موجز التجربة الإسلامية في تركيا العلمانية

اقرأ أولا: موجز تاريخ تركيا العلمانية (1) موجز تاريخ تركيا العلمانية (2) موجز تاريخ تركيا العلمانية (3)

لئن وقع اختلاف في تأثير النظام العلماني على الإسلاميين وما إذا كان قد هَزَمَ الإسلاميين أو كانوا هم من تعلموا وتطوروا بالتجارب، فإن الثابت أن صورة الإسلاميين ونهجهم عند بداية تركيا العلمانية كانت على خلاف الصورة التي صاروا عليها عند نهاية القرن العشرين.
لقد ظل الإسلام –بالرغم من كل قهر الدولة ومطارداتها- الهوية العميقة للأتراك، وقد جاهد الأتراك للدفاع عن هويتهم بقدر ما استطاعوا، فبالجهاد حينا، وبالسياسة أحيانا، وبالدعوة والتعليم في كل حين.
شهدت البداية مواجهات مسلحة ضد الجمهورية العلمانية عبر سلسلة ثورات لأتباع الطريقة النقشبندية خلال العشرينات والثلاثينيات وُوجهت جميعها بعنف لا رحمة فيهوظهر كثير من المقاومة الدعوية العلمية التي تقتصر على الوعظ ونشر الدعوة وتربية الأتباع والأبناء، وبرزت فيها أسماء علماء كبار منهم: الشيخ عاطف الإسكليبي الذي أُعْدِم بسبب كتاب ينكر ارتداء القبعة تشبها بالغرب وقد صدر قبل قوانين الزي الأتاتوركية، والشيخ سليمان حلمي الذي تصدى سرًّا لتعليم اللغة والحرف العربي بعد قانون كتابة التركية بالحرف اللاتينيوما إن أتيحت الفرصة أمام تشكيل أحزاب سياسية حتى ظهرت أحزاب إسلامية إلى الساحة، كحزب حماية الإسلام الذي أسسه نجمي كوناش ومصطفى أوزباك (19 يوليو 1946م) غير أنه أغلق بعد 23 يوم بذريعة مخالفة الدستور، وحزب المحافظين وأسسه الجنرال رفعت أيتل خان ولقي نفس المصير، وحزب الأمة الذي أسسه المارشال فوزي جقمق (25 يوليو 1948م) ولم يكن بأفضل من سابقيه، مما اضطر الإسلاميين للدخول إلى السياسة عبر الأحزاب العلمانية وخصوصا اليمينية التي لا تعادي الدينوبالعموم فقد ارتخت قبضة الكمالية منذ الدخول في التعددية، وصارت مطاردة الإسلام في تركيا أقرب إلى سلطة تطارد منافسيها السياسيين وتضطهدهم منها إلى سلطة ذات مشروع عقدي علماني يطارد أعداءه الحضاريين، وإن ظلت العناوين والشعارات المرفوعة عقدية فكرية صارخة، وكان موقع تركيا في المعسكر الغربي يسمح بمساحة للإسلام كحائط صد ضد الشيوعية.
لقد شهد عهد مندريس ما يشبه انقلابا في صيغة الدولة العلمانية الكمالية إذ افْتُتِحَتْ في عهده مدارس الأئمة والخطباء وسُمح للأئمة بدروس تطوعية في المدارس وأقر رفع الآذان باللغة العربية وتخصيص دروس دينية في الإذاعة. وكان انقلاب (1960م) محتاجا إلى الوقوف ضد الشيوعية، فكان دستور (1961م) موصوفا بالليبرالية ويحفظ الحريات وحقوق التجمع مما أتاح فرصة واسعة أمام النمو الإسلاميلذلك ما إن انتهى عقد الستينيات إلا وكان المزاج الإسلامي مهيمنا على الساحةازدهر النمو الإسلامي في السبعينيات، وشهدا هذا العقد نموا كبيرا في الإقبال على كتب الحركة الإسلامية المترجمة من العالم العربي، وكانت كتب حسن البنا وسيد قطب والمودودي وغيرهم الأكثر رواجا، وانتشرت المكتبات الإسلامية، وكثرت المجلات الإسلامية في تلك الفترة والتي كانت تتخذ من الأدب غطاءً لمضامينها الإسلاميةومثلما ظهرت أحزاب إسلامية تنافس النظام العلماني وتشتبك معه، ظهرت في أطياف هذا التيار الإسلامي جماعةٌ بدت أقرب إلى الإسلام الذي تريده الدولة العلمانية، وهي جماعة فتح الله كولن التي هي طيف من التيار النورسي إلا أنها لم تكتف بالاستقامة الشخصية بل سعت لصناعة بيئة إسلامية بالعمل الدعوي والتعليمي والاقتصادي وابتعدت عن العمل السياسيومن عجائب المقادير أن تكون الجاليات التركية في أوروبا، وبالأخص ألمانيا، هي نقطة انطلاق للحركة الإسلامية التركية، ذلك أن قسما كبيرا من قوة العمالة التركية هاجرت إلى الغرب مع سوء الأحوال في تركيا واحتياج أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية إلى العمالة، ثم مع وجود حرية في أوروبا لم يكن يتوفر مثلها في تركيا، فكانت النتيجة أن أدى ذلك كله إلى نشاط الحركة الإسلامية في جاليات الخارجوالحصيلة النهائية أن تركيا "في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين بدأت تشهد وعيا متزايدا لمن يوصفون بالمحافظين أو الإسلاميين أو من وُصِفت حركتهم بالصحوة الإسلامية، كان محورهم الأول: إعادة التوازن للعقل التركي الحديث بأن يتوافق مع نفسه وذاته بما يقنعه ويطمئنه، وبأنه لا يستطيع أن يعيش خارج تاريخه الذاتي ولو كان غير مشرف، فكيف به وهو ينتمي إلى أعرق تاريخ وأشرفه، فكيف يتم فصله عن تاريخه وهويته بالقهر والكذب والإرهاب الأمني والسياسي"إلا أن اللافت للنظر أن الديمقراطية والتعددية التركية –وإن كانت قشرة للدولة العميقة- استطاعت استيعاب المجهود الإسلامي داخلها، وبقدر ما ظلت الدولة العميقة تخشى من اختراق أو اختطاف الإسلاميين للدولة عبر هذه الآلية، بقدر ما أمنت من تحول المجهود الإسلامي نحو الحركات السرية والقتال المسلحفي المقالات القادمة بإذن الله تعالى نتعرض لتجربة نجم الدين أربكان.
نشر في تركيا بوست


Binnaz Toprak: The Religious Right, p. 627, 632-3. كِرِم أوكْتِم: الأمة الغاضبة ص81، 82. Binnaz Toprak: The Religious Right, p. 637. د. هدى درويش: الإسلاميون وتركيا العلمانية.. نموذج الإمام سليمان حلمي، (القاهرة، دار الآفاق العربية، 2008م) ص159 وما بعدها. Lapidus: A History of Islamic Societies, p. 508. محمد زاهد جل: التجربة النهضوية التركية.. كيف قاد حزب العدالة والتنمية تركيا إلى التقدم (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2013م)، ص52، 53. كِرِم أوكْتِم: الأمة الغاضبة ص93؛ Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 35-6. Lapidus: A History of Islamic Societies, p. 509; Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 35-7; Binnaz Toprak: The Religious Right, p. 634. Hale, Özbudun: Islamism, Democracy, and Liberalism, p. xix,xx. Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 13. منال الصالح: نجم الدين أربكان ودوره في السياسة التركية 1969 – 1997 (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2012م) ص48، 49. بسلي وأوزباي: قصة زعيم ص41 وما بعدها؛ Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 22. Heinz Kramer: A Changing Turkey, p. 67-8; Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 20-1. Yavuz: The Gülen Movement, in Yavuz, Esposito: “Turkish Islam and the Secular State”, p. 19. Ihsan Yilmaz: Ijtihad and Tajdid by conduct, in: Yavuz, Esposito: “Turkish Islam and the Secular State”, p. 226; Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 15-8. كِرِم أوكْتِم: الأمة الغاضبة ص91؛ Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 27-30. محمد زاهد جل: التجربة النهضوية التركية ص27. Binnaz Toprak: The Religious Right, p. 627, 632. Şherif Mardin: Religion and Secularism, p. 372-3. Cemal Karakas: Turkey, Islam and Laicism, p. 15, 35.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 08, 2016 07:42
No comments have been added yet.