محمد إلهامي's Blog, page 78

August 15, 2013

بعض ما فقهه هنتنجتون (1)




كثير من المتعة كامنٌ في قراءة إنتاج المفكرين الغربيين منذ أن تحول الاستشراق إلى بحث علمي وتخلى عن مرحلة الخرافة وحتى هذه اللحظة، ذلك أن إنتاج المجتمعات وهي تشعر بالرسوخ والاستقرار يتميز عامة بالهدوء النفسي ويعبر عن حالة من التفكير الناضج حيث لا يظللها خطر داهم يدفعها نحو التفكير والإنتاج الانفعالي!
ولهذا تنتج الأمم فلسفاتها –عامة- في أوقات رخائها واستقرارها، ويكون خير ما تكتب الأمم –حتى عن أعدائها- في المرحلة التي لا تشعر فيها بالتهديد حيالهم، والمتابع لتطور الإنتاج الاستشراقي يعلم كم هو الفارق الشاسع الرهيب بين أوائل هذا الإنتاج (وقت التهديد الإسلامي) مثل "تاريخ شارلمان" وبين وصوله إلى الاحتراف والنضوج العلمي في عصور الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية.
ولئن كان من فضيلة للشعور الغربي بالتفوق، حتى وهو يعترف بإمكانية التهديد الإسلامي الماثل في الأفق، فهو أن كتاباتهم تتميز بصراحة ووضوح، وقد بلغ الأمر مبلغه لدى فوكوياما حين كتب "نهاية التاريخ"، ففي هذا الكتاب رأى فوكوياما أن الدنيا كلها ستنتهي إلى الليبرالية الغربية، وساق من جميع أنحاء العالم ما يدلل على رأيه، ثم اصطدم الواقع الإسلامي بنظريته تماما فلم يجد إلا التضحية بالمنهج العلمي وسلك سبيل التلفيق الاحترافي والعبارات الخجولة الملتفة التي تريد أن تقول بأن الإسلام ما زال حجر عثرة ولكن.. هناك أمل! انظر ماذا يقول:
"بالرغم من القوَّة التي أبداها الإسلام في صحوته الحالية، فبالإمكان القول: إن هذا الدين لا يكاد تكون له جاذبية خارج المناطق التي كانت في الأصل إسلامية الحضارة (!!!) [هنا ينسى عمدا أن الإسلام أوسع الأديان انتشارا في أوروبا وأمريكا]... ورغم أن نحو بليون نسمة يدينون بدين الإسلام؛ أي خمس تعداد سكان العالم، فليس بوسعهم تحدِّي الديمقراطية الليبرالية على المستوى الفكري، بل إنه قد يبدو أن العالم الإسلامي أشدَّ عرضة للتأثُّر بالأفكار الليبرالية على المدى الطويل من احتمال أن يحدث العكس؛ حيث إن مثل هذه الليبرالية قد اجتذبت إلى نفسها أنصارًا عديدين وأقوياء لها من بين المسلمين على مدى القرن ونصف القرن الأخيرين، والواقع أن أحد أسباب الصحوة الأصولية الراهنة هو قوَّة الخطر الملموس من جانب القيم الغربية الليبرالية على المجتمعات الإسلامية التقليدية"وعلى كل حال، فأكثر من عشرين سنة بين كتابة هذا الكلام والواقع الحالي يثبت فشله بوضوح!
لكن صمويل هنتنجتون كان أبصر بالواقع من فوكوياما، فلم يغره ما غرّ فوكوياما من انهيار الاتحاد السوفيتي، ولم يأمل في أن يدخل المسلمون يوما في الفلك الغربي، بل قال بأنهم لن يتغربوا أبدا!
فعلى عكس فوكوياما الذي امتلأ كتابه بالتمنيات المصبوغة بقشرة من أبحاث ودراسات، جاء كتاب صمويل هنتنجتون راسخا على معطيات علمية وإحصائيات، وإن كان منطلقا من منهجية غربية لا تريد لا أن تلتقي أو تتفاهم أو حتى تحترم الآخر.. ولذلك كان الرجل بشير القوم بمنهجية "صدام الحضارات"!
وما كتبه هنتجتون منذ نحو عشرين سنة أحرى أن يفهمه كثير من المسلمين، لا سيما تلك النخبة التي ما تزال تدافع عن أفكار كفر بها الغربيون أنفسهم منذ زمن، فلقد اعترف هنتنجتون بأن الديمقراطية في دول الحضارات والشعوب غير الغربية لن تصل بهم أبدا إلى التغريب، ورصد بأن المسلمين منذ خمسينات القرن العشرين لم يعودوا يرون أنهم محتاجين إلى القيم الغربية بل يحتاجون إلى ما لدى الغرب من تقنيات فقط مع إيمانهم بأن استمساكهم بما لديهم من قيم خاصة وموروثة هو سر نجاحهم! وهذا ما شاع في أوروبا نفسها!!
ويعتبر كتاب "صدام الحضارات" واحدا من أهم ما ينبغي أن يقرأه المسلمون من الإنتاج الغربي، ففيه الكثير من الرصد لظواهر مهمة، تريد النخبة المتغربة في بلادنا أن تُغفلها، أو لربما كانت تجهلها أصلا، ذلك أن النخب الغربية قد تجاوزت منذ زمن ما تردده النخب التغريبية في بلادنا، وفيه –بعد رصد الظواهر- توصيات بكيفية المواجهة وخوض المعركة.
ولئن كانت الدراسات الكثيرة التي كُتِبَت عن هنتنجتون قد اهتمت بتحليل ودراسة والتعليق على توصياته "الصدامية" في المواجهة، فنحسب أننا في حاجة لأن نعيد ذكر بعضا من أهم ما رصده من ظواهر عالمية وواقع جديد، ونحسب أن فهم هذه الأمور سيكون فارقا في إدراك طبيعة ومستقبل المعركة التي تخوضها الأمة الإسلامية.
***
1. فشل وانحسار العلمانية ظاهرة عالمية
يقول:
"في النصف الأول من القرن العشرين كان المثقَّفُون يعتقدون أن التحديث الاقتصادي والاجتماعي سيُؤَدِّي إلى ذبول الدين، وكانت ثمة مخاوف وانزعاجات في المقابل من انتهاء الدين، ودخول البشر في فوضى شاملة، لكن النصف الثاني من القرن العشرين أثبت أن آمال المثقفين، ومخاوف المنزعجين لا أساس لها؛ فالتحديث الاقتصادي والاجتماعي تعاظم، وصار كونيًّا من ناحية الحجم، وفي الوقت نفسه حدثت صحوة دينية كبرى، انتشرت في كل قارة وكل حضارة وكل دولة، وبدلاً من أن تظهر توجهات دينية تحاول التكيف مع العلمانية، ظهرت التوجهات التي تُريد استعادة الأساس المقدَّس لتنظيم المجتمع، بل وتغيير المجتمع، فلم تَعُد القضية قضية تحديث، وإنما "أنجلة"الصحوة الدينية في أرجاء العالم هي ردُّ فعل ضدَّ العلمانية، والنسبية الأخلاقية، والانغماس الذاتي، وإعادة تأكيد لقيم النظام والانضباط، والعمل والعون المتبادل والتضامن الإنساني. الجماعاتُ الإنسانية تُلَبِّي الاحتياجات الاجتماعية التي أهملتها بيروقراطيات الدولة (الأجهزة الإدارية)، وهي تتضمَّن توفير الخدمات الطبية والعلاجية، ودور الحضانة والمدارس، ورعاية المسنين، والإغاثة السريعة بعد الكوارث الطبيعية .. وغيرها، والمساعدة الاجتماعية أثناء فترات الحرمان الاقتصادي. انهيار النظام والمجتمع المدني يُحدث فراغًا تملؤه الجماعات الدينية والأصولية غالبًا"وبعد استعراض العديد من ظواهر عودة الدين للتأثير في الحياة في البلاد المختلفة، حتى في أرض الاتحاد السوفيتي "عدو الأديان".. يستشهد بقول جورج ويجل: "نزع العلمنة عن العالم هو إحدى الحقائق السائدة في أواخر القرن العشرين"***
2. فرض التغريب على مجتمعات لا تقبله يصنع "البلدان الممزقة".
من أهم ما فقهه هنتنجتون أن المجتمعات لا تقبل التغريب، وأن الحضارة الغربية ليست عالمية ليصح تطبيقها في أي مجتمع، بل كان مجددا حين قرر بأن فرض التغريب في مجتمعات لا تقبله إنما يحولها إلى حالة من التوتر والارتباك، أو بتعبيره هو يجعلها من "البلدان الممزقة".
استعرض هنتنجتون تجربة روسيا التي فرض عليها بطرس الأكبر التغريب لانتشالها من تخلفها، وقد اهتم بحلق اللحى وتقليد الثياب الغربية تماما كما اهتم بإنشاء المدارس وإصلاح الزراعة والتصنيع والتسليح.. ولكن المحاولة فشلت ودخل المجتمع أيام بطرس وبعده في تنازع، فهذا متغرب يؤيد التغرب أكثر فأكثر وهذا قد ضاق ذرعا واشتعل تنديدا بمحاولات "الأَوْرَبَة" وإلباس روسيا نظارة أوروبية.. ثم جاءت الشيوعية بنظرية جديدة مفادها "لن نحاول اللحاق بأوروبا، هي من ستلحق بنا (حين تعم الشيوعية العالم)"، ولهذا كان الترحيب الروسي بالشيوعية أكثر من ترحيبهم بتغريب بطرس الأكبر بل كانت فرحتهم طاغية بعودة العاصمة موسكو بعد أن كانت بطرسبرج عاصمة بطرس الأكبر، ثم حين فشلت الشيوعية وانهار الاتحاد السوفيتي لم تزدد الفجوة بين الروس والأوربيين إلا اتساعا، وما يزال سؤال الهوية يثير انقساما بين الروس والنخبة المتغربة، وما يزال الروس يراودهم حلم الامبراطورية الروسية القومية السلافية!
وأما تركيا، فقد بذل فيها أتاتورك مجهودا عنيفا لانتزاعها من تاريخها العثماني الإسلامي وإدخالها في الجسد الأوروبي، وكانت أوروبا تحتاج تركيا كواجهة تقف أمام التوسع الروسي الشيوعي في البحر المتوسط، فلما سقط الاتحاد السوفيتي لم تعد تركيا تمثل أهمية كبرى للغرب، وفشلت تركيا حتى الآن في عضوية الاتحاد الأوروبي لسبب جوهري: الأوروبيون يرون أن الأتراك ليسوا منهم وأنهم مسلمين، والأتراك لا يغيب عنهم أن هذا هو السبب، وأن ما يقال علنا هو مراوغة وتلفيق!
وفي أثناء كل هذا كان سؤال الهوية يعود ليسيطر على حياة الأتراك، صار الأتراك يُعرفون أنفسهم كمسلمين، وشهدت تركيا صحوة إسلامية واسعة أجبرت الجميع على تقديم التنازلات بما فيهم الأحزاب العلمانية بل والعسكر "حصن العلمانية" أنفسهم، وتغيرت سياسة تركيا لتصبح أكثر إسلامية، ويفوز فيها الإسلاميون، وليس أفضل تعبير عن التمزق الذي تعانيه تركيا ما بين الشعب والنخبة المتغربة المتنفذة أكثر من تصريح المسؤولين الأتراك (العلمانيين) بأنهم "جسر بين الثقافات" أو "تركيا ديمقراطية غربية ولكنها جزء من الشرق الأوسط".. وبهذا يعترفون أنها "دولة ممزقة"!
***
ولنا مع هنتنجتون وما فقهه وقفات أخرى في المقال القادم إن شاء الله تعالى..
نشر في الحملة العالمية لمقاومة العدوان
فوكوياما: نهاية التاريخ ص56، 57. أنجلة: كأسلمة ولكن عن "الإنجيل". صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات ص158. صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات ص162. صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات ص159.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 15, 2013 12:24

July 13, 2013

ما أفلحت دولة حكمها انقلاب


في الإسلام: الإمارة شورى، ولا يحق لأحد أن ينصب أحدا –أو ينصب نفسه- حاكما على المسلمين بغير مشورتهم، بل قال عمر –رضي الله عنه- "من بايع رجلا من غير مشورة المسلمين فلا يُتَابَع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يُقتلا".
وفي تجارب البشر بعد التاريخ الطويل توصلوا إلى ذات المعنى، اختيار الحاكم حق للشعوب، ومن تسلط على الناس بغير رغبتهم فهو مجرم، وما تزال الفلسفات تُعَظِّم من شأن من كتبوا في هذا المعنى وتنظيمه مثل جون لوك وجان جاك روسو وغيرهم من فلاسفة عصر التنوير وما بعد الثورة الفرنسية.
فمن لم يكن له علم من الدين، أو قراءة في الفلسفة، فالواقع واعظ بليغ، وخلاصة موعظته: ما أفلحت دولة حكمها انقلاب!
تلك السطور القادمة عن ثلاث نماذج معاصرة؛ شمالا وغربا وشرقا: تركيا والجزائر وباكستان، ومن أراد المزيد فلينزل جنوبا ليشاهد الساحة الإفريقية الغزيرة النماذج (190 انقلاب عسكري منذ رحيل الاحتلال)، أو ييمم وجهه أقصى الغرب في أمريكا اللاتينية، أو يتعمق في صفحات التاريخ، ولينظر: هل أفلحت دولة حكمها انقلاب؟!
***
تركيا
عبر ثلاثة أرباع القرن رأت عصبة العسكر العلمانية أن العسكر هم سادة تركيا وأن العلمانية هي دينهم، وأن أي خرق لسيادة العسكر أو لهيمنة العلمانية إنما هو خطر شديد وخطيئة لا تُغتفر، ودائما كان الرد بكل قسوة.
يمكن تقسيم التاريخ العثماني إلى فترات قوة وأمجاد زاهرة وفترات تراجع وضعف وركود، لكنه لا يمكن تقسيم حكم العسكر هناك إلى فترات أمجاد، بل على العكس، سارت تركيا عبر الثلاثة أرباع قرن من تراجع إلى تدهور إلى انحطاط، إن على سبيل الاستبداد في الداخل أو الخضوع للخارج.
ففي الداخل: طورد الدين حتى مُنِع ارتداء العمامة وأجبر الناس بالقتل على ارتداء القبعات، ثم مُنِع التعليم الديني، وأغلقت الكتاتيب، حوربت الشعائر الإسلامية كالحجاب وألغي الطلاق وتعدد الزوجات، وكُتِبت اللغة التركية بالحروف اللاتينية (بكل ما استتبع هذا من آثار كارثية لانقطاع الأجيال بتراثها وماضيها)، وجرت خطوات التغريب بأقوى وأقسى وأسرع ما تملكله سلطة قاهرة، وقُهِرت القوميات المختلفة ومُحِق حق الاختلاف والتنوع وسادت سلطة العاصمة المركزية ونُسِيت الأطراف، وسيطر نظام الحزب الواحد الذي لا يُري الناس إلا ما يرى، وانتشر الفساد في أرجاء الدولة وارتفع التضخم حتى بلغت المليون ليرة تركية تعادل دولارا واحدا!
وفي الخارج: ظلت تركيا المركز الإقليمي لأجهزة المخابرات الغربية لمحاربة الاتحاد السوفيتي، وقد دعم الغرب قوة تركيا كسلطة بقدر ما خدمه الموقع الجغرافي التركي لتعطيل التقدم السوفيتي في تركيا وفي البلاد العربية، وبينما تحلم تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كان هذا الأخير يختلق كل يوم سببا لرفض هذا الانضمام عُرِفت تركيا بأنها "بلد انقلاب كل عشر سنوات"، لقد ظل الجيش التركي يقدس العلمانية ويحميها ويعطي لنفسه حق الانقلاب على السلطة المدنية كلما بدا له أنها تنحرف عن طريق العلمانية، ومن خلف الجيش تقف مؤسسات الإعلام والقضاء تمنح الغطاء والتبرير الجمعي والفكري والقانوني لإجراءات الجيش.
وبعد عشر سنوات من الإصلاحات الأردوغانية التي ووجهت بعقبات قاسية ما يزال الشوط واسعا بين الواقع وبين استقلال الإرادة التركية وعودة الأتراك إلى دينهم وهويتهم ومجدهم الأول.
***
الجزائر
"يريدون استقلال الجزائر؟ حسنا، سنعطيهم إياها ثم نستردها بعد ثلاثين سنة" – شارل ديجول
مأساة الجزائر نموذج يختصر مآسي العرب، الإسلاميون يجاهدون الاحتلال ببسالة منقطعة النظير لكنهم يفشلون في حصاد ثمرة جهادهم التي تسقط في أيدي عملاء الاحتلال ورجاله الذين هيأهم لوراثة البلاد من بعده، فيكونون أخطر أثرا على بلادهم من الاحتلال نفسه، إذ يرتكبون من الجرائم ما لم يستطعه الاحتلال لكن باسم الحفاظ على الثورة والاستقلال والتحرر الوطني!
تحررت الجزائر من فرنسا، لكنها عاشت السنوات العجاف تحت حكم هواري بومدين ثم الشاذلي بن جديد حتى انفجر الناس من سوء الأوضاع فيما عُرِف بمظاهرات الخبز (1988)، فاضطر الشاذلي بن جديد إلى إجراء إصلاحات سياسية لاحتواء الوضع، كان أهمها: إنهاء سياسة الحزب الواحد وحرية تشكيل الأحزاب، وأعلن عن إجراء انتخابات بلدية (1988) ثم برلمانية (1989).
اكتسح الإسلاميون انتخابات البلدية في مفاجأة زلزلت الجميع بما فيها الإسلاميون أنفسهم، وبدأ الفائزون في إصلاحات كبيرة وخدمات اجتماعية واسعة من خلال مناصبهم في البلدية بما أظهر الفارق الكبير بينهم وبين من سبقهم وبما هيأ الجميع لتوقع فوز أكبر بكثير في الانتخابات البرلمانية القادمة، فوضعت السلطة قانون انتخابات مفصل لتعويق نجاح الإسلاميين لكنهم برغم ذلك فازوا باكتساح في الجولة الأولى من انتخابات البرلمان.
وهنا حدث الانقلاب العسكري المشؤوم قطعا للطريق على وصول الإسلاميين للحكم، وبدأت الحملة المكثفة للاعتقالات الواسعة في صفوف الإسلاميين وقياداتهم، وسحق كل أوجه الاحتجاج على الانقلاب العسكري، ووُضِع الإسلاميون في خانة الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وأموالهم فحملت بعض فصائلهم السلاح ضد هذا الغدر، وبدأت حرب عالمية مصغرة قوامها الجيش المسلح المدعوم من الغرب والشرق ضد هذه المجموعات الصغيرة المتناثرة، ووضعت المخابرات العالمية خلاصات تجاربها في القضاء على الإسلاميين في الجزائر، فكانت المذابح الهائلة ترتكبها قوات الجيش الجزائري ثم يقوم الإعلام بنسبتها للإسلاميين وشيطنتهم، وجرى اختراق مخابراتي خطير للجهاديين المتعصبين في الجزائر فكانوا أضرَّ على أنفسهم من أعدائهم.
بلغ الضحايا حوالي ربع مليون جزائري (في بلد تعدادها حوالي 26 مليون) وعدد غير معروف من المفقودين، واستقر حكم العسكر في الجزائر.. فإلى أين وصلت؟!
الجزائر الآن هي المركز الإقليمي لأجهزة المخابرات الأمريكية في مكافحة "الإرهاب" (اللقب الغربي للإسلام)، تحكمها العسكرية العلمانية التي تتغزل في فرنسا وتنسلخ من الإسلام، وقد وصل الأمر حدا خطيرا يؤشر له فِكْر وزيرة الثقافة الجزائرية التي قالت وكما حاولت السلطة في تركيا مسح القوميات فزادت الأزمات وانفجرت في وجهها مشكلة الأكراد، فعلت السلطة في الجزائر ذات السياسة وتنفجر في وجهها بين الحين والآخر مشكلة الأمازيغ، وكم تكون المطالب العادلة مع السياسة الفاشلة مدخلا لمزيد من الهيمنة والتدخل الخارجي مع التأزم والغليان الداخلي.
ولئن كانت تركيا تشهد أملا، فإن الجزائر ما تزال بعيدة عن هذا الأمل.
***
باكستان
ربما تكون باكستان صاحبة الحظ الأوفر في "تبرير" الهيمنة العسكرية على الحياة، ذلك أنها منذ ولادتها نشأت في أجواء حربية أفضت إلى استقلالها عن الهند (1947) ثم عملت المؤامرات على تقسيمها، فانفصلت عنها بنجلاديش (1971)، وكشمير التي خاضت من أجلها ثلاثة حروب (1948، 1965، 1971) ولا يزال التوتر الكشميري مستمرا، وقربها –الذي يبلغ المشاركة- في الحرب السوفيتة على أفغانستان (1979 - 1989)، ثم ما تعانيه أحيانا من التوترات الداخلية، فبسبب من كل هذا يستمد العسكر هناك مبرر وجودهم وهيمنتهم، في مشهد شبيه بزمن الحروب الصليبية التي أخرجت الطبقات العسكرية في العالم الإسلامي –من سلاجقة وزنكيين وأيوبيين ومماليك- لتكون هي الطبقات الحاكمة.
لكن عسكر "الدولة الحديثة" ذوي الهوي العلماني ليسوا كعسكر الدولة الإسلامية الذين لا ولاء لهم إلا لأمتهم، فلئن اجتمع العسكران في طبائع الاستبداد والفشل في الإدارة المدنية والحضارية فإن العسكر الأولين –في العموم- بطشهم على الأمة وإن أصاب عدوها منهم ضرر، بينما العسكر الآخرين –في العموم- بطشهم على عدوهم وإن أصاب الأمة منهم ضرر.
على أن هذا "التبرير" وإن كان له وجه نظريٌ إلا أنه كاذب عمليا، فهذه الهند –قسيمة باكستان وعدوتها- يحكمها المدنيون برغم ذات الظروف الأمنية وذات الطبيعة الجغرافية والسكانية والعرقية والمذهبية، وقد حقق المدنيون في الهند لبلادهم ما لا يقارن بما صنعه العسكر الباكستان.
مشكلة العسكر في باكستان وإن كانت لها جذور تمتد إلى السياسة البريطانية وأجواء الاستقلال المرتبكة، إلا أن صلب الأزمة حين يرى الجنرال العسكري نفسه صاحب الحق في تحديد مصلحة البلاد ووجهتها، ثم يُنفِذ إرادته قهرا بالسلاح، حينئد لا تعود ثمة فائدة لانتخابات طالما أن إرادة الجنرال تعلو فوق إرادة الناس وتلغيها، وقد بدأ هذا منذ تدخل أيوب خان (1951) ثم استيلائه على السلطة (1958) فعاشت باكستان عشرية تحت الأحكام العرفية، ولما أجريت انتخابات (1970) رفض الجنرال يحيى خان فوز رابطة الشيخ مجيب الرحمن، فاندلعت انتفاضة قُهِرت بالسلاح وانفصلت فيها بنجلاديش بدعم هندي، وفيما كان ذو الفقار علي بوتو من الرافضين لهذا الفوز الانتخابي –مع الجنرال يحيى- فإنه وجد بعد سنين جنرالا آخر ينقلب عليه هو ضياء الحق، ضياء الحق هذا اغتالته أمريكا (1988) لما مثله من خطر على سياستها، ومن بعده ظل العسكر في خلفية المشهد حتى عادوا بانقلاب عسكري قاده برفيز مشرف (1997) فكانت باكستان في عهده مستباحة حتى تنحى (2008).
منذ أيوب خان وحتى مشرف كان همّ العسكر منقسما إلى: السيطرة على الشعب في الداخل ومدّ التحالفات في الخارج، وفي ظل عقلية عسكرية لا تكون السيطرة إلا بالقهر والعنف الذي يولد مشكلات تجر إلى مزيد من القهر والعنف ثم تجر أيضا إلى تدخلات خارجية عدائية تزيد المشكلات أو صديقة تزيد من فرص الهيمنة.
وبرغم هذه العسكرة فإن المفاجأة التي قد تصدم القارئ أن باكستان خسرت جميع الحروب! ما كسبته فقط هو قمع الانتفاضات الشعبية!!
كانت باكستان حلما للمسلمين جميعا، ولما استطاعت إنتاج قنبلة نووية اعتبرها المسلمون "القنبلة النووية الإسلامية"، فإلام انتهت باكستان؟
انتهت إلى أن صارت مركزا حربيا للأمريكان، ليس فقط للانطلاق والدعم في غزة وقتل الشعب الأفغاني المسلم بل صارت السماء الباكستانية مسرحا للطائرات الأمريكية لتقصف أهدافا داخل باكستان نفسها، ولم يعد الجيش الباكستاني يفكر في مواجهة الأعداء ولا تحرير كشمير ولا تطوير قدراته القتالية ليمثل رادعا لطموحات الهند، بل صار همّه تعقب المقاتلين من طالبان والقاعدة في أفغانستان وباكستان، صار جيشا لـ "مكافحة الإرهاب" لا لحماية البلاد، وحتى تلك القنبلة النووية التي طرب لها المسلمون تحولت من نقطة قوة إلى نقطة ضعف، إذ برر العسكر الباكستان تحالفهم مع الأمريكان والخضوع لهم بأنه لأجل "الحفاظ على باكستان، والحفاظ على القنبلة النووية"!!
***
خاتمة
من يطالع الفقه والتاريخ يعرف أن الإسلام مدني بطبعه، وهذا فوق كونه يجعل الإمارة شورى ولا يُقِرُّ بشرعية اغتصاب السلطة، ومما يزيد الحسرة أن يكون هذا واضحا لمستشرق مثل جوستاف جرونيباوم –مع ما لدينا على إنتاجه ملاحظات وتحفظات- ولا يكون ظاهرا للمسلمين أنفسهم، يقول: "كثيرا ما تولى الجند -بوصفهم طائفة- حكم الدولة الإسلامية، ولكن هذه السيادة الواقعية (غير الشرعية) لم تغير بأي حال «الإجماع» المنعقد على أن رئاسة الدولة وظيفة مدنية ... ومهما يُكْثر الخلفاء من تولي الإمرة على جنده بشخصه، ومهما يكثر الشعراء من التغني بشجاعته، فإنه لم يكن إلا موظفا مدنيا أولا، وجنديا حين تلم المُلِمَّات. وصور الإنسانية المثالية التي هي من خواص الحضارة الإسلامية إنما تتمثل شخصية غير عسكرية وإن واصل القوم استحسان الفضائل العسكرية".

بلغ التدخل في التفاصيل حد أن تقريرا بتاريخ فبراير 2006 للجنة أوروبية طالب تركيا بإجراء 48 تغييرا في أسلوب العمل بالمحاكم منها: ألا تكون منصة الادعاء في نفس مستوى منصة القضاء، وأن تخرج مكاتب المدعين من مبنى المحكمة، وألا يدخل المدعون من نفس الباب الذي يدخل منه القضاة، وأن يظلوا في القاعة إلى ما بعد خروج القضاة لفترة من الوقت. في كتاب صدر عنها عنوانه "خليدة مسعودي جزائرية واقفة"، للصحافية الفرنسية إليزابيث شملا.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 13, 2013 21:54

June 20, 2013

جناية الأنظمة العلمانية على الأوقاف الإسلامية




لعله سيكون غريبا إذ نقول بأن هذا الموضوع إنما هو فرع عن الصراع الكبير بين الشرق والغرب، بين النظام الإسلامي والنظام العلماني، فللوهلة الأولى لا يبدو الأمر كذلك لكن بقليل من التعمق والنبش وراء ظواهر الأحداث يتبدى وجه الحقيقة المخبوء.
وإجمال ذلك أن الدولة المركزية هي بنت الفكرة العلمانية والمسار التاريخي الغربي، بينما المجتمع الفعال –والأوقاف من أبرز سماته- هو ابن الفكرة الإسلامية والمسار التاريخي الإسلامي، وأما التفصيل فإليك بيان ما يسمح به المقام.
***
فكرة الأوقاف وآثارها
إن الأوقاف من الابتكارات الحضارية الإسلامية، فلم يكن موجودا في العالم القديم إنفاق على أوجه الخير –اللهم إلا ما كان ينفق منه على المعابد وكهنتها، مما لا يمثل إلا جزءا ضئيلا من فكرة الأوقاف- حتى جاء الإسلام فأوقف رسول الله (ص) ثم أوقف صحابته جميعا أوقافا كثيرة، واستمر نمو مؤسسة الوقف في العالم الإسلامي لتشكل المصدر الذاتي الذي تمول الأمة به انطلاقتها الحضارية، فبما أوقف المسلمون من ممتلكاتهم توفرت أموال غزيرة أنفق بها على العلماء وطلبة العلم وإنشاء المدارس وعلى الجهاد وبناء الثغور وتحرير الأسرى وعلى الفقراء والضعفاء والمحتاجين وعلى تنمية البلدان بشق الأنهار وتعبيد الطرق وإنشاء الجسور ورعاية الحيوانات، وسائر ما يُمكن أن يُتَخَّيل من وجوه الخير ضربت فيه الأمة بسهم عبر مؤسسة الأوقاف.
ومن بين الآثار الكثيرة للوقف يهمنا التركيز على أثر استقلال مسار الأمة عن مسار السلطة، فلم يكن انهيار السلطة أو ضعفها السياسي والعسكري منعسكا على نمو الأمة الحضاري إلا قليلا، بل قد تسقط البلدان عسكريا ثم تأسر الغازين حضاريا وثقافيا كما حدث مع الصليبيين في الشام والنورمان في صقلية والإسبان في الأندلس والمغول في الشرق الإسلامي.
ونقف بالمشهد الإسلامي هنا، لنلقي نظرة مهمة على المشهد الغربي وتطوره التاريخي.
***
التطور الغربي إلى الدولة المركزية
حين تخلصت أوروبا من الكنيسة ومن أباطرة العصور الوسطى ومن الإقطاعيين، استبدلت بهم نموذجا آخر، ذلك هو "العلمانية" (بديلا عن الكنيسة) و"نظام الدولة المركزية" (بديلا عن نظام الإمبراطورية والإقطاع)، وكلا الأمرين –العلمانية ونظام الدولة المركزية- تابع للآخر، فلا بد لأي مجتمع من قيم حاكمة ومبادئ عليا، ثم لابد لهذه القيم والمبادئ من أناس يطبقونها ويحكمون بها، فكانت العلمانية هي المبدأ وكان نظام الدولة المركزية هو نموذج التطبيق.
فأين يكمن الضرر؟
يكمن في أن انتهاء وجود الإله من حياة البشر قد جعلهم عبيدا لأنفسهم وشهواتهم وأهواءهم، لا يؤمنون إلا بما ينفع ويضر بشكل مباشر واضح، وبهذا انتفى مبدأ الأخلاق والقيم العليا والمُثُل العظيمة التي انزوت مع الدين في جنبات الكنائس وصارت اختيارا شخصيا بحتا، ولهذا أنتج الغرب كل البشائع الإنسانية التي جعلته "أكبر مجرم في التاريخ"وهنا تحققت نبوءة توماس هوبز الذي "أعلن أن حالة الطبيعة (أي حالة الإنسان بعد انسحاب الإله من الكون) هي حالة من حرب الجميع ضد الجميع، فالإنسان ذئب لأخيه الإنسان، وسيتم التعاقد الاجتماعي بين البشر لا بسبب فطرة خَيِّرة فيهم وإنما من فرط خوفهم وبسبب حب البقاء، فيُنَصِّبون الدولة التنين حاكما عليهم حتى يمكنهم أن يحققوا ولو قدرا ضئيلا من الطمأنينة"وهنا صارت الدولة في مكان الإله، بل هي -كما يقول هيجل- "الحلول الإلهي على الأرض"، وسيادتها هي السلطة المطلقة، وعلى الأفراد أن يخضعوا لهذه السلطة التي تحدد من الداخل إرادة الأفرادوصارت كفاءة الدولة تقاس بمدى قدرتها على السيطرة التامة على كافة ما يحدث على أرضها من أنشطة، ولم يختلف هذا بين مذهب ومذهب في الفكر الغربي "فالسيطرة على السكان مهمة أساسية لأي سلطة حكومية تهيمن عليها جماعات المصلحة، وعلى الرغم من أن القوتين الدوليتين في زمن الحرب الباردة (أمريكا والاتحاد السوفيتي) كانتا على طرفي نقيض... فإنهما اشتركتا في قوة السلطة المحلية عند تعاملهما مع قضية السيطرة على شعبيهما"وحين حلت الدولة محل الإله لم يكن لها لا علم الإله ولا رحمته ولا ارتفاعه عن النقائص، وحين حلَّ السياسيون والنخبة محل العلماء والمفتين لم يكن لهم لا تقوى العلماء ولا خشيتهم، بل دخل البشر في حكم البشر، فاستعبد البشرُ البشرَ فأذلهم وقهروهم، غير أن الأشكال تغيرت فصارت أكثر خداعا وتلوينا، وأشهر نمطين لهذا الخداع: الشيوعية والرأسمالية.
فأما الشيوعية فقد ادعت أنها سبيل العدالة الاجتماعية وضد الإقطاعيين والملوك المستبدين ولمنع احتكار السلع، ثم كان تطبيقها أعنف استبدادا من كل الملوك وأشرس من كل الإقطاعيين ولم يتحقق في ظلالها إلا العدالة في الفقر حيث صارت الشعوب فقيرة لا تجد الكفاف فيما تركزت الثروة في يد "الرفاق" الذين يحكمون باسم الشعب، ويقيمون المذابح والسجون باسم الشعب، ويتصرفون في مال الشعب بأهوائهم زاعمين أنه "إرادة الشعب"، وقد طُوِيت صفحة الشيوعية مخلفة وراءها سجلا من المذابح والحروب والفقر العام والفساد الكبير.
وأما الرأسمالية فقد ادعت أنها ضد الاحتكار الاقتصادي وضد الاستبداد السياسي، لكنها أنتجت أكبر المحتكرين ورعت ودعمت أكابر المستبدين، وهي تسيطر على الشعب عبر الإعلام والأموال، يظن الناس أنهم يختارون رؤساءهم وأنهم يغيرونهم كل فترة فيما تظل الحقيقة أنهم يدورون في مسرح يتحكم فيه رجال الأعمال الذين يتحكمون في الإعلام وفي الاقتصاد، فبالإعلام يخدعون الجماهير ويسوقون رجالهم للحكم، وبه وبالاقتصاد يتحكمون في السياسيين والبرلمانيين وصناع القرار***
حين جاءت "العلمانية" و"الدولة المركزية" إلينا
هذه الأزمة القائمة في الغرب حين زُرِعت في بلادنا كانت أسوأ وأشد فتكا وتدميرا!
فالعلمانية كانت رغبة شعبية ونتيجة طبيعية لانحرافات الكنيسة ولم تكن كذلك في بلادنا، ولذا غُرِست بالقهر والعسف والاستبداد، وكان لابد من وجود حكومات عسكرية تذيق الشعوب الويلات كي تتمكن من ترسيخ أمرها، وهذا الترسيخ لا يتم إلا بنظام الدولة المركزية الذي ينزع عن الأمة فاعليتها وترابطها وتماسكها ومصادر قوتها.
أثمر نظام الدولة المركزية في بلادنا أسوأ الثمر، فقد سيطرت الدولة على الأوقاف الخيرية التي هي تمويل الأمة لنفسها وحضارتها، وضربت الدولة نظام القبائل والعصبيات لحساب النزعة الفردية التي تجعل العلاقة قائمة بين الدولة والفرد على نحو ما هي بين الإله والعبد، ولنضرب مثالا على ذلك بمحمد علي الكبير أول من أدخل العلمانية والدولة المركزية في بلاد المسلمين.
لقد كسر محمد علي كافة ما يجعل المصريين أقواما ليكونوا بين يديه أفرادا على نحو ما تطمح الدولة المركزية أن ترى الناس أفرادا مواطنين لا تجمعات أو عائلات أو عشائر، ثم نزع منهم كل ما أمكنه من الأوقاف لتكون مصادر الأموال في يده فيمنح ويمنع فتذل له الرقاب جميعا.
وحين يؤرخ الشيخ محمد عبده لآثار محمد علي نراه يقول: "أخذ يستعين بالجيش وبمن يستميله من الأحزاب على إعدام كل رأس من خصومه ثم يعود بقوة الجيش وبحزب آخر على من كان معه أولاً وأعانه على الخصم الزائل فيمحقه وهكذا حتى إذا سُحقت الأحزاب القوية وجه عنايته إلى رؤساء البيوت الرفيعة فلم يدَع منها رأسًا يستتر فيه ضمير (أنا) واتخذ من المحافظة على الأمن سبيلاً لجمع السلاح من الأهلين وتكرر ذلك منه مرارًا حتى فسد بأس الأهالي وزالت ملكة الشجاعة منهم وأجهز على ما بقي في البلاد من حياة في أنفُس بعض أفرادها فلم يبقِ في البلاد رأسًا يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه أو نفاه مع بقية بلده إلى السودان فهلك فيه. أخذ يرفع الأسافل ويعليهم في البلاد والقرى كأنه كان يحن لشبه فيه ورثه على أصله الكريم حتى انحط الكرام وساد اللئام ولم يُبقِ في البلاد إلا آلات له يستعملهافي جباية الأموال وجمع العساكر بأية طريقة وعلى أي وجه فمحق بذلك جميع عناصر الحياة الطبيعية من رأي وعزيمة واستقلال نفس ليصيّر البلاد المصرية جميعها إقطاعًا واحدًا له ولأولاده"، وفي جنايته على الأوقاف يقول الشيخ محمد عبده "نعم: أخذ ما كان للمساجد من الرزق وأبدلها بشيء من النقد يسمى فائض رزنامه لا يساوي جزءًا من الألف من إيراده. وأخذ من أوقاف الجامع الأزهر ما لو بقي له اليوم (ربيع الأول 1320 = يونيو 1902) لكانت غلته لا تقل عن نصف مليون جنيه في السنة، وقرر له بدل ذلك ما يساوي نحو أربعة آلاف جنيه في السنة"إنها المتلازمة الطبيعية بين العلمانية ونظام الدولة المركزية، حيث لا يُسمح أن تكون ثمة قوة في البلاد إلا قوة الدولة، ولقد كان الغرب آنئذ يبدو عملاقا كبيرا ساحرا يغري بالاقتداء به كل غافل عن كوامن القوة والنهضة في النظام الإسلامي، فكيف برجل عسكري ألباني لم يتكلم العربية حتى مات، لقد كان أجهل من أن يقتبس اقتباسا واعيا، وإنما جرت عملية صبغ مصر –كما يقول أرنولد توينبي- بالصبغة الغربية "أكثر شمولا من أي محاولة سعى إليها أو أنجزها السلاطين الأتراك"لقد كانت البداية باستيلاء محمد علي على ستمائة ألف فدان من الأرض الموقوفة وهي تمثل ثلث الأرض المزروعة في مصر والبالغة في ذلك الوقت مليونين من الفدادينووصل الحال بالأمة إلى أن تحكمت الدولة في المساجد ونظم التعليم ومنافذ الثقافة، وصار المواطن لا يستطيع أن يدرس أو يتعلم أو يقرأ أو يسمع إلا ما تريده الدولة أو تسمح به، وهو لا يستطيع أن يمارس نشاطا ولو خيريا إلا إذا سمحت الدولة، وصار العلماء في يد الدولة إن نطقوا بما أرادت أعطتهم الرواتب والمناصب وإلا أعطتهم المعتقلات والمشانق، ولا يستطيع الخطيب أن يخطب في الناس ولا أن يدرسهم ولا أن يقرئهم القرآن إلا بعد تصريح من الدولة، وصار الفقراء رهنا لدى الدولة إن كانت صالحة أسعفتهم وإن كانت فاسدة أهلكتهم، وصار طلاب العلم أسرى لدى الدولة إن كانت حريصة على العلم مهدت سبيله وخفضت تكاليفه وأنفقت عليه وإن كانت غير ذلك أفسدتهم... وهكذا صارت وجوه الحياة جميعها. فإذا استحضرنا حقيقة أن الذي حكمنا في عصور ما بعد الاحتلال كان على مذهب الغرب عرفنا أي مصيبة نزلت ببلادنا على يد أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتا.
***
الأوقاف تهديد للعلمانية والتبعية الغربية
لم يكن محمد علي أول من حاول السيطرة على الأوقاف، حاول ذلك بعض الحكام قبله مثل الظاهر بيبرس –في النصف الثاني من القرن السابع الهجري، وقت حاجته للمزيد من النفقة لمواجهة المغول والصليبيين- فوقف له الإمام النووي ومعه جمع من العلماء حتى ردَّه عن ذلك، وحاولها بعدئذ الظاهر برقوق –في أواخر القرن التاسع الهجري، ليستعيد لبيت المال الخاوي ما احتال الأمراء على وقفه تحصينا لأموالهم- فوقف له سراج الدين البلقيني وبرهان الدين بن جماعة وأكمل الدين وكان أقصى ما سمحوا له ما وُقِف على الأبناء ومنعوا عنه ما وُقِف للخير العام، وحاول ذلك والي مصر العثماني إبراهيم باشا القبودان –في القرن الثاني عشر الهجري، وبالتحديد (1121هـ = 1709م) - فتصدى له علماء المذاهب الأربعة، فبقيت الأوقاف على ما هي عليه، بل وعجز السلطان العثماني نفسه بعد ذلك بربع قرن (1148هـ = 1735م) عن مثل ذلك، ولئن أفلح الأمراء في التحايل على الاستيلاء على أموال الوقف إلا أن ذلك من الفساد الإجرائي الذي كان يمكن إصلاحه في كل وقتلكن الذي فشل فيه السلاطين والأمراء الكبار المجاهدون نجح فيه فيما بعد شراذم العسكر الذين وصلوا للحكم عبر انقلابات –خططت لها ودعمتها مخابرات دول الاحتلال- ولم يحققوا لأمتهم شيئا ذا بال، ذلك أن المظلة العلمانية ونظام الدولة المركزية نزعت من الأمة كل قوة لتضعها في يد الحاكم، ولم يعد ثمة علماء يستطيعون المواجهة بعد أن صاروا أجزاء من آلة الدولة، كما لم تعد ثمة قوى اجتماعية بعد أن صفيت عشائر الدولة أو سكتت رغبا أو رهبا.
ومن هنا تحكمت القوى العالمية في الأمة الإسلامية عبر التحكم في أنظمة الحكم، واختفت "الأمة" من معادلة الصراع، فنزل بنا من النكبات ما هو معروف مشهور طوال القرنين الماضيين.
إن الصراع الإسلامي الغربي متوقف في أهم وجوهه على قدرة الأمة على استعادة فاعليتها مرة أخرى، ونظام الوقف واحد من أهم هذه الوسائل التي تعيد الأمة إلى ساحة الفعل، وتعيد تمكينها من ثرواتها وتمويل نهضتها الحضارية.
 
رجاء جارودي: وعود الإسلام، ترجمة: د. طوقان قرقوط، دار الرقي، بيروت، الطبعة الثانية، 1985م. ص19. د. عبد الوهاب المسيري: رحلتي الفكرية، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الرابعة، فبراير 2009م. ص219. السابق. جان بيار لوفيفر وبيار ماشيري: هيجل والمجتمع، ترجمة: منصور القاضي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1413هـ = 1993م. ص72، 73. وفيما يبدو من باقي كلام هيجل فإنه لم يتوقع وجود استبداد جديد من قِبَل الدولة، فلقد كان من المفتونين بالثورة الفرنسية ويحسب أنها شيء مثل "نهاية التاريخ". ناعوم تشومسكي: النظام العالمي، ترجمة: عاطف محمد عبد الحميد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010م. ص5. طالع في تفصيل هذا كتاب "السيطرة الصامتة: الرأسمالية العالمية وموت الديمقراطية" للألمانية نورينا هيرتس، من إصدارات عالم المعرفة، الكويت، يناير 2007م. محمد عبده: آثار محمد علي في مصر، مجلة المنار 5/175 وما بعدها، وانظر: الأعمال الكاملة للأستاذ الإمام، تحقيق: د. محمد عمارة، دار الشروق، الطبعة الأولى، 1414هـ = 1993م. 1/851. أرنولد توينبي: مختصر دراسة التاريخ، ترجمة: فؤاد محمد شبل، المركز القومي للترجمة، 2011م. 3/313. الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، دار الجيل، بيروت، 3/344. تابع تطور قوانين الوقف في: محمد أبو زهرة: محاضرات في الوقف، معهد الدراسات العربية العالمية، 1959م. والاقتباس في المتن من ص46. محمد أبو زهرة: محاضرات في الوقف ص20 وما بعدها، د. محمد عمارة: هل الإسلام هو الحل، دار الشروق، الطبعة الثانية، 1418هـ = 1998م. ص121، 122.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 20, 2013 09:43

30 يونيو.. يوم له ما بعده

من الصعوبة بمكان تلخيص المشهد المصري الغزير المعلومات الكثيف الأحداث، وأصعب منه توقع نتائج المشهد الشديد السيولة المتعدد الأطراف، بل أزعم أنه لا أحد –لا في الداخل ولا في الخارج- يملك قدرة على توقع النتائج بدقة، وإنما لكل طرف ما يعتبره "خط أحمر" يحاول الدفع باتجاه ألا تصل الأحداث إليه!
أما الأهداف فلها شأن آخر، فإذا أهملنا كل ما يُقال إعلاميا من أهداف وغايات ودققنا فيما وراء السطور توصلنا إلى نتيجتين؛ المعارضة تريد إحداث أكبر موجة عنف دموية تجتاح البلاد –وخصوصا العاصمة المصرية، القاهرة- لإجبار الجيش على النزول مرة أخرى لحكم البلاد. وأما الإسلاميون فغاية ما يهمهم أن تعبر هذه الأيام بأقل قدر من الخسائر في الأرواح وبأقل قدر من التغيير في المعادلة السياسية القائمة.
(1)
المعارضة: مكوناتها وأهدافهم
المعارضة –ببساطة- هم نظام مبارك: رجاله وأدواته والمستفيدون منه. وأهدافهم –باختصار- هي إفشال المشروع الإسلامي وإسقاطه.
تتكون المعارضة –بالأساس- من ثلاث أعمدة: الأجهزة الأمنية، الكنيسة القبطية، العلمانيين.
أما الأجهزة الأمنية فإن تاريخها -الممتد منذ تكونت على يد الاحتلال البريطاني ثم في خدمة النظام العسكري العلماني في عهود عبد الناصر والسادات ومبارك، وفي عهد الأخير عملت تلك الأجهزة بالتنسيق مع الأمريكان والإسرائيليين في برامج مكافحة "الإرهاب" – أورثها عقيدة راسخة وقناعة لا تهتز بأن المكان الطبيعي للإسلاميين هو السجون أو القبور، فكيف بوجود أحدهم في موقع رئيس الدولة؟! إن هذا يدمر البناء العقدي: الفكري والنفسي فضلا عن تدمير المستقبل المهني بإعادة ترتيب كل الأوراق والعلاقات والمهمات.
وأما الكنيسة القبطية فلقد كانت تتمتع طوال عهد مبارك بمزايا لم تعرفها طوال تاريخها، بل ولا تعرفها أقلية في أي مكان في العالم، وهي قد صارت بالفعل دولة فوق الدولة، حتى إن الدولة لَتُسَلِّم إلى الكنيسة من أسلم من الأقباط ولا يعرف لهم خبر بعدها، والدولة لا تعرف فضلا عن أن تراقب أو تتدخل في ميزانية الكنيسة والتمويلات، وللكنيسة على الأراضي المصرية أديرة ذات مساحات هائلة سُرِقت فيها عشرات الآلاف من الأفدنة دون أي تحرك من جانب الدولة، وللكنيسة وزراء ومحافظون، ويُعامل البابا على المستوى الرسمي والإعلامي بتبجيل وتوقير لا يُعامل به سوى رئيس الدولة وهو عمليا فوق النقد والمسائلة.. وكل هذا متهدد في ظل نظام محترم فضلا على أن يكون إسلاميا فوق ذلك.
وأما العلمانيون فهم أدوات الدولة في كل مكان، وهم الممسكون بمنافذ الثقافة والإعلام والصحافة والنشر، يسيطرون على المؤسسات والإصدارات والمؤتمرات والندوات والمهرجانات، ويحصدون جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية والأوسمة على اختلاف طبقاتها، ولأنهم أقلية منبوذة شعبيا لم ترتفع لمستوى النخبة إلا في ظل العلمانية العسكرية فإن وجود نظام إسلامي يعد تهديدا خطيرا لمكاسبهم المالية والمعنوية.
هذه الأعمدة الثلاث لم تكف عن محاربة الإسلاميين في أي وقت، في عهد مبارك وأثناء الثورة وفي المرحلة الانتقالية ومنذ فاز الرئيس مرسي بمنصب الرئاسة.. في كل موطن، كان هؤلاء في جانب وكان الإسلاميون في جانب آخر.
عملت جميع هذه الأجهزة في تنسيق وتناغم لإفشال وإسقاط مرسي باعتباره عنوان التجربة الإسلامية، فالأجهزة الأمنية تحرك أجنحتها في الشارع (استفادة من تجربة رومانيا قامت المخابرات المصرية بإنشاء تنظيم للبلطجية استعملته الدولة لتثبيت سلطتها في كل موطن يستدعي ذلك، وفي السنوات الأخيرة انتقلت إدارة هذا التنظيم إلى جهاز أمن الدولة) والقضاء والإعلام. وحيث أن الفساد استشرى في كل الأرجاء فإن كل فاسد في كل زاوية متخوف على مكاسبه من نظام مرسي الجديد كان جنديا في هذه المعركة سواءً أكان نظاميا أم متطوعا.. وهذا بخلاف نهر التمويل المتدفق من الأطراف الدولية التي تريد إفشال الثورة المصرية، بعضها أنظمة ملكية تنفر من فكرة الثورة وبعضها أنظمة تنفر من الإسلام ومشروعه، ونهر التمويل هذا بلغ المليارات من الأموال بخلاف الدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي.
ولأن قوة الدولة الحقيقية هي جيشها، فإن تحريض الجيش على الإطاحة بالإسلاميين كان هو النغمة المتكررة والهدف الدائم والإلحاح المستمر، غير أن الجيش –لحساباته الخاصة- لم يُبْدِ كثير استجابة لفكرة الانقلاب العسكري، وإن لم تصدر عنه تصريحات قاطعة أيضا، فظلت التصريحات المراوغة تزيد من أملهم لكنها لا تشفي صدورهم، أما التصريحات العسكرية الواضحة فكانت "نحن على الحياد، نحن مع الشعب، لن نتدخل إلا في حالة سقوط الدولة" ثم صدر تصريح عن وزير الدفاع "من الأفضل للجميع الصبر على الوقوف في طابور الانتخابات لأن تدخل الجيش يعيد البلاد أربعين عاما إلى الوراء"، ومن هنا فَهِم القوم أن أمامهم خياران: الانتخابات أو إسقاط الدولة، وحيث أن الانتخابات ستسقطهم هم فلم يترددوا في اللجوء إلى خيار إسقاط الدولة ليتدخل الجيش بما يعيد ترتيب الحالة السياسية.
لم يعد الأمر سرا، المخطط –كما تأتي به التسريبات المتواترة- هو حالة واسعة من عنف شديد ودماء كثيرة، لإجبار الجيش على الانقلاب العسكري! وهذا العنف موجه بالأساس ضد الإسلاميين ورموزهم ليبلغ الإضعاف والإثخان فيهم أعظم الممكن والمستطاع.
هذه الأعمدة الثلاثة في المعارضة استطاعت –بالقصف الإعلامي والفساد المنتشر في جميع مرافق الدولة- اجتذاب قطاعات –يختلف الرأي في تقديرها- من الشعب، وهم يبتغون نزولا شعبيا هادرا ليتيسر نزول الجيش بأسرع وقت، وللتغطية على "أعمال العنف" بعنوان "الأعداد المليونية".
(2)
الإسلاميون
يظل الإسلاميون في خندق واحد وإن انفرد عنهم حزب النور –المنبثق عن المدرسة السلفية السكندرية- بجانب بعيد!
فوجيء الإسلاميون –منذ الثورة، لكن بعد تولي مرسي بشكل أوضح- بأربع مفاجآت قاسية:
الأولى: أن جميع خصومهم كافرون بالديمقراطية، وأن هذه الديمقراطية ليست إلا "صنما من العجوة" عبدوه فلما جاعوا أكلوه، وهذا بعد أن سلك الإسلاميون طريق الديمقراطية إما على سبيل القناعة أو على سبيل الاضطرار، وإذا بالمحاولات المستمرة لترسيخ أسلوب حكم جديد مفاده أن تحكم الأقلية على الأغلبية وأن تشاركها المناصب والمشورة والقرارات، وتم نحت مصطلح جديد هو "التوافق"، وبه يصير لكل ذي صوت إعلامي حق "الفيتو" على أي شيء لأنه لم يكن بـ "التوافق" ولم يحز "الإجماع الوطني".. وهنا كُسِر صنم الديمقراطية ونُصب صنم التوافق الوطني!
الثانية: أن الإعلام ليست له أي قواعد مهنية، ولا لديه حد أدنى من التزام الموضوعية، وأن غالبية الإعلاميين لا يخجلون من التحول بين الموقف ونقيضه، وأن الصوت العالي والتحريض هو سيد المشهد الوحيد، ومن المؤسف أنهم لم يكونوا مؤهلين لخوض معركة الإعلام لا إعلاميا ولا سياسيا ولا حتى قانونيا.
الثالثة: أن القضاء في حقيقته غير متقيد لا بقانون ولا بدستور، بل إن القاضي يتدخل في السياسة ويحكم في أعمال السيادة وهو وحده صاحب تحديد نطاق سلطته وسيادته، يحكم بما شاء ويفعل ما يريد، وقد انتهى المشهد إلى أن ما عجزت عنه دولة مبارك والمجلس العسكري نجح فيه الجناح القضائي الذي يصدر أقصى العقوبات على الإسلاميين بينما يصدر البراءات المتتالية على مبارك ورجاله.
الرابعة: أن الجيش –عمليًّا- لم يلتزم بكونه مؤسسة مهنية خاضعة للقيادة السياسية، بل إنه اعتبر نفسه طرفا محايدا لا يميل إلى هذا ولا إلى ذاك، وأن الرئيس المنتخب مثله مثل غيره، وأنهم على مسافة متساوية بينه وبين غيره، بل إن كثيرا من التصريحات تؤكد عدم خضوعه للرئيس المنتخب وبعضها يوحي بانتظار الانقلاب عليه كما قال رئيس الأركان "إذا احتاجنا الشعب سنكون خلال أقل من دقائق في الشارع".
وتحت القصف المتواصل الغزير تورط كثير من الإسلاميين –رغبة ورهبة- في ترسيخ خطر هذه المؤسسات من خلال التسليم بأنها خطوط حمر والاستسلام لشعارات "حرية التعبير خط أحمر"، "استقلال القضاء خط أحمر"، "الجيش خط أحمر".. حتى صارت المؤسسات كأنها آلهة لا تُسأل عما تفعل بل ولا ينبغي استقبال طعناتها إلا بالرضا والتبجيل!!
لم تفلح محاولات الإخوان ذوي المنهج الإصلاحي المتدرج البطيئ في تهدئة المعركة، فضلا عن إيقافها، ولم يكن التراجع ابتغاء التهدئة مورثا إلا مزيدا من العنف والشراسة، حتى وصل الحال إلى هذه اللحظة الحالية، وأخطر ما في هذه اللحظة تكرر الاعتداء على أصحاب المظهر الإسلامي: الملتحين والمنتقبات، وتكرار الاعتداء على المساجد وحرق مقرات الأحزاب الإسلامية.
لم يعد من شك في أن المعركة معركة وجود، وهي معركة صفرية، لا يمكن الوصول فيها إلى صيغة "لا غالب ولا مغلوب"، إذ الإسلاميون فشلوا في تهدئة الأجواء باللين وتفويت الفرصة وسحب الذرائع حتى سقط منهم قتلى، وخصومهم وصلوا إلى لحظة اليقين بضعف الإسلاميين وأن استئصالهم أمر ممكن! وأن إسقاط الرئيس محمد مرسي هو الحد الأدنى من المطالب التي يرتفع سقفها حتى إعدامه في ميدان التحرير!!
(3)
الرئيس والرئاسة
لقد سقط حسني مبارك بينما بقي كل رجاله في أماكنهم، وإن دخول الرئيس مرسي إلى قصر الرئاسة كان أشبه بدخول اليتيم على مائدة اللئام، إن الرجل الذي لم يكن يحلم بغير الأمان لنفسه وأسرته صار مسؤولا عن إدارة بلد ضخم كمصر ذات ميراث ضخم ثقيل وتربص داخلي وخارجي غير مسبوق.. ويجب أن ينجز كل هذا بغير امتلاكه أي أدوات فاعلة.
ثم زاد الطين بلة حين حاول الرئيس الاستعانة بمستشارين من كافة التيارات الأخرى فكانوا شوكة في ظهره لا بابا لجمع الفرقاء حوله، فأحسنهم من استقال في لحظة الهدوء كالنائب محمود مكي بينما اختار بعضهم أحرج اللحظات للاستقالة وبإعلانها على الشاشات فكانت طعنة في ظهره، ومنهم من استقال اليوم ليجلس غدا مع جبهة الإنقاذ!!
أحرج ما يواجهه الرئيس مرسي هو افتقاده الولاء في الأجهزة الإدارية، خصوصا الأجهزة الأمنية التي لم يكن مسموحا للإسلاميين بمجرد الاقتراب منها، وبالتالي فنفوذ أوامره فيها غير متحقق لكثير من المعوقات، لذا فإن حركته في الدولة بمثابة السباحة ضد التيار لمحاولة الفهم أولا ثم التحكم في المفاصل ثانيا، ثم حل المشكلات ثالثا.. فإذا عرفنا أن الفساد في الجهاز الإداري للدولة هو عملية متراكمة عبر سنين طويلة حتى صارت كالأعراف والعادات تتحلى بمقاومة طبيعية ذاتية، عرفنا أي همٍّ ثقيل كان على كاهل هذا الرجل!
ثم إن تعمد المؤسسات المعادية –أبرزها الأجهزة الأمنية وأذرعها الإعلامية والقضائية- تعويقه وإيقاف حركته جعل الوضع يشبه المستحيل، لقد استطاع القضاء وحده إثارة مشكلات ضخمة، أبرزها إطالة الفترة الانتقالية وتعويق تكوين المؤسسات المنتخبة، وإيقاف قرارات الرئيس، والبراءات المتتالية لرجال نظام مبارك، واستطاع الإعلام تسويق خطاب كراهية شامل، واستطاعت زوايا الفساد في كل مكان أن تستفيد من كل هذا فيزيد التعويق وتزيد صعوبة الأوضاع.
الرئيس في هذه اللحظة لا يستطيع تقديم تنازلات حتى وإن رغب فيها، لقد فشلت دعواته للحوار وفشلت استعانته بمساعدين من كل التيارات ورُفضِت حتى عروضه لمنصب رئيس الوزراء على كثيرين، وأقل ما يقبل به خصومه الآن هو رحيله الفوري، وهو أمر لا يستطيع أن يفعله ولو أراد، إذ ما بعده أسوأ وأسوأ.
يعتمد الرئيس على من استطاع كسب ولائهم في بعض الأجنحة داخل الدولة، وعلى جماعة الإخوان ومن استطاع من الإسلاميين، وهو أقرب للتهدئة وتفويت الفرصة في 30 يونيو منه إلى المواجهة والحسم، خصوصا وأن عامل الحسم يستلزم سيطرة على جهاز الشرطة، وهو الجهاز الذي صار يعلن بصراحة عبر منافذه الإعلامية أنه لا يخضع للرئيس بل وتجاهر كثير من قطاعاته بالعداء وبالنزول لإسقاطه في هذا اليوم.. لا يُعرف بدقة مدى سيطرة الرئيس مرسي على جهاز الشرطة.
(4)
التوقعات
في اللحظة التي سيُقْرَأ فيها هذا المقال سيكون يوم 30/6 قد عبر، وجرت في النهر مياه كثيرة، ونسأل الله ألا تكون دماءا كثيرة، لكن الخلاصة أن جميع الأطراف لن تتوقف إلا في لحظة العجز، فالمعركة بالنسبة إلى الجميع وجودية، ولهذا فلن يدخر أحد وسعا في الهجوم أو وسعا في الدفاع، فالمهزوم اليوم هو المهزوم.
يتمنى الإخوان أن تكون الاستجابة الشعبية ضعيفة فينكشف أصحاب الفوضى والعنف، وسيكتفون بالدفاع عن أنفسهم ومقراتهم فقط حتى تعبر هذه الموجة وتضعف خصوصا ونحن في ذروة الصيف وعلى أبواب رمضان.. ولن يتحركوا للدفاع عن الرئيس إلا حينما لا يكون بديل غير هذا، وهم ينظمون مظاهرة حاشدة يوم 21 يونيو لبعث رسالة قوة إلى الداخل والخارج لينقطع ما قد يكون مخططا لدى بعض الجهات والأجنحة بأن حركة الاحتجاج يمكن المراهنة عليها أو أنها قد تصل إلى مبتغاها بسهولة.
بينما يتمنى قطاع كبير من الإسلاميين أن تشتعل المواجهة لتكون حاسمة قاطعة، يستفزهم ما حدث ويحدث من انتهاك لحرمات الله: المساجد، ومظاهر الإسلام، وخطاب الكفر والإلحاد لدى الخصوم، ولغة الكراهية في وسائل الإعلام.. ولهذا فإن استمرار حركة الاحتجاج العنيفة، أو إخراج بعض المشاهد المستفزة لانتهاك حرمة منتقبة أو متحجبة أو مسجد قد تكون شرارة لا يمكن إطفاؤها.
الشرارة التي لا يمكن إطفاؤها هي هدف وأمل الخصوم لجر الجيش للنزول لتغيير المعادلة السياسية بالانقلاب العسكري أو بأقل من ذلك، لكن حسابات الجيش تزيد المشهد تعقيدا، إذ نزوله في المناخ المحتقن المسلح يشبه النزول في بحر رمال شديد السيولة لا يملك أحد التحكم به وهو أمر خطير على بنيان الجيش نفسه ثم على كيان الدولة.
إنها ثلاثية: الوقت، القوة، الحسابات.
وهكذا، يتمنى الإخوان فوات الفرصة بأقل خسائر، ويتمنى خصومهم إطالة العنف بأكبر قدر من الخسائر، والعامل الحاسم هو حركة الشارع التي لا يمكن قياسها ولا التنبؤ بنتائجها على وجه الدقة!
على أننا إذا حاولنا الترجيح بين ما لدينا من المعطيات فإن الواقع يقول:
1.    من الخطورة بمكان إشعال بؤرة توتر في مصر بالنسبة للوضع الدولي، فالفوضى في مصر تنعكس انتعاشا على غزة وعلى حركة الجهاد في سوريا، ومن غير المطلوب –دوليا- أن تزيد السيولة في مصر عما هي عليه.       2.    من الخطورة بمكان أن يعيد الجيش نفسه إلى ساحة السياسة بعد التجربة المريرة التي عاناها في الفترة الانتقالية، خصوصا وأنه من غير المرجح أن يكون تدخله حاسما في إنهاء الوضع لصالح أحد الأطراف.       3.    يمثل مرسي الحد الأدنى لكثير من الأطراف: الإسلاميين والجيش والخارج، ليس بينهم من يرضى عنه كل الرضا لكن سقوطه يمثل أزمة لكل منهم، بينما لا يمثل خصومه الحد المطلوب لأي طرف، فمعسكر المعارضة متشتت متفرق لا يجمعهم إلا عداء مرسي والإسلاميين لكنهم شركاء متشاكسون وخلف كل منهم حلفاء متشاكسون.       لذا فالترجيح يؤيد بقاء مرسي إلا في حالة واحدة: سرعة إسقاطه، وهي حالة تبدو بعيدة جدا! والله أعلم!
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 20, 2013 08:14

June 17, 2013

ويسألونك عن 30 يونيو.. فقل: عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم




انظر أولا: 30 يونيو.. ويسألونك عن خطتنا.. قل: أن تفشل خطتكم
كان يعجبني أسلوب أحمد سمير ومنطقه، ما زال يعجبني أسلوبه دون منطقه!
تلك أيام خلت، وقتَ كنتُ طيبا متسامحا، الآن صرت متطرفا.. أنظر لنفسي وأقول لها: "ناس طيبين قوي يا خال"، وذلك حين تتداعى إلى ذهني الحوارات الودودة مع عمرو عزت وعلاء عبد الفتاح ومالك مصطفى ووائل عباس.. ذلك كان أيام المنتديات والمدونات!
في ذلك الزمان كنت أتابع بشغف وإعجاب: إبراهيم عيسى، عبد الحليم قنديل، بلال فضل، وخالد البلشي.. كانت أياما جميلة! وخادعة!
قد أحكي لك تجربتي فيما بعد، غير أني حريص على أن أخبرك بخلاصتها منذ الآن، فلو أني عشتُ لأوريها كان، ولو أني متُّ فلعل أحدا ممن يعرفها سيحكيها!.. الخلاصة يا صاحبي أن الله الذي خلق الكون والناس أنزل لهم كتابا يهديهم ورسولا يشرحه ويطبقه، افتح هذا الكتاب وانظر في أقوال هذا الرسول وأنت تعرف طبيعة المعركة والصراع في هذه الدنيا.. هو صراع على الدين، صراع بين الحق والباطل، صراع بدأ منذ وعد إبليس بإضلال آدم وسينتهي عند خروج الشمس من مغربها!
لو أنك لم تقتنع بهذا الكلام ورأيته عنصريا دينيا متطرفا، فلا بأس، خض التجربة كلها، صادق أهل اليمين وأهل اليسار، انظر في كتب الأفكار كلها ذات اليمين وذات اليسار، اطلب الحق واستعن بالله، أنا واثق من انتهائك إلى هذه النتيجة، فقط ستخسر سنين كثيرة، وستشعر حينها بطعم الخداع!
كنت أظن أولئك الأصدقاء وتلك النخبة تحارب الظلم والاستبداد ولا تبغي إلا الحرية للشعوب، حتى لو اختارت هذه الشعوب ما يخالفها، وإذا بي يا صديقي أجد الوجوه اختلفت والكلام انعكس والنظريات الجديدة انطلقت، عمرو عزت ينظر منذ مدة لنظرية "الديمقراطية غير الصندوق، وللديمقراطية مبادئ إنسانية عالمية حاكمة لا تخضع لاختيار الشعب"، وعلاء عبد الفتاح ينظر لنظرية "اللي في السلطة لازم عينه تتكسر ويخاف"، ووائل عباس يريدها إلحادية إباحية ولو كره الناس أجمعين... وهكذا!
حلَّ "البلوك" و"المتابعة من بعيد" محل المتابعة بإعجاب و"اللايك" و"الشير" و"الريتويت".. رأيتُ عمرو عزت إذا ضُرب أحد الإسلاميين فرحا فخورا بالمقاومة الشعبية للفاشية الدينية، فإذا دافع المضروب عن نفسه رأيتُه صائحا غاضبا تنديدا واستنكارا لعنف الفاشية الدينية.. لم أتحمل –وأحسبني واسع الصدر- فكانت المقاطعة و"البلوك"..
وهذا أحمد سمير.. الإخواني السابق صار يقول الآن "ستقيمون الخلافة عندما تقرر رشا عزب التوقف عن ضرب شبابكم الذين يحاولون فض الاعتصامات"..
هذه الجملة المكثفة المعاني قد يستغرق الرد عليها مقالا كاملا، أولها سخرية بالخلافة، وأوسطها دعم لاعتداء رشا عزب، وآخرها كذب.. فهو يرى أن الذين اقتحموا مكتب الوزير واحتلوه حتى الآن "مجرد معتصمين سلميين.. يا متوحشين!"
اللحظة الآن لا ينفع فيها تفنيد الوقائع ولا تصحيح الروايات، قد صار لكل طرف روايته لكل ما حدث منذ بدأ الاشتباك حتى الآن، كل طرف يرمي الآخر بالكذب ويثبت روايته بتصريحات ومقاطع فيديو وعناوين صحف، والقوم بين من يرى الإعلام سافلا وبين من يراه ثوريا نزيها!!
عند كل طرف صورته الواضحة، النقية، لدى كل طرف الحقيقة المطلقة النهائية.. وهم يتواعدون للقتال، يوم 30/6!!
والصورة التي عندي واضحة نقية كذلك، ولي على كل كلامهم رد وتفنيد، قد أوافقهم في بعض الأخطاء غير أني لا أراها تستدعي إسقاط النظام، ولو أنها تستدعي فإني أنظر إلى البدائل فلا أرى إلا الفلول أو العسكر (الحقيقة تقول: لقد فشل الثوار في كل موقف ثوري بِنائي حتى لو نجحوا في كل موقف احتجاجي، فآلت الأمور وانتهى الحصاد إلى الأقوى: العسكر والإخوان والفلول).. وحين أنتهي إلى هذه النتيجة يكون الاختيار هو الرضا بأقل السوء وهو حكم الإخوان!
إن الثائر الذي لا يرى عكاشة بجانبه، ولا شفيقا يظلله، ولا الزند يباركه، ولا شرطة العادلي تدعمه.. هو –ثائر- لا يرى!
وليست المأساة فحسب في أنه لا يرى بل في أنه فخور بذلك، يقول: "تسألون عن خطتنا يوم 30 يونيو.. لا توجد خطة.. فأنتم مبدؤكم قوتنا في تنظيمنا.. حسنا.. واجهوا من مبدؤهم قوتنا في عدم تنظيمنا.
نحن لا نهزم فليس لنا أصلا تنظيم يهزم ..نحن لا نخسر فليس لنا كيان يخسر..
خطتنا أن تفشل خطتكم .. ودورنا أن نتظاهر.. يستجيب النظام بعد يوم أو بعد سنة أو لا يستجيب.. من قال لكم إننا نهتم.
سنظل خنجرا فى مؤخرتكم.. فاجلسوا طويلا على كرسي الحكم إن أردتم"
أرأيت إلى الأدب والأسلوب الجميل كيف يُزيِّن العمى؟! كيف يجعل الغاضب من إزهاق الأرواح لسبب يبرر إزهاقها بلا سبب وبلا نتيجة؟!
أرأيت كيف يكون اللا شيء واللا هدف واللا خطة شيئا وهدفا وخطة تُبذل له الأرواح؟!!
يا لهناء الفلول والعسكر والخارج بهذا، ذلك شباب نقي صادق، لكنه يضع نفسه في خدمة من يستفزه ويُسخنه، لا هو يريد الغرق في التفكير والتقدير ولا هو يجيد النظر في المآلات والعواقب!
أما بالنسبة لي فالأمر يشبه الحرب! لا بل حقيقة الأمر أنها حرب!
لئن كان يزعجك لفظ الحرب فلا بأس، دعني أقل لك: الأمر ثورة!
أنا الذي لم آمن يوما من اقتحام بيتي ليلا، وترويع أهلي، لم أنم هانئا إلا في أيام الثورة!
وأنا الذي لم آمن أن أُوخذ من الطريق لأجل لحيتي أو لأن شكلي لم يعجب الضابط الذي كان يحميه قانون الطوارئ! فلم أشعر بأمن إلا منذ أيام الثورة!
وأنا الذي كنت بعد كل مقال أتوقع زيارتي لهم أو زيارتهم لي، فصرت أكتب بدرجة أفضل منذ أيام الثورة!
وصحيحٌ أنه اقْتُحِم بيتي بعد الثورة وسُرق جهازي، لكن ذلك تم سرقة وخلسة حين لم أكن موجودا، ولو أنها لم تكن ثورة لكنت أنا وأهلي وبيتي ملك أيديهم مستباح الجسد والعرض والمال والأهل!
وأنا الذي طالما حلمت بحرية الناس، أن يقولوا ما يريدون ويفعلون ما يريدون، ورأيت يوما كان فيه الضابط يصوِّر انتهاك العرض بالفيديو لينشره بين أصحابه ضاحكا، فالآن أرى أناسا كلما قرصته نملة شتم رئيس الجمهورية، ورأيت أناسا يكتبون شتم الرئيس بأمه على أسوار القصر الرئاسي..
لست أحب ما وصلوا إليه من فجور، ولكن فجورهم هذا أحب إليّ من أيام كان فيها من يُنتهك عرضه يصرخ "أنا آسف يا باشا، أنا آآآآآآآآآآآآسف"، ولم يكن يفكر في خياله أن يشتم حسني مبارك!
وأنا الذي حلمت برئيس يخرج من أواسط الناس، ذاق الفقر والخوف والجوع.. ثم رأيته!
وأنا الذي حلمت برئيس يصلي ويقرأ القرآن ويعرف معاني الدين وتتحرك مشاعره لفلسطين..
إن المكاسب بالنسبة لي عظيمة، أعظم بكثير جدا من تكاليفها، ومن عيوب سوء الإدارة أو البطء في القرارات أو التأخر في التطهير (وقد هاجمت الرئيس والجماعة في كل هذا، وكان كلامي يحتفل به على مواقع العلمانيين والأقباط!).. أو لنقل بعبارة أدق: إن الخسائر التي أتحملها الآن أقل بكثير من خسائر الماضي!
ثم الآن أرى من يتوعدني ويتهددني بالذبح، وبعودة أمن الدولة، بل وبعودة كل النظام القديم!
أرى إعلام النفاق الذي وقف مع مبارك حتى اللحظة الأخيرة وطالبنا بالصبر عليه ولو ستة أشهر أخرى بعدما طالب بحرقنا في الميدان.. أراه يرغي ويزبد ضد مرسي! ويحشد الثورة عليه الآن الآن قبل الغد!!
أرى شرطة مبارك، وقضاء مبارك، ومخابرات مبارك ضد مرسي، تدعمهم بلاد القهر والاستبداد والإسراف: الخليج، ومن ورائهم إسرائيل وأمريكا (والتصريحات –بالفيديو- منشورة على الانترنت لمن أراد)..
أبعد أن أرى كل هذا قد أتوقف أو أتعاطف لأن ثمة ثوريين من الأصدقاء القدامي قرر أن ينزل معهم في معركة ولمطالب يراها تستحق!
أتذكر وقت أن كتب عمرو عزت عن جندي الأمن المركزي الذي سيضربه لحظة المواجهة لكنه قد يتعاطف معه في موقف آخر، كان عمرو حين كتب هذا يبرر لنفسه ضرب أصدقائه من الإخوان في لحظة المواجهة رغم أنه قد يتعاطف معهم إنسانيا في مواقف أخرى..
هو ذات الموقف قطعا، ربما لا أشك في إخلاص فلان وثوريته.. لكن الواقع أنه في معركة إن انتصر فيها فسأُذبح أنا، ربما بيده هو وربما بيد زملاء معسكره من الفلول والعلمانيين.. وهم لم يقصروا في الكشف عن نواياهم!
هي الحرب.. أو هي الثورة.. أو هي ما تشاء!
الخلاصة أني لن أسمح بعودة المجرمين أسيادا ولو كانت قناعاتهم وقفازاتهم أصدقائي القدامى!
إنها صورة أخرى من معركة الحق والباطل:
فمن زاوية أني مسلم أرى أعداء الإسلام جميعهم فيها: الكنيسة والعلمانيون والإلحاديون والإباحيون!
ومن زاوية الثورة أرى أعداء الثورة جميعهم فيها: الكنيسة والشرطة والقضاء والفلول.
ومن زاوية الديمقراطية أرى أعداء الديمقراطية جميعهم فيها: من لم تعجبهم مرة نتيجة انتخابات، ومن لم يخوضوا مرة أي انتخابات، ومن خسروا الانتخابات فأرادوا نسف المسار!
ألم أقل لك: عند كل طرف صورته الواضحة! لذا فهي الحرب!
ولئن كان فيها مخلصون أو مخدوعون، فسيجزيهم الله أعمالهم يوم القيامة، وهو المطلع على القلوب والسرائر!

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 17, 2013 08:06

May 28, 2013

كيف يؤسس حكم الدستورية لأسلمة الجيش المصري


1. لم تدر "عصابة الدستورية" أن منح حق التصويت لأعضاء الجيش والشرطة سيصب في النهاية لصالح الإسلاميين. ذلك أن الجيش والشرطة في مصر لم يتحول إلى جماعة وظيفية منفصلة عن المجتمع (إلا قطاعات محدودة + القيادات) مثلما هو الحال في الممثلين والإعلاميين، أو مثلما هو الحال في جيوش أخرى.
كانت تركيبة مبارك تسمح للقيادات العليا بالمدى الواسع من الفساد والاكتساب منه فيما يظل الجسم الرئيسي للأجهزة مندرج ضمن عموم الشعب، تشمله ذات المعاناة وتشيع فيه ذات الأفكار.
لهذا يمكن للجندي أن يقتل بالأمر النظامي العسكري، لكنه لو منح الفرصة للاختيار الحر فليس اختياره متفقا مع الأمر العسكري بالضرورة، بل ربما على العكس تماما.
وإن تأثير القيادات الكارهة للإسلاميين لن يبلغ في أحسن الأحوال أكثر مما فعله الإعلام بعموم الناس.. وقد فشل الجميع حتى الآن في إسقاط شعبية الإسلاميين، تدل على هذا نتائج الانتخابات التي لم تتغير نتيجتها حتى هذه اللحظة.
(أحب أن أذكركم أن تصويت الشرطيين كان أحد الأسباب التي لجأ إليها دحلان وأبو مازن لضمان اكتساح فتح للانتخابات التشريعية 2006، ثم انتهت الانتخابات إلى اكتساح حمساوي غير متوقع.. وبعد أن فكرت حماس في محمود الزهار وزيرا للداخلية فوجئت بأن اختيار الشرطيين "وكلهم فتحاوية" كان متجها إلى سعيد صيام، فعدلت إلى اختيار سعيد صيام وزيرا للداخلية)
2. المثير للتأمل أن الوحيد الذي فهم هذا -في طائفة المحللين والسياسيين- هو عبد الفتاح السيسي.. (بشكل عام تعجبني العقلية المخابراتية حتى لو كرهت مسارها) ولذا فقد كان الأكثر حسما في أن الجيش المصري لن يُسَيَّس.
لئن أحسنت به الظن فهو رجل يفهم طبيعة المرحلة ويفهم أن دخول السياسة إلى الجيش في هذه اللحظة كفيل بتدميره وبجعله ألعوبة في يد الإعلام -ومن ورائه أجهزة المخابرات- والأحزاب السياسية مما سيضرب تماسك الجيش ككيان محترف منضبط ويغرقه في السيولة الفكرية والسياسية.. أي أن الجيش سيتفكك من تلقاء نفسه إلى حزبيات وأجنحة متصارعة، وستدخل على الخط -تحت عنوان الدعاية الانتخابية- أجهزة المخابرات لتجنيد الجواسيس والتواصل الحر مع القطاعات المختلفة.
[وهذا بالأمر بالمناسبة قد يدخل فيه الخشية من "أسلمة الجيش" فالإسلاميون أقرب المتنافسين السياسيين لقلوب الناس، وخطابهم النابع من الدين هو الأكثر وصولا للقلوب والعقول. بعبارة أخرى: فإن حكم الدستورية هذا –إذا نُفِّذ- قد يكون أول خطوات "أسلمة" الجيش بالفعل! وتحويله إلى جيش عقائدي.. وهكذا تكون عصابة الدستورية كمن صنع كارثته بنفسه، وكذلك الله يضل الظالمين ولا يصلح عمل المفسدين]
ولئن أسأت به الظن فهو رجل يحرص على أن يبقى الوحيد الذي يمتلك كيانا عسكريا مسلحا منضبطا غير مخترق ولا سبيل إلى اختراقه، ليكون هو الرجل الأقوى الأوحد في مصر.. فكلهم يستجديه ويرجو رضاه وهو يلاعب الجميع ويبقى الأقوى.. أي هو حريص على نقل الجيش لأن يكون جماعة وظيفية (على النحو الباكستاني).
(الجماعة الوظيفية، بحسب تعريف الدكتور عبد الوهاب المسيري، هي: جماعة يستوردها المجتمع من خارجه أو يجنِّدها من داخله، تُعرَّف في ضوء وظيفتها، لا في ضوء إنسانيتها الكاملة، ويَكِل المجتمع إليها وظائفَ لا يضطلع بها عادةً أعضاءُ المجتمع، إما لأنها مُشينة، أو متميِّزة وتتطلب خبرة خاصة، أو أمنية وعسكرية، أو لأنها تتطلب الحياد الكامل (أي: بلا مشاعر، غير إنساني). ويتسم أعضاء الجماعة الوظيفية بالحياد، وبأن علاقتهم بالمجتمع علاقة نفعية تعاقدية، وهم عادةً عناصرُ حركية لا ارتباطَ لها ولا انتماء، تعيش في حالة اغتراب عن المجتمع، وأعضاء الجماعة الوظيفية عادةً من حَمَلة الفكر العلماني الشامل)
لن نفهم السيسي -على وجه اليقين- إلا بعد سنوات، حيث يتضح المسار العام.. أما الآن، فكل تصرف قد يُحمل على وجه من الوجوه.
3. لكن ما الموقف المجرد من حق الشرطة والعسكر في التصويت؟
إن القدر القليل الذي أعرفه من الفقه والتاريخ يقول بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) استشار الجميع، حتى من أسلم حديثا، وأن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وهو يرتب اختيار الخليفة الثالث استشار كل الناس حتى الصبيان والعبيد والموالي غير العرب في المدينة، وكل من مرّ بالمدينة.. ولا أعرف أن طائفة استثنيت من الاستشارة أو الاختيار في عهد النبي والخلافة الراشدة.
فلا وجه -فيما أعلم وأحسب- لاستثناء العسكريين من التصويت لاختيار الرئيس أو ممثليهم في المجالس النيابية.
4. إذن لماذا غضب الناس من حكم الدستورية؟
أولا: لأن الشعور العام فهم -عن حق- أنها محاولة فلولية من أحذية مبارك القضائية لوضع كل ما يمكن من عراقيل أمام أغلبية إسلامية في الانتخابات القادمة.. والشعور العام يفهم أن الجيش والشرطة أميل إلى الفلول ومبارك من الإسلاميين (وهو الشعور الذي لا يمكن الحكم على صحته أو دقته كما في النقطة رقم 1)
ثانيا: لأننا قريبو عهد بحكم العسكر، والوطن بحاجة للتعافي من التدخل العسكري في الشأن السياسي.
ثالثا: لأنها بدعة جديدة، وكل جديد مثير للمخاوف خصوصا إن صدر عن مجرمين معروفة ميولهم وتوجهاتهم، أو نبت في وقت مضطرب كالمرحلة الانتقالية الحالية.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 28, 2013 19:19

May 17, 2013

حازم أبو إسماعيل.. فَصْلٌ في التجرد



ليشهد الناس أن الشيخ حازم أبو إسماعيل كان أبعد الناس -في كل الفترة الماضية- عن محاولة صناعة مجد شخصي له، وأنه كان الحاضر في المغرم والمتعفف المبتعد عند المغنم، وأن السهام التي أصابته قد أصابته من الجميع حتى من يُتَّهَم بأنه منهم ويعمل لمصلحتهم، وأن بعض ما نزل به جاءه من مأمنه.. وهذه بعض مشاهد مما يعرفها الجميع، ثم تبقى المشاهد الكبرى إلى حين يأتي وقتها لتكتب في صفحة التاريخ.
1. كان الشيخ حازم من الوجوه الرئيسية في ميدان التحرير ومنذ اليوم الأول، لكنه عزف عن الظهور الإعلامي قبل وبعد تنحي المخلوع حتى أن أغلب أنصاره وتابعيه الذين تعرفوا عليه فيما بعد اكتشفوا أنه ذلك الذي كان يخطب على منصة التحرير ولم يكونوا يعرفون اسمه.
2. ولم يظهر الشيخ حازم إعلاميا ولم يخرج على الساحة إلا حين فشلت كل مساعيه في إقناع الكيانات الإسلامية بالترشح للرئاسة التي أصرت في ذلك الوقت على أن الإسلاميين لا يصلحون لهذه المرحلة، وكانوا يبحثون عن "الرئيس التوافقي"!
3. وحين كانت كل الكيانات (إسلامية وغير إسلامية) تلين مع المجلس العسكري كان الشيخ حازم هو الوحيد الذي كشف تلاعبهم بالثورة ومحاولات ترويضهم للشعب وقال كلمته المشهورة التي ارتاع لها الجميع "هؤلاء ذئاب وثعالب"، ورغم علمه أن أحدا لن يدعمه في موقف كهذا إلا أنه نطق به، وأثبتت الأيام صحة رؤيته.
4. وحين خفت صوت الثورة، وظهر التراخي في تسليم السلطة، خرج الشيخ حازم وحيدا في جمعة 28 أكتوبر ثم في 18 نوفمبر لتكون جمعة "المطلب الوحيد.. تسليم السلطة"، وهي الجمعة التي تلتها أحداث محمد محمود والتي لم ينزل فيها من الإسلاميين إلا الشيخ حازم وأنصاره، وبه وبأنصاره فشلت فكرة المجلس الرئاسي المدني وأُجْبِر المجلس العسكري على تحديد موعد الانتخابات الرئاسية (بعد أن توافقت كل الأحزاب -إسلامية وغير إسلامية- على تأجيلها إلى منتصف 2013 بحد أدنى وكتابة الدستور تحت حكم العسكر).. وبهاتين الجمعتين وأحداث محمد محمود عاد صوت الثورة عاليا بعدما ظن الجميع أنه إلى زوال.
5. هذا الرجل الذي وضع جهوده لاستكمال مسار الثورة والحفاظ على المسار السياسي الذي اختاره الشعب لم يحاول أن يصنع لنفسه حزبا أو أن يدخل في تحالف في الانتخابات البرلمانية، وفضَّل أن يقف وراء الكيانات الإسلامية القائمة وأن يدعمها بكل قوته، وقد كان، ثم تعهدها بالنصيحة التي كان أهمها وأشهرها: سرعة إصدار قانون السلطة القضائية، لكن الجميع كان يراه مندفعا وكان يحسب أن الأمر ليس بهذه الخطورة حتى أثبتت الأيام من الذي كان على بصيرة.
6. لقد كان وجود الشيخ حازم وأنصاره في المواطن الثورية مما رفع عن الإسلاميين أخطاء الكيانات الإسلامية التي شملها الخوف والحذر والحرص حتى ابتعدت بنفسها عن كل موطن شرف خشية أن يكون فخا منصوبا، لقد كان وجوده مما عصم شباب الإسلاميين من فتنة هائلة في مشايخهم ورموزهم، وهي فتنة الله أعلم كيف كان سيكون اتساعها إذا خلت الصورة من إسلامي ثائر في لحظة ثورية!!
7. ونجحت تجربة الشيخ حازم في الرئاسة كما لم يتوقع أحد، لا الكيانات الإسلامية ولا غيرها، وكانت حملته هي الأضخم على الإطلاق، وحقق الشيخ في كل استطلاعات الرأي المركز الأول وبفارق كبير عمن بعده.. وهي التجربة التي لم يدعمه فيها أحد من الكيانات الإسلامية بل إنهم حاربوها لكثرة ما اجتذبت من شبابهم.
8. بل لقد تحرك كيان إسلامي ليضغط على آخر ليرشح مرشحا للرئاسة (من بعد ما رضي الجميع بعدم صلاحية الإسلامي للرئاسة، ومن بعد ما فشلوا في إيجاد الرئيس التوافقي) واستجاب الآخرون (رغم إصرارهم السابق على عدم الترشح للرئاسة)، ولم يتكلم الشيخ حازم في حق أحدهم بسوء رغم أن هذا مما يضر به على مستوى الحملة الانتخابية بشدة.
9. ثم أخرج الفاسدون تمثيلية "جنسية والدة الشيخ حازم"، وهي المؤامرة التي ما كان لها أن تنجح لولا سكوت -بل ومشاركة- بعض الكيانات الإسلامية في بعض فصولها -وهذه أمور قد نكشفها فيما بعد- لم يجد الشيخ دعما منهم، رغم أنه الذي مهد الطريق لفكرة المرشح الإسلامي. وظهرت أول مفسدة لعدم صدور قانون السلطة القضائية، فبذلك استبعد أقوى المرشحين الإسلاميين وبقي في المنافسة رجال النظام القديم، في إعلان صريح بأن ما فشل فيه مبارك والعسكر نجح فيه القضاة الفاسدون.
10. وحين حصل الشيخ حازم على حكم قضائي بأحقيته في خوض انتخابات الرئاسة ولم ينفذ، أوشك حكم آخر أن يصدر بوقف انتخابات الرئاسة (وهو الشق المستعجل من الدعوى) لكن الشيخ سارع بالتنازل عن الشق المستعجل لكي لا تقف انتخابات الرئاسة ولكي ينتقل الحكم إلى السلطة المنتخبة بأسرع وقت.. وهذا وحده موقف عظيم في التجرد وتقديم المصلحة العامة.
11. ودعم الشيخ حازم من تبقى من المرشحين الإسلاميين بكل ما يملك، وكان أنصاره من أقوى الفاعلين ضد مرشح النظام السابق ودعما وتأييدا للمرشح الإسلامي الباقي الذي صار بعدئذ رئيسا للجمهورية!
12. واعتصم الشيخ حازم في الميدان اعتراضا على الإعلان الدستوري الذي أصدره العسكر قبيل أيام من تسليم السلطة، وظل معتصما هو وأنصاره أكثر من شهر، حتى صاروا وحدهم بل لقد انصرف مؤيدوا الرئيس أنفسهم، فلا استأذنه أحدهم ولا شاوره أحدهم، رغم أنه لا يدافع عن مصلحته الشخصية.
13. ورغم أن الشيخ حازم لم يحصل على منصب بل ولا على شكر إلا أنه كان حاضرا في كل موطن دعما للسلطة المدنية المنتخبة ضد النظام القديم، فكان من أوائل الواقفين على باب دار القضاء العالي مؤيدا للإعلان الدستوري الذي يعزل النائب العام ويحصن مجلس الشورى والجمعية التأسيسية.. ثم كانت وقفته الكبرى أمام مدينة الإنتاج الإعلامي والتي غيرت ميزان القوى في تلك اللحظة الحرجة بما أفشل مخطط الفاسدين وأنقذ سلطة رئيس الجمهورية!
14. ورغم التجارب المتعددة والمواقف المتكررة إلا أن الكيانات الإسلامية لم تغير منهجها الذي ينقل الإسلاميين من هوان إلى هوان ومن نزول إلى نزول، فساعتها ومع فشل كل النصائح والرسائل فكر الشيخ حازم في تكوين حزب ليؤسس للكيان الإسلامي الثوري البصير بالواقع ليترجم فكرته ومنهجه إلى عمل منظم واسع.
15. أيا كان موقفك أيها القارئ، إسلامي أو غير إسلامي، وأيا كان اتفاقك أو اختلافك مع كل ما سبق، فأحسب أنك لن تجادل في أن كل ما فعله حازم أبو إسماعيل لم يعد عليه بفائدة شخصية، بل كان خدمة لمبادئه ومنهجه ومواقفه حتى لو اختلفت معها.
في النهاية، فإن هذه مجرد فصول، وهي معروفة للجميع، ولم نكشف عن بعض ما في الكواليس من أحداث.. وهي فصول في التجرد للمبدأ وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
ولهذا يظل الشيخ حازم نموذجا فريدا في مصر، بل نحن نسأل: دلونا على رجل كانت له مثل هذه المواقف التي إن نجحت عاد النفع على غيره وإن فشلت فإن بعضها كان سيدفع الثمن فيها وحده.
3 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 17, 2013 19:56

May 14, 2013

إن السيسي لا تؤمن عليه الفتنة



قال علماؤنا "إذا كنت مقتديا فاقتد بمن مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة"، وكان الصحابة -وهم خير الأمة قاطبة- أشد الناس خوفا على إيمانهم وتحريا له وحرصا على ألا يقعوا في الفتنة، بل كان سيدنا عمر -وهو المبشر بالجنة- يصر على سؤال حذيفة بن اليمان "هل سماني رسول الله في المنافقين"، فيقول حذيفة "لا، ولا أزكي بعدك أحدا".
لقد صار المشهد الإسلامي مثيرا لكل أنواع الحزن، فهذا الصف الواحد الذي أحبط مخطط اقتحام قصر الرئاسة نجحت معه الخطط الأمنية المخابراتية والدولية، وصار بأسهم بينهم شديدا!
(ملحوظة: هذه الخطط التي تنجح هي هي الخطط التي تدبر منذ نصف قرن على الأقل.. وهي دائما تنجح! ولا تسل عن لؤم العدو بل سل عن سذاجة المخدوع)
الإسلاميون ليس لديهم خط أحمر:
إذ يمكن اعتقال واقتحام وتعذيب وتصفية التيار الجهادي دون أن يهتم الإخوان أو السلفيون.. حدث هذا في سيناء، وبدأت بعض بوادره تنتشر في الأنحاء.
* فدماء المسلمين -المخالفين- ليست خطا أحمر
ويمكن تنفيذ انقلاب عسكري على سلطة الإخوان دون أن يهتز السلفيون، بل تحت عنوان "حقن الدماء" سيقبلون بما هو مطروح طالما كان مغلفا بالأمان لهم.
* فإرادة الأمة واختيارها ليس خطا أحمر
ثم يأتي دور السلفيين، فإن لم يتحولوا إلى مداخلة فلربما يكفي أن يتحولوا إلى الساكتين عن الحق بدعوى العجز! وحينها لن يبقى أحد ليدافع عنهم.. فكل شيطنة الإسلاميين في المراحل السابقة ستوفر البحث عن فرص وذريعة، ويكفي أنك صاحب لحية لتكون إرهابيا يجوز أن يُفعل بك ما يُفعل.
باختفاء الخط الأحمر الذي يتفق عليه الإسلاميون يكونون قد أباحوا أنفسهم حتى النهاية لعدوهم!
والأمر لا يتوقف هنا، بل إن فرقا منهم تسارع في أعدائهم، يخشون أن تصيبهم دائرة! وهم -بالتالي- قد يكونون أدوات الذبح لرفاقهم، وقد أثبتت الأيام أن جلسة أو جلسات مع عسكري أو مخابراتي تستعمل فيها أساليب التأثير النفسي المحفوظة تجعل الأمر سهلا ميسورا، وتجعل المستحيل ممكنا مبذولا!
لكن ما علاقة هذا بالسيسي؟!
السيسي من رجال زمن مبارك، شيء لا يبعث على الطمأنينة بداية، يجب أن تراقب فعله بحذر وتوجس.. فلاشك أن منصب مدير المخابرات الحربية كان أهم لدى مبارك من منصب مدير جهاز أمن الدولة أو وزير الداخلية أو رئيس المحكمة الدستورية أو حتى رئيس نادي القضاة!
ما شعورك إذا كان الحاكم الحقيقي للبلد الآن وبعد الثورة هو: حسن عبد الرحمن -مدير جهاز أمن الدولة- أو أحمد الزند أو تهاني الجبالي؟!
إذا كنت تشعر بالقلق، فيجب أن تشعر بالفزع وأنت ترى مدير المخابرات الحربية لعهد مبارك في موقع الحاكم الحقيقي لمصر ما بعد الثورة.
(ملحوظة: إذا كنت مؤمنا بقدسية الجيش وشموخ القضاء وحصانة الأزهر، وأن هذه المؤسسات نقية طاهرة وطنية.. فمن الأفضل ألا تكمل قراءة هذا المقال حرصا على مشاعرك)
إذا شعرت بالفزع ودفعك هذا الفزع لمراقبة الأحوال بحذر، فأنت قد وصلت لنقطة مهمة.. قابلني بعد فقرتين في هذا المقال.
أما إذا لم تشعر وفضلت أن تقدم حسن الظن وأن تتخيل أن مرسي بعد أيام استطاع تحويل ولاء رئيس المخابرات الحربية وأنه فعلا أنهى حكم العسكر وأن السيسي لا يمكن أن ينقلب على مرسي وأن تصريحاته تعبر عن نية صادقة أكيدة باحترامه للشرعية وولائه لإرادة الأمة.. إذا فضلت أن تعتمد هذه الرؤية فدعني أوافقك وأتبنى رأيك ولكن..
دعنا نتذكر أقوال علمائنا بأن البشر لا تؤمن عليه الفتنة، وأنه لا تكتمل سيرة المرء إلا بالموت، وأن الله أدرى بالخواتيم، وأن الإنسان قد يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار حتى يدخلها.. وأن المرء قد يكون شريفا حتى إذا تكاثرت عليه الضغوط استجاب، وأن أقواما -منهم شيوخ وفضلاء وعلماء- بدأوا حياتهم أتقياء أنقياء ثم انتهوا إلى أسوأ نهاية.. يمكنك أن تنظر إلى وجه محمد أبو حامد لتدرك كيف يكون حجم التحول!.. ثم أنت أنت، أنت نفسك، أنت بنفسك لا تضمن نفسك ولا درجة خضوعها للإغراءات والمثيرات ووسائل الترغيب والترهيب، أنت نفسك يجب أن تفزع وأن تقلق من نفسك ومن خاتمتك.. وليس ثمة أحد يستطيع أن يضمن لنفسه موتا على الإسلام، ونعوذ بالله من سوء الخواتيم.
فلو كان السيد وزير الدفاع الفريق أول القائد العام للقوات المسلحة (يمكن إضافة أي ألقاب تعظيمية.. لا بأس لدي) هو خير الرجال وأتقاهم وأنقاهم على ظهر هذه البسيطة فإنه يظل في النهاية بشرا، بشرا لا تؤمن عليه الفتنة!
ما هي النتيجة التي تؤدي إليها هذه المعادلة: شيطنة الرئيس الضعيف + تقديس وزير الدفاع القوي؟!
ما هي النتيجة التي تسوق إليها كل القنوات والصحف (بما فيها الحكومية) حين تتغنى بوطنية الجيش وقائده، وتغني على الرئيس وجماعته؟!
كل ما في البلاد يفيض بالاستغاثة بالجيش لينزل ويحكم وينقذ ويصحح ويصوب ويتدخل في المسار السياسي!
والسيسي -من ناحيته- يتعرض لهم تعرض القاصد العامد بكثرة الاحتفالات والاتصالات السياسية والظهور الإعلامي، ثم يتمنع تمنع الراغب، ثم يغريهم بكثرة الاستثناءات (لن ننزل إلا إذا...) وقلة الاكتراث بمقام رئيس الجمهورية.
(ملحوظة: جلس أول أمس أحمد عبد الحليم -وهو خبير عسكري استراتيجي ممن تعرف بهم حجم نكبتنا العقلية والعسكرية والاستراتيجية- مع حسن نافعة -وهو أستاذ علوم سياسية ممن تعرف بهم حجم نكبتنا في عقول الأكاديميين والنخبة- في ضيافة عماد الدين -إعلامي فلولي تعرف به حجم نكبتنا في تشكيل وعي الناس- وكلهم يدندن حول تدخل الجيش إلى الحد الذي قال فيه أحمد عبد الحليم صراحة: إذا "توفى" مرسي أو حدث له أي شيء فيجب على الجيش أن يتدخل ويدير ويبدأ بالدستور من جديد لا بالانتخابات.. ولا معنى لهذا الكلام إلا تحريض مباشر على اغتيال مرسي، سواء برصاصة أو بسمّ تبدو معه الوفاة طبيعية!!!!)
بل دعنا ننسى كل هذا الواقع المعلن ونكن من المغفلين ونتخيل أنهم سيتركون مرسي يكمل مدته، ليسقط عن السلطة بالانتخابات النزيهة -أو المزورة بنعومة- ليصعد آخر سيتفق عليه ويخدمه الإعلام ويبلعه الشعب المسكين المخدوع!
دعنا نتخيل هذا.. ونسأل أنفسنا: ما مصير هذه الثورة؟
دعك من مرسي ومن الإخوان ومن كل الفصائل التي تكرهها، وسل نفسك: ما هو مصير الثورة إذا كانت الفصائل ستكون أحذية في قدم العسكر، كلهم ينافقونها وهي تلاعبهم كلهم، قد قدسوها جميعا ثم لطخوا أنفسهم جميعا، فما بقي في الوجدان العام شيء مقدس نزيه شريف قوي إلا العسكر.. ما هو مصير الثورة إذن؟!!
ما هو شعور الثوري الذي هتف يسقط حكم العسكر ثم كان من الغباء بحيث استعملته الدوائر الكبرى في أن يهتف هو ذاته أهلا حكم العسكر؟!
حتى لو كان السيسي أنقى الناس وأطهرهم، لكنه يظل بشرا لا يؤمن تغيره!
وفرحة الفصائل التي فرحت بقوله "لن نتدخل في السياسة" مثل حزن الفصائل بهذا القول.. كلاهما يُسلّم له أنه الحاكم بأمره ولا كأن ثورة قامت ولا كأن الناس اختارت رئيسا!
ترى لو صرح وزير الدفاع الأمريكي أو الفرنسي أو الإنجليزي بمثل هذا التصريح، ترى ماذا تكون ردة فعل شعوبهم؟!!!
1 like ·   •  1 comment  •  flag
Share on Twitter
Published on May 14, 2013 20:48

April 26, 2013

فراغ القيادة الحركية من التجربة التاريخية


قبل سنوات رصدت أني أقع في مأزق واحد أكثر من مرة، وانتهى الأمر بعد التفتيش إلى نتيجة أن هذه المآزق هي التجارب التي لم أقيمها سابقا، أو قيمتها ولكني لم أنفذ توصيات هذا التقييم، فعاد ذات المأزق، ولُدِغت من ذات الجحر، ووقعت في الحفرة الواحدة مرتين أو أكثر.. وياله من عار!
هكذا يجري الأمر مع أي فشل: والسعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه، وهناك نوع ثالث وهو من ينجيه الله من مأزق فلا يتعظ حتى بنفسه ويكرر المأساة حتى تأتيه القاصمة.
هل تدري أن مسار ثورة يناير كان سائرا في مسار انقلاب يوليو تماما، وأن الإخوان كانوا سائرين إلى المذبحة كما ساروا إليها تماما قبل نصف قرن (وبعض من لُدِغوا من يوليو ما زالوا أحياء يرزقون وفي مواقع صناعة القرار)، لولا أن كُسِر هذا المسار بعدد من العوامل أهمها: الشباب الثوري، الشباب الإسلامي المتحرر من قيود الجماعات والقارئ للتجربة التاريخية، وتجمع هؤلاء تحت رجل يقظ أستاذ كالشيخ حازم أبو إسماعيل، وبعض عوامل خارجية ودولية أخرى.
عبر التفتيش في أسباب هذه المسيرة الإخوانية وصلت إلى نتيجة أن الإخوان أنفسهم لم يقرأوا تاريخهم، وأن ما كتبوه من تاريخ كان مناقبيا فضائليا مهتما بإبراز الحسنات ودس السيئات وطمس التجارب، وأفضل ما كتب في تاريخ الإخوان تفصيلا للتجربة وتركيزا على دروسها كان من أناس لم يعودوا من الإخوان.
(أوصي بقراءة: التصويب الأمين لمحمود الصباغ، والنقط فوق الحروف لأحمد عادل كمال على وجه الخصوص)
تلك هي فائدة التاريخ المسطورة في العبارة المشهورة "من وعى التاريخ في صدره أضاف أعمارا إلى عمره"
ومن المؤسف أن القراءة التاريخية الإسلامية ما زالت في طور الولادة، وجنينها حتى الآن مهيض ضعيف وأحب أن أقول إنه مشوه أيضا، ولا بد من علاجات جراحية قاسية ليستعيد الأمل في الحياة.
ثمة "دعاة" يستخدمون التاريخ في نصرة أفكارهم لا في استخلاص الدروس منه لتصحيح أفكارهم، وهو يشبه قول القائل "يعتقد ثم يستدل"، ومع أن "الدعاة بالتاريخ من الإخوان" أنتجوا مولودا شائها إلا أن "الدعاة بالتاريخ من السلفيين" أنتجوا سقطا ميتا ويظنونه تاريخا.
وهنا، ولغرض التوضيح فقط، مع الاحتفاظ لكل هؤلاء بالإجلال والتقدير في شخوصهم، وحفظ السابقة في علمهم وجهادهم، أراني مضطرا لضرب بعض الأمثلة بالأسماء:
د. علي الصلابي، د. راغب السرجاني: يبحثان في كل تجربة نهضة عن فترة التربية والتكوين (وكثيرا ما يتكلفونها تكلفا شديدا، ويقعون لأجل هذا في أخطاء تضرب نزاهة البحث العلمي) لأن الفكرة المستقرة في وجدانهم هو: ضرورة التربية وضرورة وجود فترة التكوين قبل كل تجربة نصر، وهذا ليس صحيحا، والمقام لا يتسع لضرب أمثلة تفصيلية.. لكن يمكن النظر إلى قمة هذا المنهج في كتاب مثل "هكذا ظهر جيل صلاح الدين، وهكذا تحررت القدس" للدكتور ماجد عرسان الكيلاني الذي سخر كل فترة ما قبل تحرير القدس ليقول -وبغير الحد الأدنى من التماسك العلمي- بأنها فترة التربية والتكوين لجيل النصر والتمكين.
وفي السلفيين نذكر مثالين أيضا: الشيخ سيد حسين العفاني وكتابه "أعلام وأقزام في ميزان الإسلام"، والشيخ سليمان صالح الخراشي في عدد من كتبه، وأضف إليها ما كتبه السلفيون عن جمال الدين الأفغاني وعن الدولة العثمانية، ففي هذه المصادر يُروى التاريخ على قاعدة "الولاء والبراء"، والولاء هنا ليس لأمة الإسلام، بل هو للمذهب الضيق، مذهب أهل الحديث في العقيدة، والاختيارات الفقهية السلفية، وبهذا الميزان يطيش كل خير قام به آخرون، ولأن هذا الميزان كثيرا ما يكون شخصيا، ويكون للكاتب اختيار داخل المذهب، فهو يوالي ويعادي تبعا لهذا القول..
لذا فإنك تجد كتاب "أعلام وأقزام" للشيخ حسين العفاني بلا أعلام بل كلهم أقزام رغم أن الفهرس مليئ بأسماء أعلام المسلمين (أنصف الشيخ بعضهم أحيانا نادرة بألفاظ عابرة).. كما تجد سلسلة "في الميزان" لسليمان الخراشي بلا إنصاف بل هو تتبع للزلات والسقطات، وأحيانا لا تكون زلات إلا على ميزانه هو.
وبحسب الأخلاق الشخصية للكاتب تكون درجة أمانته، وإن مما يُمدح به الإخوان بشكل عام هو ارتفاع أخلاقهم، وهم أبعد أبناء التيار الإسلامي عن التزوير والتدليس، وهو أمر ينبغي أن تهتم له الحركة الدعوية السلفية فإن ظلم المخالف ورمي نيته مما يشيع في بعض شبابهم (وهنا ألفت النظر لكتاب اسمه: دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام، إذ يعد هذا الكتاب نموذجا للتزوير العلمي مع الانهيار الأخلاقي، ولولا الميول المذهبية لمن أشرف عليه وناقشه لما استحق الإجازة في أي جامعة أو معهد علمي يحترم نفسه)
انتهى ضرب الأمثلة، مع إعادة التأكيد على أن الغرض ليس طعنا في أشخاص ولا رميهم بما يشين.. والغرض الآن هو توضيح الآتي:
أن انتفاء القراءة التاريخية المعمقة للتجارب يوكل الحركة الإسلامية لعقول قادتها، عقولهم الفارغة من التجارب التاريخية أيضا، فتكون النتيجة هي سهولة التلاعب بهم من قبل عدو لا يتحرك إلا بعد توصيات مراكز بحثية تستخلص التجارب السابقة وتوصيات مراكز نفسية تستخلص طرائق التعامل مع أمثالهم.. فتسير الحركة الإسلامية بكل الإخلاص والحرقة إلى الهاوية وهي تظن أنها سائرة إلى المجد
(هنا أوصي بقراءة كتاب: مختصر شهادتي على التجربة الجهادية في الجزائر، لأبي مصعب السوري.. إذ كتب كيف تمكنت أجهزة الاستخبارات من اختراق الجماعة الإسلامية المسلحة، فاستطاعت إدارة المعركة بدعم كامل من الإسلاميين المُسْتَغفَلين، حتى وصلوا إلى الهاوية بأنفسهم، بكامل سرعتهم وإخلاصهم)
وأسوأ من اختفاء التجربة التاريخية الرصينة من عقول قادة الحركات الإسلامية هو أن يمتلئ هذا الفراغ من خلال الإعلام -وغالبه خصوم وأعداء- أو من خلال "المفكرين والفلاسفة" ممن تنقصهم المرجعية الشرعية وتملؤهم الألفاظ الفلسفية الفخمة
(جلست مرة مع "خبير" منهم وكان غاضبا من فشل مرسي ويقترح أن يستعمل أعداءه، فيعين البرادعي مبعوثا دوليا، وحمدين وزير شؤون اجتماعية، وعمرو موسى دبلوماسيا كبيرا.. وصعقني الرجل، أين هو من آية "لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا"، وكيف بلغ التسطيح أن يرى المشكلة في المناصب لا في التوجهات الكبرى)
إن خلاصات العقول بدون تجربة تاريخية تشبه إعادة اختراع العجلة، حيث يتم تجريب كل شيء للمرة الأولى مع ذات الاعتقاد بأنها ستنجح!!!
ومن أمثلة هذا:
1. اعتقاد الرئيس مرسي أن الحاكم يمكن أن ينجح بلا هيبة في القلوب، وأن تركه لعرضه مستباحا هو نوع من السماحة واللين واللطف والرحمة..
- ورغم أننا لا نعرف مستباحا استطاع أن يحكم وأن يُنجِز وأن يؤسس فصلا جديدا في مسيرة الدول..
- ورغم أننا نقرأ في التاريخ كلاما عن ضرورة الهيبة للحاكم لا سيما إن كان في بداية فصل جديد ويريد تأسيس دولة جديدة..
رغم هذا فإن الرئيس مرسي لا يستوعب هذا الكلام ويصر على أنه سينجح بلا هيبة!
2. اعتقاد الرئيس مرسي، ومن ورائه الإخوان، أن النجاح الاقتصادي سيكفي وحده لصد عاديات المؤامرات الفلولية والحملات الإعلامية في تقريبه من الناس..
- ورغم أن أحدا من الناس لم يكن يحمي الإخوان أو غيرهم من الإسلاميين أيام مبارك رغم خدماتهم الاجتماعية الوافرة، وغاية ما يقدمونه هو مصمصة الشفاه والتعاطف وشتم النظام في السر..
- ورغم أن الناس تعاطفوا مع من أذلهم ثلاثين سنة -بحملة إعلامية وخطاب عاطفي- في لحظة فارقة.. بل خرجوا يهتفون بحياة وعودة عبد الناصر بعد واحدة من أسرع وأبشع هزائم التاريخ الحديث
- ورغم أن الوفرة الاقتصادية لم تنفع كثيرا من الحكام في تثبيت عروشهم "أربكان مثالا" مع افتقاده السلطة الحقيقية..
- ورغم أن حملة إعلامية أو حكما قضائيا يستطيع ببساطة تشويه أي إنجاز أو تعويقه..
رغم هذا فإن الرئيس مرسي لا يستوعب شيئا من هذا ويصر على أنه سينجح في التصدي لكل هؤلاء بمزيد من السعي في الاقتصاد.
3. اعتقاد حزب النور بأن من النزاهة والتجرد معارضة الإخوان في الخطأ والوصول بهذه المعارضة إلى النهاية، وأن الخلاف مع الإخوان يساوي الخلاف مع الفصائل العلمانية أو حتى مع غير المسلمين، بل قد يقال بأن الإخوان أخطر من غيرهم لأنهم يفسدون على الناس دينهم بينما غيرهم يفسد على الناس دنياهم، ولقد قال الشيخ أحمد فريد -غفر الله لنا وله- قولا عظيما بأنه لو عاد الزمن فسينتخب شفيقًا للرئاسة بدلا من مرسي!!
- ورغم أن العلمانيين لو فازوا لن يتركوا لأحد دينا ولا دنيا..
- ورغم أننا في مصر لم نر أبشع ما في العلمانيين للطف الله بنا، فإن علمانية بورقيبة وبن علي منعت على الناس شعائر دينية من صميم أحوالهم الشخصية..
- ورغم أن الفرصة المتاحة الآن ليس فيها أفضل من الإخوان ولو من قبيل حرية الدعوة والتقاء الناس في المساجد وغيرها..
رغم كل هذا إلا أن حزب النور سائر في طريقه، تفسح له الفضائيات شاشاتها، والصحافة صفحاتها، فإذا انتهى الدور المرسوم عاد الجميع دجاجا في قفص الجزار.
لقد استعمل عسكر الجزائر: الإخوان والسلفيين والسروريين ضد الجهاديين، فلما أن قضوا عليهم لم يفز أحد من هؤلاء بل ظلت العسكرية العلمانية تسيطر على كل هؤلاء الإسلاميين، فمن شاءت استعملته تحت عينها وجناحها ومن لم تشأ ألحقته بمن قضت عليهم بأيديهم..
ولكن كم في قيادات حزب النور من قرأ تجربة الجزائر؟!!!!
4 likes ·   •  2 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 26, 2013 17:34

April 12, 2013

ردّ أذى المجرمين عن صلاح الدين





قال الشاعر:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي .. فلا زال غضبانا عليّ لئامُها
والسلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي يحبه المسلمون -لا سيما المجاهدون- كما يحبه كل إنسان عرف معنى الأخلاق الرفيعة، فيما يكرهه الصليبيون إذ طردهم من بيت المقدس بعد تسعين سنة وقد ظنوا أنهم سيخلدون فيه، والشيعة الذين أنهى دولتهم بعد قرنين وقد ظنوها تمتد إلى يوم القيامة، والباطنية الذين كانوا طوال عمرهم سيفا في يد أعداء الدين وبابا إلى الكفر بالله وتحريف آياته..
فلئن رأيت هجوما على صلاح الدين فإنه موصول بأحد هذه الثلاثة: صليبية، شيعية، صوفية باطنية!
ولقد كان هؤلاء الثلاثة من خسة المنزلة بحيث فجروا في الخصومة بما لم يفعله أعداء صلاح الدين في زمنه، ففي ذلك الزمن أسلم كثيرون من الصليبيين لما رأوه من أخلاق صلاح الدين، ومن لم يسلم منهم شهد له بالفضل والسمو والمقام الرفيع، ولقد كان أكثرهم تعصبا من ألف تاريخا يحاول فيه إلصاق صلاح الدين بالمسيحية فيختلق قصة حول أمه المسيحية أو حول اعتناقه المسيحية وهو على فراش الموت، وهي المحاولات التي أثارت سخرية المؤرخين الغربيين أنفسهم! ولكنهم أبصروا فيها مدى ما بلغه سحر صلاح الدين في النفوس.
يقول المثل المصري عن الجاهل المفسد "هبلة ومسكت طبلة"، ولكن مصر هذه الأيام أمسك فيها الطبال لا بطبلة بل بقناة فضائية صاحبها صليبي معروف بعدائه للإسلام وعلاقته بإسرائيل وتهربه من ضرائب بالمليارات.. ومعه في هذا صوفي باطني يردد كلما سئل عن دينه مقالة ابن عربي:
لقد صار قلبي قابلا  كل صورة .. فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف .. وألواح توراة ومصحف قرآن
وإن حالهما يغني عن محاولة الرد عليهما، فالأمر كما قيل:
كم عالم متفضل قد سَبَّه .. من لا يساوي غرزة في نعله
ولكن اتخذناها فرصة للتذكير بمناقب صلاح الدين، وقد آثرنا أن نسكت لندع الحقيقة تتكلم، فنقلنا مناقب صلاح الدين عن مؤرخين غربيين شهدوا بالحق، والحق ما شهدت به الأعداء، ليعلم قومنا أن الذين تسلطوا على إعلامنا أشد علينا فجورا وخسة من أعدائنا.
***
"في عهد صلاح الدين الأيوبي في مصر تمتع المسيحيون بالسعادة إلى حد كبير في ظل ذلك الحاكم، الذي عرف بالتسامح الديني، فقد خففت الضرائب التي كانت فرضت عليهم، وزال بعضها جملة، وملئوا الوظائف العامة؛ كوزراء، وكتاب، وصيارفة. وفي عهد خلفاء صلاح الدين نعموا بمثل هذا التسامح والرعاية قرابة قرن من الزمان، ولم يكن هناك ما يشكون منه إلا ما اتصف به كهنتهم أنفسهم من الفساد والانحطاط، فقد فشت السيمونية بينهم، فبيعت مناصب القسيسين الذين اتصفوا بالجهل والرذيلة، على حين حيل بين الذين طلبوا التعيين وبين هذا المنصب المقدس؛ بعجزهم عن أداء الأموال المطلوبة في احتقار وازدراء، مع أنهم كانوا الجديرين بشغل هذا المنصب" [توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام ص128، 129]
"يظهر أن أخلاق صلاح الدين الأيوبي وحياته التي انطوت على البطولة، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيرا سحريا خاصا، حتى إن نفرا من الفرسان المسيحيين قد بلغ من قوة انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية، وهجروا قومهم وانضموا إلى المسلمين" [توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام ص111]
"لما غزا الصليبيون الأرض المقدسة سنة (1099م)، خلفوا وراءهم في كل مكان الموت والدمار، بيد أنه لما رد صلاح الدين الصليبيين على أعقابهم، لم يلجأ إلى وسائل الانتقام، ولم يخرب المسلمون الأماكن التي فتحوها، كما فعل المقاتلون الدينيون السابقون لهم من الممالك الأخرى، فأينما وضعوا أرجلهم نشأ شيء جديد أسمى وأفضل مما كان قبلا" [رونالد ف بودلي: الرسول ص147]
"لم يشأ السلطان صلاح الدين أن يفعل في الصليبيين مثل ما فعله الصليبيون الأولون من ضروب التوحش، فيبيد النصارى عن بكرة أبيهم؛ فقد اكتفى بفرض جزية طفيفة عليهم مانعا سلب شيء منهم" [جوستاف لوبون: حضارة العرب ص329]
"حين تمكن صلاح الدين الأيوبي من استرداد بيت المقدس (583هـ=1187م) -التي كان الصليبيون قد انتزعوها من قبل (492هـ=1099م) بعد أن سفكوا دماء أهلها في مذبحة لا تدانيها مذبحة وحشية وقسوة- فإنه لم يسفك دم سكانها من النصارى انتقاما لسفك دم المسلمين، بل إنه شملهم بمروءته، وأسبغ عليهم من جوده ورحمته، ضاربا المثل في التخلق بروح الفروسية العالية، وعلى العكس من المسلمين، لم تعرف الفروسية النصرانية أي التزام خلقي تجاه كلمة الشرف أو الأسرى" [زيجريد هونكه: الله ليس كذلك ص34]
"فترة الاضطراب هذه سوف تساعد على ظهور قائد مسلم، وهو رجل شديد التدين لن يتمتع بفكر مثل هارون الرشيد والمأمون، ولا الحاكم في القاهرة، أو عبد الرحمن الثالث في قرطبة، إلا أنه سيجسد نوعا من شرف الفروسية الإسلامية سيكون مثار انبهار الأوربيين، بل وسيدفعهم نبله هذا إلى العديد من المواقف المحرجة، فما كان منهم إلا التماس أن السبب وراء أخلاقه الرفيعة والكريمة ما هو إلا لأن لديه دماء أوربية تجري في عروقه، هذا الرجل هو صلاح الدين، ومثل هارون الرشيد، تجد القصص التي تحيط به لها طابع رومانسي وأسطوري، لكن رقيه الأساسي وحكمه الإنساني في الأمور المستفزة هو حقيقي ويقتدى به" [مايكل ه مورجان: تاريخ ضائع ص268]
"لقد أجمعت الآراء على أن صلاح الدين كان أنبل من اشترك في الحروب الصليبية" [ول ديورانت: قصة الحضارة 13/141]
"كان في العادة شفيقا على الضعفاء، رحيما بالمغلوبين، يسمو على أعدائه في وفائه بوعده سموا جعل المؤرخين المسيحيين يعجبون كيف يخلق الدين الإسلامي -"الخاطئ" في ظنهم- رجلا يصل في العظمة إلى هذا الحد، وكان يعامل خدمه أرق معاملة، ويستمع بنفسه إلى مطالب الشعب جميعها، وكانت قيمة المال عنده لا تزيد على قيمة التراب، ولم يترك في خزانته الخاصة بعد موته إلا دينارا واحدا؛ وقد ترك لابنه قبل موته بزمن قليل وصية لا تسمو فوقها أية فلسفة مسيحية" [ول ديورانت: قصة الحضارة 15/44، 45]
"أثار العدو الأكبر صلاح الدين إعجابا واسع الانتشار بين الغربيين؛ فقد شن الحرب بإنسانية وفروسية، برغم قلة من بادلوه هذه المواقف... ووصل الأمر إلى حد أنه ظهرت في القرن الرابع عشر قصيدة طويلة جرى العرف على تسميتها "صلاح الدين" وأعيدت فيها صياغة حوادث الأساطير القديمة، وذلك لأن فارسا من هذا الطراز الرفيع يجب بالضرورة أن يصبح منتميا إلى الأسرة المسيحية، وهكذا قيل إن أمه هي الكونتيسة بونثيو التي تحطمت سفينتها على الساحل المصري، وأنه هو نفسه اعتنق المسيحية وهو على فراش الموت" [مكسيم رودنسون: الصورة الغربية والدراسات الغربية والإسلامية، منشور في "تراث الإسلام" بإشراف شاخت وبوزوروث، ص41، 42]
***
ونختم بقول المتنبي الذي قد لا يفهمه الطبال المعاصر:
وكن كيف شِئت وقل ما تشاء .. وأرعد يمينا وأبرق شمالا
نجا بك عرضك منجى الذباب .. حمته مقاذيره أن ينالا
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 12, 2013 09:24