محمد إلهامي's Blog, page 69

January 4, 2015

المسلمون وعلوم الغرب (1/3)



لم يبق لدينا في هذا العرض الموجز لتاريخ اتصال المسلمين بالغرب، إلا ما كان بين الجانبين من الاحتكاك العلمي، من بعد ما استعرضنا موجزا لتاريخ الصدام والحرب (جـ1، جـ2، جـ3، جـ4) ثم ما نبت على ضفاف هذه الحروب من علوم ومعارف، ثم استعرضنا لقطات من تاريخ العلاقات السياسية والسفارات (جـ1، جـ2)، ثم الرحلات الإسلامية إلى الغرب.
ونرجو بذلك أن نكون قدَّمنا سياقا واضحا –وإن كان في غاية الإيجاز- لتاريخ اتصال المسلمين بالغرب.
لقد كان لا بد لمن بعثهم الإسلام من الرقاد فحملوا لواء الحضارة ودبت فيهم روح طلب العلم أن يحوزوا علوم من فاتهم، وقد ضرب المسلمون المثل الأعلى في النشاط العلمي، وساحوا في أودية المعرفة ينهلون منها ما استطاعوا، فحصَّلوا من علوم الأولين ومعارفهم ما لو لم يحصلوه لكان مصيره الضياع والنسيان، ثم هضموه واستوعبوه، ثم صححوه وأضافوا إليه، فطوروا علوما كانت قد جمدت وابتكروا علوما لم تكن قد وُجِدت، وقدموا للعالم نموذجا لخير أمة أخرجت للناس.
والمقام لا يتسع ولا حتى لنبذات في سياق التعرف العلمي على الغرب من قِبَل المسلمين، فنحن نكتفي بمجرد الإشارة الخاطفة.
ما إن تم الاستقرار السياسي للمسلمين في أرض الشام حتى بدأوا في ترجمة ونقل العلوم، وكان النقل الأول على يد الأمير الأموي خالد بن يزيد لاعتنائه بعلوم الطب والكيمياء؛ فأحضر جماعة من اليونانيين لنقل الكتب من اليونانية والقبطية إلى العربية، فترجموا كتبا في الطب والكيمياء والحروب والآلات والصناعات، وكان أول من أعطى أجورا للمترجمين وقرب إليه أهل الصناعات، واهتم بجمع كتب العلوم وأنشأ لها دارا في دمشق، فكانت تلك الدار أول مجمع للكتب العلميةواستمرت حركة الترجمة والتعلم طوال العصر الأموي، منها ما كان بأمر من الخلفاء كمروان بن الحكم وعمر بن عبد العزيز، ومنها ما كان بأمر من حاشيتهم كسالم كاتب هشام بن عبد الملك، خصوصا بعد حركة التعريب الكبرى التي أمر بها عبد الملك بن مروانثم كانت الثورة الكبرى في عصر الدولة العباسية، فقد وضع المنصور بذور نهضة علمية راسخة، فهو أول خليفة يهتم بالعلوم على قدر واسع، وقد "كان مع براعته في الفقه كَلِفا في علم الفلسفة وخاصة علم النجوم"ثم تمم المأمون ما بدأه جده المنصور، فأقبل على طلب العلم في مواضعه وداخل ملوك الروم، وسألهم صلتهم بما لديهم من كتب الفلسفة وغيرها من "مُختار العلوم القديمة المخزونة"، وحين وافق ملك الروم كلف المأمون لجنة من المشرفين على بيت الحكمة وأهل العلم بالذهاب وتخير المفيد من هذه الكنوز، ثم اختار مهرة التراجمة وكلفهم إحكام ترجمتها، فترجمت له على غاية ما أمكن، ثم حرض الناس على قراءتها ورغبهم في تعليمهاوبهذا تطور بيت الحكمة في عهد المأمون حتى أصبح مؤسسة علمية من الطراز الممتاز همها ترقية البحث والدرس والتجرد للدراسات العليا، ويمكننا القول إن هذه المؤسسة "بيت الحكمة" قد أصبحت زمن المأمون أكاديمية بالمعنى العلمي الدقيق للكلمة؛ فيها أماكن للدرس وأماكن لخزن الكتب، وأماكن لنقلها، وأماكن للتأليف، إلى جانب المرصد الفلكي الذي مارستهودامت أعمال الترجمة المخصبة المثمرة، مائة وخمسين عاما فيما بعد، تحيل كل ما يقع تحت أيديها من تراث ترى فيها نفعا إلى لسان العرب في سائر العلوم والفنون، "وبعد مائة عام من حركة المأمون كانت معظم الكتب اليونانية القديمة في علوم الرياضة، والفلك، والطب قد ترجمت إلى اللغة العربية"وكان راتب المترجم من أعلى الرواتب في وظائف الدولة، فكان حنين بن إسحاق ومجموعته يحصلون على خمسمائة دينار في الشهر، هذا بخلاف ما يعطيه عقب كل ترجمة، وهي مكافأة هائلة: وزن الكتاب ذهباولئن كان الانقسام السياسي من عوامل الضعف، فلقد كان من وجه آخر من عوامل التنافس، وبذلك استفادت الساحة الحضارية من الإمارات والممالك المستقلة؛ ففي الأندلس غربا كانت تجري عمليات ترجمة منفصلة عما كان في المشرق. ولقد استطاع عبد الرحمن الناصر في الأندلس بما له من علاقات طيبة مع القسطنطينية أن يستجلب مترجمين من اللغة اليونانية إلى اللاتينية، إذ لم يكن في الأندلس من يحسن اللغة اليونانية، فجعلهم يعلمون بعض عبيده هذه اللغة ليتمكنوا من نقل ما هو باليونانية إلى اللاتينية ثم العربية أو إلى العربية مباشرة، وكان من فوائد ذلك إكمال ترجمة كتاب الحشائش لديسقوريدس والذي لم يكمل المشارقة ترجمتهومما لا بد من قوله في شأن الترجمة إنها كانت انتقائية تستهدف ما هو مفيد، وتلك سجية الواثق بنفسه الذي يمارس الاختيار والانتقاء طبقا لنموذجه المعرفي، لا الذي ينهمر منبهرا على ما لدى غيره لا يفرق بين ما ينفع وما لا ينفع، وأهم ما لم يترجم -مثلا- الأساطير والآداب اليونانية، فقد كانت مناقضة للعقيدة الإسلامية بحديثها السخيف عن صراع الآلهة وتعددها، وهذا قول الإسلاميينوقبل أن تنتهي مرحلة الترجمة كانت مراحل التصحيح والإضافة والابتكار قد بدأت حتى ازدهرت وآتت ثمارها، ومن الحقائق التي ينبغي التنبه لها والاعتراف بها ضمن أسباب تخلفنا وضعفنا هو إهمال الترجمة في عصور ضعفنا وانحطاطنا، ولقد عانت الدولة العثمانية معاناة شديدة إذ صار أمر الترجمة متروكا لغير المسلمين حتى صار منهم من يطلع على كل المكاتبات ويرسلها إلى خصوم الدولة، وجرت في هذا قصص مريرة قبل أن ينتبه السلاطين لخطورة الأمر، ومن أسفٍ أنهم انتبهوا بعد أن ضاع وقت لا يُعوضوما يهمنا في سياقنا الآن أن هذه الحركة الواسعة من الترجمة، أثمرت تعرفا على الغرب في مجالات علمية عدة، ثم أثمرت الحركة العلمية للحضارة الإسلامية فروعا جديدة في المجالات القائمة كما ابتكرت مجالات علوم جديدة.
وهذا ما نلقي عليه الضوء في المقالات القادمة بإذن الله تعالى.
نشر في نون بوست
ابن النديم: الفهرست ص300، محمد كرد علي: خطط الشام 4/19 وما بعدها. ابن النديم: الفهرست ص149، 401. د. علي الصلابي: الدولة الأموية 1/253، ويعتمد في هذا على رواية تفيد أن ابن زياد حين طُعن جمع مائة وخمسين طبيبا في البصرة التي كان عدد سكانها حينئذ ثمانين ألفا. ابن العبري: تاريخ مختصر الدول ص235. الذهبي: تاريخ الإسلام 24/18. د. خضر أحمد عطا الله: بيت الحكمة في عصر العباسيين ص28، 29. ابن النديم: الفهرست ص301، وابن العبري: تاريخ مختصر الدول ص235، 236. د. خضر أحمد عطا الله: بيت الحكمة في عصر العباسيين ص29. ول ديورانت: قصة الحضارة 13/178 وما بعدها. برنارد لويس: اكتشاف المسلمين لأوروبا ص90. ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء 2/133، والقفطي: إخبار العلماء ص31، والزركلي: الأعلام 2/287. ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء 3/224، 225. محمد قطب: واقعنا المعاصر ص97. برنارد لويس: اكتشاف المسلمين لأوروبا ص88. محمد إبشيرلي: نظم الدولة العثمانية، ضمن "الدولة العثمانية تاريخ وحضارة" بإشراف: أكمل الدين إحسان أوغلو 1/236 وما بعدها.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 04, 2015 09:22

January 1, 2015

بالخرائط.. كيف تفهم تاريخ الأندلس



لم تزل تظللنا ذكرى النكبة الأندلسية الثالثة والعشرون بعد الخمسمائة، وما زلنا نحاول استثمار هذه الذكرى في تعريف القارئ الكريم بالأندلس وتاريخها، وهذا هو المقال الثالث من هذه السلسلة على موقع ساسة بوست، فقد حاولنا في المقال الأول التعريف بأهم مؤلفات التاريخ الأندلسي المعاصرة، وحاولنا في المقال الثاني التعريف بأهم مصادر التاريخ الأندلسي التي كتبها أندلسيون لكي يلمس القارئ بنفسه لغة تلك الأيام وروحها ووصف أهل الأندلس لأندلسهم بأنفسهم.
ونحاول في هذا المقام تقديم "صورة تاريخية" تعين على تيسير وتبسيط التاريخ الأندلسي من خلال استعراض الخرائط لمراحل قيام وسقوط الأندلس.
وبداية فإنه يمكننا تقسيم التاريخ الأندلسي إلى ثمانية مراحل، هي: الفتح الإسلامي، عصر الولاة، العصر الأموي، الدولة العامرية، عصر ملوك الطوائف، دولة المرابطين، دولة الموحدين، مملكة غرناطة وسقوط الأندلس.
أولا: الفتح الإسلامي
وهو العصر الذي يبدأ منذ نهاية القرن الأول الهجري، وبالتحديد عام (92 هـ) إذ توجه الجيش الإسلامي الذي يقوده طارق بن زياد –وهو بربري من سلالة أسلموا في فتوح المغرب- بتكليف من عبد العزيز بن نصير -الوالي الأموي على الشمال الإفريقي- ليبدأ في فتح الأندلس بعد استغاثة أبناء ملكها به، إذ جرى ضدهم انقلاب عسكري يقوده سفاح طاغية يسمى لوذريق (رودريكو)، فكان هذا أول دخول المسلمين إلى الأندلس الذين انتصروا في موقعة هائلة على قوات لوذريق، واستسلمت لهم المدن بغير مقاومة تذكر، ثم استمرت فتوحاتهم على يد الولاة الأمويين مثل السمح بن مالك الخولاني وعنبسة بن سحيم الكلبي وعبد الرحمن الغافقي فشملت الجنوب والوسط الفرنسي وتوقفت على بعد كيلومترات من باريس بعد هزيمة المسلمين –الغريبة والتي لا نعرف سببها على وجه الحقيقة، إذ ليس لدينا في ذلك إلا رواية نصرانية مشكوك فيها- في بلاط الشهداء (بواتية) عام (114 هـ) على يد شارل مارتل.
وتشرح الخريطة مراحل هذه الفتوح.

[الخريطة نقلا عن: د. شوقي أبو خليل: أطلس التاريخ العربي الإسلامي]
ثانيا: عصر الولاة
وهو العصر الذي كان يتولى الأندلس فيها والٍ من قبل الدولة الأموية، وكان من أشهرهم وأقواهم السمح بن مالك وعنبسة بن سحيم وعبد الرحمن الغافقي، ولكن خلف بعدهم ولاة ضعفاء، لم يكونوا على مستوى الولاية ونبتت فيهم الصراعات القبلية وظلم الناس وظهرت تمردات وثورات من الخوارج في الأندلس وغيرهم، ولم تستطع الدولة الأموية رغم محاولاتها –ورفغم ما بدأت تعانيه من مشكلات في أواخر عمرها في شرق الدولة وقلبها- أن تحل هذه المشكلات، وعوقب المسلمون على هذا بأن فقدوا كافة ما فتحوه في فرنسا، بل وأن تمددت الفلول المسيحية المعتصمة بالجبال في أقصى غرب الأندلس لتكون بذور دولة على النحو الذي تشرحه هذه الخريطة.


[الخريطة نقلا عن: د. حسين مؤنس: أطلس تاريخ الإسلام]
ثالثا: العصر الأموي
حين نجحت الثورة العباسية في إسقاط الدولة الأموية بالمشرق، نجا من بني أمية شاب صغير في الحادية والعشرين من عمره لا أكثر، ورزق من المواهب والجلد والصمود ما مكنه من الهروب من العباسيين رغم مطاردتهم القاسية حتى أقصى المغرب، ثم استطاع أن يتصل بموالي بني أمية في الأندلس، وبمزيج من القوة والسياسة والعزم استطاع أن يؤسس لنفسه ملكا في الأندلس فيجدد عصر الأمويين في المغرب بعد انتهائه في المشرق، وبهذا أنقذ الأندلس من الانهيار التي كانت ستصير إليه مع الضعف والتمزق القبلي بين المسلمين، وأسس فيها دولة قوية مهابة مكينة، لكنه لم يستطع أن يستعيد ما فقده المسلمون بشكل نهائي في الشمال الأندلسي أو في الجنوب والوسط الفرنسي، غير أن تلك اللحظة تعد ميلادا جديد للأندلس ذات الحضارة الزاهرة.
وقد استمر العصر الأموي للأندلس نحو قرنين ونصف (137 – 422 هـ)، اتسم القرن الأول منها بالقوة حتى نهاية عهد عبد الرحمن الأوسط (238 هـ)، ثم أخذ الضعف يتسرب إلى الأمويين وتندلع ثورات وتمردات وتنفصل أجزاء بالحكم لنحو ثلثي قرن حتى تولى الحكم عبد الرحمن الناصر وهو شاب صغير في العشرين من عمره، جدد سيرة جده عبد الرحمن الداخل فبلغ بالأندلس ما كان لها من القوة وفوق ما كان لها من العمران والحضارة، وحكم لمدة نصف قرن (300 – 350 هـ) ثم استمرت القوة من بعده في عهد ولده الحكم المستنصر –وهو أعلم من حكم الأندلس فقد كان شغوفا بالعلم والكتب وكان مؤرخا ونسابة خبيرا- لمدة ستة عشر عاما، ثم مات وكان ولده صغيرا فدخلت الأندلس في مرحلة "الدولة العامرية".
وقد استطاع الناصر والمستنصر أن يعيدوا خريطة الأندلس كما أقرها جدهم الداخل مع الخضوع السياسي التام من الممالك النصرانية الشمالية لمملكة قرطبة، ولهذا لا نجد كثير تغير على الخريطة السابقة.





رابعا: الدولة العامرية
تعتبر الدولة العامرية جزءا من العصر الأموي، لأن السيادة الاسمية والرسمية كانت لخليفة أموي فيما كانت السلطة والحكم الفعلي للحاجب المنصور محمد بن أبي عامر، وقد كان هذا الرجل شخصية عجيبة ومدهشة، متعدد المواهب عالي الهمة حاد الذكاء نافذ العزيمة لم يتول عملا إلا ونبغ فيه على ذوي الخبرة، ونجح في إدارة كل شيء: الكتابة والقضاء وإدارة الأملاك الخاصة بأسرة الخليفة ودار السكة (وزارة المالية) والشرطة الوسطى والشرطة العليا وإدارة مدينة قرطبة (محافظ العاصمة) والسفارة والوزراة والحجابة والقيادة العسكرية للجيوش.. شيء مذهل لا أعرف له شبيها في التاريخ الإسلامي، فلما مات الحكم المستنصر وابنه ما زال صغيرا كان ابن أبي عامر الوصي عليه، فانفرد دونه بالحكم وبلغ بالأندلس ذروة قوتها على الإطلاق، وغزا في سبع وعشرين سنة (فترة حكمه) ستا وخمسين غزوة لم يهزم في واحدة منها أبدا، ومدَّ نفوذ الأندلس أكثر في المغرب، ثم عهد بالحجابة من بعده لابنه المظفر الذي كان عصره ذروة الذروة الأندلسية كلها، ثم مات المظفر بعد ست سنوات فقط من فترة حكمه وهو ما يزال شابا صغيرا فتولى الحجابة أخاه عبد الرحمن وكان أحمق مندفعا قليل البصر فانهار على يديه بناء الدولة العامرية، ودخلت الأندلس في عصر الفتنة.




خامسا: ملوك الطوائف
ولم يستطع من أتى بعد ذلك من الخلفاء الأمويون أن يلم شتات الأندلس فلقد ذهب الأمويون الأقوياء وكانت تلك اللحظة هي لحظة غروب الدولة الأموية من الأندلس، والتي غربت في عام 422 هـ، إذ دخلت الأندلس في عصر "ملوك الطوائف".
وفي ذلك العصر تقسمت الأندلس إلى أكثر من 20 ولاية يحكم كل منها أقوى عصبة فيها، وكان أقوى تلك الممالك: إشبيلية التي استبد بها بنو عباد، وقرطبة التي استبد بها بنو جهور، وبطليوس التي استبد بها بنو الأفطس، وسرقسطة التي استبد بها بنو هود، وطليطلة التي بها بنو ذي النون. وتناوشت هذه الممالك فيما بينها وثارت بينها الحروب والمنازعات، وفي ذات الوقت كانت الممالك الصليبية في الشمال تستعيد وحدتها وقوتها وتبدأ في مشروعها الطويل "حرب الاسترداد"، وقد أتاحت هذه الفرقة أن تدخل الطوائف جميعها مرحلة الاستضعاف أمام الصليبيين فيما كانوا يستأسدون على بعضهم البعض.
وبرغم أن الممالك الصليبية دخلت مرة أخرى في التنازع بعد موت فرديناند، إلا أن الممالك الإسلامية لم تحرك ساكنا ولم تفعل شيئا، بل احتضنت طليطلة ألفونسو السادس –ابن فريدناند الفار من أخيه- حتى استطاع أن يتواصل مع أنصاره ويعود ملكا مرة أخرى، ويستأنف لمرة أخرى مشروع أبيه "حرب الاسترداد"، وكان أول محطة كبرى فيها هو استيلاؤه على طليطلة نفسها والتي كانت أكبر ضربة يتلقاها الوجود الإسلامي منذ فتح الأندلس.
وكان سقوط طليطلة مزلزلا للمسلمين، ولم يجد ملوك الطوائف بدا من الاستغاثة بدولة المرابطين في المغرب ليستعينوا بها على ردِّ ألفونسو عنهم.





[الخريطة نقلا عن: د. طارق سويدان: الأندلس.. التاريخ المصور]
سادسا: عصر المرابطين
استجاب الأمير يوسف بن تاشفين لاستغاثة ملوك الطوائف وعبر بجيوشه المغربية إلى الأندلس، وخاض واحدة من ألمع معارك التاريخ الإسلامي (الزلاقة 479هـ) استطاع بها أن ينقذ الوجود الأندلسي لمائة عام على الأقل، وسُحِقت فيها جيوش ألفونسو السادس، وعبر أكثر من مرة وخاض معارك أقل خطورة من الزلاقة، لكن كل هذا لم يكن كافيا لكي يرتدع ملوك الطوائف عن فسادهم، فاستمروا في غيهم وعادوا سيرتهم الأولى في الذلة لألفونسو ودفع الجزية له ومضاعفة الضرائب على الرعية، فأفتى علماء الأندلس والمغرب والمشرق الإسلامي لابن تاشفين بدخول الأندلس وإزالة ملوك الطوائف، وهو ما قد كان، فأضاف المرابطون لأمة الإسلام توحيد الأندلس والمغرب من بعد ما كانوا قد وحدوا المغرب المتناثر في دولة واحدة قوية.
لكن عمر المرابطين في الأندلس لم يطل كثيرا، فقد استمر حوالي أربعين سنة، ثم ظهرت في المغرب دعوة أخرى تحولت إلى دولة استطاعت إسقاط حكم المرابطين من المغرب ثم من الأندلس.. تلك هي "دولة الموحدين".




سابعا: عصر الموحدين
انطلقت دعوة الموحدين في المغرب على يد "محمد بن تومرت" ثم ما لبثت أن اجتذبت قبائل مصمودة المغربية التي مثلت القوة الداعمة لهذه الدعوة وأخذت في إسقاط المرابطين حتى تمت لها هذه الغاية، وورثت دولة الموحدين الأندلس ضمن ما ورثته من دولة المرابطين، ولكن فترة الحروب بين المرابطين والموحدين انعكست آثارها على الأندلس وسقطت بعض المدن الأندلسية بيد الصليبيين.
خاض الموحدون في عهد خليفتهم يعقوب المنصور معركة خالدة شبيهة بالزلاقة هي معركة الأرك (591 هـ) سحق فيها أيضا جيوش ألفونسو الثامن، لكنه لم يلبث بعدها سوى ثلاث سنوات وتوفي ودخلت دولته فيما بعده مرحلة الضعف، ولم يمر على موقعة الأرك الكبرى سوى ثمانية عشر عاما حتى تلقى الموحدون هزيمة قاسية في الأندلس في موقعة العقاب (609 هـ) بلغت فيها المصيبة أن قيل: لم يعد في الأندلس بعد العقاب من شاب قادر على القتال.
وفي حين كان انهيار المرابطين ملحوقا بقيام الموحدين فإن انهيار الموحدين لم يعقبه قيام دولة قوية في المغرب، وكان الأمراء الموحدين في الأندلسين أمثلة في حب السلطان والتفريط في البلاد والالتجاء للصليبيين بأية شروط، فكانت نتيجة ذلك أن انهارت الحواضر الأندلسية في مسلسل درامي مؤلم ومتتابع دون أن تجد يد عون لها، فسقطت في 623 هـ سقطت بياسة، ثم جزيرة ميورقة وبطليوس (627هـ)، وماردة (628هـ)، وأبدة (630هـ)، واستجة والمدور (633هـ)، وفي نفس العام سقطت وقرطبة –عاصمة الإسلام الباهرة ودرة مدن أوروبا الوسيطة، وبلنسية (636هـ)، ومرسية وشلب (640هـ)، ودانية ولقنت (641هـ)، وأريولة وقرطاجنة وجيان (643هـ)، وشاطبة (644هـ)، وإشبيلية (646هـ)، وشنتمرية الغرب (647هـ)... وغيرها من أواسط المدن وصغارها. ولم يبق من الأندلس المسلمة إلا مملكة غرناطة.




ثامنا: مملكة غرناطة
على غير المتوقع استطاعت غرناطة الصغيرة أن تظل نحو قرنين ونصف قبل السقوط النهائي، وقد استطاع محمد بن الأحمر أن يؤسس ملكا في غرناطة في ظل ظروف صعبة وبشروط مهينة مع النصارى في ذات الوقت، وقد أمدته يد عونٍ مغربية ثالثة من الدولة المرينية التي كررت سيرة المغرب في إنقاذ الأندلس، وصحيح أن دولة المرينيين لم تكن بنفس قوة المرابطين والموحدين إلا أنها نفذت معركة شبية بالزلاقة والأرك في إنقاذ الوجود الأندلسي لزمن طويل، وهي معركة الدونونية (674 هـ) على يد يعقوب المنصور المريني، بل وضع المرينيون قوة دائمة في الأندلس تحت تصرف الملك الغرناطي.
كذلك فلقد كان النزاع الذي شب بين الممالك النصرانية مساعدا لغرناطة على طول البقاء، ولو قُدِّر لهذا النزاع أن يكون في وقت دولة كالمرابطين أو الموحدين لتوقعنا أنهم يستعيدون ما فقده المسلمون في الأندلس.
لكن مع الضعف العام في غرناطة وفي المغرب، استطاعت قشتالة أن تستولي على المضيق المغربي فمنعت بذلك العون المغربي لغرناطة، ثم أخذت تضيق الخناق عليها تدريجيا، حتى إذا اتحدت مملكتي ليون وقشتالة بزواج فريدناند وإيزالبيلا كانت شمس غرناطة تؤذن بالغروب، وانهارت غرناطة بعد سنة ونصف من الحصار الشديد، لتنتهي بذلك الحقبة الوحيدة في تاريخ إسبانيا التي كانت فيها ذات حضارة ناضرة على المشهد العالمي، وليفقد المسلمون فردوسا حقيقيا أنشأوه على أرض الأندلس، وليفقد العالم حضارة زاهرة وصلت الشرق بالغرب ورفعت أوروبا من عصورها الوسطى المظلمة.



                                                                                                                     نشر في ساسة بوست

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 01, 2015 03:43

December 31, 2014

الرحلات الإسلامية المُبكرة إلى الغرب



كانت الرحلات –مثلما كانت الحروبلقد وصل المسلمون بجهادهم في جبهة الروم إلى غالب الأراضي التي كانوا قد استولوا عليها في المشرق، وواصلوا جهادهم ففتحوا غير قليل من أراضي الروم شرقا وغربا، فالأراضي التي لم تصلها جيوش المسلمين أبدا هي الجزء الأقل من أرض الروم، إذا ما استبعدنا العالم الجديد الذي لم يكن معروفا آنذاك.
هذه الأجزاء التي لم يصلها مجاهدون وصلها رحالة مسلمون ممن حُبِّب إليهم السفر والترحال، أو حملهم على ذلك التجارة أو السفارة أو ما سوى ذلك من الأغراض.
ونستطيع أن نقول بمجموع ما وصل إلينا من أخبار الرحلات والمؤلفات فيها إن المسلمين قد شملوا برحلاتهم بلاد أوروبا، فعرفوها بالعيان والمشاهدة لا بمجرد النقل والسماع، ويمكن أن نقسم الرحلات إلى نوعين: الرحلات الفردية التي قام بها رحالة شغوف وسجلها في كتاب، والرحلات الجماعية التي يقوم بها التجار أو المهجرين واللاجئين وأشباههم.
1. الرحلات الفردية
تتميز الرحلات الفردية بأن أغراضها علمية وأن صاحبها كان حريصا على تسجيلها، ولذلك اهتم بالتقاط ما شاهده فيها، فهو عين فاحصة منتبهة، وقد اختلفت مناهج الرحالة في تسجيل مشاهداتهم، فمنهم من اهتم بالجغرافيا، ومنهم من اهتم بالناس وأحوالهم وعوائدهم، ومنهم من اهتم بالسياسة والملوك، وربما مرَّ بالبلد الواحد أكثر من رحالة في أكثر من زمن وكان لكل منهم عين ومنهج، فكانت الصورة المنقولة تتمتع بقدر معقول من الشمول، وهذا كله بخلاف ما ضاع من تراثنا في هذا الجانب.
وأقدم من نعرفه ممن سجل رحلته إلى بلاد الروم هو ابن فضلانوشملت رحلات المسعودي -وقد نشأ في بغداد، وتوفي في مصر منتصف القرن الرابع الهجري- بعض أنحاء الغرب، نستشف ذلك من كلامه المنثور فيما بقي لنا من مؤلفاته -مثل مروج الذهب- لا سيما حديثه عن بحر الروم -الذي صرح أنه ركبه- وما يقع عليه من البلاد الرومية، وكانت له محاورات مع المجاهدين البحريين والتجار الذين يقطعون البحر وسجل عنهم معلومات عن البحر ومعالمهوشملت رحلة ابن حوقل -وكانت في منتصف القرن الرابع الهجر- نابولي وصقلية، وكانت صقلية تحت حكم المسلمين حينئذ، ووصف كثيرا من مشاهد وجزر بحر الروم وأحوال بعض أهلها، وسجل ما سمعه من ذوي الأعمار والترحال في بلاد الروموبدأ الإدريسي رحلاته مبكرا، فقد ولد بالمغرب ودرس بالأندلس، وشملت رحلته فرنسا وإنجلتراوشملت رحلة أبي حامد الغرناطي -والتي سماها "تحفة الأصحاب ونخبة الأعجاب"، وكانت في مطلع القرن السادس الهجري- جزءا من البحر الأسود، وتوغل في بلاد البلغار على ضفاف نهر الفولجا وبلاد الصقالبة وإقليم باشغرد (بين البلغار والقسطنطينية)وشملت رحلة ابن جبير الأندلسي -وكانت في أواخر القرن السادس الهجري- عكا وصوراً، وكانتا تحت حكم الصليبيين، وصقلية وكانت تحت حكم النورمانوارتحل الهروي -وأصله من هراة، ووُلِد بالموصل- في أواخر القرن السادس الهجري إلى ما استطاع من بلاد المشرق والمغرب، فبلغت رحلته في أرض الروم جزيرتي صقلية وقبرص، والقسطنطينية وسالونيك وآسيا الصغرى، وسجل رحلته في كتابه "الإشارات إلى معرفة الزيارات"؛ حيث جمع فيه ما علق بذهنه من المشاهدات بعد أن ضاعت كتبه التي سجل فيها رحلته مفصلة، فبعضها غرق وبعضها نهبه جنود صليبيون أوقعوا به جنوب فلسطين في أيام الحملة الصليبية السادسةوأما شيخ الرحالة ابن بطوطة فقد كانت معظم رحلته في ديار المسلمين وبلاد الشرق، إلا أنه أصاب من الغرب شيئا حسنا، فقد دخل إلى آسيا الصغرى وصعد إلى بلاد القرم وذهب إلى آزاق (أزوف الآن) وبلاد البلغار وزار القسطنطينية، وأمدنا في كل ذلك بمعلومات قيمة.
ومما يمكن إدراجه في الرحلات الفردية التي مثلت مصدرا من مصادر معرفة المسلمين بالغرب: رحلات طلبة العلم الأوروبيين إلى بلاد المسلمين للتعلم، سواء في الأندلس أو المغرب أو المشرق، فقد كان هؤلاء ممن نقلوا الكثير من أحوال بلادهم وعوائدها إلى المسلمين.
2. الرحلات الجماعية
وأبرز ما في الرحلات الجماعية: الرحلات التجارية وحركات النزوح واللجوء. ولقد كانت هذه الرحلات الجماعية أنشط وأكبر مساحات الاحتكاك بالغرب والمعرفة به لكثرة أهلها، إلا أن أخبارها لم تسجل بل كانت قيمتها وقتية.
فبرغم أن حركة التجارة هي الحركة الأوسع في التعرف على الغرب، وبرغم أن التجار هم من أنشط فئات الناس وأذكاهم، إلا أن التجار ليست لهم سجلات يدونون فيها معارفهم، بل حظهم من الحياة ما يقيم تجارتهم، فعلمهم مقصور عليهم وعلى أزمانهم ولا يفيد الناس منه كثيرا، اللهم إلا من كان منهم مهتما بالعلم أو له باع فيه.
وقد كان التجار المسلمون من النشاط بحيث فاق كثيرا نشاط غيرهم، فحتى عام 1914م أحصيت 200 قطعة من العملة البيزنطية في السويد مقابل 38000 قطعة من العملة العربية عثر عليها هناكومن حسن الحظ أن الزمن قد حفظ لنا قطعا مهمة من تراث بعض التجار، مثل إبراهيم بن يعقوب الطرطوشي، وهو تاجر أندلسي كان يعمل في جلب الرقيق الأبيض من أوروبا إلى الأندلس، وله كتاب مفقود لم يبق منه إلا ما نقله عنه مؤلفون آخرون كالبكري في المسالك والممالك والحميري في الروض المعطار، وما بقي من رحلته يفيدنا في أنه ذهب إلى ألمانيا وبلاد الصقالبة ووصل حتى شرق أوروبا وعبر البحر الأدرياتي وزار براج والتقى بالملك أوتو الكبير –إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة- والتقى عنده بسفراء من ملك البلغار، وفي ألمانيا التقى بتجار عرب قادمين من بلاد المجر يحملون الدقيق والقصدير والفراء، وزار كذلك بلاد الخزر، ويشير د. حسين مؤنس إلى معلومة بالغة الأهمية في سياقنا هذا، وهي أن الطرطوشي لم يذكر أن أهل بلاد الخزر في ذلك الوقت كانوا يهودا برغم أن كتاب اليهود يطيلون الحديث عن دخول الخزر في اليهودية وانتشارها فيهم حينئذ، وقد انتفع المستشرقون بهذه القطعة ذات الأهمية الكبيرة في تاريخ الروس القدامى وأحوالهم، وهي من أهم ما وُجِد في المصادر الإسلامية عن وسط أوروبا وشرقها. ويتوقع برنارد لويس أن رحلته كانت من الأندلس إلى فرنسا ثم هولندا ثم شمال ألمانيا وبوهيميا وبولندا، وأن عودته ربما كانت عن طريق شمال إيطالياوفيما نزعم فإن حركة المهجرين هي ثاني أوسع الحركات في التعرف على الغرب بعد حركة التجارة، وكثيرا ما أسفرت الحروب المستمرة على أطراف العالم الإسلامي وفي أعماقه أحيانا عن حركات نزوح واسعة بفعل مذابح الروم أو استيلائهم على البلد، ثم لقد ألقت الأندلس إلى المغرب بطوفان من أبنائها خلال أربعة قرون منذ بدأ تساقط حواضر الأندلس، وحتى الموجة الكبرى مع سقوط غرناطة ومحاكم التفتيش ثم قرار الطرد والتهجير. كذلك فقد ألقت كافة الأراضي التي كانت تحت سلطان العثمانيين إلى ما جاورها من بلاد المسلمين طوفانا أكبر عبر ثلاثة قرون منذ بدأ الضعف يدب في أوصال الدولة العثمانية وتتساقط حواضرها أمام الروس أو الأوروبيين، وقد عانى المسلمون مثلما عانى إخوانهم قبلهم في الأندلس من المذابح وعمليات الإبادة ومحاكم تفتيش جديدة.ولم يكن المهجرون في هذه الأحوال من المسلمين فحسب، بل كثيرا ما استقبلت الدولة العثمانية الهاربين من الاضطهاد الديني الأوروبي، وقد فرَّ كثير من يهود الأندلس إلى الدولة العثمانية، كما فرَّ كثير من المسيحيين البروتستانت والموحدين إلى الدولة العثمانية، كذلك فرَّ القوزاق من اضطهاد الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إلى الدولة العثمانية أيضاإلا أن المهاجرين -كالتجار- لا يسجلون لنا معارفهم سوى من كان منهم من أهل العلم، بل سوى من يهتم بمثل هذا من أهل العلم، غير أن كل هذه الحركة مثلت -في وقتها- إضافات ضخمة للعالم الإسلامي عن الغرب وأحواله ولغاته وثقافته.
ومما يمكن إدراجه في الرحلات الجماعية كذلك: رحلات الغربيين للحج إلى بيت المقدس، وقد كانت هذه مزية للتعرف عليهم وليس للغربيين مثلها، إذ ليس في بلادهم ما يحج إليه المسلمون، وقد تمتعت ديار المسلمين بالأمن وحماية الأماكن المقدسة والإحسان إلى عموم الذميين والمستأمنين، مما جعل رحلة حجهم إلى بيت المقدس رحلة آمنة وحدثا يتمتع بالاستقرار في غالب الأحوال، وهو حدث مستمر لا ينقطع بسلم أو بحرب، فمن هنا كانت رحلة الحج مصدرا متجددا من مصادر معرفة المسلمين بأهل الغرب.
نشر في نون بوست
اقرأ: -         موجز تاريخ الصدام بين الإسلام والغرب (الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالث، الجزء الرابع)-         على ضفاف الحروب الغربية الإسلامية اقرأ: السفارات الإسلامية الغربية (الجزء الأول، الجزء الثاني) عاش بين النصف الثاني من القرن الثالث الهجري والنصف الأول من القرن الرابع الهجري. كان البلغار في ذلك العصر يسكنون قريبا من قازان إلى الشمال من بحر الخزر، ثم تحركوا شرقا حتى كانوا في القرن الثامن الهجري قد صاروا إلى شمال البحر الأسود، كما يصف ابن بطوطة، ولم يكونوا قد استقروا بعد في وطنهم المعروف باسمهم اليوم، وهم في الأصل ترك مسلمون في غالبيتهم، ثم تحولوا إلى النصرانية في مسيرهم نحو بلادهم الحالية. د. حسين مؤنس: ابن بطوطة ورحلاته ص12، 13. المسعودي: مروج الذهب 1/108، 118 وما بعدها (ط دار الفكر). ابن حوقل: صورة الأرض 1/118 وما بعدها، 190 وما بعدها. ذهاب الإدريسي إلى إنجلترا وفرنسا إنما هو استنتاج لبعض الباحثين دفعهم إليه أن الوصف المذكور لهذه المناطق من الدقة بحيث لا يمكن إلا أن يكون نتيجة مشاهدة ومعاينة، ويرى آخرون أن هذا لا يصلح دليلا. انظر: د. حسين مؤنس: تاريخ الجغرافيا والجغرافيين ص170. Le Tuhfat al-Albab de Abu Hamid al-Andalusi Al-Gharnati, etided d'apres les mss. 2167, 2138, 2170 de la Bibliotheque National et le Ms. D'alger, par Gabriel Ferrand. Jornal Asiatique, Juillet Septembre 1925. p. 112 – 120. ابن جبير: رحلة ابن جبير ص276 وما بعدها، ص294 وما بعدها. الهروي: الإشارات إلى معرفة الزيارات ص53 وما بعدها. د. عثمان بن جمعة ضميرية: السفارة والسفراء في الإسلام ص17، 18. وهو ينقل عن: د. محمد حميد الله: دولة الإسلام والعالم. برنارد لويس: اكتشاف المسلمين لأوروبا ص92. د. حسن مؤنس: تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس ص76 وما بعدها، برنارد لويس: اكتشاف المسلمين لأوروبا ص111. توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام ص181، 182.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 31, 2014 08:34

December 28, 2014

السفارات الإسلامية الغربية (2 - 2)



ما زلنا نواصل إلقاء الضوء على تاريخ العلاقات الإسلامية الغربية، فاستعرضنا موجز تاريخ الصدام بين الإسلام والغرب في أربعة أجزاء (الأول، الثاني، الثالث، الرابع) ثم ما نبت على ضفاف الحروب من علاقات، ثم العلاقات الدبلوماسية المتمثلة بالسفارات وتبادل الهداية.
وقد استعرضنا في المقال السابق شذرات عن السفارات منذ زمن النبي حتى أواسط العصر العباسي، ونواصل هذا الحديث فيما يلي من سطور:
وأما مرحلة الحروب الصليبية فلم يكن يكافئ كثرة المعارك فيها إلا كثرة السفارات التي تثمر معاهدات هدنة قصيرة أو طويلة بحسب الأحوال، فإن تعددت الأطراف -إذا دخل إمبراطور بيزنطة على خط الصراع، أو جاءت حملة جديدة، أو انشق أمير صليبي أو مسلم- كان ثمة سفارات أخرى سرية وعلنية لترتيب الأوضاع، وعقد ما يستجد من تحالفات ومعاهدات.
ولم يختلف حال السفارات كثيرا في عهد المماليك، إلا أنه كان أقل من عصر الحروب الصليبية، فقد تمكن المماليك من تطهير الساحل الشامي وانتهت الحملات الصليبية إلى الفشل، ومن ثمَّ كان تواصلهم الأهم مع أوروبا مقتصرا على بلاد آسيا الوسطى -التي صارت في ذلك الوقت مسلمة في غالبها، ومن ثمَّ فلا تُعتبر من الغرب حينئذ- ومن خلفهم من بلاد البلغار والصرب، والجمهوريات الجنوبية كجنوة والبندقية، وجرت لهم مراسلات مع الإسبان أيضا، ومن يطالع كتاب القلقشندي "صبح الأعشى" –وقد عمل لعشر سنوات كاتبا في بلاط السلطان الظاهر برقوق- يجد مادة مهمة في مكاتبات السلاطين المماليك مع هذه البلاد ومعلومات قيمة عنها وعن ملوكها وتبدل أحوالها وما يترتب على هذا من ألقاب وآداب الرسائل والمخاطبةلكن الزيادة في العلاقات انتقلت إلى الدولة العثمانية التي افتتحت جبهة أخرى مع البيزنطيين وفي شرق أوروبا، حتى أنها لما قضت على الدولة البيزنطية استكملت المسير نحو ممالك أوروبا، ثم ظهر لها في الشمال الروس، وقد تطورت العلاقات السياسية عبر القرون حتى صارت السفارات العلمية بعثات علمية حين أيقن العثمانيون بأنهم في حاجة إلى التعلم من أوروبا، فمنذ أواخر القرن السادس عشر "صار عُرفا عند سفراء تركيا إلى أوروبا أن يكتبوا تقارير مفصلة عند عودتهم إلى بلادهم يصفون ما شاهدوه، وما قاموا به من أعمال"وفي الجناح الغربي للعالم الإسلامي كانت للأندلس علاقات سياسية أيضا بما جاورها من ممالك أوروبا حتى أقصى الشرق الأوروبي: القسطنطينة، وقد حاول الإمبراطور البيزنطي تيوفيلوس (توفلس) مواجهة الغزوات العباسية في أرضه بفتح قنوات اتصال سياسية مع أمير الأندلس عبد الرحمن الأوسط، فأرسل إليه بسفارة (840م) تحمل الهدايا والمودة وطلب التحالف على العباسيين، وعاد السفير البيزنطي ومعه يحيى بن الحكم الغزال سفيرا من قرطبة، ومعه خطاب ودِّي فيه ردٌّ سياسي يؤكد الصداقة بينهما والعداوة للعباسيين ولكن لا ينبني عليه عمل ضدهم، غير أن الغزال استطاع النفاذ إلى قلب الإمبراطور وزوجته وولده ميخائيل فكانت بينه وبينهم منادمات وصحبة سجل بعضها في شعرهوبعد سقوط الأندلس نشأت صلات سياسية بين ملوك المغرب وملوك أوروبا، وقد سجل أفوقاي الأندلسي في رحلته مهمته التي كلفه بها السلطان السعدي الناصر زيدان، وكانت سفارة منه إلى ملك فرنسا لإصلاح أوضاع المسلمين المهجرين من الأندلس، وروى كذلك عن سفارة متبادلة بين سلطان المغرب وملك هولندا للتحالف على إسبانيا، وكانت هولندا قد دخلت في البروتستانتية وخلعت الحكم الإسبانيومن عجيب ما يذكره أن العلاقات العثمانية الإسبانية كانت منهارة لسببين: غدر الإسبان بالمسلمين الأندلسيين، وغدر الإسبان بملك المكسيك مُتَشُمَهومن يطالع كتب التاريخ يرى كثيرا من السفارات لا يهتم المؤرخون فيها بسبب السفارة ونتائجها قدر ما يهتمون بما كان فيها من سجالات علمية وأدبية وإفحامات وردود على البديهة ومعلومات عن عادات الروم وطباعهم ورسومهم ونحو ذلك، بل لا نبعد أن نقول إن أغلب ما نعرفه من أخبار السفارات هو ما كانت فيه هذه الأمورومن أعجب ما نستفيده في أمر السفارات أن وجود السفارات الدائمة في أول أمرها لم يكن تعبيرا عن قوة الصداقة كما يتبادر إلى أذهاننا الآن، بل هو يعبر عن الذِّلة، فالطرف الأضعف هو الحريص على وجود سفارة دائمة له عند الطرف الأقوى بينما لا يحفل الأقوى بذلك، بهذا فسَّر أفوقاي الأندلسي وجود سفراء أوروبيين دائمين لدى العثمانيين بينما لم يهتم العثمانيون بإيجاد سفارات لهم في بلاد أوروباومما يدخل في باب السفارات -بنوع من التكلف- هو زواج الخلفاء والسلاطين من بنات خصومهم الغربيين، فهي علاقات سياسية في النهاية، وقد أمدت قصور الحكم بمعرفة دقيقة عن بلاد الزوجة، وإن كان يصعب علينا بطبيعة الحال العثور على هذه المعارف.
وفي المجمل فلقد كانت السفارات أكثر من الحروب، فهي ترافق الحروب لإنهائها وحصد نتائجها، كما أنها تنفرد بنفسها في مسائل سياسية ودعوية وعلمية وعلاقات تحالف وتعاون مؤقت أو طويل. فكانت بهذا مصدرا غزيرا من مصادر معرفة المسلمين بالغرب.
نشر في نون بوست
القلقشندي: صبح الأعشى 8/11 وما بعدها. من أهم ما كتب قبل القلقشندي ونجد فيه مادة قيمة في أحوال الممالك، كتاب "التعريف بالمصطلح الشريف" لابن فضل الله العمري (ت 749هـ)، وقد أضاف عليه ابن ناظر الجيش (ت 786هـ) إضافات بعده في كتابه "تثقيف التعريف بالمصطلح الشريف"، وكثيرا ما يعتمد القلقشندي على كتاب التثقيف هذا. القلقشندي: صبح الأعشى 8/35، 36. برنارد لويس: اكتشاف المسلمين لأوروبا ص128. المقري: نفح الطيب 2/258، محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 1/282 وما بعدها. وكانت عاصمة النورمان الذين كان يسميهم المسلمون بالمجوس، وقد بلغ ملكهم حينها الدانمارك وما حولها من الجزر، وقسماً من إسكندناوة وألمانيا الشمالية. ابن دحية: المطرب في أشعار أهل المغرب ص138 وما بعدها. محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 1/456 وما بعدها. أفوقاي الأندلسي: رحلة أفوقاي الأندلسي ص52، 53، 70، 77، 114. أفوقاي الأندلسي: رحلة أفوقاي الأندلسي ص101. انظر مثلا: أبو يعلى الفراء: رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة. محمد إبشيرلي: نظم الدولة العثمانية، ضمن "الدولة العثمانية تاريخ وحضارة" بإشراف: أكمل الدين إحسان أوغلو 1/234، 235. أفوقاي الأندلسي: رحلة أفوقاي الأندلسي ص101.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 28, 2014 04:26

December 25, 2014

عشرة تواريخ أندلسية بأيدٍ أندلسية








بمناسبة ذكرى النكبة الأندلسية الـ 523، رشحنا لك في المقال الماضي عشرة كتب معاصرة لفهم تاريخ الأندلس، ووعدناك حينها بهذا المقال: وهو التواريخ الأندلسية التي كتبتها اليد الأندلسية، لكي تقرأ التاريخ ممن عاشه بكيانه فسمع ورأى أهل الأندلس وملوكها وعلمائها، وسرح ومرح في رياض الأندلس وجنانها ومروجها، وعاين بنفسه –أو بشهود العيان- أمور حربها وسلمها، وذاق ترفها ولهيبها، وغشي بصره نورها ونارها!
ولا يصبر على قراءة كتب التاريخ القديمة إلا من له شوق وولع يتغلب به على ما يضايق القارئ المعاصر من غرابة الألفاظ والتراكيب وعسر أساليب القدامي في الوصف والتصنيف والتقسيم والإسهاب أحيانا والإيجاز أحيانا وغير هذا مما هو معروف.. لكن اللذة التي تتحقق بعد هذه المشقة لذة لا توصف، لأن المرء يكاد يلمس الأندلس بيده في ظلال هذه الكتب!
ومثلما فعلنا في المقال الماضي فقد قسمناها لك إلى مستويات أيضا:
المستوى الأول: المختصرات
1.    أخبار مجموعة: 
ومؤلفها مجهول، ويتوقع بعض الباحثين أن يكون تأليفه لمجموعة وليس لواحد، ويرى المستشرق الإسباني الخبير خوليان ريبييرا أنه من مذكرات أسرة أموية واحدة، لكن أحدهم اهتم بأخبار السياسة والآخر بأخبار الفقه والدين والثالث بأخبار العلم والأدب، وهو مهم في أخبار فترة الفتح وما جرى بعدها من نزاعات بين العرب قبل إنشاء الإمارة الأموية على يد عبد الرحمن الداخل. وإن كان تأريخه مستمرا حتى خلافة عبد الرحمن الناصر. وهو في 140 صفحة فقط!
2.    تاريخ افتتاح الأندلس: 
 لابن القوطية، وسُمِّي بهذا الاسم لأن جدته العليا سارة حفيدة غِيطْشَة ملك القوط التي تزوجت فيما بعد بأحد موالي الأمويين، وابن القوطية هو أستاذ العالم الأندلسي الشهير ابن الفرضي صاحب "تاريخ علماء الأندلس"، ومزية هذا الكتاب أنه مصدر قديم عن المجتمع الأندلسي غير العربي، وإن كان تجنب اليهود والنصارى3.    رسالة فضائل أهل الأندلس: 
 للإمام العلم البحر الكبير ابن حزم، والتي كتبها يدافع فيها عن حظ أهل الأندلس من العلم والأدب والفنون، وهي رد على رسالة وصلت لابن حزم تشكو ضعف الأندلسيين في تخليد ذكر علمائهم. فأخذ ابن حزم يسيل بقلمه حتى أوفى، مع ملاحظة أن الأندلس استمرت بعد ابن حزم أربعة قرون أخرى!
المستوى الثاني: المطولات
4.    المقتبس من أنباء أهل الأندلس: 
لابن حيان الذي هو شيخ مؤرخي الأندلس قاطبة، وتاريخه أنفس تاريخ كُتِب في تاريخها، ومن المؤسف أن كل كتبه مفقودة إلا أجزاء من "المقتبس" وأجزاء أقل كثيرا من "المتين"، والأول كان عشر مجلدات والثاني كان ستين مجلدا!! وقد اجتهد المؤرخون في جمع ما تناثر من المقتبس والمتين، وكان ما وجدوه من المقتبس أكبر بكثير، ولكن الذي وجدوه هذا بديع في الوصف دقيق في التاريخ ممتع إلى أقصى حد مع ما فيه من نفع كبير. وقد جعله الإمام ابن حزم مما يفخر به أهل الأندلس على من سواهم.. والقطعة المتاحة منه على الانترنت هي جزء من عصر عبد الرحمن الناصر حققها ونشرها د. محمود مكي وقدم لها ببحث ممتع عن شخصية ابن حيان وعصره.
5.    البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب: 
لابن عذارى، وهو من أشهر مصادر التاريخ الأندلسي والمغربي، وقيمته الكبرى في أنه حفظ لنا بين نصوصه كثيرا من نصوص الكتب المفقودة، ومن المفارقات أن معلوماتنا قليلة عن صاحب التاريخ، لكن كتابه من أهم المؤلفات في بابه.
6.    الإحاطة في أخبار غرناطة: 
لابن الخطيب، لسان الدين ذي الوزارتين، الغني عن التعريف، المشهور في كل مكان، وصاحب القصيدة التي حوت البيت المحفوظ "جادك الغيث إذا الغيث همى .. يا زمان الوصل بالأندلس"، وكتابه هذا وإن كان عن تاريخ غرناطة إلا أنه حوى تاريخ الأندلس بالتبعية، وهو مؤلف على طريقة علمائنا في التأريخ للبلد وخططها ومميزاتها، ثم الترجمة لمن مر بها أو عاش فيها أو حكمها، وفي ظل هذه التراجم يجتمع للقارئ صورة شاملة للتاريخ الغرناطي والأندلسي وكثيرا من التاريخ المغربي وبعض المشرقي أيضا. وعلى رغم حياة ابن الخطيب الحافلة بالمشاغل –سواء أكانت وزارة أم محنا- إلا أن كتبه تبدو وكأن الذي كتبها مؤلف رائق البال طيب الحال هادئ الخاطر، فلله دره!
7.    نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: 
للمَقَّري التلمساني، وقد كُتِب هذا الكتاب بعد سقوط الأندلس، فهو ممزوج بالحسرة عليها فائح براحة الشوق إليها، وقد كان السبب في تأليفه عجيبا؛ وذلك أن المؤلف كان في زيارة لدمشق، وهناك فوجئ بجهل الناس بلسان الدين بن الخطيب –وهو يكاد يكون أشهر شخصية أندلسية- فعزم على تأليف كتاب عنه، ثم اتسع التأليف وتفرع فصار أكبر من كونه تعريفا بابن الخطيب، فأكمله ليكون تاريخا للأندلس وجعل اسمه "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب".. وهذا الكتاب من أجمع تواريخ الأندلس.
المستوى الثالث: كتب متخصصة
8.    تاريخ علماء الأندلس: 
لابن الفرضي العالِم القاضي الأديب، ويعد كتابه هذا أول كتاب معروف في التاريخ لعلماء الأندلس، ورتبهم على حروف المعجم، مع مقدمة في غاية الاختصار لأمراء الأندلس منذ عبد الرحمن الداخل إلى هشام المؤيد بالله.
9.    الصلة: 
لابن بشكوال، وهو تلميذ الفيلسوف المشهور ابن رشد، وكتابه هذا –كما يشير اسمه- ملحق لكتاب ابن الفرضي "تاريخ علماء الأندلس"، فصار الكتابان مادة غنية يُعرف منها علماء الأندلس ونوابغها، وقد طال عمر ابن بشكوال حتى انتشر علمه وتلقى عنه الكثيرون، ومن المفارقات أن الله هيأ له من يستكمل كتابه هو مثلما استكمل هو كتاب ابن الفرضي، فجاء الأديب المشهور ابن الأبار وكتب كتابه الذي سماه "التكملة لكتاب الصلة".
10.           طوق الحمامة في الإلف والأُلَّاف: 
للإمام ابن حزم، وهو كتاب مشهور بين المحبين العاشقين، بل بين كل من رقَّت قلوبهم وحسنت أذواقهم، ففيه من رقة القصص ولوعة الشعور وجمال اللغة وبديع التعابير ما يحرك قلب أي بشر لم تنتكس فطرته ولم يغلظ طبعه. والكتاب وإن كان في الحب والعشق إلا أنه من وجه آخر صورة للحب في الأندلس ولقطة شديدة الخصوصية والعمق في تضاعيف المجتمع.
وبعد هذا لا بد أن نذكر بأن هذه عشرة كتب فقط من كل المصادر الأندلسية التي وصلتنا، والذي لم يصلنا منها أكبر مما وصلنا بكثير، فنحن حتى الآن نفتقد كتاب أبي حيان –شيخ مؤرخي الأندلس- المفصل لتاريخها، كما نفتقد كتاب ابن شهيد والذي وُصِف بأنه في مائة جزء يعرض فيها تاريخ مائتين وخمسين سنة، منذ عام 40 هـ حتى أيامه (ت 392 هـ)، وغير ذلك من أسفار لا ندري هل سيكشف عنها الزمان وتخرجها الأرض من خزائن مجهولة أو مخبوءة أم ستُطوى في صحائف النسيان أبد الدهر؟!! 
نشر في ساسة بوست
ومن أراد التوسع في هذا الجانب فعليه بكتاب: فجر الأندلس للدكتور حسين مؤنس، فهو أجلُّ شيء أعلمه كُتِب في وصف المجتمع الأندلسي.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 25, 2014 11:03

December 23, 2014

السفارات الإسلامية الغربية (1/2)



يجرنا حديثنا المتصل عن تاريخ اتصال المسلمين بالغربلقد كانت السفارات تاريخيا أكثر من مجرد وفد يرسله الخليفة، بل كان يحرص صاحب السلطان على أن يرسل الهدايا والطرائف التي تختص بها بلاده، وأحسن ما توصلت إليه صناعاتهم من أدوات وآلات، كما كان يحرص صاحب السلطان إذا استقبل سفيرا أن يكون مجلسه في النهاية من الفخامة والأبهة والزينة ليقع في قلب السفراء مدى عظمته، فيحقق بالرهبة والهيبة ما يحتاجه في ميدان الحرب والتفاوض.
وفي كثير من السفارات الواردة إلينا في كتب التاريخ كانت تجري بين الوفد وبين البلاط مساجلات دينية وعلمية وأدبية كذلك، فلهذا اقتضت السفارات وجود معرفة بهذه الأمم ولهذا كان السفراء ممن لهم باع في العلوم والفنون والآداب، ومن ثَمَّ وفرت السفارات والعلاقات السياسية مساحة واسعة للمعرفة بالغرب لدى المسلمين. 
ولئن كان كثير من أنباء هذه السفارات لم يصلنا -سواء لأنه لم يكتب لينشر على الناس، أو كتب وفُقِد- فإنه يكفينا في هذا المقام -الذي نرصد فيه معرفة المسلمين بالغرب- أن نعرف أنها أضافت في حينها معلومات وافرة عن الغربيين ونظمهم وأحوالهم في بلاطهم وكثير من عاداتهم.
وأول ما جاء في هذا الباب وفود النبي r بعد صلح الحديبية، فكان منها إرساله دحية الكلبي إلى هرقل ملك الروم، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر، وكان ذلك عام (7هـ)، وحين عرف النبي r أن الروم "لا يقرؤون كتابا إلا مختوما، فاتخذ النبي r خاتما من فضة، ونقشه: محمد رسول الله"ومما يلفت النظر في رسائل النبي r إلى هرقل والمقوقس ما ذكره فيها من أنه "عبد الله ورسوله"، ووضعه لآية {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...} [آل عمران: 64] بينما خلت من ذلك رسائله إلى كسرى وملوك العرب المشركين، وهذا يشير إلى ما تحتمه السفارات من المعرفة المسبقة. وليس أدلّ على ذلك من قوله r في رسالته لهرقل "فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين"وفي عصر الخلافة الراشدة وخلال الفتوحات جرت كثير من السفارات بين المعسكرات، وكانت مهماتها تنحصر في الغالب في الاتفاق على إنهاء القتال، وجرت في هذه السفارات نقاشات وأسئلة متبادلة انصبت على اختلاف الدين وعلى أحكام القتال، واطلع كل فريق على ما لدى الآخر من رسوم وأحوال. ومن أشهر هذه السفارات سفارة عبادة بن الصامت إلى المقوقس في فتوح مصروفي عصر الأمويين زادت وتيرة السفارات مع الفتوح أو مع الاضطرار، فلقد اضطر معاوية في عصر الفتنة أن يصالح ملك الروم على مالٍ ورهائن متبادلة بينهمافلما استقرت حدود الدولة الإسلامية بعد زمن توقف الفتوحات في أواخر العصر الأموي، واستقرت على معارك استنزاف وتوغلات غير حاسمة في العصر العباسي، استمرت السفارات في أداء مهمتها لعقد الاتفاقيات وإنهاء القتال، وإن لم تخلُ من مكرمات ملكية مثل ما جرى بين نقفور إمبراطور الروم وهارون الرشيد؛ إذ ما إن انتهت الحروب بينهما بنصر الرشيد حتى أرسل نقفور يرجو رد أسيرة كان قد خطبها لابنه، فأرسلها الرشيد في الزينة والطيب ومعها أنواع من التحف، فردَّ نقفور بهدية نفيسة: أموال وثياب وطيور وحيواناتإلا أن الملفت للنظر منذ هذا الزمن هو زيادة مساحة الشؤون السياسية والعلمية في السفارات حينئذ، فقد نجم شأن المسلمين وصاروا كعبة العلوم والمعارف، وقد اشتهر عدد من هذه السفارات منها: سفارة هارون الرشيد وهديته "الساعة العجيبة" إلى شارلمان ملك الفرنجة إلا أن التحقيق العلمي لا يستطيع الجزم بصحتهاومنها ما رُوِيَ عن سفارة سلام الترجمان من الخليفة العباسي الواثق بالله إلى ملك أرمينية ومنه إلى ملك الخزر لتسهيل مهمة سلام الترجمان لارتياد ما يُظن أنه سد يأجوج ومأجوجومنها سفارة ابن فضلان إلى بلاد الصقالبة والتي جاءت بطلب من ملك الصقالبة للخليفة العباسي المقتدر بالله أن يرسل إليه من يعرفه شرائع الإسلام، فزار ابن فضلان بلاد الترك والصقالبة والروس والخزر، وسجل كل ذلك في رسالته المشهورةومنها سفارة القاضي أبي بكر الباقلاني عن عضد الدولة البويهي إلى ملك الروم، وقد جرى فيها سجال طويل في مسائل الدين بين الإسلام والنصرانية ومعجزات الأنبياء والقول في عيسى ابن مريم عليه السلام وغيرهاومنها ما كان بين الملك الكامل الأيوبي وفريدريك الأكبر الألماني ملك صقلية من رسائل متبادلة يسأل فيها الملك الألماني العالِم الذي أحب علوم العرب وشغف بها فيجمع لها الكامل أهل العلم فيجيبون عنهانشر في نون بوست
راجع ما كتبناه في: -         موجز تاريخ الصدام بين الإسلام والغرب (الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالث، الجزء الرابع)-         ما نبت على ضفاف الحروب من معارف متبادلة. البخاري (5537). البخاري (7)، مسلم (1773). الندوي: السيرة النبوية ص304 وما بعدها، واستدل على ذلك بأن له سابقة في هذا التفسير جاءت عند: الطحاوي: شرح مشكل الآثار 5/229، النووي: شرح صحيح مسلم 12/109. فاضل سليمان: أقباط مسلمون قبل محمد r ص120، 121. ابن عبد الحكم: فتوح مصر وأخبارها ص75. الطبري: تاريخ الطبري 2/601. وردت روايات يسأل فيها إمبراطور الروم عُمَرًا عن الحكمة أو يقول: املأ لي من كل شيء في هذه القارورة، وأمورا أخرى، وقد أوردها الطبري بغير إسناد، ولكن لغتها وأسلوبها يغلب عليها تفلسف المتأخرين مما يجعلنا نجزم باختلاقها ووضعها على عمر. البلاذري: فتوح البلدان 1/190. ابن قتيبة: عيون الأخبار 1/297، وعند الطبري 2/601 نسبت هذه القصة إلى رسائل بين عمر وملك الروم. هذه الرواية مثلا يظهر فيها غرض إثبات جهل معاوية والعلم الذي اختصه الله بآل البيت، إذ إن من أنقذه بالإجابات هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فهذه الرواية وأمثالها كثير مبثوثة في المصادر التاريخية والأدبية التي كتبت في القرن الثالث الهجري، وقد تعرضت لهذا الموضوع في كتابي: رحلة الخلافة العباسية 1/77 وما بعدها. المسعودي: مروج الذهب 2/170، 171. (ط الشركة العالمية للكتاب)، ابن عبد الحكم: سيرة عمر بن عبد العزيز ص148، 149. الطبري: تاريخ الطبري 4/677. د. عبد العزيز الدوري: العصر العباسي الأول ص116 وما بعدها، د. فاروق عمر فوزي: الخلافة العباسية 1/348 وما بعدها. ابن خرداذبه: المسالك والممالك ص161، 162، الإدريسي: نزهة المشتاق 2/943 وما بعدها. ابن خرداذبه: المسالك والممالك ص25. ابن فضلان: رسالة ابن فضلان ص75 وما بعدها. النباهي: تاريخ قضاة الأندلس ص37 وما بعدها. وقد نقل المؤرخون أجزاء منها حسب مناهجهم في التفصيل أو الإيجاز، ثم جمعها ورتبها الأستاذ محمد عبد العزيز الخضيري في كتاب أسماه «المناظرة العجيبة»، وصدر عن دار الوطن. المقريزي: السلوك 1/354، ماكس مايرهوف: العلوم والطب، ضمن "تراث الإسلام" (بإشراف توماس أرنولد) ص492، زيجريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب ص431 وما بعدها.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 23, 2014 12:38

December 22, 2014

حركة النهضة التونسية .. حصاد تجربة توافقية



ستنهمر في الأيام القادمة مقالات وبحوث تسأل "لماذا فشلت حركة النهضة التونسية"، ربما تكون هذه السطور –التي تُكتب في الساعات الأولى من 17 ديسمبر- أول الغيث، وأستطيع أن أعتذر لنفسي بأني كتبت معنى هذا الكلام منذ 2011، قبل أن ينجلي الغبار ونعرف هل كان لدينا فرس أم حمار؟! وما ذاك إلا دفعا لتشغيب من سيقول: يمارسون الحكمة بأثر رجعي!
كان الغنوشي واحدا ممن نَظَّر طويلا لفكرة أن الدولة في الإسلام هي ذاتها الدولة العادلة في الغرب، وبذل جهدا حافلا بالتلفيق والتكلف لينزع من الدولة في الفكر الإسلامي كل خصائصها المميزة ليحيلها إلى الدولة الديمقراطية في الفكر الغربي، كأن لم تكن للإسلام خصيصة متميزة في نظام الدولة وأحكامها عما انتهى إليه البشر من فكر سياسي في القرن العشرين!
وفجأة وجد الغنوشي نفسه عائدا إلى تونس بعد ثورة قصيرة عجيبة هرب منها الطاغية المجرم زين العابدين بن علي، وبدا أنه قد حان وقت الشعوب!
ظن الغنوشي أن الحركات العلمانية مخلصة للحرية والديمقراطية بقدر إخلاصه لها، إلا أنه فوجئ مبكرا بالوجه البشع للعلمانية والغرب، الوجه الذي طالما حاول أن يتجاهله في تنظيراته ليجعل معركته حصرا مع المستبدين من حيث كونهم مستبدين! وغفل عامدا عن كونهم أيضا علمانيين وعملاء للغرب "الديمقراطي" المستنير!
ومبكرا بدأ الغنوشي رحلة التنازلات.. بدأت بأنهم لن يترشحوا للرئاسة، وانتهت بعد أربع سنوات بأنهم لن يدعموا أحدا في انتخابات الرئاسة التي ستأتي برجال بن علي نفسه!
لم يستطع الغنوشي أن يحافظ على مبادئه هو، وكان أول الناس تفريطا فيها، ومن ذلك: خيانة "مبدأ الديمقراطية" نفسه لصالح مبدأ لقيط اسمه "التوافق الوطني"، ومعناه ببساطة أن الحركات العلمانية تفعل ما تريد وتحكم ما تشاء، ولو كانت أقلية في أي انتخابات، فرضاها مقدم على رضا الشعب، واختياراتها أهم من اختيارات الشعب، وعلى الإسلاميين وإن كانوا في موقع الأغلبية أو حتى في موقع السلطة أن يسمعوا لهم وينفذوا رغباتهم ليتحقق هذا التوافق. الأغرب من ذلك أنهم لا يرضون أبدا، فهم كنار جهنم كلما قيل لها: هل رضيتِ قالت: "هل من مزيد"؟!
وبسبب من هذا التوافق اللعين:
1.    قبلت الحركة ألا تترشح للرئاسة فنصبت له يساريا (المنصف المرزوقي) كان من أوائل تعهداته أن الدستور لن يكون فيه أي نص على الشريعة (رغم أن هذا ليس من صلاحياته أساسا).
2.    قبلت أن تتنازل عن ذكر الشريعة في الدستور سعيا لتوافق "وطني" حول الدستور.
3.    غيرت حكومتين، لإرضاء العلمانيين، ثم تنازلت عن السلطة من أجل تمرير الدستور!
4.    عملت بهمة في تشويه وقتل الجهاديين لتثبت أنها حركة معتدلة غير متطرفة، حتى تساءل الغنوشي في مقابلة إعلامية "لقد قتلنا السلفيين.. ماذا يريد الغرب أكثر من ذلك"!
لم يكن غريبا بعد كل هذا ألا تنجح الحركة في شيء، ولقد كان التوافق الذي تلهث نحوه يتم عليها، إذ لم يفارق العلمانيون طبيعتهم القديمة المقيمة في التحالف مع الاستبداد، ومن ثم وجدت الحركة نفسها أمام رجال بن علي بأنفسهم وأشخاصهم، بأموالهم وإعلامهم ومن خلفهم من الدعم الخليجي والغربي! فماذا فعلت؟!
واصلت رحلة التنازل مرة أخرى، وصوتت ضد قانون العزل السياسي خوفا من مصير ليبيا، كما تخلت من قبله عن السلطة خوفا من مصير مصر.. ولم تدر أنها تستغيث من الرمضاء بالنار، وتضع نفسها على مصير بورما وإفريقيا الوسطى أو على مصيرها هي ذاتها أيام بن علي ومصير ليبيا أيام القذافي ومصير مصر أيام عبد الناصر ... وهكذا!بعد هذه السنين من اللهاث خلف التوافق، الذي تحول إلى صنم كُسِر لأجله صنم الديمقراطية الذي كُسِر لأجله سياج الإسلام من قبل ليجعله الفكر الغنوشي متطابقا مع الديمقراطية! نقول: بعد هذه السنين من اللهاث خلف التوافق لأجل إنجاح الثورة ضد نظام بن علي، صار الحال عكس الحال: لقد توافق العلمانيون مع رجال بن علي ويطلبون من النهضة أن تنزل على "توافقهم" لتدعم حزب بن علي في انتخابات الرئاسة! رغم أنهم في ذات اللحظة يعلنون إقصاءها من الحكومة لأنهم "توافقوا" بالفعل في كتلة برلمانية تحوز الأغلبية الدستورية التي تسمح لهم بتشكيل حكومة لا مكان فيها للنهضة! وهم في نفس ذات اللحظة يتوعدونها بالويل والثبور ولا يخفون أنيابهم التي تستعد لمرحلة ما بعد الرئاسة لتنهش النهضة نفسها!
واستمرارا لرحلة التنازل أعلنت النهضة أنها تقف على الحياد بين المترشحين للرئاسة، رغم أن أحدهما "شريك ثورة" قدمته النهضة ذاتها لأجل "التوافق"، والآخر رجل بن علي الذي قامت عليه الثورة والذي لجأت النهضة إلى "التوافق" لتهرب منه!
ويقول قائل النهضة: لعل ذلك يكون خيرا لأن دعمنا المعلن للمرزوقي سيمثل عبئا عليه؟! وتأمل يا أخي القارئ وقل سبحان الله! كيف تحولت الحركة التي رُفِعت على الأعناق ووُضِعت في سدة الحكم قبل ثلاث سنين إلى حركة تخشى أن تعلن موقفها كي لا يكون تأييدها لأحد عبئا عليه؟! هل من فشل أقبح من هذا!
ولقد كان قائل النهضة قديما يقول: نتنازل عن السلطة الآن لنثبت أن هدفنا مصلحة تونس ثم بيننا وبينهم الانتخابات.. فها قد ذهبت السكرة والثقة وجاءت الحسرة والحرقة: قد ذهبت السلطة ولم تأت بهم الانتخابات!ولقد كان قائل النهضة قديما يقول: إنما نتوافق ونتنازل لترسيخ نظام ديمقراطي نتمكن فيه من دعوة الناس والوصول إليهم لنحشدهم في معركة تحرير الوطن من الغرب ومن بن علي. فإذا قيل لهم: كيف تثقون أنكم ستواجهون الغرب بعد خمود الثورة وقد عجزتم أو جبنتم أن تواجهوه –بل حتى أن تعبروا عن هويته بحق- في لحظة فوران الثورة. قالوا: أنتم المتهورون والأيام بيننا!
وها هي الأيام تأتي كل يوم بمصيبة أساسها التوافق يسفر عن تنازل جديد من أجل التوافق!
وبالتوافق.. تعود تونس لبن علي!
وما أحسن حظ طاغية كان خصمه غنوشي توافقي!!
نشر في الجزيرة مباشر مصر
3 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 22, 2014 02:50

December 20, 2014

على ضفاف الحروب الإسلامية الغربية



ليست الحرب الضرب والطعن فحسب، بل ينشأ على ضفافها من العلاقات والعلوم والمعرفة بالخصم ما يُعَدُّ أكبر من الحرب ذاتها، ومن ثم فنحن حين نتحدث عن تاريخ اتصال المسلمين بالغرب وعما جرى من صدام وحروب نُضْطَّر في ذات الوقت إلى ملاحظة ما نبت على ضفافها من علاقات وما أثمرته من معارف!
لقد اقتضت الحروب أيضا متابعة التحولات الفكرية والسياسية لدى الخصوم، فقد "حرصت الدولة العثمانية على متابعة الخلافات الدينية والمذهبية في أوروبا عن كثب، وراقبت النزاعات والحروب الداخلية والخارجية والتنافس على العروش فيما بين الدول الغربية نفسها، وسعت لاستغلال ذلك في دبلوماسيتها؛ فقد ظاهرت البروتستانتية على الكاثوليكية، إذ كانت ترى أن إنجلترا البروتستانتية هي المسيحية الحقيقية وليست إسبانيا الكاثوليكية، وأنها الأقرب إلى الإسلام، وبنت علاقاتها الدبلوماسية على هذا الأساس. وفعلت الشيء نفسه مع المصلح الديني مارتن لوثر عندما أيدته في حركته الدينية ضد العالم الكاثوليكي. كما ترصدت بعناية النزاعات على العرش في أوروبا، وراقبت علاقات المودة أو العداوة فيما بين الدول المسيحية، وحاولت استخدامها لصالحها. غير أن هذا الأمر كان يجد المقابل بعينه؛ فقد دأب الأوربيون والأمريكيون على استغلال مسألة وراثة العرش في الدولة العثمانية، ودعموا الخلافات الدينية والمذهبية في أراضيها"وما إن دخل محمد الفاتح القسطنطينية ونظر في آثارها وعمرانها حتى رغب في معرفة الكثير عنها وعمن بناها وعمن حل بها من الشعوب وتاريخهم، فجمع عددا من الرهبان وغيرهم من الروم والفرنجة، واستقى منهم ما استطاعوا من معلومات من كتبهم التاريخية والمعارف التي حازوهاومن خلال الحروب استطاع جغرافي وبحار عظيم مثل بيري ريس أن يضع كتابه المهم "كتاب بحرية"، الذي يعد معجما محيطا لأخبار البحر المتوسط وجغرافيته وجغرافية البلاد الواقعة حوله وغير ذلك من المعلومات الدقيقة التي جعلت هذا الكتاب دليلا للبحرية العثمانية وذروة في علم الخرائط والجغرافيا الإسلامية. لم يكن بيري ريس ليستطيع أن يضع كتابا كهذا لولا أنه كان قائدا من قادة الأسطول العثماني ثم قائده العامولوجود التهديد الحربي اضطر حاجي خليفة (ويُدعى أيضا كاتب جلبي) أن يكتب كتابه "إرشاد الحيران إلى تاريخ اليونان والرومان والنصارى"، وكتب في مقدمته أن الدافع له هو أن عدد المسيحيين صار كبيرا، ولم يعودوا يسكنون أرضهم التي سكنوها من قبل فحسب، بل وصلت أساطيلهم إلى البحار الشرقية والغربية وصاروا أسيادا لعدد من الدول، وهم وإن كانوا لم يستطيعوا تهديد الدولة العثمانية لقوتهاوعلى ضفاف الحروب نبتت مصادر أخرى لمعرفة المسلمين بالغرب، عبر: الأسرى، والجواسيس، وما نشأ من علاقات بين الأطراف في فترات السلم والهدنة.
1. الأسرى
لقد نتج عن الحروب أسرى من الجانبين، فكان هؤلاء بابا من أبواب المعرفة الواسعة بالغرب، سواء من أولئك الذين أسرهم المسلمون فعاشوا حينا في الأسر أو ظلوا عبيدا أو إماء، أو أولئك الذين أسرهم الروم فقضوا وقتا لدى الروم ثم عادوا بحصيلة معلومات حسب ما أتيح لهم.
ولقد تمتع بعض المسلمين أحيانا بأوضاع خاصة في الأسر، فقد ورد أن مَسلمة بن عبد الملك في إحدى غزواته اشترط على ملك الروم بناء قصر قريب من قصره ينزل به وجهاء الأسرى المسلمين فيكونوا تحت رعاية الملك نفسه، فكان لهم تنزه وتعهد ومنزلة حسنة، وكانت لهم فرصة اطلاع ممتازة على أحوال الروم وعاداتهموقد قدَّم بعض هؤلاء الأسرى أحيانا خدمات لا تقدر بثمن للمسلمين، منهم هذا الأسير الذي أجبر على التنصر في بلاد الروم فما إن جاء جيش المعتصم في فتح عمورية حتى هرب إليهم ودلَّهم على النقاط الضعيفة في سورها؛ فكان بذلك سببا مباشرا في واحد من أعظم الفتوحاتوكان مسلم بن أبي مسلم الجرمي، وهو من رواة الحديث، وهو ثقةوفي عصر العثمانيين أسرت النمسا عثمان أغا ذا الأصل البلغاري في إحدى المعارك، وظل عثمان في أسره أحد عشر عاما حصل فيها علما كثيرا باللغة الألمانية، فأضيفت إلى حصيلته العربية والبلغارية فاستفيد منه بعدئذ في أعمال الترجمة لدى السلطان2. الجواسيس
لا ريب أننا فقدنا الكثير من معلومات أجدادنا عن الغرب، ليس فقط ضمن التراث الذي ضاع أو فُقِد، بل أيضا لطبيعة بعض هذه المعلومات، فتقارير العيون والجواسيس لا تعيش أكثر من سنين معدودة ولا يتاح الاطلاع عليها إلا في الأروقة الضيقة السرية للسلطة، وهذه التقارير هي في العادة أدق ما يُكتب عن الخصوم.
غير أننا لا نعدم شذرات أفلتت من تاريخ هؤلاء وأوضاعهم، فمن ذلك رواية متأخرة تصف أسيرا مسلما أهين في قصر إمبراطور الروم فنُقِل ذلك إلى معاوية رضي الله عنه فاحتال معاوية في فك الأسير حتى تم له ذلك، ثم كلَّف تاجرا فاحتال حتى أنشأ علاقة قوية بمن أهان هذا المسلم من حاشية الإمبراطور، ووضع معه خطة لاختطافه من القسطنطينية حتى دمشق، وقد نجحت العملية وأتى معاوية بالأسير المحرر الذي أُهين ليقتص من الذي أهانه، ثم أعاده إلى حدود دولة الروموبعض المؤرخين يرى أن رحلة ابن حوقل، وهي من أكثر ما وصلنا من الرحلات تفصيلا ودقة، إنما هي تقرير كتبه لصالح العبيديين (الفاطميين)؛ إذ كانوا يرغبون في معرفة الأراضي التي يتطلعون لحكمها3. علاقات في الهدنة
ونشأت في ظل الحروب علاقات متفاوتة في قوتها بين الجانبين، إن على مستوى الملوك أو على مستوى الفرسان والعوام، فكم تكرر أن هرب أمير مسلم إلى الروم أو أمير رومي إلى المسلمين، فقد لجأ ورد الرومي إلى عضد الدولة البويهي بعد فشل انقلابه العسكري في بيزنطةوقد بلغت بعض العلاقات من القوة أن عرض فارس فرنجي على صديقه الفارس المسلم أسامةبن منقذ أن يرسل معه ابنه لبلاد الفرنج فيعلمه هناك الحكمة والفروسية، وكانوا يمكنونه من الصلاة في المسجد الأقصى، وأنقذوه من فارس ضربه حين رآه يتوجه إلى القبلة، واعتذروا له عن هذه الجلافة بأنه قدم حديثا من بلاد الفرنجةنشر في نون بوست
محمد إبشيرلي: نظم الدولة العثمانية، ضمن "الدولة العثمانية تاريخ وحضارة" بإشراف: أكمل الدين إحسان أوغلو 1/226. برنارد لويس: اكتشاف المسلمين لأوروبا ص173. محمد إلهامي ومحمد شعبان: بيري ريس ص107 وما بعدها. كُتِب هذا الكتاب عام 1655، وقت أن كانت اليد العليا لا تزال للعثمانيين. برنارد لويس: اكتشاف المسلمين لأوروبا ص145. المقدسي: أحسن التقاسيم ص147، 148. الطبري: تاريخ الطبري 5/239، 240. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 13/100. المسعودي: التنبيه والإشراف ص162. ابن خرداذبه: المسالك والممالك ص24، 25. برنارد لويس: اكتشاف المسلمين لأوروبا ص92. النويري: نهاية الأرب 6/187. د. حسين مؤنس: تاريخ الجغرافيا والجغرافيين ص10. وهو يتابع في هذا رأي المستشرق الهولندي رينهارت دوزي. ابن الأثير: الكامل في التاريخ 7/386، 387. محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/391. أسامة بن منقذ: الاعتبار ص132، 134.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 20, 2014 08:08

December 19, 2014

عشرة كتب في تاريخ الأندلس



مع حلول الذكرى الـ 523 لسقوط الأندلس، يتكرر السؤال عن الكتب التي ينبغي أن نقرأها لنعرف تاريخ الأندلس، ولماذا تظل هذه القطعة بالذات تمثل هذا الحضور الطاغي في الوجدان الإسلامي حتى الآن، برغم أنها ليست الأرض الوحيدة التي فقدها المسلمون بعد أن حكموها، ولماذا تظل هذه القطعة بالذات نقطة كبرى في الحضارة الإنسانية ومفصلا في تاريخ العلاقة بين الإسلام والغرب.
في هذه السطور نضع أقدامك على أول الطريق إلى التاريخ الأندلسي، ونرشدك إلى أهم الكتب التي تساعدك على فهم تاريخ الأندلس.. وللتسهيل، فقد قسمتها إلى مستويات، ووضعت في كل مستوى كتابا واحدا أو كتابين فحسب أو ثلاثة بحد أقصى. مع بشرى في آخر المقال!
المستوى الأول: أخصر المختصرات
ويكفي في هذا المستوى أن تتابع ما كُتِب عن تاريخ الأندلس في كتب التاريخ الإسلامي المختصرة، مثل:
1.    "الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي"، وهي صادرة في مجلدين عن مؤسسة اقرأ، كتبهما مجموعة من طلبة العلم من شرق آسيا، وقدم لها د. راغب السرجاني، وفيها عرض لتاريخ الأندلس بصورة مبسطة ولطيفة وسريعة، ومكتوبة بروح إسلامية جميلة.
2.    "التاريخ الإسلامي الوجيز"، مجلد واحد للدكتور سهيل طقوش، وفيه شمل التاريخ الأندلسي ستين صفحة فقط، والدكتور طقوش مؤرخ معروف ولكن تغلب عليه النزعة القومية العروبية، ويظهر ذلك في آرائه التاريخية.
3.    "معالم تاريخ الأندلس والمغرب"، للدكتور حسين مؤنس، والدكتور حسين من أساطين تاريخ الأندلس، ورجاله العمالقة الكبار، ومؤلفاته الأندلسية هي من أفضل ما كُتِب في موضوعها، وإن كان في أحكامه على بعض الأبطال حدة شديدة (كالمنصور بن أبي عامر) وفي أحكامه على بعض الخونة اعتذارات غريبة (كأبي زيد عبد الرحمن الموحدي)، إلا أن هذا لا يؤثر في مكانته الرفيعة، وقد كتب د. مؤنس هذا الكتاب ليكون مقدمة وتمهيدا مختصرا لتاريخ المغرب والأندلس، وصدر من الكتاب طبعة في مكتبة الأسرة قبل عشر سنوات تقريبا.
المستوى الثاني: الكتاب الواحد
وهي الكتب التي استعرضت تاريخ الأندلس كله في مجلد واحد، وأبسط هذه الكتب:
4.    "التاريخ الأندلسي"، للدكتور عبد الرحمن الحجي، وهو عراقي يقيم الآن في مدريد، ومتخصص في تاريخ الأندلس، ويعتبر كتابه هذا أفضل كتاب مختصر عن تاريخ الأندلس فيما أعلم، وإن كان لم يتعرض لفترة الدولة العامرية إلا في سطور.
5.    "قصة الأندلس"، للدكتور راغب السرجاني، والكتاب غير السلسلة الصوتية، ففي السلسلة الصوتية أخطاء تلافاها الكتاب، لأن كتب د. راغب يكتبها باحثون تحت إشرافه، فيكون التدقيق فيها أفضل، والكتاب رغم أنه صادر في مجلدين إلا أنه يمكن اعتبارهما مجلد واحد، وإنما جرى توسيع الطباعة لأغراض تسويقية.
6.    "تاريخ الأندلس المصور"، للدكتور طارق السويدان، وميزة هذا الكتاب ليست في مادته العلمية بل في كثرة الصور والخرائط والرسوم التي تضفي جوا ممتعا على قارئ تاريخ الأندلس وتزيد من حسن تصوره للجغرافيا والممالك والحضارة والآثار الأندلسية.
المستوى الثالث: المجلدات المتعددة
وهي الكتب التي توسعت في تاريخ الأندلس حتى لم يكفها مجلد واحد، وأهمها:
7.    "دولة الإسلام في الأندلس"، للأستاذ محمد عبد الله عنان، وهو في ثمانية مجلدات، لكن الأسلوب الأدبي اللذيذ للمؤلف يجعله يمر كالمجلد الواحد أو المجلدين، وهذا الكتاب برغم مضي زمن طويل على تأليفه إلا أنه لم يؤلف مثله حتى الآن فيما أعلم، وقد بذل فيه المؤلف جهدا كبيرا في تتبع المخطوطات ومعاينة المواقع التاريخية حتى خرج بهذا التاريخ الفريد. ومن ألذ أجزاء الكتاب متعة المجلد الأخير الذي يتحدث عن الآثار الأندلسية الباقية، وإن كان من أصعب الأجزاء على النفس في ذات اللحظة.
المستوى الرابع: كتب المستشرقين
وللمستشرقين في تاريخ الأندلس مجهود ضخم وإنتاج رصين، ولا ينقص من قدره أن فيه العيوب المعتادة للإنتاج الاستشراقي من الخطأ في الفهم والتفسير أو محاكمة التاريخ الإسلامي بمناهج مادية وضعية، نختار لك منه:
8.    "تاريخ الفكر الأندلسي" للمستشرق الإسباني آنخل جنثالث بالنسيا، وهو عرض شامل لعلوم الأندلسيين وآدابهم في مجلد كبير، وهو عمل جليل ومجهود عجيب لم يكتب مثله بالعربية، وزاده جمالا الترجمة المتقنة للدكتور حسين مؤنس، وهو وثيقة تاريخية عظمى عن العطاء الأندلسي في الحضارة الإنسانية.
9.    "الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس"، لمجموعة من الباحثين أغلبهم إسبان، وترجم تحت إشراف د. سلمى الخضراء الجيوسي، وصدر في مجلدين كبيرين عن مركز الوحدة للدراسات العربية، ولم يكن فيه من العرب إلا د. محمود مكي الذي كتب مختصر تاريخ الأندلس في أول المجلد الأول، ثم جاءت دراسات شاملة لكافة الجوانب التاريخية الأندلسية: الاقتصادية والاجتماعية والأدبية والفنية والترفيهية، كل منها يعد مثالا لقوة البحث العلمي.
10.           "تاريخ المسلمين في إسبانيا"، للمستشرق الهولندي رينهارت دوزي الذي يعد سيد المستشرقين في تاريخ الأندلس، وهذا الكتاب في أربعة مجلدات، منذ الفتح الإسلامي وحتى دخول المرابطين، وترجمه د. حسن حبشي، نُشِر المجلد الأولى بعنوان "تاريخ مسلمي إسبانيا – الحروب الأهلية"، ثم نشر الثلاثة الباقون بعنوان "المسلمون في الأندلس"، ومما يعيبه المسلمون على دوزي حبه الشديد واهتمامه البالغ للمعتمد بن عباد وهو الحب الذي حدا به للقدح في المرابطين والتشغيب عليهم، برغم أن الأول في جملة الخونة والآخرين من سادات المجاهدين.
أما البشرى التي وعدنا بها، فهي أن كل هذه الكتب متاحة للتحميل مجانا على الانترنت، (ما عدا المجلد الأول من الكتاب التاسع فيما نعلم)، ولا بد للقارئ المعاصر أن يعود نفسه قراءة الكتب المصورة على الأجهزة الحديثة، وإلا فاته العلم الغزير والخير الكثير. 
في المقال القادم إن شاء الله وقدَّر نوافيك بعشرة كتب أخرى، ولكن هذه المرة من كتب التراث الأندلسي، لمن أحب أن يشم عبق الأندلس من مصدره ويقرأ أيامها بلسانها وألفاظها ويمتع نظره بمجالسها بأقلام من حضروها وسجلوها.

نشر في ساسة بوست
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 19, 2014 04:14

December 16, 2014

من تاريخ اتصال المسلمين بالغرب (1)



لا ريب أن التاريخ أوسع من مجرد التاريخ السياسي، كما لا ريب أن التاريخ السياسي أوسع من تاريخ الحروب، ولكن الحقيقة التي لا فكاك منها أن تاريخ الحروب هو خلاصة التاريخ السياسي، وأن التاريخ السياسي هو خلاصة التاريخ كله، ولا يسع أحدا يريد دراسة العلاقة بين أمتين إلا أن يبدأ بتاريخ الحروب هذا، فإن شاء اكتفى فيخرج حينئذ بحصيلة نافعة وصادقة وكافية أيضا، وإن شاء استزاد فكان أحسن وأنفع. [راجع: موجز تاريخ الصدام بين الإسلام والغرب ج1، ج2، ج3، ج4]في الحروب يضع كل فريق خلاصة نفسه، العلوم والفنون والأفكار والاختراعات وتدابير السياسة ونتائج البحوث، والحروب ليست اشتباك السلاح وحده بل قبلها وبعدها وحولها اصطراع العقائد والفلسفات والأساطير والقيم والأخلاق، حتى العلاقات السياسية هي في التحليل الأخير صيغة حربية تعبر عن موازين القوى ومساحات النفوذ وآفاق الرغائب والمطامح والمطامع، وحتى العلوم -بشقيها الإنساني والتطبيقي- ما لم يكن لها إسهام ملموس في رفعة ومجد الأمة لم يكن لها فائدة عملية بل ربما كانت وبالا على الأمة ذاتها إذا اتجهت للترف والتفاهات دون الغايات والمهمات.وإذن، فقد أثمر هذا التاريخ الطويل بين المسلمين والغرب حروبا لا تنقطع، ومع ذلك فقد أثمر مساحات أخرى من التعارف والتأثير والتأثر، وبمثل ما كانت الحروب دافعا لمعرفة المزيد عن هذا الخصم، بمثل ما كان تطور العلوم نافعا في إدارة هذه العلاقات والحروب، إن على مستوى الملوك والساسة أو على مستوى العلماء وطلبة العلم أو حتى على مستوى العامة.ومع هذا فقد كانت مساحة التعارف الإسلامي على الغرب أوسع بكثير من مساحة الحروب وما أثمرته، فالإسلام من حيث هو رسالة عالمية يحفز أهله على العلم وعلى الدعوة، وقد وضع القرآن الكريم والسنة النبوية أصول التعارف على الآخر ومعلومات غزيرة عن بعضه -كاليهود والنصارى- فكان هذا أساسا انطلق منه المسلمون في اتجاهات شتى.ونحن حين نسعى في التأصيل الإسلامي لعلم الاستغراب فيجب علينا أن نقلب في هذه المعرفة القديمة بالغرب، والتي تمثل بذورا وجذورا للاستغراب الذي نريده، وحينئذ سنجد لدينا تراثا ضخما ومتشعبا ومهما، وهو تراث نافع على الجهتين: جهة علمنا بأصولنا ومدى ما بلغه أجدادنا من المعرفة وقيمة ما حصلوه ومقدار ما فاتهم وما أخطأوا فيه، وجهة علمنا بأصول الغرب وجذوره، فمما لا شك فيه أن الغرب الحديث عرف نفسه من خلال تراثنا نحن، ويشهد بهذا كثير منهمنشر في نون بوست
يقول لويس سيديو بأن المعلومات التي قدمها العرب عن العصور الوسطى "لا تُقَدَّر بثمن". لويس سيديو: تاريخ العرب العام، ص425. مسلم (2898). البلاذري: أنساب الأشراف 5/147، والطبري: تاريخ الطبري 3/265. أغلب الظن أنه انتهز فرصة وجود الجيش الإسلامي فأسلم وانحاز إليهم، أو هو على الأقل سالمهم وخرج ليعقد صلحا يتجنب به حرب المسلمين على مدينته "خرشنة". ابن الفقيه: البلدان ص392. محمد إلهامي: رحلة الخلافة العباسية 2/103، 109. وانظر أطراف قصتهم ببعض تفصيل في: قدامة بن جعفر: الخراج وصناعة الكتابة ص187، الطبري: تاريخ الطبري 5/ 513، المسعودي: مروج الذهب 2/583، المسعودي: التنبيه والإشراف ص130، 155، وابن الأثير: الكامل في التاريخ 6/ 272، فتحي عثمان: الحدود الإسلامية البيزنطية 2/221، 222، 3/318، د. فاروق عمر فوزي: الخلافة العباسية 2/71، د. سهيل زكار في الموسوعة الشاملة للحروب الصليبية 3/215. ابن أبي شامة: عيون الروضتين 2/364.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 16, 2014 07:48