«عادي»!
منذ سنوات انتشر استخدام كلمة «عادي» بين الشباب… كجواب لكل سؤال، فإذا قلت لواحد منهم: «ودّك تروح؟»، رد: «عادي»، ولو سألته: «يعني تبي تجلس؟»، قال لك: «عادي»، مهما خيّرته؛ فالأمر بالنسبة له «عادي». لاحقاً انتشرت ماركة «عادي»؛ حتى أصبحت دمغتها مطبوعةً على كل شأن. تحولت إلى الجواب الصامت للجهات الحكومية والخاصة على ما يُنشر وما يُسرَّب أو يتسرَّب من قضايا تخصها وتقع في صميم واجباتها، سواء كانت اختلاسات أو فساداً أو قصوراً ونقصاً في أعمالها، وأقصد بالمنشور ما تحفل به الصحف، أما غير المنشور «ورقياً» فهو ما تحتويه صفحات الإنترنت.
عدم التفاعل المفيد مع ما يثار من قضايا يعني أنها في خانة «العادي»، بل حتى ما يصفه بعض القراء بالوثائق عن تلك القضية المائلة، وذلك الواقع المثير لعلامات الاستفهام في جهة أو جهات لا يجد حسماً؛ لأنه أمر «عادي».
«وين زمان أوّل؟» حينما كان الكشف عن مثل هذه الأمور يُحدث أثراً لم نعد نرى مثله، أصبحت كل الأمور «عادي»، صغرت القضية أم كبرت، كأننا في لحظة توقف فيها الاهتمام الفاعل. لاحظ أننا في السابق كنا نبحث عن الاهتمام ثم أصبحنا نبحث عن الاهتمام الفاعل، وربما لاحقاً سنبحث عن تفعيل الاهتمام الفاعل.
صارت «عادي» ماركة مسجلة لقضايا الشأن العام؛ لذلك أقول للإخوة الذين أرسلوا نسخة متداولة من تقرير لديوان المراقبة العامة – متوافرة على الإنترنت – عن الأحوال الإدارية والمالية لمستشفى للعيون، أقول: «عادي»، حتى الإشارة إلى دورة في تعليم الرقص!… «عادي». أتذكر أن جزئية الاختلاسات نشر عنها في الصحف، والنتيجة «عادي»، مثلها مثل غيرها من قضايا. إذا كان التقرير يشير إلى واقع مستشفى للعيون، فمن الطبيعي أن يكون كل ما يحدث أمام العيون، ويستغربه أناس، هو في الحقيقة أمر «عادي»… كل شيء «عادي»، فقط أنتم أيها المتذمرون أو المنبهون مَن تقعون في خانة «غير العادي».
* * *
في تنظيم العمل البيروقراطي هناك ما يسمى تسديد القيد، فكل معاملة ترد يوضع لها قيد؛ أي رقم وتاريخ ثم إذا أنجزت أو أعد لها رد «حتى لو كان الرد سيطيل من عمر مكوثها معلقة» يتم تسديد القيد برقم صادر وتاريخ. كل جهة لها دفاتر تحولت أخيراً في بعضها إلى أجهزة حاسوب. لكن، تخيل معي عدد القيود التي لم تسدد، وحتى تتخيل – بشكل يقارب الواقع – تذكر كثرة القضايا وتشعبها التي تراوح مكانها، حتى لو شُكلت لها لجان وتحقيق، لكن من دون تسديد القيد، هذا الوضع يشير إلى أن موظف الوارد يتصبب عرقاً وهو منزعج من «شخير» موظف الصادر!
عبدالعزيز السويد's Blog
- عبدالعزيز السويد's profile
- 2 followers

