عبدالعزيز السويد's Blog, page 30
May 2, 2017
ولع الاستهلاك
توارى المثل الشعبي الذي يقول: «الرخيص مخيس» عن الأذهان مع التخفيضات، مع أن السعر المرتفع لا يعني جودة البضاعة، فاستغلال الهوس الاستهلاكي يتم بطرق مختلفة، فذوو الدخول المنخفضة لهم أساليب معينة مثلما حدث في مشادات النساء على ملابس بـ 5 ريالات، ولذوي الدخول المرتفعة عنصر الندرة و«التميز» مثل استقطاب الكفاءات المميزة في الجهاز الحكومي.
والآلة الإعلانية للمتاجر تقوم بتجميل التخفيضات في عيون المستهلك حتى ولو كانت سلعاً رخيصة ويمكن أحياناً لإضفاء عنصر الثقة حشر بعض السلع «البراقة» داخل العروض.
وبعض المتاجر تتخلص من مخزون سلع بعد نهاية موسمها إذا ما رأت الإدارة أن كلفة الخزن والعرض مع عدم رواج السلع مكلف وأن أي دخل يأتي منها أفضل من بقائها، خصوصاً السلع المتربطة بالفصول والموديلات.
والحمد لله أن «تماعط» الملابس الذي ظهر في مقطع مصور مثير، لنساء بعبايات «متسترات» في متجر شهير لم يتحول إلى معط شوش ولكمات، وسبق حدوث مثل هذه المشاهد قبل سنوات، وحصلت بسببها وفيات وإصابات عند افتتاح متاجر مع توفير كوبات مجانية بمبلغ وقدره.
والتاجر هنا لا يعنيه ما يحدث لا من إصابات ولا من سوء المنظر وتردي السلوك، لذلك أقترح على وزارة التجارة ضبط هذه الممارسات التجارية بتقنينها، وما دام أن وسائل التواصل الاجتماعي مع وجود مواقع تفاعلية بين التجار والمستهلكين أصبحت سهلة ومتيسرة، فالمقترح أن يربط أي خفض يقدم عروضاً محددة لعدد محدود من المتسوقين، إما بكوبون أو غيره بالحجز المسبق، أو أي تنظيم يكفل عدم وقوع هذه المناظر المؤذية، وحتى لا تتحول إلى سلوك يستشري في المجتمع. هذه فكرة خاضعة للدرس والتطوير والهدف الارتقاء بسلوكيات أفراد مؤكد أنهم لا يمثلون كل المجتمع، إلا أنهم قد يؤثرون في بقية فئاته بشكل أو بآخر.
انتشرت صور لأميرة من الأسرة المالكة البريطانية ارتدت الملابس نفسها في أكثر من مناسبة، ولم يقلل هذا من قيمتها، وهي دليل ثقة بالشخصية، لكن هذه النماذج في ما يبدو لا تؤثر في المهووسات بالموضات أو المصابات بمرض الشراء، فالنفس عندهم أمارة بالتسوق، وهي نفس جائعة لا تشبع.
 
  May 1, 2017
مافيا اللحوم حولك تحوم
يبدو لي أن المواطن الذي ظهر صوته في مكالمة مع جزار «قصاب» في مفاوضة لبيع حاشي مريض كان متعمداً بهدوء تسحيب الجزار لكشف مزيد من المعلومات وتوثيق ذلك صوتياً، هكذا توقعت حينما أعدت الاستماع إلى المكالمة، ولمن لم يستمع إليها بالمختصر أن الجزار وهو يمني الجنسية في ما يبدو، كان حريصاً على شراء الحاشي المريض أكثر من حرصه على السليم، لتبرز في المكالمة «إنسانية جزار»، إذ أبدى تعاطفاً مع الحاشي المريض وصاحبه الذي سيخسر بموته قبل الذبح و«تسويقه». والإيجابي في القضية أنها وثقت صورة من عمل مافيا اللحوم من الشراء إلى البيع والنقل، والخطير في المسألة أن الجزار كان مرتاحاً للحصول على ختم البلدية الذي – في المفترض – يؤكد سلامة اللحوم وفحصها من طبيب بيطري مرخص، فالذبح لن يتم بعيداً عن العيون بل في مسلخ معتمد.
والمسالخ للعلم من أوائل ما تمت خصخصته أو تشغيله من الباطن من قبل مؤسسات أو شركات لبعضها سنوات طويلة في هذا «الكار»، وهذا يحتم على أجهزة الرقابة خارج منظومة وزارة الشؤون البلدية وأمانة الرياض التدخل، سواء «نزاهة» أم هيئة الرقابة والتحقيق. فالمكالمة كشفت أن المسألة تكاد تكون طبيعية وبالأسماء! لا أنسى إزجاء الشكر والتقدير على سرعة تفاعل أمانة الرياض مع التسريب الصوتي وإقفال المحل، إلا أننا ننتظر نتائج التحقيق واجتثاث جذور مافيا اللحوم «الطازجة»! وتفكيك شبكاتها. كانت الأمانات توعي المستهلك بضرورة الانتباه إلى أختام تطبع على اللحوم، والآن ثبت أن هذه الأختام يمكن التلاعب بها، وما «حُكي» عن الختم والناقل يجب توضيح حقيقته من الأمانة. وإلى حين تفاعل «نزاهة» وهيئة الرقابة والتحقيق، التي لقدمها في العمل لا بد لديها ملفات «قديمة»، إلى حين ذلك اتصلت بمختصين لمعرفة كيف للمستهلك التأكد «بحواسه» من صلاحية اللحوم الحمراء، فكانت النصائح التالية:
* يجب الامتناع عن شراء اللحم ذي اللون الأحمر الباهت، لأن هذا يدل على أن الحيوان كان مريضاً.
* اللحم ذو اللون المائل إلى الزرقة يدل على أن الحيوان ميت قبل الذبح، واللحم الفاسد هو ما كانت أنسجته رخوة ورائحته غير مقبولة.
* عند الشراء تأكد أن المصدر موثوق «والحلوف لا تعني الثقة»، وأن يكون لون اللحوم أحمر وردياً، ولون العظم ناصع البياض، وكذلك الدهن أبيض ناصع مائلاً للاصفرار في الأبقار، وأن يكون اللحم متماسك القوام من دون روائح كريهة، ومعروضاً داخل ثلاجة، وعليه بشكل واضح ختم البلدية «خشمك ولو هو أعوج!».
وعلى الإخوة النباتيين أن لا يشنعوا بأكلة اللحوم، فلديهم متبقيات المبيدات، أما من لا يأكل إلا الدجاج فعساه يسلم من الهرمونات وغيرها، والله الحافظ يحفظنا وإياكم.
 
  «التقطيع» الخاص
ما هو الفرق بين عدد لا بأس به من الشركات المساهمة وشركات أو مؤسسات توظيف الأموال؟
الفروقات في الظاهر جوهرية، لكنها في الباطن المالي الإداري لا تختلف كثيراً.
في شركات أو مؤسسات توظيف الأموال ذهب مساهموها بصناديق الـ«تايد» والخياش المملوءة بالأوراق النقدية، مستندين إلى ثقة بشخص أو أشخاص، إما لهيئة شخصية أو دعاية تقوى مضبطة، بمعنى أنهم استندوا إلى فحصهم الشخصي لحقيقة ضمان الاستثمار.
في الشركات المساهمة ذهب المساهم للاكتتاب، ثقة بترخيص رسمي وجهات رقابية وإعلانات وجمعيات عمومية، لكنها كلها في واقع الأمر لم تمنع أو تحد من استغلال النفوذ والتربح من وراء إدارة الشركات المساهمة.
كم كبير من المعلومات المعلنة التي توضح بشكل مباشر حقيقة الإدارة في كثير من الشركات المساهمة في السعودية ولا تحرك ساكناً من وزارة التجارة ولا غيرها!
فمجلس الإدارة يتصرف كأنه المالك الوحيد في شركات مساهمة. قيل إنها أفضل السبل لاستثمار مدخرات صغار المساهمين، وربما لهذا فائدة تخبر عن حقيقة القطاع الخاص، ممثلاً بأهم أركانه الشركات المساهمة، وهو يكشف عن كيف تمت إدارته، سواء أكان تابعاً لحكومة أم لقطاع خاص.
التجاوزات في إدارة الشركات المساهمة قديمة ولم يكن هنا تجاوب رسمي مع ما يكتب عنه، إذ جرى التمكين لهذه الممارسات فترة زمنية طويلة، تذرعاً بالأنظمة ونوايا لتطويرها، فيما التربح من الشركات المساهمة قائم على قدم وساق، وما يعلن الآن قسراً تماشياً مع الإفصاح يخفي أكبر منه، أما إذا رجعنا إلى الوراء فالرائحة تزكم الأنوف… السليمة.
أرى أن إبراء الذمة في مجالس إدارات الشركات المساهمة هو إبراء صوري لا قيمة له، لتحقيق إبراء الذمة حقيقة البراءة من استغلال المنصب والتغاضي عن تعارض المصالح.
وليس هناك من حل – في تقديري – خارج الإطار الرسمي الذي لا ينظر إلا إلى الأمام ولا يتوقع منه التصحيح المطلوب، سوى تجمع إلكتروني لصغار المساهمين في الشركات المساهمة يوحد أصواتهم، ثم يوكل محامين قديرين لفتح الملفات بأثر رجعي.
 
  April 30, 2017
لا تندفع
نظرياً وفي المشهد المعلن كل الناس ضد الفساد المالي والإداري، أكل المال بالباطل سواء من المال العام أم من مال خاص، ومثله استغلال النفوذ والسلطة، لكن في باطن الأمر هناك من لا يمانع في التعامل مع الفساد والانغماس فيه بل وفتح الثغرات والتخريجات له، وبعض آخر لا يمانع في التسويغ له بالقول كل العالم فيه فساد، لندخل في النسب ثم نتفرع إلى تطور الدول وعمرها الزمني إلى آخره للتخفيف من القضية.
وهناك فئة ثالثة لا تمانع من الصمت عن الفساد حتى ولو مر من تحت أرجلها وبين أيديها، حتى لا تتضرر مصالحها إما وظيفة أو غيرها.
هذا واقع يعلمه الغالبية ومع الاهتمام بالحديث والكتابة والنشر عن قضايا الفساد لا بد من وقفة انتباه قبل الاندفاع، إذ يختفي خلف بعض الأصوات التي تنادي بمكافحة الفساد وتضع هاشتاقات في «تويتر» بأسماء مجهولة أو رسائل في الواتساب لا يعرف مصدرها، يختفي خلف ذلك تصفية حسابات إما بين «تيارات» فكرية «والفكر هنا مظلوم»، أو مصالح «فئوية» تدفعها العاطفة أحياناً، والانتقام لقضايا شخصية أحياناً أخرى، والمهم ألا تنفلت القضايا باختلاط الحقيقي منها بالمزيف أو المضخم، لأن النتيجة المتوقعة إذا ثبت لاحقاً أن بعض الاتهامات غير صحيحة أو غير دقيقة، تراجع الاهتمام بمكافحة الفساد شعبياً حذراً من ظلم أحد ما، ليصبح بإمكان شبكة الفساد أن تشكك في كل قضية تطرح.
لا بد من الاعتراف أن مكافحة الفساد منذ إنشاء الهيئة كانت مكافحة إعلام توعوية في الأساس، فهي لم تعمل كما يجب، وقيل إنها البدايات، لكن اتضح أن هذا هو السقف لدرجة اضطرت الهيئة لتحسين صورتها وضع لوحات بداية المشاريع ومدة التنفيذ لتغبر في النهاية! ثم اكتفت بالحديث عن «الوازع» في محاولة إحيائه، وهو ما أدى إلى تغول الفساد، أما قبل إنشاء الهيئة فحدث ولا حرج عن الصمت الطويل.
ما بين هاتين المرحلتين حدث ما كان متوقعاً، معرفة شبكة الفساد أن هذه هي حدود «المكافحة» وسقفها، والثاني التكيف مع الفساد من باب «انظر حولك» و«ما شفت إلا هذا»!، ثم جاءت الاستقطابات للكفاءات «المتمزمزة» لتفتح المسألة «بحري» كما يقولون، وهي عود من عرض حزمة.
ومهمة «نزاهة» وغيرها من أجهزة رقابة الآن أكثر صعوبة بسبب هذا «الإرث الثقيل» من جهة والأمر الملكي الأخير الخاص بوزير الخدمة المدنية من جهة أخرى، الذي اتضح منه أنه إذا رفعت ووصلت أوراق مكتملة عن قضية يتم الاهتمام والبت بها من أعلى مستوى.
 
 
  April 29, 2017
لصوص من بلادي
كان أحد الظرفاء يلم رأسه حينما يسمع أو يقرأ عن قصص الفساد، حتى عزم على إصدار كتاب بعنوان «لصوص من بلادي»، وبعد فترة تأمل وتفكر، وجد أنه قد يخطئ في حقها فهي عزيزة وإن جارت، عزت عليه بلاده فقرر أن يكون العنوان لصوص في بلادي، لأن «من» تحمل الوطن العزيز مسؤولية هو ضحيتها، والتقيت به بعد فترة وسألته عن مشروع الكتاب، فقال ضاحكاً إنه في حاجة إلى مجلد، وانقطعت عني أخباره. وأتوقع أنه حالياً في حاجة إلى مجلدات وربما «ملحمة»! إذ إن النية كانت وقت الهمس عن الفساد، أما الآن فالحديث عنه بصوت عالٍ في كل «ربعة». والكلام المسرب أو المتسرب في «واتساب» بصوت ذكر أنه لرئيس شركة المياه الوطنية الجديد، يتحدث فيه إلى موظفيه عما شاهده من بذخ بمكاتب قيادات الشركة، مقارناً بينها وبين مكتبه البسيط في «سابك»، يوضح كيف كانت الشركات التي تؤسسها الحكومة في صورة «سابك»، وكيف أصبحت في صورة المياه أو غيرها من شركات للحكومة أو تملك حصة مهمة فيها، مما لم يتسرب عنه شيء حتى الآن ويتوقع مثله قريباً.
المقارنة توضح الخلل، فالأجهزة الرقابية هي نفسها لم تتغير، لكن «الكفاءات» واختيارها هو المتغير. والتسريب يتحدث عن 8 سائقين وكرسي مساج وأشياء لا يزال يعتبرها البعض من «النثريات»، وهي بلا شك لا تقارن بمئات الملايين.
ومما يخفف من الأسف أن هذا الانكشاف عن فساد القطاع العام في أمر ملكي يصدر لأول مرة بالتحقيق مع وزير الخدمة المدنية كنموذج معلن، والخاص في عينة «المياه»، تم في بداية التحول لتحقيق الرؤية، ولو تم قبل انطلاق التحول، لكان لانطلاقة التحول والرؤية فعل السحر في المواطن البسيط، فهناك ملفات كانت في حاجة إلى تحقيقات رسمية عميقة، فترة أهدرت فيها أموال كان الوطن والمواطن أولى بها، لذا فإن مما يضيف إلى ما تم، إعادة تقويم أعمال الاستشاريين الأجانب وشركاتهم ومن أقنع بهم، لتعظيم الفوائد «إن وجدت»، والفحص المتأني لما يقدمونه مع الحفاظ على الخبرات الوطنية التي تحسن الإدارة من واقع التجربة التراكمية لها والسجل النظيف. التحول إلى الخصخصة يحتاج إلى بيئة رقابية محترفة وشفافية معلنة يتوفر لها الثبات والرسوخ، وإلا فسيكون مثلما انكشف أخيراً، وحذرت منه في حينه وقبل حينه، ويبدو لي أن التحول في زخمه مع عقود استشاريين ضخمة تحول إلى طعم وفخ له رائحة مغرية، ولا يعرف هل سيصل المد إلى كل من «غمط» نصيباً منه؟. إلا أن هنا مشكلة خفية في البيئة المحيطة، على سبيل المثال في تسريب شركة المياه، كان الحاضرون يضحكون بعد كل كلام يكشف فيه الرئيس الجديد عن دهشته مما شاهد، فيا ترى كم منهم كان يضحك حول ذاك الرئيس وهو يتمتع بكرسي المساج؟!
 
  April 27, 2017
فخ الديون… من التقسيط إلى التنتيف
 مع أنني تعودت منه عدم الرد على أول اتصال إلا أنه هذه المرة لم يرد على أكثر من اتصال ورسائل «واتسآب» او «اس ام اس». وبعد عناء واستخدام سبل أخرى، ظهر أنه مختفٍ ومختبئ من «الديّانة»، فالديون أثقلت كاهله، وملاحقة أصحابه وضع لم يتعوده، وهم أصبحوا أكثر شراسة من ذي قبل، لذلك انزوى في ركن قصي.
والحكايات المماثلة كثيرة، وهي لا تحدث لبسطاء أو أفراد دخولهم منخفضة، بل تحدث أكثر لأصحاب وظائف كبيرة ذات دخول مرتفعة، ومن المتوقع أنها ستزداد خلال المرحلة المقبلة، مع فارق أن الذين سيقعون في هذا الفخ يتعامون عن مؤشرات واضحة مثل وضوح الشمس.
الآن اختلف الوضع، فهناك أحكام تنفذ، و«النطلة» في السجن أصبحت أمراً متيسراً قضائياً ليس كالسابق حين كان الدائن يدوخ لملاحقة المدين واستعادة حقوقه، ولأن الوضع العام بهذه الصورة فإن احتمالات تدخل الآخرين، سواء من أقارب أم أصدقاء وكذلك فاعلي خير ومنفقي زكوات، سينخفض هو الآخر.
من هنا يجب ألا يصاب الفرد بإبرة مخدرة مع عودة استقطاعات على الرواتب أو ظهور مؤشرات إيجابية على دخله الشخصي، أيضاً لا يتخدر بانخفاض أسعار سلع لا يحتاج إليها أو يستطيع تأجيل شرائها إلى حين تحسن الأوضاع، مثلما يجب ألا تخدره عروض القروض والتقسيط التي تنشط الآن وستتصاعد وتيرة نشاطها مستقبلاً.
الرأسمالية التي ولّدت هذه الأساليب التجارية سمحت في واقع الأمر باستعباد المستهلك، الذي يتحول إلى سخرة يدفع معظم دخله لأقساط قروض أو بطاقات ائتمانية أو سلع مقسطة، ربما ليس له حاجة ماسة إليها، وهي بوابة زلقة «زحليقة» سريعة الانحدار، تعجّل بالسقوط في فخ الديون للوفاء بحاجات معيشة متزايدة، وحتى لا تصبح «منتفاً» احذر!
 
  April 26, 2017
الكرسيّ لو نطق
يتاح لرسام الكاريكاتور ما لا يتاح للكاتب أحياناً في اختزال الفكرة وربما من دون كلمة واحدة، وكلما كان الرسام متميزاً كانت الفكرة أفضل من سطور مقال. ويمثل الكرسي مرسوماً شاغراً فارغاً رمزاً يحوي دلالات كثيرة من القوة والنفوذ والاستئثار، وإذا كان مشغولاً تتغير الدلالات بألوان وفق وضع وهيئة الجالس عليه وحجمه، ولو نطق الكرسي لن يتوقف عن الكلام.
للكرسي طعم ورائحة وسيظل طموحاً للغالبية من الموظفين ولمن هم خارج الوظيفة، وعلى رغم انه من الجمادات إلا أن له مفعولَ السحر، فحتى الكراسي التي ليست لها قيمة تذكر يرفع من شأنها مسمى الوظيفة او ما يطلق عليه «المنصب». هذا الجماد يمكن أن يحدث خللاً في أدمغة البشر ممن يحرصون عليه ساعين أو «لابدين»، فهو من غير أن يشعروا – أحياناً- يحولهم إلى أشخاص آخرين غير الذين كان الناس يعرفونهم، ومن الدماغ يصل التأثير إلى القلب فيمرض.
والكرسي يصنع من خليط البلاستيك والمعادن، لكن أثره على المخلوق من لحم ودم ومخيخ فتاك، ومن القلائل من يسلم من هذا التأثير فلا بد أن يكون محصناً بالتواضع الحقيقي لا المفتعل، لأن الكرسي مرتبط بالكراسي القابعة من حوله في الدائرة او المنشأة الإدارية، والبشر يتعاملون من خلال الكراسي كمقياس، قل لي ما هو كرسيك أحدد تعاملي معك.
من الطبيعي أن يؤثر الكرسي على المتحلقين حوله فلكل منهم هدف او حاجة سواء كانت شرعية او تسلقيّة، وسعابيل بعضهم تقطر وأحلامهم تكبر، لكن من غير الطبيعي أن يؤثر في من يجلس فوقه ليتحول الى أداة في يد الكرسي بدلاً من أن يكون أداة له.
هكذا نتوقع انه من غير الطبيعي حدوث ذلك. لكن واقع الأمر أن الكرسي مثل النار للحديد والمال في كشف التعامل بين البشر، هو أيضاً يقوم بمهمة غير مباشرة في كشف المعادن، انه ببطء يكشف معدن من احتله، مهما حاول أن يخفي هذا المعدن أو يضع عليه طبقة رقيقة لامعة من الذهب أو الفضة، وليس هناك أصعب من فقد الكرسي لمن وصل اليه، ويختلف الأمر بين من وصل بجد وصبر وبين من حصل عليه بضربة حظ أو لحظة قبول تحولت الى مصعد سريع. إن للفقد هنا وقعاً مثل وقع الصاعقة يحتاج بعده الى استعادة توازن تختلف ما بين الفئتين. إلا انها تجربة على كل حال، لها فائدة لمن يبحث عنها ولها ألم لمن لا يستوعبها، ففي أغوار النفس الحال قبل الكرسي ليس كما هو بعده.
 
  April 25, 2017
وماذا عن 10 وزارات؟
 في بيان «نزاهة» الذي نشر بتاريخ 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 كأساس للتحقيق في قضية وزير الخدمة المدنية السابق، قالت نزاهة: «بشأن ما تم تداوله في وسائل الإعلام حول توظيف ابن أحد الوزراء بطريقة غير نظامية، وانطلاقاً من مهام الهيئة في رصد ما ينشر في وسائل الإعلام في ما يتعلق بالفساد المالي والإداري في الجهات المشمولة باختصاصاتها، وإضافةً إلى ما رصدته نزاهة في وقت سابق وبحثته بشأن تعاقد بعض الوزارات مع مواطنين برواتب عالية، فقد باشرت الهيئة مهام أعمالها بالتحرّي والتحقق مما نُشر في وسائل التواصل الاجتماعي، والبلاغات التي تقدم بها عدد من المواطنين في الموضوع ذاته، وتبيّن لها أن تلك التعاقدات موقتة، وتمت على برنامج استقطاب الكفاءات المميزة».
والملاحظ هنا أن وسائل التواصل هي شرارة القضية، ثم يأتي عدد من المواطنين تقدموا ببلاغات، لكن نزاهة ألقت باللائمة على وزارة الشؤون البلدية والقروية في تعيين ابن الوزير، ومن بيان نزاهة «اتضح للهيئة أن وزارة الشؤون البلدية والقروية تعاقدت معه، ولم تلتزم في العقد المبرم معه ببعض الضوابط والشروط النظامية»، وأضاف البيان: «تمثلت تلك المخالفات في عدم قيام وزارة الشؤون البلدية والقروية بالتنسيق مع وزارة الخدمة المدنية حيال تحديد المقابل المالي المقرر له للاسترشاد بذلك، ولضمان التناسب في الأجر المحدد مع الخبرة المهنية والتخصص والأجر المقابل لذلك في سوق العمل، وعدم استكمال إجراءات الفحص الطبي، وعدم الالتزام بالسن المحددة للتعاقد وهي ألا تقل عن 33 سنة».. انتهى.
والسؤال ماذا عن مسؤولية وزارة البلديات؟ فالبيان يشير إليها بوضوح أكثر في هذا الاقتباس، وفي ضوء ما اتضح للهيئة من عدم التزام وزارة الشؤون البلدية والقروية ببعض الضوابط والشروط النظامية اللازمة للتعاقد».. انتهى. فإذا كان هناك من جامل وزير الخدمة المدنية على طريقة شد لي واقطع لك، فماذا تم بشأنه؟ وهل ما زال الشد والقطع قائماً لأطراف أخرى؟
هذا «عود من عرض حزمة» على قولة المثل الشعبي، ففي بيان نزاهة نفسه إشارة صريحة إلى عشر وزارات، ولنقرأ من البيان نفسه وظهر لها من واقع تحرياتها وتحققها، وما قُدم لها من أوراق ووثائق؛ عدم التزام 10 وزارات في بعض حالات التعاقد بواحدٍ أو أكثر من الضوابط والشروط النظامية اللازمة للتعاقد وفقاً لبرنامج الاستقطاب، وهي: وزارة الإسكان، وزارة الاقتصاد والتخطيط، وزارة الشؤون البلدية والقروية، وزارة الصحة، وزارة النقل، وزارة الثقافة والإعلام، وزارة التجارة والاستثمار، وزارة العدل، وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات.. انتهى.
العناوين الجميلة مثل استقطاب الكفاءات «المتمزمزة!» مثل عناوين المشاريع، المشكلة دائماً في التطبيق، والشق كما تراه ليس وزارة بل وزارات.
 
  April 24, 2017
تجاوزات وزير
التحقيق مع وزير هو فعلاً سابقة في السعودية، بعد صدور أمر ملكي بإعفاء وزير الخدمة المدنية خالد العرج وإحالته إلى التحقيق «لارتكابه تجاوزات، بما في ذلك استغلاله النفوذ والسلطة»، وجاء الأمر الملكي بعد الاطلاع على ما رفعه رئيسا هيئة مكافحة الفساد وهيئة الرقابة والتحقيق، ونظام محاكمة الوزراء الصادر بتاريخ 1380 للهجرة، لكن لا يذكر أنه تمت إحالة وزير إلى التحقيق علناً على الأقل.
أبرز تجاوزات وزير الخدمة المدنية توظيف ابنه براتب لا يتناسب مع مؤهلاته، وقد حققت هيئة مكافحة الفساد في ذلك بعد الكشف عنه في وسائل التواصل، ثم هدأت القضية حتى اعتقد أنها طويت في ملف النسيان، ولم ينشر عن تجاوزات أخرى، لكن صيغة الأمر الملكي تشير إلى تجاوزات بالجمع، فهل يعني هذا أن توظيف الأقارب – وهو سلوك متفشٍّ في الدوائر الحكومية – أصبح في مرمى المساءلة العلنية؟ لا يمكن تأكيد هذا أو نفيه إلا بعد ظهور حالات مشابهة.
مما دار ويدور في الكواليس أن وزير الخدمة المدنية أصرَّ على عمل نظام إلكتروني على رغم نصائح مسؤولين حكوميين من جهات أخرى بعدم الحاجة له، لتوفّر بديل أفضل تعمل به جهات حكومية، إلا أنه قطع شوطاً في هذا النظام ثم تراجع عنه بعد فترة، ولا أظن أن هذا من التجاوزات، فقد عهدنا أمثلة من «عناد» الوزراء في ما بينهم، وأحياناً على حساب المصلحة العامة. ومما يدور أنه تم توظيف مديري موارد بشرية في أجهزة حكومية قاموا باستقطاب موظفين برواتب عالية، ومعروف أن الوزير السابق يملك مكتباً تجارياً قبل «التوزير» لاستقطاب الموارد البشرية. كل هذا مما يدور ولم يوثَّق، وننتظر أن يستكمل أمر التحقيق بنشر نتائجه بكل شفافية.
إلا أن هذه السابقة أي «إحالة الوزير السابق» إلى التحقيق وباستناد إلى تقارير من «نزاهة» وهيئة الرقابة والتحقيق، مؤشر لافت يمكن احتسابه كخطوة في مكافحة الفساد واستغلال النفوذ في الوظيفة الحكومية، وربما «تعارض المصالح» على مستوى الوزراء، إذ مكثت «نزاهة» منذ تأسيسها في مربعها الأول بعد زخم البداية، ولعل في هذه الخطوة دروساً لبقية المسؤولين سواء في استغلال النفوذ أم في تحسين الظهور الإعلامي، الذي كان لـ«ساعته» الإنتاجية دور كبير في التسخين ونبش الأوراق.
والتحقيق أيضاً كنتيجة يؤكد دور وسائل التواصل، إذ كان لها الدور في وضع هذه القضية حية على البث المباشر فترة طويلة، والله المستعان، فهذا الكرسي دوار يصيب بالدوار.
 
 
  April 17, 2017
بيض الحبارى… والحيارى
التصق تفقيس بيض الحبارى بصورة مجلس الشورى السعودي، فأصبح مادة للتهكم على عمله أو بعض تصريحات أعضائه.
وأصل تفقيس بيض الحبارى خبر نشر قبل سنوات في معرض مناقشة المجلس تقريراً للهيئة السعودية للحياة الفطرية، اتضح منه أنه من أصل 1716 بيضة من بيض الحبارى لدى الهيئة لم يفقس سوى 79 بيضة فقط.
الهدر في البيض غير المفقس اهتم به المجلس، لينشر في أخباره للجمهور، في حين أن هذا الجمهور كان ينتظر من المجلس اهتماماً بقضايا أكبر وأهم للمواطن يعاني منها، فكان مادة للسخرية والتهكم من عمل المجلس.
حماية الحياة الفطرية مهمة إجمالاً، لكن تفقيس بيض الحبارى أعطي أهمية للدلال الذي يحظى به هذا الطائر المهاجر، وإلا فمنظومة الحياة الفطرية في وضع متردٍ، وهي باقية على حالها بتفقيس بيض أو من دونه. ومنذ الإعلان أن مجلس الشورى سيعقد جلسة استثنائية يوم الأحد «أمس» وتشديده على أعضائه بالحضور وعدم التغيب، ولتراجع الثقة، كان حضور تفقيس بيض الحبارى بارزاً بين المغردين في «تويتر»، توقعاً لما سيُطرح، ونافس بل تفوق التفقيس على قضايا تهم الشارع من قيادة المرأة إلى غيرها من القضايا.
تخيل معي لو أن المجلس في تلك السنة اهتم بعدد المشاريع التي فقست مقارنة بعدد المشاريع التي تم إعلانها ولم تفقس، وناقش هذه المشاريع مستدعياً المسؤولين عنها، وفحص وتحرى الأسباب الحقيقية، واضعاً بعين الاعتبار الهدر المالي وأين ذهب، مع العمل على استعادته لخزانة الدولة، ثم برأ ذمته بتقرير شفاف عن أحوال هذه المشاريع، وما يفترض أن يتم لإصلاح المعوج منها والمتعثر واستنقاذ المفقود! لو افترضنا ذلك لكانت صورة المجلس مغايرة لصورته الحالية.
مشكلة المجلس أن البيض لزج ورائحته غير مقبولة، ومع تقادم الزمن عليها وشمس ساخنة تتصاعد تلك الرائحة، لتعيد للذاكرة تفقيس بيض الحبارى تحت القبة!
 
  عبدالعزيز السويد's Blog
- عبدالعزيز السويد's profile
- 2 followers
 


