عبـــــــدالله خلــــــــيفة's Blog: https://isaalbuflasablog.wordpress.com , page 88

March 31, 2020

عبـــــــدالله خلــــــــيفة في روايته الأقلف يسرد حالات الإنسان المهمّش في بحثه عن الحب

الكاتب : عبـــــــدالله خلــــــــيفة.
قراءة : أحمد العربي.
الناشر : المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ط1، ورقية، 2002م.
الأقلف ، رواية كُتبت في عام 1988م، ونشرت في عام 2002م.
{لغة الرواية وأسلوبها جميل جدا، جزل، مليء بالصور والتشابيه، يومئ لما يريد الوصول اليه، يبتعد عن المباشرة والتبشيرية والتعابير الكبيرة، يجعلك كقارئ تصل للمعلومة ضمنا، بكثير من السلاسة والراحة}. 
{الرواية مكتوبة بلغة السرد عن واقع تغوص فيه بذاتيات شخوصه، بعمق وشفافية، لكنها تمر على الجانب العام المجتمعي للبحرين المحتل من الإنكليز، بمقدار ما يمس ذلك الواقع هؤلاء الأشخاص}.
{الحياة المعاشة في أي مجتمع في أي وقت طالما هي ملوثة بالمظلومية واللاعدالة ووجود المستعمر والحاكم الظالم المستبد ستبقى دائما حياة لا انسانية. وتبقى الثورة على المستعمر والفقر واللامساواة والاستبداد قانون يحرك البشر في كل زمان ومكان}.
تبدأ الرواية من وصف حياة الطفل الصغير يحيى، الذي يعيش في عشّة صغيرة في مزابل المدينة، تحتضنه الجدة، تلك المرأة العجوز الخرساء، التي وعى يحيى نفسه على الدنيا وهو يعيش في المزابل بصحبتها وحمايتها، ينبش وإياها في المزابل باحثا عن بقايا طعام وملابس وأشياء ينتفع بها، ليعيشا عليها، يتصارع مع الكلاب الشاردة والأطفال الآخرين أمثاله من لقطاء المدينة وفقرائها وأيتامها.
كان للآخرين دور في قدرته على تعلم النطق والتحدث، كان أقرب للخرس كما الجدة، بقي كل عمره ضنين الكلام، يعيش مشاعره موّارة في نفسه. استجد على حياة يحيى حضور شاب يكبره إلى المزابل ومعه عربة يجمع عليها بقايا الأنقاض وبعض ما يباع لإعادة تدويره.
تبادل الشاب مع يحيى الرصد المتبادل، سرعان ما اندفع الشاب اتجاه يحيى وعرفّه بنفسه، اسمه اسحاق، من أسرة ثرية وله عدد كبير من الأخوة والأخوات، كبر بينهم، ومع كبره ونضجه أصبحوا يعاملونه بطريقة تمييزية، لم يسمحوا له بإكمال تعليمه، وبدؤوا يوكلون إليه الأعمال القاسية والخدمية للعائلة، أحس بدونية بينهم لم يفهم سببها، وعندما واجههم بتلك المعاملة، أخبروه أنه ليس ابنهم، وهو مجرد لقيط وجدوه على باب الجامع. فُجع إسحاق بمعرفة حقيقة حاله، غادرهم غير آسف وبدأ يعمل في جمع الأنقاض من المزابل وبيعها ويعيش حياة شقاء وفقر.
أما يحيى فقد أخبره أنه لا يعرف عن نفسه إلا أنه ابن هذه المزابل وجدته الخرساء، وأنه لقيط رمته أمه هنا لتحمي نفسها من عار أو انتقام، أدرك يحيى أنه بلون عيونه الزرقاء وبشرته البيضاء، قد يكون ابنا لأحد هؤلاء الجند الانكليز الذين يحتلون البحرين ويعيثون فيها فسادا.
تصاحب يحيى وإسحاق وبدءا العمل على عربة إسحاق، يجمعان ما يتوفر لهما، ويذهبان به للسوق ويبيعانه بدراهم قليلة تفيد بطعام نظيف وإحساس بالإنسانية أكثر من النبش بالمزابل والعيش على فضلاتها.
استمر الأمر على حاله ذلك إلى أن جُرح يحيى ذات مرة أثناء النبش في المزابل، وأخذه اسحاق إلى المشفى الأمريكي في المدينة، المشفى الذي يعالج بالمجّان وتديرة إرسالية تبشيرية مسيحية، استقبلتهم الممرضة إيمي وهي أيضا راهبة. وقعت إيمي منذ اللحظة الأولى في غرام يحيى، واهتمت به كثيرا. أطالت فترة علاجه، حاولت أن تستميله وإسحاق للالتحاق بالمشفى يقومون ببعض الخدمات، وتهتم بهم تخضعهم للتعليم والتأثير الديني ليكونوا مسيحيين، كانت إيمي جزء من إرسالية دينية تتغطى مع غيرها بالعمل الصحي لتنصير هؤلاء “الوثنيين” على حد تعبيرها.
رفض يحيى وإسحاق ذلك، وتركاها مع الفرصة التي قدمتها لهم، طعام لذيذ ومأوى مناسب وعمل محترم وتعليم وتلقي مبادئ الدين المسيحي. يحيى احسّ اتجاه ايمي مشاعر خاصة لعله الحب، يحيى لا مشكلة عنده في موضوع الدين، فهو ابن المزابل وجدته الخرساء، لم يلقنه أحد يوما دينا معينا، علاقته مع الله والدين ضبابية، مسكون بهاجس المظلومية التي أوجدته لقيطا في مزابل المدينة، لكن اسحاق كان مدركا لحقيقة ما تريد منهما إيمي وبقية فريقها الطبي.
لكن الحاجة للمشفى استمرت، عاد يحيى وإسحاق يحملان على عربتهم الجدة التي مرضت واحتاجت للعلاج. وكان تأثر يحيى بإيمي هذه المرة أكثر، رضي أن يلتحق بالعمل بالمشفى وتعلم القراءة والكتابة والدين المسيحي، وجد ذاته باللغة التي امتلك ناصية حروفها، وبالإله المسيح المصلوب لأجل خلاص البشرية من الذنوب.
ابتعد إسحاق عن يحيى وهو يعاديه، اعتبره خائنا لدينه الإسلام ولشعبه في البحرين. تعلق يحيى وإيمي ببعضهم في حب قوي، لكنهما بقيا على مسافة جسدية عن بعضهم.
كانت ايمي ابنة لعائلة ثرية امريكية، عاشت طفولتها وبداية نضجها بسعادة بين أهلها، لكن والدها بدأ التحرش الجنسي بها، فما كان منها الا أن قررت الالتحاق بالكنيسة، ترهبنت وجاءت إلى البحرين مع فريق طبي تبشيري، كان الاتفاق معها على أن تلغي عواطفها الذاتية وحاجاتها الجسدية وتعطي نفسها للتبشير المسيحي. لكن يحيى أيقظ فيها مشاعر الحب، والحاجة للجنس مع الآخر رغم عقدتها من والدها، راقب مديرها رئيس البعثة تحولات إيمي وطلب منها أن تبتعد عن يحيى وأن تستمر مخلصة لدورها وتعهدها، صحيح أنها دفعت يحيى للتعليم، وأن يعلن انتماؤه للدين المسيحي، ويعمّد في الكنيسة التابعة للإرسالية، لقد أخبرها مسؤولها أن هذا كاف، لكن يحيى وإيمي وصلا بعلاقتهما إلى مرحلة اللا عودة واقتنعا ببعضهما وعاشا علاقة جسدية كاملة كزوجين.
أما إسحاق فقد حمّل نفسه مسؤولية معاقبة يحيى عن تنصره وخيانة أهله وناسه، واجهه في إحدى المرات وطلب منه العودة عن تنصره وأن يتوب إلى الله، لم يستجب يحيى للطلب، طعنه اسحاق في صدره وهرب، تم إسعاف يحيى وإنقاذه من الموت المحقق، مما ضاعف العلاقة والحاجة بين إيمي ويحيى.
طُردت ايمي من العمل، ذهبت إلى بيت يحيى الذي كان قد استأجره بعد عمله في المشفى، وعاشا سويا وسط أجواء عداء عامة. لم تكن الحالة في البحرين مقبولة على مستوى شعبها، لقد كان المستعمر الانكليزي وجنده مسيطرين على البلد ومقدراته، والشعب يعيش الفقر والفاقة. بدأ بعض الشباب بالعمل للثورة على هذا الوجود المستعمر، كان إسحاق على رأسهم، بدؤوا بأعمال عنف بحق الانكليز ومن والاهم، كان لليهود أبناء البلاد نصيب من التنكيل، قتل ونهب وإحراق بيوت، كان انتقاما أعمى.
حاول يحيى أن يصل لصديقه القديم حتى يوضح له أنه وإيمي لم يعودا مع الإرسالية وطردوا من المشفى. لم يتمكن من ذلك. كان رد المستعمر الانكليزي قاسيا فقد بدء في ضرب الأحياء وحرقها ردا على ثورة الناس.
كان يحيى يحتمي في بيته مع إيمي التي حملت وأنجبت له طفلة اسمها عائشة. هجمات الانكليز وإحراقهم البيوت وصل لبيته، احترقت زوجته إيمي وأنقذت الطفلة، أحسّ يحيى بالكارثة التي أحاقت به، أحس أنه مسكون بالظلم منذ مجيئه إلى الدنيا لقيطا. وإن زوجته أيمي وابنته عائشة هما النور الوحيد في حياته، لكنه خسره. احتضن طفلته بعد احتراق زوجته، لكن قائد الجند الإنكليزي اختطف الطفلة وطلب منه أن يأخذهم إلى حيث يعيش صديقه القديم إسحاق، الذي أصبح زعيما للمتمردين الثوار. كان يحيى جاهلا بمكان إسحاق، ولم يقبل أن يخون صديقه ومطالبه المحقة، أخذهم في متاهات المدينة ولم يوصلهم إلى شيء، أطلق الانكليز عليه النار، ادموه ثم شنقوه.
هنا تنتهي الرواية
في تحليلها نقول :
 ◈ بداية، لغة الرواية وأسلوبها جميل جدا، جزل، مليء بالصور والتشابيه، يومئ لما يريد الوصول اليه، يبتعد عن المباشرة والتبشيرية والتعابير الكبيرة، يجعلك كقارئ تصل للمعلومة ضمنا، بكثير من السلاسة والراحة.
◈ الرواية مكتوبة بلغة السرد عن واقع تغوص فيه بذاتيات شخوصه، بعمق وشفافية، لكنها تمر على الجانب العام المجتمعي للبحرين المحتل من الإنكليز، بمقدار ما يمس ذلك الواقع هؤلاء الأشخاص، راسمة أقدارهم بكل دقة وحرفية. المجتمع البحريني الفارق بالفقر والأمية والفاقة، مجتمع قائم بذاته في المزابل، قاع قاع المجتمع، حياة البشر الكثر الذين يعيشون على النبش في الفضلات، وجزء آخر من المجتمع يتمثل بيهود البحرين على علاقة مع المستعمر والإرساليات التبشيرية ممتلئ بالمال والالتحاق بالإنكليزي والغرب ومصالحهم، حضور الإنكليز الطاغي بصفتهم حكام القلعة، عسكر وقتل واعتقال وبطش.
◈ شعب بدأ رحلة النضال لتحقيق الحرية عبر عمليات عنف طالت الإنكليز وأذنابهم من اليهود وغيرهم. وسط كل هذا تنشأ حالات إنسانية من حب الأضداد، يحيى اللقيط الفقير وإيمي ابنة التبشير، لا يخفى استحالة هذا الحب، رغم كون إيمي هربت من تحرش والدها إلى الرهبنة والتبشير والتمريض، وأن يحيى وكونه ابنا للمزابل ولا وطن له. مع ذلك حاسبه المستعمر بكونه صديقا لزعيم الثوار. نعم لا يستطيع أي أحد أن يخرج أو يهرب من شروطه الحياتية العامة والخاصة. لذلك حُرقت إيمي مع الحي الثائر من قبل المستعمر وأعدم يحيى صديق الثوار.
أخيرا نقول إن الحياة المعاشة في أي مجتمع في أي وقت طالما هي ملوثة بالمظلومية واللاعدالة ووجود المستعمر والحاكم الظالم المستبد ستبقى دائما حياة لا انسانية. وتبقى الثورة على المستعمر والفقر واللامساواة والاستبداد قانون يحرك البشر في كل زمان ومكان.
هذا ما قاله الواقع العربي بعد عقود من زمن كتابة الرواية. حيث حصلت الثورة لتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل لكل الناس في بلدان عربية كثيرة.
عبدالله خليفة روائي بحريني متميز، يكتب منذ سبعينيات القرن الماضي، له العديد من الروايات والمجموعات القصصية، هذا أول عمل نقرأه له.
https://ayyamsyria.net/archives/256848

 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 31, 2020 15:50

March 21, 2020

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : القصة القصيرة الطلقة

طلقةٌ صغيرةٌ يوجهُها إنسانٌ كبير
هذا الوميضُ اللغوي الصوري يتجمعُ في لحظةِ إرادةٍ إبداعية، معرياً لحظةً سلبيةً في الحياة، مُسلطاً أشعةً اخاذةً حارقةً ممتعةً مُعذبةً كاوية، اللغةُ ترفرفُ طيوراً وتجسدُ صوراً وشخوصاً وحدثاً وتنزل ورداً ودبابيس وناراً.
القاصُ تمتدُ أصابعهُ إلى فرنِ الحياة، تحترقُ وتخبزُ، الفرنُ يتشكلُ من لحظةٍ تاريخيةٍ فيها موادُ الكتابةِ وأدواتُ التوصيلِ وأسلاكٌ قادرةٌ على نقلِ الحرارة.
هذا الكائنُ المجهري الذي اسمهُ القصةُ القصيرةُ هبطَ طائرا عربيا إنسانيا على محارةٍ مرميةٍ في الخليج العربي بين الحيتان وذئاب الصحارى.
من الورق الأصفرِ للتنويرِ المحبوسِ في صحيفةٍ نصف عربية – نصف بريطانية ظهرَ، في دخانِ الحربِ العالمية الثانية، والقصاصُ ملثمٌ خائفٌ من كتابةِ اسمه، طلقتهُ تتلوى وتصدأُ بسرعة، وحين ينهضُ الناسُ في وثبةٍ واسعةٍ في الخمسينيات تتسعُ تلك الشظيةُ الصغيرة فجأة، تتوحدُ بالتنويرِ والثورةِ والأفلامِ المصرية، يكرسها تجارٌ وموظفون فتخلتطُ بالبضاعة، وباللقطة الجزئية والخوف الاجتماعي، ثم يتركون الابنةَ الصغيرةَ لقيطةً في ورق الجرائد الذابل في الخزائن ونسيان المنافي.
تتسعُ الثورةُ أكثر، تتسعُ الثقافةُ للثمارِ العربية والإنسانية الجديدة، ينزلُ العامةُ للشوارع، تبدلُ القصةُ القصيرةُ ثيابَها المليودرامية والبكائية وليس بشكل تام، لأن القاصَ محمد الماجد الذي ظهر بعدئذ هو لحظةٌ انتقاليةٌ بين البكائيات وأغاني الحزن واليأس والوحدة وبين الواقعية الكاسحة، فيحتلُ مكانَهُ قاصٌ آخر هو محمد عبدالملك، معلمُ الحارة، الذي يشكلُ مسرحاً كبيراً من شخوصٍ شعبية مُحطمةٍ، هرسها التطورُ الغرائبي اللامفهوم، فقاربتْ الفئرانَ والسلاحف، في قصصهِ التالية يجسدُ شخصيات طحنتَها كذلك الأمراضُ النفسيةُ، فتوارى في الظلماتِ والمستشفياتِ، الحضورُ الشفيفُ الوامضُ للمقاتلين، حيث يجدُ عبدالملك ذاتَهُ التي تهربُ منه، وتظهرُ القصصُ القصيرةُ البذورُ المقاربةُ لملحمةٍ، وتتعددُ الشخوصُ واللغاتُ والمستويات والرموز، المصنوعة كلها بغنائيةٍ عاليةٍ تجسدُ مشهديةَ المسرح البطولي.
ينتزعُ أمين صالح مساراً مختلفاً، يتجاوزُ الواقعَ المباشر، والمرئياتِ التصويريةَ الجزئيةَ المحبوسةَ، يصنعُ واقعا خاصا، بريشةِ السحرِ والفنتازيا والثورة، الشخصياتُ الحميمة العادية تمخرُ الواقعَ كله وتعيدُ تشكيلَهُ، تتوحدُ برموز مبثوثة في السرد الغنائي الدرامي، وكلما استمر الكاتبُ وسعَ من مخليتهِ ومن غوصهِ في الواقع الغرائبي، ومن اختزاله الحارق، وهناك دائماً الشخصية المتمردة الطفولة المتحدة بالظاهرات الجميلة في الطبيعة. وهناك شخصية الشرطي الدائمة الحضور الشرير الهارسة للبذور. حلمٌ وكابوس.
هل لي أن أتذكرَ أنا الراوي العارضُ هذه الفسيسفاءَ الحارقةَ، لحظةَ أن أرى أولَ مجموعةٍ قصصيةٍ لي في مكتبة السجن؟ المجموعةُ التي لم أتسلمْ منها نسخة واحدة، المجموعةُ الصارخةُ الهتافيةُ من أجل أن أتأدبَ أكثر وأنسجَ الحكايات الرمزية التراثية، والروايات بقلم رصاصٍ مغروزٍ في غصن شجرة ورد، باكورة النار كانت.
اسماءٌ عديدةٌ حفرت: خلف أحمد خلف، وأحمد جمعة، وفريد رمضان، ونعيم عاشور، وغيرهم.
قصاصون بحرينيون كثيرون كتبوا، ملأوا الجرائدَ بالتجارب، زمنُ القصة القصيرة والقصيدة كان، زمنُ قصاصةِ الورقِ المشعةِ، لا تنافسها حينذاك وسائلُ البثِ وتحضيرُ الأرواح وخلقُ الاغتراب العام، فاقترب كثيرون من تلك الطفلة المشاغبة الماشية في الشوارع توزعُ الوعي على النائمين، نشروها بشغف.
والنساء اللاتي لم يظهرن إلا برموزٍ نادرةٍ في القصة السابقة المتعثرة بين أحضانِ الذكورِ الأشداء، قفزن إلى المسرح وكتبن همومَ الناس، والمرأةُ بؤرةٌ متوهجةٌ فيها، أسماءُ منيرة الفاضل وفوزية رشيد وسعاد الخليفة وغيرهن خلقن المشهدَ الافتتاحي النسائي الكبيرَ في القصة القصيرة، إنها القصةُ الغائرةُ في الداخل، في لحمِ الصراع بين الأنوثةِ والذكورة، معريةً فسادَ الأسرة والمجتمع، أغلبها قريبةٌ من المنولوجات الخاصة، المنسوجة بخيوط الواقع الغامض، المعادي.
وفيما يغرق كتابُ القصةِ القصيرة في الأنواعِ الأدبية الأخرى معطين القصةَ القصيرةَ قبلات سريعة، لم يعد فيها ذلك العشق الاستشهادي، تظهرُ أجيالٌ جديدةٌ تجربُ وتلعبُ وتحضرُ مناطقَ جديدةً من المجتمع، وبأدواتٍ تعود للتسجيلية والمليودرامية القديمة، بعد أن اختنق المجتمع بالثرثرة التسطيحية لقراءة الظواهر.
هذه بعضُ شراراتٍ من حريق كبير.
القصة القصيرة الطلقة
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 21, 2020 07:40

February 13, 2020

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : «الكلمة من أجل الإنسان»

[image error]
(كلمة من أجل الكاتب)
تميّز عبدالله خليفة ‏‏‏‏‏‏بالجمع في شخصيته بين المفكر التقدمي والأديب والروائي والمناضل الذي لم يتراجع في كل الظروف عن أفكاره وعن مواقفه. وقاده إلتزامه بأفكاره التي دافع عنها بشجاعة الى السجن اكثر من مرة. لكن من اهم ما عرف عنه وهو في السجن، الذي أدخل إليه في عام 1975. من موقعه في قيادة جبهة تحرير البحرين، أنه لم يترك القلم لحظة واحدة. وصار معروفاً أنه ألّف عدداً من كتبه ومن رواياته على وجه الخصوص داخل السجن على ورق السيجارة. وكانت تهرّب إليه الأقلام و أوراق السجائر ليمارس عمله الأدبي والفكري. وكانت تهرّب أعماله الأدبية من السجن وتطبع ويتم نشرها. وهو بتلك الصفة التي ندر شركاؤه فيها تحوّل الى أيقونة بالمعنى الحقيقي المناضل اليساري الحقيقي و لصاحب الفكر النيّر.
تعرّفت الى عبدالله خليفة ‏‏‏‏‏‏عندما زرت البحرين في عام  2000. أنني و أنا أستحضر اسم عبدالله خليفة ‏‏‏‏‏‏كمفكر وأديب وروائي مناضل لا استطيع الا ان اعلن لنفسي وللقارئ كم كنت معجباً بهذا الانسان. فهو الى جانب ما أشرت إليه من صفات فكرية وأدبية وسياسية كان إنساناً رائعاً بالمعنى الذي تشير اليه وتعبر عنه سمات الانسان الرائع بدماثته وبأخلاقه وبحسه الانساني الرفيع. قرأت مقالاته وقرأت جزءاً من موسوعته التي تحمل عنوان «الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية». وهو كتاب من أربعة أجزاء يحتل مكانه في مكتبتي.
المفكر اللبناني كريم مروة
ثمة شخوص، تحفر عميقاً في الذاكرة والروح والوجدان، وتبقى ماثلة شاخصة، بأبعادها الذاتية والإنسانية وعطائها اللامحدود، تعرفت على الكاتب والروائي والمفكر عبدالله خليفة‏‏‏‏‏‏ لأول مرة في منتصف الستينيات وهو في بدايات تجاربه القصصية الأولى.
عبدالله خليفة ‏‏‏‏‏‏كما عرفته قامة إنسانية، بقدر ما هو قامة كتابية وفكرية شامخة، وكما عرفت عبدالله في كتاباته القصصية والروائية والفكرية، عرفته أيضاً في جانبه الإنساني العميق.. البالغ العمق.. عبدالله غيري لا يكترث لذاته.. لا يكترث بالأنا بقدر اكتراثه بالآخر.. كان لعبدالله أن يكون من أصحاب الثراء والوفرة والنفوذ، حيث كانت الأبواب مفتوحة باتساعها لو أراد، لكن عبدالله أبى إلا أن يكون عبدالله، وآثر أن يكون إنساناً يقبض على الجمر بيد ويواصل رسالته الإنسانية باليد الأخرى. كم كنت أتمنى، لو أن عبدالله قد قيض له أن يكتب تجربته الإبداعية بما حف بها وداخلها من وقائع وأحداث، وما تمخض عنها من حراك ثقافي وأدبي وفكري واجتماعي وسياسي، لكن عبدالله آثر «تواضعاً» أن يكتب هذه التجربة بأبعادها ومعطياتها بعيدا عن أناه المباشرة. كما نجده في رواياته العديدة، التي تعتبر منجزاً وطنياً إبداعياً، ولعله الوحيد الذي يحسب له كتابة تاريخ البحرين الحديث «روائياً» في ثلاثيته «ينابيع البحرين» التي ستظل مرجعاً تأصيلياً مهماً لتاريخ البحرين والرواية السردية على السواء.
لقد رفد عبدالله خليفة ‏‏‏‏‏‏المكتبة الروائية في البحرين والخليج والمحيط العربي بنهر ثري من العطاء الروائي والدراسات الأدبية والنقدية، وتوج ذلك العطاء بكتابه الموسوعي القيم «الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية» وهو دراسة فكرية موضوعية رصينة في العقل العربي الإسلامي بدء بالزمن الأسطوري حتى العقل واللاعقل الدينيين.
رحم الله عبدالله خليفة ‏‏‏‏‏‏الكاتب والإنسان الذي لا يقل عطاؤه الوطني والإبداعي عن عطائه الإنساني، وقد كان غيابه المبكر وهو لم يزل بعد في ريعان العطاء الإبداعي فاجعة مني بها الإبداع التخيلي وخسارة كبرى للساحة الأدبية في البحرين والخليج والمحيط العربي.
الشاعر البحريني الكبير يوسف حسن
                                                 قوة الكلمة
لا تأتي قوة الكلمة من شقشقة اللغة، والتلاعب بالألفاظ، وترفيع المؤدلجين الكذابين، وتغييب الكتاب الحقيقيين، بل من التعبير عن المعاناة العامة، وقضايا الوطن المتخثرة في الدهاليز والفساد وثقافة الكذب.
كلما امتلكت الكلمة سحر التعبير الشعبي، وصور البطولة اليومية ارتفعت في سماوات الأدب البشري الخالد.
الكلمة ليست حروفاً مجردة بل قوة تعبير سحرية عن مضمون شعبي مقاوم يتصدى للصدأ والغبار التاريخي ونشر الجهل، هي صور للبسطاء وهم يُدهسون في شوارع الحياة، وتصوير لأصابعهم وهي تتحرك ضد الحشرات.
ليس الكاتب الخائب، والصحفي المنعزل، ومروج الأكاذيب اليومية المليئة بالصواريخ الفضائية، بل الكاتب المدافع عن شعبه، المعبر عن تاريخه، عن قضاياه المضيعة في ثرثرات المثقفين، وورق الدجل اليومي.
هو من يصور في قصصه وقصائده ومقالاته ما يدور في الواقع، وليس من يصنع صوراً زائفة، ويتباهى باتصالات الوزارات، والمؤتمرات الفاشلة المقامة لسرقة الشعوب، يتباهى بالرسائل المصنوعة من الدوائر العامة الفاشلة، وإقامة علاقة رفيعة عليا مع الحرامية، بل هو الذي يعيش في زاوية العتمة وقلبه على الوطن، يُجلد ويُحبس ويتعطل ويُغيّب ولا تزال القضايا العامة تنبضُ في حروفه.
سجل كلماته أرشيف كاشف للبلد، للحارات، للمحرومين، لم يقل أنا طوال حياته ويعرض سفراته المدفوعة الأجر مسبقاً من فاشلين إدارياً، لو أُعطي تذكرة كشف أرقامها وكيفية صناعة الخداع فيها.
الصحف الفاشلة تموت، وسجل التمويه لو أستمر قروناً لا يصمد للزمن، والبلدان المقطوعة اللسان تتفجر وتتساقط حممها على الرؤوس، ويهرب كذابو الكلمات خارجاً حاملين الغنائم، وسجل الثورات الهائل يعري التحولات المذهلة حيث لم يبق طاووس مهما طال به الزمن، ولا يتعذب شعبٌ إلى الأبد.
الكلمة تتصحر بين أيدي المنافقين لا يجدون أنهم قادرون على الكلام، وببغاء واحدة أفضل صدقاً من مليون كاتب مزيف، لا يَسمع سوى السخرية من كلماته لأنه أصم وبلا معرفة تاريخية منفصم عن الواقع، يعيش في قصر من المرايا التي تعكس ذاته العظمى، ومن يملك ذرة من الصدق ينزوي ويحترم نفسه.
الكلمة نار الحقيقة إلى الأبد، ومن الكلمة نشأت الحضارات والرسالات، وظهرت الرموز والدساتير تشع للبشرية الخير والجمال، والمنافقون لديهم كافة مجلدات اللغة، وموسوعات العطاء المدفوعة، لكنهم غير قادرين على صنع كلمة واحدة مؤثرة تنزل في التربة الوطنية الشعبية التاريخية وتزهر.
                                              ……………. ♦ …………….
لم يؤسسوا تنويراً
حديثُ الأنوارِ الذي ظل يبهروننا به، تصورنا إنه سوف تنبثقُ منهُ كتبٌ ومرجعياتٌ وموسوعات.
حين كتب الفيلسوف الفرنسي ديدرو موسوعته ورواياته أثرى الثقافة الإنسانية. لكن كيف كان سيفعل ذلك إذا لم ينعزل ويداوم على القراءة والبحث؟
كيف كان لجان جاك روسو أن يكتبَ إعترافاته ويُظهر جسدُهُ الروحي الحقيقي عارياً أمام البشر لو أنه إحتفظ بذرةٍ من غرور؟
كيف للفلاسفة والمفكرون والكتاب أن يمهدوا لتطور الإنسانية إذا بقوا في المستنقعاتِ ولم يصعدوا للجبال المعرفية الشوامخ؟
في الوعي العربي نشأتْ نماذجٌ من ذلك، كالعلامة العراقي (جواد علي) الذي حفر كثبان الجزيرة العربية الورقية اليابسة وكشف أخاديدها ووديانها التاريخية القديمة، بحيث تمكن الباحثون القادمون اللاحقون من السير نحو فهم العربية والإسلام والفلسفة؟
ولهذا فإن الخليج الثقافي يعيش ما قبل التنوير، ومع تأجج معاركه السياسية تبدو التربة الغضة لفكرهِ وثقافته، فالعربُ غيرُ عربٍ، والتحضرُ لم يتحول إلى تحضرٍ إلا في العمارة والأشياء، والمثقفون ليسوا مثقفين، والتنويورن ظلاميين، والغنمُ الاجتماعي أسرع لـ(المريس) النفطي يأكلهُ بسرعةٍ وشهوةٍ وحشيةٍ لا يريدُ حتى أن يبقي للأجيالِ القادمة إلا المباني النخرة والمؤسسات المحلوبة.
أول ما يمنع ظهور التنوير هو الإنتفاخات الشخصية، فالمسرحُ المليءُ بالشخوصِ المتضخمةِ يمنعُ رؤية أين يقع الظلام وكيف ينبثق النور.
حين تظهر المؤسساتُ ذاتُ المصروفاتِ الهائلة من أجل أن تشير لعظمة دولة لا تبقى دولة.
ثمة نفط وثمة غاز ولكن الغاز حين ينفخ البالونات ويطيرها في الهواء لكي يرى العالم كم يمتلك الخليج من بالونات ملونة رائعة، تنفجر من أي ضربة ريح.
كان يُفترض لأي تنوير أن يقف أمام المشكلات المحورية المفجرة للصراعات الدائمة ويكشفُ البقعَ المظلمةَ فيها.
لذلك أن الكتابَ والمبدعين يشكلون طلائع التحسس للأرض الشعبية وما فيها من حكايات وقصص وأمثال تكمن وراءها مشكلات البشر ومعاناتهم فتحدثُ هنا قراءات للإنسان الملموس الحقيقي، وليس الإنسان الموهوم المؤدلج، ومن هنا إمتلأت الموسوعات بمعرفة الشعوب.
لهذا فإن الفاعلين في الثقافة السياسية ظهروا كنبتٍ صحراوي، يغيبُ التحليلُ عن أعمالهم، وحين تحدث الأزماتُ الصاخبة وتُظهر الحصادَ الهزيل المريع، تتفجر لغةُ الشتائمِ والسخرياتِ والاحتقار والإلغاء وهم قبل قليل كانوا يتحدثون كلهم عن لغةِ الديمقراطية وإحترام الآخر وضرورة أن نصعد مثل بقية الدول حتى العربية منها إلى عالم الحداثة والديمقراطية.
لماذا حدث التغييب الكلي في زمن صعود أي طرف؟ لماذا تعني البلاغة الألغاء والدوس؟
بسبب إن التنوير وتعلم الديمقراطية وثقافة التعددية والتبادلية لم تصل إلى الداخل.
الدكتاتور في الداخل صعد وحصل على فرصة، وهنا سوف يلغي مظهر التنويري والموسوعي الزائف ويصيرُ(شوارعياً) بذيئاً، يعودُ إلى مستوى العامي الأمي البسيط المحترم في زمنهِ ولا يرددُ حكمَهُ بل شتائمه في حالةِ ضيقه ويأسه وتتحول أمثاله المُنتزعة من خبرته ومعاناته إلى زجاجات مكسورة في جسمه وروحه.
البلد الذي تضخم بالمباني والعلوم والمؤسسات يعودُ مثل (الفريج) العتيق المنقسم إلى ناحيتين وكلٌ منهما (تردح) ضد الأخرى.
الوعي لم ينحدرْ لأنه لم يتأسس، ولكن ثقافةَ (الردح) والاستعانة بـ(قبضايات) من الخارج، أظهرتْ أن ما تم النضال من أجله خلال عقود كأنه لم يكن، في ظل ثقافة التسييس الفاقع، وإنفلات الأعصاب، حيث عادت مناظرُ الشجارات في المقاهي ودور السينما الرثة، لكن بصورة مناطقية عالمية، وحدث الانكسارُ للمزهريات الصغيرة التي تجمعت فيها بعضُ الورود، وغاصتْ الشظايا في الأرجل الحافية.
                                            ……………. ♦ …………….
الرهان على القلم
لم تفد الكتاب المراهنة على الحكومات والدينيين، فالكلُ يتاجر بالأوطان والأديان لمصلحة موقوتة، والكل يبيع والبعض مستفيد، والأغلبية خاسرة!
الكل يدعي ولا أثر على الأرض!
ليس للكتاب سوى أقلامهم تنمو قصة ورواية وشعراً ونقداً وثروة للوطن بلا مقابل أو بمقابل ضئيل وغير شفاف!
أعطوا الوطن لكل من يدعي ويبيع، وكل من يزحف على بطنه، ويقبل الأحذية، ويأكل التراب ويلعن الإنسان.
ليس لكم سوى هذا القلم مهما توهمتم التحليق في سماء مجردة، ومهما تباعدتم، وأختلفتم، ليس لكم سوى قطرات من حبر أو من دم.
راهنوا على القلم فهو وحده الباقي
تتحولون إلى عظام وذكريات متعددة التفاسير ولا يبقى سوى قلمكم يقول ما آمنتم به وما ناضلتم لكي يتكرس في الأرض.
ليس لكم سوى أوراق فلا يخلدكم ولدٌ ولا تلد، هذه الحروف التي عانيتم في إنتاجها وتعذبتم في إصدارها هي التي تشرفكم أمام الأجيال المقبلة التي لا تحد ولا تحصى.
فثقوا بالحروف وبالإنسانية المناضلة نحو زمن جديد هو زمنكم، الذي تصيرون فيه ملوكاً متوجين، وحكاماً غير مطلقين، ومربين كباراً للأجيال.
ماذا تفعلون الآن وكيف تمتشقون سلاح الكلمة وتوجهونه للحرامية والمفسدين وتعرون شركات الأستغلال وبنوك النهب العام، ترتفعون في سماء الوطن، وتخلدون في سجلات الأبرار.
القلم ليس له شريك سوى الحقيقة، وليس لطريقه واسطة أو سلطة محابية أو كهنة مطلقين، هو الحربة الموجهة للشر لا تعرف الحلول الوسط أو الشيكات الثمينة.
سلطة القلم سلطة عالمية، تتوحدون مع القلم الأسود والأبيض والأصفر، وكل ألوان الإنسانية المتوحدة في معركة واحدة ضد الحكومات المطلقة وبيع الإنسان كما لو أنه حذاء وضد هذا العداء بين الأمم والأديان والأعراق.
أنتم رموز الإنسانية فلا تنحدروا ولا تساوموا واكتبوا بسلطة الحقيقة وليس بسلطة المال.
توحدوا في هذه المعركة الكونية، وتضامنوا مع اشقائكم المظلومين والمضطهدين في كل قارات الأرض، وضد هذه القوى التي تدهس القصة والقصيدة ولا تحب سوى الإعلان، وأخبار القتل واليأس، ولا تبجل سوى البشاع

                                              المحتويات
قوة الكلمة    ……………………………………………………………………11
إبراهيم البليهي: في الوعي النهضوي الأولي       ……………………..16
إبراهيم العُريّض: الشعر وقضيته            …………………23
ابن المقفع:  آراؤه وعصره    ………………………………………………….49
ابن تيمية: ابن تيمية وعصره ………………………………………………….76
ابن خلدون: تاريخية ابن خلدون         ………………………………………..81
ابن طفيل:    ………………………………………………………………………95
حي بن يقظان رمز للإنسان    ……………………………………………….104
أبو الطيّب المتنبي: المتنبي أميرٌ منافسٌ …………………………………123
أبو العلاء المعرّي: الوعي الجدلي في رسالة الغفران …………………131
أبي حامد الغزالي: إشكالية علم الكلام  ………………………………….144
أحمد الذوادي:         ……………………………………………………………165
أحمد الذوادي ماله وما عليه   ……………………………………………….167
أدونيس (علي أحمد سعيد): نقد بيان الحداثة لأدونيس   ……………..175
إسحاق الشيخ يعقوب: وحلمُ شعبٍ       …………………………………..196
الجاحظ:      ……………………………………………………………………….206
من أفكار الجاحظ الاجتماعية والفلسفية …………………………………..210
العفيف الأخضر: حوار مع العفيف الأخضر    ………………………………..225
بلزاك:  الروايةُ والثورةُ        …………………………………………………….233
جبران خليل جبران: التنوير الرومانتيكي       ……………………………….265
جرجي زيدان: الوعي الروائي عند جرجي زيدان    ……………………….273
جمال عبد الناصر: عبدالناصر كإقطاعي        ………………………………..293
حيدر حيدر: شعرية الرواية والصراع الاجتماعي       ……………………….303
خالد بكداش  ……………………………………………………………………….316
داروين: نظريةُ التطورِ مثبتةٌ علمياً    …………………………………………..327
دوستويفسكي: الروايةُ والاضطهادُ     ………………………………………..335
سلامة موسى: وعي النهضة عند سلامة موسى   ……………………….357
سيد القمني   ………………………………………………………………………364
سيد قطب     ………………………………………………………………………..369
صدام حسين: ما وراء سيرة صدام حسين       ……………………………….378
عبدالخالق السامرائي: بين النبلِ والخيال        ………………………………394
عبدالكريم سروش: دلالات أفكار عبدالكريم سروش     …………………….399
عبدالله الزائد: الخطاب السياسي عند عبدالله الزائد       …………………..410
عبدالله العروي         ………………………………………………………………..446
عبدالله الغذامي         ………………………………………………………………453
عبدالله القصيمي       ………………………………………………………………463
عزيز السيد جاسم     ……………………………………………………………….469
علاءُ الديب……………………………………………………………………………. 476
علي بن أبي طالب: عليٌ باق ورفيعٌ كالنجوم    ………………………………482
علي شريعتي          ………………………………………………………………..486
عمر التلمساني         ………………………………………………………………..509
عمر بن الخطاب: استعباد الناس        ……………………………………………518
غازي القصيبي: تفتخر بك البحرين يا غازي!  …………………………………..527
فرح أنطون  …………………………………………………………………………….547
فيلبي، جون  …………………………………………………………………………..554
كمال أتاتورك: هل كان علمانياً؟        ……………………………………………..562
لوكاش؛ جورج        ……………………………………………………………………569
لويس عوض           …………………………………………………………………..574
لينين؛ فلاديمير: لينين في محاكمةِ التاريخ       …………………………………587
مؤنس الرزاز: الإبداع الروائي عند مؤنس الرزاز      …………………………….602
ماركس؛ كارل: إنجازات وقصور كارل ماركس         ……………………………..610
ماو؛ تسي تونغ: الوعيُّ الفكري عند ماو تسي تونغ      ………………………636
محمد بن عبدالله (ص): مؤسسُ ديانةٍ، وقائدُ ثورة ……………………………..644
محمد جابر الأنصاري:  في تحولاته الفكرية      ………………………………….650
محمد جابر الصباح      …………………………………………………………………679
محمد جابر الصباح يضيءُ البحرين      ……………………………………………..681
محمد عابد الجابري      ………………………………………………………………..690
محمد عمارة: القومية والإسلام   ……………………………………………………696
مير حسين موسوي   ………………………………………………………………….712
نجيب محفوظ: نجيب محفوظ الذي عرفته       ……………………………………723
نصر حامد أبو زيد    ……………………………………………………………………..760
هادي العلوي          …………………………………………………………………….766
هتلر                    ……………………………………………………………………… 773
يعقوب صروف       ………………………………………………………………………781
يوسف القرضاوي     ……………………………………………………………………787

                                                                …………….♦♦ …………….
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 13, 2020 15:33

عبـــــــدالله خلــــــــيفة :مجموعة قصصية جديدة «باب البــحر»

[image error]


كلمة الغلاف
تأملْ وتألم، أدخلْ ترابكَ، أحملْ كفنك، هذه أرضك فلماذا لا تعطيها عمرك؟
هذه محرقتك التي عشتَ فيها، فأخطو في المصرفِ ثابتَ الخطى. وضعْ قلبكَ خارجاً.
الترابُ كان قبلك وبعدك، فأنثرْ رمادك، لا أحدَ سيدفنك، وأجلسْ على مقعدك، وأقطعْ الورقَ والورى.
الترابُ لا يساوي شيئاً في الكلمات بل في البيوت التي  تستدين.
يتقدم الرجلُ محطماً. يتأملهُ ريشةً في مهبِ الريح، يفحُ في وجهه:
  ــ كل ما رهنتَهُ لا يمكن أن يغطي مبلغَ السلفة.
  ــ هذه طفلتي يا سيدي، فيها مرضٌ خبيثٌ في العظام، سوف أعطيكم بعد أن أعود من سفر العلاج. سوف أبيعُ سفينتي لكن ليس لدي وقت. سأرهنُّ حتى ابنتي الأخرى، أعطني وقتاً، أرجوك!
    ــ دعْ الطابورَ الآن من فضلك!
حين أرممُ عظميَّ بهذا النبيذِ سأقولُ للطيورِ أنزلي وكُلي من حباتِ قلبي وعيوني.
جلستُ مع الشجر حتى نطقَ باسمي. يا أمي أيتها الأرضُ السخيةُ تمددتْ عروقي بكِ حتى أستوتْ أطفالاً ولوزاً يضجُّ .. بالدود، لا بالمودة!
يتقدمُ الكهل يحاول عبر عباءته أن يخفي مرضَ عظامه.
يندفعُ وجههُ إليه:
  ــ يا سيد صرتَ تتهربُ من الديون لسنتين والفوائد تتراكم سيتم إسترجاع البيت.
العجوز يطالعهُ برعب، العباءةُ تحلقُ فوقه وهو على البلاط البارد.
بلادي الجميلة خطوتُ في عتبتكِ الأولى ثائراً، نثرتُ كلماتي في حقولكِ فما أورقتْ حتى عشباً يابساً، زرعتُ جراحي في كلِ مكان، توسدتُ الصخورَ في البراري، يا لكلماتي كم تقاسي!
سألقى بلادي يا حبيبتي لأحضنكِ. سأغادرُ كلَ المنافي والخزائن والمدائن لأجثو تحت ركبتيكِ الشفافتين كالشعر، والثمر الربيعي اليانع.
سأصرخُ في وجه ..الذئاب.
الشاب يتقدم كالبلبل المبلول دهناً.
  ــ أنتَ مطلوبٌ للتحقيق.
نثرتنا القيودُ في ربوع الأرض. سكنا الخرائبَ، أكلنا من عشب البرية القاحلة. نثرنا دمَنا على البلاطات الكريهة. كانت الجدرانُ تضجُ، من سمعنا؟!

‹ …………….♦♦ …………….


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 13, 2020 14:47

February 2, 2020

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : لماذا لم يتطور التنظيم؟

مع سيطرة المتضخم على التنظيم المناضل (اليساري)، امتلأت الجدران بصور المناضلين الذين ضحوا في معارك التحرر الوطني، فلماذا لم يستفد من تضحياتهم؟ تحاول أن تحفر في جمجمته الأثرية عن مواد فكرية ثقافية متجذرة في الأرض والإنسان فتجدها فارغة.

لماذا خطفوا ولدنا الصغير في الريف وحولوه إلى أراجوز سياسي يتفجر بالشعارات والمفرقعات اليسارية ويختبئ في دولاب الثياب؟

الصورُ واللوحاتُ التي ترونها على الجدران أُفرغت من محتواها، غدت تاريخاً مجرداً وإن امتلأت بالتفاصيل الصغيرة، مثل كاتب فاشل يملأ الرواية بالكثير من التفاصيل، ونسغُ الأرضِ وروحُ الإنسان وإرادةُ التحدي البطوليةِ مفقودة.

الشمولي الذي هيمن على التنظيم لم يكن يرى تسرب الأعضاء من بين أصابعه السياسية، ذاته فقط محمية في علياء المكتب السياسي، ثمة معادلات دولية كبيرة تجعل سيادته موجوداً على كرسي السكرتير العام، أو القائد، سمها ما تشاء لكن المنصب الحقيقي هو الذكر المهيمن، سليل الأسر المتحكمة في الأرزاق والعباد. هو ميراثنا الشرقي الأزلي تمظهر وتجدد قوميا ودينيا وشيوعيا ووطنيا، الحيةُ المتعددةُ الجلود وسمُها واحد.

التنظيم اتخذ الأفراد كأدواتٍ للتحريك السياسي، مجرد أسماء سرية، لكن أن يكون ذا مظهر خاص، وعائلة معينة، وموهبة خاصة، فهذه تفاصيل لا تدخل في الرواية، التنظيم في عمله السري (ثم بعد ذاك العلني والزمن الحقيقي التنظيمي لم يتغير) له مهمة تأجيج التمرد، ومن هنا لن يتابع الأعضاء كأشخاص حقيقيين، كأناس لهم عائلات ومواهب وشخوص محددة، ولهذا لن يفهم الشعب في تحولاته.

حتى لو قُتل العضو فإن تاريخَهُ سيكون تاريخ التنظيم، ووقائع استشهاده هي الوقائع الرسمية، أما زوجته أو زوجاته ونقاط ضعفه وبعض الكتابات التي ألفها فهي ستوضع في الظل. تعبرُ هذه عن جدليةِ المثقف والشعب المفقودة، عن غياب تحليله للتاريخ، والبنية الاجتماعية، واندماجه الحقيقي العميق في هذه المواد، وليس باعتباره عضو مكتب سياسي، بل بإعتباره عضو تجديد فكري سياسي.

فيظهر تاريخ الضحايا الذي يسمى تاريخ الشهداء. فهذا هو تاريخ «الشهداء» في التاريخ العربي الديني: كائناتٌ نورانية، بذلوا دماءهم لكي تصعد قوى معينة، حتى ترتفع كراسي وسلطات، ولهذا فإن نقاطَ الضعف في الشهداء وحالاتهم الإنسانية العادية وسلبياتهم سوف تُطمسُ لحساب حالاتهم النورانية الدينية التي سوف تظلل التنظيم وتحيله إلى دكتاتور يرفض النقد وتحليل تاريخه.

التنظيمُ في حالة أمية ثقافية، وسوف يسيجُ تاريخَهُ بطقوس دينية وتقديسية، ولن يحلل هؤلاء البسطاء العاديين الجهلة الذين انضموا إليه، سيرفعهم لأمكنة القديسين، ولكنهم كانوا مناضلين لأنهم تحسسوا آلامَ الناس وظروفَ العمل الصعبة وآمنوا بشعارات معينة وضحوا، ولم يتوافر للتنظيم في البنية الشمولية المحافظة المتخلفة أن يطور مشروع الشهيد الدائم هذا ليكون مشروع المناضل، والباحثة، والفيلسوف، والراقصة، والنحات، والضابط، وأن يفهم البنية الاجتماعية وأن يشكل نضالات ديمقراطية حديثة تصل إلى الجدات اللاتي يحكين تواريخ النساء المعذبات، تنظيمٌ هو رد فعلٍ ناشئ كرد سلبي على مركزية سلبية أخرى، ولم يكن بإمكانه أن يرى أن «الشهيد» هذا كاتب له عمق فكري خاص، أو مخرجة لها نتاج مفيد، أو عامل له شخصية خاصة، ولهذا تغدو السلطات الشمولية الحاكمة والمعارضة في حالات استنساخ لبعضها بعضا، والجانبان يحاولان القضاء على بعضهما بعضا، ولهذا كلما جاءت معارضة لعنت أختها، والبنى الاجتماعية تزداد تدهوراً، وتفسخاً من الداخل. الدولةُ تقوى بالمعارضة والمعارضةُ تقوى بالدولة هذا حلم.

التنظيم لم يستطع أن يحول هذا الكويتب أو ذاك الرسام القتيل إلى نموذجين عميقين، وإلى نماذج مزدهرة، وهو الذي ترأسهُ مجموعةٌ من الأميين الثقافيين، فلماذا نستغرب أن تكون كل ثورة أسوأ من سابقتها؟

حتى وصلنا إلى أن يقودنا ويحكمنا ويعيث فساداً في أدمغتنا وأراضينا الطائفيون؟

من جمال الدين الأفغاني وسلامة موسى إلى الخميني والغنوشي والقادم من؟

الدول والتنظيمات نسخٌ كربونية من بعضها بعضا، التفاصيل المهمة والجوانب المضيئة تنحل في الآلات المتحكمة، فيما الأراضي البور تحن إلى الاختلاف والتنوعات والكتل الرفاقية المتصارعة من أجل الحقيقة، الهياكلُ السلطويةُ تمتصلا كلَ ما هو إيجابي وتتعفن من خلال السنين، مثل اليساري/اليميني يظهرُ في آخر حقبته منتج جمل فارغة، أسطوريا، شعاراتيا، لم يراكم وعياً موضوعيا عميقا، يرى جهة واحدة سياسية إجتماعية، وهي التي تفيده، ويتحلل مع السنين، وتعصره في خاتمة المطاف كليمونة يابسة صفراء، وكانت واعدة بالألوان.

التنظيم أنتج الشعارَ وتوقف، في حقبة الإنتاج الحرفي، الزراعي، في عالم المواد الخام، في زمنية ربطنا الحديثة بالإنتاج الرأسمالي الغربي، العربُ غيرُ قادرين على إنتاج ثورات تصنيعية علمية اجتماعية تغور في البشر خاصة، التنظيماتُ السياسيةُ والحكومية إعاداتُ إنتاجٍ لما هو سائد، إنها القرونُ الوسطى مع مسحةٍ خفيفة حداثية، السكرتيرُ العامُ والطاغيةُ لحظتان تتبادلان المواقع، والرفيق المناضل أداة لم تتعمق أو تتعملق، بن علي والغنوشي وجهان لميدالية واحدة، القطاعُ العامُ المهيمن والقطاعُ الخاصُ المستغِّل، الحداثي إقطاعي «مودرن»، والديني ربُ عملٍ إقطاعي، والرفيق العامل إما حرقَ نفسه، وإما حرقَ تاريخَهُ الطبقي الحقيقي.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=286872&nm=1 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 02, 2020 11:44

January 29, 2020

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الشاعر الكبير يوسف حسن و زهرة الغسق

[image error]
عن «أسرة الأدباء و الكتاب» في المنامة وبالتعاون مع وزارة شؤون الإعلام، صدر للشاعر  يوسف حسن  عضو أسرة الأدباء و الكتاب ديوان شعر حمل عنوان  «زهرة الغسق».
وقد أهدى  الشاعر يوسف حسن هذا الديوان إلى فقيد الساحة الإبداعية في البحرين والعالم العربي، الروائي و الكاتب عبدالله علي خليفة البوفلاسة، الذي أغنى بعطائه النوعي المكتبة البحرينية والخليجية  والعربية .
ضم الديوان ستة عشر قصيدة كان أبرزها قصيدة «زهرة الغسق» و «صورة قلمية»، «الجميلة في عباءتها»،«نحن من غشى على عينيك»،«رؤيا»، «أبو البحر و المهنده البتر»، «الغريب»، «أغنية على جدران الوطن»، «صباحات الوردة» إلى آخره من القصائد.
يذكر بأن الشاعر يوسف  يعد من بين أبرز مؤسسي أسرة الأدباء و الكتاب في البحرين، وقد تخرج في الجامعة العربية ببيروت،  قسم اللغة العربية و آدبها سنة 1971.
http://www.albiladpress.com/news/2020/4125/space s/623381.html
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 29, 2020 14:22

عبـــــــدالله خلــــــــيفة: ألفُ ليلةٍ وليلة . . السيرة السحرية

تشكّلَ الوعي القصصي العربي في العصر الوسيط عبرَ بروزِ مادةِ العجائبية بشكلٍ واسع متضافرة مع مسرح كبير من المشهديات، المتسعة من مدينةٍ صغيرة حتى مدن كبرى عالمية، فغدت مركزاً واسعاً في هذا الوعي الذي تجسّد بأشكالٍ مختلفة في القص والشعر والدين وظل جوهرُهُ العام واحداً. وعموماً فإن الأدبَ القديم البشري يقوم على المدهش والمغامرات كجزءٍ أساسي من العلاقة مع السامعين والقراء والمؤمنين ومن روح الأزمنة القديمة.
وجدنا أن العجائبية هذه تظهرُ في القرآن بشكل واسع، عبر عجائبية المعجزات والأحداث وسير الرسل والقادة السابقين، مثلما هي موجودةٌ في الشعر والنثر الجاهليين، ثم زحفتْ على القصص المشكلة في المدينة العباسية في بغداد والقاهرة وغرناطة. وهي المدنُ التي تنامتْ من الصحراء ومن ثقافتها وانفتحت على ثقافات العالم.
العجائبيةُ تستندُ في الثقافة الإبداعية الإسلامية السائدة أولاً إلى كونِ الوجودِ بلا سببياتٍ وقوانين بل إلى سلطةٍ إلهيةٍ مطلقة عامة، فيما المظاهرُ الأخرى تمضي بأشكالٍ متعددة عادية وخارقة، ليس فيها تواتر وعللٍ عامة.
كما أن الوجود غير موحّدٍ في كائناته ذات الأشكال النوعية المتضادة كلياً حسب هذه الرؤية، حيث الإنس والجن، ككائناتٍ أرضية، فيما هناك الكائنات السماوية المنفصلة عنها. حين نقرأ الأدب اليوناني القديم سنجدهُ غارقاً في الأعاجيب والحوادث المذهلة كذلك وهذه طبيعة الوعي في الأزمنة الغابرة.
ومع غياب وحدة الوجود، وتنوع أشكال الحياة من مادية ونورانية ونارية، فإن التداخلات بينها ممكنة، والصراعات مستمرة، والتداخلات بينها تنتجُ الأعاجيبَ فيها.
وتنمو هذه الرؤية قصصاً حيوانياً عبر (كليلة ودمنة)، حيث تغدو العجائبية مدرسيةً، ومنطقية، وأمثولات والأمثولات لا توجد الدينامية الخارقة، فهي ذاتُ عالمٍ مستقرٍ، موحد، رتيب، في انفصاله الحاد عن البشر، فيقدم مواعظ وحكماً.
تسود الغابة، والزراعة في عالم (كليلة ودمنة)، وهذا ملمح لجذور غائرة، فيما تسود المدينة ألف ليلة وليلة.
في المسيرة إلى كليلة ودمنة كان العرب لا ينتجون إلا الأبنية القصصية الجزئية الوامضة، فالملاحمُ لم تكن من قدراتهم، لأنها قصصٌ كبرى، متشعبة، مترابطة، فيما هم ذوو قدرات قص جزئي، للمسامرة، وتعبرُ المسامراتُ والمجالس عن الترحال والضيافة والسوالف والحزاوي وقول الشعر والطرائف وعقلية التنوع والتجميعات، وهي العمليةُ التي بدأت منذ الخيام وتتوجت في الأندية وكتب الوراقين، وهي التي أخذت عدة قرون حتى حدث الاستقرار الأكبر في العراق والشام ومصر وغيرها.
فهيأت الأمثالُ وحكاياتُها وقصصُ الخرافةِ وتاريخُ العرب وما فيه من تحولات وملاحم، إلى القصص الواسعة ذات المحاور المتضافرة بعض التضافر الواهي الصلات غالباً.
مرحلةُ (ألف ليلة وليلة) والسير الشعبية مرحلة مختلفة، حيث تقومُ على القص المطول الواسع ذي الأبطال المركزيين والشخصيات الثانوية الكثيرة، ويربطها هيكلٌ عامٌ واحد عادة، يتيحُ للعناصر القصصيةِ المفككة بالترابطِ المحدود.
وبعثرةُ العناصرِ الفنية هي مثل بعثرة العناصر الاجتماعية في النظام وعدم قدرتها على تكوين طبقة متوسطة محولة، وهي مثل بعثرة قوى التفكير وعدم وجود منهجيات متماسكة حفرية في المادة.
تختلفُ (ألف ليلة وليلة) عن السير الشعبية، فالسيرُ ذاتُ تكوين عربي إسلامي تعكس سيرورة المجتمعات العربية البدوية، وهي تقوم على أبطال التاريخ العربي كما رأينا في قصة حمزة البهلوان أو (حمزة العربي) ومثل عنترة، وسيف بن ذي يزن، والأميرة ذات الهمة وغيرها.
بينما تعبر ألف ليلة وليلة عن مجتمع عربي إسلامي عالمي، وقد دُرستْ عربياً من خلال العناصر الفنية، أو من خلال الموضوعات الاجتماعية والتاريخية المبثوثة في الليالي.
أما عمليةُ التضفير بين القراءة الفنية وقراءة الجذور الاجتماعية فمنهجيةٌ نادرة.
تعبرُ بدايةُ حكاياتِ ألف ليلة عن التناقضِ البارز في هذا الكتاب، فالملكُ شهريار وأخوه اللذان يكتشفان خيانات زوجتيهما ويرحلان بحثاً عن خائنات أُخر ورجالٍ مخدوعين مثلهما يريان جنياً وقد حبسَ محظيته حبساً مخيفاً في علبة، ولكنها مع ذلك كانت تخونه ولديها خواتم كثيرة لأولئك العشاق!
تأتي شهرزاد لتمنعَ ذبح شهريار للنساء، وتقصلا عليه قصصاً ممتعةً تمنعهُ من تنفيذ حكم الإعدام فيها.
التناقضُ في هذا الجزء هو قيام شهرزاد بالروي المتتابع المتقطع، لكن الساردَ ليس هو المرأة شهرزاد، بل هو راو ذكر متخفٍ، أو هو مجموعةٌ من الرواة الذكور.
إن الجذرين الهندي أو الفارسي للرَاوية المفترضة شهرزاد وللملك شهريار يتم تنحيته، ليتكلم الراوي الذكرُ العربي المصري، ولهذا فإن ألف ليلة هي ذاتُ عدسةٍ ذكورية إسلامية محافظة في القسم العلوي منها، فيما خباياها غير محافظة مليئة بالحياة والرغبة في المتع والعشق.
وفيما تسلط ألفُ ليلة الرؤيةَ الذكورية على خيانة النساء كأفتتاحيةٍ كاذبة، تبعدُ ضميرَ المرأة عن الروي، وتجعلها في متن الحكايات كائن للمتعة الجنسية في شبابها، ثم تغدو (حيزبوناً) وعجوزاً تنصبّ عليها لعناتُ الراوي، فالمرأة ليست سوى مكان للشهوة فإذا فقدت ذلك تصبحُ من المخلفات! ولكن الليالي كذلك تظهر نساءً مقاومات يرفضن استغلالهن كما تفعل زوجةُ تاجرٍ مع أرباب الدولة (ص91، ج3).
والشكل في النساء هو المذهل والحب يتدفق من الجمال الظاهري وغالباً ما يكون مروَّعاً ساحراً، مؤدياً لسلسلةٍ من الأحداث، وليس ثمة عشق حقيقي.
هذا هو التناقضُ الأول البارز في الحكايات، والجذر الأول الذي يدل على بقايا مجتمع أمومي، ويتمظهر في البطولة الساردة، فيما الوجه الثاني حيث يختفي الراوي الحقيقي وتبرز العلاقاتُ الذكورية المسيطرة. ففيما تنتصرُ شهرزادُ على شهريار في الرابط القصصي العام، تُهزمُ في متنِ الحكايات حيث النساء أدوات للشهوة أو مُبعدات كمخلفات.
هذا التناقضُ يشيرُ إلى عدمِ البنائيةِ الفنية الكلية بل على البنائية العفوية التلقائية التجميعية، التي شكلتْ محوراً هشاً وملأتهُ بمادةٍ هائلة متنوعة متضادة مختلفة.
الأمثولة هنا هي دور القصص في تحضير المَلك المتوحش وأنسنته، عبر القص العجائبي، وسيرورةُ القصص مرتبطة بعجائبيتها وبغاياتها، وبمدى قدرتها على تقديم المدهش، الذي يتدفق وتظهر روابطُهُ السردية المتنامية من دون علاقات قانونية وسببية هيكلية، فيتدفق السردُ في المكان والزمان، في البر والبحر، في المدن وخارجها، يصورُ الجنَ والبشرَ والحيوان وتداخلاتها عبر الحكايات والتحولات والتناسخ بينها
ظهورُ التناسخِ بين الإنسان والحيوان والجن في قصص ألف ليلة وليلة يعبرُ عن المرحلة العباسية وازدهارها، والتأثيراتُ الهنديةُ التي تغلغلتْ في نفس الزمن عبر الفلسفة واسهمتْ في إنتاجِ التصوفِ الإسلامي.
إنها مرحلةُ التناسخ، تتناسخُ الحيواناتُ والبشرُ والجن ويتداخلون في علاقات الحب والصراع والحروب، في حين لا يوجد التناسخ في السير الشعبية، فيكبر الكونُ الفني في ألف ليلة ويغدو عالميا.
تغيبُ النماذجُ المركزية، فشهرزاد هي مجرد رَاوية عابرة، تربطُ بين الحكايات، وتتدفقُ بها، والمعرفة المذهلة بكل هذه الشخوص والحوادث لا تدخل في شخصيتها وروحها، ولا تنمي شخصيتها الناجزة منذ البدء، فالشخصيات والحكايات تبقى مستقلة عن بعضها بعضا بطبيعة البناء.
البطل هو تدفق الحكايات العجائبية، فهي شرطُ بقاء الساردة، وهي متن السلسلة القصصية، وهي جوهرُ القص.
الحكاياتُ لا تستهدفُ غرضاً فغرضها هو حكي المذهل المشوق، الذي يجعل القارئ متابعاً، والذي يجعل شهريار غير قاتل، وفي خضمه تجيء أغراضٌ كثيرة وسياقات فنية مختلفة.
المدهشُ هو في جمالِ المرأة الخارجي المثير المحرك للشهوات والأفعال والصراعات (فيما جمالُ شهرزاد الداخلي غيرُ مرئي).
المدهشُ يتجلى في القدرات الخارقة للحيوانات والبشر وتحولاتها، يتجلى القردُ عن امرأة فاتنة، والكلابُ عن بنات أو عن اخوة.
والمدهش هو في خرق الزمان والمكان والعلاقات الموضوعية، وخرق وحدة الشخصيات ووحدة المملكة المفترضة، وذوبان المدينة لتغدو صحراء أو بحاراً مليئة بالغرائب.
هنا تدفقٌ وتوليد لا ينقطعان للحكايات من رواة مختلفين في كل موضع، يولدون العقدَ ويحلونها ويعقدونها ثانية.
تزيحُ الحكاياتُ الاسطوريةُ المكانَ العربي الإسلامي بداية، لتصنع محله مداراً آخر، حيث يعيش (ملكٌ من ملوك ساسان بجزائر الهند والصين صاحب جند وأعوان وخدم وحشم)، هنا تتفجرُ الفضائحية الجنسية بدايةً، وينهمرُ التناسخُ، والتداخل الحيواني- البشري، فتغدو هذه المنطقة الدنسة بؤرته، والذكر الحاكم الشهواني (يُستبدلُ بشيطانيةٍ نسائية مزعومة)، لتقومَ شهرزاد بفعل إنساني، حيث تقول انها تدافع عن(بنات المسلمين)، وهنا يظهر العالمُ الإسلامي، لكن النساء لا يدخلن الليالي بعد هذه البطولة متأثرات بنفحها المفترض إلا كومضاتٍ نادرة. 
الجغرافيا، الوقائع التاريخية، البناء المتداخل المتنامي (يُستبدل بوحداتِ قصٍ متشظية متداخلة بعض التداخل)، لكنها شديدة التبعثر يسودها فنا قانونُ العجائبية، فهي لا تحفرُ في واقع أو تكشف بنية عبر وحدات متنامية متداخلة.
هي قصصُ يحكمُها التجاور، لا التنامي، إنها بُنى متجاورة، لا بُنى متداخلة، ولهذا فهي لا تحللُ واقعاً، بقدر ما تتناثر فيه وتتلمس أشياءَ من تفكيره الذكوري الديني السحري الغالب ومشاعره المتلذذة بالحياة وصوره الطبيعية والاجتماعية المتناثرة.
حين نأخذ الليالي الأُول نجدُ الرواةَ يقصون عن شهوات جنسية حادة للبشر، وتحولات مسوخية للشخوص. الرابط الأساسي لحكايات شهريار- شهرزاد، يفضي لحكاياتٍ متتالية لا يربطها رابطٌ عضوي بما سبق، لكن قانونَ العجائبية يحكمُ السابقَ واللاحق، وحكايات البشر- المسوخ تتعدد: فحين قتل التاجرُ ابنَ الجني بقذفِ نواةٍ بعد أكل الثمرة، ظهر له الجني الأبُ وقرر قتله. إنها عجائبية مزدوجة، وحين ينتظر التاجرُ العقابَ يتصاعد التوترُ القصصي المشوق، حتى يظهر الجني للتاجر ويضعه في مكان البؤرة التي يحتشدُ فيها التنامي القصصي، مثلما هي بقعةٌ مسكونةٌ كذلك، فتتالى القصصُ من الرجال الثلاثة الذين يريدون وقف عقاب الجني للرجل الواقف على شعرة الموت، ويقدم كل واحد فيهم قصة عجيبة ويكشف الستار عن الحيوان الذي معه فيظهر انه إنسان، والجني لم يوقفه شيء ويدع العقاب سوى عبر الحكايات العجيبة التي هي البطل الأكبر، ونجد أصحاب القوى السحرية في أمكنتهم يحولون البشر إلى مسوخ، أو ليعيدوهم إلى الحالة الإنسانية السوية، ولا تتطورُ الأحداثُ تطوراتٍ مذهلةٍ من دون هذه الخوارق، لكنها لا تفضي لشيءٍ عميق كذلك، والبناءُ الاجتماعي الذين عبروه يبقى غرائبيا مليئا بالشر والخير والتقلبات والمغامرات ولا سبيل للسيطرة عليه. النقد الضمني الموجه للأشرار هو أنهم خرقوا العشرة الإنسانية وأنتابهم الحسد، حين حسد الاخوة أخاهم وغدروا به، أو حين خانت الزوجة الأمانة وهي علل بسيطة لا ترقى لجذور مشكلات المجتمع لأن الليالي هدفها تقديم القصص المدهشة المسلية وبعض العروض الكثيرة عن الحياة.
في قصة السندباد البحري مغامرات بحرية كثيرة، عبر جزر آسيا، وتقودُ كل رحلة إلى سلسلة من المغامرات واللقاءات مع حيوانات غريبة وطيور عملاقة وبشر أقرب للسحرة، وبشر من أكلة اللحوم البشرية، وتحدث لقاءاتٌ مع شعوبٍ ذات عادات قديمة رهيبة، كالبشر الذين يدفنون زوجاتهم أو أزواجهم في حالة موت أحدهم.
وفي قصة السندباد يمضي البحارة نحو بيضة عملاقة لرخ هائل، فيقومون بكسرها وانتزاع الجنين منها وأكله، فيأتي زوجا الرخ نحوهم للانتقام:
(فجاءت رفيقته وصارا حائمين على المركب يصرخان علينا بصوت أشد من الرعد فصحتُ أنا على الريس والبحرية وقلت لهم ادفعوا المركب واطلبوا السلامة قبل ما نهلك فأسرع الريس وطلع التجار وحل المركب وسرنا في تلك الجزيرة فلما رآنا الرخ سرنا في البحر غاب عنا ساعة من الزمان وقد سرنا واسرعنا في السير بالمركب نريد الخلاص منهما والخروج من أرضهما وإذا هما قد تبعانا واقبلا علينا وفي رجل كل واحد منهما صخرة عظيمة من الجبل فألقى الصخرة التي كانت معه علينا)،(ج3، الليلة رقم 545).
لم تعد اللغةُ مهمةً في حد ذاتها، فقد غدت أداة تصوير وتجسيد الحدث الخارق، فألقت بكل أردية السجع المعوقة لخطواتها في السير القصصي من دون أن تغدو لغة أدبية مميزة ولكن في خضم التطور الأسلوبي هي مهمة، لكنها لم تجعل بؤرتها سوى الحدث المشوق الغريب المتصاعد باستمرار والداخل مع شتى الكائنات في علاقات صراع وتعاون، للمزيد من ظهور الأحداث، لكنها أحداث ولغة سرد لا تراكم هياكل شخوصية أو دلالية عميقة، أو تحفر في الواقع بل هي أشبه بأضواء ملونة تتفجر في الهواء الفني من دون أن تخلف مادة بنائية متآزرة.
إنه بناءُ تجاور الوحدات القصصية وليس اندماجها ونشوء تحولات نوعية عبر هذا التراكم، وهو بسبب وجود الدوائر، فحكايةُ الرابط الرئيسي شهريار- شهرزاد، تظهرُ من خلالهِ دوائر، والدوائرُ تُخرجُ دوائرَ أخرى وأخرى، وتعودُ الدوائر للدائرة الأولى وتنتجُ دوائر أخرى، وكل منها مغلقٌ على ذاته ومنفصلٌ عن غيره.
المبنى المبعثر هو معبرٌ عن مجتمعِ القرون الوسطى المبعثر الوحدات الاجتماعية ولهُ رابطٌ هو الخليفة، ثم من يليه، ولا يقدر الخليفة على صهرِ الوحدات المبعثرة، حتى يتوجه المجتمعُ للتحلل، وتبقى الليالي شاهداً على أشياء من حياته وتصورات أناسه وعلاقاتهم، وكيف سيطر السحرُ عليهم، تعبيراً عن عدم قدرتهم على صناعة المجتمع بشكل تحديثي عقلاني. تعددتْ الرؤى حول ألف ليلة وليلة، وغدتْ كتاباً مرفوضاً لدى البعض، فيما اعتبرهُ آخرون كتاب تسلية وتقول الباحثة سهير القلماوي إن مُقدمَ الكتاب (نصَّ منذ البداية على أن للكتاب غاية هي أن يزدجر القارئ ويعتبرُ بما حصل لغيره، ويكرر القصاصُ تلك العبارة في قصص كثير لو تأمله القارئ قليلاً ما وجدَ عبرةً حقة، وإن قصص الليالي قصص تسلية ولهو لا قصص جد وسياسة)، من كتابها ألف ليلة وليلة.
فيما يرى الباحث السوري أبوعلي ياسين في كتابه (خير الزاد في حكايات شهر زاد) أن القصصَ أُنشئتْ للسلوان والعبرة معاً ويدلل على أفكارِها في كتابه العميق الواسع والمرصود لرؤية موضوعات الليالي وكيفية التعبير فيه.
وهناك كاتباتٌ عربيات طالبن بوقف نشر هذا الكتاب لما فيه من تجنٍّ على النساء وتحقير لمكانتهن.
وهناك أدباءٌ عالميون كثيرون في الغرب والشرق اعتبروه تحفة من تحف الإنسانية الفنية الخالدة كما هو حال الكاتب الأمريكي اللاتيني بورخيس الذي لديه تحفٌ من المقالات، والقصص كذلك عن ألف ليلة.
الكتابُ يعبرُ عن مرحلةِ ما قبل الرواية الحديثة، وتشكل كذروةٍ لتطور فن القصة عند العرب، بعد عدة قرون من المحاولات والتراكم، فتأثروا ونقلوا من الأمم الأخرى وصاغه كتابٌ مجهولون لم يعرفوا من قبل كيفية تأليف الملحمة الروائية، العصرية، حيث تسود الروايةُ عن الماضي فقط، ففيه وحده العبرة في تصورهم، لكن كتاب الليالي هو كتابٌ معاصر لزمنه، يراوغُ ويقول إنه كتاب عن الماضي ولهذا ينقل حكايات أبطال زمنه، متقطعين، متناثرين، يستلُ حكاياتهم من دون ترتيب، أو بناء متنام، أو يتبع ترتيباً خاصاً، فسيلانُهُ عفو الخاطر، ومن هنا فلا يحللُ عصراً كما يحدث لاحقاً، أو يسعى لغاياتٍ مسبقة، بل تتناثرُ القصصُ وتُجمعُ من مصادر شتى، وتُحشر في ذلك الهيكل العام الذي هو قصة شهرزاد ؟ شهريار.
ومن هنا فالحكاياتُ تذمُ النساءَ في مكان وتمدحهن قليلاً في مكان آخر، وتعرضُ العاملين البسطاء والملوك والأغنياء، هدفها التسلية ولكن في هذه العروض المسلية هناك تصوير، وهناك إراداتٌ سلبية كثيرةٌ خاضعة لما تسميه القضاء والقدر وهو الحراكُ التاريخي غيرُ المعروض والمجسدُ في الليالي الذي يحولُ البشرَ إلى فلين كثير طافحٍ على نهر الحياة الغامض، والنهرُ مُركبٌ من سطح الحياة العادي، ومن أعماق سحيقةٍ مليئة بالجان والعفاريت، وعلى السطح تجري مغامراتٌ لا تتوقف، الكثير من خيوطها موجود في تلك الأعماق. في قصة السمكات الأربع الموجودة في الليالي الأُوَلِ التي يجلبها صيادٌ فقيرٌ ويحصلُ بسببها على رزق من حاكم القصر، وتتعرضُ هذه السمكات للقلي، لكن يجيءُ سحرةٌ يثقبون الجدرانَ أو يقلبون الأرضَ ويحولون السمكات المقليات إلى فحم محترق. ويُذهلُ الملكُ من استمرار هذه الأعجوبة في قصره، ويقوم بالبحث عن السر عبر مطولةٍ حكائيةٍ خلاصتها أن هذه السمكات الأربع هن عبدة الأديان الأربع في المملكة وهي الأديان الإسلامية والمسيحية واليهودية والمجوسية.
إن ثمة ساحرةً قلبتْ حبيبَها إلى حجر وحولت رجلاً أسود إلى عشيق، وخربت المدينةَ بسكانها فتحول أهلها إلى أنواع من الأسماك.
القصة هنا كشفتْ تعددية الأديان وبقاءها، عبر عجائبية قصصية لا تعبرُ عن شيء عميق، فيما كانت العلاقات بين الأديان مختلفة، وتطوراتها تجري في سياقات أخرى، الحكايات أخذت فقط الظاهر العياني رغم أن موضوعها يتسمُ بالغرابة والجدة والتعبير الفني بالمذهل.
إن الوجودَ يجري بلا سببيات مترابطة، والوعي الفلسفي في ذلك الوقت مثل مثله الليالي، يحيل تطورات المجتمعات إلى سببياتٍ ميتافزيقية وغيبية، ويعتبرُ الفلاسفةُ والدينيون المتأثرون بهم أن الأحداث تجري من خلال النجوم والكواكب والأرواح، وهي التي تحرك الحياة وتخمد جذوتها.
ولهذا فإن راوي الليالي ليس من قدرته أن يوسع حضورَ الواقعي والمرئي والإنساني، ولا من قدرته أن يجدَ الأسبابَ لهذا الحراك، والصلات بين الأحداث والظروف، وهو يعيش القدرية والغيبية، ويقتطعُ من ظواهر الحياة أشياء يربطها بخياله ويجعل منها مغامرات مثيرة ويبث أفكاره الشعارية عن القَدر والحياة والنساء.
ومن حالاتِ وذكريات الأسفار وبعضِ خيوط الغرابة يحيلُها لقصص مذهلة عن الجزر والأسماك والطيور والحيوانات المتكلمة، ومن أخبار الخلافة الشهيرة العباسية يصنع حكايات ونوادر، وهي الخلافة القريبة من زمنه المؤثرة عليه لاتزال، ومن مرئياتهِ ونوادر زمنه ينشىءُ طرائف وحكايات، ويأتي رواةٌ آخرون ويضيفون المزيدَ من الحكايات بنفس منهج العجائبية.
وقصدُهُ أن يبهر سامعيه وهو يدعوهم للمتابعة، وتغدو لغاته بين المحكي والفصيح، يعتمدُ على النثر غير الأدبي ويمزجهُ بأبياتٍ قد تكون مناسبة وقد لا تكون، ويصير الأدب الشفاهي مكتوباً، والمكتوب مقروءاً، والمحلي عالمياً.
ولا بد أن تكون الحكاية العجيبة هي محور العمل كله، والمغذية لفعل الشخصيات، وأساس تسليتهم، وحضورهم، ومشاركتهم، وهي ذات وجهين إيجابي وسلبي، فهي كما تنوم الأطفال تنومُ الكبارَ أحياناً، فيشاركون في العالم الخرافي، وآرائه عن النساء والوجود ويبثونها في الحياة ينومون الناس، أو يرفضونه ويشطبونه باعتباره أدباً منحلاً أو متخلفاً، وهناك الباحثون والقراء الأدباء الذين يقرأون الليالي في ضوء زمنها، ومستوى فنه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل من كتاب: تطور الأنواع الأدبية العربية
مصادر:
(1):(راجع تحليلنا المطول لفكر ابن المقفع في كتابنا (الاتجاهات المثالية، جزء2،فصل، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ص 407 – 434).
(2): (البخلاء ، ص 11).
(3):(المصدر السابق، ص 18).
(4): (المصدر السابق ، ص ).
(5):(الاتجاهات المثالية ،  مصدر سابق ، فصل الاعتزال ، ج 3 ،  ص 77).
(6):(البيان والتبيين ، جز3 ، دار ومكتبة الهلال ، بيروت ، ص 20).
(7):(مثالب الوزيرين ، أخلاق الصاحب بن عباد وابن العميد، أبي حيان التوحيدي ، دار الفكر – سوريا ، ط2).
(8) :(9)، (10)، (11)، (12)، (13)، (14)، (15)، (16)، (17)، (18)، (19)، (20)، (21) : (نفس المصدر ص 83، 83، 36، 37، 41، 41، 43، 45، 47،67، 94، 100، 94.
(22):(الإمتاع والمؤانسة ، أبوحيان التوحيدي).
(23):(المقابسات ، أبو حيان التوحيدي ، المقابسة الأولى).
(24): (مقامات بديع الزمان الهمذاني، دار الكتب العلمية، ص7).
(25): (المصدر السابق ، ص 9).
(26): (المصدر السابق ، ص 22) .
(27):( المصدر السابق ، ص 122).
(28):( المصدر السابق ، نفس الصفحة ، الهامش).
(29): ( المصدر السابق ، ص 130).
(30):(مقامات الحريري ، الحريري، دار الشمال للطباعة والنشر والتوزيع، طرابلس لبنان، ط1، ص 32).
(31) : (المصدر السابق ، نفس الصفحة).
(32): (المصدر السابق ، ص 32 – 33).
(33): ( المصدر السابق ، ص 34).
(34): (المصدر السابق ، ص 35 – 36).
(35): (المصدر السابق ، ص 51).
(36): (يشير الباحث عبدالفتاح كليليطو إلى كون هذه العناصر خاصة الميثولوجية مقصودة ، انظر الغائب ، دراسة في مقامة الحريري ، دار توبقال للنشر ، ط 2).
(37):(المقامات ص 51).
(38):(المصدر السابق ، ص 49).
(39): من مقدمة المصدر السابق ، ص 18).
(40):(الزير سالم ، مؤسسة المعارف ، بيروت ، ط1977 ، ص 43).
(41): (المصدر السابق ، ص 47 – 48).
(42): (المصدر السابق ، ص 118).
 (43):(ألف ليلة وليلة، الجزء الثالث، الليلة رقم 545).
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 29, 2020 11:52

January 16, 2020

عبـــــــدالله خلـــــــيفة أفـــــق ـــ مقالات

عبـــــــدالله خلـــــــيفة  أفـــــق ـــ مقالات 2014  رابط على :
https://drive.google.com/file/d/1SHUEapTjYJ_Ruv_V3PDM-cx9AFlgM6Dz/view?usp=sharing
عبـــــــدالله خلـــــــيفة  أفـــــق ـــ مقالات 2013  رابط على :
https://drive.google.com/file/d/1fNGHxzcdEtBFTJod10Aoge4ShyZBq5Sw/view?usp=sharing
عبـــــــدالله خلـــــــيفة  أفـــــق ـــ مقالات 2012  رابط على :
https://drive.google.com/file/d/1KNxeGDClHAkrvzhJUIEPlBGeVOW8sn1d/view?usp=sharing
عبـــــــدالله خلـــــــيفة  أفـــــق ـــ مقالات 2011  رابط على :
https://drive.google.com/file/d/1B-FKKrT9cpxK61bNrXC89iT9R0DlslEK/view?usp=sharing
عبـــــــدالله خلـــــــيفة  أفـــــق ـــ مقالات 2010  رابط على :
https://drive.google.com/file/d/1COhvD4T7gawPRItdtFCj095NuJMC7dny/view?usp=sharing
عبـــــــدالله خلـــــــيفة  أفـــــق ـــ مقالات 2009 رابط على :
https://drive.google.com/file/d/1pcoratYPxPXWJrzHa28oSmaScFBO_t_H/view?usp=sharing
عبـــــــدالله خلـــــــيفة  أفـــــق ـــ مقالات 2008 رابط على :
https://drive.google.com/file/d/1uMQOE_KieW7RiRsgf5e_btWyDby7vCdF/view?usp=sharing
عبـــــــدالله خلـــــــيفة  أفـــــق ـــ مقالات 2007 رابط على :
https://drive.google.com/file/d/1dYzHi6K3aytXq-Pm3NDer-xW_YBb1V3_/view?usp=sharing
عبـــــــدالله خلـــــــيفة  أفـــــق ـــ مقالات 2006 رابط على :
https://drive.google.com/file/d/1eDc9cOIj4tVa4X1rtQhFBzmhXQxGy_3y/view?usp=sharing
عبـــــــدالله خلـــــــيفة  أفـــــق ـــ مقالات 2005 رابط على :
https://drive.google.com/file/d/1EZGWoiqfDjd-_KOJqOFw2-U0PJ5UeI7b/view?usp=sharing
عبـــــــدالله خلـــــــيفة  أفـــــق ـــ مقالات 2004 رابط على :
https://drive.google.com/file/d/1JGPViFBvD8tQIGYqCG0zEMd3Kq0yG7Zi/view?usp=sharing
عبـــــــدالله خلـــــــيفة  أفـــــق ـــ مقالات 2003 رابط على :
https://drive.google.com/file/d/15DhcCF8orSMqNtDLYsYLKjJoa1uJQU_u/view?usp=sharing

 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 16, 2020 16:55

January 13, 2020

January 12, 2020

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : ‏‏‏‏‏‏أُذنُ فان جوخ

كيف لمناضلين عاشوا فترات شبابهم الأولى مضحين يبذلون سنوات من عمرهم وربما شيئاً يسيراً من مالهم ثم ينقلبون في أواخر أعمارهم وهم على حواف القبور يبخلون بدينار واحد، بخلاف الفنان العالمي فان جوخ الذي يقطعُ أّذنه من أجل حب وأعجاب؟!
في سنوات التتويج الأخيرة للأعمار الفذة ينتظر المؤرخ والباحث من هؤلاء قمة العطاء، وضخامة الانجازات فكيف يلقون بالرماد على زهرات حيواتهم ويطفئون الجمر المتوهج الذي أضاء للناس؟
 هي الرومانتيكية الشبابية التي صورت لهم وتغلغلت في أعطافهم بأنهم صاعدون إلى ذرا المجد، وأن الآلام والعقبات هي مجرد لحظات سريعة تمضي ثم يجدون أنفسَهم وقد صاروا عظماء وملوكاً متوجين!
تضعُ الرومانتيكية زجاجَها الملون الأخّاذ على الواقع المعقد المضطرب، وتحيلهُ إلى حقول من الورود، فتبدو السجونَ حدائق ومستنقعات ضوء، ومصائب العيش والأسرة والأصدقاء لحظات من التضحية اليسيرة في سبيل العظمة الإنسانية، ولكن ما تلبث تلك العقبات اليسيرة أن تطول، والمشكلات أن تتفاقم، والضرائب المطلوبة من المال والعمر تزدادُ فداحةً، فيتكشف العظمُ عن ضعف، والروح عن جزع، والنفس عن اضطراب، وتصير كتابة الأوراق تضحيةً كبيرة من الصحة والمال، وفي سبيل من؟ في سبيل، كما ستصرخ الروحُ الرومانتيكية بعد ذلك، في سبيل أناس لا تقرأ وشعوب جاهلة! ويصير ترك الميراث ومال الأسرة وتراكم العمر جريمة كبرى!
كانت الذاتُ غيرُ الشعبية غير الكادحة جاءت بالنضال في نشوة الشباب، ومن رفاهية لم تتصلب في معمعان الحياة، ورأته كقفزة يسيرة فإذا به قارة مروعة من المشكلات!
النظرة الرومانتيكية المُسقطة ترى الواقعَ مبسطاً، فما يلبث الأشرار في فيلم الحياة أن يُهزموا وقوى الاستغلال الوضيعة أن تتساقط تحت أقدام البطل والحرامية أن يستسلموا لقائد الشرطة الفذ!
فان جوخ الفنان كوّن نظرةً خلابة للطبيعة أسقط عليها مشاعره الحزينة، فحقولُ الورود المضيئة الخلابة الممتدة عبر الآفاق تصيرُ قبراً، والطيور والكائنات والسماوات تتحول إلى خريف مروع.
ولهذا يغدو جسده هبة للآخرين وعمره ضربات لونية من أجل العالم.
كل عمره القصير مجرد تضحية، هبةٌ دينية مسيحية، فداءً للعالم البائس الخريفي الميت!
مشاعرهُ الحادة قطعتْ علاقاته بالوجود المتنوع وألغت موضوعيةَ الواقع وتعدده، فصار العالم إما قبراً وإما بعثاً، إما موتاً وإما بقاءً بلا مرض ولا عذاب!
وهو ما حدث للمناضلين والشعراء والقصاصين الطموحين للمجد في شبابهم السياسي والإبداعي لم يروا تلون الواقع وصعوباته الجمة، فتخيلوه طريقاً صاعداً سهلاً.
كان يمكن لسنوات التضحية أن تدوم، وأن تتراكم المنجزات الفكرية والاقتصادية معاً، وأن تتحول المطبوعات الوامضة إلى دور نشر غنية وطنية كبرى، وأن تغدو الإبداعات المبكرة الوامضة إلى أهرامات، وتصير الشللُ جماعات من المناضلين والرفاق والأصدقاء تغير الحياة المنحدرة نحو الظلامية والمشكلات العصية.
لكن الأبطال أسرعوا في الخروج من الحلبات وتوجه كلٌ منهم إلى مساره الفردي الخاص بلا تضحيات وبلا دوخة رأس ولتبقى الآذان في مكانها والنقود هادئة في خزائنها!
—            أُذنُ فان جوخ
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 12, 2020 12:10