسلاميين للدخول إلى السياسة عبر الأحزاب العلمانية وخصوصا اليمينية التي لا تعادي الدينوبالعموم فقد ارتخت قبضة الكمالية منذ الدخول في التعددية، وصارت مطاردة الإسلام في تركيا أقرب إلى سلطة تطارد منافسيها السياسيين وتضطهدهم منها إلى سلطة ذات مشروع عقدي علماني يطارد أعداءه الحضاريين، وإن ظلت العناوين والشعارات المرفوعة عقدية فكرية صارخة، وكان موقع تركيا في المعسكر الغربي يسمح بمساحة للإسلام كحائط صد ضد الشيوعية.
لقد شهد عهد مندريس ما يشبه انقلابا في صيغة الدولة العلمانية الكمالية إذ افْتُتِحَتْ في عهده مدارس الأئمة والخطباء وسُمح للأئمة بدروس تطوعية في المدارس وأقر رفع الآذان باللغة العربية وتخصيص دروس دينية في الإذاعة. وكان انقلاب (1960م) محتاجا إلى الوقوف ضد الشيوعية، فكان دستور (1961م) موصوفا بالليبرالية ويحفظ الحريات وحقوق التجمع مما أتاح فرصة واسعة أمام النمو الإسلاميلذلك ما إن انتهى عقد الستينيات إلا وكان المزاج الإسلامي مهيمنا على الساحةازدهر النمو الإسلامي في السبعينيات، وشهدا هذا العقد نموا كبيرا في الإقبال على كتب الحركة الإسلامية المترجمة من العالم العربي، وكانت كتب حسن البنا وسيد قطب والمودودي وغيرهم الأكثر رواجا، وانتشرت المكتبات الإسلامية، وكثرت المجلات الإسلامية في تلك الفترة والتي كانت تتخذ من الأدب غطاءً لمضامينها الإسلاميةومثلما ظهرت أحزاب إسلامية تنافس النظام العلماني وتشتبك معه، ظهرت في أطياف هذا التيار الإسلامي جماعةٌ بدت أقرب إلى الإسلام الذي تريده الدولة العلمانية، وهي جماعة فتح الله كولن التي هي طيف من التيار النورسي إلا أنها لم تكتف بالاستقامة الشخصية بل سعت لصناعة بيئة إسلامية بالعمل الدعوي والتعليمي والاقتصادي وابتعدت عن العمل السياسيومن عجائب المقادير أن تكون الجاليات التركية في أوروبا، وبالأخص ألمانيا، هي نقطة انطلاق للحركة الإسلامية التركية، ذلك أن قسما كبيرا من قوة العمالة التركية هاجرت إلى الغرب مع سوء الأحوال في تركيا واحتياج أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية إلى العمالة، ثم مع وجود حرية في أوروبا لم يكن يتوفر مثلها في تركيا، فكانت النتيجة أن أدى ذلك كله إلى نشاط الحركة الإسلامية في جاليات الخارجوالحصيلة النهائية أن تركيا "في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين بدأت تشهد وعيا متزايدا لمن يوصفون بالمحافظين أو الإسلاميين أو من وُصِفت حركتهم بالصحوة الإسلامية، كان محورهم الأول: إعادة التوازن للعقل التركي الحديث بأن يتوافق مع نفسه وذاته بما يقنعه ويطمئنه، وبأنه لا يستطيع أن يعيش خارج تاريخه الذاتي ولو كان غير مشرف، فكيف به وهو ينتمي إلى أعرق تاريخ وأشرفه، فكيف يتم فصله عن تاريخه وهويته بالقهر والكذب والإرهاب الأمني والسياسي"إلا أن اللافت للنظر أن الديمقراطية والتعددية التركية –وإن كانت قشرة للدولة العميقة- استطاعت استيعاب المجهود الإسلامي داخلها، وبقدر ما ظلت الدولة العميقة تخشى من اختراق أو اختطاف الإسلاميين للدولة عبر هذه الآلية، بقدر ما أمنت من تحول المجهود الإسلامي نحو الحركات السرية والقتال المسلحفي المقالات القادمة بإذن الله تعالى نتعرض لتجربة نجم الدين أربكان.
نشر في تركيا بوست


Binnaz Toprak: The Religious Right, p. 627, 632-3. كِرِم أوكْتِم: الأمة الغاضبة ص81، 82. Binnaz Toprak: The Religious Right, p. 637. د. هدى درويش: الإسلاميون وتركيا العلمانية.. نموذج الإمام سليمان حلمي، (القاهرة، دار الآفاق العربية، 2008م) ص159 وما بعدها. Lapidus: A History of Islamic Societies, p. 508. محمد زاهد جل: التجربة النهضوية التركية.. كيف قاد حزب العدالة والتنمية تركيا إلى التقدم (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2013م)، ص52، 53. كِرِم أوكْتِم: الأمة الغاضبة ص93؛ Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 35-6. Lapidus: A History of Islamic Societies, p. 509; Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 35-7; Binnaz Toprak: The Religious Right, p. 634. Hale, Özbudun: Islamism, Democracy, and Liberalism, p. xix,xx. Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 13. منال الصالح: نجم الدين أربكان ودوره في السياسة التركية 1969 – 1997 (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2012م) ص48، 49. بسلي وأوزباي: قصة زعيم ص41 وما بعدها؛ Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 22. Heinz Kramer: A Changing Turkey, p. 67-8; Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 20-1. Yavuz: The Gülen Movement, in Yavuz, Esposito: “Turkish Islam and the Secular State”, p. 19. Ihsan Yilmaz: Ijtihad and Tajdid by conduct, in: Yavuz, Esposito: “Turkish Islam and the Secular State”, p. 226; Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 15-8. كِرِم أوكْتِم: الأمة الغاضبة ص91؛ Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 27-30. محمد زاهد جل: التجربة النهضوية التركية ص27. Binnaz Toprak: The Religious Right, p. 627, 632. Şherif Mardin: Religion and Secularism, p. 372-3. Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 15, 35.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 08, 2016 07:42