عبدالعزيز السويد's Blog, page 200
August 31, 2011
الرأي الأتم.. لكم!
الآن لا ترى من الصف الثاني في الجهات الحكومية حضوراً لافتاً أو مؤثراً… أغلبهم تابعون فكرياً وعملياً وتفاعلياً.
والمسؤول القوي الواثق من قدراته يختار في الغالب مساعدين أقوياء قادرين على العمل والمبادرة، مثل أولئك يرون أن أي نجاح متحقق للمنشأة هو نجاح لهم حتى لو ارتبط باسم موظف أصغر في السلَّم الوظيفي، أما المسؤول غير الواثق من قدراته، فيختار ضعفاء لا يحركون ساكناً إلا بإشارة من إصبعه، وعيونهم دائماً على مكتب الرئيس، فهم في الحقيقة نوع آخر من المراجعين… لا غير.
August 30, 2011
نصائح يوسف حبيبي
رئيس وزراء إندونيسيا السابق يوسف حبيبي ينصح المصريين بعدم السير في طريق التغيير الثوري السريع «لا بد أن النصيحة أيضاً موجهة لتونس وليبيا».
في لقاء مع مجلة «التنمية والتعاون» نشرها موقع قنطرة قال حبيبي: «أنصحهم ألا يسيروا في مسار التغييرات الثورية السريعة. إن أهم القرارات يجب أن تُتخذ في البرلمان، وليس في الشارع، وهذا يحتاج إلى الوقت. وتوجد قوى شابة جديدة في مصر، ويجب عليها أن تقوم بتنظيم نفسها في البدء. فمصر بحاجة الآن إلى شخصية قيادية لقيادة هذا التغيير، ويجب أن توضح أنها لن تتشبث بالسلطة إلى الأبد، بل تهيئ الأرضية لبنية جديدة» انتهى. أهمية حديث يوسف حبيبي تأتي من شخصيته، إذ إنه قاد إندونيسيا في المرحلة الانتقالية بعد انهيار حكم الديكتاتور سوهارتو الذي حكم لثلاثة عقود، وعلى رغم أن حبيبي كان من وزرائه إلا أنه حافظ على سمعة نظيفة وتم تقبله رئيساً للفترة الانتقالية، كان لحبيبي طموح اقتصادي كبير للنهوض بإندونيسيا وقاد قطاع الصناعات الثقيلة وكادت طائرة مدنية من تصنيع إندونيسي تطير، شاهدت نموذجاً لها في «باندونغ» في أوائل التسعينات من القرن الماضي وكان التفاؤل كبيراً، لكن تركة الديكتاتور الثقيلة مع الأزمة المالية الآسيوية وهجوم الغرب (لا ينسى الدور المحوري لأستراليا) على إندونيسيا بدعاوى حق تيمور الشرقية في الاستقلال استنزفا قدرات كبرى الدول الإسلامية كثافة سكانية وأشغلها فأحبطت خطط يوسف حبيبي ثم خسر الانتخابات.
سئل يوسف حبيبي عن صندوق النقد وكيف لم يستفد من نصائحه وموارده حينما كان رئيساً لوزراء إندونيسيا فقال: إن دوره كان «مخيباً للآمال». وللفائدة أنقل إجابته كاملة: «كان نشاطه غامضاً، فعلى رغم أن مهمته كانت الاهتمام بالاقتصاد الكلي، لكنه تدخل في الاقتصاد الجزئي أيضاً. إن صندوق النقد الدولي أضر بقطاع الصناعة الاستراتيجية الحكومية الإندونيسية كثيراً. على سبيل المثال كنا على وشك إنتاج طائرة كان يمكن تسويقها في الأسواق العالمية، لكن حدثت الأزمة المالية آنذاك وأخبرنا صندوق النقد الدولي أنه لن يقدم لنا المال، إذا لم نوقف هذا البرنامج. ولم يُسمح لنا حتى بالاستمرار بأموال من القطاع الخاص. وكانت الشركة مساهمة حكومية، عمل فيها آلاف عدة من العاملين. أردت أن أطرح الشركة لسوق الأسهم، لكن لم يُسمح لي بذلك أيضاً. ولم يتعامل صندوق النقد الدولي بهذه الصرامة مع أي من الدول الصناعية، حتى في الأزمة المالية العالمية الراهنة. وهذا مثال على ازدواجية المعايير». انتهى.
ومع ذلك ما زال البعض يرى في الصندوق والبنك الدوليين بيت الخـــبرات والتنـمية الذي لا تشوبه شائبة!
August 29, 2011
عيد الشعوب
في شهر رمضان الكريم خصّص الدكتور محمد العوضي في برنامجه «بيني وبينكم» على قناة «الرأي» عدداً من الحلقات عن تونس، والتقى بعض السجناء السابقين في عهد الرئيس المخلوع بن علي، وشاهدت حلقة مع الدكتور المنصف بن سالم، وهو عالم في الرياضيات والفيزياء، كان لامعاً منذ بداية شبابه وحصل على شهادات مختلفة وعرف في الأوساط العلمية العالمية، لكن «بن علي» وضعه في رأسه فضيقّ عليه وسجنه ثم وضعه قيد الإقامة الجبرية مع حرمانه من العمل، على رغم مطالبات علماء وهيئات «في الغرب خاصة» بإطلاق سراحه.
جاء العيد المبارك بنهاية بن علي مخلوعاً ومطارداً، وبرز المنصف مرفوعاً يحمل حقيبة ملأى بالأدوية لأمراض إصابته من السجن والقهر، لكنّ فوقها آمالاً عريضة. وأمثال الدكتور المنصف لا شك كثُر في العالم العربي ممن ضيقت عليهم الأنظمة الدكتاتورية حياتهم، بعضهم استطاع الهجرة، بينما البعض الآخر لم يستطع، كان يمكن لهؤلاء أن يُستوعبوا ويمكَّنوا من العمل للإسهام في تغيير الواقع إلى الأفضل بشيء من السياسة والحكمة، لكن الديكتاتور أعمى، ومَن حوله يزيده عمًى على عمَاه. وفي لقاء مع عبدالسلام جلود على قناة الجزيرة، تحدث عن تجربة القذافي واصفاً إياه بالواهم، مشيراً إلى دور ما سمّاه «النفاق التطوعي»، وكيف أسهم في جعل الزعيم لا يرى سوى نفسه أينما حلَّ، والنفاق هو الغاز الوحيد الذي يتنفسه الديكتاتور ويتاجر به من حوله.
August 28, 2011
إعادة ترتيب العمل الخيري
الاهتمام الدولي والمحلي بمجاعة الصومال فرصة إيجابية لإعادة ترتيب العمل الخيري الحكومي والمؤسساتي الذي تضرر كثيراً من أحداث11 سبتمبر، كان الضرر كبيراً، كتبت – وقتها – متمنياً الاستفادة من خبرات سعودية متراكمة أجبرتها تبعات أحداث سبتمبر على الانكفاء، كانت الأمنية أن تجد هذه الخبرات مساحة للعمل الخيري في الداخل، بحيث لا يتبخر رصيد عقود من الخبرة، فنحن بحاجة لتنظيم العمل الخيري الداخلي أولاً وعدم الاكتفاء بمنظومة عمل وزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات التي تشرف عليها. ومن الملاحظ أن لا تطور يذكر في أعمال تلك الجمعيات على الأرض، صحيح أن هناك خططاً وبرامج يعلن عنها من الوزارة، لكن الواقع لم يتغير في شكل ملموس، بل إن التبرعات الفردية هذه السنة كما وصلني من بعض الإخوة الناشطين في أعمال الخير انخفضت في شكل ملحوظ، والحاجة كما يعلم الجميع متزايدة.
لا شك في أن العمل الخيري في الخارج من خلال مؤسسات سعودية خلال العقود الماضية حقق نجاحات كبيرة، ولا شك أيضاً في أن أخطاء شابته من زوايا متعددة، منها سوء الإدارة والرقابة، إلا أن الاستفادة من تلك التجربة مهمة وإعادة تنظيم العمل الخيري في الداخل والخارج تحت جهة مستقلة فاعلة أمر حيوي، بعيداً عن البيروقراطية الحكومية بما يمثل ذلك من مرونة وسرعة استجابة للحاجات، وفي البداية يفترض أن تتم بترتيب أوضاع المؤسسات المجمدة ما لها وما عليها، ومعرفة الأخطاء وتلافيها. وحسن الاختيار هنا للرجال القائمين على تلك المؤسسات مع حسن الرقابة لا يقل أهمية عن بعثها من جديد. لقد فقدت السعودية ذراعاً خيرياً عالمياً مؤثراً بعد أحداث سبتمبر واستعادتها بفهم واستراتيجية جديدين يضعان الأولويات للداخل أولاً ثم للأقربين من المحتاجين دولاً ومجتمعات سيحقق الكثير.
***
هل تتحول ليبيا – ما بعد القذافي – إلى رافعة لاقتصاد أوروبا المترنح؟ الأرصدة مجمدة والقروض بدأت والمطالبات بتنفيذ الاتفاقات السابقة أعلنت على رغم أنها اتفاقات «قذافية» قبلت أياديه لأجلها ولم تقبل الأيادي وتفتح الأحضان بالمجان. إذا كان الغرب صادقاً في تدخله لمصلحة الشعب الليبي فلا يجوز أن يحمّله اتفاقات وقعها مع الديكتاتور.
***
أرسل لي الإخوة في منتدى مقاطعة مشاهد مصورة لعمال أحد المطاعم وهم يرمون الفائض من الأطعمة في حاويات القمامة، وهذا هو الرابط:
http://www.mqataa.com/vb/showthread.php?t=36505
الاقتراح بتقنين كميات الطعام للشخص الواحد في المطاعم الشعبية «مع خفض السعر» سيحقق الكثير لو تبنته وزارة البلديات والأمانات.
August 27, 2011
«طيب وبعدين» ؟!
إذا أردت أن تطالع نموذجاً للانتقائية، والرد لأجل أن يقال «تم الرد والإيضاح»، ويدون ذلك في كشوفات الصادر، فعليك التدقيق في بيان مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون في السعودية، الذي نشرته الصحف المحلية رداً على تقرير ديوان المراقبة العامة.
احتوى تقرير ديوان المراقبة العامة على 29 ملاحظة جوهرية، تشير إلى خلل مستفحل وتجاوزات يكاد بعضها يصرخ بأعلى صوت معلناً عن التسيب وعدم وجود رقابة داخلية، وكل نقطة منها تنطق بالأهمية والأولية، لكن مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون انتقى ثلاثاً منها لا غير ورد عليها بضعف واضح، ثم انتقل بسرعة البرق إلى «سوف»، في حديث مسهب عن المستقبل المشرق. قفزت إدارة المستشفى على أول نقطة من تقرير ديوان المراقبة العامة، والتي أشارت إلى تقصير في التعامل مع ثلاث حالات وفيات! وهذه وحدها كافية، ثم قفزت على «تكرار الاختلاسات خلال السنوات الثلاث الماضية»، لتؤكد أنها هي من اكتشف اختلاس أحد الموظفين وإحاطة فريق ديوان المراقبة عنه «عند زيارتهم للمستشفى»! ولا يمكن استعراض تقرير الديوان في مقال، لكنه لم يترك شيئاً، من الوفيات إلى الاختلاسات وشراء بنود دون حاجة وعدم مراقبة المخزون، «من أطرف ما ذكر تقرير الديوان شراء محاليل لأجهزة غير موجودة!»، وسوء تعامل الموارد البشرية مع الموظفين ووجود قرابة 300 ساكن «غير نظامي» في الإسكان، وتزوير في بيانات وإجبار مدير على تقديم شهادات غير مستحقة لمساعدي أطباء! وعدم استرجاع مبالغ، ماذا بقي يا ترى؟… بقي الكثير فالتقرير من ثلاث صفحات.
ديوان المراقبة العامة وجّه خطابه إلى وزير الصحة، مطالباً بتطبيق الأنظمة وإفادة الديوان بما يتم، والرأي العام بحاجة لمعرفة ما سيتم أيضاً لأجل صحة عيونهم لا أقول خواطرهم (لأن جبر الخواطر على الله) والمشكلة أن رد المستشفى أشار إلى عزم على إيفاد أطباء منه إلى مستشفيات في مناطق مختلفة، ولا ندري أي خبرة سيقومون بتوزيعها على تلك المناطق.
والسؤال المهم – الذي يطالعنا به القراء غالباً، وننقله عنهم – يقول «وبعدين»؟ الديوان راقب ولاحظ وقدم تقريراً… حسناً وبعدين، كان من المنتظر ظهور رد من وزارة الصحة يشير إلى الإجراءات التي اتخذتها بحق المتسببين بالتسيب! بدلاً من رد ضعيف، والطريف أن بعض الصحف قال إن بيان المستشفى «فند وأوضح»، وهو لم يوضح سوى أن الشق أكبر من الرقعة، وأن العيون مثل البطون والعظام وسائر أعضاء الجسد الصحي المنهك.
August 26, 2011
«رز… وزيت»
تكثر هذه الأيام الصدقات. بعضها نقدي والآخر عيني. ومن خلال تجربة بعض الإخوة من فاعلي الخير أسوق هنا بعض الملاحظات، لعلها تحقق فائدة.
هناك قناعة لدى البعض بحصر صدقاتهم للأسر الفقيرة في المواد الأساسية، وهي تتركز في الغالب في القوت الشعبي وملحقاته «رز وزيت وشاي وسكر، وقد تضاف المكرونة». هذا للوهلة الأولى أمر معقول ومنطقي، فهي سلع طويلة الأجل في الصلاحية، إضافة إلى أن كل بيت تقريباً يحتاج إليها. أيضاً هي تعطي راحة نفسية للمتصدق، لأنه قدم ما يستفاد منه، لكن تحوُّل ذلك إلى صيغة سائدة أدى إلى حرمان الأسر الفقيرة من حاجات أخرى هي أيضاً أساسية، كما أدى إلى تكدس بعض المواد الأساسية في منازلهم. ويخبرني أحد الأصدقاء من الباحثين في أحوال الأسر الفقيرة أنه وجد في بعض منازلهم أكواماً من صنف واحد «رز أو شاي مثلاً»، والسبب هو النمط السائد في الصدقة.
هناك من فاعلي الخير مَن لا يرغب في تقديم النقد، حذراً من أن يستخدم لغرض آخر، وفي هذا خوف غير مبرر، حسب اعتقادي، ما دام المال يُسلم ليد راشد، رجلاً كان أو امرأة تعول أطفالاً. والفقراء، مثل غيرهم، تتعدد حاجاتهم، وأكثر ما يضغط عليهم هو إيجارات منازلهم وفواتير الكهرباء، إضافة إلى احتياجات أخرى من الدواء والكسوة وغيرهما. والذي يحدث أن بعض الأسر الفقيرة تضطر إلى بيع ما يتراكم من صنف واحد لديها لصاحب البقالة بنصف السعر أو أقل للحصول على احتياجات أخرى، وأتوقع أن هناك تجارة موسمية من هذا النوع لا يستفيد منها سوى بعض أصحاب المحلات أو العمالة فيها. أيضاً بعض الموسرين التزموا بمعونة عدد من الأسر الفقيرة لأشهر أو لأعوام، من خلال اتفاق مع أصحاب المحلات، بحيث تصل إلى منازل الفقراء قائمة محددة من السلع كل فترة. والأفضل أن تصبح هذه القائمة مرنة أكثر، وتحددها الأسرة المستفيدة، ضمن سقف نقدي حدده فاعل الخير.
والغريب أن بعض الجمعيات الخيرية تنحو المنحى نفسه في التعامل مع الأسر الفقيرة؛ فهي تصرف المواد الأساسية من دون النظر إلى مقدار الحاجة، مع أن لدى هذه الجمعيات – كما يفترض – موظفين أو موظفات يستطيعون التأكد من نوع الحاجة بدلاً من جريان العادة. وجد أحد الأصدقاء في منزل أسرة فقيرة عشرات من علب الشاي، وفي منازل أخرى عدداً لا بأس به من علب الزيت وعبوات الرز بما يفوق حاجة أسرة متوسطة الحال لأشهر، لكنهم كانوا في مسيس الحاجة إلى سداد فاتورة كهرباء، والشركة لا ترحم، أو قسط إيجار، وبعض المؤجرين لا يرحم، فإذا وضعت في الاعتبار المرضى والمعاقين والأطفال، فإنه يمكنك معرفة واقع الحال.
August 24, 2011
«المضللون»!
هل يخضع المسؤول لاختبار في الدراية بالأنظمة والفهم للقرارات الخاصة بالمنشأة المرشح لإدارتها؟ السؤال طرح نفسه بقوة بعدما نشر عن أقوال الأمين الأسبق لمدينة جدة وهو – كما يبدو- أعلى المتهمين «منصباً» في قضية كارثة جدة، فهو برتبة وزير ولم يذكر اسمه، وبحسب صحيفة «عكاظ»، السبت قبل الماضي، فإن الأمين الأسبق دافع عن نفسه بالقول إنه تمّ تضليله، وقال: «أنا ….. أمين جدة الأسبق أقر وأعترف وأنا بكامل قواي العقلية المعتبرة شرعاً بأنني أخطأت في الموافقة على ما قدم لي من مكاتبات من وكيل الأمين، إبان فترة عملي والمتمثلة في إنشاء نفق خرساني في مجرى السيل في مخطط قويزة والسماح للمواطنين بالبناء في الموقع». وأضاف كما نشرت الصحيفة: «لا أنكر قصوري في عدم الاطلاع على الأنظمة والتعليمات، ولو اطلعت على المحاضر والأوامر السامية لما عمدت وكيل الأمين بإجازة المخطط، لا سيما أنه قدم لي معلومات غير صحيحة وغير صادقة وتعمد تضليلي، ولا أعلم عن خفايا وأبعاد الوكيل». ثم أبدى أسفه قائلاً: «أبدي أسفي واعتذاري لولاة الأمر، إذ كان يجب عليّ أن أكون على اطلاع كامل بالأوامر السامية، وأؤكد أن أخطائي لم تكن بقصد الإضرار بالأرواح والممتلكات، وبذلك مستعد لتصديق إقراري شرعاً، وقد أذنت لمن يشهد والله خير الشاهدين».
أعود لطرح السؤال، هل يمتحن المسؤول «ولو قياس!» قبل اختياره في أنظمة الجهة المرشح لتولي إدارتها؟ هل يذاكر وتقوم لجنة بالامتحان؟ لا أعلم في الحقيقة لكني لا أتوقع ذلك. أما السؤال الذي يشارك ما سبق في مستوى الأهمية فهو يخص مسألة التضليل. لا شك أن كارثة جدة، بحكم حجمها وضحاياها، قد أجبرت على فتح ملفات، وكان الأمل أن يفتح هذا الملف الكبير ملفات أخرى حتى ولو كانت تبدو أصغر، لكن الشاهد أمامنا أن ذلك لم يحدث.
احتمال التضليل مسألة قائمة يقدرها القضاء ولا بد أن ينظر في مسألة الفوائد التي ترتبت على تلك الموافقات إن وجدت، للعلم بدرجة التضليل ومدى تعتيمها على اتخاذ القرار الصحيح من وجهة نظر المصلحة العامة! وإذا كنا نرى الآن قضايا كثيرة متحيرة وواقفة فهل يمكن لنا التخمين أنها داخلة في دائرة التضليل ولم يكتشف المسؤول ذلك حتى الآن، ألا يستدعي ذلك منا حملة ضد التضليل والمضللين «في مشروع الإصلاح»، سواء من يقدم معلومات غير دقيقة لتمرير مشروع أو برنامج أو يتستر على معلومات صحيحة ويحجبها أو يزين واقعاً متردياً لصاحب القرار «حتى ولو في تصريح صحافي أو مقال» مظهراً إياه على غير حقيقته. الأسئلة تتقافز، وآخرها: هل الصمت عن واقع سلبي نوع من أنواع التضليل؟
August 23, 2011
سقوط طاغية
مبروك للإخوة في ليبيا سقوط الطاغية، والمباركة لكل عربي بل لكل إنسان يمقت الظلم والظلمة، وتصل المباركة للقضية الفلسطينية التي استخدمها «ملك الملوك» فترات من الزمن زوراً. كان القذافي شخصية استثنائية جمع بين الطغيان والجنون، لم يتبقَّ له سوى ادعاء النبوة، حيث جرب كل الأدوار من الثورة إلى الزعامة وملك الملوك والفلسفة والتنظير والشعر والقصة، والعجيب أنك لا تجد في شخصية القذافي أي «كاريزما» تحبب البسطاء من الجماهير فيه، بل إنه شخصية مملة لا ينصت لها الناس إلا خوفاً وحذراً، أما البعيدون عن سلطته فهم يستمعون إليه ليتندروا عليه.
تميز القذافي عن غيره من الطغاة بـ «فلتان اللسان»، واستطاع في كل فترة من عقود تسلط فيها على الليبيين صنع عدو للانشغال والإشغال به، وهو ديدن الديكتاتور في ترحيل المشكلات الداخلية إلى الخارج.
«الغصة» الوحيدة في انتصار الثوار في ليبيا هي وجود الغرب ومساعدته لهم في إسقاط الديكتاتور، بل إدارته الأمور، ولكل دور ثمن؟ وأمامنا نتائج تجربة لا تختلف كثيراً حينما أسقط التحالف الغربي صدام حسين، فقامت الإدارة الأميركية بتقديم ما على سطح أرض العراق لإيران ووضعت يدها على ما تحت أرضه، ورأينا كذب الديموقراطية والحرية الأميركية في العراق النازف، وهو ما يؤمل أن يحذره الليبيون، لا بد من الاستقلال التام فلا يتسيد المشهد ساركوزي بثياب جورج بوش الابن وهو نسخة مصغرة عنه، ثم يظهر لنا «جلبي» أو «مالكي» أو «كارزاي» آخر.
وعلى رغم أن الواقع على الأرض يقول إن لا فكاك لليبيا «الحرة» الجديدة من التسلط الغربي – الاقتصادي خصوصاً – لأسباب موضوعية ولو موقتة، فإن هناك أملاً بعد الله تعالى بالليبيين الأحرار، فهم أكثر من تضرر ودفع الثمن الغالي عقوداً من أعمارهم ودماء أبنائهم. لا ننسى أن الغرب نفسه هو من رحب وأعاد تهيئة القذافي المعزول للظهور على المسرح الدولي قبل سنوات قليلة. لذا، بعد زوال أثر الفرحة والابتهاج، الامتحان المقبل لأحرار ليبيا هو إمكانية القدرة على رفض استبدال طاغية بطغاة آخرين حتى ولو كانوا من النموذج الغربي الجذاب.
في الصورة العامة للمشهد، الغرب يهرب من أفغانستان خاسراً وعلى عجل ولم تمر فترة عصيبة عليه مثلما هي هذه الفترة في ذلك البلد الفقير، لكنه يحقق المكاسب في ليبيا «الغنية»، وهناك فارق بمقدار المسافة بينهما، وهو ما يؤكد أن الغرب أصبح ينتقي ما يرغب من الثمار الناضجة.
August 22, 2011
الصومال و «حفظ النعم»
من ينسى صورة طفلة أفريقية جائعة (في جنوب السودان) تزحف بوهن على الأرض، وبجوارها نسر ينتظر موتها، صورة أبكت العالم التقطها المصور الجنوب أفريقي كيفن كارتر في التسعينات من القرن الماضي، ولمع اسمه عالمياً بسببها، ثم انتحر في ظروف غامضة.
أطفال ونساء الصومال يعيشون ظروفاً شبيهة بحال تلك الطفلة الأفريقية، والبذل لهم واجب، لذلك سارع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى إعلان حملة تبرعات شعبية، إضافة الى ما قدّمته الحكومة السعودية منذ إعلان حال المجاعة لمساعدة الجياع في الصومال، وبدأت الحملة أمس. صور المجاعة والتفاعل معها يجب أن تتعدى قضية البذل والتبرع للمستحقين في الصومال وغيرها إلى حملات في الداخل تؤصل حفظ النعمة واحترامها، وفي بلادنا إسراف له جذور اجتماعية وعادات ولامبالاة أحياناً، ومن السهل المطالبة بحملة أو حملات، لكن مثل هذا يحتاج إلى جهة تعنى به، ثم تواصل العمل على تفعيله حتى يصبح سلوكاً شخصياً، ويصبح ما عداه سلوكاً شاذاً، إلى أن يتم الالتفات رسمياً. لذلك، لا بد أن نبدأ بأنفسنا ومن حولنا، وإذا دققت النظر تجد أن كثيراً من العادات الإيجابية تحوّلت إلى مظاهر إسراف. في الشهر الكريم، نرى أن تفطير الصائم تحوّل إلى تجارة، في السابق كان الناس يُخرجون من طعام بيوتهم لتفطير الصائمين في المساجد، الآن أحيل الأمر إلى متعهدين ومطاعم، وهذه الجهات لا علاقة لها بفائض الأطعمة وما يذهب إلى حاويات القمامة، مادامت الكلفة دفعت، ومن المظاهر ما بدأ ينتشر في الأعياد، في السابق (أيضاً) كان الناس صباح العيد يُحضرون أطعمة من منازلهم (ذواقة) لمائدة تفرش في الطريق، الآن أوكل الأمر أيضاً -في كثير من الأحيان- إلى المطاعم والمطابخ، سواء تمت الدعوة في الطريق أو في استراحات، فتحول الأمر إلى عادة جديدة. وواحدة من مشكلاتنا هي «البوادي والتباسي»، الأكل الجماعي المشترك في صحن واحد، وسد العيون التي تأكل أكثر من البطون «وشرهة فلان وعلان» و «يمكن يقولون»، حيث يفيض الطعام في الغالب عن حاجة المدعوين أو يصل – بعد الانقضاض على علوه- إلى حال لا يمكن أن تقبلها نفس، ويظهر أننا بحاجة لوضع صور من مجاعة الصومال في كل صالة طعام أو «مقلط»، وبحاجة أيضاً إلى إعادة تعريف الكرم والكريم.
August 21, 2011
«عادي»!
منذ سنوات انتشر استخدام كلمة «عادي» بين الشباب… كجواب لكل سؤال، فإذا قلت لواحد منهم: «ودّك تروح؟»، رد: «عادي»، ولو سألته: «يعني تبي تجلس؟»، قال لك: «عادي»، مهما خيّرته؛ فالأمر بالنسبة له «عادي». لاحقاً انتشرت ماركة «عادي»؛ حتى أصبحت دمغتها مطبوعةً على كل شأن. تحولت إلى الجواب الصامت للجهات الحكومية والخاصة على ما يُنشر وما يُسرَّب أو يتسرَّب من قضايا تخصها وتقع في صميم واجباتها، سواء كانت اختلاسات أو فساداً أو قصوراً ونقصاً في أعمالها، وأقصد بالمنشور ما تحفل به الصحف، أما غير المنشور «ورقياً» فهو ما تحتويه صفحات الإنترنت.
عدم التفاعل المفيد مع ما يثار من قضايا يعني أنها في خانة «العادي»، بل حتى ما يصفه بعض القراء بالوثائق عن تلك القضية المائلة، وذلك الواقع المثير لعلامات الاستفهام في جهة أو جهات لا يجد حسماً؛ لأنه أمر «عادي».
«وين زمان أوّل؟» حينما كان الكشف عن مثل هذه الأمور يُحدث أثراً لم نعد نرى مثله، أصبحت كل الأمور «عادي»، صغرت القضية أم كبرت، كأننا في لحظة توقف فيها الاهتمام الفاعل. لاحظ أننا في السابق كنا نبحث عن الاهتمام ثم أصبحنا نبحث عن الاهتمام الفاعل، وربما لاحقاً سنبحث عن تفعيل الاهتمام الفاعل.
صارت «عادي» ماركة مسجلة لقضايا الشأن العام؛ لذلك أقول للإخوة الذين أرسلوا نسخة متداولة من تقرير لديوان المراقبة العامة – متوافرة على الإنترنت – عن الأحوال الإدارية والمالية لمستشفى للعيون، أقول: «عادي»، حتى الإشارة إلى دورة في تعليم الرقص!… «عادي». أتذكر أن جزئية الاختلاسات نشر عنها في الصحف، والنتيجة «عادي»، مثلها مثل غيرها من قضايا. إذا كان التقرير يشير إلى واقع مستشفى للعيون، فمن الطبيعي أن يكون كل ما يحدث أمام العيون، ويستغربه أناس، هو في الحقيقة أمر «عادي»… كل شيء «عادي»، فقط أنتم أيها المتذمرون أو المنبهون مَن تقعون في خانة «غير العادي».
* * *
في تنظيم العمل البيروقراطي هناك ما يسمى تسديد القيد، فكل معاملة ترد يوضع لها قيد؛ أي رقم وتاريخ ثم إذا أنجزت أو أعد لها رد «حتى لو كان الرد سيطيل من عمر مكوثها معلقة» يتم تسديد القيد برقم صادر وتاريخ. كل جهة لها دفاتر تحولت أخيراً في بعضها إلى أجهزة حاسوب. لكن، تخيل معي عدد القيود التي لم تسدد، وحتى تتخيل – بشكل يقارب الواقع – تذكر كثرة القضايا وتشعبها التي تراوح مكانها، حتى لو شُكلت لها لجان وتحقيق، لكن من دون تسديد القيد، هذا الوضع يشير إلى أن موظف الوارد يتصبب عرقاً وهو منزعج من «شخير» موظف الصادر!
عبدالعزيز السويد's Blog
- عبدالعزيز السويد's profile
- 2 followers

