محمد إلهامي's Blog, page 79
April 11, 2013
لافتات على طريق الثورة
1. أعتبر أن الثورة فشلت ودفنت في اللحظة التي استبعد فيها قضاة الفساد بأمر العسكر مرشحين بعينهم من رئاسة الجمهورية، في تلك اللحظة فرضت إرادة غير الشعب على الشعب.
2. استسلام الإسلاميين لهذا الاستبعاد (الإخوان كان لديهم بديل - حزب النور "ممثل السلفيين السياسي آنذاك" كانوا يرون هذا أفضل للوطن "بنص نادر بكار") معناه قبولهم بسيطرة الإرادة الفوقية غير الشعبية على الخيار الشعبي.
3. القلة التي حاولت مقاومة هذا تم سحقها عند العباسية، في وسط تهليل العلمانيين وفرحتهم، واستسلام الإسلاميين (الإخوان أنهوا فعالياتهم في ميدان التحرير - حزب النور "ممثل السلفيين السياسي" خرج منهم من حرض على المتظاهرين).. وبهذا تم التوافق بين الهيمنة العالمية وممثليها في الداخل (عسكر - قضاء - إعلام) على حدود حركة الشعب واختياراته وثوريته.
4. كنا في لحظة انتخابات رئيس الجمهورية نحاول اختيار الأقل سوءا، لا الأكثر تعبيرا عن الآمال والطموحات.
5. وحين انحصرت المنافسة بين شفيق ومرسي كنا نختار مرسي هروبا من جحيم شفيق لا رغبة في جنة مرسي.
6. وقد نجحنا والحمد لله في الهروب من جحيم شفيق، وما انبعث في نفوسنا من الآمال التي علقناها على مرسي كلها أحبطت ولم يبق من نعمة ننعم بها الآن إلا الهروب من جحيم شفيق (كنا سنكون الآن في السجون أو القبور أو المنافي - أو مقاتلين في الشوارع وكل شيء في العالم ضدنا بما فيهم الإسلاميين المستسلمين)
7. ويجب الآن أن نكون صادقين مع أنفسنا، فإن اندفاعة الشباب وحماستهم غير كافية في موازين القوى، ولأن شباب الثورة فشلوا في صناعة كيان يعبر عنهم فإنهم صاروا لعبة بين القوى الموجودة فعليا؛ فالقوى العلمانية سحبت العلمانيين والقوى الإسلامية سحبت الإسلاميين، وأعيدت صياغة المعسكرات القديمة بوجوه جديدة لا غير.
8. وينطبق هذا حتى الآن على شباب الإسلاميين الساخطين على ما يفعله الكبار، فبغير الكيانات الواعية لن يكون شيء إلا الانحياز لطرف من بين الأطراف القوية أو السكوت والخمول أو الاكتفاء بالنقد والهجوم.
9. فإذا انقضت فترة مرسي طوعا أو كرها، بانتخابات يعد لها منذ الآن أو بانقلاب وفوضى فقد بدأ عصر النار والحديد، ومحاولة إنهاء ما تبقى من آثار الثورة وإعادة السيطرة القديمة كما كانت.
10. فإن لم يكن أحد مستعدا لتلك اللحظة، فليزدد إيمانا بقول النبي (صلى الله عليه وسلم) "ما نزل بلاء إلا بمعصية":
- معصية من أضاع الوقت ولم يعد أو يستعد
- معصية من حمل الأمانة فلم يحملها بحقها
- معصية من خذل إخوانه وكان مُسْتَغْفلا مغرورا يظن أن ما مضى لا يعود
Published on April 11, 2013 15:59
April 6, 2013
صناعة مجتمع الجسد الواحد (2/2)
ذكرنا في المقال السابق كيف أن نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) هو أعظم رجال العالم أثرا في التاريخ الإنساني وبشهادة المؤخين غير المسلمين، ذلك أنه أنشأ من شتات العرب المشرذمين أمة واحدة متماسكة قوية انطلقت في زمن قياسي تنشر رسالتها في العالم كله، فما كان يمكنها نشر رسالتها بهذه القوة والرسوخ ومواجهة القوى العالمية العدوانية بهذه البسالة والحسم بغير تكون الأمة الواحدة التي صارت كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
وفي محاولة لتتبع كيف تمت صياغة هذا المجتمع الجديد من الشراذم المشتتة في سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) تناولنا بالنظر الفترة الأولى في دولة المدينة، ووجدنا أن ثمة قرارات أربعة مصيرية قد استطاعت إنجاز هذا التحول الكبير وهي: بناء المسجد، والإخاء بين المهاجرين والأنصار، وإصدار وثيقة المدينة، وإنشاء سوق المسلمين، بالإضافة إلى منهج استقلال الأمة وعلوها فوق السلطة في البناء السياسي للدولة الإسلامية.
وقد تناولنا في المقال السابق بناء المسجد والإخاء بين المهاجرين والأنصار، وبقي أن نلقي النظر على: إصدار وثيقة المدينة، وإنشاء سوق المسلمين، ثم العبور على المنهج الإسلامي في جعل الأمة فوق السلطة في النظام السياسي.
***
القرار الثالث: إصدار وثيقة المدينة
وهي الوثيقة القانونية التي حددت دولة المدينة وواجبات مواطنيها وحقوقهم وسبيل الفصل في التنازعات بينهم، "على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصيحة والبر دون الإثم... وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين... وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله... وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم".
وبهذا قطعت الطريق أمام أي خلافات قبلية أو دينية أو تاريخية ليصير الفصل في المنازعات قائما على أساس قانوني، فالجميع أمام القانون سواسية، "... وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسبٌ إلا على نفسه، وإن الله على ما أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره".
وبهذه الوثيقة أُقِرّ العدل على الجميع، وتعامل المسلمون مع خيانات اليهود والمنافقين على أساس قانوني لا على أساس ديني أو قبلي مما كان له أكبر الأثر على إسكات خلافات الماضي وتحالفات قبائل اليهود مع الأوس أو الخزرج، بل كان سعد بن معاذ –حليف بني قريظة- هو من وَقَّع عليهم عقوبة الخيانةوبهذا مَثَّلَتْ الوثيقة الحصن القانوني الحافظ لتماسك المجتمع ووحدته وكفلت مقاومة محاولات ضربه.
القرار الرابع: إنشاء السوق
وكان الهدف كسر احتكار اليهود، ورفع اقتصاد المدينة المعتمد على الزراعة وحدها بإنشاء ما يصلح أن نسميه "منطقة تجارية" على ملتقى الطرق خارج المدينة، وإيجاد فرص العمل للمهاجرين ممن لم يخبروا العمل في الزراعة.
وقد تمتع سوق المسلمين بما جعله خيرا من سوق اليهود، فلا غش ولا تدليس، ولا احتكار ولا ربا، ولا ضرائب على المبيعات والمشتريات، وهو خاضع للقيم والتنظيمات الإسلامية (مثل التراحم والتكافل، وعدم بيع ما لا يُملك، وعدم التسعير... إلخ) التي جعلته مرادفا لنهضة المجتمع واكتفائه الذاتي لا لتصارع طبقاته الاجتماعية، فكانت النتيجة في صالح المجتمع اقتصادا وأخلاقا وسياسة، ونزع فتيل الأزمات مع اليهود، وفتيل أزمة البطالة، مما كان له أبلغ الأثر في الحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه.
كما وفر السوق الاستقلال الاقتصادي الذي وفَّر إمكانية اتخاذ القرار السياسي بإجلاء بني قينقاع –وهم أصحاب السوق بالمدينة- حين صاروا خطرا على هذا المجتمع.
***
هذه القرارات الأربعة لم تكن نهاية المطاف، بل لقد وضع الإسلام تشريعاته بحيث جعل "الأمة فوق السلطة"، وأبرز هذه التشريعات ثلاثة أمور:
1. الشورى: وهو الأمر الكفيل بعدم استبداد السلطة، أو ادعاء أحد بأنه الأحق بالحكم، أو ادعاؤه أنه قادر وحده على القيادة بغير مشورة، بل كان قول عمر (رضي الله عنه) صريحا حين أعلن: "من بايع رجلا من غير مشورة المسلمين فلا يُتَابع هو ولا الذي بايعه"وقد اضطرد في عهد النبي وسنة الخلفاء الراشدين مشاورة الأمة والنزول على رأيها، حتى حكم العلماء بأن "من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب"2. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وقد جعله الإسلام من الإيمان، وأقله تغيير المنكر بالقلب حال العجز التام وأبلغه الثورة على السلطان الجائر ولو كان الثمن هو القتل دون النجاح، بل تلك هي منزلة "سيد الشهداء"، ولكل مسلم أن يغير المنكر ما استطاع إلى ذلك سبيلا بشرط ألا يؤدي إلى منكر أكبر منه وأن تكون البداية بالنصح والموعظة الحسنة، وقد أبدع الإسلام نظام الحسبة والتي تجعل المجتمع مقاوما للانحراف من تلقاء نفسهوقد تطورت مؤسسة الحسبة عبر التاريخ الإسلامي حتى بلغت شأنا عظيما، ويكفي العبور على مؤلفات الحسبة -مثل "نهاية الرتبة الظريفة في طلب الحسبة الشريفة" لعبد الرحمن بن نصر الشيزري أو "معالم القربة في طلب الحسبة" لابن الإخوة- لندرك كيف بلغت العناية والحرص في استقامة المؤسسات والفئات والشرائح المختلفة من المهن في المجتمع الإسلامي.
3. نظام الوقف: حيث يتطوع المسلم بتخصيص جزء من ماله تحت إشراف جهة مستقلة لوجه معين من وجوه الخير، ولا يملك أحد أن يعتدي على هذه الأموال أو أن يصرفها في غير وجهها أو يصادرها.
وهو ما يوفر الاستقلال المالي للأمة بعيدا عن السلطة، بما يجعل عمل الخير ناميا ومستمرا مهما انتاب السلطة ضعفٌ سياسيٌّ أو عسكريٌّ، وهذا ما جعل الأمة تغزو أعدائها حضاريا وإن انهزمت أمامهم عسكريا، كذا فعلنا مع الصليبيين في الشام والأندلس وصقلية ومع التتار الذين صاروا مسلمين آخر الأمر، والوقف هو ما وفر استقلال العلماء في وجه السلطان ووفر استمرار الجهاد ولو ضعفت الدولة، وتفرغ طلبة العلم، وعددا لا حصر له من المشروعات الخيرية مثل المستشفيات، الجسور، القناطر، الكتاتيب، المكتبات، المدارس، الخانات، الخانقات، الحدائق والمتنزهات، أهل العشوائيات، رعاية حالات المصائب (الأيتام، زواج اليتيمات، الأسرى، المُهَجَّرون، من عجز عن الحج ...) حتى رعاية القطط والكلاب والحيوانات المريضة وغيرها كانت لها أوقافوهذا ما جعل الثورات الاقتصادية أقل أنواع الثورات في التاريخ الإسلامي، وجعل الأمة متحررة من سيطرة الحكام على أموالها، بل ووَفَّر للحكام تمويلا دائما لمشاريع التنمية والنهضة والبحث العلمي وغيرها.
وظل الوقف يؤدي عمله حتى ظهرت "الدولة الحديثة" التي تجعل الشعوب أسرى عند الحكام والتي مثلت نكبة فاصلة في مسيرة الأمة الحضارية، لا سيما والذين تسلطوا على الأمة منذ ظهورها كانوا فاسدين مستبدين تعمدوا سجن الأمة ونزع مقومات المقاومة والاستقلال عن السلطة.
وبهذا "تمكَّن المجتمع الإسلامي -الذي قام على الدين- من الصمود في وجه التفكيك السياسي"***
إن المزية الكبرى أن بذور صناعة المجتمع كامنة في الدين نفسه، في المسجد والإخاء، في الشريعة الإسلامية وقوانينها ونظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يجعل هذه البذور موجودة وخالدة وغير قابلة للفناء، فكل المؤمنين يرون أنفسهم مطالبين بالجهاد في سبيل تطبيق الشريعة وتحقيق الإسلام كاملا غير منقوص.
وحيث أن المسجد جزء من سلوك المسلم اليومي، فسيظل المسجد قادرا دائما على إعادة إنتاج وصناعة المجتمع المسلم المتماسك والقائم على التعاون والتناصر والتناصح.
نشر في الحملة العالمية لمقاومة العدوان
البخاري (3895)، ومسلم (1768). البخاري (6442). الطبري: تاريخ الطبري 2/700 (ط1 دار الكتب العلمية، بيروت) ابن عطية الأندلسي: المحرر الوجيز 1/534 (ط1 دار الكتب العلمية، بيروت) (القصص: 4)، وانظر: عبد الرحمن الكواكبي: طبائع الاستبداد ص66 (المطبعة العصرية، حلب). للمستشرق الأمريكي مايكل كوك في مزايا هذا النظام كتاب كبير مهم سماه "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي". د. محمد بن أحمد الصالح: الوقف في الشريعة ص163 وما بعدها (ط1)، وانظر بحوث مؤتمر الوقف الأول (جامعة أم القرى، السعودية، 1422هـ) مارسيل بوازار: إنسانية الإسلام ص73، 74 (ط دار الآداب، بيروت)
Published on April 06, 2013 17:02
March 28, 2013
ول ديورانت يتحدث عن معاوية رضي الله عنه

يجب علينا ألا نظلم معاوية. لقد استحوذ على السلطة في بادئ الأمر حين عينه الخليفة الفاضل النزيه والياً على الشام، ثم بتزعمه الثورة التي أوقد نارها مقتل عثمان، ثم بما دبره من الدسائس البارعة التي أغنته عن الالتجاء إلى القوة إلا في ظروف جد نادرة، ومن أقواله في هذا المعنى "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولم أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت" قيل: وكيف يا أمير المؤمنين؟ قال: "إذا مدوها خليتها وإن خلوها مددته".
ولقد كان طريقه إلى السلطة أقل تخضباً بالدماء من طرق معظم من أسسوا أسراً حاكمة جديدة.
وكان يحس كما يحس كثيرون من المغتصبين أنه بحاجة إلى أن يحيط عرشه بالأبهة والمظاهر الفخمة، وتشبه في هذا بأباطرة الدولة البيزنطية، الذين تشبهوا هم أنفسهم بملك ملوك الفرس. وإن بقاء هذا الطراز من الحكومة الملكية الفردية من عهد قورش إلى يومنا ليوحي بصلاحيته لحكم الشعوب الجاهلة واستغلالها.
وكان معاوية نفسه يشعر بأن حكمه هذا يبرره ما عاد على البلاد في أثنائه من الرخاء، وانقطاع النزاع بين القبائل، وما بلغته الدولة العربية الممتدة من نهر جيحون إلى نهر النيل من قوة وتماسك. وكان يرى ألا سبيل إلى اتقاء النزاع الذي لابد أن يحدث عند اختيار الخليفة إذا ما اتبع مبدأ الانتخاب، وما يؤدي إليه
هذا النزاع من اضطراب وفوضى، إلا إذا استبدل به النظام الوراثي، فنادى بابنه يزيد وليَّاً للعهد، وأخذ له البيعة من جميع ولايات الدولة العربية.
انتهى!
المؤرخ الأمريكي ول ديورانت (قصة الحضارة 13/81)
للمؤرخين الأجانب والمستشرقين نظرات عجيبة في تاريخنا الإسلامي، مفيدة للغاية، فهم ينظرون لتجربتنا بعيونهم وبخبراتهم في التاريخ الغربي، تكون مجحفة أو منصفة، مقنعة أو غريبة بحسب كاتبها وحظه من العلم والأمانة والذكاء!
وبشكل عام فإن ول ديورانت واحد من أهم وألمع وأمتع وأنصف من قرأت لهم من المؤرخين.. لولا أن مات كافرا لاستغفرت له!
وهذه العبارة هي أبسط قراءة عادلة لسيرة معاوية رضي الله عنه، فيها علم وعمق وبساطة ووضوح وإدراك لحقائق تاريخية كثيرة.. شيئ يذكرك بقول الغزالي "اللهم إيمانا كعجائز نيسابور"، حتى لتكاد تهتف "اللهم تأريخا كمنصفي الأمريكان"
Published on March 28, 2013 15:18
March 25, 2013
البوطي.. صدمة الحياة وصدمة الموت!!
أما البوطي نفيه فلا نحكم عليه لا بجنة ولا بنار، التزاما بالدين ووقوفا عند نصوص النبي صلى الله عليه وسلم، واعترافا بأننا لا نعلم الغيب ولا نعرف السرائر.
وأما قتله داخل مسجد فهو منكر مُدان على لسان الجميع، لا يقره أحد ولا يرضاه مسلم.
لكن الترضي عليه، والثناء عليه، والتماس الأعذار له في مناكره ومخازيه وفضائحه أمر آخر..
فما الدين؟ وما الحق؟ وما القيم؟ وما كل شيء إذا كنا نترحم على البوطي كما نترحم على محمد محرز؟!!
وما العقل؟ وما المنطق؟ وما الفهم إذا كنا نرى بشار مجرما ثم لا نرى البوطي أشد إجراما بما كان في رأسه من علم وبما حمله الله من أمانة البلاغ؟
يا تعسا للعمة إن كان المجرم حين يلبسها يتحول إلى متأول معذور؟!!
لا أصدق تعليقات البعض على البوطي.. لا أصدقها أبدا؟!!!
أتكون إبادة عشرات الألوف، قتلا وحرقا وتدميرا وتفجيرا، وانتهاك أعراض نسائهم، وذبح الأطفال بالسكاكين، والإجبار على الكفر بالسجود لصورة بشار أو شهادة أن لا إله إلا بشار.. أيكون كل هذا إجرام، ثم يكون الداعم له والمؤصل له والمنافح عنه متأول معذور؟
ليكن البوطي في الجنة بخير لا نعلمه أو بسريرة نجهلها أو بنية صالحة مات عليها أو بتوبة قبل الثانية الأخيرة من عمره.. ليكن أين شاء الله أن يكون.. لكن لابد أن يبقى منبوذا مكروها مخذولا مستنكرا في حياة البشر وعلى لسان التاريخ؟
وإلا فأي شيء نقدمه للناس إن كان ديننا يترحم على كل من لبس العمة وإن فتن الناس وقتلهم وحرقهم وذبحهم؟؟!!
أي قيمة تبقى في الأرض إن كان المجاهدون كأعدائهم؟ والمقتولون كقتلتهم؟ والمتغتضبات كمغتصبيهم؟!!
أي دين هذا الذي نسوقه للناس حيث يستوي فيه الخير والشر، الحق والباطل، الإجرام والدفاع عن النفس، الثورة على الطاغية والتطبيل له؟
كيف يكون شهيدا من ثار على بشار؟ ويكون شهيدا أيضا من قُتِل في سبيل بشار؟!!!
والله لئن لم يظل البوطي مكروها منبوذا ملعونا بلسان التاريخ لتلك هي البوابة العظمى ليتحول كل المشايخ والعلماء -إلا من خشي الله- إلى خونة للرسالة وعبيد للسلطان وقتلة لشعوبهم.
من أشكل المشكلات توضيح الواضحات، وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل!
* من سيفهم الموضوع على أنه صراع سلفي - أشعري أو وهابي - صوفي فليرحم نفسه من غبائه وليرحم أعصابي من رؤية تعليقاته!!
Published on March 25, 2013 14:11
March 20, 2013
الرد الثاني على ما افتراه يوسف زيدان
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن ولاه!
فقد انتقى د. يوسف زيدان ردي من بين الردود التي كُتبِت عليه، ثم ردَّ عليه بمقالة من ثلاثة أجزاء؛ الجزء الأول كله حسر على مصر وما بلغته من مستوى الحضيض، وتعريض بأني ذو لحية، واتهام بأني من الإخوان، ثم اتهام بضحالة العلم وقصر الذيل، وعلى هذا انتهى الجزء الأول!
ثم جاء الجزء الثاني فكان تعليقا على ألفاظي وتوصيفاتي، وتبرئة لنفسه من تهمة الحقد، وتثبيت لتهمة الإخوانية بشخصي، واتهام بمحاولة الاشتهار على حسابه وعبر الردِّ عليه، ثم ردَّ على مسألتين من المسائل السبعة ردًّا سريعا لا يشفي ولا يكفي ولا حتى يتناول أصل الموضوع بل هو داخل في رحلته البكائية!
ثم جاء الجزء الثالث فعرض لباقي النقاط عرضا سريعا لا يمكن أن يصنف أنه ردٌّ علميٌّ على الإطلاق، بل كلام عابر متناثر لا تقوم به حجة، وليس تحته شيء، وقد شعر هو بهذا ففسره بأنه ملَّ من الردِّ، والحق أن موقفه كان في غاية الضعف.. وهذا ما يأتي بيانه بإيجاز في غير تطويل.
***
السجالات أمر لا يحبه القارئ المعاصر، والحديث المتخصص أم لا يحبه القارئ العادي، فأنا في هذا المقال أمام هذين الحاجزين، ثم إن هذا هو الردُّ الرابع في سلسلة الردود وقليل من يصبرون على تتبع الأمر ليكشفوا عن المسألة.
سأقسم هذا الردّ إلى ثلاثة أجزاء: ما يتعلق بشخصي (ولن يعدو سطورا)، ثم ما يتعلق بأخطائي التي وقعت فيها، ثم بالمسائل المطروحة والتي ادعى زيدان أنه ردَّ عليها.
***
صال الباحث وجال متهما إياي بالإخوانية في الأجزاء الثلاثة بل رفعني لمرتبة "مفكر الإخوان"، ثم أضاف اتهاما آخر بأن من ردُّوا عليه يسعون للتقرب من السلطان!
أما كوني من الإخوان فغير صحيح، كنت منهم حتى سبع سنوات مضت، ولي عليهم انتقادات كثيرة يعرفها من يتابع صفحتي، لماذا لم يتصور الباحث أن ثمة من يمكن أن يرد عليه لمجرد الأمانة العلمية؟ لماذا يجب أن يكون من يرد عليه خبيث الغرض مدخول النية؟! ولكن لا بأس، فهذا يعطيكم فكرة عن الأستاذ الذي يصنف الناس ولم يحفل بالتحقق من أفكاره حتى بالمعلومات التي لا تستدعي إلا أن يحرك أطراف أصابعه إلى صفحات الفيس أو المدونة.
أما كوني مؤرخا فهذا شرف لا أدعيه وإن كان حُلُما أسعى إليه وأتمنى من الله أن يوفقني، وعادة فأنا لا اتخذ لقب المؤرخ ولا أرضى أن يُتَّخذ لي وأكون حريصا على تصحيح الأمر في لقاءات إعلامية، لكني منذ أنشأت المدونة قبل عشر سنوات سميتها "المؤرخ" كنوع من الحلم، كالذي يسمي مدونته "الفارس/ الباحث/ فاتح الأقصى ... إلخ"، وصفحتي على الفيس بوك لم أُنْشِئها، بل أنشأها لي شاب لم أعرفه فكتبها "المؤرخ محمد إلهامي" ظنا منه بأني بلغت هذه المرتبة، ثم توليت الإشراف عليها وما كان بالإمكان تغيير الاسم تبعا لقواعد الفيس بوك.
وأحسب أن المهتم بمتابعة ما ألفته من كتب أو ما شاركت فيه من بحوث حازت جوائز عالمية فسيجد ذلك يسيرا إن شاء الله، أقله أن ينظر في السيرة الذاتية في نهاية آخر الأعمال "رحلة الخلافة العباسية" (3 مجلدات).
***
أما أخطائي التي أعترف بها ولا أتكبر عليها فهي:
1. قولي بأن كتاب الصفدي هو "فوات الوفيات" والصحيح أن كتابه هو "الوافي بالوفيات" وعنه نقلت، وأما كتاب "فوات الوفيات" فهو لابن شاكر الكتبي.. وهذا والله من فلتات اللسان والقلم لا من الجهل به.
2. خطأي في فهم المسألة الثالثة من المسائل السبع موضع الجدال، فقد أخطأت في عكس الكلام، وظننت أن الرئيس مرسي هو من قال "مقدمة في تاريخ العلم" بينما تصحيح د. يوسف زيدان هو الصحيح والخطأ من نصيب مرسي.
وعلى هذا الخطأ الثاني دارت كل ردود أنصار زيدان، رغم أني أقول بعدها مباشرة هذه الجملة:
"على أنه وبافتراض أن مرسي قد أخطأ في عنوان الكتاب، فما البأس؟!! إن الخطأ في عناوين الكتب في المحاضرات العامة، بل وفي الأبحاث العلمية أحيانا يقع من الباحثين والمتخصصين –نسيانا أو جهلا أو غير ذلك- ولا ينكر بعضهم على بعض في هذا الأمر التافه، فهو في حق رئيس الجمهورية الذي يلقي خطابا دبلوماسيا وليس محاضرة علمية أمر أشد تفاهة.. وإن التقاط زيدان لهذا الأمر دليل على ضغينة نفسية قبل أن يكون أمانة علمية".
وهو الخطأ التي شمل مساحة الأسد من رد يوسف زيدان أيضا، رغم أن الرجل بحضوره للندوات والمؤتمرات العلمية لا شك يرى أمامه كثيرا هذا الخطأ سهوا أو حتى جهلا ولا يرى المجتمعون ضرورة التعليق على صاحب الورقة بأنه اخطأ في اسم الكتاب.. فكيف نحاكم رئيسا في خطاب شرفي بما لا يحاكم به المتخصصون أنفسهم في المحافل العلمية؟!!
ويشهد الله أني انتبهت لهذا الخطأ مبكرا من خلال التعليقات وقد كنت قادرا على محوه بعد ظهور المقال بدقائق، لكني منهجي (الذي لا يرضى عنه كثيرون من الأصدقاء) أني أعتبر المقال وثيقة تاريخية وأنه وبمجرد نشرها فقد حرم علي التعديل فيها، فلا أصحح حتى أخطاءها النحوية التي أكتشفها لأن هذا عندي بمثابة "تزوير في الوثيقة"، رغم ما قد يسببه هذا من آثار سلبية، ولكني رضيت بهذا المنهج على كل حال.
ولو أن النوايا صادقة لقرأ الجميع اعترافي في بداية المقال بأني لم أسمع خطاب الرئيس لأن سرعة الانترنت عندي لم تسمح بتشغيل الفيديو، وأني –لهذا السبب- أخذت في الرد على يوسف زيدان مُسَلِّما له بكل ما قال، ومفترضا فيه دقة النقل والأمانة العلمية.
***
نأتي لردود الموضوع وهي الأهم، وسأسوق خلاصاتها لكي لا يمل القارئ، دون مقدمات رثائية طويلة كما فعل زيدان.
1. اسم البيروني
ما حدث أن زيدان جَزَم بأن مرسي نطق اسم البيروني بطريقة خاطئة (البَيْروني)، فكان ردي أن هذا النطق قال به الصفدي وابن حجر والسيوطي وبامخرمة الحميري وابن ناصر الدين القيسي ووقع في إحدى مخطوطات الأنساب للسمعاني ومال إليه واحد من أعرق الناس في اللغة وهو الأب أنستانس ماري الكرملي، ونسبت ذلك إلى المصادر بالصفحات والأرقام.
فإذا بالرد الزيداني يكون "وفى الكتابين ، بحسب المخطوطات التى رأيتها (وهو بالقطع لم يرها) لم يرد الكلام مضبوطاً بالحركات، حتى نستشهد بذلك. ولو كان مضبوطاً على هذا النحو الخاطئ، فهذا مما لا يجوز الاستشهاد به".
فرغم أني استشهدت بسبعة مصادر جنح هو إلى كتابين فقط وقال لم أر هذا الضبط فيهما! وهذا أمر لا أدري كيف أرد عليه؟ ولا أدري كيف يعتبر نفسه بهذه العبارة قد ردَّ عن نفسه ودفع عنها تهمة الجهل؟ فالكتب مطبوعة وعباراتها واضحة كالشمس، وهذا كتاب الصفدي "الوافي بالوفيات" –الذي يزعم أنه رأى مخطوطاته- يقول بالنص:
"بفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَضم الرَّاء وَبعد الْوَاو الساكنة نون" (8/91، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، ط: دار إحياء التراث، بيروت، 1420هـ = 2000م).. وبذات العبارة تقول النسخة الأخرى التي أصدرتها جمعية المستشرقين الألمانية ضمن "النشرات الإسلامية" التي أسسها هلموت ريتر، وتوثيقها: (8/138، تحقيق محمد يوسف نجم، 1402هـ = 1982م)
ولا أدري كيف أفعل بعد هذا، هل أطبع صورة العبارة وأنشرها على الانترنت مثلا؟!!

وهذا في الكتاب الذي زعم أنه رأى مخطوطاته، فكيف بالمصادر التي لم يرها وعبر عليها دون ردًّ ولا إشارة؟!
ولا أدري كيف واتته الجرأة أن يقول ببساطة: "ولو كان مضبوطاً على هذا النحو الخاطئ، فهذا مما لا يجوز الاستشهاد به".. فهي دعوة لأن نلقي بأي مصدر يخالف رأي زيدان في المزبلة هكذا بغير توقف ولا تحقيق.
وفي النهاية فإن أصل الموضوع أن المسألة فيها أخذٌ وردُّ، وأنه لا يصح أن يُنكر على رئيس الجمهورية في خطاب غير علمي في مسألة دقيقة وهامشية كهذه، وفيها خلاف أيضا.. فكيف يمكن أن يقال عن هذا خطأ وشنيع؟!
***
2. البيروني والفلسفة
قال زيدان في رده على خطاب الرئيس: "والبيروني، يا رئيس مصر، لم يشتغل بالفلسفة مثلما زعمت في كلمتك".
فلما رددت عليه وأثبتُّ له أنه اشتغل بالفلسفة بل وتبحر فيها –وبالخصوص فلسفة الهند واليونان- وكانت بينه وبين ابن سينا رسائل، لما وقع في هذا الفخ، جاء رده بهلوانيا فقال: "نسب للرجل النبوغ فى علوم الفلسفة". أي أنه في البداية نفى في الرد الأول أنه "اشتغل" بالفلسفة أصلا، ثم أوحى في رده الثاني بأن النزاع كان حول "النبوغ" في الفلسفة!
هذه هي الأمانة العلمية لدى الباحث المحقق يوسف زيدان!!
***
3. ابن الهيثم والطب
نفى زيدان في الرد الأول أن يكون لابن الهيثم "أي إسهام في الطب ولا التشريح".. فلما أثبتُّ له من كتاب مؤرخ الأطباء ابن أبي أصيبعة أنه كان "كَانَ خَبِيرا بأصول صناعَة الطِّبّ وقوانينها وأمورها الْكُلية" وأن له مؤلفا في الطب، لما ووجه بهذا جاء رده على هذا النحو:
- أنا انتقدت كتاب ابن أبي أصيبعة في دراساتي السابقة- - هناك اثنان من العلماء يحملان لقب ابن الهيثم- - شتائم في الجهلة الذين لا يعرفون ويعتمدون على ويكيبيديا- ولست أدري من أين أرد أيضا، فلا انتقادك لكتاب ابن أبي أصيبعة دليل يُلْزِمنا أولا، ولا وجود اثنين من العلماء يحملان لقب ابن الهيثم أمر داخل في النزاع أصلا، ولا كان في ردي معلومة واحدة من ويكيبيديا!!
لقد ألف ابن الهيثم في الطب والتشريح، بحسب ما كتب هو نفسه، وقد نقلتُ النص في ردي الأول فليرجع إليه من شاء، وهذا إثبات لخطأ زيدان الذي نفى "أي إسهام" لابن الهيثم في الطب أو التشريح!!
ومن العجيب الملفت للنظر أن زيدان نفى نبوغ البيروني في الفلسفة مستدلا بأنه لم يؤلف فيها كتابا (كما في الجزء الثالث من رده) ثم هو ذاته بعد سطور ينفي "أي إسهام" لابن الهيثم في الطب والتشريح رغم أنه ألف فيهما!!
***
4. جابر بن حيان والكيمياء
وهنا كان الأستاذ قد وصل إلى الملل فلم يرد على شيء مما كتبته بل كرر قوله مرة أخرى بلا دليل ولا بينة "الكيمياء كانت علما معروفاً من قبل "جابر بن حيّان" بقرون ، و لا يصح القول بأنه مؤسسها".. وهو هنا لم يرد فلا تعقيب لي.
5. ابن خلدون وعلم الاجتماع
وهنا فعل ذات الأمر، كرر كلمته التي قالها من قبل دون أدنى رد على كلامي
***
الخلاصة:
ومن بين سبع انتقادات وجهها يوسف زيدان للرئيس، ومن خلال هذه الردود التي أمامكم.
أخطأ الرئيس في اثنتين: واحدة منها هامشية في عنوان كتاب جورج سارتون
وأخطأت أنا في اثنتين: واحدة منهما هامشية في عنوان كتاب الصفدي
وأخطأ يوسف زيدان في خمسة: اسم البيروني، اشتغاله بالفلسفة، إسهام ابن الهيثم في الطب، وجابر بن حيان في الكيمياء، وابن خلدون في علم الاجتماع.
***
وهذه هي الردود أمام القراء جميعا.. وأنفعهم بها هو أصبرهم على قرائتها وأنصفهم في الحكم عليها، وقد كان في النفس كلام كثير تعليقا على منهجية زيدان وعلى بعض أخطائه الأخرى لكن الرد طال جدا بما قد ينتفي معه النفع على القارئ المعاصر الذي هو ملول بطبيعته.
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين
Published on March 20, 2013 13:08
March 19, 2013
يوسف زيدان.. الحقد يولد الجهل

كتب يوسف زيدان –على صفحته على الفيس بوك- رسالة يعلق فيها على خطاب الرئيس محمد مرسي في الهند، وقد ذكر له سبعة أخطاء فادحة الجهل، وعلق عليها باستعلاء واستخفاف وتحدث بلهجة الواثق التي تغر الصغار والسطحيين، فحصد آلافا من الإعجابات والمشاركات والتعليقات التي تبكي حال الرئيس المصري الجاهل ومستشاريه الجهلة.
وقد عجزت أن أشاهد الفيديو لأن الانترنت عندي الآن لا يسمح بهذا، فقررت تصديق يوسف زيدان ومناقشة ما كتبه من فضائح فاضحة وفدائح فادحة، وأمور تصيب بالحسرات من مستوى الباحثين في مصر ممن قد شابت رؤوسهم وأشير إليهم بالبنان، وقد سلكت في هذا الرد توثيق كل معلومة من كتابها ومصدرها ليتأكد منها من شاء وليسكت من كان لديه بقية من احترام نفس!
وقد كانت لديه الجرأة ليقول بأنه كتب هذا غيرة على مصر لا أكثر، ولو نطقت مصر لأسمعته ما يكره!
لك الله يا مرسي.. ولك الله يا مصر!!
***
1. نطق اسم البيروني خاطئا فقالها "البَيْروني"
2. قال بأن البيروني اكتشف الدورة الدموية الصغرى في حين أن الذي اكتشف الدورتين الصغرى والكبرى هو ابن النفيس
3. قال بأن البيروني اشتغل بالفلسفة وهو لم يشتغل بالفلسفة
4. قال بأن كتاب جورج سارتون هو "مقدمة فى تاريخ العلم" والصحيح أنه "دراسة فى تاريخ العلم"
5. قال بأن ابن الهيثم علم الدنيا التشريح والصحيح أنه برز فى الهندسة و البصريات، وليس له إسهام فى الطب ولا التشريح.
6. قال بأن جابر بن حيّان أسس علم الكيمياء بينما كانت الكيمياء معروفة من قبله بقرون عند اليونان و الإسكندرانيين والعرب المسلمين.
7. قال بأن ابن خلدون "عرّف علم الاجتماع" وإنما ابتكر "علم العمران البشرى" الذى رأى بعض الدارسين أنه كان مقدمة لعلم الاجتماع الذى أسّسه أوجيست كومت و إميل دوركايم و آخرون.
***
فهذه سبعة أخطاء جمعها د. يوسف زيدان للرئيس مرسي.
وإليك الردُّ عليها:
***
1. هل نطق الرئيس اسم "البَيْروني" (بفتح الباء وتسكين الياء) خطأ؟
إن هذا النطق هو ما أقره جمع العلماء والمؤرخين والرحالة، منهم: الصفدي (فوات الوفيات 8/91)، وابن حجر (تبصير المنتبه 1/188) والسيوطي (لب اللباب ص49)، وبامخرمة الحميري (النسبة إلى المواضع والبلدان)، وابن ناصر الدين القيسي (توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم 1/329)، ووقع كذلك في إحدى مخطوطات الأنساب للسمعاني بحسب محققه الشيخ عبد الرحمن المعلمي (الأنساب 2/392)، وبه جزم بعض اللغويين مثل الأب أنستانس ماري الكرملي في (مجلة لغة العرب العراقية 2/258).
فهو إذن ليس خطأ كبيرا ولا فاضحا لا يليق برئيس مصر كما زعم يوسف زيدان، بل قال به هؤلاء الكبار من قبل وهو مسطور في كتبهم التي وضعنا توثيقها بأرقام الصفحات عسى أن يقرأها من أراد.
ونحن لا ننفي أن يكون بعض المؤرخين والنسابة قال بأنه "البِيروني" (بكسر الباء)، ولكن هذا الكلام وضبطه مجاله بين اللغويين والباحثين، ولا إنكار فيه على غير المتخصص، وليس مطلوبا من رئيس الجمهورية أن يكون في علامة محققا في اللغة والأنساب وضبط أسماء الرجال والبلدان!
***
2. قال بأن البيروني اكتشف الدورة الدموية الصغرى في حين أن الذي اكتشف الدورتين الصغرى والكبرى هو ابن النفيس
إن كان قد صحَّ هذا النقل، فهنا الخطأ بالفعل على الرئيس مرسي ومن كتب له الخطاب، وهو خطأ سيئ للغاية فهذه المعلومة مشهورة بالفعل، خصوصا وأن إنجاز ابن النفيس مشهور جدا لأنه تعرض للسرقة العلمية ثم كُشِف الستار عنه.
ليكن.. هذا بالفعل خطأ، ودعونا نتابع باقي "الأخطاء"!!
***
3. هل أخطأ الرئيس مرسي حين قال بأن البيروني اهتم بالفلسفة؟
لقد وجدنا عمله بالفلسفة ثابتا عند المؤرخين، منهم: ابن أبي أصيبعة (عيون الأنباء 3/119) وذكر أنه "كان مشتغلاً بالعلوم الحكمية... وكان معاصر الشيخ الرئيس (ابن سينا)، وبينهما محادثات ومراسلات، وقد وجدت للشيخ الرئيس أجوبة مسائل سأله عنها أبو الريحان البيروني وهي تحتوي على أمور مفيدة في الحكمة" وكذلك ابن العبري (تاريخ مختصر الدول ص186) والصفدي (فوات الوفيات 12/251) وابن فضل الله العمري (مسالك الأبصار 9/475) وعبد الحي بن فخر الدين الحسني (نزهة الخواطر 1/29)، وعمر رضا كحالة (معجم المؤلفين 8/241) وذكر أنه "تبحر [وليس مجرد اهتمام] في الحكمة اليونانية والهندية".
ترى ما شعور الأستاذ المتخصص الذي ثبت –ليس فقط جهله- وإنما ثقته بالجهل ونصيحته به؟!! وماذا يكون الحال إذا كان الباحثون المتخصصون الذين شابت رؤوسهم في بلادنا بهذا المستوى؟!
***
4. ما اسم كتاب جورج سارتون؟
زعم يوسف زيدان أن كتاب جورج سارتون اسمه "دراسة في تاريخ العلم" وليس "مقدمة لتاريخ العلم"، ومن الفاضح المؤسف أن عنوان الكتاب بالإنجليزية هو "Introduction to the History of Science" أي أن الترجمة الحرفية له هي "مقدمة لتاريخ العلم" كما قال الرئيس مرسي!!
على أنه وبافتراض أن مرسي قد أخطأ في عنوان الكتاب، فما البأس؟!!
إن الخطأ في عناوين الكتب في المحاضرات العامة، بل وفي الأبحاث العلمية أحيانا يقع من الباحثين والمتخصصين –نسيانا أو جهلا أو غير ذلك- ولا ينكر بعضهم على بعض في هذا الأمر التافه، فهو في حق رئيس الجمهورية الذي يلقي خطابا دبلوماسيا وليس محاضرة علمية أمر أشد تفاهة.. وإن التقاط زيدان لهذا الأمر دليل على ضغينة نفسية قبل أن يكون أمانة علمية! فكيف وقد اتضح أن الدقة من نصيب الرئيس والخطأ من نصيب الباحث المتخصص..
يا فضيحة العلم!!
***
5. قال بأن ابن الهيثم علم الدنيا التشريح والصحيح أنه برز فى الهندسة و البصريات، وليس له إسهام فى الطب ولا التشريح.
هكذا ببساطة قال زيدان "ليس له إسهام في الطب ولا التشريح"!!
ستدرك حجم الكارثة حين ترى اسم الحسن بن الهيثم قد ذكره مؤرخ الأطباء ابن أبي أصيبعة في كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" وقال عنه: "كَانَ خَبِيرا بأصول صناعَة الطِّبّ وقوانينها وأمورها الْكُلية"، ونقل فيه قول الحسن بن الهيثم عن مؤلفاته التي كان منها كتاب "فِي تَقْوِيم الصِّنَاعَة الطبية نظمته من جمل وجوامع مَا نظرت فِيهِ من كتب جالينوس وَهُوَ ثَلَاثُونَ كتابا كِتَابه فِي الْبُرْهَان كِتَابه فِي فرق الطِّبّ كِتَابه فِي الصِّنَاعَة الصَّغِيرَة كِتَابه فِي التشريح كِتَابه فِي القوى الطبيعية كِتَابه فِي مَنَافِع الْأَعْضَاء كِتَابه فِي آراء أبقراط وأفلاطن كِتَابه فِي الْمَنِيّ كِتَابه فِي الصَّوْت كِتَابه فِي الْعِلَل والأعراض كِتَابه فِي أَصْنَاف الحميات كِتَابه فِي البحران كِتَابه فِي النبض الْكَبِير كِتَابه فِي الاسطقسات على رَأْي أبقراط كِتَابه فِي المزاج كِتَابه فِي قوى الْأَدْوِيَة المفردة كِتَابه فِي قوى الْأَدْوِيَة المركبة كِتَابه فِي مَوَاضِع الْأَعْضَاء الآلية كِتَابه فِي حِيلَة الْبُرْء كِتَابه فِي حفظ الصِّحَّة كِتَابه فِي جودة الكيموس ورداءته كَلَامه فِي أمراض الْعين كِتَابه فِي أَن قوى النَّفس تَابِعَة لمزاج الْبدن كِتَابه فِي سوء المزاج الْمُخْتَلف كِتَابه فِي أَيَّام البحران كِتَابه فِي الْكَثْرَة كِتَابه فِي اسْتِعْمَال الفصد لشفاء الْأَمْرَاض كِتَابه فِي الذبول كِتَابه فِي أفضل هيئات الْبدن جمع حنين بن إِسْحَاق من كَلَام جالينوس وَكَلَام أبقراط فِي الأغذية".
غير أن الأمانة العلمية تقتضي أن نقول بأن بروز الحسن بن الهيثم لم يكن في الطب والتشريح بل في الهندسة والبصريات فعلا، لكن أإلى حد أن يقال "ليس له إسهام".. هكذا ببساطة، وبلهجة الواثق المتمكن، فهذا أمر يخرق القدرة على الاحتمال بالفعل.
ويجب أن نعلم أن "علم الطب" في ذلك الوقت كان شيئا مختلفا عن "ممارسة الطب"، فمن الممكن أن يكون العالم خبيرا في الطب دون أن يكون له حظ كبير من ممارسته، وهكذا كان ابن سينا، ومثله كان الحسن بن الهيثم! كان خبيرا بأصول صناعة الطب وإن لم يمارسه كثيرا.. فهل ثمة من يجرؤ على أن ينفي إسهام ابن سينا في الطب؟!!!
***
6. نفى يوسف زيدان أن يكون جابر بن حيان مؤسس علم الكيمياء وقال بأنه كان معروفا قبله لليونانيين والمصريين والعرب والمسلمين
وهنا تدليس وتزييف، فالكيمياء من حيث هي خلط مواد على بعضها أو توقع نتائج خلط المواد على بعضها كانت بالفعل معروفة، أما الكيمياء من حيث هي علم قائمة على التجريب والملاحظة والتسجيل فهي من آثار جابر بن حيان وعلماء المسلمين.
اسمع إلى مؤرخ الحضارة الأمريكي ول ديورانت وهو يقول: "ويكاد المسلمون يكونون هم الذين ابتدعوا الكيمياء بوصفها علمًا من العلوم؛ ذلك أن المسلمين أدخلوا الملاحظة الدقيقة، والتجارب العلمية، والعناية برصد نتائجها في الميدان الذي اقتصر فيه اليونان -على ما نعلم- على الخبرة الصناعية والفروض الغامضة" (قصة الحضارة 13/187).
وهذا فيليب حتي يقول: "وكان أعظم ما أسداه العرب إلى العلم بعد الطب والفلك والرياضيات مآثرهم في علم الكيمياء، الذي لم يزل يحتفظ باسمه العربي في جميع اللغات الأوربية، ففي دراسة الكيمياء وسواها من العلوم الطبيعية أدخل العرب التجربة الموضوعية، وهي خطوة تحسينٍ راهنٍ على تأملات اليونان الغامضة... ولجابر الفضل في أنه أول الكيمياويين الذين نادوا بأهمية البحث التجريبي، وفي أنه خَطَا خطوات واسعة في سبيل التقدم الكيمياوي من وجهتيه النظرية والعلمية" (العرب تاريخ موجز ص153، 154)
وبمقل قولهما قال الباحثون الأجانب الذين ما كان لأحدهم أن ينسب لعمر الخيام شيئا قال به أحد من اليونان قبله، منهم دومينيك سورديل (الإسلام ص157) وفرناندو بروديل (تاريخ وقواعد الحضارات ص92، 93) ولويس سيديو (تاريخ العرب العام ص381) وزيجريد هونكه (شمس الله تسطع على الغرب ص401، 402) وغيرهم.
***
7. وقال زيدان بأن مرسي أخطأ حين قال بأن ابن خلدون "عرّف علم الاجتماع" وإنما ابتكر "علم العمران البشرى" الذى رأى بعض الدارسين أنه كان مقدمة لعلم الاجتماع الذى أسّسه أوجيست كومت و إميل دوركايم و آخرون.
وهذا الأمر ليس إلا خلافا علميا وهو أقرب إلى خلاف الاصطلاح منه إلى الخلاف الحقيقي، متوقف على تعريف علم الاجتماع والفارق بينه وبين علم العمران البشري، وما علاقتهما ببعضهما البعض، انفصال وتأثير أم تطوير وامتداد، وهو أمر ساحته علمية بحتة، ولا يعد الخطأ فيه وسيلة للطعن والاستنكار.
وعلى افتراض صحة قول يوسف زيدان نفسه، فمادام علم "العمران" مقدمة لعلم الاجتماع، فالقول بأن مؤسسه هو ابن خلدون أمر لا يبعد عن الحقيقة، أو هو على أكثر الأحوال لا يعد خطأ علميا في خطاب دبلوماسي لرئيس جمهورية!!
بإمكاننا أن نجعل رئيس الجمهورية تابعا لمذهب عالم الاجتماع النمساوي الذي قال: "لقد أردنا أن ندلِّلَ على أنه قبل أوجست كونت، بل قبل فيكو الذي أراد الإيطاليون أن يجعلوا منه أول اجتماعي أوربي، جاء مسلم تقيٌّ، فدرس الظواهر الاجتماعية بعقل مُتَّزِنٍ، وأتى في هذا الموضوع بآراء عميقة، وإن ما كتبه هو ما نسمِّيه اليوم علم الاجتماع"!!!
***
من سبعة أخطاء كتبها يوسف زيدان ثبت أن واحدا فقط هو ما يستحق التعليق، وستة كانت ما بين خطأ فاحش من يوسف زيدان أو أمور تحتمل الأخذ والرد وفيها خلاف بين أهل التخصص.. فأي ناصح هذا؟ وأي نصيحة تلك؟!!
الحق أن الحقد الذي في قلب يوسف زيدان ظهر في كلامه فأظهر منه جهلا مريعا، ولعل الرئيس مرسي كان موفقا حين اختار مستشاريه بعناية ولم يتعثر في أمثال يوسف زيدان ممن يبلغ بهم الحقد هذا المبلغ الدنيء.
Published on March 19, 2013 13:01
في وداع أم نضال
حين كانت في مستشفى القصر العيني قبل نحو خمس سنوات أخبرها الأطباء بأنها بحاجة إلى عمليتين جراحيتين: إحداهما الآن وهي عملية تمهيدية والأخرى بعد شهرين وهي العملية الأساسية، فقالت: لا، أجروا لي العملية كلها الآن لأني أخشى ألا أستطيع العودة إلى مصر مرة أخرى ولا أدري ظروف غلق المعبر ولا أحب أن أسبب إحراجا جديدا لحماس مع مصر! أخبرها الأطباء بخطورة هذا على صحتها فأصرت على اختياره، وهو ما كان!
قبل أن تأتي إلى مصر كان الأطباء في غزة قد أعلنوا فشل الإمكانيات الطبية لديهم، وأنها بحاجة إلى نقل سريع لمصر، وجرت الاتصالات بين حكومة غزة وبين مخابرات عمر سليمان –نفق الاتصال الوحيد بين الجانبين- لكن المخابرات المصرية تعاملت مع الأمر بطريقة: "في ستين داهية.. تموت أحسن"، وحين انسدت السبل تماما وتدهور الوضع الصحي للبطلة الفلسطينية أم الشهداء خرج إسماعيل هنية على وسائل الإعلام وخلاصة رسالته: غير معقول أن تمتنع مصر عن فتح المعبر لمناضلة فلسطينية حياتها مهددة بالخطر!
وبهذه الفضيحة وفي أجواء الخزي فُتِح المعبر استثنائيا، فلقد صار اسم معبر رفح "معبر الموت" لكثرة من يموتون على أبوابه في انتظار التصريح من المخابرات المصرية التي يقودها مجموعة من القتلة والسفاحين الذين لا يهتزون لموت طفل أو شيخ أو امرأة أو شاب لا يرجو منهم إلا فتح الطريق ليُعالج!
كنتُ أزور المصابين الفلسطينيين في المستشفيات المصرية (وقتما كانوا يسمحون لهم بالدخول أحيانا)، كنت أقبل أياديهم اعترافا بفضل جهادهم ومحاولة مسح بعض عار حسني مبارك ومخابراته وخيانتهم للأمة والدين وعمالتهم لإسرائيل.
لكن قدماي عجزتا عن حملي إلى حيث أم نضال، حسبت للحظة أن رؤية وجهها قد تفضي إلى الموت خجلا وخزيا وعارا، كلما هممت أن أزورها صعقني الموقف وصرت لا أتحمل نظرة عينيها ولا في خيالي، فكنت أتهرب من تخيل هذه النظرة أصلا.. وقد استعضت عن هذا بالاتصال المتكرر بمرافقها ومتابعة حالتها معه، وفهمت منه أنه قد أجريت لها العملية الرئيسية بدون العملية التمهيدية لأنها "لا تضمن أن يفتح المعبر مرة أخرى" وأن حالتها لم تكن جيدة ولكن كانت أفضل مما توقع الأطباء.
وعادت أم نضال ومرافقيها إلى غزة أرض العزة، وتركت لنا مصر وعارها ومباركها ومخابراتها تزيدنا ذلا وقهرا وخزيا!وعلى رغم ما حدث في مصر من شبه ثورة، وبرغم نفوق الهالك عمر سليمان، إلا أن غزة ما زالت في أسر المخابرات!!
Published on March 19, 2013 12:45
March 13, 2013
كيف نحقن دماء الناس
للدماء حرمة عظيمة في الإسلام، توعد الله من قتل مؤمنا متعمدا بأربعة عواقب (فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا - وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ – وَلَعَنَهُ - وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، وأخبر النبي أن المرء ما يزال "في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما"، حتى لقد غضب النبي من حبِّه وابن حبِّه أسامة بن زيد حين قتل رجلا أنقذ نفسه من السيف بأن نطق الشهادتين.
وإن أكثر من يُقَدِّر أمر الدماء ويحرص عليه هم المسلمون، وقد شهد لهم أعداؤهم بأنهم كانوا أرحم الفاتحين في التاريخ، وفي الصدر من المسلمين علماؤهم وفقهاؤهم الذين حملوا ميراث النبوة فعلموا كم هي حرمة الدماء عظيمة، فكانوا أبعد الناس عن التحريض فضلا عن القتل، وأسرع الناس في السلم والإصلاح بين الناس.
ولقد مرت على أمتنا لحظات كثيرة استبد فيها الطغاة بأمر الأمة فحكموها بالغلبة والقهر والعسف، ووضعوا العلماء بين اختياريْن: بقاؤهم في الحكم مع حفظهم لأمن الناس وأموالهم وأعراضهم والقيام بحماية الدين والجهاد في سبيله وإقامة شريعته أو الفوضى والفتن.
فمن العلماء من قال "حاكم غشوم خير من فتنة تدوم" فأقر للمتغلب بشرعية الحكم ما دام كان البديل هو الفوضى والفتن وتمزق شمل الأمة الذي يُطمع فيها عدوها ويجعل بأسها بينها شديد.
ومنهم من خرج على ذلك الحاكم الغشوم حتى ولو لم يتيقن النصر، وحتى ولو لم تكن موازين القوى في صالحه.
وبين الطائفتين مساحات من الخيارات والتقديرات، كلها مبسوطة بأدلتها وتفاصيلها في كتب الفقه، وليس هذا مقام بيانها.
أما هذا المقام فهو لبيان ما وصلنا إليه في تلك اللحظة من عمر الأمة..
إذ في اللحظة التي اختار فيها العَالِم بقاء الطاغية في الحكم والاستسلام له حقنا للدماء.. رأى الطاغية أن حقن الدماء يعني إبادة الشعب المزعج ليحكم باقيه في هدوء بعد أن صاروا خرافا، ومنهم من رأى أن حقن الدماء المقصود إنما هي دماؤه هو وحاشيته ولو أباد باقي الشعب.. وما سوريا عنا ببعيد!
وبعد أن صبر بعض العلماء قديما على حكام التغلب الذين كانوا يقيمون الدين ويخرجون للجهاد ويرعون مقدسات الأمة، إذا بحكام اليوم يقدمون أموالنا وأعراضنا ومقدساتنا قربانا لعدونا، ثم يطلب منا أن نشكره ونقدسه ونتبع خطاه!! وقد بلغ الحال أن المسلمة –في بلد الأزهر الشريف- تُسَلَّم للمشركين يعذبونها ويقتلونها ليفتنوها في دينها، والإسلاميون يرون أن السكوت على هذا أولى وأنفع لمصلحة الدعوة! الدعوة التي لم يعد أحد قادرا على الدخول فيها!!
يجرني القلم نحو المآسي، وتتزاحم في رأسي المواقف والحكايات، وما كان هذا هدف المقال.. كان هدفه هو التبصير، التبصير بأن جمع العلماء وقادة الحركات الإسلامية في بلادنا حين لم يُعِدُّوا شيئا للحظة مثل الثورة أو ما بعدها كانوا أطفالا تلاعب بهم ذئاب السياسة وثعالبها!
وهو التلاعب الذي أورد بلادنا وأمتنا موارد الهلاك، وقد بلغت الغفلة حدًّا مريعا فاضحا! حد أن بعضهم قد يؤيد انقلابا عسكريا (علمانيا متصلا بأعداء الأمة بروابط معلومة وجهولة) على الرئيس الإسلامي المنتخب!!!!
أود أن أخرج إلى الصحراء فأصرخ بأعلى صوتي: آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه..
آهة بحجم الألم والقهر، بحجم الغفلة الكارثية، بحجم أن يتحول الإسلاميون إلى خناجر في ظهور بعضهم، خناجر بأيدي أعدائهم، يرفع لهم الطاغية قميص "حقن الدماء" فيهرولون إلى ما يريد من تنازلات، يقول لهم: أنا أو الدماء، فيقولون: بل أنت! أنت أنت أنت!
حتى وهم يعلمون أن "أنت" هذه تعني إضاعة الدين، وحرب المؤمنين، وتمكين الأعداء منهم، ونشر الكفر والفسوق والعصيان في بلاد المسلمين.. وكل هذا تحت قميص "حقنا للدماء"!
إنه أمر يستدعي أن نسأل حقا: ففيم أمر الله ببذل الدماء وجعل الجهاد ذروة سنام الإسلام؟!!
أود لو أستدعي روح حسن الهضيبي الذي قال لعبد الناصر: "إذا أردت أن تعتقل الإخوان فأخبرني، فإني لا أحب سفك قطرة دم مصرية واحدة".. أود لو أستدعي روحه فأخاطبه لينظر عبر السنين: أي الدماء وفرها وأي الدماء سفكها؟! وهل لو أوتي الرجل علم غيب، بل لو أوتي علم واقع وتاريخ آنئذ، فكيف سيكون قراره؟
هل سيفعل ذات ما فعل؟ أم سيفضل مواجهة مع عبد الناصر وزمرته ما كانت لتأخذ بضع ساعات حتى ينتهي شر هذه الشرذمة الفاسدة المفسدة التي دفعنا ثمن حكمها بحارا من الدماء في كل شبر عبر ستين سنة سوداء مظلمة؟!
دعنا من الهضيبي الآن، ولنسأل من رأى تجربة الهضيبي وعاشها ودفع ثمنها، لنسأل الإسلاميين المعاصرين: هل تحبون أن يكون خياركم ذات هذا الخيار بعد أن رأيتم آثاره؟ وتحت ذات القميص المرفوع "حقن الدماء"!!!
إن الدماء التي حقنها الهضيبي كانت دماء عبد الناصر وزمرته، والدماء التي سالت كانت دماء المسلمين، من لم يمت منهم في السجون تعذيبا مات في حرب خاسرة أو قطار محترق أو عبارة متهالكة أو في حادث سيارة أو مريضا بمواد مسرطنة، هذا إن لم يمت غما وهما وقهرا!
هذا وقد فقدنا السودان وفلسطين وسيناء، ونشرنا في بلادنا وبلاد العرب الشيوعية والإباحية والفساد، وأيدنا تيتو في ذبح المسلمين اليوغوسلاف وهيلاسيلاسي في ذبح مسلمي الحبشة وخروتشوف ضد مسلمي روسيا وآسيا الوسطى وأيدنا الهندوس ضد باكستان والقبارصة ضد الأتراك!
***
خلاصة هذا المقال طلب الفتوى في هذه النازلة:
1. ما حكم الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب شعبيا؟
2. وما طرق مواجهته شرعا إذا كان متترسا بالجنود -البسطاء- وبالسلاح؟
3. وماذا إذا غلب على الظن أن هذا الانقلاب بدعم من طوائف علمانية (تعادي الشريعة وترفض الحكم الإسلامي عن عقيدة) وبإذن من أعداء الأمة: اليهود والنصارى؟
4. وماذا لو أضفنا إلى هذا خبرتنا الحديثة مع الأنظمة العسكرية عبر ستين سنة والتي رأينا آثارها في طول وعرض بلاد العرب والمسلمين؟
***
الإجابة على هذه الأسئلة فقهيا ستمثل:
1. الحد الأدنى والإطار العام والخطوط الحمر التي يضعها المسلمون لأنفسهم في بناء النظام السياسي، وهل يقبلون مرة أخرى بإمارات التغلب في زمن تيسر فيه اختيار الحاكم ولم تعد ثنائية (التغلب أو الفتنة) قائمة.
2. والأهم من ذلك أنه سيمثل لحظة اليقظة الأخيرة بدل أن تُعاد طرح هذه الأشئلة وقت وقوع الكارثة حيث سيختلفون ويتنازعون وتعميهم حسابات اللحظة القريبة ورسائل الغرف المغلقة العاجلة عن المصلحة الكبرى.
أي أن الإجابة على هذه الأسئلة ستوضح الموقف العملي قد أن يأتي تخبط آخر كتخبطهم في لحظة الثورة.. وهو التخبط الذي أنتج تلك الفوضى المريعة في المشهد السياسي الإسلامي.
وأما تجنب هذه الأسئلة وعدم مناقشتها قبل وقوعها يعني:
1. غفلة كارثية
2. هدر فقهي ونسيان الأولويات
3. أو خوف من مجرد التفكير.. وهو ما إن تحقق فلا يليق بمن هذا حاله أن يوضع في جملة قادة الأمة ونخبتها
***
فإذا وقعت الواقعة، فاعلموا أن "المؤمن" هو من "لا يلدغ من جحر واحد مرتين"!
Published on March 13, 2013 14:51
March 1, 2013
لقائي مع قناة أمجاد في ذكرى سقوط الخلافة
في صحبة أخي محمد شعبان أيوب
وتناول اللقاء كتابنا الأخير رحلة الخلافة العباسية
http://youtu.be/OpKj6iGrvDU
وتناول اللقاء كتابنا الأخير رحلة الخلافة العباسية
http://youtu.be/OpKj6iGrvDU
Published on March 01, 2013 11:27
لقائي مع قناة أمجاد عن جمعة "لا للعنف"
في صحبة الأستاذ علي إسماعيل، المحامي، وعضو حزب البناء والتنمية
Published on March 01, 2013 11:18