محمد إلهامي's Blog, page 80

February 25, 2013

من ملامح الدولة الإسلامية.. مجتمع متين


تغمرني فرحة لاشك حين يمتليء فضاء الشباب بنقاش نقد الدولة المركزية الحديثة، ذلك أني أتذكر نظرات الارتياع التي كنت أستقبلها حين كنت أطرح هذا النقد منذ ثماني سنوات، كان الناس آنئذ يتخيلون أن هذا الطرح خارج الزمن وخارج العقل وخارج المنطق، وتلك هي "آخرة الفلسفة" أن تكون "زي عمو ده"!!
وكما قال أخي الكريم د. دسوقي أحمد فإن النقاش يجب أن يأخذ سبيله نحو الحل والتركيب بعد أن أوسع الشباب نموذج الدولة الحديثة نقدا وتفكيكا، ولمجرد الإسهام البسيط في هذا الطرح كانت تلك السطور..
وسنعتبر أن قراء هذه المقالة ممن استوعبوا ضرر وخطر نموذج الدولة الحديثة، وممن استوعبوا منشأها وكيفية ظهورها، والفوارق بينها وبين ماضي الدول بشكل عام، ثم بينها وبين الدولة الإسلامية كما ظهرت تاريخيا.
***
أهم ملامح الواقع:
1. أننا في دولة مركزية حديثة
2. هذه الدولة نشأت وتعمل تحت رعاية وعناية الهيمنة الخارجية، وهي هيمنة الأعداء
3. الأعداء –بالفعل- يسيطرون على أخطر مفاصل الدولة: المال والسلاح والمعلومات = الاقتصاد، الجيش والشرطة، المخابرات وأجهزة الأمن.
***
حقائق على الطريق:
1. لا يمكن بناء استقلال من أي نوع بدون مواجهة مع مركز الهيمنة وأدواته (أمريكا وأتباعها في الداخل)
2. لا يمكن مواجهة نموذج الدولة المركزية الحديثة بغير تفكيك، أو على الأقل، تحييد أهم هذه المفاصل الواقعة تحت سيطرة العدو الخارجي
3. ولا يمكن الانتقال من نموذج الدولة المركزية الحديثة إلى نموذج أقل في السيطرة إلا عبر طريقين:
- مواجهة شاملة كما في الثورات على غرار النموذج السوري والليبي (وهذا ما لا يريده أحد، ولعله إن وُجِد فإنه لا يستطيعه، وبشكل عام فإن المشهد المصري يبدو أنه تجاوز هذا الاحتمال إلا أن يحدث انقلاب عسكري فج أو احتلال خارجي فهذا قد يكون شرارة لمسار غير محسوب)
- صعود رئيس يعبر عن تيار شعبي على رأس هذه الدولة المركزية، يستوعب خطرها وضررها، ثم يقوم هو بذاته وعبر المؤسسات المنتخبة بالتقليص من سلطات الدولة مع منح صلاحيات ومساحات أوسع للمجتمع والعمل الشعبي (سيظهر هنا تخوف الاختراق الخارجي لمنظمات المجتمع المدني والحركات الشعبية.. لكن لهذا حديث آخر)
4. وباعتبار أن الجميع يريد الانتقال الآمن فإن أطراف الفعل السياسي ستنقسم إلى طائفتين:
- الإسلاميون سيدركون عاجلا أم آجلا أن نموذج الدولة المركزية الحديثة يجعلهم رهنا بالنظام العالمي وأسرى في دهاليزه، وبعيدا عن احتمال الخيانة أو التفريط في المنهج، فسيكون أمامهم مساران: الأول ينتهي بهم ككلاب حراسة للنظام العالمي، والثاني محاولة مجاهدة النظام العالمي هذا عبر بناء دولة مستبدة قوية على غرار مشروع محمد علي أو الاتحاد السوفيتي أو النموذج الإيراني (وكل المشاريع من هذه النوعية فشلت وسقطت تماما كالمشروع العلوي والسوفيتي أو في مرحلة الأفول كالإيراني)
- العلمانيون يُدركون تماما أهمية نموذج الدولة المركزية الحديثة بالنسبة لهم، يدركونها أكثر بكثير من الإسلاميين، ويعرفون أن وجودهم فرع من وجودها وأن انتهاءها مقدمة لنهايتهم، فهم سيتشبسون بها إلى آخر ما في جعبتهم، لا سيما بأقوى مفاصلها: الجيش والمخابرات، فإن فشلوا فأمامهم ثلاثة مسارات: أن يتمسلموا (كما تحولوا وتلونوا تبعا للنظام.. وتلك سيرة المنافقين) أو أن ينزووا في مجاهل النسيان حيث يتجاوزهم الواقع والتاريخ أو أن يغادروا تلك البلاد (المتخلفة أهلها إلى حيث يعيشون الانسجام النفسي في الغرب: أرض العلمانية)
***
ماذا يفعل الإسلاميون؟
العقبة الوحيدة التي ظلت واقفة في حلق نموذج الدولة المركزية هي "التماسك المجتمعي"، حيث عجزت الدولة الحديثة عن فرض نموذجها على مناطق القبائل والعائلات، على المناطق ذات التماسك الإنساني والعادات والتقاليد الراسخة.. وفي تلك البقاع اتخذت الدولة سبيل التصفية والمواجهات العنيفة أحيانا ثم لم تنجح، أو سبيل التفاهم والتواصل مع الرموز والعائلات والمراضاة وفي هذه الحالة تحقق استقرار أقل من أن يُرضي نموذج الدولة لكنه أفضل من أن يشعل في وجهها صراعا!
الدولة المركزية الحديثة تريد مواطنا يسلم كل أوراقه لها، إن أراد بناء بيت طلب منها التصريح، أو أراد التعلم ذهب إليها بأوراقه، أو أراد معرفة العالم فتح قنواتها الرسمية وصحافتها الحكومية، فإن دخل في نزاع هرع إلى قسم الشرطة وانتظر حكم المحكمة.. المواطن الصالح المسالم هو من يرى الدولة أمه وأباه بل ربه ومعبوده يلجأ إليها إذا شيك بشوكة.
ما يقلق ذلك النموذج هو نفوذ خارج هيمنتها مثل تملك الأراضي بوضع اليد، وتعليم خارج سياقها مثل الكتاتيب والمساجد، أو إعلام خارج قنواتها مثل المنابر، أو قضاء خارج منظومتها مثل المجالس العرفية، أو ولاء خارج دهاليزها مثل كبير العائلة وشيخ البلد وشيخ المسجد.. وهكذا!
والنظام الإسلامي هو أكثر الأنظمة سعيا في بناء شبكة العلاقات الاجتماعية هذه، وهذا باب زاخر حافل فياض في النصوص الإسلامية، فعلاقة الدين تؤسس لولاء أساسي كبير لا ينفصم ولا يجوز له أن ينفصم تحت أي ظرف، وصلة الرحم تؤسس لبناء العائلة والقبيلة والعشيرة، وحقوق الجار تؤسس لبناء شبكات جغرافية في الشوارع والأحياء والمناطق، ويظل المسجد –ذلك البناء الأول والحصن الأخير- موجودا في كل بقعة يفرض على الناس أن يجتمعوا فيه كل يوم خمس مرات على الأقل، وهو صالح دائما لأن يكون مركز تعليم ووسيلة إعلام وجمعية خيرية لحل مشكلات المنطقة.. المسجد بحد ذاته نموذج إسلامي فريد استطاع بناء مجتمعات منسجمة وقد كانت في غاية التنافر في وقت قياسي.
كما هو النظام الإسلامي أكبر الأنظمة سعيا في مقاومة التسلط والاستبداد، فهو يعطي لكل أحد حق مقاومة المنكر الصادر عن أي أحد (بشرط العلم والقدرة) حتى لو كان هذا المنكر صادرا عن رأس الدولة نفسه، بل إن سيد الشهداء هو من قتله المستبد حين قام بواجبه، والشهادة هي غاية كل مسلم والجهاد هو ذروة سنام الإسلام.
فالخلاصة من كل ما سبق هو أن واجب الإسلاميين استثمار المساجد بأقصى الطاقة الممكنة، ففي المساجد تولد المجتمعات المتماسكة وتنشأ شبكات العلاقات المفرغة، مع الاهتمام بشكل خاص بأمر الروابط هذا: كصلة الرحم وحقوق الجوار والتعاون على البر والتقوى.. هذه المعاني ينبغي أن تكون الخطاب الإسلامي العام في المرحلة المقبلة.
سيكون النجاح مرهونا بخروج هذا المجتمع من سلطة الدولة طوعا، وأبسط مظاهر هذا النجاح هو لجوء المتخاصمين إلى الفقيه والشيخ ليقضي بينهم، وانتشار جلسات القضاء العرفي، وازدهار العمل التطوعي في المساجد وخارج المساجد تعليما وتثقيفا وتنمية وتعاونا على البر والتقوى، أن تكون المساجد ملجأ من لا ملجأ له في المسرات والمضرات، أن يقوم المسجد بحل مشكلات الأحياء.. وهكذا!
الرئيس الإسلامي الرشيد سيرى في هذه الشبكات إضافة له لا خصما من رصيده، لأن المجتمع سيرفع عن الدولة أعباء ضخمة: عن الشرطة والقضاء والاقتصاد والبطالة.. مجهود المجتمع بشكل عام هو إضافة للحاكم الرشيد، وذلك الحاكم يشجع هذا ويطوره من خلال إتاحة مساحات أوسع لعمل المجتمع، من خلال رعاية أنظمة الأوقاف وتشجيع الأعمال التطوعية والمبادرات الشعبية، بل ويستفيد من هذا في مجالات هي من صميم عمل الدولة كالدبلوماسية الشعبية والقوة الناعمة.
في لحظة قوة المجتمع يكون الخروج من نموذج الدولة المركزية سريعا ولكنه بطريقة متدرجة وآمنة، وسيظل الشرط هو تحييد مؤسسات الدولة المركزية الأقوى كما ذكرنا مع صلابة الحاكم في رعاية هذا التطور أمام الرفض الخارجي الذي سينزعج إلى المالانهاية وهو يفقد السيطرة على كنز امتلكه قرونا، وصار الحصان الاجتماعي جامحا هائلا من بعد ما استطاع الإمساك بقرونه طويلا يوم أن جعله خروفا!
وأهم مما سبق أن المجتمع في سيره نحو الدولة اللامركزية سيبتكر الحلول التفصيلية للمشكلات والعقبات اليومية، وهي تلك التفاصيل المفقودة في نقد الناقدين للدولة الحديثة، والذي يشكو منه من يطالب بحل عملي بعدما سئم مجرد النقد للنموذج القائم.
في الحقيقة ليس من أحد يمتلك تصورا متكاملا تفصيليا لما يأمل أن يكون عليه الوضع، لأن الواقع يفرض جديدا وهذا الجديد يفرض على العقل أن يبتكر حلا، ثم ينشئ هذا الحل واقعا جديدا بظروف جديدة (الجدلية المعروفة بين الفكرة والواقع).. ولن يستطيع أحد إعطاء الكلمة الأخيرة في تصور نهائي.. وحده الواقع العملي المتجه إلى ذلك المسار هو من يصحح نفسه في ذلك السير.
ولقد يصدق في هذا قول الشاعر:
من لي بمثل سيرك المدلل .. تمشي الهوينا وتجيئ في الأول
وقبل هذا وبعده يظل قول الله تعالى خالدا (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)
اقرأ: من ملامح الدولة الإسلامية.. الشريعة قبل الاقتصاد
3 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 25, 2013 11:38

February 16, 2013

من ملامح الدولة الإسلامية.. الشريعة قبل الاقتصاد


لعله من المعلوم من السيرة بالضرورة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أقام دولة الإسلام في المدينة وفي المسلمين من لا يملك قوت يومه، بل وحين رحل النبي إلى الرفيق الأعلى مات ودرعه مرهونة، وكان يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال ولا يوقد في بيت النبي نار، يعيش هو وأهله على الأسودان: التمر والماء.
ومن المعروف أن النبي حذر أمته من انفتاح الدنيا عليهم، ومن تنافسهم فيها، فإن ذلك أول الهلكة، وكان من دعائه "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا"، وهو هو الذي استعاذ بالله من الفقر وجعله قرين الكفر "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر"، وهو هو الذي قال "اليد العليا خير من اليد السفلى"، و"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".
والشاهد المقصود أن الدولة الإسلامية هي دولة "الفكرة" أو دولة "الرسالة"، وهي نموذج مغاير ومخالف تماما للدولة القومية العلمانية الحديثة، ومن ملامح هذا الاختلاف أن الدين أساس من أسس الدولة الإسلامية، تحرص على إقامته ورعايته وتثبيته في النفوس ونشره ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، والدارسون للسياسة الشرعية يعرفون أن واجبات الحاكم متلخصة في "إقامة الدين وسياسة الدنيا".. بينما لا تحفل الدولة القطرية أو القومية العلمانية المادية بالدين أساسا وتجعله –في أحسن الأحوال- أحوالا شخصية للمواطن بينما دينها وغايتها تحقيق الإنجاز الاقتصادي برفع مستوى الدخل والوصول إلى الكفاية ثم الرفاه، وهي لا تنظر إلى البشر إلا من زاوية انتمائهم إليها، فمن انتمى إليها مُكَرَّم موفور، ومن لم يكن منها لم يكن له حقوق، فالمريض الأجنبي عنها لا يُعامل كالمواطن المريض ولو كان على أرضها، فمن لم يكن على أرضها فلربما أجازت لنفسها احتلاله واستنزافه وإفقاره في سبيل إسعاد مواطنيها.
هذه الخلاصة النظرية نريد النفوذ منها إلى الأثر العملي الواقعي الذي يهمنا الآن..
إن الرئيس الإسلامي الذي ينشد إقامة دولة إسلامية قدوته فيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا بد أن يجد نفسه مدفوعا إلى تصحيح مسار الدولة القومية ذات الفكر العلماني المادي، وأول مواطن هذا التصحيح: تصحيح الغاية والهدف!
إن الأمة التي أخرجها الله للناس لتحمل الرسالة الخالدة تحتاج من يعيد إليها ذلك الشعور بالعظمة وأمانة حمل الرسالة، الدين لديها مقدم على الدنيا، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور هدف مقدم على خروجها هي من الفقر إلى الغنى، شعارها "ما قلَّ وكفى خيرٌ مما كثر وألهى"..
وهي أمة تقبل أن تتحمل الجوع –إذا ما تحقق ذلك الشعور- على أن تقترض بالربا لتحقق خطوة في الإنجاز الاقتصادي، ولا يفعل هذا خير من الإيمان الذي يحرم عليها الربا وينذرها "بحرب من الله ورسوله"، في مقابل الوعد الإلهي الخالد "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقول لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض".
إن مخاطبة غرائز الناس واحتياجاتهم الاقتصادية وتقديمه على التأسيس للدين والتعلق به يسحب الحركة الإسلامية للفكر المادي ويسوقها للتنازل عن الدين، بينما خطاب الدين والشريعة يفجر طاقات الناس ويثير بدائع الشعوب.إن خطاب المادية والعلمانية يجعل الناس أسرى لحاجاتهم الاقتصادية التي لا تُشبع أبدا، وينزع عنهم أهلية حمل الرسالة، فينزع عنهم كونهم "خير أمة أخرجت للناس"، وهو ما لا تطيقه الأمة المسلمة ولا يجوز أن يقع فيه رئيس يحمل الإسلام بين جنبيه قولا وعملا لا مجرد شعار وعنوان.
إن شعوبنا المسلمة لا تحتاج إلى لقمة العيش بقدر ما تحتاج إلى قيادة تعيدها إلى عزتها النفسية النابعة من حملها الرسالة الخاتمة "أمة قائدها محمد"!
وإن الرئيس –حين يختار المسار المادي العلماني- سيحرق نفسه في العمل على إشباع الحاجات الاقتصادية بينما سيجلس الشعب ينتظر ويراقب ويُقَيِّم ثم قد يتمرد ويثور إذا لم يعجبه حجم الإنجاز، بينما هو -في السياق الإسلامي- باعث نهضة تستند إلى العزة والكرامة والرسالة، قائدا للشعب يوجهه بكلام الله وسنة نبيه وسيرة سلفه الصالح وبطولات تاريخهم الماجد، وحينها سيبذل الشعب كل ما يملك من طاقات حتى وإن لم يدرك الثمرة، وحتى وإن كانت به خصاصة.
ولو انتبه الرئيس الإسلامي وتأمل لعلم أن الشعوب التي تحمل الرسالة وتتوق للعزة والكرامة بل وتطلب الشهادة خير له من الشعوب التي تنتظر ارتفاع مستوى الدخل ثم الرفاهية ثم اللذة.
إن القعود عن الجهاد والتولي يوم الزحف من "الكبائر" في الإسلام رغم أنه من أبسط "الحقوق والحريات" في الفكر المادي العلماني، ولهذا آثار بعيدة وكبيرة وفارقة ومصيرية.. بحجم الفارق بين حملة الرسالة والذين أخلدوا إلى الأرض.
ولقد تميز المجتمع النبوي بكونه مجتمعا من المجاهدين، لا يتخلف عن الجهاد إلا معذور أو منافق، وقد لقي الثلاثة المؤمنون تأديبا قاسيا لما تخلفوا مرة واحدة.
إذا انتشر الدين في المجتمع، ارتفع بغايات الناس وتطلعاتهم ورغائبهم نحو بذل الجهد، بل وبذل النفس في الجهاد، يرغب الآخرة ويزهد في الدنيا، يحمل الرسالة، يبحث عن دوره في إصلاح الحياة لا منتظرا إنجازا يرفع مستوى دخله!
بنظرة بسيطة، سيكمن حل المشكلة الاقتصادية نفسها إذا زهد الناس في الدنيا وكانوا أخلص للدين والرسالة الذي يفرض عليهم دورا فاعلا في إصلاح الحياة.
والخلاصة: المشروع الإسلامي والدولة الإسلامية نموذج مغاير ومفارق لنموذج الدولة العلمانية المادية القائمة، استيعاب هذا حتم لازم، للرئيس الإسلامي، ولكل أصحاب المشروع الإسلامي.
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 16, 2013 07:32

February 13, 2013

في ذكرى البنا.. موجز تاريخ الإخوان


1. كان الإمام البنا شخصية متفردة جمعت بين العلم الشرعي وفهم الواقع وتحديد الحل والمهارة الحركية للتنفيذ.
2. استطاع تكوين بناء عبقري هو جماعة الإخوان المسلمين، جعله قسمين: قسم عام لإعادة الناس إلى الإسلام، ونظام خاص لتكوين القوة الواجبة لتحقيق الحلم.
3. ذكاء وعبقرية البنا كانت تجعله سابقا لمعاصريه وأتباعه، وكانت أبرز المشكلات المترتبة على هذا أنه كان يرى الشورى معلمة وليست ملزمة، ولم يستطع تكوين جيل ثان يحمل الرسالة فكانت الجماعة هي البنا والبنا هو الجماعة.
4. لم يفقه خطورة البعث الإسلامي إلا أعداء الإسلام (الإنجليز) وفشلت محاولات احتوائه وظهر خطره في حرب فلسطين تحديدا فاتخذ قرار تصفيته.
5. تمت تصفية البنا وما زال في الأربعين من عمره، لم يتكون جيل ثان أو زعيم ثان، فدخلت الجماعة في فوضى عارمة حقيقية هي في رأيي نهاية جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها البنا، وجاء جيل آخر.
6. بعد نحو ثلاث سنوات بدأت الجماعة تجمع شتاتها، في هذه السنوات حدثت العديد من الكوارث المؤثرة والفارقة أهمها:
  - تفكك النظام الخاص (القوة الحقيقية للجماعة)
- انفصال عبد الناصر بالنظام الخاص للإخوان في الجيش، فأدخل فيه الحشاشين والمقربين ومن على هواه الفاسد.. والجماعة لا تدري!
7. وفي لغز غير مكشوف حتى الآن تم اختيار حسن الهضيبي لمكتب الإرشاد، وبدخول حسن الهضيبي (القانوني) جاءت معه مجموعة كثر فيها القانونيون (عبد القادر عودة - حسن عشماوي .. وغيرهم) فأشاعت سياساتها فوضى هائلة داخل الجماعة.
8. تمثلت أخطر آثار هذه الفوضى في نقطتين: القيادة الجديدة لا تشغل ولو عشر ما يشغله البنا من العقول والقلوب والحركة، والثانية: هي فوضى إدارة النظام الخاص (القوة الحقيقية للجماعة)
9. وفي ظل كون عبد الناصر عضوا سابقا فقد تلاعب عبد الناصر بالجماعة بذكائه وبغفلة هذه المجموعة حتى تدمر النظام الخاص بالفعل واستطاع عبد الناصر استقطاب بعضه، كما وحدثت انشقاقات ضد الهضيبي.
10. انتهت المرحلة إلى جماعة دعوية مهلهلة بقيادة الهضيبي، بلا نظام خاص يحميها أو حتى يرقب الأحداث لها.. وما إن اكتمل هذا حتى كان عبد الناصر قد بدأ في تصفيتهم بالفعل وبدأت محنة 1954.
11. من استطاع كشف عبد الناصر لم يستطع أن يتحرك في ظل مجموعة الهضيبي في القيادة، وأغلبهم لم يكتشف شيئا إلا بعد فوات الأوان، والإخوان في القواعد كانوا يظنون أن عبد الناصر أخ منهم حتى أفاقوا في السجون على لسع السياط.
12. بدأت محاولات استعادة منهج البنا مع سيد قطب، لكن سيد قطب كان مفكرا أديبا أكثر منه حركيا، فأعاد إنتاج منهج البنا بعبارات وألفاظ عليها طعم المحنة وحرارة الألم.. ثم عليها المستوى الأدبي الرفيع لسيد قطب.
13. لكن هذه المحاولات تم إجهاضها بالعنف العسكري من قبل النظام وبالمواجهات الفكرية من قبل الهضيبي ومجموعته الذين تمسكوا بأنهم مجرد دعاة لا أكثر (من يطالع تراث البنا يعرف بيقين أن البنا لم ينظر ولم يخطط أبدا للإخوان على أنهم مجرد دعاة)
14. عشرون عاما في المحنة انجلت في عهد السادات! وكان هذا الأخير يحتاج قاعدة جديدة لحكمه من بعد ما ترك له عبد الناصر إرثا من الشيوعيين واليسار.
15. السادات -أذكى رؤساء مصر- صنع الديمقراطية الوهمية، وهي الخدعة التي سيعاني منها الإسلاميون نصف قرن مقبل.. لقد أقنع الإسلاميين بأن المجال مفتوح أمامهم، والتقى القوم الذين خرجوا من الحبس والعذاب بعد عشرين سنة بشباب كونوا صحوة إسلامية في طفولتها بدأت بعد نكبة 67 وقويت بعد نصر 73.
16. جيل السبعينات الإسلامي هو "الجيل المخدوع" الذي ظن أن مساحة الحرية ستظل مفتوحة بينما هي في الحقيقة رهينة رغبة الحاكم الذي يحتفظ بكل مفاصل الدولة في يده، ومن خلف الحاكم الخارج المهيمن.. ولهذا استسلم الجميع لمسار الدعوة (دون صناعة قوة حقيقية تحمي الدعوة أو تجعلها ذات قيمة في معادلة القوى) ونجحوا جدا في مسار الدعوة لكنهم ظلوا رهن الحاكم الذي كان يملك اتخاذ قرار بنسف كل شيء.
17. لم يفهم هذه الخدعة إلا من حملوا السلاح، وبالذات جماعة الجهاد المصرية.. ثم بدرجة أقل كثيرا الجماعة الإسلامية.. ووقع فيها تماما الإخوان والسلفيون.. لكننا الآن سنمضي مع الإخوان تاركين لنقد الباقين مقاما آخر.
18. في مرحلة السبعينات تراجعت جماعة الإخوان عن أهم أفكار البنا، وتبرأت من أعمال العنف فيما قبل انقلاب يوليو، وتأولت إنشاء النظام الخاص، أي أن الحركة دجنت نفسها بنفسها ونزعت عن نفسها عمليا ثم فكريا أية أفكار لا تناسب الدولة القائمة.. هذه المرحلة عنوانها هو المرشد الراحل عمر التلمساني (قانوني أيضا).
[بشكل عام أتشاءم من أي حركة يكثر في قيادتها أو يغلب عليها قانيون، ولا أكاد أتذكر حركة نجحت بقيادة قانونية.. لكن الأمر يحتاج بحثا أوسع]
19. منذ عمر التلمساني ظهر جناحان في الإخوان، جناح ابتلع الخدعة كاملة وجناح ظل منها على وجل كان أبرز رموزه من بقي من النظام الخاص مثل مصطفى مشهور.. وقد جمع بينهما أن المرحلة تستدعي إعادة تجميع الكيان الدعوى، فبدأت خطة إعادة جمع التنظيم ولكن على شرط وطريقة النظام الخاص التي أهم ملامحها (السرية - السمع والطاعة - البيعة ... إلخ).
20. في تقديري لولا هذا الجناح، ولولا هذه الطريقة لكان تنظيم الإخوان قد انتهى في السبعينات وذاب تماما.. لكنه بقي يحتفظ بقدر من التماسك يناور به السلطة القائمة.
21. جاء مبارك العسكري الغبي البليد الذي لم يكن يملك جرأة عبد الناصر فيذبح الإخوان ولا ذكاء السادات فيناورهم ويحتويهم، ولم يكن الإخوان يمثلون خطرا عليه حتى بداية التسعينات (مع ظهور جبهة الإنقاذ الجزائرية واكتساحها للانتخابات)..
22. في هذه السنوات بداية من 1981 وحتى 1990 كان الإخوان يكتسحون -رغم عقبات السلطة- انتخابات البرلمان والنقابات، وكان مبارك قد استطاع تأسيس استبداده، وظهرت العمليات المسلحة (المنفعلة المتخبطة بلا ترتيب ولا رؤية عامة) من الجماعة الإسلامية.. فبدأت السلطة في الضرب العنيف لكل التيارات الإسلامية، استخدمت الإخوان والسلفيين لضرب المسلحين، فلما انتهت منهم ضربت الإخوان والسلفيين وأودعتهم السجون والمحاكم العسكرية.
23. كان عقد التسعينات عقد شلل بالنسبة للإخوان، السلطة تضربهم وتحجمهم، وهم يجاهدون لمجرد ممارسة النشاط الدعوي.
24. وفي نهاية هذا العقد (الفاشل) كانت الخلافات بين جناح التلمساني وجناح مشهور قد ظهرت في الأفق، هؤلاء يرون أن ضيق الأفق يعطل حركة الجماعة ولا يعطيها المرونة الكافية لمناورة النظام، وأولئك يرون أن فكر وحركة هؤلاء كفيلة بإذابة الجماعة وتفكيك تنظيمها (خصوصا وأن أفكار "الوسطية" و "الإسلام الحضاري" قد بدأت في الظهور مع الفشل القائم في تحقيق أي نجاحات).
25. جاء عقد الألفينات -نصفه الأول بالذات- بالزلازل: الانتفاضة، 11 سبتمبر، غزو أفغانستان، غزو العراق، اغتيال أحمد ياسين والرنتيسي .. ولم يكن أمام الجماعة الدعوية المقهورة إلا أن تقدم كافة أنواع الدلائل على أنها ليست إرهابية.. لكن السلطة الباطشة لا ترحم ومن ورائها أمريكا المجنونة.
26. وبرغم أن النصف الثاني من هذا العقد أتى بمبشرات كثيرة على الصعود الإسلامي وفشل امريكا المجنونة (انتخابات فلسطين، انتصار حزب الله، انتصار حماس، الفشل الأمريكي في أفغانستان والعراق، إرهاضات الحراك ضد مبارك في مصر) إلا أن جانب الاحتياط غلب جانب المبادرة في تفكير الجماعة مما جعلها مترقبة وحذرة أكثر منها فاعلة ومبادرة.
27. الجماعة التي لم تكن فاعلة إلا في عهد البنا، ثم في خانة المفعول به ورد الفعل في باقي العهود وصلت إلى زمن الثورات العربية بعقلية المترقب الحريص المتردد، والباذل للسلطة الداخلية أو الخارج المهيمن كافة الضمانات على أنها لا تمثل خطرا عليهم.. ولولا أن الله تفضل علينا وعليهم فنزع الحلول الوسطى وبقيت الحلول الصفرية لما اتخذت الجماعة موقفا أبدا:
- انتهاء أي أمل في نظام مبارك (صفر البرلمان) ثم الثورة.
- فشل كل حلول التوافق مع العسكر بل ظهر في الأفق الجزار الجديد عمر سليمان فاضطروا للترشح للرئاسة.
- ظهور الرغبة العلمانية في الإقصاء الكامل للإخوان منذ ما بعد الثورة حتى الآن مما اضطرهم إلى الوجود في تشكيل الفترة الانتقالية من بعد ما أرادوا طمأنة الجميع بعدم الترشح للرئاسة والترشح على ثلث البرلمان فقط
وكثير من تفاصيل أخرى..
لكن الخلاصة أن الله نزع الحلول الوسطى من المشهد ولم تبق إلا الحلول الصفرية، فدفعهم الخوف على أنفسهم إلى الحركة والمنافسة.. كانوا أمام قاعدة تقول "القصر أو القبر".. وكعادتهم دائما متميزون في "ثبات الصمود لا شجاعة الإقدام"، فاختاروا القصر مضطرين.
28. في تقديري فإن جماعة الإخوان التي أسسها البنا ماتت معه فلم يكن له خلف يحملها على قدره، ومن خلفه فيها لم يكن متشربا رؤيته ونهجه.. والذين بعد البنا هم جماعة أخرى اتخذت من الإخوان جذورا واتخذت اسما كذلك.
29. لا أحب أن أكون متشائما، ولكني لا أعول مطلقا على نجاح الإخوان في الحكم أو أي شيء آخر، هم في شيخوختهم وأيامهم الأخيرة كجماعة (وهذا الكلام أقوله من قبل الثورة، ولا تزيدني الأيام إلا يقينا فيه).. ولا نعرف جماعة في التاريخ أخذت التمكين في الجيل الثالث أو الرابع أو الخامس.
30. غاية ما ينبغي الحفاظ عليه هو الحفاظ على مكسب التحول الديمقراطي والانتخابات النزيهة والتداول السلمي للسلطة، ولئن كنت غير مؤمل كثيرا في قدرة الإخوان على هذا أيضا إلا أن المقصد هو أن دعم الإخوان الآن واجب وطني لإنجاح تجربة التحول الديمقراطي قبل إنجاح الرئيس الإخواني.
وفي النهاية يجب أن نعلم أن الديمقراطية وهم، وأن الحق نفسه وهم إن لم يخضع له السلاح، وما يبدو الآن أن أمريكا تحتفظ بمفاصل الدولة في أيدي أصدقائها (المال والسلاح والملعومات) بينما تترك للمخدوعين بالديمقراطية مساحة لبناء الكباري والصرف الصحي وتحقيق بعض هوامش النجاح الاقتصادي لا أكثر.. ثم تظل التبعية قائمة راسخة تحت السيطرة.
1 like ·   •  1 comment  •  flag
Share on Twitter
Published on February 13, 2013 06:46

February 8, 2013

ثناء الشيخ حازم أبو إسماعيل على كتاب "رحلة الخلافة العباسية"

قال الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل بأن كتاب "رحلة الخلافة العباسية" عمل عظيم ورائع، وقدم التهنئة لمؤلفيه: محمد إلهامي ومحمد شعبان أيوب.

وذكر الشيخ أنه تلقى نسخة من الكتاب الذي وصفه بأنه مجهود وافر ومشرف، وأنه يكفي مؤلفيه ولو لم يكتبا غيره..

ويظهر في هذا الفيديو حديثه مع المؤلف محمد إلهامي وتحميله التهنئة للأخ محمد شعبان أيوب.. وأوصى الشيخ بقرائته.

كان هذا في اجتماع عام لفرق العمل في إطار التمهيد لإعلان الشيخ حازم عن حزبه الجديد


2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 08, 2013 18:08

January 21, 2013

الحضارة الإسلامية.. ومآثر الملوك


شاهدت قبل يومين فيلما وثائقيا عن "مسجد الشيخ زايد" لقناة "ناشونال جيوجرافيك".. عمل مبهر رهيب يداعب الخيال ويجمع زينة البناء وعجائب العمارة..
إلا أن ثمة موضع التباس ينبغي تحريره.. وخلاصته هي:

الحضارة لها جانبان: الجانب الروحي القيمي الأخلاقي والجانب المادي بتجلياته في السياسة والعمران والاقتصاد والأنظمة... إلخ.

وللحضارة الإسلامية خصوصية تنفرد عن غيرها من الحضارات متمثلة في أن "عصرها الذهبي" و"ذورتها العليا" قد حددت بنص من الوحي وهو "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، فعلمت الأمة أن لحظة الذروة للحضارة الإسلامية هي في عصر النبي والخلافة الراشدة وصدر الدولة الأموية..

والمعنى المباشر لهذا التحديد هو اليقين بأن الجانب الأخلاقي القيمي الروحي مقدم على الجانب المادي، إذ لم تكن الإنجازات المادية المبهرة في تلك القرون بل لقد جاءت في العهود التالية.
لكننا حين نتكلم عن عظمة الحضارة الإسلامية في المجال المادي فإننا نستعرض قصور الملوك والأمراء وعمائر البلدان وآثارها وإنجازاتها العلمية كنوع من استعراض إبداع المسلمين في عمارة الأرض وسياسة الحكم وابتكار الأنظمة ونحو ذلك.
ويزيدنا اندفاعا وتوضيحا لعظمة ومآثر تلك العمائر والآثار ما نشأنا عليه من ظلم للمسلمين وهضم لتاريخهم وحضارتهم سواء من المستشرقين أو من أتباعهم العلمانيين في بلادنا.
نعم، قد يكون الملك -الذي قد يكون ظالما- قد بنى مسجدا أو قصرا أو مدرسة أو غير ذلك من المباني ليخلد اسمه وذكره.. وقد نمر على هذا البناء فنصف عظمة العمائر ونثني على الإبداع الفني والهندسي، ونكون قد خَلّدنا بهذا سيرة الملك الظالم التي أرادها حين فعل هذا.
إن كل ملك يحب أن يخلد ذكره ويبقى أثره في العالمين.. لكن ثمة فارقا دقيقا يجب الانتباه إليه هاهنا..
إنه لا يسعنا أن نضع مسجد الشيخ زايد ضمن سلسلة الحضارة الإسلامية، ذلك أن الفريق الذي أبدعه إنما هم أجانب غير مسلمين، وإن عمل فيه بعض المسلمين في المتابعة والتخطيط وفي الأعمال اليدوية.. إنه -في جوهره- تعبير عن الحضارة الغربية التي نفذت حتى نقوشه الفنية الإسلامية.
إنه يصلح أن يكون مأثرة للملك لكن لا يصلح أن يكون من إبداعات الحضارة الإسلامية.. وهو -لهذا- أمر لا يُفخر به ولا أحسب أن التاريخ الحضاري الإسلامي سيسجله في أوراقه.
***وما سبق إنما هو حديث الجانب المادي الحضاري وحده، بخلاف محاكمة هذا العمل للجانب الروحي القيمي الإسلامي الذي يرفض الإسراف والتبذير بالعموم فكيف إذا وُجِد الفقير واللاجئ والمحتاج في الأمة وهو أولى بهذا المال وبالرعاية؟! بل الإسلام يرفض زخرفة المساجد أصلا لئلا تخرج عن كونها مكان بساطة وخشوع وإقبال على الله فكيف وهذا المسجد أقرب إلى المتحف والقصر منه إلى المسجد، وهو حافل زاخر بزخرفة الدنيا وعجائبها حتى ما أحسب أنه يبقى للقلب فيه خشوع ولا إقبال على الله إذ الطرف حائر بين هاتيك الطرائف والفرائد؟!
ومما يلقي في النفس موعظة وعبرة أن صاحب المسجد مات قبل أن يكتمل بناؤه ويرى بنفسه أثره الذي أراد به المفاخرة وخلود الذكر في الدنيا.. وذلك مما يجبر المرء على المقارنة: ماذا لو أنه أنفق كل تلك الأموال في عمل الخير، أفلم يكن هذا خير له فيما يستقبل من أمر الآخرة؟!!!نشرت في رابطة النهضة والإصلاح
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 21, 2013 12:57

January 7, 2013

ولا ينئبك عن "كباريه الأندلس" مثل بلال فضل!

يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في موسوعته الفريدة الشهيرة "إحياء علوم الدين": "إذا دخل بزاز ونجار وبناء وحائك داراً معمورة مفروشة فإذا تفقدتهم رأيت البزاز ينظر إلى الفرش يتأمل قيمتها والحائك ينظر إلى الثياب يتأمل نسجها والنجار ينظر إلى السقف يتأمل كيفية تركيبها والبناء ينظر إلى الحيطان يتأمل كيفية إحكامها واستقامتها، فكذلك سالك طريق الآخرة لا يرى من الأشياء شيئاً إلا ويكون له موعظة وذكرى للآخرة".
قد يمر بك اسم الأندلس، فيتذكر السياسي عظمة الداخل وهشام ثم الناصر والمستنصر ثم الحاجب المنصور والمظفر، ويتذكر المجاهد بطولات موسى بن نصير وطارق والغافقي والسمح بن مالك وغالب الناصري وابن تاشفين ويعقوب الموحدي ويعقوب المريني، ويتذكر المهندس عظمة الزهراء والحمراء وجامع قرطبة وقنطرتها، ويتذكر الفنان جمال الزخارف والدقائق والحدائق والنافورات، ويتذكر العالم روائع الاختراعات وتلال الكتب ويتأسف على ملايين المخطوطات التي حرقها الهمج الإسبان (قبل أن يتعلموا علم المسلمين)، ويتذكر طالب العلم مكتبات قرطبة وجامعاتها، ويتذكر الاقتصادي مصانع الأندلس وخزائنها العامرة، ويتذكر الزراعي ثورة الزراعة في تلك المنطقة، ويتذكر باحث التاريخ دور الأندلس في النهضة الإنسانية العالمية.. لكن بعض الناس –كبلال- يتذكر "كباريه الأندلس"!
ذلك أن بلالا –كما عرفنا من حكايته عن نفسه- كان موظفا بالأرشيف وله اطلاع على فضائح الفنانين في "زمن الفن الجميل"! وهو كاتب أفلام ومسلسلات منها ما يصلح أن يكون عنوانه "قصة كباريه" مثل فيلم "علي سبايسي"!!قصتي طويلة مع بلال فضل، احترام كبير وانبهار مع كتاباته الشجاعة في جريدة الدستور، ثم يخفت بالتدريج حتى ينسحق تماما على مر الأيام! كيف وأنا أراه لا ينقد أستاذه بحرف، وأستاذه هذا كاد أن يخلع عاريا وهو يحرض العسكر على البقاء في الحكم وحل البرلمان وتأخير الديمقراطية خصومة في الإخوان!!
وقد ظللت احترمه حتى بعد أن تفضل علي بالبلوك في حوار على تويتر أيام انتخابات البرلمان المغدور، حيث قال بأن الناس لم تنتخب عبد المنعم الشحات لأنها رفضت رأيه في نجيب محفوظ! وساعتها رددت عليه بأن هذا تخريف، فالانتخابات المصرية لا تعتمد على آراء المرشح في نجيب محفوظ! وكفى دليلا على هذا ما أتحفنا به البوب –الذي يحبه بلال- عن أناس دخلوا التأسيسية ولا يؤمنون بالهولوكوست ولا يسمعون الموسيقى –ياللهول!- يا دير شبيجل!
رأى بلال أن تلك إهانة فحظرني (بلوك) رغم أني لم أقل بغير قوله: الأمة في شغل بهمومها عن رأي مرشحها في نجيب محفوظ، وهو ما حاول أن يعظنا به: إذ الأمة في شغل بهمومها عن الأندلس!
لكن بلالا انصرف هو الآخر عن هموم الأمة ليحدثنا عمن فرغت عقولهم من هموم الأمة (كما يراها)! ولا أحسبه كتب مقالا من قبل ينعى فيه فراغ عقول البعض من هموم الأمة ليحتفل بالفلانتاين.. وعلى كل حال، فهاهو الفلانتاين في الشهر القادم وسنرى هل سيفرد له مقالا هو الآخر، أم أن مقاله عمن تذكروا الأندلس فقط؟!
وكما قال أحد الشباب على الفيس بوك: "اعتبره فلانتاين يا أخي"!
***
إنما أقبل أن يندد بلال بالاهتمام بالأندلس لأن حيز الوطن في ذهنه وقلبه هو ما رسمه له سايكس بيكو، فذلك أمر تم منذ قديم، وقد استسلم له من استسلم وقاومه البعض وما يزال ولو لم يملك إلا المقاومة بالقلب.. أقبل هذا تجاوزا وجدلا، فمن منطلق كوني إنسانا أولا ثم كوني مسلما ثانيا يجعلني حزينا على سقوط الأندلس، ولئن كان سيسوء البعض أن أتحدث عن هذا لأني مسلم فإليك كلام رجل فرنسي غير مسلم، يقول: "شأن العرب المدني لم يَبْدُ في قُطْر ملكوه كما بدا في إسبانيا، التي لم تكن ذات حضارة تُذْكَر قبل الفتح العربي، فصارت ذات حضارة ناضرة في زمن العرب، ثم هبطت إلى الدَّرْك الأسفل من الانحطاط بعد جلاء العرب"، وهو ذات الفرنسي الذي تحسر أن العرب لم يفتحوا فرنسا فلم يصب "أوروبا النصرانية المتبربرة" مثلما أصاب إسبانيا من النور والحضارة وبقيت قرونا في ظلام الحرب الأهلية.. إنه الفيلسوف الفرنسي والمستشرق الشهير جوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب".. وحيث أن بلالا يتفاخر علينا بكثرة كتبه التي قرأها دون أن يحدد لنا هل قرأها بالفعل أم طالع منها مجرد صفحات أم قرأ مجرد العناوين.. فها نحن نضع أمامه أرقام الصفحات كي لا يتعب في البحث عن صدق النقل (انظر: حضارة العرب ص135، 317).
لم يكن لوبون يريد بحسرته هذه على الأندلس استرقاق بنات بني الأصفر واتخاذهن جواري! كما لم يكن يعرف الشيخ الحويني كيف وقد مات قبل ولادة الحويني بأكثر من ثلث قرن.. كان باكيا على التسامح الفكري والديني والإنجار العلمي الحضاري الضخم، كان باكيا على المأساة الإنسانية الرهيبة التي جمعت أبشع ما في تاريخ الإنسانية: محاكم التفتيش وحروب الإبادة، كان باكيا على التاريخ المفقود والتراث الضائع الذي ارتكبه مغول أوروبا الإسبان فلم يشابهه إلا مغول الشرق في بغداد!
إلا أن بلالا لم ير في الشباب الذي أحيا ذكرى الأندلس إلا إرادتهم العودة إلى الأندلس، ويتساءل –وبراءة الإجرام في عينيه- وهل نعودها فاتحين؟ أم نفتحها بالكلمة الحسنة؟!
هذا السؤال وحده دليل على أن بلالا لم يقرأ شيئا في تاريخ الأندلس الذي أوحى إلينا أنه يعرفه أكثر من "أمتنا التي لا تقرأ" –كما يعايرنا- فنحن أمة الفتوح التي لم تتكرر في التاريخ، نحن أمة الفتوح التي رحبت بها الشعوب لما رأته من العدل والرحمة والتسامح، بل نحن الأمة التي انضمت الشعوب الفاتحة إلى جيوشها لتواصل مسيرة الفتح؛ ربما لا يعرف الكثيرون أن طارق بن زياد فاتح الأندلس إنما هو مغربي!!
ربما لم يقرأ كثيرا، لعله شاهد مسلسلات الأندلس التي أبدعها المفكر المؤلف وليد سيف، لكن ما جاء في هذه المسلسلات الساحرة بحق –والتي رأيتها أكثر من عشر مرات بحد أدنى- يجعلنا نزيد حسرة على حسرة بشأن ضياع الأندلس لا أن ننصرف عنها مهموين بالوطن! ثم لِمَ لم يستنكر بلال على وليد سيف وحاتم علي انشغالهما بالأندلس وسط سقوط عواصم العرب والمسلمين في فلسطين وأفغانستان والعراق؟!! أيعجب بالمسلسل –وهو في أثره أشد وأقوى- ويستنكر وقفة شباب في ميدان؟!
سأبشرك يا بلال، فإن المؤلف العبقري يعد الآن مسلسله عن سقوط الأندلس، وسيحكي فيه عن مأساة الإبادة، وسنرى كيف سيكون أثر هذا على المسلمين بعد أن يستوعبوا بعضا من الحقيقة!
لكن المأساة الأهم في تلك العقول؛ العقول التي ترى في الفتح المتسامح الرحيم عملا يثير السخرية ولا ترى في الإبادة الرهيبة عملا يستحق الاهتمام!
إنه أمر لا يجرؤ عليه إلا من جمع بين الجهل والاندفاع، فحتى العثمانيين –الذين يراهم البعض أقل الفاتحين التزاما بأخلاق الفتوح- لم يسع المستشرق اليهودي المتعصب ضدهم برنارد لويس إلا أن يشهد بأن البلاد التي فتحوها ظلت حتى بعد خروجهم منها "بلغاتها وثقافاتها ودياناتها، وحتى -إلى حَدٍّ ما- بمؤسساتها، كل هذه الأمور بقيت سليمة وجاهزة لاستئناف وجودها الوطني المستقل، أما إسبانيا وصقلية فليس فيهما اليوم مسلمون أو ناطقون بالعربية" (تراث الإسلام، بإشراف شاخت وبوزوروث، دراسة الإسلام والحرب ص228).. فهذا قول واحد من أعداء العثمانيين ومن أعداء الإسلام!
يخشى بلال أن تكون وقفة الأندلس حجة لليهود تبرر استرجاعهم لفلسطين، وفي هذا المقام أحب أن أطمئنه بأمرين: أن حروب الإبادة الإسبانية طالت الأقلية اليهودية أيضا (فها نحن ننصر ونذكر بمظلمتهم التاريخية) وبأن اليهود قد احتلوا فلسطين فعلا ولم يعودوا في حاجة إلى مبررات ولا غطاءات شرعية.. ولا أظنهم من كثرة ما أحرجناهم بالسلام ونزع المبررات قد تخلوا عن شبر واحد لكي نواصل مسيرة الإحراج ونزع المبررات!
ولأن بلالا لم يقرأ في تاريخ الأندلس فهو يظن أن الشباب أحيوا "ذكرى سقوط الخلافة في الأندلس" ولا يعلم أن الأندلس وقبل أربعة قرون من سقوطها لم يكن بها خلافة!
ولأن بلالا وطني أصيل فهو يرفض "الاحتلال التركي لمصر"، فوطنيته التي تنبع من حدود سايكس بيكو لا تقبل أن يكون الخليفة في القسطنطينية وواليه في مصر! ولا أدري لم حظى الأتراك بتهمة الاحتلال ولم يحظ عمر بن الخطاب بمثلها، وكلاهما جاء قبل أن يأتي الرسم المقدس من سايكس بيكو؟!!
ولأنه لا يفهم نفسية الشباب الذين وقفوا فهو يظن أنهم لو عرفوا مدى ما وصلت إليه الأندلس من انحطاط أخلاقي فسيجعلهم هذا يجعلون يوم سقوطها عيدا! يا سبحان مثبت القلوب والعقول! فهل تتمنى يا شيخ بلال سقوط مصر لما فيها من انحلال أخلاقي ولئن حدث فستحتفل به عيدا؟! من في الدنيا احتفل بسقوط جزء من دولته وأمته نكاية في انحلال أخلاقي ساد بعض طبقاتها المترفة حينا من الزمن؟!.. وهل نعتبر هذه دعوة للاحتفال بسقوط بغداد والقدس وكابول؟ ومن قبلها سقوط القاهرة والجزائر والرباط وكافة العواصم أمام جيوش الاحتلال؟!
ثم ما رأيك: ماذا لو أن هؤلاء الشباب استفادوا من درس التاريخ فوقفوا في شارع الهرم واقتحموا الكباريهات وحطموا الخمور ومنعوا الرقص لئلا يتكرر سقوط الأندلس في مصر؟!.. ساعتها ماذا سيكون موقفك؟ هل ستراهم دافعوا عن مصر من السقوط؟ أم هم إرهابيون ضد حرية الفن والإبداع و"الانحلال الأخلاقي"؟!
ثم تعال هنا يا شيخ بلال! قل من يساهم في هذا الانحلال الأخلاقي بأفلام من نوعية: أبو علي وعلي سبايسي وسيد العاطفي وخالتي فرنسا وحاحة وتفاحة ومحطة مصر، وكلها حب وأحضان ورقص وحشيش أحيانا؟!.. من الذي قص علينا قصص أم ميمي التي كاد ولدها أن يغتضبها عقابا لها على شتمه ثم عرفنا أنها عاشت وحيدة بعدما اختلفت مع زوجها في تأجير البيت للدعارة؟!
صحيح أنك لست كغيرك وأن هذه الأفلام والقصص أخف انحلالا من غيرها، وأن بعضا رائع وهادف مثل (خارج على القانون، وواحد من الناس).. لا تستغرب، كنت أتابع إنتاجك وقت أن كنت معجبا بك مهتما بمعرفة اهتمامتك وأسلوبك!
لكن الصحيح أيضا أنها وبأي مقياس أخلاقي فهي أفلام وقصص منحلة!.. هل ترضى بمنع أفلامك إنقاذا لمصر من مصير الأندلس؟!!
ما موقفك لو اتجهت طاقة الشباب لتحطيم "كباريه الأندلس"؟!!
اقرأ: الأندلس المفقود.. كيف كان؟واقرأ: ردا مهذبا للأستاذة منى حوا – صاحبة المبادرة بجعل 2 يناير ذكرى لإحياء الأندلس
8 likes ·   •  3 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 07, 2013 09:07

December 15, 2012

صناعة مجتمع الجسد الواحد (1-2)


كتب مايكل هارت عن أعظم مائة في التاريخ فوضع نبينا محمدا (ص) في مقدمتهم، لأنه ما من أحد نجح دينيا ودنيويا مثلما كان محمد (ص)، فالعرب الذين تشتتوا في صحرائهم وتنازعوا على مواطن الكلأ حتى عجزوا أن يُكَوِّنوا حكومة بدائية تجمعهم ظهروا على مسرح التاريخ في ذات لحظة تحت قيادة محمد وأتباعه، ليسوا وحدة واحدة فحسب، بل غيروا وجه التاريخ وأزالوا امبراطوريتي فارس والروم معا في أقل من نصف قرن، ولهذا يقول توماس أرنولد: "إن دخول الإسلام في المجتمع العربي لم يدل على مجرَّد القضاء على قليل من عادات بربرية وحشية فحسب، وإنما كان انقلابًا كاملاً لِمُثُل الحياة التي كانت من قبل"وما كان للنبي أن يخوض صراعه مع قوى العدوان العالمية إلا بإنشاء الكيان المتماسك، أو بتعبيره هو (صلى الله عليه وسلم) "الجسد الواحد" الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.. فكيف صنع النبي من المجتمع المتشتت المتنازع أقوى مجتمع متماسك عرفه التاريخ؟! مجتمع ما زال بعد خمسة عشر قرنا، وبعد كل ما نزل به، يحتفظ ببذور عودته أمة واحدة من جديد، ويكاد يفعلها مرة أخرى؟.. ذلك حديث السطور القادمة.
***
حين دخل النبي (ص) إلى المدينة كان المجتمع فيها زاخرا بمشكلات كثيرة هذه خلاصتها:
على المستوى الديني ثمة ثلاث طوائف: المسلمون، واليهود، والمشركون ممن لم يؤمنوا، ثم ظهرت طائفة جديدة هي المنافقون، فصار لدينا أربع طوائف منها ثلاث طوائف معادية لهذا الوافد الجديد وراغبة في فشله وانهيار بنائه؛ فاليهود قد حددوا موقفهم مبكرا من عداوة النبي ودينه وما لديهم من علم الكتاب جعلهم أكثر قدرة وقوة في الطعن على الدين، والمشركون قوم يجمعون بين رفض الدين ورفض حُكْمَ الغريب الطارئ عليهم من خارج بلدهم وقبائلهم كلها، والمنافقون تكمن خطورتهم في أنهم مجهولين يمارسون الطعن في الظهر ويثيرون الإشاعات والبلبلات تحت غطاء إسلامهم، وفي المسلمين سماعون لهموعلى المستوى الاقتصادي تبرز ثلاث مشكلات: اقتصاد المدينة يحتكره اليهود وتعاملهم بالربا يستنزف أموال أهلها، والمدينة ذاتها فقيرة الموارد تعتمد على الاستيراد، ثم هذا الفائض البشري الذي جاء مع الهجرة بما صنع ضغطا إضافيا، لا سيما وأهل مكة –وهم غالب المهاجرين- أهل تجارة لا زراعة بينما المدينة أرض زراعية لا تجاريةوعلى المستوى الاجتماعي: ينقسم المسلمون إلى مهاجرين وأنصار وهم غرباء على بعضهم في الطباع والعادات وأسلوب الحياة، والمهاجرون أنفسهم هم مجموعات من آمنوا من كافة قبائل العرب كما أن الأنصار أيضا حديثو عهد بالنزاع الطويل بين الأوس والخزرج، كما ينقسم اليهود إلى قبائل تسري بينهم العداوة والبغضاء ويستعلي بعضهم على بعض، ثم بين أهل المدينة وبين اليهود اضطرابات ونزاعات لما لليهود من ديون ربوية ولاحتكارهم اقتصاد المدينة وسعي اليهود في إيقاع الحروب بين العرب، وهذا العداء نتج عنه إيقاع باليهود ولهذا كانوا يتوعدون العرب بنبي قد أطل زمانه ينتقمون به منهمثم أظهرت الهجرة مشكلات أخرى؛ سياسية وهي انهيار العلاقة بين المدينة ومكة حتى لقد منع القرشيون زعماء المدينة من الحج والعمرة كما في موقف سعد بن معاذ وكذلك الاضطراب المكتوم بين المدينة وما حولها من قبائل العرب التي تنظر بتوجس لهذه التغيرات القريبة، وأمنية كتتبع قريش للنبي ومحاولتهم اغتياله وهو ما جعل النبي في حراسة مسلحة دائمة أوائل فترة المدينة، وصحية حيث أصابت الحمى المهاجرين الذين لم يعتادوا على أجواء المدينة، ونفسية إذ أصاب المهاجرين الشوق إلى مكة وأوديتها ومواطن الحنين فيهاباختصار: كان النظر إلى مجتمع المدينة آنذاك يستخلص استحالة تحوله إلى مجتمع متماسك!
***
تتبع القرارات الأولى التي اتخذها النبي (ص) أول قدومه المدينة تفيد منهجه في بناء المجتمع الذي رأينا كيف كانت أحواله، سيبدو مذهلا أن أربعة قرارات استطاعت صناعة المعجزة، تلك هي: بناء المسجد، الإخاء بين المهاجرين والأنصار، إصدار وثيقة المدينة، إقامة سوق المسلمين.
وتتبع السر في نجاح المعجزة بهذه السرعة يعود إلى عنصر وحيد، أنها لم تكن مجرد قرارات إدارية بل دينٌ!
القرار الأول: بناء المسجد
قبل أن تطأ قدم النبي أرض المهجر أمر ببناء المسجد في قباء –قبل المدينة- ولم ينزل في المدينة قبل أن حدد موضع المسجد، لقد كان المسجد هو المؤسسة الأولى والمركزية في الدولة الإسلامية، لم يكن فقط دار عبادة، بل هو مدرسة تعليم الدين، ووسيلة الإعلام، وهو قصر الرئاسة الذي يستقبل فيه الوفود وتتخذ فيه القرارات، وهو بعد ذلك مأوى من لا مأوى له من المسلمين الفقراء، وقد تكون أحد جوانبه مستشفى لعلاج الجروح، أو سجنا للأسرىوكان الإسلام يدفع المسلمين للالتقاء في هذا المسجد خمس مرات يوميا على الأقل، ويرغبهم في كثرة الترداد عليه وإقامة مجالس الذكر فيه فهي من أسباب رفع الدرجات وغفران السيئات ومن أسباب نزول الملائكة والرحمة والسكينة، ومن موجبات النور التام في ظلمات يوم القيامة، حتى الخطوة إلى المسجد لها أجر، وبلغ اندفاع المسلمين في هذا حتى كان "ما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف"ولهذا تم التلاحم بين القيادة (النبي) والأتباع، وبين الأتباع بعضهم بعضا بأسرع وقت ممكن، لقد عرف الجميع بعضهم بعضا واختلطوا ببعضهم فعرفوا أخبارهم وأحوالهم وفقراءهم وأغنياءهم، فمن كان لديه فضل مال أو طعام ذهب به إلى الفقراء في المسجد، فعم التكافل هذا المجتمع الصغير وصاروا بعد الاغتراب والانقسام كتلة واحدة.
ولا نكاد نعرف عبر التاريخ وسيلة أسرع في اندماج المجتمعات من التقائهم يوميا خمس مرات على الأقل!
القرار الثاني: الإخاء بين المهاجرين والأنصار
فقد آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار بحيث صار أخو الإسلام مقدما على أخي النسب، وظهرت في هذا الإخاء عجائب لا سوابق أو لواحق لها، فلقد استقبل الأنصار إخوانهم بكل ترحاب، فأحبوهم وأنفقوا عليهم من أموالهم وإن كانوا في حاجة، وآثروهم على أنفسهم، واقتسموا معهم أملاكهم، وتسابقوا على استضافتهم حتى ما نزل مهاجري على أنصاري إلا بقرعة، ومثلما ظهرت عجائب الأنصار في الإيثار ظهرت عجائب المهاجرين في النبل والتعفف، وبادلهم المهاجرون الحب والاعتراف بالفضل حتى كانت خشيتهم أن يذهب أجرهم في الجهاد والتضحية أمام عظمة الأنصار وقالوا للنبي (ص) "ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل وأحسن بذلا في كثير، لقد كفونا المؤونة، حتى لقد حسبنا أن يذهبوا بالأجر كله"وهذه المؤاخاة كانت مؤاخاة خاصة، بعد إقرار المؤاخاة العامة بين المؤمنين جميعا (إنما المؤمنون إخوة)، وأنه (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، و(لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) وأن (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) وأنه يكفي المرء شرا أن يحقر أخاه المسلمولا نستطيع أن نفهم جوهر الإخاء وآثاره الهائلة على حقيقتها إلا حين نقارن اليوم مشكلات اللاجئين في العالم، وكيف يمثلون مأساة إنسانية دائمة.
ويزداد الفهم –ومعه الحسرة والأسى- حين نرى أوضاع اللاجئين المسلمين اليوم وكيف لا يجدون من إخوانهم المسلمين سندا ولا نصرة، بل إن قضية اللاجئين الفلسطينيين تحت الحكومات "العربية" تعد وحدها مأساة إنسانية بالغة المرارة، حتى صار الدم الفلسطيني شركة بين بني صهيون وبين أذيالهم من أهل العروبة!!
***
بقي في الحديث القرارين الأخيرين.. ونترك هذا للمقال القادم إن شاء الله تعالى.نشر في الحملة العالمية لمقاومة العدوان
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 15, 2012 13:07

December 11, 2012

"نعم" للدستور..


تتركز اعتراضات العقلاء والشرفاء على أمرين: موقع الشريعة ومقامها، وموقع العسكر ومقامهم! وحيث أني ممن لا أرضى موقع هذين ولا مقامهما في الدستور فالطبيعي أني سأرفض الدستور، فهما ليسا بالأمر الهين السهل ولا مما يمكن تجاهله..
لكن للأسف هذا فقط نصف الصورة!
تماما كنصف الثورة حين خرق الخضر السفينة، وحين قتل الطفل الصغير، وحين أقام جدارا مجانيا بقرية البخلاء!
لنضع أمام أنفسنا هذه الحقائق!
1. الدستور ليس إلا حبرا على ورق، يملك الفاعلون تحويله إلى حقائق كما يملكون إلقاءه في أقرب مزبلة.. في الحقيقة كل النصوص القانونية -والغالبية العظمى من رجال القانون- تحت رحمة الدبابة وفي خدمتها (سيف المعز وذهبه!).. ويمكن لانقلاب عسكري بسيط أن يطيح بكل مجهودات القانونيين ثم سيجد من أهل القانون أحذية له يلبسها ويصوغون له رغباته في قوانين ودساتير.
2. الفاعل الرئيسي في المشهد هو من يملك القوة، والقوة هي: قوة السلاح، وقوة المال، والقوة الشعبية.. في الأحوال الطبيعية غير الثورية لا تكون القوة الشعبية ذات وزن في المعادلة، ويكون السلاح هو الأقوى ثم المال.. أما في الأحوال الثورية فإن القوة الشعبية تصبح الأقوى في المعادلة بينما تتراجع قوة السلاح والمال إلى أدنى مستوياتها.
3. لولا التوحد الشعبي ما نجحت الثورة.. ولولا التوحد الإسلامي ما فشلت مؤامرة اقتحام قصر الاتحادية (أو قل تأجلت)..
4. فيما يخص العسكر ثمة أمران:
أ. أن هذه المواد بالنسبة للمراحل الانتقالية المشابهة والظروف الحالية ممتازة جدا.. وإن كانت في نفسها لا تصل لمستوى المأمول في الدول التي ضبطت علاقة العسكر بالشأن المدني.
ب. أن العسكر يضمنون موقعهم هذا بقوة السلاح، وهم يرون في الإسلاميين خصومهم، كما أن العلمانيين نشأوا وعاشوا في ظل العسكر واستبدادهم، وهم لو كتبوا الدستور فسيعطون للعسكر كل ما من شأنه أن يعسكر الدولة تماما ويحميها من أي احتمالية مستقبلية لوصول الإسلاميين إلى الحكم.. بما يعني أن التاسيسية القادمة لن تحقق أفضل من هذا في شأن العسكر رغبة إليهم أو رهبة منهم.
5. فيما يخص الشريعة ثمة أمران أيضا:
أ. أن النص الحالي وإن كان لا يرضينا إلا أن انتخابنا لمن يرضينا يصحح عواره، أو حتى يهيئ الأحوال لتعديله إلى ما يرضينا عبر طريق آمن، أو على الأقل أفضل وأكثر امنا من طريق رفضه.
ب. أن انتخاب تأسيسية قادمة لن يكون مطلقا كما نحب ونرضى، بل سيصدر له قانون يحدد "المحاصصة الطائفية والسياسية للجنة" وهو القانون الذي سيصدره مرسي تحت القصف العسكري العلماني الفلولي وقد تبين لنا بجلاء أن الرجل وحده وأن أجهزة الدولة تحاربه حتى الحرس الجمهوري الذي يخونه ويُسْلِمه.
6. أما بتوسيع الصورة فسنرى أنفسنا أمام كتلتين: الكتلة المؤيدة هي الإسلامية والكتلة الرافضة هي العلمانية.. ولا يمنع أن في الجانبين إسلاميين أو علمانيين.. فالدستور هو بالفعل عنوان للصراع الإسلامي العلماني في مصر.. وقبوله هو ارتفاع لأسهم الإسلاميين ورفضه هو ارتفاع لأسهم العلمانيين.. ومهما كان موقفك وتحفظك وأمانيك فلن تستطيع تغيير هذه المعادلة في ظل الضعف الإعلامي الإسلامي، وتغول الإعلام العلماني العسكري الفلولي.
7. في الموازنة بين استمرار الرئيس وحيدا لعشرة أشهر أخرى (3 انتخاب جمعية، 6 كتابة دستور، 1 للتصويت عليه) وبين وجود برلمان يعضده ويقويه وهو أيضا يراقبه ويصحح عمل حكومته ويسانده في تطهير الوزارات في ظل هذا الدستور المطروح.. أحسب أن هذه الموازنة تميل بوضوح لصالح وجود برلمان بأسرع وقت ممكن لتمثيل الإرادة الشعبية كجزء من معادلة الصراع.
لهذا ولغيره أرى أن التصويت بـ "نعم" هو ما يحقق المصلحة المرجوة.
نشر في شبكة رصد الإخبارية
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 11, 2012 05:43

December 1, 2012

الأسواني يدعونا إلى القراءة.. وهو لا يقرأ


كعادة أنصاف وأرباع المثقفين الذين قرؤا بعض كتاب وبعض كتب بلا عمق ولا تتبع ولا دراسة، أكثر مولانا علاء الدين بن الأسواني من الإفتاء في الشريعة والفقه والتاريخ الإسلامي، رغم أنه لم يبرز إلا في الأدب -لو تجاوزنا خلاف الأدباء والنقاد على جودة ما كتب نصا ومعنى وأغراضا- وحيث أن مولانا شهير بما فتحت له الصفحات والشاشات فإنه ما زال يفتي ويظن نفسه يعلم وهو لا يعلم! ويبدع وهو لا يبدع!
كثير من مقالات الكرام الذين ردوا على علاء الأسواني يجمعها عنوان "اقرأ قبل أن تتكلم".. وأنا هنا أحيل إلى مجموعة مقالات للكرام: د. محمد علي يوسف، وم. خالد خطاب، والأستاذة نور عبد الرحمن!
لكن الأسواني -الذي يقرأ جيدا- ما زال ينصحنا بأن نقرا قبل أن نتكلم، فكتب على تويتر:
"الى شباب الاخوان هل تعتبرون طارق البشري علمانيا فاسقا .اقرءوا كتابه عن الحركة السياسية لتعرفوا تاريخ قياداتكم الذين تواطئوا ضد الشعب المصري.
الحركة السياسية في مصر تأليف طارق البشري يكشف تواطوء قيادات الأخوان مع اسماعيل صدقي والملك فاروق ضد الحركة الوطنية . اقرءوا قبل ان تشتمونا
واضح ان شباب الاخوان رغم ذكائهم مغسولة دماغهم تماماً . أدعوكم الى قراءة كتاب البشري الاسلامي لتعرفوا انتهازية قادتكم.اقرءوا الكتاب لتفهموا
ياشباب الاخوان أدعوكم لقراءة كتاب الحركة السياسية في مصر لطارق البشري حتى تعرفوا انتهازية قادتكم وتواطئهم ضد الشعب .هل القراءة صعبة عليكم" (انتهى كلام الأسواني)
ترى ما شعور المقتنع بكلام الأسواني، وما شعور الأسواني نفسه إذا نقلنا له من كلام طارق البشري نفسه أنه تراجع عن تقييمه للإخوان المسلمين، وسجل هذا في مقدمة طبعة الكتاب الثانية وقال فيها الآتي (وهذه مقتطفات):
"دار فكري دورة كبيرة، والأمر فيه يتضمن تعديل موقف لا تكفي فيه الإشارة العابرة...
يقع التزامي وتقوم مسؤوليتي في إعادة الطرح بما أحسبه الآن تصويبا لدور الإخوان ووظيفتهم في مجتمعنا...
أطرح من جديد على بصيرة القارئ وذكائه ما جدَّ لي في هذا الشأن، بالنسبة لتيار سياسي في مصر ضَرِب عددا من المرات ضرب غرائب الإبل، من الرجعيين والتقدميين على السواء، ولعل هذين الفريقين لم يتفقا على شئ قط إلا على ضرب هذا التيار، وقد لا يكون فاروق وعبد الناصر تشابها في مسلك أبدا إلا في نوع تعاملهما مع الإخوان وتصفيتهم...
استطعت بقدر ما واتاني البصر أن أنظر في كل من التيارات الأخرى من داخله، أتفهم بعضا من همومه وشواغله وبواعث حركته وطرائق استجاباته، ولكني لم أفعل ولا واتاني البصر بشيء من ذلك مع الإخوان، كنت خارجيا عنهم، ولم يُتِح لي فكري سبيل الولوج من بابهم لأدخل دارهم وأتطلع إلى شواغلهم، استخدمت مع غيرهم الموازين والمكاييل والتحاليل، وقِسْتهم هم بالمتر أو بالشبر والفتر...
النظر الخارجي للإخوان هو ما عاقني عن التنقيب عن الدلالة الوطنية لشعبيتهم، وقد لزمني سنوات بعد إخراج هذا الكتاب لكي أعيد مع نفسي النظر في هذه النقطة، وأن أراجع الخريطة السياسية والتاريخية كلها، في ضوء ما أسفرت عنه إعادة النظر تلك"
ثم مضى البشري يقول كلامه الذي أحسب أن الأسواني يحتاج إلى قراءته!
لكن دعك من مشكلة القراءة التي قد لا يجد الأسواني وقتا لها من كثرة جوائزه التي يتسلمها (لقد كتب هذه التغريدات وهو في ألمانيا لتسلم جائزة حرية التعبير).. دعك من هذا، ولنسأل بالعقل: أليس المستشار البشري نفسه حيا يرزق؟! ألا يلاحظ أي متابع للساحة السياسية أنه أقرب إلى الإخوان والفكر الإسلامي؟!.. فإذا كان موقفه منهم موقف العداء والخصومة (كما في طبعة كتابه الأولى) ألم يبرز في عقل الأسواني سؤال يحاول به حل هذا الإشكال الواضح بين ما كتبه عنهم وحاله منهم؟
لكن الهوى يعمي ويصم!
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 01, 2012 17:16

November 29, 2012

موجز تاريخ الثورة والإسلاميين وأعداءهما


1. عاشت مصر دولة استبدادية عسكرية مركزية جمعت أنواع الفساد.
2. صنع النظام معارضته على عينه، فكانت المعارضة فاسدة ذات فساد النظام.
3. في لحظة الثورة اجتمعت أطياف الشعب مع الثورة ولم يقف ضدها إلا النظام ومعارضته والمستفيدون منه والخائفون على أنفسهم.
4. في فئة "الخائفون على أنفسهم" كثير من السلفيين.
5. باعتبار أن مبارك منهار أصلا فقد اتخذ قرار التخلص منه في أمريكا ونفذه داخليا الجيش للحفاظ على النظام نفسه.
6. هذا الانهيار السريع لم يسمح بوقت للمفاصلة الحقيقية بين الثوار والمزايدين.. بين الصامدين إلى آخر الطريق والقابلين بالحلول الوسطى.
7. استفاق الجميع على حقيقة أن الإسلاميين هم البديل في حالة الحرية والديمقراطية الحقيقية.. ورغم أن الإخوان -الجماعة التي تعيش آخر أيامها ولا تحب أي احتكاك- بذلت ما استطاعت للطمأنة والانسحاب من المشهد إلا أن السعار العلماني لم يرض إلا بالحذف الكامل للإخوان.
 8. باشتداد الصراع انقسم المشهد إلى ثلاث فئات: فلول وعسكر - علمانيين - إسلاميين.. وكان طبيعيا أن يؤول إلى فئتين: إسلاميين ضد تحالف الفلول والعلمانيين والعسكر.
9. وفي الوسط بين كل هؤلاء شباب ثائرون مفتقدون لقراءة المشهد وطبيعته وهم على استعداد لبذل دمائهم دائما في سبيل وطن أفضل.. لكن مثاليتهم تُعجزهم عن الاختيار الأفضل بين حلين، ثم هم غير قادرين على فرض اختيارهم الثالث المثالي.
10. وهنا ظهر إسلاميون آخرون ليس لديهم انهزامية الإخوان على رأسهم رجل المرحلة حازم أبو إسماعيل الذي أعاد المشهد إلى حقيقته: صراع الشعب إسلامي الهوى والمزاج ضد العسكر ومعهم العلمانيون مما أربك الخريطة السابقة تماما، وجعل الإخوان أفضل المتاح من جهة العسكر والخارج..
11. الإخوان لديهم أكثر من مزية هم يدركونها: شعبية واسعة تمكنهم من خوض الانتخابات وتجعلهم طرفا يملك تحقيق الاستقرار.. وهم بذلوا لطمأنة العسكر والخارج ما يجعلهم الأفضل.. ومن الناحية الأخرى كان بقاء النظام القديم (الذي بلغ ذروته بظهور عمر سليمان وشفيق) يعني لهم الذبح.. فتقدموا إلى المنافسة.
12. النخبة العلمانية حيرت العسكر والخارج، هم يتفقون فقط على عداوة الإسلاميين وعلى تفضيل الاستبداد العسكري.. بينما يختلفون في كل شيء.. فكانت كل خطواتهم التي أشاروا بها على العسكر تأتي عليهم بالسلب منذ تأجيل الانتخابات (فاتضحت أطراف الصراع وازداد الإسلاميون قوة وازداد غيرهم تشرذما) مرورا بابتداع نظام القائمة (الذي أتى لهم بالسلفيين وقد كان من المستحيل أن يحصلوا على هذه النسبة بالفردي) وحتى حل مجلس الشعب (فحاز مرسي سلطة التشريع)..
13. هذه النخبة فقدت كل من استمع لها: العسكر، الخارج، الشعب.. وليس لهم أي قيمة خارج البرامج الفضائية تخلى عنهم الخارج ليتعامل مع طرف يملك شيئا، والعسكر قرروا الاحتفاظ بأموالهم وصلاحياتهم ونفوذهم ليتركوا المدنيين بعضهم لبعض، والشعب ذاته منصرف عن برامج الفضائيات إلا قليلا.. (النقاش المباشر بين إسلامي في الشارع وبين الجمهور ينسف في دقائق ما زرعته الفضائيات في شهور.. والانتخابات خير شاهد ودليل)
14. بين نخبة متشرذمة وإسلاميون لم يمارسوا التنظيم وثوار يفتقدون قراءة المشهد واختيار الأنسب وفرض اختيارهم المثالي بقي الإخوان حلا جيدا لكل الأطراف:
- يطمئنون الخارج باستقرار البلاد واستمرار الاتفاقيات ونحو ذلك.
- يطمئنون العسكر باستمرار صلاحياتهم ونفوذهم وأموالهم.
- حل جيد لكثير من الثوار باعتبارهم نقلة حقيقية من الاستبداد العسكري إلى الحكم المدني.. ومن السلطة الدائمة إلى تداول السلطة.
- حل جيد بالنسبة للإسلاميين الذين وإن كانوا لا يثقون كثيرا في الإخوان إلا أن سياط وسجون العسكر والعلمانيين لم تجف من على ظهورهم.. فهم خير من العسكر والعلمانيين.
15. وصل مرسي لكرسي الرئاسة فكان حقا على كل من سبقوا أن يدعموه رغم مخاوف الجميع من الإخوان ومواقف الإخوان من الجميع.. فبين الجميع حالة من عدم الثقة.
- أمريكا تعتمد على نفوذها الواسع الذي يصل إلى الاحتلال في مصر.
- العسكر يملكون السلاح والنفوذ وكثيرا من الأموال.
- الثوار يملكون التضحية والنزول إلى الشارع (وهو العامل الذي يضعف مع الزمن)
- الإسلاميون يؤملون أن يكونوا أقوى وأصلب في ظل نظام أكثر حرية.
16. بقيت المعركة الحقيقية بين النظام السابق والنظام الجديد.. وكلاهما يريد جذب باقي الطوائف في صفه، ومن الطبيعي أن تنقسم الصورة إلى ثلاث مشاهد:
- الإسلاميون وكثير من الثوار وكثير من الشرفاء (ممن يظل اختيار الإخوان أفضل من النظام السابق) والشعب الذي يريد الاستقرار.. وراء مرسي!
- الفلول والعلمانيون وقطاع شعبي قليل خدعه الإعلام وكثير من الثوار والشرفاء (ممن لا يثقون بالإخوان ويحسبون أنهم قادرون على فرض خيارهم الثالث).. ضد مرسي!
وبنظرة بسيطة فإن الطرف الأول أقوى وأوسع بما لا يُقارن بالطرف الثاني.. لكن الطرف الثاني يستعين ببقايا نظام مبارك في القضاء والجيش والمخابرات والشرطة والإعلام ورجال الأعمال.. فهم بهذا أقوى!
الجيش (حتى الآن) يلتزم الصمت، والمخابرات لا أحد يدري موقف المؤسسة الحقيقي حتى الآن وإن ظهر بيقين مواقف لا ندري هل هي معبرة عن الموقف الرسمي أم موقف أجنحة من خلال أدوات إعلامية وميدانية.. وأما الإعلام والقضاء ورجال الأعمال فقد حسموا مواقفهم لصالح نظام مبارك..
ما أميل إليه أن حسم هذه المعركة يتم في الخارج، ويتوقف على جهتي الجيش والمخابرات.. فإما تصعيد للتهيئة للانقلاب كما حدث في تركيا والجزائر ودول أمريكا اللاتينية في أكثر من تجربة.. وإما أن الخارج يفضل بقاء المعتدلين على الفوضى أو "المتشددين" بنحو النموذج الأردوغاني.. لا سيما وأن الخارج يواجه الآن تحديا خطيرا في الصين وروسيا قد تجعله ينصرف مؤقتا عن الشرق الأوسط الغارق في قاع الحضارة.
بالتأكيد لست أدري ما إذا كان الخارج حسم خياره أم لا.. لكن الحسم بالتأكيد متوقف على أنياب الإسلاميين، فإذا وصلت الصورة "إما أن تقبلوا الديمقراطية حتى ولو أتت بالإسلاميين وإما الفوضى" سيكون الحسم باتجاه قبول الديمقراطية.. ولو وصلت الصورة "يمكن التخلص من الإسلاميين بلا قلق كثير" سيكون الحسم باتجاه بقاء نظام مبارك بوجه جديد..
بعض عوامل الصورة تشير إلى قوة الاحتمال الأول، لكن لا يمكن تجاهل عوامل أخرى..
يظل الأمل في أن يفوق البعض من مثاليتهم وأن يدعموا التحول الديمقراطي -ولو بالإسلاميين- على عودة الماضي بكل فساده واستبداده..
بعض هؤلاء ينبغي عليهم أن ينسحبوا من المعركة الحالية لصالح مرسي.. وبعضهم ينبغي عليه فعلا أن يقبل بالاستقلال العسكري الفعلي لفترة باعتباره أكل الميتة.. والطرفان يجمع بينهما أنهم بلا قوة شعبية أو تنظيمية حقيقية لمنافسة الإخوان وفرض بديلهم الثالث حتى وإن كانوا أعلى تضحية وبذلا واستعدادا للموت!
                                                                             نشر في شبكة رصد الإخبارية
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 29, 2012 04:21