عبـــــــدالله خلــــــــيفة's Blog: https://isaalbuflasablog.wordpress.com , page 90
January 4, 2020
♀النساءُ والسياحةُ ⇦
أبعدت الحركاتُ الدينية النساءَ عن كل مصادر التفتح والازدهار والعيش المنتج، لتضمن السيطرة عليهن وتخلفهن وإنتاجهن لعوالم العبودية والتخلف.
من أهم مصادر العيش في بلدنا السياحة، وهي عمل أقل صعوبة من الصناعة ويمكن العمل فيها بسهولة نسبياً.
النساء المسيطر عليهن قبلن بهذه العبودية للحركات الدينية نظراً للكسل وعدم القدرة على تغيير العادات البالية والنشاط المنتج!
وفي البلدان المتحررة نفضن هذه السيطرة منذ قرون وعقود وشمرن سواعدهن للعمل في المصانع والفنادق والجيوش والمناجم!
ولهذا فإن الرذائل تظهر من التخلف والبطالة والعمل المنزلي المغلق، فيما الفضائل تظهر من العمل ومجابهة العالم والتصدي للشرور والرذائل.
السياحة كبيرة جداً في البلد وميدان رزق عظيم أخلي سبيله للأجانب والأجنبيات!
في بلدان عربية كبيرة مثل لبنان ومصر وتونس والمغرب تعتبر النقابات الفندقية من أقوى النقابات والتي تضم الرجال والنساء بحشود هائلة!
قال أمثالهم في زمنهم المسيطر الغابر المعتم إن خروج النساء للعمل كارثة للأسرة الشرقية الحصينة بتخلف المطبخ، وإن اشتغالهن في الفنادق عورة ودمار للأخلاق، فما تدمرت الأخلاق بل ازدادت قوة وتحولت النساء إلى تيار نهضوي وعضد مساند للأسرة وحصن للفضيلة!
لا يسلم الشرفُ الرفيعُ من الأذى حتى يتحصن بالوعي والانتاج والعمل، وليس بالسيف والدم!
في بلدنا تحرر النساء وعملهن شرط للحرية الوطنية تصاعد الأخلاق وتحجيم الأجانب، وعكس ذلك سيطرات أجنبية وضعف للاقتصاد العام والاقتصاد المنزلي!
وقد توجهت الحركات النسائية الهزيلة المشغولة بالثرثرة نحو ثقافة الصالونات وأنشطة الأزياء وليس لدرس أوضاع النساء وتحريرهن من العبوديات المختلفة المتخلفة!
كان يُفترض أن تعبر أجندتها عن تحطيم الخرافات المقيدة للنساء في البيت والعمل وإطلاق سراحهن بعد هذا الإرتهان الطويل.
من أهم مصادر العيش في بلدنا السياحة، وهي عمل أقل صعوبة من الصناعة ويمكن العمل فيها بسهولة نسبياً.
النساء المسيطر عليهن قبلن بهذه العبودية للحركات الدينية نظراً للكسل وعدم القدرة على تغيير العادات البالية والنشاط المنتج!
وفي البلدان المتحررة نفضن هذه السيطرة منذ قرون وعقود وشمرن سواعدهن للعمل في المصانع والفنادق والجيوش والمناجم!
ولهذا فإن الرذائل تظهر من التخلف والبطالة والعمل المنزلي المغلق، فيما الفضائل تظهر من العمل ومجابهة العالم والتصدي للشرور والرذائل.
السياحة كبيرة جداً في البلد وميدان رزق عظيم أخلي سبيله للأجانب والأجنبيات!
في بلدان عربية كبيرة مثل لبنان ومصر وتونس والمغرب تعتبر النقابات الفندقية من أقوى النقابات والتي تضم الرجال والنساء بحشود هائلة!
قال أمثالهم في زمنهم المسيطر الغابر المعتم إن خروج النساء للعمل كارثة للأسرة الشرقية الحصينة بتخلف المطبخ، وإن اشتغالهن في الفنادق عورة ودمار للأخلاق، فما تدمرت الأخلاق بل ازدادت قوة وتحولت النساء إلى تيار نهضوي وعضد مساند للأسرة وحصن للفضيلة!
لا يسلم الشرفُ الرفيعُ من الأذى حتى يتحصن بالوعي والانتاج والعمل، وليس بالسيف والدم!
في بلدنا تحرر النساء وعملهن شرط للحرية الوطنية تصاعد الأخلاق وتحجيم الأجانب، وعكس ذلك سيطرات أجنبية وضعف للاقتصاد العام والاقتصاد المنزلي!
وقد توجهت الحركات النسائية الهزيلة المشغولة بالثرثرة نحو ثقافة الصالونات وأنشطة الأزياء وليس لدرس أوضاع النساء وتحريرهن من العبوديات المختلفة المتخلفة!
كان يُفترض أن تعبر أجندتها عن تحطيم الخرافات المقيدة للنساء في البيت والعمل وإطلاق سراحهن بعد هذا الإرتهان الطويل.
Published on January 04, 2020 17:09
•
Tags:
النساء-والسياحة
♀نشاطٌ صحفي نسائي ⇦
نادرات اللواتي كرسن أنفسهن من البحرينيات للكتابة وقضايا الحرية والفكر، ولهذا لم تتواشج هذه الكتابات بالفلسفة والمادية التاريخية، لكن بعضها الجميل ظهر في الأعمدة والتحقيقات في الصحافة الشعبية النقدية.
التواشج مع الفكر المتقدم كان يمكن أن يظهر كتابات نسائية تبقى وتتجاوز الجرائد إلى الكتاب، فتغربل المواد الشعبية البحرينية وتتغلغل في تحليلها وتصير وثائق. ولهذا نجد أن قضايا النساء لم تحلل بصورة جذرية وتدرس مشكلات الأسرة والوعي والتخلف والاقتصاد الحديث وأسباب (عجز) النساء عن الدخول فيه.
لهذا نجد كيف ازدهرت وارتقت الثقافة اللبنانية والسورية والمصرية بوجود النساء الكاتبات الباحثات. فنوال السعداوي هي مدرسة وسجل حافل بالمؤلفات وبتحليل مختلف جوانب الحياة بأساليب مبهرة شيقة جماهيرية حتى غدت مدرسة للنساء العربيات جميعاً وللرجال كذلك، فهنا في الوعي الديمقراطي ليس ثمة حواجز جنسية.
بعض الأسماء الصحفية كطفلة الخليفة وسوسن الشاعر وغيرهما كرس نفسه للمقالات الصحفية والأعمدة الاجتماعية وليس الأدب والسياسة ومعالجة قضايا المجتمع بصفة عامة على مدى عقود خلق دائرة مهتمة بهذه المعالجات مما حرك دوائر القرار للتغيير.
بروين نصرالله من اللواتي كرسن أنفسهن في الصحافة لقضايا التحقيقات وهي من الأسماء اللامعة التي كرست نفسها للقضايا الاجتماعية والتحقيقات بأسلوب ريبورتاجي متنوع مشوق ساخن وتلجأ في أحيان قليلة الى الكتابة المباشرة والمقالات الموجزة التي تكشف طبيعة أي قضية.
كان القراء يتابعون بشغف هذه التحليلات والصور والمجادلات الثرية وأعماق الحارات ودواخل الشخوص. كانت البلد حاضرة من خلال مراقبتها.
ما ان تتفجر قضية شعبية حتى تجدها هناك، تتغلغل في الصفوف وتسجل، وتستجوب وتحلل.
قضايا خطيرة كالإضرابات والحرائق والمنازعات المختلفة، أو الوجود اليومي للنساء والرجال واختلاف الأعمال وتضارب المصالح لا تفلت من سجلها.
في الجريدة تجد حولها ثلة من النساء العاميات المسرحات من أعمالهن أو اللواتي يعانين في المحاكم من قضاياهن والتأخر فيها أو سوء الأحكام ومشكلات العنف الأسري الموجه للإناث.
بروين نصرالله قلم نسائي لم يتكرر، فهذا الحضور اليومي في مختلف أوجه حياة الشارع، ونقلها بسرعة وعبر مختلف وجهات النظر من دون أن تضيع الخيط الدقيق وتميع القضايا وتتحول الضحية كالجلاد وجود لم يتكرر.
اللباس الحداثي المتواضع والتقارب مع وجهات النظر الوطنية الديمقراطية تتلمسه في هذا الدفاع الوطني عن كل ضحية من أية مدينة أو قرية، سواء لرجال أو لنساء.
ومع هذا لم تخل حياتها المهنية من المنغصات والتحامل والتجاهل رغم تلك الملفات عن قضايا المرأة والناس.
هذا يعود الى ضعف دور النساء الصحفي والنقابي وعدم تكريسهن لتيار، ومن هنا يصعب وجود امرأة كاتبة بقامة نوال السعداوي أو فتحية العسال وغيرهما.
الجمعيات ذكورية والآراء ذكورية وتعكس مصالح السادة والإقطاع الأسري.
من هنا فالحضور النسائي في الفنون والآداب الجماهيرية معدوم، ولهذا تنزل فوق رؤوسنا هذه المسلسلات الرمضانية البائسة بقصصها المفتعلة التافهة وتصويرها الغث للنساء وقضاياهن وللرجال كذلك وحضورهم لا تقترب من مادة صحفية حتى فما بالك بمواد الأدب البحرينية والقصة العربية؟!
التواشج مع الفكر المتقدم كان يمكن أن يظهر كتابات نسائية تبقى وتتجاوز الجرائد إلى الكتاب، فتغربل المواد الشعبية البحرينية وتتغلغل في تحليلها وتصير وثائق. ولهذا نجد أن قضايا النساء لم تحلل بصورة جذرية وتدرس مشكلات الأسرة والوعي والتخلف والاقتصاد الحديث وأسباب (عجز) النساء عن الدخول فيه.
لهذا نجد كيف ازدهرت وارتقت الثقافة اللبنانية والسورية والمصرية بوجود النساء الكاتبات الباحثات. فنوال السعداوي هي مدرسة وسجل حافل بالمؤلفات وبتحليل مختلف جوانب الحياة بأساليب مبهرة شيقة جماهيرية حتى غدت مدرسة للنساء العربيات جميعاً وللرجال كذلك، فهنا في الوعي الديمقراطي ليس ثمة حواجز جنسية.
بعض الأسماء الصحفية كطفلة الخليفة وسوسن الشاعر وغيرهما كرس نفسه للمقالات الصحفية والأعمدة الاجتماعية وليس الأدب والسياسة ومعالجة قضايا المجتمع بصفة عامة على مدى عقود خلق دائرة مهتمة بهذه المعالجات مما حرك دوائر القرار للتغيير.
بروين نصرالله من اللواتي كرسن أنفسهن في الصحافة لقضايا التحقيقات وهي من الأسماء اللامعة التي كرست نفسها للقضايا الاجتماعية والتحقيقات بأسلوب ريبورتاجي متنوع مشوق ساخن وتلجأ في أحيان قليلة الى الكتابة المباشرة والمقالات الموجزة التي تكشف طبيعة أي قضية.
كان القراء يتابعون بشغف هذه التحليلات والصور والمجادلات الثرية وأعماق الحارات ودواخل الشخوص. كانت البلد حاضرة من خلال مراقبتها.
ما ان تتفجر قضية شعبية حتى تجدها هناك، تتغلغل في الصفوف وتسجل، وتستجوب وتحلل.
قضايا خطيرة كالإضرابات والحرائق والمنازعات المختلفة، أو الوجود اليومي للنساء والرجال واختلاف الأعمال وتضارب المصالح لا تفلت من سجلها.
في الجريدة تجد حولها ثلة من النساء العاميات المسرحات من أعمالهن أو اللواتي يعانين في المحاكم من قضاياهن والتأخر فيها أو سوء الأحكام ومشكلات العنف الأسري الموجه للإناث.
بروين نصرالله قلم نسائي لم يتكرر، فهذا الحضور اليومي في مختلف أوجه حياة الشارع، ونقلها بسرعة وعبر مختلف وجهات النظر من دون أن تضيع الخيط الدقيق وتميع القضايا وتتحول الضحية كالجلاد وجود لم يتكرر.
اللباس الحداثي المتواضع والتقارب مع وجهات النظر الوطنية الديمقراطية تتلمسه في هذا الدفاع الوطني عن كل ضحية من أية مدينة أو قرية، سواء لرجال أو لنساء.
ومع هذا لم تخل حياتها المهنية من المنغصات والتحامل والتجاهل رغم تلك الملفات عن قضايا المرأة والناس.
هذا يعود الى ضعف دور النساء الصحفي والنقابي وعدم تكريسهن لتيار، ومن هنا يصعب وجود امرأة كاتبة بقامة نوال السعداوي أو فتحية العسال وغيرهما.
الجمعيات ذكورية والآراء ذكورية وتعكس مصالح السادة والإقطاع الأسري.
من هنا فالحضور النسائي في الفنون والآداب الجماهيرية معدوم، ولهذا تنزل فوق رؤوسنا هذه المسلسلات الرمضانية البائسة بقصصها المفتعلة التافهة وتصويرها الغث للنساء وقضاياهن وللرجال كذلك وحضورهم لا تقترب من مادة صحفية حتى فما بالك بمواد الأدب البحرينية والقصة العربية؟!
Published on January 04, 2020 17:08
•
Tags:
نشاط-صحفي-نسائي
♀العائلة والديمقراطية ⇦
لماذا يساند الكثير من رجال الدين الاستبداد الذكوري ؟ هل لأنهم فقط رجال يناصرون جنسهم أم أن المسألة أبعد من ذلك ؟
في حين أن الوعي الإنساني سواء تجلى في الدين أم في الفكر الحديث يجب أن ينظر بمسئولية وعدالة للعلاقات البشرية.
فهذه الاغلبية للأسف من الوعي الديني أم حتى من الوعي السياسي السائد، تركز على قمع النساء، وليس قمع شهوات الرجال واحتكارهم لثروة المنازل وقرارات التصرف فيها، وفي مظاهر شديدة الوضوح لا تحتاج إلى بيانات مثل كثرة أسفار الرجال إلى بلدان المتع، وترك زوجاتهم وعيالهم في ضيق مادي شديد في حين يقومون هم بالتمتع!
وهي حشود تشد الرحال يومياً بلا رقيب من فتوى ولا حساب من ضمير!
ودعك عنك هذه السهرات الذكورية الحاشدة في كل مكان، وهي تنفق من طعام العيال، وفي أثناء ذلك يجري التضديق على النساء، وعدم السماح لهن بالخروج، أو بالاشتراك في أنشطة مفيدة، وتحدثنى فتاة مثقفة ذات أخلاق رفيعة، بأن والدها يطاردها مطاردة شرسة لأنها تقرأ الكتب، وهي تكتب مقالات في الفكر بصورة سرية، وتطالع بالستر وكأنها ترتكب جريمة خطيرة، وهي تشتغل في عمل بسيط جداً ومرهق كثيراً وتعطي الأجر للأب!
وقد تمكن هذا (الأب) بجدارة من إخراس صوت ابنته وحبها للكتب والكتابة!
يركز الوعي الديني والذكوري الاستبدادي على قمع النساء ليخلو له الجو المنزلي للسيطرة، وسبب ذلك يكمن أولاً في خوف غريزي لدى هذا الوعي من (الخطيئة) فقد تراكمت في مخازنه العتيقة الكثير من العقد والخرافات عن المرأة، فهي المخلوق الشهواني، والماكر، والمتخلف والدنيء، ومن هنا ظهرت الحية كرمز مادي لهذا المخلوق، الأملس الملتف والمليء بالسم ولا بد من السيطرة على هذا المخلوق المشبوه، وعدم السماح له بإظهار غرائزه، ولا بد من قمعه بشتى الأشكال المادية كاللباس أو المعنوية كاستخدام الدين وتمويهه بهيمنة ذكورية متوارية وعميقة ومشحونة بالمقدس.
ولكن المسألة لا تعود للمقدس والدين بل تعود لرغبة الذكور في العائلة بالسيطرة على النساء واستنزاف أعمالهن وحياتهن، عبر امتصاص مجهود العمل تارة وعبر الزواج تارةٍ أخرى.
لتنقل المرأة من سادة متعددين في بيت الآب إلى سيد مطلق في بيت الزوج!
وهذا المخلوق (الضعيف) المدرب على الهوان منذ صغره، محاط برجالٍ من آباء وإخوة يقومون بدور وزارة الداخلية، فهم شديدو القمع للسجينات بينما لهم كل الحق في ممارسة حرياتهم وربما الاعتداء واستغلال بنات العائلات الأخرى.
ولكن في حين يفشل هؤلاء الأقوياء في دراساتهم ويكررون الرسوب بسبب السيادة الذكورية الاستبدادية التي تعطي طبقة السادة الأحرار كل الحقوق وتحرم النسوة الأماء كل حق، فتظهر قدرات الفتيات في الدراسة والتفوق لكن بعد ذلك يأتي الزوج ليواصل دورة القمع وتحويل المرأة الذكية إلى عاملة مغروزة في الطبخ والكنس والعيال فتزول ومضات الحرية والتألق التي حصلت عليها فى زمن التلمذة.
والأهل يسرعون في تزويج المخلوقة الذكية حتى لا تزدهر ومضات هذا الإبداع والتألق وتتحول إلى كائن ذي قيمة ومكانة.
وتنقل المرأة المحبطة، والتي تمكن هذا الوعي من تدميرها، كل هذه العقد والهزائم إلى أبنائها فيظهرون ككائنات مشوهة أخرى، تنقل إليها كلُ عقد الآباء والأمهات.
بهذا كله فإن الوعي الذكوري والديني الشمولي تمكن من خلق عائلة مريضة، ونقل الاستبداد السياسي العام إلى داخل المنزل، وجعل من جمهور النساء غير قادر على النضال الديمقراطي والمساهمة فيه، وجعلهن مجرد قطيع يصوت للسيد المسيطر في أي اتجاه يراه.
في حين أن الوعي الإنساني سواء تجلى في الدين أم في الفكر الحديث يجب أن ينظر بمسئولية وعدالة للعلاقات البشرية.
فهذه الاغلبية للأسف من الوعي الديني أم حتى من الوعي السياسي السائد، تركز على قمع النساء، وليس قمع شهوات الرجال واحتكارهم لثروة المنازل وقرارات التصرف فيها، وفي مظاهر شديدة الوضوح لا تحتاج إلى بيانات مثل كثرة أسفار الرجال إلى بلدان المتع، وترك زوجاتهم وعيالهم في ضيق مادي شديد في حين يقومون هم بالتمتع!
وهي حشود تشد الرحال يومياً بلا رقيب من فتوى ولا حساب من ضمير!
ودعك عنك هذه السهرات الذكورية الحاشدة في كل مكان، وهي تنفق من طعام العيال، وفي أثناء ذلك يجري التضديق على النساء، وعدم السماح لهن بالخروج، أو بالاشتراك في أنشطة مفيدة، وتحدثنى فتاة مثقفة ذات أخلاق رفيعة، بأن والدها يطاردها مطاردة شرسة لأنها تقرأ الكتب، وهي تكتب مقالات في الفكر بصورة سرية، وتطالع بالستر وكأنها ترتكب جريمة خطيرة، وهي تشتغل في عمل بسيط جداً ومرهق كثيراً وتعطي الأجر للأب!
وقد تمكن هذا (الأب) بجدارة من إخراس صوت ابنته وحبها للكتب والكتابة!
يركز الوعي الديني والذكوري الاستبدادي على قمع النساء ليخلو له الجو المنزلي للسيطرة، وسبب ذلك يكمن أولاً في خوف غريزي لدى هذا الوعي من (الخطيئة) فقد تراكمت في مخازنه العتيقة الكثير من العقد والخرافات عن المرأة، فهي المخلوق الشهواني، والماكر، والمتخلف والدنيء، ومن هنا ظهرت الحية كرمز مادي لهذا المخلوق، الأملس الملتف والمليء بالسم ولا بد من السيطرة على هذا المخلوق المشبوه، وعدم السماح له بإظهار غرائزه، ولا بد من قمعه بشتى الأشكال المادية كاللباس أو المعنوية كاستخدام الدين وتمويهه بهيمنة ذكورية متوارية وعميقة ومشحونة بالمقدس.
ولكن المسألة لا تعود للمقدس والدين بل تعود لرغبة الذكور في العائلة بالسيطرة على النساء واستنزاف أعمالهن وحياتهن، عبر امتصاص مجهود العمل تارة وعبر الزواج تارةٍ أخرى.
لتنقل المرأة من سادة متعددين في بيت الآب إلى سيد مطلق في بيت الزوج!
وهذا المخلوق (الضعيف) المدرب على الهوان منذ صغره، محاط برجالٍ من آباء وإخوة يقومون بدور وزارة الداخلية، فهم شديدو القمع للسجينات بينما لهم كل الحق في ممارسة حرياتهم وربما الاعتداء واستغلال بنات العائلات الأخرى.
ولكن في حين يفشل هؤلاء الأقوياء في دراساتهم ويكررون الرسوب بسبب السيادة الذكورية الاستبدادية التي تعطي طبقة السادة الأحرار كل الحقوق وتحرم النسوة الأماء كل حق، فتظهر قدرات الفتيات في الدراسة والتفوق لكن بعد ذلك يأتي الزوج ليواصل دورة القمع وتحويل المرأة الذكية إلى عاملة مغروزة في الطبخ والكنس والعيال فتزول ومضات الحرية والتألق التي حصلت عليها فى زمن التلمذة.
والأهل يسرعون في تزويج المخلوقة الذكية حتى لا تزدهر ومضات هذا الإبداع والتألق وتتحول إلى كائن ذي قيمة ومكانة.
وتنقل المرأة المحبطة، والتي تمكن هذا الوعي من تدميرها، كل هذه العقد والهزائم إلى أبنائها فيظهرون ككائنات مشوهة أخرى، تنقل إليها كلُ عقد الآباء والأمهات.
بهذا كله فإن الوعي الذكوري والديني الشمولي تمكن من خلق عائلة مريضة، ونقل الاستبداد السياسي العام إلى داخل المنزل، وجعل من جمهور النساء غير قادر على النضال الديمقراطي والمساهمة فيه، وجعلهن مجرد قطيع يصوت للسيد المسيطر في أي اتجاه يراه.
Published on January 04, 2020 17:08
•
Tags:
العائلة-والديمقراطية
January 1, 2020
عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الكائنُ الذي فقدَ ذاته
ارقصْ على حبال الطبقات والتيارات وارفعْ مصلحتكَ الخاصة لدرجة المقدس.
كنْ مع الحركة إذا رفعتك وقربتك من السلطة والمغانم واهربْ عنها إذا حرقت شعرةً من جلدك.
كنْ ضدها إذا خسرْتَ ولا تقطعْ الخيوطَ تماماً فربما أعطتك شيئاً في مستقبل الأيام.
كنْ مع الاشتراكية إذا كانت كراسي وتذاكرَ ودراسة مجانية وأبناءً يذهبون للنزهة.
لكنك دائماً مع الرأسمالية، هذه الملعونة اللذيذة.
كنْ مع اليسار إذا أغنى أهل اليسار، وكن مع اليمين إذا صعد نجمُ اليمين.
كن مع الالحاد إذا كان مفيداً وساعتهُ دانية وكنْ مع الإيمان إذا كانت قطوفه دانية.
كنْ ماركسياً تقدمياً حيث لا ضررَ ولا ضرار والجمهورُ الكادحُ يعطي تضحياته لها، وكنْ دينياً طائفياً حين ينقلب الجمهورُ ويصبحُ منشئاً لحصالات الخير والتبرعات ويسفكُ دمَهُ من أجل الخيال.
أنت أيها الراقصُ على حبال الطبقات والتيارات، يا لك من ذكي في زمن الغباء السياسي!
قامتك تصلُ للسماء وأنت تمشي وراء جيفارا وكاسترو وهوشي منه وتدقلا طبولَ الثورة في الغابات العربية الصحراوية، تحملُ بندقيةً من خشب وتقاتلُ في الفضاء، ولكن لا مانع من استثمار أبناء هوشي منه في المصانع والسكوت عن الاستغلال الفظ للملايين منهم.
إذا جاء زمانُ الثورة العمالية والاشتراكية فأنت اشتراكي لا تقبلُ بربطةِ عنق برجوازية، وتدينُ الإكراميات وإنشاء المتاجر عند اليساريين المتخاذلين الانتهازيين، ولكنك لا تمانع من المتاجرة بالدولارات في الاشتراكية وبيع البضائع المهربة بالسر في روسيا السوفيتية.
جاء زمانُ الطائفيين ففجأة اكتشفت طائفتك، وبكيت على ماضيك الإلحادي، وكراهيتك للمساجد والمآتم حسب تصنيفك الطائفي، وعرفت مزايا مذهلةً في هؤلاء الطائفيين المقاتلين من أجل الديمقراطية وحقوق الجماهير، أو لكونهم عقلاء يؤسسون رأسمالية بنوك الخير ومساعدة الشعوب وينخرون الحكومات والأنظمةَ بدأبٍ من أجل مستقبلِ رأس المال الطفيلي، وفي الإمكان أن يقفزوا للسلطات فجأة. فأنتَ دائماً مع الخير وتقدم الشعوب والموجة الغالبة.
مع الدولةِ والرواتبِ المجزية والعلاوات والبقشيش ومع المعارضةِ الطائفية تضعُ في صندوقَها الأسود بطاقةً للمستقبل، وربما يحضرُ مقعدٌ عال في قادم الأيام، فالعاقلُ لا يفلتُ فرصةً.
مع الاشتراكية هناك ومع الشيعة هنا، ومع السنة هناك ومع الربيع ومع الخريف حسب الأسعار، ومع الألوهة ومع الإلحاد، ومع المقاومة ومع التراكمات النقدية حسب الطلبات الوطنية والعالمية والشركات المتعددة الأيديولوجية.
التناقضاتُ تملأكَ ولكنها لا تدمرك، كيف تُدمرُ حصالةٌ؟ وكيف يفلسُ بنكٌ أيديولوجي سياسي متحرك؟!
التناقضاتُ تصيبُ المناضلين الخائبين الذين لا يغيرون مبادئَهم حتى في الأعاصير، الذين إذا قلّ أنصارهم بقوا، وإذا كثروا لم يغتروا. يكتفون بضلع من بناية، ويزدهرون في البساطة والشظف والفرح.
أما أنت فعملاقُ عصرك ترتفعُ عن هؤلاء المحنطين، وتزدهرُ أسهمك ومدخراتك، وترهفُ السمع لأي تغير في الذبذبات السياسية والمالية، وتزحف وتزحف حتى تهترئ نفسك ولا يبقى عظيمٌ في روحك، تتحسسلا موجات الهواءِ الصغيرة لتتعرف الاتجاه القادم وتبقى في الاتجاه السائد.
قدمٌ في الرأسمالية وقدم في الاشتراكية، قدم في اليسار وقدم في اليمين، قدم مع الإرهابيين وقدم مع الشرطة العربية حسب مسار الأسهم.
هؤلاء أعداؤك الذين كانوا يريدون قتلك فكيف تظهر بينهم وتزرعْ زرعهم؟! وهذه أوراقكَ كيف توقفت واهترات، وهذا مسرحك كيف هدمته، وهذه أدبياتك كيف توقفت وهذه صحفك كيف أهترأت، وهذه خطاباتك كيف مُحيت، وهذا تيارك كيف دمرته، وهذا شعبك كيف تلاعبْت بمصيره؟
كنْ مع الحركة إذا رفعتك وقربتك من السلطة والمغانم واهربْ عنها إذا حرقت شعرةً من جلدك.
كنْ ضدها إذا خسرْتَ ولا تقطعْ الخيوطَ تماماً فربما أعطتك شيئاً في مستقبل الأيام.
كنْ مع الاشتراكية إذا كانت كراسي وتذاكرَ ودراسة مجانية وأبناءً يذهبون للنزهة.
لكنك دائماً مع الرأسمالية، هذه الملعونة اللذيذة.
كنْ مع اليسار إذا أغنى أهل اليسار، وكن مع اليمين إذا صعد نجمُ اليمين.
كن مع الالحاد إذا كان مفيداً وساعتهُ دانية وكنْ مع الإيمان إذا كانت قطوفه دانية.
كنْ ماركسياً تقدمياً حيث لا ضررَ ولا ضرار والجمهورُ الكادحُ يعطي تضحياته لها، وكنْ دينياً طائفياً حين ينقلب الجمهورُ ويصبحُ منشئاً لحصالات الخير والتبرعات ويسفكُ دمَهُ من أجل الخيال.
أنت أيها الراقصُ على حبال الطبقات والتيارات، يا لك من ذكي في زمن الغباء السياسي!
قامتك تصلُ للسماء وأنت تمشي وراء جيفارا وكاسترو وهوشي منه وتدقلا طبولَ الثورة في الغابات العربية الصحراوية، تحملُ بندقيةً من خشب وتقاتلُ في الفضاء، ولكن لا مانع من استثمار أبناء هوشي منه في المصانع والسكوت عن الاستغلال الفظ للملايين منهم.
إذا جاء زمانُ الثورة العمالية والاشتراكية فأنت اشتراكي لا تقبلُ بربطةِ عنق برجوازية، وتدينُ الإكراميات وإنشاء المتاجر عند اليساريين المتخاذلين الانتهازيين، ولكنك لا تمانع من المتاجرة بالدولارات في الاشتراكية وبيع البضائع المهربة بالسر في روسيا السوفيتية.
جاء زمانُ الطائفيين ففجأة اكتشفت طائفتك، وبكيت على ماضيك الإلحادي، وكراهيتك للمساجد والمآتم حسب تصنيفك الطائفي، وعرفت مزايا مذهلةً في هؤلاء الطائفيين المقاتلين من أجل الديمقراطية وحقوق الجماهير، أو لكونهم عقلاء يؤسسون رأسمالية بنوك الخير ومساعدة الشعوب وينخرون الحكومات والأنظمةَ بدأبٍ من أجل مستقبلِ رأس المال الطفيلي، وفي الإمكان أن يقفزوا للسلطات فجأة. فأنتَ دائماً مع الخير وتقدم الشعوب والموجة الغالبة.
مع الدولةِ والرواتبِ المجزية والعلاوات والبقشيش ومع المعارضةِ الطائفية تضعُ في صندوقَها الأسود بطاقةً للمستقبل، وربما يحضرُ مقعدٌ عال في قادم الأيام، فالعاقلُ لا يفلتُ فرصةً.
مع الاشتراكية هناك ومع الشيعة هنا، ومع السنة هناك ومع الربيع ومع الخريف حسب الأسعار، ومع الألوهة ومع الإلحاد، ومع المقاومة ومع التراكمات النقدية حسب الطلبات الوطنية والعالمية والشركات المتعددة الأيديولوجية.
التناقضاتُ تملأكَ ولكنها لا تدمرك، كيف تُدمرُ حصالةٌ؟ وكيف يفلسُ بنكٌ أيديولوجي سياسي متحرك؟!
التناقضاتُ تصيبُ المناضلين الخائبين الذين لا يغيرون مبادئَهم حتى في الأعاصير، الذين إذا قلّ أنصارهم بقوا، وإذا كثروا لم يغتروا. يكتفون بضلع من بناية، ويزدهرون في البساطة والشظف والفرح.
أما أنت فعملاقُ عصرك ترتفعُ عن هؤلاء المحنطين، وتزدهرُ أسهمك ومدخراتك، وترهفُ السمع لأي تغير في الذبذبات السياسية والمالية، وتزحف وتزحف حتى تهترئ نفسك ولا يبقى عظيمٌ في روحك، تتحسسلا موجات الهواءِ الصغيرة لتتعرف الاتجاه القادم وتبقى في الاتجاه السائد.
قدمٌ في الرأسمالية وقدم في الاشتراكية، قدم في اليسار وقدم في اليمين، قدم مع الإرهابيين وقدم مع الشرطة العربية حسب مسار الأسهم.
هؤلاء أعداؤك الذين كانوا يريدون قتلك فكيف تظهر بينهم وتزرعْ زرعهم؟! وهذه أوراقكَ كيف توقفت واهترات، وهذا مسرحك كيف هدمته، وهذه أدبياتك كيف توقفت وهذه صحفك كيف أهترأت، وهذه خطاباتك كيف مُحيت، وهذا تيارك كيف دمرته، وهذا شعبك كيف تلاعبْت بمصيره؟
Published on January 01, 2020 06:57
عبـــــــدالله خلــــــــيفة : أسباب تمكن الحركات الطائفية من الاختراق
كانت هشاشة الأنظمة الاجتماعة العربية والإسلامية التقليدية وعدم تجذر الحداثة المجسدة للتطور الوطني الشامل والوحدة الشعبية والتنوع الديمقراطي الطبقي، هي الأسباب التي جعلت من الحركات المذهبية السياسية اختراقا للمجتمعات وتفكيكا لصفوفها.
كانت المذهبيات الاجتماعية بحد ذاتها في التاريخ الإسلامي تعبيراً عن غياب دولة التوحيد، والتعاون الاجتماعي بين الطبقات المختلفة.
كان الحذرُ الفقهي الإسلامي مدركاً لمخاطر السياسات المذهبية، وفي زمن النزاعاتِ الاجتماعية السياسية كانت الغالبيةُ من الفقهاء ترفضُ التسييسَّ الاستغلالي للدين، وكان ما يُسمى الفتنة الكبرى مثالاً على ذلك التوحد وسط النزاعاتِ السياسية الخطيرة المؤدلَّجة لمصالح الأسر الارستقراطية، فكان ثمة تحديد للأخطاء والصواب من الأغلبية الساحقة للفقهاء حيث تحديد المخطئين الرافضين للخلافة والمناوئين لها، من دون الانقسام الطائفي غير المعروف حينئذٍ.
أسرُ الأشراف الكبرى وهي العلوية والأموية والعباسية عملتْ للحكم، ومثلّت الانقسامات السياسية لدى المسلمين، وراحت تحول تلك الانقسامات الى مذهبياتٍ اجتماعية مختلفة، عبر تنحية فقه التوحيد والمشترك النضالي بين المسلمين، وتصعيد الفقهاء التابعين لهذه القوى.
ولهذا يمكن ملاحظة حال الفقه بعد عدة قرون، وتكريسه الانقسامات المذهبية على نحو اجتماعي ضيق وسياسي مصلحي، ليس عبر تلك الأسر الكبرى الثلاث فحسب، بل عبر عشرات الأسر والقوى التي ظهرت في الدول ثم الدويلات.
وقد مثلت حركات النهضة العربية الإسلامية الديمقراطية العلمانية المحاولات الحديثة لتجاوز مستوى الوعي السياسي الاجتماعي للعصر السابق، وخلق وحدات تحررية ونهضوية للشعوب، وجعل المذاهب للشؤون الفقهية الاجتماعية المتعددة، ولكن الدول التي أُقيمت على أسس هذه الحركات لم ترتق إلى حلول فكرية وسياسية جذرية، فقد ترددت في قبول أسس النهضة الحديثة الغربية العالمية معبرةً عن قوى تقليدية من مُلاك الأرض عجزت عن التصنيع الواسع، وجعلتْ من أجهزة الدول أدوات شاملة للمُلكية، وحافظت على ثقافة الفقه التقليدية المُفتتة للمسلمين، ولم يتخط الانقلابيون هذا المستوى المتخلف على صعيدي الاقتصاد والثقافة، فلم تقترب الدكتاتوريات من التصنيع الواسع الحر، وبقيت الملكيات الزراعية الكبيرة ومصانع المواد الخ وغيرها منتجة لأشكال التملك الباذخ المُضيّع للفوائض الاقتصادية خارج التصنيع.
عبرت الحكومات الطائفية المتعددة عن بقاء الهياكل الاقتصادية الاجتماعية مفككة في كل بلد، وهيمنة مراكز العواصم الحكومية المذهبية، في مواجهة الأطراف المذهبية المختلفة، فكانت بذور التوحيد التي أنشأتها حركات التحرر والنهضة قد أفلست، وغرقت الأنظمة في أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وتغلغل التشظي والطائفية داخل الجماعات التحديثية المتآكلة نفسها.
عبرتْ المذهبياتُ السياسية عن استعادةِ نفس الطرق المتخلفة القديمة في الفقه الانتهازي، وتغييب الفلسفات العقلانية الديمقراطية المحللة للأنظمة ومشكلاتها العميقة وطرح الحلول الوطنية لتطورها، لهذا فهي تؤزمُ كلَ بلد ثم تؤزم الأمم الإسلامية كلها، ثم تجرها إلى الحروب، لكونها تفتقد برامج الديمقراطية والتوحيد والسلام في بلدانها أولاً.
كانت المذهبيات الاجتماعية بحد ذاتها في التاريخ الإسلامي تعبيراً عن غياب دولة التوحيد، والتعاون الاجتماعي بين الطبقات المختلفة.
كان الحذرُ الفقهي الإسلامي مدركاً لمخاطر السياسات المذهبية، وفي زمن النزاعاتِ الاجتماعية السياسية كانت الغالبيةُ من الفقهاء ترفضُ التسييسَّ الاستغلالي للدين، وكان ما يُسمى الفتنة الكبرى مثالاً على ذلك التوحد وسط النزاعاتِ السياسية الخطيرة المؤدلَّجة لمصالح الأسر الارستقراطية، فكان ثمة تحديد للأخطاء والصواب من الأغلبية الساحقة للفقهاء حيث تحديد المخطئين الرافضين للخلافة والمناوئين لها، من دون الانقسام الطائفي غير المعروف حينئذٍ.
أسرُ الأشراف الكبرى وهي العلوية والأموية والعباسية عملتْ للحكم، ومثلّت الانقسامات السياسية لدى المسلمين، وراحت تحول تلك الانقسامات الى مذهبياتٍ اجتماعية مختلفة، عبر تنحية فقه التوحيد والمشترك النضالي بين المسلمين، وتصعيد الفقهاء التابعين لهذه القوى.
ولهذا يمكن ملاحظة حال الفقه بعد عدة قرون، وتكريسه الانقسامات المذهبية على نحو اجتماعي ضيق وسياسي مصلحي، ليس عبر تلك الأسر الكبرى الثلاث فحسب، بل عبر عشرات الأسر والقوى التي ظهرت في الدول ثم الدويلات.
وقد مثلت حركات النهضة العربية الإسلامية الديمقراطية العلمانية المحاولات الحديثة لتجاوز مستوى الوعي السياسي الاجتماعي للعصر السابق، وخلق وحدات تحررية ونهضوية للشعوب، وجعل المذاهب للشؤون الفقهية الاجتماعية المتعددة، ولكن الدول التي أُقيمت على أسس هذه الحركات لم ترتق إلى حلول فكرية وسياسية جذرية، فقد ترددت في قبول أسس النهضة الحديثة الغربية العالمية معبرةً عن قوى تقليدية من مُلاك الأرض عجزت عن التصنيع الواسع، وجعلتْ من أجهزة الدول أدوات شاملة للمُلكية، وحافظت على ثقافة الفقه التقليدية المُفتتة للمسلمين، ولم يتخط الانقلابيون هذا المستوى المتخلف على صعيدي الاقتصاد والثقافة، فلم تقترب الدكتاتوريات من التصنيع الواسع الحر، وبقيت الملكيات الزراعية الكبيرة ومصانع المواد الخ وغيرها منتجة لأشكال التملك الباذخ المُضيّع للفوائض الاقتصادية خارج التصنيع.
عبرت الحكومات الطائفية المتعددة عن بقاء الهياكل الاقتصادية الاجتماعية مفككة في كل بلد، وهيمنة مراكز العواصم الحكومية المذهبية، في مواجهة الأطراف المذهبية المختلفة، فكانت بذور التوحيد التي أنشأتها حركات التحرر والنهضة قد أفلست، وغرقت الأنظمة في أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وتغلغل التشظي والطائفية داخل الجماعات التحديثية المتآكلة نفسها.
عبرتْ المذهبياتُ السياسية عن استعادةِ نفس الطرق المتخلفة القديمة في الفقه الانتهازي، وتغييب الفلسفات العقلانية الديمقراطية المحللة للأنظمة ومشكلاتها العميقة وطرح الحلول الوطنية لتطورها، لهذا فهي تؤزمُ كلَ بلد ثم تؤزم الأمم الإسلامية كلها، ثم تجرها إلى الحروب، لكونها تفتقد برامج الديمقراطية والتوحيد والسلام في بلدانها أولاً.
Published on January 01, 2020 06:18
December 31, 2019
عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الديمقراطيةُ البرجوازيةُ العماليةُ
إذا كان المصنعُ هو أساس الحياة الاقتصادية للمجتمع، فإن المستثمرين والعمال هم أساس تطوره الاجتماعي السياسي على مدى العصر الحديث حتى ينطفئ هذا الأسلوب تدريجياً.
هذه الضرورة لا تتكشف من أول وهلة بل عبر مجرى الزمن الاجتماعي الصراعي الطويل.
في البدايات لا يكون للعمال وجود اجتماعي سياسي، فهم كم مهمل، لكن الضرورات الاقتصادية وتطور الصناعة وانتشار التعليم والوعي النقابي والسياسي، يجعل لهذه المجموعات المفتتة كيان طبقة بعد عقود طويلة.
أما الوجود السياسي وكونها طبقة مؤثرة ليس في المصانع فحسب بل في البرلمان والمؤسسات السياسية فهي مسائل تتعلق بمدى تطور الديمقراطية الاجتماعية السياسية في المجتمع: تغير طبيعة العائلة الكبيرة، وانتشار الثقافة الموسوعية وسط العمال، وظهور العائلة العمالية المكثفة المتطورة، وتحول العمال اليدويين المستمر لعمال تقنيين وخبراء وعلماء، وهذا يتعلق بمجرى تطور الثورة العلمية التقنية.
زمنيةُ العمالِ اليدويين الأكثر تخلفاً تحددُ زمنيةَ البرلمانات التي تملأها البرجوازية وفئاتها المتعددة، في هذا الزمن لا يستطيع العمالُ فهمَ السياسة وتنتشر الأمية بينهم، هذه الزمنية تؤجج الأحقاد واستعمال العنف من قبل فئات من العمال، وفي هذا الزمن النقابات ضعيفة والأحزاب الاشتراكية ذات نهج شمولي.
تتطور البرجوازية والعمال في مجرى الصراع التعاوني، فالأولى تقودُ تطور وسائل الانتاج، وتربط المصانع بمعاهد البحوث، وتطور العلوم المرتبطة بالانتاج، وهو أمر يقود لتوسع فهم العالم، وتنشأ فئاتُ العلماء المنفصلة عن الانتاج في بادئ الأمر، ثم تتغلغل العلومُ في المصانع وفي فئات العمال، فتتضاءل الشمولية وسط الطبقات العمالية وتغدو منتجة في الوعي السياسي الديمقراطي.
تعتمد تطورية البلدان على تطور المصانع وعلاقاتها بالعلوم والتقنية، ووجود الأسواق والمواد الخام، وتضيق الأسواق بشكل دائم فتتوسع البلدانُ الرأسمالية المندمجة مع بعضها البعض، مثلما يصبح العمال قوة إجتماعية قارية. ولهذا فإن أوروبا الغربية تغدو أكثر ديمقراطية فيما يلعب الحجم الاقتصادي الضخم في الولايات المتحدة دوره في التوسع والاستعمار وخسارة الفوائض الاقتصادية على التسلح والحروب، ويبقى العمال فيها قوة غير مؤثرة على التطور الاقتصادي السياسي. ولهذا فإن أزماتها الكبرى في الطريق. الاعترافُ المتأخرُ بالعمال كقوة سياسية يخلف قوى الانتاج ويؤزم التطور سواءً في الغرب أو الشرق.
في بعض البلدان النامية ترتفعُ راياتُ العمال الحمراء والمتعددة الألوان كقوةٍ سياسية مجردة فالمستوى الاجتماعي المتخلف لهم والهيمنة السياسية الأيديولوجية الزائفة عليهم يجعلان الفئات الوسطى الصغيرة أو الارستقراطية أو الإقطاع تزيح الطبقتين المنتجتين وتتحكم في الفوائض، ويختنق التطور الاجتماعي السياسي الديمقراطي لعقود حتى يظهر مجدداً ويغدو العمالُ أكثر الخاسرين وتتشوه البناءات الاقتصادية: ضخامةٌ في الرساميل غيرِ المنتجة وتقزمٌ في المنتجة منها؛ سواءً كان ذلك بسبب البذخ أو التسلح أو التوجهات للأرباح السريعة، لكن السبب الأهم هو غياب الجدلية الصراعية التعاونية بين المستثمرين والعمال، وعدم تحول الديمقراطية لترشيد اقتصاد السوق نحو تطوير قوى الانتاج البشرية والمادية.
في البلدان النامية ضخامة أعداد العمال الهامشيين والعاطلين وغير المؤثرين في الحياة الاجتماعية، تعبيرٌ عن ضعف الانتاج، وانهيار الانتاج القديم وعدم التمركز في المصانع وضعف صلاتها بالعلوم والتقنية، ولا توجد برجوازية صناعية هنا، بل فئات وسطى صغيرة تفتقدُ القدرة على تكوين الرساميل الصناعية ولهذا تكون ذات وعي ديني، حيث لم يندغم الوعي هنا بالعلوم وقراءة الطبيعة وتطوير العمال والمصانع.
الضرورات تكسرُ الأشكالَ الحِرفية الصغيرة، مثلما تتضخم رؤوس الأموال، ويتمركز العمال، وتتصل المصانع بالتقنيات والمعارف الحديثة، فيكرر الشرقُ مسارَ الغرب بصور أسرع، وتصبح القاراتُ السكانيةُ قادرةً على تجاوزه حين تطور صراع المستثمرين والعمال التعاوني الديمقراطي، فيصبح القرن الواحد والعشرين بدايات العصر البرجوازي العمالي العالمي المشترك المديد في القرون القادمة.
هذه الضرورة لا تتكشف من أول وهلة بل عبر مجرى الزمن الاجتماعي الصراعي الطويل.
في البدايات لا يكون للعمال وجود اجتماعي سياسي، فهم كم مهمل، لكن الضرورات الاقتصادية وتطور الصناعة وانتشار التعليم والوعي النقابي والسياسي، يجعل لهذه المجموعات المفتتة كيان طبقة بعد عقود طويلة.
أما الوجود السياسي وكونها طبقة مؤثرة ليس في المصانع فحسب بل في البرلمان والمؤسسات السياسية فهي مسائل تتعلق بمدى تطور الديمقراطية الاجتماعية السياسية في المجتمع: تغير طبيعة العائلة الكبيرة، وانتشار الثقافة الموسوعية وسط العمال، وظهور العائلة العمالية المكثفة المتطورة، وتحول العمال اليدويين المستمر لعمال تقنيين وخبراء وعلماء، وهذا يتعلق بمجرى تطور الثورة العلمية التقنية.
زمنيةُ العمالِ اليدويين الأكثر تخلفاً تحددُ زمنيةَ البرلمانات التي تملأها البرجوازية وفئاتها المتعددة، في هذا الزمن لا يستطيع العمالُ فهمَ السياسة وتنتشر الأمية بينهم، هذه الزمنية تؤجج الأحقاد واستعمال العنف من قبل فئات من العمال، وفي هذا الزمن النقابات ضعيفة والأحزاب الاشتراكية ذات نهج شمولي.
تتطور البرجوازية والعمال في مجرى الصراع التعاوني، فالأولى تقودُ تطور وسائل الانتاج، وتربط المصانع بمعاهد البحوث، وتطور العلوم المرتبطة بالانتاج، وهو أمر يقود لتوسع فهم العالم، وتنشأ فئاتُ العلماء المنفصلة عن الانتاج في بادئ الأمر، ثم تتغلغل العلومُ في المصانع وفي فئات العمال، فتتضاءل الشمولية وسط الطبقات العمالية وتغدو منتجة في الوعي السياسي الديمقراطي.
تعتمد تطورية البلدان على تطور المصانع وعلاقاتها بالعلوم والتقنية، ووجود الأسواق والمواد الخام، وتضيق الأسواق بشكل دائم فتتوسع البلدانُ الرأسمالية المندمجة مع بعضها البعض، مثلما يصبح العمال قوة إجتماعية قارية. ولهذا فإن أوروبا الغربية تغدو أكثر ديمقراطية فيما يلعب الحجم الاقتصادي الضخم في الولايات المتحدة دوره في التوسع والاستعمار وخسارة الفوائض الاقتصادية على التسلح والحروب، ويبقى العمال فيها قوة غير مؤثرة على التطور الاقتصادي السياسي. ولهذا فإن أزماتها الكبرى في الطريق. الاعترافُ المتأخرُ بالعمال كقوة سياسية يخلف قوى الانتاج ويؤزم التطور سواءً في الغرب أو الشرق.
في بعض البلدان النامية ترتفعُ راياتُ العمال الحمراء والمتعددة الألوان كقوةٍ سياسية مجردة فالمستوى الاجتماعي المتخلف لهم والهيمنة السياسية الأيديولوجية الزائفة عليهم يجعلان الفئات الوسطى الصغيرة أو الارستقراطية أو الإقطاع تزيح الطبقتين المنتجتين وتتحكم في الفوائض، ويختنق التطور الاجتماعي السياسي الديمقراطي لعقود حتى يظهر مجدداً ويغدو العمالُ أكثر الخاسرين وتتشوه البناءات الاقتصادية: ضخامةٌ في الرساميل غيرِ المنتجة وتقزمٌ في المنتجة منها؛ سواءً كان ذلك بسبب البذخ أو التسلح أو التوجهات للأرباح السريعة، لكن السبب الأهم هو غياب الجدلية الصراعية التعاونية بين المستثمرين والعمال، وعدم تحول الديمقراطية لترشيد اقتصاد السوق نحو تطوير قوى الانتاج البشرية والمادية.
في البلدان النامية ضخامة أعداد العمال الهامشيين والعاطلين وغير المؤثرين في الحياة الاجتماعية، تعبيرٌ عن ضعف الانتاج، وانهيار الانتاج القديم وعدم التمركز في المصانع وضعف صلاتها بالعلوم والتقنية، ولا توجد برجوازية صناعية هنا، بل فئات وسطى صغيرة تفتقدُ القدرة على تكوين الرساميل الصناعية ولهذا تكون ذات وعي ديني، حيث لم يندغم الوعي هنا بالعلوم وقراءة الطبيعة وتطوير العمال والمصانع.
الضرورات تكسرُ الأشكالَ الحِرفية الصغيرة، مثلما تتضخم رؤوس الأموال، ويتمركز العمال، وتتصل المصانع بالتقنيات والمعارف الحديثة، فيكرر الشرقُ مسارَ الغرب بصور أسرع، وتصبح القاراتُ السكانيةُ قادرةً على تجاوزه حين تطور صراع المستثمرين والعمال التعاوني الديمقراطي، فيصبح القرن الواحد والعشرين بدايات العصر البرجوازي العمالي العالمي المشترك المديد في القرون القادمة.
Published on December 31, 2019 12:25
عبـــــــدالله خلــــــــيفة : تسلقُ البرجوازية الصغيرةِ الديني
في زمنيةِ الرأسماليات الحكومية القومية (الاشتراكية) كان تسلق البرجوازيات الصغيرة على أساس الشعارات اليسارية التوحيدية، حيث كانت الأنظمة بحاجةٍ لتوحد شعبي واسع من أجل بناء البُنى التحتية.
لكن التسلق على ظهور العمال والفلاحين عبر رفع شعاراتهم لم يؤدِ لتغييرٍ كبير في حياة هؤلاء العاملين. والبرجوازيات الصغيرة العسكرية من ضباط وموظفين ومثقفين اغتنى بعضُها وفرشتْ الأرض الاقتصادية السياسية لرأسمالياتٍ نصف ليبرالية وفوضوية في أغلب نماذجها، ولم تخلُ من القبضة الحديدية، ارتفعتْ فيها جماعات حكومية إلى مصاف النبلاء وتهدمت فيها شعارات الجمهورية والاشتراكية.
وحين أفلستْ شعاراتُ القومية والاشتراكية الحكومية الشمولية ظهرتْ البرجوازياتُ الصغيرة بديكوراتٍ جديدة هي الديكوراتُ الدينية.
لم تستطع أنظمةُ الرأسمالية الحكومية إزالةَ الإقطاع، وأدت فوائضُ النفط الوفيرةِ التي جرتْ في البلدان الصحراوية إلى إنعاش الإقطاع الديني مجدداً حيث سال لعابُهُ من التحول الجديد.
وهو إنعاشٌ غذى الشركات المالية والنصوصية الدينية وعودة الأساطير الخرافية للطائفيين السياسيين.
فجأة ظهرت دعاوى الإيمان وحجَّ اليساريون المتطرفون الذين كانوا يزعمون أن الإسلامَ دين وثني، وتحول آخرون لفتح المكتبات الدينية يستوردون الكتب والأشرطة الصفراء يعيدون الجمهور بها للعصور الوسطى.
وفيما كانت بعض المكتبات تزخر بالمؤلفات الإنسانية الأدبية والعلمية صارت على كل الواجهات الكتب الدينية المطبوعة في مطابع حكومية.
وفجأة اختفت الفروق بين التنظيمات الوطنية العلمانية والتنظيمات السياسية الطائفية.
وتبدل المروجون للسياحة والمشروبات الكحولية كذلك إلى مروجين للتدين وطاعة ولي الأمر والاقتداء بالسلف الصالح، مثلما يكتشف قادةُ بعض الفصائل أهمية اللحى لمنع انتشار الجراثيم في الذقون.
الترويج للجماعات الطائفية السياسية من قبل هذه المجموعات التي انهار وعيها النضالي الديمقراطي الحديث جاء في أعقابِ ظهور قطبي الصراع السني والشيعي في المنطقة حيث يزخلا كللا قطب ماكينته الطائفية بالمواد المطبوعة والمروجين المتنقلين بين الجمهور بشكل مكشوف أو مقنع ثم صارت الفضائيات والوسائط الحديثة تغذي بشكلٍ هائل نقل التخلف والعداوات بين المسلمين.
عودةُ الإقطاعِ أو استمراره في البلدان الصحراوية والقروية النفطية قبل البلدان العربية الحكومية العسكرية المتجهة للأزمة ، هو بسبب عدم تحولاتها مثل البلدان الأخرى العسكرية التي أجرت ضربات أكبر للحياة التقليدية، فجاء تأخرُها الفكري السياسي بسببِ عدم وجود فئات وسطى وعمالية تحديثية واسعة، فكانت أشكالُ الوعي والثقافة غيرُ منتشرة بتوسع بين الجماهير، فيسهلُ خداعها من خلال بعض الشعارات واستثمار تقاليدها وإرثها وجرها للنشاط السياسي العنفي الكامن أو الظاهر، كما أن جذورَ المنظمات الطائفية السياسية واعتبار هذه البلدان مركز الهروب للجماعات الدينية، كل هذا جرّ جماهير هذه البلدان للحراك السياسي الجماهيري الفوضوي.
ولهذا فإن الجماعات البرجوازية الصغيرة المتذبذبة بطبيعتها وعدم رسوخ الرؤى التقدمية والديمقراطية داخلها تنجرلا للسائد دائماً، ولكن قفزة هائلة من الاشتراكية والقومية والحداثة إلى الطائفية وثقافة الإقطاع كانت مفضوحة.
ضخ الأنظمة لجزء من ثروات البلدان لهذه الجماعات وتوسيعها وهي الواسعة أصلاً كجزء من بُنى الحرف ومعامل ومصانع المواد الأولية التي تغدق الفوائض على القوى المتنفذة نظراً لعدم وجود أسلوبِ إنتاج وطني متجذر يغذي مختلف الطبقات، يؤدي لتحولات الفوضى والانقلابات الخطرة على التطور.
وهكذا تنقلبُ تنظيمات كانت تتعيش على التسول من الأنظمة إلى أن تكون عدوة لها وتجد سببيات واهية للفوضى السياسية، وتتحالف مع تنظيمات يسارية كانت تعتبرها لوقت سابق قصير ملحدةً خطرةً على الإسلام!
اللاعقلانيةُ والذاتيةُ والمصالح العابرة وانتهاز الفرص والتلاعب بالمذاهبِ والأديان والقيمِ والركوب على ظهور الجماهير غير الواعية وعدم خلق التراكمات التحديثية بصبر وحكمة وبإقناع للشعب وكل هذا لكي تصبحُ هي في مركز الزعامة والسيطرة ويتفق معها أناسٌ لهم مثل هذا الطموح الذاتي وعدم التجذر في المصالح والمبادئ العامة.
إستخدم العلمانيون المرتدون نفس طرق الكهنوت في استغلال الدين وإفراغه من مضمونه النضالي وتأجيره للقوى الاستغلالية للهيمنة على الناس بدلاً من الانتاج العقلاني التحديثي.
لكن التسلق على ظهور العمال والفلاحين عبر رفع شعاراتهم لم يؤدِ لتغييرٍ كبير في حياة هؤلاء العاملين. والبرجوازيات الصغيرة العسكرية من ضباط وموظفين ومثقفين اغتنى بعضُها وفرشتْ الأرض الاقتصادية السياسية لرأسمالياتٍ نصف ليبرالية وفوضوية في أغلب نماذجها، ولم تخلُ من القبضة الحديدية، ارتفعتْ فيها جماعات حكومية إلى مصاف النبلاء وتهدمت فيها شعارات الجمهورية والاشتراكية.
وحين أفلستْ شعاراتُ القومية والاشتراكية الحكومية الشمولية ظهرتْ البرجوازياتُ الصغيرة بديكوراتٍ جديدة هي الديكوراتُ الدينية.
لم تستطع أنظمةُ الرأسمالية الحكومية إزالةَ الإقطاع، وأدت فوائضُ النفط الوفيرةِ التي جرتْ في البلدان الصحراوية إلى إنعاش الإقطاع الديني مجدداً حيث سال لعابُهُ من التحول الجديد.
وهو إنعاشٌ غذى الشركات المالية والنصوصية الدينية وعودة الأساطير الخرافية للطائفيين السياسيين.
فجأة ظهرت دعاوى الإيمان وحجَّ اليساريون المتطرفون الذين كانوا يزعمون أن الإسلامَ دين وثني، وتحول آخرون لفتح المكتبات الدينية يستوردون الكتب والأشرطة الصفراء يعيدون الجمهور بها للعصور الوسطى.
وفيما كانت بعض المكتبات تزخر بالمؤلفات الإنسانية الأدبية والعلمية صارت على كل الواجهات الكتب الدينية المطبوعة في مطابع حكومية.
وفجأة اختفت الفروق بين التنظيمات الوطنية العلمانية والتنظيمات السياسية الطائفية.
وتبدل المروجون للسياحة والمشروبات الكحولية كذلك إلى مروجين للتدين وطاعة ولي الأمر والاقتداء بالسلف الصالح، مثلما يكتشف قادةُ بعض الفصائل أهمية اللحى لمنع انتشار الجراثيم في الذقون.
الترويج للجماعات الطائفية السياسية من قبل هذه المجموعات التي انهار وعيها النضالي الديمقراطي الحديث جاء في أعقابِ ظهور قطبي الصراع السني والشيعي في المنطقة حيث يزخلا كللا قطب ماكينته الطائفية بالمواد المطبوعة والمروجين المتنقلين بين الجمهور بشكل مكشوف أو مقنع ثم صارت الفضائيات والوسائط الحديثة تغذي بشكلٍ هائل نقل التخلف والعداوات بين المسلمين.
عودةُ الإقطاعِ أو استمراره في البلدان الصحراوية والقروية النفطية قبل البلدان العربية الحكومية العسكرية المتجهة للأزمة ، هو بسبب عدم تحولاتها مثل البلدان الأخرى العسكرية التي أجرت ضربات أكبر للحياة التقليدية، فجاء تأخرُها الفكري السياسي بسببِ عدم وجود فئات وسطى وعمالية تحديثية واسعة، فكانت أشكالُ الوعي والثقافة غيرُ منتشرة بتوسع بين الجماهير، فيسهلُ خداعها من خلال بعض الشعارات واستثمار تقاليدها وإرثها وجرها للنشاط السياسي العنفي الكامن أو الظاهر، كما أن جذورَ المنظمات الطائفية السياسية واعتبار هذه البلدان مركز الهروب للجماعات الدينية، كل هذا جرّ جماهير هذه البلدان للحراك السياسي الجماهيري الفوضوي.
ولهذا فإن الجماعات البرجوازية الصغيرة المتذبذبة بطبيعتها وعدم رسوخ الرؤى التقدمية والديمقراطية داخلها تنجرلا للسائد دائماً، ولكن قفزة هائلة من الاشتراكية والقومية والحداثة إلى الطائفية وثقافة الإقطاع كانت مفضوحة.
ضخ الأنظمة لجزء من ثروات البلدان لهذه الجماعات وتوسيعها وهي الواسعة أصلاً كجزء من بُنى الحرف ومعامل ومصانع المواد الأولية التي تغدق الفوائض على القوى المتنفذة نظراً لعدم وجود أسلوبِ إنتاج وطني متجذر يغذي مختلف الطبقات، يؤدي لتحولات الفوضى والانقلابات الخطرة على التطور.
وهكذا تنقلبُ تنظيمات كانت تتعيش على التسول من الأنظمة إلى أن تكون عدوة لها وتجد سببيات واهية للفوضى السياسية، وتتحالف مع تنظيمات يسارية كانت تعتبرها لوقت سابق قصير ملحدةً خطرةً على الإسلام!
اللاعقلانيةُ والذاتيةُ والمصالح العابرة وانتهاز الفرص والتلاعب بالمذاهبِ والأديان والقيمِ والركوب على ظهور الجماهير غير الواعية وعدم خلق التراكمات التحديثية بصبر وحكمة وبإقناع للشعب وكل هذا لكي تصبحُ هي في مركز الزعامة والسيطرة ويتفق معها أناسٌ لهم مثل هذا الطموح الذاتي وعدم التجذر في المصالح والمبادئ العامة.
إستخدم العلمانيون المرتدون نفس طرق الكهنوت في استغلال الدين وإفراغه من مضمونه النضالي وتأجيره للقوى الاستغلالية للهيمنة على الناس بدلاً من الانتاج العقلاني التحديثي.
Published on December 31, 2019 12:00
December 30, 2019
عبـــــــدالله خلــــــــيفة : التبعية للدينيين
انجرار الجماعات (التحديثية) إلى الجماعات الدينية ليس هو وليد اليوم، ولكنه يعبر الآن بعد ربع قرن من التبعية للإقطاع الديني، إلى عجزِ هذه الجماعات عن إنتاج أي وعي ديمقراطي، وبالتالي هي لا تستطيع أن تعي مشكلات رأسماليات الدولة الراهنة وكيفية تجاوزها، ولهذا يغدو البديل الديني السحري متوافقاً مع انهيار ثقافتها السياسية على مدى عقود.
لم يكن الحديث عن (الاشتراكية) سواءً كانت بشكلها السوفيتي أو بشكلها العربي القومي الدكتاتوري سوى انتهازيةٍ ضاربةٍ بعمق في تكوين هذه الجماعات، وركوبها فوق ظهور العاملين للوصول إلى أهدافها الذاتية من أموالٍ وكراس.
مع الانهيارات المستمرة في تكوين الوعي عبر غياب القراءة والتثقيف وتراكم النضال، غدت التبعية للدينيين مظهراً لأزمة عدم التطور الداخلي فكراً ديمقراطياً وممارسة شعبية، وعدم قدرة هذه الجماعات على اختراق تلك الجماهير الدينية والكشف لها عن فسادِ رجال الدين المناصرين للدكتاتورية السياسية وكونهم قوى استغلال للناس وتجميدا لتطورهم وخطرا على سلامة دول المسلمين وخاصة في منطقتنا.
أما تحويل رجال الدين إلى قادة تحرير الجماهير فهو يتساير هنا مع الهيمنة الإيرانية، وبالتالي فإن هذه الجماعات سكتت على مدى ربع القرن هذا عن تعرية النموذج السوفيتي كنموذج استغلالي بيروقراطي غيّب الاشتراكية الديمقراطية.
عدم القيام بهذا النقد يعني تأييد دول رأسمالية الدولة الاستغلالية ذات الأشكال السياسية الشمولية في العراق وسوريا وإيران واليمن وليبيا وغيرها.
عدم القيام بهذا النقد لهذه النماذج يعني بقاء الصلات مع مخلفات تلك الأنظمة سواءً أحزاباً خائبة مستمرة في اجترارِ مادتها السياسية القديمة، أو عصاباتٍ في تلك الأنظمة، وما ينشأ عن ذلك من خدمات.
ولهذا فإن عناصر البرجوازية الصغيرة المتذبذبة ذات الروح المصلحية لا تنشئ سوى مثل هذا الحراك الغائي الفاسد، وتنظر إلى جهات المصلحة التي تلوحُ في الأفق، وتظن إن هياكلَها النخرة التي أقامتها على أشلاءِ المناضلين وعلى الديمقراطية الحزبية، يمكن أن تستفيدَ منها في المقاولات السياسية التي قد تظهر في السوق.
ولهذا تبقى حذرة من النقد العميق لأنظمة رأسماليات الدولة الشمولية، ويبقى عدم نقد النظام الإيراني الراهن هو أحد الأشكال الرئيسية في الانتهازية الحالية.
فذلك دغدغة لمشاعر بعض المؤمنين المتخلفين في وعيهم السياسي، وإبقاؤهم في نسيج الشمولية الدينية الاجتماعية المهترىء، الذي لا يمكن أن ينتج سوى عاطفية جياشة حادة عمياء فكرياً وسياسياً.
ولو أن مبضع النقد كان مستمراً خلال ربع القرن الأخير وجيَّش أناساً يقفون ضد دكتاتورية بعض رجال الدين في نضالهم ضد التاريخ، وضد الثورات الحقيقية، وضد التقدم الإيراني بشكل خاص، لما كانت التركيباتُ التنظيمية بمثل هذه الانتهازية وهذا الخواء الفكري السياسي.
لقد قامت تكويناتُ هذه البرجوازية الصغيرة الفقاعية على التبعية لكل قوي، سوفيتياً، قومياً إجرامياً، وطنياً بيروقراطياً فاسداً، والآن شمولية إيرانية مريضة تتقيأ أحماضها على الدول المجاورة، ولا يمكن لمن لم يقمْ بشحذِ أدواته التحليلية وممارسته النضالية ضد كل هذه التعاقبات السياسية الاجتماعية الاستغلالية إلا أن يبقى كحباتِ زئبق صغيرة تتدحرجُ نحو الصلابة النقودية القوية.
إن التبعية للدينيين التي تمت في خلال العقدين الأخيرين هي ذروة الكارثة، هي التتويج للخواء الفكري الذي استشرى وتغلغل مع نضوب القدرات على التحليل العميق الواسع لكل الظاهرات، وغدا جملاً سياسية مكرورة تنمطية، وقد كان الدينيون أكثر القوى الفكرية الاجتماعية التي تعرضتْ للنقد من قبل الفصائل التحديثية على مدى قرن من النهضة العربية، وكان استبعاد ممارساتها السياسية واستخداماتها للأديان بشكل تجاري، كان قاب قوسين أو أدنى من النجاح، لكن مع ظهور رأسمالية الدولة الإيرانية و(رعايتها) هذه القوى انتعشت مرة أخرى.يعبرُ الموتُ السياسي لهذه الجماعات عن انهيارِ رأسماليةِ الدولة الشمولية بكل أشكالها، والتي راحتْ تحتضر وتواصلُ ذلك في العديد من دول العالم الثالث، فيما تتصاعد الجماعاتُ الديمقراطية والليبرالية معبرة عن تصاعد الشرائح الوسطى المختلفة في مرحلة جديدة من تطور الرأسمالية الشرقية، حيث تتطلب أبنية مختلفة، وتغيير ظروف الكادحين ونشوء علاقات ديمقراطية بين القوى الاجتماعية والمستويات الاقتصادية.
ويحدث هنا جذب للدينيين إلى الليبرالية بدلاً من جر الدينيين الواقع والجماعات للوراء، وهذا كله لا ينفي دور اليسار، لكنه يسار جديد ديمقراطي، تجاوز الاشتراكيات الشموليات العالمية والقومية، وسدها لآفاق التطور اجتماعياً وثقافياً.
لم يكن الحديث عن (الاشتراكية) سواءً كانت بشكلها السوفيتي أو بشكلها العربي القومي الدكتاتوري سوى انتهازيةٍ ضاربةٍ بعمق في تكوين هذه الجماعات، وركوبها فوق ظهور العاملين للوصول إلى أهدافها الذاتية من أموالٍ وكراس.
مع الانهيارات المستمرة في تكوين الوعي عبر غياب القراءة والتثقيف وتراكم النضال، غدت التبعية للدينيين مظهراً لأزمة عدم التطور الداخلي فكراً ديمقراطياً وممارسة شعبية، وعدم قدرة هذه الجماعات على اختراق تلك الجماهير الدينية والكشف لها عن فسادِ رجال الدين المناصرين للدكتاتورية السياسية وكونهم قوى استغلال للناس وتجميدا لتطورهم وخطرا على سلامة دول المسلمين وخاصة في منطقتنا.
أما تحويل رجال الدين إلى قادة تحرير الجماهير فهو يتساير هنا مع الهيمنة الإيرانية، وبالتالي فإن هذه الجماعات سكتت على مدى ربع القرن هذا عن تعرية النموذج السوفيتي كنموذج استغلالي بيروقراطي غيّب الاشتراكية الديمقراطية.
عدم القيام بهذا النقد يعني تأييد دول رأسمالية الدولة الاستغلالية ذات الأشكال السياسية الشمولية في العراق وسوريا وإيران واليمن وليبيا وغيرها.
عدم القيام بهذا النقد لهذه النماذج يعني بقاء الصلات مع مخلفات تلك الأنظمة سواءً أحزاباً خائبة مستمرة في اجترارِ مادتها السياسية القديمة، أو عصاباتٍ في تلك الأنظمة، وما ينشأ عن ذلك من خدمات.
ولهذا فإن عناصر البرجوازية الصغيرة المتذبذبة ذات الروح المصلحية لا تنشئ سوى مثل هذا الحراك الغائي الفاسد، وتنظر إلى جهات المصلحة التي تلوحُ في الأفق، وتظن إن هياكلَها النخرة التي أقامتها على أشلاءِ المناضلين وعلى الديمقراطية الحزبية، يمكن أن تستفيدَ منها في المقاولات السياسية التي قد تظهر في السوق.
ولهذا تبقى حذرة من النقد العميق لأنظمة رأسماليات الدولة الشمولية، ويبقى عدم نقد النظام الإيراني الراهن هو أحد الأشكال الرئيسية في الانتهازية الحالية.
فذلك دغدغة لمشاعر بعض المؤمنين المتخلفين في وعيهم السياسي، وإبقاؤهم في نسيج الشمولية الدينية الاجتماعية المهترىء، الذي لا يمكن أن ينتج سوى عاطفية جياشة حادة عمياء فكرياً وسياسياً.
ولو أن مبضع النقد كان مستمراً خلال ربع القرن الأخير وجيَّش أناساً يقفون ضد دكتاتورية بعض رجال الدين في نضالهم ضد التاريخ، وضد الثورات الحقيقية، وضد التقدم الإيراني بشكل خاص، لما كانت التركيباتُ التنظيمية بمثل هذه الانتهازية وهذا الخواء الفكري السياسي.
لقد قامت تكويناتُ هذه البرجوازية الصغيرة الفقاعية على التبعية لكل قوي، سوفيتياً، قومياً إجرامياً، وطنياً بيروقراطياً فاسداً، والآن شمولية إيرانية مريضة تتقيأ أحماضها على الدول المجاورة، ولا يمكن لمن لم يقمْ بشحذِ أدواته التحليلية وممارسته النضالية ضد كل هذه التعاقبات السياسية الاجتماعية الاستغلالية إلا أن يبقى كحباتِ زئبق صغيرة تتدحرجُ نحو الصلابة النقودية القوية.
إن التبعية للدينيين التي تمت في خلال العقدين الأخيرين هي ذروة الكارثة، هي التتويج للخواء الفكري الذي استشرى وتغلغل مع نضوب القدرات على التحليل العميق الواسع لكل الظاهرات، وغدا جملاً سياسية مكرورة تنمطية، وقد كان الدينيون أكثر القوى الفكرية الاجتماعية التي تعرضتْ للنقد من قبل الفصائل التحديثية على مدى قرن من النهضة العربية، وكان استبعاد ممارساتها السياسية واستخداماتها للأديان بشكل تجاري، كان قاب قوسين أو أدنى من النجاح، لكن مع ظهور رأسمالية الدولة الإيرانية و(رعايتها) هذه القوى انتعشت مرة أخرى.يعبرُ الموتُ السياسي لهذه الجماعات عن انهيارِ رأسماليةِ الدولة الشمولية بكل أشكالها، والتي راحتْ تحتضر وتواصلُ ذلك في العديد من دول العالم الثالث، فيما تتصاعد الجماعاتُ الديمقراطية والليبرالية معبرة عن تصاعد الشرائح الوسطى المختلفة في مرحلة جديدة من تطور الرأسمالية الشرقية، حيث تتطلب أبنية مختلفة، وتغيير ظروف الكادحين ونشوء علاقات ديمقراطية بين القوى الاجتماعية والمستويات الاقتصادية.
ويحدث هنا جذب للدينيين إلى الليبرالية بدلاً من جر الدينيين الواقع والجماعات للوراء، وهذا كله لا ينفي دور اليسار، لكنه يسار جديد ديمقراطي، تجاوز الاشتراكيات الشموليات العالمية والقومية، وسدها لآفاق التطور اجتماعياً وثقافياً.
Published on December 30, 2019 07:36
December 21, 2019
عبـــــــدالله خلــــــــيفة : مكونان لا يلتقيان
لأن البحرين تكونت صغيرةً منفصلةً عن ثدي أمها الكبيرة الجزيرة العربية، مرةً بشكلٍ جيولوجي، حين اندفعتْ من خليج سلوى، ومرةً بشكل سياسي اجتماعي عندما انفصلتْ عن الصحراء العربية وصارتْ لؤلؤةً غيرَ مخطوفةٍ لفارس، فغدت هذا الكيان الصغير المتوتر الحاد العواطف، السريع التأثر، الشديد الهبوط العنيف على الأرض.
من الناحيةِ الاجتماعيةِ لم تؤهلها الظروفُ الاقتصاديةُ لأن تشكلَ طبقةً وسطى التي تم غياب طلائعها أكثر من مرة، حين قفزتْ على السير الصبور السياسي في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، وحين خطف اليسارُ دورها، بدواعٍ تعجيليةٍ خاصةً مع غيابِها عن الساحة وقد أفاد إلى حين، لكنه واصل هذا الدور حتى عندما بدأت تتحرك وتستعيد نشاطها الاقتصادي الاجتماعي السياسي، وهذا التنطعُ لدورٍ أصبح ليس بقدرتهِ، جعله يخسر الكثير، فوجد نفسه مُلحقاً بالقوى الطائفية المحافظة.
من اليسار بكل طموحهِ إلى أن يكون مُلحقاً بقوى محافظة رجعية هوة توضحُ حجم الانهيار في عظامهِ الداخلية التي خوتْ من الدم الشعبي والعقلانية والتراكم الديمقراطي، وتوضح كذلك هيمنة شعارية المغامرة وكيف تنتصر في بضعة أيام مع غيابِ الثقافة الديمقراطية.
عاد المجتمعُ لمكونيه الطائفيين، وضد أكثر من نصف قرن من جهودِ هيئةِ الاتحاد الوطني لتكوين ثقافةٍ وطنية، ومع كل الثيمات السياسية التي كلها تصيحُ بمعزوفة (الوطني) من جبهةِ التحرير الوطني حتى بنك البحرين الوطني، لكن لم يظهرْ هذا الوطني مكتملاً متجسداً في مجتمع.
كلُ جماعةٍ تأتي وكلُ سياسةٍ تنأى عن التوحيد التراكمي في الثقافة والعمل. كلُ فصيلٍ يريدُ أن يكون هو كل شيء، والمقاربة الديمقراطية لا تحصل على فرصها، وتنفضُ بحالاتٍ من الرعب والاجتثاث.
ثم برز المكونان الطائفيان أخيراً واضحين جليين، كشفا عن نفسيهما، ألقيا الثيابَ والأقنعةَ والمكياج وتقدما لكي يشطرا البلدَ وبقي من الزمان خطوة، وعن المجزرة شعرة.
حين تجلس على طاولة الكلام أو طاولة الشرب أو حتى تراب الجنازة، سوف تسألُ: من أي طائفةٍ هؤلاء؟ هل سوف أستطيع أن أتكلم معهم؟ هل هم معنا؟ هل من… أم هم من…؟
استطاعَ الطائفيون اختراقَنا بشكلٍ مرير.
هدموا بذوراً ومظلات صغيرةً لكي نقفَ معاً.
صار الفمُ يغص بمسامير وشظايا من زجاجٍ وهو يتكلم.
أنشأوا تنظيماتهم السياسية وهي كما يُفترض ذروة الوعي.
التنظيمُ السياسي قمةُ الوعي البشري، يحددُ الخطوطَ الأساسية لمسيرة أي مجتمع، ويعبئ الجهود من أجل تحقيقها.
لكن حين يكون التنظيم طائفياً فأي أهداف أساسية سوف يحققها؟
التنظيمُ الطائفي يعني أن يحققَ دولةً لطائفته. لا يوجد معنى آخر. أي أن يغدو شكلاً دكتاتورياً يمنعُ الطائفةَ التي يحكمُها من الامتزاجِ في طائفةٍ أخرى، يمنعُ تكونَ الشعب، وتحديث النساء وصيرورتهن مواطنات، يرفضُ ظهورَ الأحزاب المنافسة في منطقته فيقومُ بافتراسِها دينياً سياسياً، يمنعُ تكونَ الدولة الموحدة، وكلَ قيمها من عقلانية وديمقراطية وعلمانية ووطنية.
التنظيمُ الطائفي لا يعترفْ بمنجزات الحداثة، هو نتاجُ العصور الوسطى، ودول الطوائف والجماعات الدينية المنفصلة، وعالم النصوص الدينية المطلقة، وهذا التنظيم الرجعي يتفجرُ بسيطرتهِ وغلوائه في زمن الانفجار المعرفي وتوحد الدول والقارات والشعوب!
التنظيمُ الطائفي قمةُ الدكتاتورية ويطلبُ ديمقراطية!
يمنع حرية النساء واستقلال العمال والمثقفين ويقيم هيمنةً عنيفة متوارية داخلية في طائفته ويتقدم من أجل الحوار الديمقراطي والملَكية الدستورية والجمهورية الإسلامية، يلغي الآخرين في كيانه الخاص ويمنع التعددية ويريد أن يوسع حجم هذا الكيان لكي يفرض سيطرة القرون الوسطى على العصر الحديث، ويريد من الآخرين التنازل فيما يبقى في عليائه يرفض أن يتقدم لعالم الحداثة والحرية.
البحرين لم تستطع أن تَكون المستوى المتقدم من الديمقراطية وهي محاطة بجبالٍ من دولٍ تُصدر أعنف أشكال الدكتاتورية، وتريدُ أن تكونَها في زمن الاستقطاب الطائفي!
لا ديمقراطية مع تكوينات طائفية، لابد أن يُطلق سراح الأمهات والزوجات المستعبدات في الغيتو الطائفي، لابد أن يكون العقل هو السيد، لابد أن يُحرر الأطفال من الشحن المدروس الطائفي المؤسساتي، لابد أن تتحرر النصوص الإسلامية من هيمنة الخرافة، لابد أن تكون القبلة السياسية موجهة للوطن لا خارجه.
الأمل في الشباب يتطور لا تبعاً لضرورات العيش المتدني بل لتطور رؤاه العلمية ومواقفه الوطنية.
من الناحيةِ الاجتماعيةِ لم تؤهلها الظروفُ الاقتصاديةُ لأن تشكلَ طبقةً وسطى التي تم غياب طلائعها أكثر من مرة، حين قفزتْ على السير الصبور السياسي في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، وحين خطف اليسارُ دورها، بدواعٍ تعجيليةٍ خاصةً مع غيابِها عن الساحة وقد أفاد إلى حين، لكنه واصل هذا الدور حتى عندما بدأت تتحرك وتستعيد نشاطها الاقتصادي الاجتماعي السياسي، وهذا التنطعُ لدورٍ أصبح ليس بقدرتهِ، جعله يخسر الكثير، فوجد نفسه مُلحقاً بالقوى الطائفية المحافظة.
من اليسار بكل طموحهِ إلى أن يكون مُلحقاً بقوى محافظة رجعية هوة توضحُ حجم الانهيار في عظامهِ الداخلية التي خوتْ من الدم الشعبي والعقلانية والتراكم الديمقراطي، وتوضح كذلك هيمنة شعارية المغامرة وكيف تنتصر في بضعة أيام مع غيابِ الثقافة الديمقراطية.
عاد المجتمعُ لمكونيه الطائفيين، وضد أكثر من نصف قرن من جهودِ هيئةِ الاتحاد الوطني لتكوين ثقافةٍ وطنية، ومع كل الثيمات السياسية التي كلها تصيحُ بمعزوفة (الوطني) من جبهةِ التحرير الوطني حتى بنك البحرين الوطني، لكن لم يظهرْ هذا الوطني مكتملاً متجسداً في مجتمع.
كلُ جماعةٍ تأتي وكلُ سياسةٍ تنأى عن التوحيد التراكمي في الثقافة والعمل. كلُ فصيلٍ يريدُ أن يكون هو كل شيء، والمقاربة الديمقراطية لا تحصل على فرصها، وتنفضُ بحالاتٍ من الرعب والاجتثاث.
ثم برز المكونان الطائفيان أخيراً واضحين جليين، كشفا عن نفسيهما، ألقيا الثيابَ والأقنعةَ والمكياج وتقدما لكي يشطرا البلدَ وبقي من الزمان خطوة، وعن المجزرة شعرة.
حين تجلس على طاولة الكلام أو طاولة الشرب أو حتى تراب الجنازة، سوف تسألُ: من أي طائفةٍ هؤلاء؟ هل سوف أستطيع أن أتكلم معهم؟ هل هم معنا؟ هل من… أم هم من…؟
استطاعَ الطائفيون اختراقَنا بشكلٍ مرير.
هدموا بذوراً ومظلات صغيرةً لكي نقفَ معاً.
صار الفمُ يغص بمسامير وشظايا من زجاجٍ وهو يتكلم.
أنشأوا تنظيماتهم السياسية وهي كما يُفترض ذروة الوعي.
التنظيمُ السياسي قمةُ الوعي البشري، يحددُ الخطوطَ الأساسية لمسيرة أي مجتمع، ويعبئ الجهود من أجل تحقيقها.
لكن حين يكون التنظيم طائفياً فأي أهداف أساسية سوف يحققها؟
التنظيمُ الطائفي يعني أن يحققَ دولةً لطائفته. لا يوجد معنى آخر. أي أن يغدو شكلاً دكتاتورياً يمنعُ الطائفةَ التي يحكمُها من الامتزاجِ في طائفةٍ أخرى، يمنعُ تكونَ الشعب، وتحديث النساء وصيرورتهن مواطنات، يرفضُ ظهورَ الأحزاب المنافسة في منطقته فيقومُ بافتراسِها دينياً سياسياً، يمنعُ تكونَ الدولة الموحدة، وكلَ قيمها من عقلانية وديمقراطية وعلمانية ووطنية.
التنظيمُ الطائفي لا يعترفْ بمنجزات الحداثة، هو نتاجُ العصور الوسطى، ودول الطوائف والجماعات الدينية المنفصلة، وعالم النصوص الدينية المطلقة، وهذا التنظيم الرجعي يتفجرُ بسيطرتهِ وغلوائه في زمن الانفجار المعرفي وتوحد الدول والقارات والشعوب!
التنظيمُ الطائفي قمةُ الدكتاتورية ويطلبُ ديمقراطية!
يمنع حرية النساء واستقلال العمال والمثقفين ويقيم هيمنةً عنيفة متوارية داخلية في طائفته ويتقدم من أجل الحوار الديمقراطي والملَكية الدستورية والجمهورية الإسلامية، يلغي الآخرين في كيانه الخاص ويمنع التعددية ويريد أن يوسع حجم هذا الكيان لكي يفرض سيطرة القرون الوسطى على العصر الحديث، ويريد من الآخرين التنازل فيما يبقى في عليائه يرفض أن يتقدم لعالم الحداثة والحرية.
البحرين لم تستطع أن تَكون المستوى المتقدم من الديمقراطية وهي محاطة بجبالٍ من دولٍ تُصدر أعنف أشكال الدكتاتورية، وتريدُ أن تكونَها في زمن الاستقطاب الطائفي!
لا ديمقراطية مع تكوينات طائفية، لابد أن يُطلق سراح الأمهات والزوجات المستعبدات في الغيتو الطائفي، لابد أن يكون العقل هو السيد، لابد أن يُحرر الأطفال من الشحن المدروس الطائفي المؤسساتي، لابد أن تتحرر النصوص الإسلامية من هيمنة الخرافة، لابد أن تكون القبلة السياسية موجهة للوطن لا خارجه.
الأمل في الشباب يتطور لا تبعاً لضرورات العيش المتدني بل لتطور رؤاه العلمية ومواقفه الوطنية.
Published on December 21, 2019 13:45
December 17, 2019
عبـــــــدالله خلــــــــيفة : التفككُ الثقافي
[image error]
تتخثرُ الإرادة بعد سنين فعقود، وتكف العينان عن القراءة، والتحديق في الأشياء، والحفر في التاريخ.
لا إراداتٍ صبور، ولا قدرة على الصعود الحقيقي، النازف، المتعب، المضني، تسألُ الذاتُ نفسَها: أكل يوم قراءة؟ مستحيل! أكل يوم تفحص؟ لا يستطيع مثقف الليل أن يصير هذا، أفي كل أسبوع كتاب؟ مستحيل تضيع الكتب في السيارة وبين ثياب الأولاد غير المغسولة وأهرام العلب الفارغة.
في زمن الشباب ثمة بعض الهمة، والصعوبات كثيرة وكبيرة، ولا يمكن أن تدع القيودُ والهياكلُ العظمية والمقابر والزنزانات والملفات العتيقة وفقدان النظرة والموقف أن تتطور الذات كما تشاء.
تلجأ إلى السرعة في النقد، وإلى تحطيم الرؤوس الفنية والإبداعية بارتجال حاد، تصعب لملمة الأوراق، وتصعيد أفكار الوعي والتحليل والنقد، وربطها بالحالات الاجتماعية والنماذج البشرية والمصادر.
تتلكأ الكتابة، لا تغدو تغييراً للذات الارتجالية، الفوضوية. الحالات الشعرية الوامضة المتقطعة عبر سنين تموت.
الكتابة الساخنة تتطلب قضية، والذات الذاتية تريد أن تتسلط فوقها الأضواء، أن تعلو فوق المسرح، أن تجري وراء المهرجانات، أن تحصل على مكاسب مادية كبيرة.
الذاتُ الذاتيةُ تتوهمُ القضيةَ، غير أن لا طبقةَ تناضلُ من أجلها، ولا شعب تناضل من أجل توحيده، ولا جماعة تنمو من إشعاعاتِها، فأوراق العمر المتراكمة النقدية والإبداعية تضيع، تبحثُ عنها في المخازن والملفات وسلات المهملات والمكتبات غير أنها تضيع، خيوطُها انقطعتْ بشرايين الفكر ولغة الشعب، فصارت عرائس من البلاستك، ونواطير مزارع تخيف الطيور الباحثة عن أعشاش.
لا تجسد موقفاً سياسياً فكرياً ثقافياً متجذراً، تغدو فقاعة، الدراسة التحليلية العميقة هي المفقودة هنا، لأنها تأصيلٌ وتشريحٌ وتبيانٌ للموقف. إن الدراسةَ تفجيرٌ للفقاعة.
تستطيع أن تمارسَ استعراضاتها على الفقراء الخائبين في فهم القضية، على القرويين الذين تزعمَهُم أعداؤُهم، فهنا المكسب بالمجان.
في عقود عديدة لم تستطع الذات الذاتية أن تنتمي إلى القوى الحية فتعود إلى الطوائف، فهي لا تراكم تنويراً، أو نضالاً، بل تنتفخ على المسرح وتصبح بالوناً.
كل بضع سنين لها قضية معاكسة للقضية السابقة.
وبين القضايا ليس ثمة خيطٌ من تراكم الوعي الديمقراطي، بل مواقف حربائية متعددة اقتضتها المصالح والانتفاخات والعفوية الصارخة.
فمن الصعب أن تصلَ الذاتُ الذاتيةُ إلى أعماق القرويين، المتألمين الحالمين، الذين يركبون خيولَ دونكيشوت، ودون كيشوت له قضية.
الصراخ لا يغير التاريخ، والدوران حول الذات، لا ينتجُ شيئاً فيها، وحب المرايا ورؤية الذات العظيمة كل يوم، يقللُ من قيمتها ويكسرها.
تصبحُ قوى الإبداع التي لا تحفر ولا تنقد مسطحة فتتصارع في المسائل الطائفية، لأن هذه المسائل هي سطوح الواقع ومستنقعاته. إن الذين تاهتْ أوراقُهم وبحوثهم ونصوصهم الأخيرة الممزقة ومسوداتهم وذواتهم يتوهون في معركة الريح.
تضاف أجيالٌ جديدة للصحراء الثقافية، فتجد ان الإبداع فرجة ونصوص باهتة، فيزداد الرمل، وتتقلص شروطُ الكلمة.
تتخثرُ الإرادة بعد سنين فعقود، وتكف العينان عن القراءة، والتحديق في الأشياء، والحفر في التاريخ.
لا إراداتٍ صبور، ولا قدرة على الصعود الحقيقي، النازف، المتعب، المضني، تسألُ الذاتُ نفسَها: أكل يوم قراءة؟ مستحيل! أكل يوم تفحص؟ لا يستطيع مثقف الليل أن يصير هذا، أفي كل أسبوع كتاب؟ مستحيل تضيع الكتب في السيارة وبين ثياب الأولاد غير المغسولة وأهرام العلب الفارغة.
في زمن الشباب ثمة بعض الهمة، والصعوبات كثيرة وكبيرة، ولا يمكن أن تدع القيودُ والهياكلُ العظمية والمقابر والزنزانات والملفات العتيقة وفقدان النظرة والموقف أن تتطور الذات كما تشاء.
تلجأ إلى السرعة في النقد، وإلى تحطيم الرؤوس الفنية والإبداعية بارتجال حاد، تصعب لملمة الأوراق، وتصعيد أفكار الوعي والتحليل والنقد، وربطها بالحالات الاجتماعية والنماذج البشرية والمصادر.
تتلكأ الكتابة، لا تغدو تغييراً للذات الارتجالية، الفوضوية. الحالات الشعرية الوامضة المتقطعة عبر سنين تموت.
الكتابة الساخنة تتطلب قضية، والذات الذاتية تريد أن تتسلط فوقها الأضواء، أن تعلو فوق المسرح، أن تجري وراء المهرجانات، أن تحصل على مكاسب مادية كبيرة.
الذاتُ الذاتيةُ تتوهمُ القضيةَ، غير أن لا طبقةَ تناضلُ من أجلها، ولا شعب تناضل من أجل توحيده، ولا جماعة تنمو من إشعاعاتِها، فأوراق العمر المتراكمة النقدية والإبداعية تضيع، تبحثُ عنها في المخازن والملفات وسلات المهملات والمكتبات غير أنها تضيع، خيوطُها انقطعتْ بشرايين الفكر ولغة الشعب، فصارت عرائس من البلاستك، ونواطير مزارع تخيف الطيور الباحثة عن أعشاش.
لا تجسد موقفاً سياسياً فكرياً ثقافياً متجذراً، تغدو فقاعة، الدراسة التحليلية العميقة هي المفقودة هنا، لأنها تأصيلٌ وتشريحٌ وتبيانٌ للموقف. إن الدراسةَ تفجيرٌ للفقاعة.
تستطيع أن تمارسَ استعراضاتها على الفقراء الخائبين في فهم القضية، على القرويين الذين تزعمَهُم أعداؤُهم، فهنا المكسب بالمجان.
في عقود عديدة لم تستطع الذات الذاتية أن تنتمي إلى القوى الحية فتعود إلى الطوائف، فهي لا تراكم تنويراً، أو نضالاً، بل تنتفخ على المسرح وتصبح بالوناً.
كل بضع سنين لها قضية معاكسة للقضية السابقة.
وبين القضايا ليس ثمة خيطٌ من تراكم الوعي الديمقراطي، بل مواقف حربائية متعددة اقتضتها المصالح والانتفاخات والعفوية الصارخة.
فمن الصعب أن تصلَ الذاتُ الذاتيةُ إلى أعماق القرويين، المتألمين الحالمين، الذين يركبون خيولَ دونكيشوت، ودون كيشوت له قضية.
الصراخ لا يغير التاريخ، والدوران حول الذات، لا ينتجُ شيئاً فيها، وحب المرايا ورؤية الذات العظيمة كل يوم، يقللُ من قيمتها ويكسرها.
تصبحُ قوى الإبداع التي لا تحفر ولا تنقد مسطحة فتتصارع في المسائل الطائفية، لأن هذه المسائل هي سطوح الواقع ومستنقعاته. إن الذين تاهتْ أوراقُهم وبحوثهم ونصوصهم الأخيرة الممزقة ومسوداتهم وذواتهم يتوهون في معركة الريح.
تضاف أجيالٌ جديدة للصحراء الثقافية، فتجد ان الإبداع فرجة ونصوص باهتة، فيزداد الرمل، وتتقلص شروطُ الكلمة.
Published on December 17, 2019 14:23


