محمد إلهامي's Blog, page 77
September 25, 2013
زفرات
كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا!!
فيما قبل الثورة كانت أشد لحظاتي مرارة يوم أن أخذوا كاميليا شحاتة وسلموها لكنيسة شنودة لعنه الله، ما صعقني حينها هو تخاذل المشايخ، ما كنت أحسب أبدا أنهم سيتخاذلون عن نصرة امرأة خطط لها أن تُخطف من قلب الأزهر الشريف وبالتحديد من غرفة إشهار الإسلام فيه..
كان الأمر يختلف -قليلا- عن حادثة وفاء قسطنطين أو ماري عبد الله أو طبيبتي الفيوم أو غيرهن ممن سُلِّمْنَ إلى الكنيسة، ذلك أن كاميليا وصلت بالفعل إلى غرفة إشهار الإسلام غير أن العمة التي ارتداها رمة ما إن رأى الاسم حتى تذكر الورقة التي أرسلها له أمن الدولة فأوقف إجراءات استخراج شهادة إشهار الإسلام (تأخير الكافر عن الإسلام كفر عند العلماء وكبيرة عند بعضهم)، ثم طوردت كاميليا ورفيقها الشيخ أبو يحيى حتى قبض عليهما، ولا أحد يدري إلى الآن أين هي؟
كان من المتخاذلين ساعتها الإخوان.. وهي صفحة سوداء من صفحاتهم، إذ لم يريدوا أن يُتَّهموا بإثارة الفتنة الطائفية خصوصا وانتخابات برلمان 2010 على الأبواب..
ساعتها راسلت بعض المشايخ وحادثت بعضهم، وكانت الردود في عمومها سلبية، فكدت في هذه الأيام أن أصاب بالجنون.. الجنون بمعنى الكلمة.. الجنون الذي يمنعك من النوم ومن التركيز ومن تذوق الطعام ومن الثبات في الصلاة.. شعور أتمنى ألا يمر به أحد من الأحباب.
كنت أتساءل: ماذا تفعلون إذن؟ لماذا تدعون إلى الله وتجوبون البلاد والمدن والقرى وتكتبون وتخطبون وتنفقون الأموال وتتعرضون للمتاعب إذا كنتم تفرطون في ثمرة الدعوة بكل بساطة؟!!
ما نفعكم إذا كنتم تدعون إلى الله فإن استجاب لكم أحد أسلمتموه وخذلتموه وتركتموه في أيدي الكافرين ليفتنوه عن دينه؟
ومن ذا الذي سيجرؤ على الإسلام بعدئذ إذا كان هذا مصير من يسلم؟!
ثم ألا ينبغي أن نفكر مرة أخرى في حكم هذا الحاكم وهؤلاء الجنود الذين يُسلمون المسلمين إلى الكفار مرة أخرى؟!
***
منذ تلك الأيام صرت أكثر تقبلا لعجائب من هذا النوع، لم يعد الأمر غريبا على حسي ووجداني، وبرغم كل السخط كنت متفهما أن يحجم كثير منهم عن مساندة الثورة، فالثورة عمل مجهول لا أحد يتوقع آثاره ولا نهايته ولا مستقبله (وليس هذا بعذر لأن كل مستقبل بغير مبارك أفضل مما كنا فيه، لكن أتفهم أن يكون عذرا عند البعض).
إنما الذي جدد هذه المشاعر ما صنعه البعض في هذا الانقلاب.. فهذا الذي لم يكن أحد ليجهل ما الذي يعنيه إسقاط مرسي من الكوارث، ولو أن بعضهم كان يجهل ويظن أن إسقاط مرسي أفضل من بقائه فهذا لا يستحق أساسا أن يسمع له لأنه -في أحسن الأحوال- مختل عقليا.
ومثل هذا حين يقود الناس أو يسمع له الناس كمثل القائل:
أعمى يقود بصيرا لا أبا لكمو .. قد ضلّ من كانت العميان تهديه
أما الذي يعلم ويدعم، أو يعلم ويرضى، أو يعلم ويسكت.. فهذا كيف نبحث له عن عذر؟!!
ها قد صار لنا نحو ثلاثة أشهر على الانقلاب، بدا فيها للأعمى ما لم يكن باديا له قبلها، فعلم ما لم يكن يعلم، وظهر لمن بحث عن مكاسب ونصيب أنه لم يتلقى سوى الصفعات المتتالية المهينة.
والدعوة التي بذلتم فيها أعماركم صارت تسرق منكم أمام أعينكم، فلا فضائيات ولا مساجد ولا منابر.. ولا حتى احترام!!
ومنذ قليل شاهدت فيديو لعائلات في المنوفية تفكر في التنصر لكي تحظى بحماية الكنيسة من بطش الدولة، ولن أفكر في لومهم قبل أن ألوم من أوصلنا إلى هذه الحال.
لن أحدثكم عن المقاتل والمظالم والانتهاكات التي رآها الجميع، أحدثكم عن كراسيكم المهددة.. نعم، كراسي المساجد التي ارتضيتم أن تكون أول الدعوة وآخرها، فالسعي لها هو الجهاد والجلوس عليها هو التمكين.. حتى هذه الكراسي والمنابر تؤخذ منكم.
حتى الناس الذين أنفقتم أعماركم في جذبهم للدين صاروا أسرى يتلاعب بهم العلمانيون حتى بغضوهم في الدين وأهله وجعلوا كثيرا منهم يغني "تسلم الأيادي" للمجرم السفاح قاتل الراكعين الساجدين.
فيم أنفقتم حياتكم؟! ولماذا؟!
إن لم تدافعوا عن دينكم فدافعوا حتى عن مقامكم، عن أنفسكم، عن أجيال ظلت تسمع لكم سنين عددا، منهم من قُتِل ومنهم من أُسِر ومنهم من انتهك عرضه، ومنهم من لا زال تحت السياط يذوق بأسا كنت شركاء فيه..
لماذا أنفقتم حياتكم في أمر إذا كنتم على استعداد للتخلي عنه وتسليمه بكل بساطة، وأحيانا: بكل سعادة؟!!!
صدق الله:
"كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا"
Published on September 25, 2013 13:10
September 24, 2013
الواقع قهر الخيال!
منذ تولى مرسي رئاسة الجمهورية عاشت مصر مرحلة من الأعاجيب النادرة التي لن تتكرر، إذ لن يسمح رئيس –مهما بلغ من السماحة- أن يترك الإعلام ينهش فيه على نحو ما فعل مرسي من بعد ما رأى الجميع إلى أين انتهى المصير.
في تلك الشهور سادت في أوساط الشباب عبارات على نحو "الواقع غلب الخيال"، "الواقع فجَّر الخيال"، "الواقع دمَّر الخيال"، ونحو ذلك.. ومن الأمثلة الشهيرة قولهم "باسم يوسف سب رئيس الجمهورية وعماد أديب (أحد أصحاب قناة سي بي سي) فمُنِع البرنامج لأنه سبَّ عماد أديب"!!، وقولهم "في مصر: الرئيس يدعو للحوار والمعارضة هي التي ترفض"، وقولهم "في مصر يمكنك مهاجمة قصر الرئاسة وبيت الرئيس لكن لا يمكنك مهاجمة وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية".
ثم جاء الانقلاب العسكري بما هو أعجب وأغرب، فقد قيل: "إذا ترشح البرادعي وحمدين وأيمن نور في الانتخابات، فليحتشد أنصار البرادعي في ميدان سفنكس، وأنصار حمدين في ميدان الحجاز، وأنصار أيمن نور في ميدان طلعت حرب، وسيرسل السيسي طائرة تصور الميادين الثلاثة ثم يختار من بينهم رئيس الجمهورية"!!
هذا الرأي لا يخلو من مزايا، فبه سنوفر نفقات الانتخابات والطباعة والتأمين كما سنوفر مجهود القضاة والموظفين في استقبال الناس وحساب الأصوات، ومجهود وسائل الإعلام في الانتشار على مساحة الجمهورية ليتركز مجهودهم في ثلاثة ميادين.. وما نفع كل الانتخابات إذا كانت الإرادة الشعبية تحسبها طائرة وكاميرا ورجل عسكري قابع خلف الشاشات؟!!
هل كان الخيال يصل إلى هذا الحد؟!
هكذا.. قهر الواقع الخيال، وأنتج هذا المشهد:
بضع ساعات احتشد فيها الناس بعد عام من حشد إعلامي غير مسبوق، وفي رعاية أمنية وعسكرية كاملة، وامتلأت الميادين في لحظات النسيم التي تسبق الغروب وتنتهي في منتصف الليل.. كان هذا كافيا لينحسم خيار "الإرادة الشعبية".
بينما أربعون يوما كاملة، بنهارها وليلها، في الحرّ والصيام، في كافة أنحاء البلاد من أقصاها إلى أقصاها، ومع مذابح متتالية: الحرس الجمهوري والمنصة ورمسيس (في القاهرة) بخلاف باقي المحافظات، وفي غياب أي نصير أو ظهير إعلامي (بعد إغلاق القنوات لحظة الانقلاب) لم تكن كافية ليظهر إلى أي جانب تميل الإرادة الشعبية!!
إن مناقشة هذا الأمر هو سفه بحد ذاته، لكن الموجة الإعلامية الخالية من كل منطق عقلي أو أخلاق إنسانية جعلت كثيرا من البديهيات في حاجة إلى مناقشة وتنزل!
***
خلاصة ما حدث أن الانقلاب أُعِدَّ له منذ شهور، ربما منذ تولى مرسي الحكم، ثم عملت الأطراف نحو خروج "مشهد" يتيح لها تنفيذ جريمة الانقلاب، ولو لم يستطيعوا الحصول على هذا المشهد الجماهيري فقد كانت الخطة البديلة هي تفجير عنف واسع لنحصل على "مشهد" انفلات أمني يجعل تنفيذ الانقلاب "إنقاذا للوطن" من الفوضى والضياع، وقد علمنا الزمان أن "المجرم المسلح قادر على اختلاق الذرائع لتنفيذ رغباته".
قالت تسيبي ليفني، وزيرة الخارجة الإسرائيلية السابقة، في محاضرة لها بمعهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل بتاريخ 17 نوفمبر 2012:
"ثمة أشياء غير مقبولة... كل قائد ودولة في المنطقة يجب أن يقرروا: إما أن يكونوا جزءا من معسكر الإرهاب والتطرف، أو معسكر البراجماتية والاعتدال، وإذا قرر قائد دولة ما مسارًا آخر فسيكون هناك ثمن لهذا... أعلم أنه حين أتحدث عن تركيا، أو عن أردوغان، أو عن الحزب الذي يحتفل الآن بمرور عشر سنوات على نشأته، أن الأمر ليس فقط حول المصالح، أنا مدركة أن الأمر يتعلق أيضا بالأيديولوجية، ولا أريد أن أقلل من أهمية الأيديولوجية، وأعلم أنها جزء من سياسة الحكومة في تركيا، لكنني أؤمن أن آخر شيء يجب فعله هو أن نقول: هذه أيديولوجية، ولا نستطيع أن ننتصر فيها، [حينئذ] نخسر تركيا، تركيا تتطرف أكثر... أؤمن أنه في النهاية عندما يتعلق الأمر بالقادة، فإنه يجب عليهم أن يختاروا ما هو أفضل لدولهم، وليس فقط أيديولوجية أحزابهم، وحيث أن تركيا في موقف حساس تماما، وحيث أنها تواجه مخاطر مختلفة في المنطقة طبقا لفهمهم، أؤمن أننا نستطيع مع الولايات المتحدة ومع المجتمع الدولي المصالح التي يمكن أن تخلق، ربما ليس نفس العلاقة، لكن علاقات بين إسرائيل وتركيا، مبنية على مصالح، وليس على أيديولوجية حزب لا نستطيع أن نشاركها للأسف، أعلم أن هناك في إسرائيل من ينظرون إلى خارجها بخوف وقلق، يظنون أن العالم يتغير وأنه لا يوجد ما يستطيعون فعله بخصوص هذا التغيير، وصحيح أن العالم يتغير وأن المنطقة تتغير، وصحيح أيضا أنه لدينا متطرفين أكثر في المنطقة، وقادة يريدون أن يختاروا مسارهم وطريقهم، لدينا في مصر مرسي الذي يمثل الإخوان المسلمين، وملك الأردن يواجه مشاكله أيضا، إيران تستمر في محاولاتها لإنجاز قنبلة نووية، لكن لا يمكنني أن أقبل فكرة أنه لا يوجد شيء نفعله حيال هذه التغيرات، لا أستطيع قبول فكرة أن تقول إسرائيل: "حسنا، العالم ضدنا، أردوغان إسلامي، ولا أمل في أي تغيير، وأنه يجب أن نتكاتف سويا، وأن نتحد ضد هؤلاء الذين يعادوننا، وألا نفعل شيئا"، أعتقد أن هذه فكرة خاطئة، وأعتقد أن هذه ليست السياسة المناسبة لدولة إسرائيل، مسؤولية أي حكومة إسرائيلية هي العثور على طريقة إعادة تعريف المصالح والعمل المشترك مع الدول الأخرى، من الممكن أن تكون هذه الطريقة علنية أو غير علنية، إذا لم يكن هذا ملائم لبعض قادة المنطقة، لكن هذه مسؤوليتنا، لأن عزلتنا أثناء التغيير الحادث في المنطقة هو أمر لا نستطيعه، إننا لا نستطيع أن نشكل مستقبل المنطقة، لكننا نستطيع أن نؤثر على العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة بما فيها تركيا".
وقبل ليفني بثلاثة أيام كتب إعلامي مشهور -تدور حول علاقاته بالمخابرات الأمريكية أسئلة كثيرة- على صفحته في موقع تويتر "اللهم بلغنا يونيو"، أي قبل الانقلاب بأكثر من سبعة أشهر.
وقد أفلت لسان البرادعي بعد الانقلاب بيوم واحد، في حواره مع النيويورك تايمز (4/7/2013) حين صرح بأنه "بذل جهودا مضنية لإقناع الغربيين بضرورة إزاحة مرسي بالقوة"، ولا يجد المرء تفسيرا لهذا التصريح إلا أن يكون رسالة لشركائه في الانقلاب، غير أن الشركاء ألقوا بالرسالة في مزبلة، وغادر البرادعي مصر بخفيّ حنين!
ومثله أفلت لسان منى مكرم عبيد في محاضرة لها بمعهد دراسات الشرق الأوسط في أمريكا بعد الانقلاب بأسبوع واحد (الخميس 11/7/2013) فكشفت عن أن الوزير السابق حسب الله الكفراوي –وبتكليف من قيادة الجيش- جمعت بعضها من النخبة المصرية (العلمانية) وطلبت منهم كتابة ورقة بمطالبهم وأن يجمعوا عليها أكبر قدر من توقيعات النخبويين على أن تسلَّم إليهم قبل الثالثة عصرا، وكان هذا صباح يوم 30 يونيو، أي قبل أن يحدث أي مشهد احتشاد "يبهر" أحدا أو يثير عواطف أحد فيفكر في أن "يحنو على الشعب".
بل لقد كفانا قائد الانقلاب نفسه في حواره الأشهر مع الواشنطن بوست (3/8/2013) والذي قال فيه كلاما كثيرا مهما على مستوى فهم الانقلاب، لعل أهمه هاتان العبارتان:
1. "الإخوان أكثر إخلاصا لمعتقداتهم الإسلامية أكثر من وطنهم". 2. وحين سُئِل عن نيته الترشح للرئاسة أفاد بأنه "لم يصل بعد لاستبعاد هذا الاحتمال". وقبل كتابة هذه السطور بأيام سربت تسجيلات صوتية لمبارك (الذي قامت الثورة ضده) وهو يدعم ترشح السيسي لرئاسة الجمهورية، بما يجعل كل سؤال يناقش كون ما حدث ثورة أو انقلابا من نظام مبارك نوعا من السفاهة والجنون!
لكن –برغم كل هذا- يظل النقاش دائرا وحاميا، إذ الواقع في مصر قهر الخيال!
نشر في مجلة البيان
Published on September 24, 2013 23:39
September 15, 2013
بر الزنج.. الملحمة الدائمة
رواية: بر الزنج / تأليف: عمرو عبد العزيز / سبتمبر 2013 / نسخة إلكترونية
الانترنت عدو الدولة المركزية..
ويمكن الحديث عن التاريخ باعتباره ثلاث مراحل: ما قبل الدولة المركزية، الدولة المركزية، ما بعد الانترنت!
قبل الدولة المركزية كان المجتمع يفرز قيمه وأفكاره، فالعالِم هو من استمع له الناس لا من عينه السلطان، والشاعر هو من طرب الناس لشعره لا من اتخذه السلطان. أما في عصر الدولة المركزية فالقول ما قالت الدولة، والأدب ما أرادت له الدولة أن يكون أدبا، والخطيب لا يرتقي المنبر إلا بتصريح رسمي، وصارت أدوات التوجيه تحت سيطرة النظام، فلا يسمع الناس إلا شعراء الدولة ولا يعرفون غير فقهائها، فصاغت الدولة مجتمعا على قالبها وطريقتها. حتى إذا جاء الانترنت وتواصل الناس بلا رقيبكانت تلك المقدمة ضرورية، ونحن نناقش رواية كتبها شاب لم يتم الثلاثين بعد، متخرج في كلية العلوم، لم يعرفه الناس إلا من خلال تيار مقالاته وأفكاره التي لا ينشرها إلا على الانترنت، وهو الآن أحد من يوصفون بأنهم "النخبة الإسلامية على الانترنت"، على الأقل في مصر، وبغير الانترنت لا كان عمرو عبد العزيز من الكاتبين ولا له جمهور يعرفهم ويعرفونه ويتابعونه، ولا حصل على مصادر تؤهله لاكتساب ما اكتسبه من معرفة.
ففي عالم الانترنت عاشت الرواية، منذ تكونت كبذرة حتى صارت مولودا، وفيه نشرت ومنه قُرِئت، وعليه ينشر هذا النقد أيضا! وبدونه لم تكن لتكتب، فهي رواية تضيق عنها صدور الأنظمة الحاكمة.
(1)
بر الزنج، أو زنجبار، تلك الجزيرة الراقدة على الساحل الشرقي الإفريقي، لا يكاد يهتم بها أو يسمع عنها أحد من العرب والمسلمين الآن، وأقل القليل هم من يعرفون أنها كانت جزءا من بلاد العرب والمسلمين قديما، بل كانت عاصمة لسلطنة عمان، تلك التي كانت تتمدد من شواطئ الهند الجنوبية الغربية، مرورا بمناطق في فارس، وتعبر على أرض عمان المعروفة الآن ثم تنسدل جنوبا لتسيطر على غالب الشاطئ الشرقي الإفريقي.
كان العرب يسمون ذلك الشاطيء "برَّ الزنج" على اعتبار أن الشاطيء الآسيوي هو "برَّ العرب"، واتخذت تلك الجزيرة ذات الاسم الذي اتخذه الساحل الإفريقي، وهناك جرت أهم أحداث قصتنا التي كانت بعيون الفتى النجدي التميمي "راكان" الذي وقع أسيرا لدى سلطان عمان في الحروب المشهورة التي جرت في العشرية الأولى من القرن التاسع عشر بين الوهابيين والعمانيين، ثم تنقل به الحال حتى استقر أمره فأحب وتزوج وأنجب وسُجِن ومات في زنجبار!
يرتكب الكاتب خطأ فاحشا إذ يكتب عن الرواية فيلخص أحداثها في مقاله، فهو بهذا كمن يقتلها، بل يكفي المؤلف حسرةً أن يرى كل عناصر تشويقه التي اجتهد ليحبكها ويسترها لتظل مفاجأة وقد كشفها الكاتب بلا رحمة!!
ولهذا، فإن ما يمكن أن نكتبه عن الرواية يتمثل في: عمودها وملحمتها حيث فكرتها الرئيسية، وما نأخذه عليها من أمور.
(3)
شخصية راكان، بطل الرواية، تمثل المؤلف في تدفق أفكارها، هي ذات الأفكار التي تؤرق الشباب الإسلامي حتى الآن، إنه الواقع المتكرر المتجدد المُعاد، والذي كلما بدا أن ثمة شيئا ما سيكسر الدائرة الجهنمية المغلقة اتضح أنه حلقة جديدة أضيفت لذات الدائرة.
الأمة غير قادرة على اختيار حكامها، وحُكامها الذين يتحكمون في مواردها ومصائرها وينسجون سياستها ومستقبلها ليسوا أوفياء –أو حتى ليسوا راغبين- لدينها وهويتها وثقافتها بما تفرضه عليهم هذه الأمور من قِيَم وسياسات وعلاقات مع الآخرين.
وقد جاءت لحظة الضعف الكبرى في تاريخ الأمة في وقت حرج على مسار التاريخ الإنساني، لحظة الثورة الصناعية التي جعلت الفوارق تتسع بسرعة بين من دخلوا العصر الصناعي ومن لم يدخلوه بعد، لا سيما في المجال العسكري (كل تقدم علمي لا ينعكس على التقدم العسكري فليس مؤثرا في مسار التاريخ)، وهكذا جاء العدو المتفوق يلبس ثوب التاجر والصديق ثم يعرض المساعدة العسكرية على الحاكم العربي المسلم ضد أخيه العربي المسلم ولو كان النزاع بينهما على قطعة من صحراء لا تسمن ولا تغني من جوع إلا من جوع وشهوة السلطان فقط.
وإذ يكون الحاكم غير وفيّ لقيم لدينه وهويته فهو لا يتردد في أن يستعين بالعدو الأجنبي على أخيه المسلم، ويبذل من المقابل ما يظن أنه لن يؤثر على سلطانه أو ما يظن أنه سوف يستعيده يوما ما، هذا اليوم الذي لا يأتي أبدا.
يلتقي المسلمون بسيوفهم فيتناحرون ويهلك بعضهم بعضا، ويعين العدو بعضهم على بعض، وبمضي الأيام ينتقل العدو من موقع الإعانة العسكرية والصديق التجاري إلى موقع الهيمنة السياسية، فلا يُنصَّب السلطان إلا بموافقة القنصل الأجنبي، فإن لم يكن كانت الحرب، أو الاغتيال، أو إعانة حاكم آخر عليه.
راكان الذي يبدأ أول حياته متسائلا عن آثار الاستبداد، وإن اعترف بقوة السلطان وشدة شكيمته، يعيش قرابة القرن حتى يرى السلطنة العظيمة وقد تفتَّت إذ آلت إلى الأبناء الضعفاء الذين تحكم فيهم العدو الأجنبي (الذي أدخله السلطان القوي في المعادلة ابتغاء مغنم قصير وسريع) حتى أهلكهم.
ولو أنه عاش أكثر من ذلك لرأى المأساة الكبرى، مأساة انتهاء حكم العرب في زنجبار، تلك المذبحة الرهيبة الهائلة التي أنهت سبعة قرون في تسع ساعات، فهذه ثمار الاستبداد واتخاذ العدو حليفا وتمكينه من بلاد المسلمين.. ولهذا كتب المؤلف أول الرواية "بعدما تنتهي من هذه الرواية، وسواء أعجبتك أم لم تعجبك، عليك البحث بنفسك عن مصير العرب النهائي في زنجبار".
راكان، هو كل شاب إسلامي يتوقف عند ضرورة أن تختار الأمة من يحكمها، فهي وحدها الضمان لاختيار الأصلح، وعلماءها هم الأمناء على هذه العملية، وإلا فإنها لن تهنأ بشيء بعد ذلك: لا حرية في ظل المستبد ولا حرية في ظل المحتل الذي سيأتي به المستبد آخر الأمر وإن طال الزمن.
والعالِم الذي سيُسَلِّم للمستبد فلا يقاوم استبداده أو حتى يشرعنه له، رغبة أو رهبة، هو ذاته الذي لن يهنأ بكرامة في حياته أو مماته، وكذلك الجنود، وكذلك كل الناس.. متى صارت الأمة في يد المستبد صارت سجينة عنده يملك مصيرها فيوردها موارد الهلاك.
هذه المعاني الجافة نسجتها الرواية بين صحراء نجد وقلاع عمان وبحر الخليج ومروج زنجبار وبحر الهند، بين السيوف والرصاص ومدافع البارود وأعلام السفن الحربية، بين روائح القرنفل والتوابل وأمام شمس تغوص في موج المحيط.
وعلى ضفاف هذا النهر الرئيسي تنبت معانٍ أخرى في العبودية والقبلية والحب والزواج وأثر المحن على الرجال، وكيف يفعل السجن الطويل بصاحب الأفكار الفتية، وغيرها.
(4)
وأما ما نأخذه على الرواية فثلاثة أمور: تاريخية وفنية ولغوية.
فأما التاريخية فهي أنها لم تكتمل، ولو أنها اكتملت حتى انتهاء عصر العرب في زنجبار لكانت الفائدة أكبر وأعظم والفكرة أوضح وأنقى وأصفى.. وقد حدثت المؤلف في هذا فأبدى استعدادا أن يكتب رواية أخرى كتتمة لها، فاللهم أعنه.
وأما الفنية فهي طول حديث النفس لدى المؤلف أحيانا، مما جعلها تبدو كموعظة مباشرة خالية من الثوب الفني الذي تتسرب فيه الأفكار بسلاسة. وكذلك فقر بعض الشخصيات الرئيسية التي لم نعرف عنها سوى ملامح بسيطة وكان ينبغي –فيما أتصور- أن يكون تصويرها أعمق. ثم استعارة تعبيرات وتراكيب حديثة في جمل حوار قديمة، فالأصوب أن يتعمق الكاتب في عصر روايته حتى يستطيع التعبير عن ذلك الزمن بلغته وأسلوبه.
وأما اللغوية فبعض أخطاء غريبة، تلسع وجدان القارئ فتخرجه فجأة من استغراقه في الرواية، لكن هذا أمر يسهل معالجته.
(5)
في نهاية الرواية كان على راكان أن يختار أين يطلق رصاصته الأخيرة: في رأس القائد الإنجليزي أم في رأس ابنه الذي صار حليفهم، وستنتهي الرواية دون أن نعرف على أيهما أطلقها، بل دون أن نعرف هل أصابت أحدهما أم كانت رصاصة طائشة!
هذا الصراع بين العاطفة والمبدأ، بين المصلحة والدين، بين مواجهة الخائن أولا أم مواجهة العدو أولا.. هو الصراع الذي آثر أن يختم المؤلف به الرواية دون أن يجيب عليه، ليبقى معلقا ذلك السؤال القديم المقيم: إذا كان العدو والأخ قد صارا شيئا واحدا، فبمن نبدأ رحلة المقاومة؟!!!
رغم كل محاولات الرقابة التي تفرضها الأنظمة ظلت مساحة التواصل وأساليب التفلت من الرقابة فاعلة بقوة.
الانترنت عدو الدولة المركزية..
ويمكن الحديث عن التاريخ باعتباره ثلاث مراحل: ما قبل الدولة المركزية، الدولة المركزية، ما بعد الانترنت!
قبل الدولة المركزية كان المجتمع يفرز قيمه وأفكاره، فالعالِم هو من استمع له الناس لا من عينه السلطان، والشاعر هو من طرب الناس لشعره لا من اتخذه السلطان. أما في عصر الدولة المركزية فالقول ما قالت الدولة، والأدب ما أرادت له الدولة أن يكون أدبا، والخطيب لا يرتقي المنبر إلا بتصريح رسمي، وصارت أدوات التوجيه تحت سيطرة النظام، فلا يسمع الناس إلا شعراء الدولة ولا يعرفون غير فقهائها، فصاغت الدولة مجتمعا على قالبها وطريقتها. حتى إذا جاء الانترنت وتواصل الناس بلا رقيبكانت تلك المقدمة ضرورية، ونحن نناقش رواية كتبها شاب لم يتم الثلاثين بعد، متخرج في كلية العلوم، لم يعرفه الناس إلا من خلال تيار مقالاته وأفكاره التي لا ينشرها إلا على الانترنت، وهو الآن أحد من يوصفون بأنهم "النخبة الإسلامية على الانترنت"، على الأقل في مصر، وبغير الانترنت لا كان عمرو عبد العزيز من الكاتبين ولا له جمهور يعرفهم ويعرفونه ويتابعونه، ولا حصل على مصادر تؤهله لاكتساب ما اكتسبه من معرفة.
ففي عالم الانترنت عاشت الرواية، منذ تكونت كبذرة حتى صارت مولودا، وفيه نشرت ومنه قُرِئت، وعليه ينشر هذا النقد أيضا! وبدونه لم تكن لتكتب، فهي رواية تضيق عنها صدور الأنظمة الحاكمة.
(1)
بر الزنج، أو زنجبار، تلك الجزيرة الراقدة على الساحل الشرقي الإفريقي، لا يكاد يهتم بها أو يسمع عنها أحد من العرب والمسلمين الآن، وأقل القليل هم من يعرفون أنها كانت جزءا من بلاد العرب والمسلمين قديما، بل كانت عاصمة لسلطنة عمان، تلك التي كانت تتمدد من شواطئ الهند الجنوبية الغربية، مرورا بمناطق في فارس، وتعبر على أرض عمان المعروفة الآن ثم تنسدل جنوبا لتسيطر على غالب الشاطئ الشرقي الإفريقي.
كان العرب يسمون ذلك الشاطيء "برَّ الزنج" على اعتبار أن الشاطيء الآسيوي هو "برَّ العرب"، واتخذت تلك الجزيرة ذات الاسم الذي اتخذه الساحل الإفريقي، وهناك جرت أهم أحداث قصتنا التي كانت بعيون الفتى النجدي التميمي "راكان" الذي وقع أسيرا لدى سلطان عمان في الحروب المشهورة التي جرت في العشرية الأولى من القرن التاسع عشر بين الوهابيين والعمانيين، ثم تنقل به الحال حتى استقر أمره فأحب وتزوج وأنجب وسُجِن ومات في زنجبار!
يرتكب الكاتب خطأ فاحشا إذ يكتب عن الرواية فيلخص أحداثها في مقاله، فهو بهذا كمن يقتلها، بل يكفي المؤلف حسرةً أن يرى كل عناصر تشويقه التي اجتهد ليحبكها ويسترها لتظل مفاجأة وقد كشفها الكاتب بلا رحمة!!
ولهذا، فإن ما يمكن أن نكتبه عن الرواية يتمثل في: عمودها وملحمتها حيث فكرتها الرئيسية، وما نأخذه عليها من أمور.
(3)
شخصية راكان، بطل الرواية، تمثل المؤلف في تدفق أفكارها، هي ذات الأفكار التي تؤرق الشباب الإسلامي حتى الآن، إنه الواقع المتكرر المتجدد المُعاد، والذي كلما بدا أن ثمة شيئا ما سيكسر الدائرة الجهنمية المغلقة اتضح أنه حلقة جديدة أضيفت لذات الدائرة.
الأمة غير قادرة على اختيار حكامها، وحُكامها الذين يتحكمون في مواردها ومصائرها وينسجون سياستها ومستقبلها ليسوا أوفياء –أو حتى ليسوا راغبين- لدينها وهويتها وثقافتها بما تفرضه عليهم هذه الأمور من قِيَم وسياسات وعلاقات مع الآخرين.
وقد جاءت لحظة الضعف الكبرى في تاريخ الأمة في وقت حرج على مسار التاريخ الإنساني، لحظة الثورة الصناعية التي جعلت الفوارق تتسع بسرعة بين من دخلوا العصر الصناعي ومن لم يدخلوه بعد، لا سيما في المجال العسكري (كل تقدم علمي لا ينعكس على التقدم العسكري فليس مؤثرا في مسار التاريخ)، وهكذا جاء العدو المتفوق يلبس ثوب التاجر والصديق ثم يعرض المساعدة العسكرية على الحاكم العربي المسلم ضد أخيه العربي المسلم ولو كان النزاع بينهما على قطعة من صحراء لا تسمن ولا تغني من جوع إلا من جوع وشهوة السلطان فقط.
وإذ يكون الحاكم غير وفيّ لقيم لدينه وهويته فهو لا يتردد في أن يستعين بالعدو الأجنبي على أخيه المسلم، ويبذل من المقابل ما يظن أنه لن يؤثر على سلطانه أو ما يظن أنه سوف يستعيده يوما ما، هذا اليوم الذي لا يأتي أبدا.
يلتقي المسلمون بسيوفهم فيتناحرون ويهلك بعضهم بعضا، ويعين العدو بعضهم على بعض، وبمضي الأيام ينتقل العدو من موقع الإعانة العسكرية والصديق التجاري إلى موقع الهيمنة السياسية، فلا يُنصَّب السلطان إلا بموافقة القنصل الأجنبي، فإن لم يكن كانت الحرب، أو الاغتيال، أو إعانة حاكم آخر عليه.
راكان الذي يبدأ أول حياته متسائلا عن آثار الاستبداد، وإن اعترف بقوة السلطان وشدة شكيمته، يعيش قرابة القرن حتى يرى السلطنة العظيمة وقد تفتَّت إذ آلت إلى الأبناء الضعفاء الذين تحكم فيهم العدو الأجنبي (الذي أدخله السلطان القوي في المعادلة ابتغاء مغنم قصير وسريع) حتى أهلكهم.
ولو أنه عاش أكثر من ذلك لرأى المأساة الكبرى، مأساة انتهاء حكم العرب في زنجبار، تلك المذبحة الرهيبة الهائلة التي أنهت سبعة قرون في تسع ساعات، فهذه ثمار الاستبداد واتخاذ العدو حليفا وتمكينه من بلاد المسلمين.. ولهذا كتب المؤلف أول الرواية "بعدما تنتهي من هذه الرواية، وسواء أعجبتك أم لم تعجبك، عليك البحث بنفسك عن مصير العرب النهائي في زنجبار".
راكان، هو كل شاب إسلامي يتوقف عند ضرورة أن تختار الأمة من يحكمها، فهي وحدها الضمان لاختيار الأصلح، وعلماءها هم الأمناء على هذه العملية، وإلا فإنها لن تهنأ بشيء بعد ذلك: لا حرية في ظل المستبد ولا حرية في ظل المحتل الذي سيأتي به المستبد آخر الأمر وإن طال الزمن.
والعالِم الذي سيُسَلِّم للمستبد فلا يقاوم استبداده أو حتى يشرعنه له، رغبة أو رهبة، هو ذاته الذي لن يهنأ بكرامة في حياته أو مماته، وكذلك الجنود، وكذلك كل الناس.. متى صارت الأمة في يد المستبد صارت سجينة عنده يملك مصيرها فيوردها موارد الهلاك.
هذه المعاني الجافة نسجتها الرواية بين صحراء نجد وقلاع عمان وبحر الخليج ومروج زنجبار وبحر الهند، بين السيوف والرصاص ومدافع البارود وأعلام السفن الحربية، بين روائح القرنفل والتوابل وأمام شمس تغوص في موج المحيط.
وعلى ضفاف هذا النهر الرئيسي تنبت معانٍ أخرى في العبودية والقبلية والحب والزواج وأثر المحن على الرجال، وكيف يفعل السجن الطويل بصاحب الأفكار الفتية، وغيرها.
(4)
وأما ما نأخذه على الرواية فثلاثة أمور: تاريخية وفنية ولغوية.
فأما التاريخية فهي أنها لم تكتمل، ولو أنها اكتملت حتى انتهاء عصر العرب في زنجبار لكانت الفائدة أكبر وأعظم والفكرة أوضح وأنقى وأصفى.. وقد حدثت المؤلف في هذا فأبدى استعدادا أن يكتب رواية أخرى كتتمة لها، فاللهم أعنه.
وأما الفنية فهي طول حديث النفس لدى المؤلف أحيانا، مما جعلها تبدو كموعظة مباشرة خالية من الثوب الفني الذي تتسرب فيه الأفكار بسلاسة. وكذلك فقر بعض الشخصيات الرئيسية التي لم نعرف عنها سوى ملامح بسيطة وكان ينبغي –فيما أتصور- أن يكون تصويرها أعمق. ثم استعارة تعبيرات وتراكيب حديثة في جمل حوار قديمة، فالأصوب أن يتعمق الكاتب في عصر روايته حتى يستطيع التعبير عن ذلك الزمن بلغته وأسلوبه.
وأما اللغوية فبعض أخطاء غريبة، تلسع وجدان القارئ فتخرجه فجأة من استغراقه في الرواية، لكن هذا أمر يسهل معالجته.
(5)
في نهاية الرواية كان على راكان أن يختار أين يطلق رصاصته الأخيرة: في رأس القائد الإنجليزي أم في رأس ابنه الذي صار حليفهم، وستنتهي الرواية دون أن نعرف على أيهما أطلقها، بل دون أن نعرف هل أصابت أحدهما أم كانت رصاصة طائشة!
هذا الصراع بين العاطفة والمبدأ، بين المصلحة والدين، بين مواجهة الخائن أولا أم مواجهة العدو أولا.. هو الصراع الذي آثر أن يختم المؤلف به الرواية دون أن يجيب عليه، ليبقى معلقا ذلك السؤال القديم المقيم: إذا كان العدو والأخ قد صارا شيئا واحدا، فبمن نبدأ رحلة المقاومة؟!!!
رغم كل محاولات الرقابة التي تفرضها الأنظمة ظلت مساحة التواصل وأساليب التفلت من الرقابة فاعلة بقوة.
Published on September 15, 2013 08:36
بعض ما فقهه هنتنجتون (2)
ذكرنا في المقال السابق أن كثيرا من المتعة والفائدة كامن في قراءة الإنتاج الغربي عن العالم الإسلامي في لحظات شعورهم بالتفوق، ففي تلك اللحظات يكون الطرح أعمق وأهدأ ومتحررا من ضغط التهديد والمخاوف.. وقد رأينا أن كتاب "صدام الحضارات" لصمويل هنتنجتون وبرغم أنه من أشهر الكتب التي صدرت وقُرِأت عبر العقدين الماضيين إلا أن الانشغال بتحليله ومواجهة منطقه الصدامي ساهم في إغفال النظر عن كثير من الحقائق التي رصدها وبنى عليها أفكاره، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع الأفكار إلا أنه لا يسع أحدا أن يتجاوز رصد الحقائق؛ تلك الحقائق التي ينبغي أن ينتبه لها المسلمون وفي الطليعة منهم تلك النخبة المتغربة التي يتخذها الغرب قفازا لأعمالهم القذرة في بلادنا عساهم يبصرون أو يعقلون!
وقد ذكرنا في المقال السابق رصده لحقيقة أن فشل وانحسار العلمانية ظاهرة عالمية في كل الحضارات، وأن فرض التغريب على مجتمعات لا تقبله يُنشئ فيها ظاهرة "البلدان الممزقة".. وها نحن نواصل المسيرة في هذه السطور القادمة.
***
3. ضرورة العودة إلى الهوية والمحلية لصناعة إنجاز
رُصِدت ظاهرة أَطلق عليها رونالد دور اسم "الجيل الثاني لظاهرة التأصيل" وهي تعني أن الجيل الأول الذي ذهب إلى الغرب وتعلم في جامعاته ثم عادوا إلى أوطانهم فدرسوا في الجامعات لم يستطيعوا أن ينشئوا جيلا أكثر تمسكا بالغرب بل على العكس؛ جاء الجيل الثاني –وهو الأكبر حجما- ليكون أكثر استيعابا لما عند الغرب وفي ذات الوقت أكثر تمسكا بهويته وثقافته المحلية وأكثر نقدا للغرب وقيمة وأقل احتكاكا به وبلغته وآدابه.
لم يوافق هنتنجتون على هذا الكلام بل لقد طرح أن ذات الجيل الأول نفسه وإن تعلم في الغرب ما إن يعود إلى بلاده ويريد إنشاء نهضة فيها –مستفيدا من الغرب- إلا ويقترب من هويته وثقافته ويتحول إلى زعيم محلي، وضرب مثلا على ذلك بالزعيم الباكستاني محمد علي جناح الذي عاد من أكسفورد ليصير "زعيما مسلما"، وهاري لي السنغافوري أصبح الزعيم السنغافوري "لي كوان يو"، وكذلك باندرانايكا التي تحولت من المسيحية إلى البوذية واستعانت بالقومية السنهالية لتكون رئيسة وزراء سريلانكا! لم يعد الغرب قادرا على مساعدة الزعماء في الدول المحلية ومن ثم ليس أمام من يريد الزعامة إلا أن يلجأ إلى قومه وأن يجد فيهم وبهم أسباب زعامته
يرصد جيل كيبل
وأطال في رصد رجوع الناس إلى هوياتهم في العالم الإسلامي والهند والصين وكوريا وروسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي ورصد ارتفاع نسب التدين والإقبال على دور العبادة في دول أمريكا اللاتينية وأمريكا الجنوبية، بل وداخل أمريكا نفسها، ثم انتهى إلى القول بأنه "حينما يوجد صراع فإن "ثأر الله" يلعب الورقة الرابحة؛ ورقة العودة إلى الأصول"
ويبدو المرء المسلم متحسرا حقيقة حين يقرأ لهنتنجتون كلاما دقيقا لا تستوعبه النخب المتغربة في البلاد الإسلامية، خذ هذه الفقرة على سبيل المثال، يقول: "التحركات من أجل الإحياء الديني معادية للعلمانية، ومعادية للعالمية، ومعادية للحضارة الغربية أيضا فيما عدا تجلياتها المسيحية، كما أنها معارضة للنسبية وللأنانية وللاستهلاكية المرتبطة بما يُطْلِق عليه بروس ب. لورانسويبقى في توضيح وتأصيل هذا الدرس أمران؛ الأول: هو ما قاله كريستوفر داوسن
الأمر الثاني: أن أمريكا ذاتها حين أرادت أن تكون قوة عالمية وأن تتمثل لها دورا ورسالة لم تقبل بأن تبدأ من تلقاء نفسها بل مدت جذورها لتتصل بالغرب وبفلسفته وتاريخه وثقافته، هذا على الرغم من أن نشأة أمريكا ذاتها كان هروبا من مساوئ أوروبا.. وهذا هنتنجتون الأمريكي يلتمس السبيل لكي يجعل هذا طبيعيا وحتميا وضروريا، ويتجاهل أي خلاف يمكن أن يمثل عائقا أمام هذا التصور، يقول:
"كان الأمريكيون يُعَرِّفون مجتمعهم في مقابل أوروبا.. أمريكا كانت هي أرض الحرية والمساواة والفرصة والمستقبل، أوروبا كانت تمثل الظلم والصراع الطبقي والكهنوت والتخلف، بل كانت هناك محاجة أن أمريكا تمثل حضارة مائزة.
هذا الافتراض بوجود تعارض بين أمريكا وأوروبا، كان بقدر كبير نتيجة لحقيقة قائمة، وهي أنه حتى نهاية القرن التاسع عشر لم يكن لأمريكا سوى علاقات محدودة بالحضارات غير الغربية، وبمجرد أن خرجت الولايات المتحدة إلى المشهد العالمي، ظهر الإحساس بالتطابق الأوسع مع أوروبا.
وبينما كانت أمريكا القرن التاسع عشر تُعَرِّف نفسها بأنها مختلفة عن أوروبا ومضادة لها، فإن أمريكا القرن العشرين تعرف نفسها كجزء، والحقيقة كقائد، لكيان أوسع وهو الغرب.. الذي يضم أوروبا.
واصطلاح "الغرب" يستخدم الآن بشكل عام للإشارة إلى ما كان يسمى عادة بـ "العالم المسيحي الغربي"، وهكذا فإن الغرب هو الحضارة الوحيدة التي تحدد باتجاه بوصلة، وليس باسم شعب أو دين أو مساحة جغرافية بعينها. هذا التحديد يرفع الحضارة من سياقها التاريخي والجغرافي والثقافي.
ومن الناحية التاريخية فإن الحضارة الغربية حضارة أوروبية، وفي العصر الحديث الحضارة الغربية هي حضارة أوروبية أمريكية أو شمال أطلنطية. يمكن أن نجد أوروبا وأمريكا والشمال الأطلنطي على الخريطة بينما لا يمكن أن نجد الغرب"وهنا نرى كيف أن هنتنجتون نفسه –وهو أمريكي- يتجاوز خلاف المذهب البروتستانتي/ الكاثوليكي، والخلاف التاريخي، والحاجز الجغرافي، والحاجز اللغوي ليسبك المتخالفين في حضارة واحدة.. ورغم أنه يشعر بضعف هذه التركيبة ويعترف بها أحيانا على استحياء ويناور لإخفائها بما استطاع من مهارة، إلا أن الشاهد منها في حديثنا هذا هو أن الأمم التي تتطلع إلى موقع لها على خريطة العالم كلها تستند وتنبعث من تاريخ وجذور تحرص أن يكون عريقا ورائعا وفريدا! فإن الغربيين –وإن نقدوا تاريخهم الوسيط- فإنما يتعلقون ويبعثون تاريخهم القديم!
***
4. التحول الديمقراطي يتصادم مع التغريب
لقد صار رفض الغرب ظاهرة عالمية –يقول هنتنجتون- فالبلاد الإسلامية صار همها "الأسلمة" والهنود صار همهم "التهنيد" والآسيويون صار همهم "الآسينة"! و"تَبَنِّي المجتمعات غير الغربية للتقاليد الديمقراطية الغربية يشجع ويفتح الطريق نحو السلطة أمام الحركات السياسية القومية والمعادية للغرب"
"التحول إلى الديمقراطية يتصادم مع التغريب، والديمقراطية في صميمها عملية محدودة وليست كوزموبوليتانية (عالمية)، والسياسيون في المجتمعات غير الغربية لا يفوزون في الانتخابات عن طريق إظهارهم مدى تغربهم أو تعلقهم بالغرب، بل إن المنافسة الانتخابية تغريهم -بدلا من ذلك- بتقديم ما يتصورون أنه يرضي المطالب الشعبية، والتي عادة ما تكون عرقية ودينية في طبيعتها"
يتجول هنتنجتون بين الجزائر والهند وسريلانكا وجنوب إفريقيا، ليوضح أن التجارب تثبت هذا! ثم يقتبس كلمة إيزوك سكاكيبارا***
ذلك بعض ما فقهه هنتنجتون، أردنا أن نلقي الضوء عليه عسى أن يكون مراجعة لمن يحب أن يقرأ للقوم منبهرا بهم، ويكون إرشادا لمن يقرأ للقوم ليتعرف عليهم ويحذر منهم.. ونسأل الله تعالى التوفيق!
نشر في الحملة العالمية لمقاومة العدوان
صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات ص154، 155. باحث ومفكر فرنسي متخصص في الشأن الإسلامي. صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات ص158. صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات ص165. أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة ديوك، وهو خريج جامعة برنستون عش الاستشراق الأمريكي. سياق العبارة هنا يؤكد أن الرأسمالية هنا باعتبارها نظاما اقتصاديا ماليا وليست مذهبا شاملا أو رؤية كلية. صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات ص166، 168. مؤرخ بريطاني شهير، ومن أهم من كتب في التاريخ الكاثوليكي. صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات ص77، 78. صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات ص155. صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات ص155، 156. في مقال بمجلة الشؤون الخارجية (خريف 1995م) بعنوان: "نهاية التقدمية؛ البحث عن غايات جديدة" Eisuke Sakakibara "The End of Proressivism; A Search for New Goals" Foerign Affairs, 74 (Sep/Oct. 1995), 8-14.
Published on September 15, 2013 08:27
September 9, 2013
الحق الأليم
الطُهْر مؤلم.. للدنسين والمدنسين!
والحقائق مؤلمة.. للمبطلين والكذابين!
والإيمان مؤلم.. للفاسقين والكافرين!!
(1)
أكاد الآن، بعد هذه الخبرة مع الإعلام والعسكر والعلمانيين والنشطاء، أكاد أشعر بنفسية قوم نبي الله صالح وهم يرون أمامهم الناقة المعجزة.. لقد خرجت أمامهم من صخرة، وهي تؤدي دورها بكفاءة معجزة في تزويد الناس بحاجتهم من الألبان، إنها نعمة جليلة وفرصة عظيمة، ومورد اقتصادي مبهر!
لكنها تظل مؤلمة، وحارقة، وقاهرة..
لأنها في كل لحظة تؤكد على صدق صالح، وعلى أنه نبي من عند الله، وعلى أن معبوداتهم هذه باطلة.. إنها تذكرهم في كل لحظة بأنهم على الباطل وبأن صالحا وجماعته على الحق!!
وهذا أمر لا يُطاق..
اتخذوا قرارهم بقتلها مهما تكن العواقب (فعقروها، وعتوا عن أمر ربهم، وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين)!!!
هل كانوا يظنون أن الذي أخرج الناقة من صخرة، وهداها للقيام بهذا الدور المذهل عاجز عن أن يعاقبهم، لا أحسبهم بهذا الغباء.. لكن نفوسهم التي تشبعت بالباطل لم تتحمل أن ترى هذا الكائن الذي يثبت لهم كل لحظة أن صالحا على الحق وأنهم على الباطل، أنهم مبطلون كذابون متعلقون بأهوائهم ومستمسكون بمصالحهم المادية وشهواتهم الجامحة.
لم تتحمل نفوسهم هذا الدليل الحي الذي يعذبهم.. فقتلوها!
ولقد نزل بهم العذاب وهلكوا..
(2)
مجرد وجود الحق يؤلم الباطل..
ينبغي أن نعي أن المعركة وجودية في جوهرها..
هذا شعيب عليه السلام، أُرسل في قومه فآمن به بعضهم وكفر به أكثرهم، وكان السادة والكبراء -كالعادة- في صف من كفروا به..
لقد حدث "الانقسام في الشعب".. قوم آمنوا وقوم كفروا!
فكان قول شعيب (وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أُرْسِلتُ به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين).
لكنهم رفضوا حتى "التعايش" معه، وأعلنوها بوضوح (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا).
(3)
وهكذا كان الأمر بين كل حق وباطل.. الحق نفسه مؤلم للباطل، والحقائق مؤلمة للكذابين، والطُهْر مؤلم للفاسقين.
هؤلاء قوم لوط قالوا (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)
وهذا فرعون، لم يتحمل أن يؤمن أحد بما جاء به موسى فقرر قتل من آمنوا، لكنهم فهموا ما في نفسه فقالوا له (وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا)
وهؤلاء بنو إسرائيل (كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذّبوا وفريقا يقتلون)
وهكذا قال الله لنبيه وهو يخاطب أهل الكتاب (قل با أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون)
والباطل أحيانا يتخوف حتى من الوجود البعيد للحق، ولذلك يسعى في إفنائه، لا في مجرد طرده والتخلص من جواره..
هؤلاء كفار قريش لم يقبلوا حتى بخروج المسلمين من ديارهم، فكانوا يتربصون لهم حتى كان المسلمون يهاجرون في السرّ، وطاردوا النبي (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه لكي يقتلوه قبل أن يفلت من أيديهم.
وهذا كسرى فارس، وصلته رسالة من النبي فأرسل ردا عليها فرقة اغتيال!!
وهذه أمريكا تذرع العالم شرقا وغربا بالجيوش، وترى أن قوما قليلين في بلد فقيرة كأفغانستان يهددون أمنها القومي، وتضرب بطائراتها مجموعات في باكستان والصومال واليمن، وتسيطر ببوارجها على المضايق البحرية ولها قواعد في كل الأنحاء!
(4)
لن تفهم كل هذا إلا إذا فهمت أن:
الطُهْر مؤلم.. للدنسين والمدنسين!
والحقائق مؤلمة.. للمبطلين والكذابين!
والإيمان مؤلم.. للفاسقين والكافرين!!
ومن ذلك تفهم قول شمطاء بأن بنات الحجاب "غفر"، وقول الفاسق بأنهم شعب غير الشعب ولهم رب غير الرب، وتسمع قول التي عُرِفَت بالمجون في العالمين "سأعلمهم الإسلام"، وقول من لا قلم له ولا موهبة وقد تبوأ منصب رئيس تحرير يكتب "هؤلاء كالحشرات لا نريدهم أن يتوالدوا ولا أن يتكاثروا بيينا".. إلى نهاية ذلك التيار ذي الأمواج التي لا تنتهي من الأقوال.. (وما تخفي صدورهم أكبر)
قال تعالى (وإذا لقوكم قالوا آمنا، وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ، قل موتوا بغيظكم، إن الله عليم بذات الصدور).
نشر في رابطة النهضة والإصلاح
Published on September 09, 2013 22:14
September 8, 2013
ذيل على أخبار الحمقى والمغفلين
"أصبح التليفزيون تهديدا للحرية الإنسانية، أكثر خطرا من البوليس والسجون ومعسكرات الاعتقال السياسي، وأعتقد أن الأجيال القادمة –ما لم تكن قدرتها على التفكير قد دُمِّرت تماما- سوف تُصدم باستشهاد الجيل الحالي المستهدف بدون عائق لتأثير هذه القوة الضاربة التي لا رابط لها. فإذا كانت الدساتير في الماضي توضع للحد على سطوة الحكام، فإن دستورا جديدا سنحتاج إله لكبح جماح هذا الخطر الجديد الذي يهدد بإقامة عبودية روحية من أسوأ الأنواع"
[علي عزت بيجوفيتش]
ما رواه كُتَّاب الأخبار والأمثال والطرائف في كتب الأدب وأخبار الحمقى والمغفلين لم يعد يُقال الآن للتندر والضحك ومجالس المفاكهة، بل صار يقال كحقائق جادة على وسائل الإعلام، وحين ينتقل الحمقى والمغفلون من خانة النوادر إلى منافذ التوجيه والتأثير، ينتقل معهم الناس من النور إلى الظلمات، يشترون الضلالة بالهدى وهم لا يبصرون!
السطور القادمة شذرات من رحلة انتقال "الحمقى والمغفلين" من كتب الأخبار إلى شاشات الأخبار.
(1)
منهج تثبيت الكذب
روى ابن قتيبة في عيون الأخبار أن أبا حية النميري، وكان مشهورًا بالجُبن مع الكذب والتعالي، كان له سيف يسميه «لعاب المَنِيَّة» رغم أنه ليس بينه وبين الخشبة فرق، سمع يومًا صوتًا خارج الدار فظنه لِصًّا فخرج حاملًا خشبته ينادي: أيها المغتر بنا والمجترئ علينا، بئس واللّه ما اخترت لنفسك، خير قليل وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهور ضربته لا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك وإلا دخلت بالعقوبة عليك، إني واللّه إن أَدْعُ قيسًا تملأ الأرض خيلًا ورجلًا، يا سبحان اللّه، ما أكثرهم وأطيبهم! ثم فتح الباب فإذا كلب قد خرج، فقال: الحمد للّه الذي مسخك كلبًا وكفاني حربًا.
لكن أبا حية هذا -الذي رُوِيَتْ قصته في كتب الأدب على اعتبار أنها من الطرائف- بُعِث في زماننا إعلاميا وصارت له قناة، واستطاع إقناع الناس حقا بأن الذي في يديه كان سيفا صقيلا وأن الذي حاول التهجم عليه كان بشرا وقد مسخه الله كلبا!!
[شاهد بعضا من ذرية أبي حية النمري]
(2)
تكذيب الصورة
روى أهل الأخبار أن رجلان خرجا للصيد، فأبصرا شيئا أسودا على قمة التلّ، فقال أحدهما لصاحبه: انظر هذا الغراب، فقال صاحبه: بل هو عنزة، وبينما هما يتجادلان إذا به يطير، فقال الرجل: ها هو الغراب قد طار، فقال صاحبه: عنزة! ولو طارت!!
ويبدو أن نسل هذا الرجل قد احتلوا الصحافة والإعلام! ولقد ذهلت مذيعة الجزيرة أمام واحد منهم حين قال لها: لم تكن ثمة مظاهرات اليوم في القاهرة، والتجمعات القليلة لم تزد عن العشرات، قالت له: سيدي لعلك تنظر معنا إلى الشاشة: هل هؤلاء عشرات؟! فقال ببساطة وثقة: نعم!!!
[راجع: نشرة السابعة مساء يوم الأحد 18/8/2013]
ومثلها كان مذيع قناة التركية مع آخر قال له: الآن يجري على كوبري أكتوبر –وينقله التليفزيون المصري- مجموعة من الملثمين يطلقون النار على السكان في البيوت. فسارعت القناة لبث الصورة من التليفزيون المصري فإذا بالكوبري فارغ تماما لا أثر عليه لأحد من الناس، وبرغم الصورة فلقد استمر الرجل يروي تفاصيل ما يقول أنه يحدث!!!
[شاهد الفيديو]
(3)
تحليلات بلا موقف
روى أهل الأمثال أن أرنبا وثعلبا تخاصما عند الضبِّ، قالت الأرنب: يا أبا حسل (من أسماء الضبّ) فقال: سميعا دعوتما، قالت: جئناك لتحكم بيننا، قال: عادلا حَكَّمْتما، قالت: فاخرج إلينا، قال: في بيته يُؤتى الحَكَم، فدخلا عنده فقالت الأرنب: وجدتُ تمرة، قال: حلوة فَكُليها، قالت: فخطفها الثعلب، قال: ما أراد إلا الخير، قالت: فضربتُه، قال: بِحَقِّك أخذتِ، قالت: فضربني، قال: حرٌّ انتصف لنفسه، قالت: فاحكم بيننا، قال: قد حكمت.
وحتى هذه اللحظة لا أحد يدري بماذا حكم أبو حسل؟! لقد برر لكل الأطراف مواقفها ولم يتخذ هو موقفا، ثم ظن نفسه قد حكم في الخصومة!
طائفة أبي حسل تنتشر في وسائل الإعلام الآن، فلا يفعل إلا أن يفسر الماء –بعد الجهد- بالماء، ويصوغ المشهد على نحو ما قال الشاعر:
فكأننا والماء يجري حولنا .. قومٌ جُلوسٌ حولهم ماء
فبعد كل الكلام الكثير، الرتيب الفخيم الكبير النظيم، لا يخرج المشاهد منه بشيء!!
(4)
أَلِّف، ولا تقل: لا أعرف
اشتهر في تاريخ الأدب العربي ابن صاعد الأندلسي، كان ذا بديهة عجيبة، لكنه كان كذّابا، وكان يدَّعي العلم في كل أمر فيخترع ولا يقول لا أعرف، حتى قيل له يوما: ما هو الخنفشار؟ فانطلق يقول في ثقة وثبات: نبات ينبت في أطراف اليمن، أبيض الثمرة بلا رائحة، إذا شربته العير انعقد لبنها، وقد قال الشاعر:
لقد عقدت محبتها بقلبي .. كما عقد الحليبَ الخنفشار
بينما الحقيقة أنه لا شيء اسمه الخنفشار، وإنما أراد السائل أن يفضح ادعاءه العلم.
والآن لا تجد أحدا على شاشة يقول "لا أعرف"، وإنما يمضي في التحليل والتنظير كأنما أحاط بالموضوع علما، وكثيرا ما يبدو من مستوى الكلام مدى إحاطته الفعلية بالأمر، ومنذ ما بعد ثورة يناير صارت كلمة "النخبة" سيئة السمعة في أوساط الشباب، بل قال الكاتب الساخر الراحل جلال عامر عبارته اللاذعة "كان بالإمكان أن أكون "خبيرا استراتيجيا" ولكني فضلت أن أكمل تعليمي".
[شاهد مستوى أحد الخبراء الأمنيين]
(5)
حقائق غريبة
سُئل رجل متى وُلِدت؟ فقال: وُلِدتُ رأس الهلال للنصف من رمضان بعد العيد بثلاثة أيام! فاحسبوا كيف شئتم. ومرض رجل فسُئل: ماذا تشتهي؟ فقال: رأس كبشيْن، فقيل له: ذلك لا يكون، فقال: فَرَأْسَيْ كبش.
وكان الإمام أبو حنيفة في مجلس وفيه رجل يبدو عليه الوقار، فثنى الإمام قدمه احتراما له، فلما تكلم الرجل سأل الإمام وقال له: "ماذا لو غربت الشمس في أذان الظهر، هل يجوز للصائم أن يفطر ظهرا؟!"، ساعتها قال الإمام كلمته السائرة: آن لأبي حنيفة أن يمد قدمه.
من ذرية هؤلاء جاء أقوام يخبروننا بما لم نكن سنعرف إلا منهم:
هل تعرف أن أوباما من عملاء الأمريكان؟ [شاهد]
هل تعرف أن أخا أوباما من الإخوان المسلمين؟ [شاهد]
هل تعرف أن الإخوان المسلمين هم سبب سقوط الأندلس؟ [شاهد]
هل تعرف أن المؤامرة السرية الكبرى على مصر ستنفذ يوم 13/13/2013؟ [شاهد]
***
خلاصة ما يحدث من الإعلاميين وضيوفهم من حماقات وطرائف تبلغ حد الأساطير مذكور في مأثور عربي آخر، فلقد كان الشاعر الحمدوني يتحامق، أي يصطنع الحماقات والبلاهات، وحين عاتبه العقلاء في هذا، ولماذا وضع نفسه في هذا الموضع الدنيء قال كلمته الخالدة: حماقة تعولني خير من عقل أعوله! وأنشد يقول:
عذلوني على الحماقة جهلا .. وهي من عقلهم ألذّ وأحلى حُمْقي اليوم قائم بعيالي .. ويموتون –إن تعاقلتُ- ذُلاّ
نشر في رابطة النهضة والإصلاح
Published on September 08, 2013 20:59
September 2, 2013
أردوغان.. العثماني الأخير أم مجدد الدولة؟
- دقيقة.. دقيقة! أنتم تقتلون الأطفال في غزة!
- نحن سند لمصر ومصر سند لنا!
- كلهم خانوا مبادئهم أمام سوريا!
- العالم الذي لا يتحرك لإغاثة الصومال ليس جديرا بالحديث عن السلام أو العدالة!
(1)
في 17 نوفمبر 2012م، وأثناء محاضرتها في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، قالت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة ما يلي:
"ثمة أشياء غير مقبولة... كل قائد ودولة في المنطقة يجب أن يقرروا: إما أن يكونوا جزءا من معسكر الإرهاب والتطرف، أو معسكر البراجماتية والاعتدال، وإذا قرر قائد دولة ما مسارًا آخر فسيكون هناك ثمن لهذا... أعلم أنه حين أتحدث عن تركيا، أو عن أردوغان، أو عن الحزب الذي يحتفل الآن بمرور عشر سنوات على نشأته، أن الأمر ليس فقط حول المصالح، أنا مدركة أن الأمر يتعلق أيضا بالأيديولوجية، ولا أريد أن أقلل من أهمية الأيديولوجية، وأعلم أنها جزء من سياسة الحكومة في تركيا، لكنني أؤمن أن آخر شيء يجب فعله هو أن نقول: هذه أيديولوجية، ولا نستطيع أن ننتصر فيها، [حينئذ] نخسر تركيا، تركيا تتطرف أكثر... أؤمن أنه في النهاية عندما يتعلق الأمر بالقادة، فإنه يجب عليهم أن يختاروا ما هو أفضل لدولهم، وليس فقط أيديولوجية أحزابهم، وحيث أن تركيا في موقف حساس تماما، وحيث أنها تواجه مخاطر مختلفة في المنطقة طبقا لفهمهم، أؤمن أننا نستطيع مع الولايات المتحدة ومع المجتمع الدولي المصالح التي يمكن أن تخلق، ربما ليس نفس العلاقة، لكن علاقات بين إسرائيل وتركيا، مبنية على مصالح، وليس على أيديولوجية حزب لا نستطيع أن نشاركها للأسف، أعلم أن هناك في إسرائيل من ينظرون إلى خارجها بخوف وقلق، يظنون أن العالم يتغير وأنه لا يوجد ما يستطيعون فعله بخصوص هذا التغيير، وصحيح أن العالم يتغير وأن المنطقة تتغير، وصحيح أيضا أنه لدينا متطرفين أكثر في المنطقة، وقادة يريدون أن يختاروا مسارهم وطريقهم، لدينا في مصر مرسي الذي يمثل الإخوان المسلمين، وملك الأردن يواجه مشاكله أيضا، إيران تستمر في محاولاتها لإنجاز قنبلة نووية، لكن لا يمكنني أن أقبل فكرة أنه لا يوجد شيء نفعله حيال هذه التغيرات، لا أستطيع قبول فكرة أن تقول إسرائيل: "حسنا، العالم ضدنا، أردوغان إسلامي، ولا أمل في أي تغيير، وأنه يجب أن نتكاتف سويا، وأن نتحد ضد هؤلاء الذين يعادوننا، وألا نفعل شيئا"، أعتقد أن هذه فكرة خاطئة، وأعتقد أن هذه ليست السياسة المناسبة لدولة إسرائيل، مسؤولية أي حكومة إسرائيلية هي العثور على طريقة إعادة تعريف المصالح والعمل المشترك مع الدول الأخرى، من الممكن أن تكون هذه الطريقة علنية أو غير علنية، إذا لم يكن هذا ملائم لبعض قادة المنطقة، لكن هذه مسؤوليتنا، لأن عزلتنا أثناء التغيير الحادث في المنطقة هو أمر لا نستطيعه، إننا لا نستطيع أن نشكل مستقبل المنطقة، لكننا نستطيع أن نؤثر على العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة بما فيها تركيا".
لا يحتاج المرء لبذل جهد في فهم الكلمات ومنحنى السياسة القادمة: المنطقة تتغير، ظهر بعض القادة الذين لهم أيديولوجيا مختلفة وطموحات مختلفة وسياسات مختلفة مثل مرسي وأردوغان، لن نستطيع التعامل مع مثل هؤلاء سياسيا، ولن نقف مكتوفي الأيدي، لا سيما ونحن نستطيع أن نؤثر في تشكيل المنطقة.
إنها أقرب ما تكون لإعلان حرب على ثورات الربيع العربي ونتائجها.
(2)
مع بداية يونيو حدث ما لم يكن متوقعا، فجأة انفجرت مظاهرات في عدد كبير من المدن التركية، السبب المعلن هو الاعتراض على نقل اثنتي عشرة شجرة من حديقة لغرض إعادة بناء قلعة عثمانية أثرية كان أتاتورك قد هدمها، والاعتراض على حظر بيع الخمور في أوقات الليل المتأخرة، والاعتراض على تقليل المدة المسموح فيها بالإجهاض من عشرين أسبوعا بعد الحمل إلى عشرة أسابيع!
وفي حين يتعجب المرء كثيرا من أسباب كهذه تفجر تظاهرات تخريبية واسعة في عدد من المدن التركية، فإن العجب يتضاعف حين تكون اللافتات والهتافات في وادٍ آخر؛ إذ تحدثت الشعارات عن الطبقية والرأسمالية وأردوغان الديكتاتور ونداءات تناشد الجيش بالتدخل (انقلاب عسكري)!
وقد اجتمع في ساحة تقسيم كل المتنافرين: الشيعة مع الأكراد مع القوميين مع الشيوعيين، أولئك الذين تنافروا في كل موطن وجمعهم موطن معاداة أردوغان!
وليست إلا ساعات ووجدنا القنوات الفضائية الكبرى والصحف العالمية تصف هذه الاحتجاجات بالثورة، وأن الربيع العربي قد زحف إلى تركيا، وبأنه يبدو وكأنها الأيام الأخيرة لأردوغان، وحديث طويل كثير عن أن الأتراك يرفضون أي إعادة لبعث العثمانيين من جديد!!
ولا تسأل عن حيادية ولا مهنية ولا موضوعية، لقد تبخر كل هذا عند أحداث تركيا، وصارت الصحف والقنوات الأمريكية والأوروبية (خصوصا: البريطانية والفرنسية والألمانية) والإسرائيلية تعزف نغمة واحدة: ضد أردوغان؛ ففي أمريكا قالت الفورين بوليسي: "الأتراك يقاتلون لاستعادة تركيا" وقالت الواشنطن بوست: "أردوغان دليل على أنه يمكن للمُنتخَب أن يكون مستبدا"، وفي بريطانيا قالت الجارديان "المظاهرات القائمة هي إنذار وشكوى من المظالم المتراكمة لحكومة أردوغان"، وفي إسرائيل وصل الأمر لتصريحات مسؤولين رسميين مثل موشيه فايغلين رئيس الكنيست الذي قال "إننا نصلي من أجل أن تتواصل المظاهرات في تركيا حتى يسقط أردوغان"، ومثله ليبرمان وقد أعلن "لا أستطيع أن أخفي سعادتي بما يحدث"، ومثله سيلفان شالوم الذي قال "إسرائيل ترحب بأي تطور يخلصها من العثمانيين الجدد".
(3)
لا ريب أن الحكومة التركية تفاجأت بما حدث، كما تفاجأ الجميع، ومن ذا الذي يتوقع ثورة لهدم اثنتي عشرة شجرة أو زيادة ساعات بيع الخمر أو تقليل مدة السماح بالإجهاض!
ولا ريب أن قدوم شخصيات من خارج تركيا لتشارك في اعتصامات تقسيم، كما روى مراسلون صحفيون، يثير الشك على أن الأمر ليس مجرد شأن تركي خاص، كما لا ريب في أن التغطية الإعلامية الموسعة والحافلة بالتشفي والمُلِحَّة على أن الأمر صراع هوية وأنه "نوع من الحروب الثقافية" –والتعبير للمحلل الأمريكي المعروف فريد زكريا- تجعل الأمر أكبر من احتجاجات على قرارات إدارية، كذلك فإن توعد الحركة الاحتجاجية بثورة في يوم 15/9 (التي توافق بداية العام الدراسي) لا يجعل الأمر مجرد فورة وقتية بل جزءا من تدبير غير انفعالي أو بريء.
قالت الحكومة التركية أنها اكتشفت كثيرا من خيوط المؤامرة، وتتردد أنباء عن مشاركة بعض القيادات العسكرية في خطة انقلاب عسكري على أردوغان، وأن بعضا منهم مسجون بالفعل، ومن المُلاحَظ زيادة الحدة في لهجة أردوغان من بعد لقائه الأخير بالرئيس الأمريكي أوباما أوائل أغسطس الماضي، ولو غضضنا النظر عن الجانب الأخلاقي في الموقف التركي من الانقلاب العسكري في مصر لشككنا في أن أردوغان يدافع عن نفسه من مصير مماثل، ولو أننا تركنا الظنون فإنه يكفينا ما نعرفه من اليقين، واليقين أن من يخرج عن المسار الأمريكي معرض للخطر: انقلابا أو اغتيالا أو حربا.
(4)
فيما بين نوفمبر الماضي وهذه اللحظة لم تقض إسرائيل –التي عبرت عنها تسيبي ليفني- وقتها في المشاهدة والرصد فحسب، بل لقد كان الانقلاب العسكري على مرسي واحدا من آثار التحركات المحمومة التي لا تزال محمومة للحفاظ على بقاء الانقلاب أمام الرفض الشعبي الواسع وغير المتوقع.
فإلى أي حد سارت خطة إزاحة أردوغان؟
وهل ما زال الجيش التركي قادرا على قيادة انقلاب عسكري، أم أن الاغتيال سيكون أسهل وأفضل؟
أم أن الرجل الذي شق حياته من بائع خبز حتى صار زعيما إسلاميا تتعلق به القلوب جميعا لديه من اليقظة والكفاءة والتوثب ما سيمكنه من ضرب مخططات إزالته ليظل حلم العثمانيين الجدد قائما؟
Published on September 02, 2013 21:45
August 31, 2013
فتى الأندلس وقمة تاريخها
في 27 رمضان 393 هـ، فاضت إلى السماء روح واحد من أعظم رجال الإسلام في كل تاريخه، ذلك هو: الملك المنصور محمد بن أبي عامر.
كانت شخصية المنصور بن أبي عامر عجيبة، كان متعدد المواهب واسع القدرات، لا يضع يده في أمر إلا ويجيده أفضل من ذوي الخبرة فيه! وقد بدأ حياته طالب علم فنبغ ولفت نظر شيوخه حتى أوصى به بعضهم لدى الحاجب (يساوي منصب رئيس الوزراء في النظم الرئاسية) فبلغ بذلك مرتبة القضاء وصار قاضيا على بعض مدن الأندلس ثم أصبح قاضيا لمنطقة المغرب في عهد المستنصر بالله الحكم بن عبد الرحمن الناصر، وتولى في هذا العهد بخلاف القضاء أعمالا في السياسة والإدارة فأبدع فيها جميعا بما أثار دهشة الجميع حتى إن الخليفة الحكم قال فيه معجبا: "إنه لساحر"!
تولى محمد بن أبي عامر النظر على الخاص (أي الإشراف على شؤون أسرة الخليفة وأملاكهم) وولاية الشرطة الوسطى (تشبه إدارة الأمن في عصرنا) والعليا (تشبه الأمن القومي الآن) ودار السكة (وزارة المالية) والحِسْبَة (ليس لها نظير معاصر، ولكنها تجمع بين إدارات الرقابة على الجودة وزارة التموين)، ثم تولى بعدئذ إدارة مدينة قرطبة التي كانت في ذلك الوقت عاصمة أوروبا والغرب جميعا، والمدينة الثانية في العالم (بعد بغداد، مع القاهرة) حضارة وثقافة وازدهارا فضبطها –كما يقول الذهبي- ضبطا أنسى به من سبقه فيها.
وما زال محمد بن أبي عامر يترقى في المناصب بمواهبه المدهشة حتى بلغ الحِجَابَة (رئاسة الوزراء)، وكان ذلك بعد وفاة الخليفة الحكم وولاية ابنه هشام الخلافة.
وكان هشام حينئذ صغيرا؛ إذ تولى الخلافة بعد وفاة أبيه وعمره في الحادية عشرة، فلذلك كانت السلطة الحقيقية بيد محمد بن أبي عامر الذي ظهرت لديه –مع كل مواهبه- موهبة أخرى في القيادة العسكرية، فكان فارسا لا يشق له غبار، وأثبت أن الأندلس لم تهتز بموت الخلفاء الأقوياء كالناصر والمستنصر، كما أثبت للقادة العسكريين الذين قعدوا لتنافسهم على المنصب أنه يستطيع سد الثغر وحده وليس بحاجة إليهم، فقاد بنفسه الحروب مع الروم الذين هاجموا البلاد، ثم انطلق إليهم يفتح بلادهم في شمال شبه الجزيرة الأيبرية، فبلغت فتوحاته حيث لم يصل أحد قبله من الفاتحين ولا الأمراء، ولم يهزم مرة واحدة في أكثر من خمسين غزوة خاضها، وبلغت الأندلس في عهده ذروة تاريخها: قوة وحضارة وريادة وتفوقًا، حتى ذهب إلى ربه وقد استوفى واجبه على خير وجه.
مات المنصور وهو عائد من إحدى غزاته، ودُفِن في مدينة سالم –التي كانت من مراكز الجهاد الأندلسي- وكُتِب على قبره شعرٌ مؤثر:
آثاره تنبيك عن أخباره ... حتى كأنك بالعيان تراه
تالله لا يأتي الزمان بمثله ... أبدا، ولا يحمي الثغور سواه
بعد موت المنصور بنحو سبعين سنة كانت الأندلس قد دخلت عصر ملوك الطوائف، حيث ضعف المسلمون وتغول الصليبيون، وفي لقاء مهين جلس ملك الصليبيين على قبر المنصور إذلالا لسفير الأمير المسلم، فلم يملك السفير إلا أن قال: "والله لو تنفس صاحب هذا القبر لارتعدت منه، وما سمع منك ما يكره"..
رحم الله من استمرت هيبته في نفوس العدو بعد سبعين سنة من موته.
نشر في مجلة الوعي الشبابي
Published on August 31, 2013 02:52
August 24, 2013
فصل في إعلام الفراعين
نقلت الرواية الرسمية نبأ ظهور ساحريْن أثارا بعض المشكلات بين الجماهير ويُتوقَّع أنهما قد يمثلان خطرا على استقرار البلاد، ورغبة في الشفافية وإنهاء الوضع بصورة سلمية فقد قررت الدولة إجراء مناظرة عامة بينهما وبين المتخصصين في هذا المجال، وذلك صباح يوم العيد في الساحة الكبرى بوسط العاصمة المصرية، وقد صدرت الأوامر إلى كافة أنحاء البلاد بإرسال المتخصصين فيها إلى العاصمة، واختلف المؤرخون حول العدد ولكنه لا يقل عن المئات وقد يصل إلى الآلاف.
ليس مذكورا فيما بين أيدينا من المصادر ما إذا كان المواطن المصري اندهش من عدم التكافؤ وهل تساءل: ما الداعي لجمع مئات المتخصصين لمواجهة رجليْن فحسب؟! لكن اليقين أنه تلقى الرسالة الإعلامية الواضحة التي حشدت الناس للمناظرة، لا بغرض المشاهدة فقط بل بغرض التأييد للسحرة (وقيل للناس هل أنتم مجتمعون * لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين)، وبهذا لم تكن الرسالة الإعلامية محايدة أو مهنية بل كانت منحازة بوضوح.
كانت الساحة تشمل أربعة طوائف: فرعون وحاشيته، جنود الدولة، الجماهير، السَّحَرة.
أدى السحرة التحية الواجبة لزعيم البلاد، ورفعوا رجاء بأن يحصلوا على أجر سخيّ إن انتصروا، فأجابهم الزعيم بابتسامة عريضة: وفوق الأجر ستوضعون في المناصب الرفيعة في الدولة (قالوا أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين)
وفي مفاجأة غير متوقعة على الإطلاق، ألقى السَّحرة ما في أيديهم من العصى والحبال فتحولت إلى حيات، ثم ألقى موسى عصاه فتحولت إلى حية أكلت جميع الحيات، ثم جاءت الصاعقة: لقد سجد السحرة وأعلنوا أنهم قد آمنوا بموسى وبما جاء به!!
وقبل أن يفكر الناس في هذا المشهد إذا بزعيم الدولة يهدر صارخا بقوة: إنها المؤامرة! إن موسى هو زعيمكم الذي علمكم السحر، إنه التنظيم السري الذي أراد ضرب استقرار مصر، وإن الدولة ستتعامل معه بكل القوة والحزم وبدون أي تهاون.
تكهرب الجوّ، وبسرعة بدأت أجهزة الدولة في اتخاذ الإجراءات الحاسمة، ألقي القبض على السحرة، صلبوا على جذوع النخل، وبعد ساعات كان قد نُفِّذ فيهم قرار الإعدام تطبيقا للقانون وإعلاء للمصلحة العليا للبلاد.
وعمل الجهاز الإعلامي طيلة الفترة اللاحقة على إذاعة أنباء التنظيم السري الذي أنشأته طائفة بني إسرائيل –عملاء الهكسوس السابقين، الذين قدموا من الشام أيام الاحتلال الهكسوسي البغيض- لضرب استقرار البلاد وإعادتها إلى قرون التخلف والرجعية، وأخرج الجهاز الإعلامي رواية تفسيرية مفصلة عن إعداد وإخراج المشهد الذي سيمثل فيه السحرة –بادئ الأمر- أنهم مخلصون للدولة لكي يخدعوا الجماهير ثم وفي اللحظة المناسبة يُظهرون خيانتهم، وتم الكشف عن أوراق بردي كانت مخبأة في ثياب السحرة تكشف المخطط الكامل للمؤامرة الرهيبة.
خرج الزعيم في خطاب شامل أمام الجماهير وأشار فيه إلى حقائق الوضع، وأهمها: أنه ضمانة لاستقرار البلاد وأمنها ورخائها (يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون؟) وأن هذا المتمرد موسى لا يصلح أن يكون بديلا، فهو من أصل دنئ بل ولا يجيد الكلام المبين (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يُبين)، وأوضح الزعيم أنه كان سيكون أول أتباعه لو أن معه أي دليل يشير إلى صدقه (فلولا ألقي إليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين)، وأصدر الزعيم قرارا بأنه –ورغم كل هذه الدلائل على كذب موسى ومؤامرته مع جماعته- إلا أنه أصدر قرارا لوزير التعمير بإنشاء برج ضخم يقترب من السماء للاطلاع على حقيقة إله موسى، كما أكد الزعيم على حرصه على مصلحة الشعب والوطن (قال فرعون: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).
وقد التهبت أكف الحاشية بالتصفيق والإشادة بما حواه الخطاب، وأفرد القطاع الإعلامي أوقاتا كثيرة لتحليل نقاط الخطاب وأهم ما جاء فيه، ولم يغب عن بعضهم تحليل "لغة الجسد" للزعيم الكبير ذي الحكمة والقوة والنظر الثاقب.. وكان للخطاب تأثير كبير في نفوس الجماهير.
صارت جماعة موسى في حصار اجتماعي رهيب، حتى فقد بعضهم الأمل الذي ظهر بظهور موسى كمخلص لهم من الاضطهاد العرقي والديني، ولم يتردد بعضهم في أن يقول لموسى (أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا)، وصار الخروج لأداء الصلاة أمرا محفوفا بالمخاطر حتى سمح لهم موسى أن يصلوا في بيوتهم.
رفعت الأجهزة تقارير للزعيم تثبت خطورة ترك موسى وجماعته على المجتمع، فقرر الزعيم تنفيذ إجراءات استثنائية إضافية (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك، قال: سَنُقَتِّل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون)، لكن يبدو أن الأمر لم ينته ولا بد من حسم نهائي.
حينئذ أصدر الزعيم بيانا تم تعميمه على أنحاء البلاد يقول فيه: قررت الدولة مواجهة هذه القلة المندسة التي تمثل تهديدا للوطن ويطمئن المواطنين بأن الأمور تحت السيطرة والدولة تتخذ كافة الإجراءات المناسبة (فأرسل فرعون في المدائن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميع حاذرون).
ورغم أن الأخبار التي وردت بعد ذلك تفيد بموت الزعيم وانهيار الجيش، إلا أن السلطة انتقلت بسلاسة إلى الزعيم الآخر، ولم يُعرف مصير موسى وجماعته ولا كيف انتصروا على الجيش المصري العظيم وأبادوه عن آخره. ولا تورد المصادر التي بين أيدينا الرواية الرسمية التي صدرت بعد هذا الحادث.
***
يفرض هذا المشهد تسجيل ملاحظة ذات أثر:
لقد جرت المعجزة الرهيبة في ساحة العاصمة أمام الجميع واختلفت ردود الأفعال اختلافا كبيرا:
- فالسَّحرة –الذين هم العلماء المتخصصون أرباب هذا المجال- أعلنوا أن هذا الذي أتى به موسى فوق طاقة البشر وقدرتهم، وأنه معجزة إلهية، ولم يترددوا أمام هذا الوضع إلا أن يؤمنوا.
- وأما فرعون فقد ابتكر، في اللحظة، رواية أخرى تخالف ما كان يروجه الجهاز الإعلامي طوال الفترة الماضية، بل وتخالف المشهد الحالي نفسه، وقد أَمَّنت الحاشية وأكدت صدق الرواية التي صارت رواية رسمية.
- وأما الجماهير فيبدو أنها قبلت الرواية الرسمية التي ألقاها فرعون، وانصرفت دون أن يتغير موقفها نتيجة هذه المناظرة التي انتظروها منذ زمن.
- وأما الجنود، فقد آمنوا بالرواية الرسمية، وقاموا بتنفيذ التوجيهات، ويتوقع أنهم لم يفكِّروا أساسا فيما جرى، وإنما تلقوا الأوامر للتنفيذ. وما يحملنا على هذا الظن أنهم في وقت قادم سيطاردون موسى (عليه السلام) وبني إسرائيل حتى البحر، ثم سينفلق البحر إلى جبلين بينهما طريق وسيعبر عليه موسى، وقد أمر فرعون باستمرار المطاردة والملاحقة فلم يتوقف منهم أحد لا للتفكير ولم يتردد أحد في تنفيذ الأوامر رغم هذه المعجزة الكونية الهائلة.
هذه المواقف تطرح نتائج مهمة في سياسة البلاد والعباد أهمها:
1. أن الطغاة هم آخر من يهتم بالحق والباطل بل السلطة أولا وأخيرا ولا بأس بنصب المذابح والمقاتل في سبيل تثبيت الطاغية لسلطانه.
2. أن العسكر هم آخر من يصلحون لتولي حكم البلاد والعباد لأنهم آخر من يفكر في الأوامر قبل تنفيذها.
3. أن الجماهير التي يُسَيطَر عليها بالخوف: الخوف من المؤامرة، والخوف من سيف الفرعون، والخوف على استقرار أمنهم، هم آخر من يمكن أن يأخذوا القرار الصحيح، ولو جرت أمامهم المعجزة التي شهد بها المتخصصون في مجالها.
4. وحدهم من يملكون العلم والشجاعة معا.. هم الفائزون
Published on August 24, 2013 06:41
August 15, 2013
عن استقالة البرادعي ولهجة أوباما الأقل رقة
الوضع ببساطة:
1. ثبت أن مرسي كان خطرا على المشروع الأمريكي، وأن التفاهم معه لم يفلح ولم يجدوا بدا من إزاحته.
2. العسكر هم الحليف الأقوى والأهم، وهو النواة الصلبة للنظام، وهم قوم -كما قال الإسرائيليون والأمريكان أنفسهم- يعتبرون ثمرة 30 سنة من العمل، ويستحقون الاستثمار فيهم ولا يمكن أن يفكروا في تهديد المصالح الأمريكية.
3. لكن أمريكا تحب "الوجه المدني"، وذلك ليكون لها خطوط مفتوحة مع أكثر من طرف في البلد، فتضغط بكل منهما على الآخر، وتلاعب الآخر بكل منهما.. فتضغط بالمدني على العسكري كما ويكون العسكري هو خط حماية النظام الذي يتحرك حين يشاءون التخلص من المدني كما حدث مع مبارك ثم مع مرسي.
والوجه المدني الأمريكي الذي يجري إعداده منذ سنوات هو البرادعي
(لاحظ أن البرادعي برغم انهيار كل مواهب الزعامة والرئاسة جرت له حملات تلميع رهيبة منذ ما قبل الثورة، وكل الإعلاميين -حتى اليساريين- كانوا يلمعون البرادعي ويعظمونه).
4. ولهذا كان البرادعي غير مرحب به لا من مبارك ولا من طنطاوي وعنان، ولا حتى الآن من السيسي.. لأنه بديل مدعوم أمريكيا.
5. البرادعي من جانبه وفي زلة لسان خطيرة في مارس 2011 صرح بما مفاده أن يهتم الجيش بالأخطار المستقبلية مثل مكافحة الإرهاب.
وفي حين ارتاع المخلصون جميعا من هذه الدعوة لتغيير العقيدة القتالية للجيش المصري كان ارتياع العسكر لأمر آخر (لأن العقيدة القتالية متغيرة بالفعل منذ ما بعد كامب ديفيد، والولاء لإسرائيل يزداد رسوخا والعداء للإسلاميين والمقاومة يزداد توحشا)
ما ارتاع له العسكر أن دعوة البرادعي هذه مآلها تفتيت الجيش وتغيير هيكله من جيش نظامي مقاتل إلى وحدات مكافحة إرهاب متخصصة، وهذا يعني "تفتيت مملكة العسكر"، وهو ما لا يمكن أن يقبله طنطاوي أو عنان أو السيسي أو أي قيادة عسكرية ذاقت طعم المال الكثير والنفوذ الكبير.
6. السيسي لم يكن ليقدم على انقلاب عسكري إلا بإرضاء كل الأطراف إلى أقصى حد، فكان من ضمن الإرضاء للأمريكان أن يأتي بالبرادعي (بالطبع: مهندس الانقلاب الأول هم الأمريكان)
7. لكن السيسي الذي عاش وهم الزعامة الناصرية لم يكن ليستقر له الحال مع رجل يعيش أحلام الزعامة هو الآخر منذ سنوات، وبذل مجهودا مضنيا -كما قال هو بنفسه- مع الغربيين لإقناعهم بإزاحة مرسي.. السيسي يريد نفسه فرعونا كما كان عبد الناصر والبرادعي يريد صلاحيات كاملة.. وهذا هو سر الهجوم على البرادعي في وسائل الإعلام المصرية.
8. لا البرادعي ولا السيسي توقعا أن يصمد الإخوان إلى هذا الحد ولا أن يتسع الرفض الجماهيري إلى هذه الدرجة.. والسيسي هو الذي في وجه المدفع، وهو الرجل الأقوى بعسكره، بينما البرادعي "الدبلوماسي" لا يملك شيئا إلا العلاقات.. وفي ظل هذا الوضع المعقد دخل البرادعي على خط حل الأزمة سلميا و دبلوماسيا.. لكن أي حل سلمي للأزمة سيعني انتهاء السيسي.. لهذا أقدم السيسي على الحل العسكري الدموي لقطع الطريق على أي حل يمكن أن يودي به.
9. في هذه اللحظة أيقن البرادعي أنه قد انتهى، وأن السيسي إن نجح فلا مكان للبرادعي كما أنه إذا فشل فالبرادعي سيكون شريكا في الفشل.. فكانت الاستقالة حركة ذكية، وهي ككل حركات البرادعي الذي لم يخض أي معركة لم يضمن نجاحها (مثل كل انتخابات قاطعها وانسحب منها قبل بدايتها).
10. الغرب متفق على دعم الانقلاب والتخلص من الإخوان، وردود أفعالهم كلها تحاول "تحجيم العسكر" واستعادة "الوجه المدني" في أقرب وقت، بينما السيسي منطلق إلى غايته الفرعونية الناصرية الجديدة.. لهذا لم يعامله الغرب بحفاوة شديدة كما كان متوقعا، وقد بدا منه هذا الاستغراب في حواره مع الواشنطن بوست، فهو لم يخف اندهاشه من أن أمريكا التي كانت مطلعة على كل التفاصيل لا تتعامل معه كما هو لائق، وأن أوباما لم يتصل به حتى الآن!
وبعد هذه المذبحة الرهيبة التي لم تحدث في مصر منذ ألف سنة تقريبا (على قدر علمي بالتاريخ لا أجد مثيلا لهذه المذبحة إلا حين أمر شاور -الوزير الفاطمي الفاسد- بإحراق القاهرة لهدم المعبد على رأس الجميع، أو من قبله حين أطلق الحاكم بأمر الله عسكره يذبحون الناس في الشوارع لما بدا منهم من تمرد عليه، فصار عسكره يقتلون الناس في المساجد والدور والشوارع وكل مكان طالته أيديهم).. أقول: بعد هذه المذبحة الرهيبة تكلم أوباما للمرة الأولى بلهجة أقل رقة تجاه السيسي، وألغى مناورات النجم الساطع، ولا أحسب هذا إلا محاولة لتحجيم طموحه لا أكثر.. فالخطاب لم يمس الانقلاب ولا الوضع بعد 30 يونيو بسوء.
11. الخلاصة: الشعب المصري، وفي قلبه الإسلاميون، ليس لهم من نصير.. وما بين الفرقاء من خلاف إنما هو حول غنائم ما بعد المعركة، وكلهم متفقون على تثبيت وضع الانقلاب وإنهاء صفحة الديمقراطية المصرية.. وهو ما يعني أنه لا ملجأ إلا الله!
الله وحده هو من يحرك القلوب، ويصرف الأقدار، ويثبت الذين آمنوا، ويلقي الرعب في قلوب الذين كفروا..
والمعركة معركة حياة أو موت.. السيسي بعد كل ما فعل لن يقبل إلا أن يكون الحاكم بأمره في مصر، ومن تجرأ على قتل الآلاف لن يتردد في اعتقال وقتل عشرات الآلاف إن مرت هذه المذبحة بلا مقاومة.
اللهم ثبتنا.. وانصرنا.. وأنزل علينا السكينة.. وألهمنا رشدنا.
Published on August 15, 2013 15:14