محمد إلهامي's Blog, page 67

February 14, 2015

ضرورة التميز الإسلامي لعلم الاستغراب (1)

الاستغراب الذي نريد هو العلم الذي ينبني على أسس إسلامية وينطلق من رؤية إسلامية، فالإسلام هو روح هذه الأمة، لم تكن قبل الإسلام شيئا وبغيره لا تكون شيئا، والإسلام ليس مجرد اختيار يسعنا أن نختار غيره حين نحدد طريقنا الحضاري، بل هو تعريفنا وهويتنا وأصل وجودنا الحضاري قديما، ومبرر وجودنا الآن ومستقبلا لنبلغ رسالته.
ولسنا نحاول هنا إثبات هذا، بل إنما نبيِّن ضرورة التأسيس عليه، فكلامنا متوجه بالأساس إلى من يؤمن بالإسلام دينا، ويعتنقه عقيدة وحضارة، فأما من كان في شك منه دينا فمجاله كتب الأديان والعقائد، أو كان في شك منه حضارة فمجاله كتب التاريخ والحضارة والفكر، ولا يناسب أحدهما بحث في "التأصيل الإسلامي" للعلوم.
ولا بد لأي تأصيل إسلامي أن يتأسس على الشعور بـ "التميز الإسلامي" كنموذج وأساس وتصور، ونعني به يقين المسلم في أن الإسلام هو الدين الحق وأنه الحقيقة المطلقة وأنه المنهج الحق في تفسير هذا الكون، والحل الوحيد لمشكلاته، وأن ما عاداه باطل، حتى وإن لم يكن باطلا من كل وجه، إذ ليس ثمة في الدنيا باطل خالص لا حق فيه!
هذا اليقين يورث المسلم أمريْن؛ الأول: الفخر والاعتزاز بدينه وأن يرى أنه أعظم نعمة من الله عليه، فعندها يكره أن يعود في الكفر أو يتلبس بباطل ككراهيته أن يُقذف في النار أو أن تمس النار منه بقدر ما تلبَّس من باطل. والثاني: الشعور بالمسؤولية عن هذا الكون وهؤلاء البشر وحمل الرسالة التي تصلحهم وتصلح أحوالهم ليقوم بدوره المطلوب منه: الخلافة في الأرض وإعمارها وإصلاح أهلها.
وهنا ينبغي أن نلقي الضوء على بعض أمور نضبط بها مفهوم التميز الإسلامي:
1. الشعور بالتميز ضرورة لكل أمة وحضارة
لم تكن ثمة حضارة إلا إذا شعر أهلها بأنهم متميزون عن غيرهم، ومن ثَمَّ فعندهم ما يقدمونه للناس ويدعونهم إليه، وليس ثمة أمة إلا وتشعر بأن لها من الخصائص والمزايا ما تفوقت به على غيرها وما هو جدير بأن يرفعها فوق غيرها، حتى وإن كان هذا مجرد شعور لا يؤيده الواقع، وهذا الشعور هو في حقيقة الأمر سر سنة التدافع الإنساني، وهو مبرر وجود الأمم ومُحرك همتها وباعث نهضتها، فإذا افتقدته أمة ماتت ولو كانت في الذروة! أو ذابت في عدوها إن كانت مقهورة، وحتى في لحظة الذوبان هذه فإنما تستبدل نفسها وتغير هويتها إلى هوية تعطيها شعورا بالتميز وتمنحها مبررا للوجود! وصحيحٌ أن المغلوب مولع بتقليد الغالب، وأصحُّ منه أنه لم يفعل ذلك إلا تخلصا من شعور الهزيمة والذلة والفشل والتماسا لتعريف جديد أو هوية جديدة أو صيغة جديدة يجد فيها نفسه ذات تميز ورسالة.
ومن هنا نفهم ثلاثة أمور هي بمثابة الأصول التي لا ينبغي أن نغفلها بحال:
الأول: أن الأمم التي تَغْلِب إنما تَغْلِب بهذا الشعور بالتميز، فإن "جميع بناة الإمبراطورية كانوا ينظرون إلى أنفسهم كوكلاء للحضارة، وكنقيض لسدنة الثقافة المحلية المتخلفين، المؤمنين بالخرافات، وشبه الهمج"والثاني: أن الأمم التي تُغلب وتقاوم أيضا إنما تقاوم بنفس هذا الشعور بالتميز، فهو خصيصة في الأمم الحية، ولقد شاع "في كل حضارة أنها تبدي نفورا من اعتناق فكر ثقافي يطرح دعامة من دعائمها الراسخة للمناقشة، ولئن كان هذا النفور وذلك العداء الخفي نادرا نسبيا فهو يؤدي دائما إلى صميم الحضارة... فليس هناك حضارة -كما قال مارسيل موس- جديرة باسم الحضارة ليس لها عادات الرفض والنفور من الإسهامات الدخيلة"والثالث: أن محاولة توحيد العالم في أمة واحدة عسكريا ليست بأفشل من توهم إمكانية توحيدها ثقافيا وحضاريا، فكما "وثَّق العديد من العلماء، وكما بيَّنت الأحداث الجيوسياسية عمليا، فإن البشر لا يفكرون عادة "تفكيرا كوكبيا"، وإن الثقافة المحلية، والقومية، والإقليمية، والتاريخ، والدين، والسياسات، ليست جاهزة كي تكنس إلى سلة النفايات التي سُميت "التاريخ"، وإن أولئك الذين تخيلوا غير ذلك يعانون الآن صدمات كريهة"وإذن، فنحن لا نبعد إذا قلنا إن الشعور بالتميز فطرة إنسانية، يبحث عنها الفرد كما تبحث عنها الأمة2. التميز الإسلامي حقيقة لا ادعاء
إن حاجة الأمم للشعور بالتميز أنبتت كثيرا من الدعاوى والمزاعم والتي رسَّخت لنفسها بالأساطير والخرافات وما تيسر لها من حقائق ولو بتأويل وتكلف وتعسف، فمن الأمم من آمن أنه "شعب الله المختار" أو أنهم من نسل آلهة الشمس أو أولاد تزاوج الأرض بالسماء أو المختصون بالعقل والحكمة أو أصحاب الدم النبيل ونحو ذلك من دعاوى، وقد قصَّ الله علينا بعض هذا فقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]، ومن أطرف ما سمعته أن الهنود متعصبون جدا لكل ما هو هندي حتى إن بعض المدرسين يعلمون الأطفال أن أول من صعد القمر هندي اسمه "الذراع القوي"، فإذا روجع في هذا قال: إنما أترجم لهم اسم رائد الفضاء "آرمسترونج"بينما التميز الإسلامي حقيقة لا يتطرق إليها شك، وذلك أنه صادر عن الله رب العالمين، وهو الحق وقوله الحق، ومسطور في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعلى لسان رسله وخيرهم محمد r.قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110].
وقال النبي r: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة"وثبت هذا في ما بقي من الحق في كتب الديانات التي نالها التحريف، ومنه ما جاء في سفر التكوين "فسمع الله صوت الغلام، ونادى ملاكُ الله هاجر من السماء، وقال لها: ما لك يا هاجر؟ لا تخافي، لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو. قومي احملي الغلام وشدي يدك به، لأني سأجعله أمة عظيمة"ونطق به كثير من غير المسلمين من الباحثين، سواء منهم من شهد شهادة عامة أو من شهد على خُلُق بعينه أو صفة بعينها، ومن ذلك قول الكولونيل الإنجليزي رونالد بودلي: "كانوا كالغيث الذي يخصب المكان الذي ينزل فيه"ففضل هذه الأمة وتميزها حقيقة لا دعوى، قالها الله -ومن أصدق من الله قيلا؟!- ورسوله وكثير من غير المسلمين.بقي ضابط ثالث وبعض تعليقات نتعرض لها في المقال القادم بإذن الله تعالى.
نشر في نون بوست 

بوروما ومرجليت: الاستغراب ص49. الطبري: تاريخ الطبري 2/401. Christopher Dawson: The Dynamics Of World History, p. 128 فرناندو برودويل: تاريخ وقواعد الحضارات ص24، 25. عاصم حمدان: الأعمال الكاملة 4/418، وهو مقال بعنوان "الأوروبيون والخصوصية الثقافية" نشر في 7/12/1993. ريتشارد كوك وكريس سميث: انتحار الغرب ص49، 50. إن الإنجاز الأساسي لتوما الإكويني، والذي جعله مُعَظَّمًا في الغرب حتى الآن، هو جهوده التي قامت على التوفيق بين المسيحية من جهة، وبين العلم والفلسفة من جهة، وكان العلم والفلسفة في عصره إنتاجا إسلاميا لا ينازعهم فيه غيرهم، فكان حريصا على تخليص فلسفة أرسطو من كل الآثار الإسلامية –وبالأخص، شروح ابن رشد- ليردها إلى أرسطو "الغربي" خالصة من دون الناس، والأمر بقدر ما كان بالنسبة له "عملا رساليا في عصره" بقدر ما كان ضرورة قاهرة، فكما يقول مونتجمري وات: "الإنسان لا يمكنه أن يتحمل طويلا تناقضا جوهريا بين مفاهيمه الكونية وعقائده الدينية. ولهذا شرع علماء اللاهوت الأوروبيون في التوفيق بين النظرية المسيحية وهذا العلم الجديد" ثم ذكر جهد توما الإكويني ليخلص إلى النتيجة "وبهذا أمكن تبرير الزعم المسيحي بأن بوسع المسيحية أن تستهوي منطق الناس وعقولهم". مونتجمري وات: فضل الإسلام على الحضارة الغربية ص106، وانظر: رونالد سترومبرج: تاريخ الفكر الأوروبي الحديث ص19. سمعت هذا من د. دين محمد (سريلانكي) مدرس مادة الأديان الشرقية في كلية الدراسات الإسلامية بمؤسسة قطر. البخاري (836)، ومسلم (855) واللفظ له. أحمد (20029) والترمذي (3001)، وابن ماجه (4288)، والحاكم (6987) وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني وشعيب الأرناؤوط. سفر التكوين 21/17، 18. صفي الرحمن المباركفوري: وإنك لعلى خلق عظيم 1/392، 435، 442، 448، 455، 456. ر. ف. بودلي: الرسول ص340. لويس سيديو: تاريخ العرب العام ص332. جوستاف لوبون: حضارة العرب ص605. راجع مثلا: د. محمد عمارة: الإسلام في عيون غربية، د. راغب السرجاني: وشهد شاهد من أهلها، د. عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام.
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 14, 2015 14:32

February 13, 2015

موجز تاريخ الدولة الأموية (3)

اقرأ أولا: موجز تاريخ الدولة الأموية (1) موجز تاريخ الدولة الأموية (2)
وفي الشام أسفرت الأمور عن اختيار أهل القوة والعصبة من أهل الشام لمروان بن الحكم ومبايعته خليفة، ثم دارت حرب بين مروان بن الحكم وبين أنصار ابن الزبير بقيادة الضحاك بن قيس الفهري في مرج راهط (في ذي الحجة 64هـ)، انتصر فيها مروان بن الحكم بعد قتال شديد، واستقرَّ له أمر الشام، ثم بدأ في ضمِّ البلاد إليه؛ فبدأ بمصر التي دخلت في سلطانه بسهولة، ثم عهد بالولاية من بعده لابنه عبد الملك، ثم لعبد العزيز، ولا شكَّ في هذه اللحظة أنه كان مقتنعًا إلى النهاية بأن ولاية العهد هي التي تمنع الفتن والانقسامات والتنافس على الخلافة، فما زال الأمر مضطربًا منذ أن انفرط عقد الشام بموت يزيد بن معاوية، ثم خلع معاوية بن يزيد نفسَه، ثم ما لبث أن مات (رمضان 65هـ) بعد تسعة أشهر فقط في الحكم، وتولَّى بعده ابنه عبد الملك بن مروان.
والمتابع لتاريخ الفترة يتعجَّب من خلوِّ مشهد الشام من عبد الله بن الزبير، الذي اعتمد كلية على أنصاره في الشام، ولم يُجَيِّش معهم الجنود، ولا أرسل إليهم الدعم للقضاء على المعارضة هناك، كذلك خرجت مصر من بين يديه بسهولة، وسنرى بعدئذٍ أن البلاد ظلَّت تتساقط من بين يديه على ما كان متحقِّقًا له من اجتماع الكلمة؛ فيما استطاع بنو أمية أن يستعيدوا ملكهم كاملًا مرَّة أخرى؛ بل وأن يُوَسِّعوه أضعافًا على الرغم مما وقع في الشام من فرقة وانقسام .. في دلالة فارقة على أن بني أمية كانوا الأصلح للخلافة في هذا الوقت؛ بما امتلكوه من عصبة وتوحد، وبما نشأ فيهم من شخصيات قوية حازمة واسعة السياسة وبعيدة النظر.
تولَّى عبد الملك بن مروان الأمر وليس بيده إلَّا الشام ومصر -وكان من كبار العلماء والفقهاء في وقتهفي عهده ضمَّ إليه باقي البلاد الإسلامية، وانتصر على مصعب بن الزبير في العراق، ثم على عبد الله بن الزبير في مكة، واستقرَّ الأمر له، ولم يخلُ الأمر من فظائع أخرى تُعيد التذكير بعهد يزيد بن معاوية؛ إذ كان الحجاج بن يوسف الثقفي واحدًا من أبرز رجاله، وهو الذي ثَبَّت له أمر العراق، وانتصر على الخوارج، وهو الذي قاد له الحملة على عبد الله بن الزبير في مكة حتى هزمه، وقذف البيت الحرام بالمجانيق، ثم صلب جثة عبد الله بن الزبير، وأساء إلى سيدة الدنيا في وقتها أسماء بنت أبي بكر؛ فلامه فيها عبد الملك بن مروان، وعلى الجانب الآخر تخاذل الناس وانفضُّوا عن ابن الزبير واحدًا تلو الآخر، وجماعة تلو الأخرى في مشهد يُعيد التذكير بالحسين بن علي - رضي الله عنه -، كما يُعيد التأكيد على أن جميع القوى افتقدت التماسك والتوحد، الذي كان متوفرًا للأمويين ما يزيدُ في التأكيد على أنه لم يكن أحد في هذا الوقت أقدر على الخلافة منهم.
وَصَفَتِ الأمور لعبد الملك بن مروان، ولم يَعُدْ يُضايقه إلَّا بعض ثورات الشيعة المحدودة في العراق، وثورات الخوارج، التي تولَّى القضاء عليها البطل الكبير المهلب بن أبي صفرة، واستطاع أن يهزمهم هزائم قاسية في أكثر من موقعة فاصلة، وقد كانت ثوراتهم أخطر الثورات على بني أمية.
ولكن سياسة الحجاج ما لبثت أن أشعلت ثورة خطيرة وكبرى قادها عبد الرحمن بن الأشعث ومعه سعيد بن جبير والشعبي، وكلاهما من العلماء الكبار، إضافة إلى دعم وموافقة من الصحابي الجليل أنس بن مالك؛ ولكنه لم يستطع القتال لشيخوخته، وانتشرت الثورة واشتعلت، وانضمَّ إليها كثير من الناس تبعًا لمَنِ انضمَّ إليها من العلماء والفقهاء والقرَّاء، وبلغت الثورة منحى خطيرًا، وهزم جيش ابن الأشعث كافة الجيوش التي أرسلها إليه الحجاج لمواجهته؛ مما دفع عبد الملك إلى أن يعرض على أهل العراق أن يعزل عنهم الحجاج بن يوسف الثقفي، وأن يتولَّى عبد الرحمن بن الأشعث إمارة ما شاء من البلاد، ولكن الثائرين ظنُّوا أن هذه التنازلات تُخبر بقرب انتصارهم الكامل؛ فرفضوا هذا العرض، فاستمرَّ القتال مائة يوم وقع فيه ثمانون معركة، انتهى أغلبها لصالح أهل العراق، ثم انتهى الأمر بانتصار حاسم للأمويين وفشلت هذه الثورة الكبرى، التي لم تُواجه الدولة أخطر منها طوال فترة قوتها.
وفي أثناء الصراع الداخلي في الدولة الإسلامية توقفت الفتوح بطبيعة الحال، بل تراجعت الدولة الإسلامية، وضاعت منها بلاد كانت قد فُتِحت في الشمال الإفريقي، بل واضطرَّ عبد الملك إلى أن يُصالح الروم على إتاوة سنوية يدفعها لهم!! وهو الأمر الذي ما كانوا يحلمون بشيء منه! ولكن بعد وحدة الدولة تحت سلطة عبد الملك انتهت هذه المرحلة، واستعاد المسلمون قوتهم؛ بل بدءوا مرَّة أخرى في فتح البلاد، ومنها بلاد الروم نفسها، التي أخذت في التساقط أمام المسلمين في عهد عبد الملك وأبنائه.
ومن أهمِّ ما صنعه عبد الملك بن مروان هو تنظيم الدولة إداريًّا، وجعله اللغة العربية لغة رسمية تُكتب بها الدواوين، وسَكَّ العملة بالعربية، وفرض التعامل بها في الدولة؛ وهي القرارات التي كان لها أكبر الأثر في حياة الأُمَّة الإسلامية بأثرها.
تُوُفِّيَ عبد الملك بن مروان (شوال 86هـ) بعد عشرين عامًا حَقَّق فيها ما غاب عن الأُمَّة منذ ربع قرن، منذ وفاة معاوية، من أمن البلاد وتوحيدها، وانتهاء الفتن، والعودة إلى عصر الفتوح، وأعاد فيها سلطان بني أمية، ووطَّد فيها أمر الخلافة، وتولَّى الأمر من بعده ولده الوليد بن عبد الملك.
وجد الوليد بن عبد الملك ساحة مهيَّأة، وكان يهيم بالبناء والعمارة، فبنى المسجد الأموي الذي هو تحفة معمارية لا مثيل لها في وقتها، وبنى في المسجد النبوي وتوسَّع فيه، واهتمَّ بزخارفه وزينته، كما اهتمَّ بأعمال حفر الترع والقنوات والآبار، وتسيير الطرقات، وكان أول مَنْ بنى المستشفيات، وجعل فيها نظام الأطباء العاملين بمرتبات، وبنى مستشفى لمرضى الجذام، وتعهَّد أمر المحتاجين والفقراء والعاجزين .. وما إلى ذلك؛ حتى جعل لكلِّ مُقْعَد خادمًا، ولكل أعمى قائدًا. واستمرَّت الفتوحات كذلك في عهد الوليد بن عبد الملك؛ ففي عهده تمَّ الفتح العظيم: فتح الأندلس، التي ستكون فيما بعدُ بقعة فارقة في تاريخ الإنسانية، كما توالت الفتوحات في أواسط آسيا وبلاد السندومن سليمان بن عبد الملك نبدأ المقال القام بإذن الله تعالى
نشر في ساسة بوست

ولا يصح ما روي من أنه لما تولى الخلافة نظر إلى المصحف وقال: «هذا فراق بيني وبينك». بلاد السند: يمكن القول بأنها الآن الجزء الجنوبي من باكستان.
1 like ·   •  2 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 13, 2015 19:54

February 11, 2015

رواد الاستغراب (3) أحمد فارس الشدياق

في إطار الحديث عن علم الاستغراب وروادهفأما أحمد فارس الشدياق فهو العلامة النابغة اللغوي الأديب المشهور، وُلِد مسيحيا مارونيا في لبنان، وعمل في نسخ الكتب وفي التجارة أحيانا، ثم تحول أخوه أسعد إلى المذهب الإنجيلي فعانى من اضطهاد الكنيسة المارونية حتى مات قهرا، فالتجأ إلى المنصرين الأمريكان فبعثوا به إلى مصر، فوصلها في عهد محمد علي (1825م)، وقد نبغ فيها حتى تولى تحرير جريدة الوقائع المصرية، ثم بعثت به الإرسالية الأمريكية إلى مالطة (1828م) فعلَّم اللغة العربية وقضى بها أربع عشرة سنة (1834 – 1848م) وسجل ذلك في "الواسطة في معرفة أحوال مالطة"، ثم دعي إلى انجلترا، فمرَّ في طريقه على فرنسا، وفي بلاد الإنجليز ترجم التوراة والإنجيل إلى العربية فذاعت شهرته، ثم أقام في فرنسا، واهتم في أوروبا بمطالعة المخطوطات العربية في مكتباتها، وكتب عن أوروبا "كشف المخبا عن فنون أوروبا" ثم اتصل بباي تونس، ومدحه بقصيدة رائقة، فاستدعاه للعمل في بلاطه، فذهب إليه وتولى تحرير جريدة "الرائد"، وهناك أسلم فسمى نفسه أحمد فارس وتكنى بأبي العباس، ونظم قصيدة رائقة عن حرب الدولة العثمانية وروسيا فلفتت إليه أنظار السلطان عبد الحميد فاستدعاه إلى اسطنبول فقضى بها زمنا وأسس فيها جريدة "الجوائب"، وبها توفي (1887م). وأما مؤلفاته فهي غزيرة كثيرة، وهي مشهورة بين أهل الأدب لما تميز به من طبع وموهبة أدبية مدهشة، منها المطبوع ومنها المخطوط ومنها المفقود ومنها ما احترق ولم يصل إلينا، لكن إنتاجه عن الغرب أكثره -فيما نعلم- في كتابيه "الواسطة" و"كشف المخبا"، وفي سيرته الذاتية "الساق على الساق"، وما بقي من تراثه فإن فيه شذرات متضمنةوكان الشدياق هو الأكثر هجوما على الغرب ونقدا لما فيه، وكان أعلى رفيقيه صوتا وأشدهم حدَّة، وأكثرهم تنبها ويقظة لمشكلات التمدن والتقدم العلمي وعيوبها، حتى أفرط في ذلك وتجاوز حد الاعتدال، ولعل الاختلاف بينه وبين الطهطاوي وخير الدين كان في أنه أديب ناقد لم يقترب من سلطة ولم تكن له صلاحية تنفيذ فلم يكن له مشروع إصلاحي فكان صراعه مع الغرب فكريا أكثر منه عمليا، فيما كان الطهطاوي وخير الدين أكثر تنبها لمواضع التميز والتفوق الغربي وكيفية الاستفادة منها لأنهما كانا أقرب إلى مواقع السلطة، ويملكان بعضا من القدرة. لكن نعود فنقول إن ما انتبه إليه الشدياق وسجله إنما هو ذو قيمة تاريخية كبرى، وبه كان أكثر معاصريه تحررا من سطوة الغرب والانبهار به، وأكثرهم يقظة لما خلف الوجه الجميل من عيوب ومشكلات، وهو أمر كان ضروريا أن يُعرف للشرق في زمن يصطدم فيه بالغرب للوهلة الأولى.
ورحلات الشدياق أمتع الرحلات جميعا، لما له من أسلوب ممتع وملاحظات بديعة واهتمام بالأمور الصغيرة والفوارق الدقيقة، ثم وصفه لكل ذلك بعبارة متفننة متظرفةوصف الشدياق كيف أن لندن مدينة حقيرة قذرة متهالكة البيوت كئيبة من الخارج، ولكن معيشة الإنجليز طيبة داخل البيوت على عكس باريس المبهرة من الخارج بينما بيوتها في الداخل أقل في المرافق من لندنلقد تحدث الشدياق بعبارات في غاية الإيلام والقسوة عن الأحوال البائسة للطبقات الفقيرة كالعمال والفلاحين الإنجليز، وعما يعانونه من مآسٍ وفظائع، وكيف أن كل الأشياء في لندن إنما "هي مجعولة لحظ الكبراء... فإن كل شيء هنا معني به اسم العلية"وقد عدد الشدياق كثيرا من مظاهر الاستغراق في المادية، حتى إن الرجل لا يعرف جاره سنين عددا لانشغالهوفي غمرة ما يصفه من مشكلات تشيع في الغرب تصدر عنه أقوال نحو: "فإن كان التمدن والعلم قد سبَّب هذا، فالجهل إذن سعادة! غير أن الفلاحين هنا في غاية الجهل زيادة على بؤسهم"وعلى رغم الهجوم المسيطر على الشدياق إلا أنه أثنى على العديد من الأمور في الغرب، ومنها الجدية والنظام والشورى وحسن الترتيب والتنظيم وعمل المؤسسات والأمن على الأطفال والبنات أن يسيروا في الطرقات، وذهاب الخوف والرهبة من الشرطة، واحترام الشرطة لحرمات الناس والبيوت، وأن هذا يزرع فيهم الإقدام والجرأة والشجاعة، وقلة كلام الإنجليز وقصدهم إلى الغاية ووفائهم بالوعدويبدو الخلاف الذي ذكرناه بين الشدياق وبين الطهطاوي وخير الدين واضحا في أمور بعينها؛ منها "المسرح" الذي أبصر فيه الطهطاوي وخير الدين أنه وسيلة تعليمية بديعة وأنها "من المجامع المعدة لتهذيب الأخلاق"وهكذا رأى في كل شيء لوازمه، فرأى في بلادة الإنجليز أنها "مقرونة بشيء من سلامة الصدر وخلوص النية، كما أن فطنة الفرنسيين مقرونة بالمكر والمحال"وإذا نقد الشدياق الدين أو رجاله فإنما نقده عائد على المسيحية ورجال الكنيسة، الذين اضطهدوا أخاه أسعد وحبسوه حتى مات في محبسهوبعد..
فإنه يلفت النظر أن أوائل الرحالة العرب إلى الغرب، كانوا على هذا القدر من الرسوخ والثبات والاعتزاز بالإسلام، كما كانوا على هذا القدر من التبصر بالغرب وإدراك ما تحت وجهه المبهر، مع تحليل أسباب القوة والدعوة إلى الإفادة منها.
وفيما نعلم فإن هذا لم يتحقق في غير العرب، فإن أول هندي مسلم يزور بلاد الغرب (أحمد خان، ذهب إلى بريطانيا، إبريل 1869م) قد افتتن وانبهر حتى ألحد وعاد إلى بلاده ساعيا لتحريف الدين، وقد فُسِّر هذا بوقوع الاحتلال الذي يجعل المغلوب مولعا بتقليد الغالبنشر في نون بوست 

راجع: "الاستغراب" في كتابات العرب نحو رؤية إسلامية لعلم الاستغراب (ج1) نحو رؤية إسلامية لعلم الاستغراب (ج2) انطلاقة "الاستغراب" وروَّاده الأوائل انظر في ترجمة أحمد فارس الشدياق وآثاره: طنوس الشدياق: أخبار الأعيان في جبل لبنان 1/120، شيخو: تاريخ الآداب العربية ص212 وما بعدها، فنديك: اكتفاء القنوع بما هو مطبوع ص405 وما بعدها. وانظر مذكراته الموسعة: الساق على الساق فيما هو الفارياق (أو) أيام وشهور وأعوام في عجم العرب والأعجام.وثمة اضطراب في بعض التواريخ بين المصادر، وضعنا هنا منها ما ترجح لدينا فيها. انظر مثلا: مقارنته بين تأجير المنزل في لندن وباريس، المال والطعام والخدمة والتعامل مع المؤجر في: أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص341. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص229. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص273، 341 وما بعدها. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص350، 271، 272. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص343. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص343. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص272. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص348. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص347. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص85. أحمد فارس الشدياق: الساق على الساق 2/224 وما بعدها. أحمد فارس الشدياق: الساق على الساق 2/227. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص116. أحمد فارس الشدياق: الساق على الساق 2/226 وما بعدها. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص350. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص342. أحمد فارس الشدياق: الساق على الساق 2/227، 228. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص350. أحمد فارس الشدياق: الواسطة ص4. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص148 وما بعدها. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص228، 229، 255 وما بعدها، 273، 274. أحمد فارس الشدياق: الساق على الساق 2/274. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص54. الطهطاوي: تخليص الإبريز، ضمن "الأعمال الكاملة" 2/143. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص308، 309. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص116. أحمد فارس الشدياق: الساق على الساق 2/274، 275. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص275. أحمد فارس الشدياق:  الساق على الساق 1/133 وما بعدها. أحمد فارس الشدياق: كشف المخبا ص256. الندوي: موقف العالم الإسلامي تجاه الحضارة الغربية ص40 وما بعدها.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 11, 2015 07:20

February 8, 2015

رواد الاستغراب (2) خير الدين التونسي

بعد الحديث عن بدايات علم الاستغرابولد في قرية قوقازية ثم اختطف إلى اسطنبول كما كان شائعا في ذلك الوقت، وكان من حسن حظه أن استقر أمره عند الباي أحمد حاكم تونس، فتلقى هناك التربية الدينية والعسكرية وأتقن الفرنسية، ورأى فيه الباي من النبوغ والنجابة ما دعاه إلى أن يستعمل هذه المواهب، فعهد إليه بإدارة المدرسة العسكرية، ثم صار موضع ثقته فاختاره سفيرا له في مهمة خاصة إلى فرنسا (1852م)، فبقي بها أربع سنوات، ثم عاد فعُيِّن وزيرا للبحرية وكان رئيس مجلس الشورى وعضوا في لجنة دستور 1860م، وأرسله الباي سفيرا إلى اسطنبول أكثر من مرة في مهمات سياسية كبرى (1859، 1864، 1871م)، رغم ما وقع بينهما من خلافات أدت لاستقالته من الوزارة (1862م)، إذ كان خير الدين يريد تقييد سلطة الباي طبقا لرؤيته الإصلاحية، لكن الباي اضطر للاستعانة به مرة أخرى وزيرا للداخلية والمالية والخارجية ثم رئيسا للوزراء (1873م)، واستغل هذه السلطة في تدشين حركة إصلاحية واسعة إلا أنه لم يستطع موازنة الضغوط الخارجية الثلاثية الأطراف: بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، مع ضعف تونس وصغر حجمها ومواردها، فكانت فرصة للباي الناقم عليه تقييد سلطانه، فذهبت عنه الوزارة بعد أربع سنوات (1877م)، لكن لم تمضِ أشهر حتى كان خير الدين قد استقر في الأستانة التي يحكمها السلطان عبد الحميد الثاني الذي كان قد قرأ كتاب خير الدين "أقوم المسالك" وأعجب به، فعينه صدرا أعظم (رئيس وزراء)، ثم لم يمض العام حتى كان عبد الحميد يقصيه (1879م) لذات الأسباب التي أقصي بسببها في تونس، فعاش في شبه عزلة حتى وفاته التي جاءته بعد عشرين سنة من هذا التاريخ (1899م)وبخلاف الطهطاوي البعيد نسبيا عن دوائر السلطة والغزير الإنتاج، كان خير الدين مشتبكا مع السلطة وليس له إلا هذا الكتاب الوحيد "أقوم المسالك في معرفة الممالك"، بخلاف وثائقه ومذكراته التي نشرت بعد موته. ويحلو للباحثين أن يجمعوا بينه وبين ابن خلدون من حيث اتفاقهما في الأصل التونسي والتقلبات السياسية التي جرت عليهما وفي طريقة تصنيف الكتاب (مقدمة فيها الخلاصة، ثم سرد) وفي العزلة التي صُنِّف فيها الكتابان.
لكن ما يجمعه بالطهطاوي كثير، أهمها هو تلك النظرة الفاحصة للغرب والتي تؤكد على أهمية التعلم مما وصلوا إليه دون أخذ ما عندهم من ضلالات، وأن هذا الفصل بين الأمرين ممكن وسهل، وأن مفتاحه في السياسة والتربية (والتربية تشمل التعليم في مصطلحهما)، وقد كان موقع الرجلين من السلطة مما وجه نظرهما إلى التركيز على ما ينبغي أخذه للانتفاع به في الشرق، لذا لن تجد كثير تركيز على أمور أقل أهمية كالفنون والآداب والأشعار الغربية وما هو من خصوصياتهم. فكانوا أكثر اهتماما بما ينفع وأقل اهتماما بالنقد وإبراز المعايب، على عكس الرحالة الذين عاشوا مطلع القرن التاسع عشر، وذاقوا طعم الغرب كمحتلومثل الطهطاوي كان خير الدين يرى أن التفوق الغربي راجع في أصله إلى النظام السياسي، حتى لقد افتتح كتابه بقوله: "سبحان من جعل من نتائج العدل العمران"وصرح أن سبب نكبتنا يؤول إلى: الأمراء والعلماء، إذ "لا يظهر لملوكها سبب قوي في الامتناع (عن الإصلاح) إلا حب الاستبداد الموصل للشهوات"وشدد في عدد من المواضع على أن الأخذ بالعلوم يعود على السياسة بالقوة، فبالعلوم "نَمَتْ نتائج الأيدي واتسعت دوائر مُتَّجَر الإنجليز وثروتهم وارتفع شأن السياسة"وكان خير الدين منتبها إلى مآل هذه الفجوة العلمية، وهو احتلال البلاد الإسلامية، فكأنه يصرخ وهو يقول: "ولا يخفى أن البقاء على هذه الحالة مما يعظم خطره وتُخشى عواقبه، سمعت من بعض أعيان أوروبا ما معناه أن التمدن الأوروباوي تدفق سيله في الأرض فلا يعارضه شيء إلا استأصلته قوة تياره المتتابع، فيُخشى على الممالك المجاورة لأوروبا من ذلك التيار، إلا إذا أخذوه وجروا مجراه في التنظيمات الدنيوية فيمكن نجاتهم من الغرق"ونادى بالحل، وأنه في الشورى التي أمر الله بها رسوله مع وجود الوحي لتكون "سنة واجبة على الحكام بعده"وأكد على أن الأمة تملك ما يميزها، إذ إن الشريعة الإسلامية هي "اللائقة بكل زمان"وفي مجال السياسة كان خير الدين أقوى وأكثر صراحة من الطهطاوي، وإن اعتُذِر للطهطاوي بوجود الجبار محمد علي بينما لم يواجه خير الدين سلطانا له كل هذا الطغيان.
نشر في نون بوست 

راجع: "الاستغراب" في كتابات العرب نحو رؤية إسلامية لعلم الاستغراب (ج1) نحو رؤية إسلامية لعلم الاستغراب (ج2) انطلاقة "الاستغراب" وروَّاده الأوائل انظر في ترجمة خير الدين التونسي وآثاره: ألبرت حوراني: الفكر العربي ص109 وما بعدها، فنديك: اكتفاء القنوع بما هو مطبوع ص414، عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين 4/133، وانظر مقدمة د. محمد الحداد للطبعة الجديدة من كتاب "أقوم المسالك" ص23 وما بعدها (ط دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني). برغم أن الطهطاوي كان في فرنسا وقت احتلالها للجزائر إلا أننا لا نجد له حديثا في الموضوع، ولا ندري هل هذا لقلة المعلومات لديه عما أحدثوه في الجزائر؟ أم لأنه لم يشأ أن يغضب محمد علي ذا العلاقات القوية مع الفرنسيين؟ أم لأنه كتب رحلته في بلادهم فخشي منهم ثم لم تسعفه الظروف –أو لم يشأ- أن يغير في الرحلة بعد ذلك؟ خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص2. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص5. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص8. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص49، 50. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص50. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص3. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص6. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص5 وما بعدها. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص60. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص16، 17. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص50. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص11. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص41. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص2. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص3. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص42. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص4، 49. خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص4.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 08, 2015 13:28

February 5, 2015

موجز تاريخ الدولة الأموية (2)


اقرأ أولا: موجز تاريخ الدولة الأموية (1) ثار أهل المدينة على يزيد بن معاوية، وتزعَّم هذه الثورة عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر ومحمد بن عمرو بن حزم ومجموعة أخرى من فقهاء المدينة، فيما عارضها آخرون كعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ومحمد بن علي بن أبي طالب (محمد بن الحنفية) وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وسعيد بن المسيب، وأخرج الثوَّار والي المدينة الأموي عثمان بن محمد بن أبي سفيان كما حاصروا بني أمية فيها، ثم طردوهم عنها، فأرسل إليهم يزيد بن معاوية جيشًا بقيادة مسلم بن عقبة المري، وحاول الجيش الأموي إنهاء الأمور بالتفاهم والأمان فلم يُفلح؛ فنشبت المعركة المعروفة في التاريخ باسم «موقعة الحرة»، وفيها انهزم أهل المدينة .. وليت الأمر توقَّف هاهنا! ولكن جيش مسلم بن عقبة استباح المدينة ثلاثة، فنهبها وانتهك حرمتها، وأجبر المنهزمين على البيعة ليزيد باعتبارهم عبيدًا له، غير أن الجيش لم يرتكب ما نسبته إليه الروايات الشيعية من تهمة انتهاك الأعراض واغتصاب بنات المدينة وما سوى ذلك من الكفر القبيح، إلَّا أنَّ انتهاك حرمة المدينة واستباحتها وانتهابها وإذلال أهلها كان من الكبائر التي اقترفها يزيد بن معاوية وقائد جيشه مسلم بن عقبة.
وكما حرَّك استشهاد الحسين وما يُقال عن يزيد أهل المدينة، فإن هذا -إضافة إلى ما وقع في الحرة- قد حرَّك ثورة أخرى في مكة، تزعَّمها بعض الصحابة والتابعين: كعبد الله بن الزبير، والمسور بن مخرمة، وعبد الله بن صفوان بن أمية، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، لقد بدا في ذلك الوقت بما لا يدع مجالًا للشك أن انتقال الخلافة من الشورى إلى الملك العضوض؛ إنما سيُؤدِّي إلى الطغيان والتجبر والفساد وانتهاك محارم الله -حتى ولو كان ابن بنت رسول الله- وحرمة مدينة رسول الله، ولا شك أن استدعاء الأحداث وقتها ومعايشتها سيُفضي إلى هذه النتيجة بشكل لا لبس فيه، فهذا أول خليفة وصلته الخلافة بالوراثة يتجرَّأ على مثل هذه الكبائر، فمِنْ ثَمَّ كان لا بد من محاولة لإعادة الأمر إلى نصابه، وإعادة الخليفة إلى الشورى.
ولمرَّة أخرى فشل يزيد بن معاوية في إنهاء الأمر سلميًّا عبر الرسائل والوفود، فوَجَّه سريتين إحداهما بقيادة عمرو بن الزبير (أخي عبد الله بن الزبير)، فهُزِمتا خارج مكة، ثم جيشًا بقيادة الحصين بن نمير السكوني، فكان ابن الزبير ينهزم بسهولة ويفقد في كل يوم خيرة أصحابه؛ حتى لم يَعُدْ أمامه إلَّا أن ينسحب ويلجأ إلى البيت الحرام بعدما فقد كل مواقعه، ومع استمرار حصار ابن الزبير وضربه بالمجانيق؛ أضيفت كارثة ثالثة لعهد يزيد بن معاوية وهي احتراق جزء من الكعبة اختلف الرواة هل هو من تطاير نار في معسكر ابن الزبير أم من أثر الضرب بالمجانيق، والاحتمال الأول أكبر، لكن أيا ما كان الأمر فإن احتراق شيء من الكعبة هو بطبيعة الحال أمر لم يقصده أحد لا من أهل الشام ولا من أتباع ابن الزبير، ولكنها الحادثة التي اهتزَّ لها المعسكران .. وما هو إلَّا أنَّ وصلت الأخبار بموت يزيد بن معاوية (أول ربيع الآخر 64هـ)، وكان قد مات (15 من ربيع الأول 64هـ) وهو في التاسعة والثلاثين من عمره، وهنا دخلت ثورة مكة منعطفًا جديدًا؛ إذ اقترح الحصين بن نمير قائد جيش يزيد على عبد الله بن الزبير أن يسارع بالمناداة إلى نفسه خليفة، وأن يمضي معه إلى الشام فيأخذ البيعة؛ فهو أحق المسلمين بها.
أمَّا أن يزيد بن معاوية قد أخطأ وارتكب عظائم فهذا ما لا يمكن أن يُنكره أحد، وأما أنه يتحمَّل كل المسئولية فهذا ما لا نُوافق عليه؛ فهذه الثورات التي انطلقت إليه ما كان منها ثورة واحدة قد استكملت أسبابها؛ بل كلها كان ينهزم بأقلِّ المجهود، ثم إن تحصُّنهم في المدينة وفي مكة، واتخاذهم حرم الله حرمًا لهم وهم يثورون؛ فهذا ما أوقع في الحرج، فما كان بإمكان يزيد أن يتركهم في ثورتهم، ولا هو نجح في ردِّهم ولا التصالح معهم بالكتب والوفود، ولا كان لهم قوَّة على مواجهة يزيد؛ فضلًا عن حكم الأُمَّة كلها.. ولسنا الآن نوزِّع المسئوليات والأخطاء، فالجميع بين يدي الله تعالى وهو أعلم بهم وهو أحكم الحاكمين، ولكننا ننظر فيما عرفناه من التاريخ لنعتبر ونتعلم، بإنصاف لا يعتريه هوى!
لم يرضَ عبد الله بن الزبير بالخروج إلى الشام كما قال له الحصين بن نمير، ولعلَّه خشي إلَّا يرضى به أهل الشام، وأما أهل الشام فقد بايعوا بعد يزيد ولدَه معاوية بن يزيد، وكان صالحًا وضعيفًا ومريضًا، فلم تستمرُّ أيامه إلَّا ثلاثة أشهر على أقصى تقدير، وفيها خلع نفسه، وترك الخلافة للناس يولون عليهم مَنْ أرادوا، وما لبث بعدها أن مات، وهو في حدود العشرين من عمره، أو أكثر من ذلك قليلًا.
لم يتفق أهل الشام على خليفة، وبايعت الأمصار لعبد الله بن الزبير، وكاد أهل الشام والأمويون أنفسهم أن يبايعوا ابن الزبير بالخلافة في مكة، وتزعَّم هذا الضحاك بن قيس أمير دمشق، وأوشك أن يفعله مروان بن الحكم كبير بني أمية، لولا اعتراض قبائل اليمانية بزعامة حسان بن مالك، الذين رفضوا أن يصير الأمر إلى غير الأمويين، وستُثبت تطورات الأحداث أن بني أمية كانوا هم عصبة العرب وأقوى البيوت فيها، وأنهم -لهذا- هم الأقدر على ممارسة الخلافة، وهو ما ذهب إليه معاوية -رضي الله عنه- من قبلُ، وعامَّة الصحابة والتابعين الذين وافقوا على البيعة ليزيد ونصحوا الحسين بعدم الخروج، كما لم يُوافقوا على ثورة المدينة، ولا ثورة عبد الله بن الزبير، ستُثبت الأحداث أن هذه النظرة كانت هي الأصح.
فهذا عبد الله بن الزبير بايعته الأمصار جميعًا، ولم يبقَ خارجًا عن سلطته إلَّا الشام، الذي يعاني هو نفسه من الانقسام بين طائفة تُريده وطائفة تُريد بقاء الأمر في الأمويين وتُؤَيِّد مروان بن الحكم، ويبدو الأمر كما لو أن مؤيديه أكبر من مؤيدي مروان بن الحكم، وهكذا صار ابن الزبير الخليفة الشرعي للمسلمين.
إلَّا أن الأمور لم تجتمع لابن الزبير بشكل كامل؛ إذ رفض ابن عمر أن يُبايعه لأن الناس في فرقة ولم يجتمعوا عليه، كذلك لم يُبايعه ابن عباس، وانتهى الأمر بخروجه من مكة إلى الطائف، وكذلك محمد بن الحنفية، ثم ثار المختار بن أبي عبيد الثقفي في الكوفة وسيطر عليها، وهو من الخوارج المنحرفين، الذين رفعوا شعار آل البيت، واتخذ المختار محمد بن الحنفية إمامًا، لكن محمدًا تبرَّأ منه ومما يدعو إليه، وقد لا نجد عملًا كبيرًا لعبد الله بن الزبير في خلافته، إلَّا حرب المختار بن أبي عبيد وقتله (67هـ) على يد أخيه مصعب بن الزبير، الذي ولاه أمر العراق.
وفي العراق، ثم في الشام، ثم في الحجاز جرت أحداث لم يكن أحد ليتوقعها في ذلك الوقت مهما اتسع خياله.. وذلك ما نعرض إليه في المقال القادم إن شاء الله تعالى.

نشر في ساسة بوست
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 05, 2015 11:37

February 4, 2015

رواد الاستغراب (1) رفاعة الطهطاوي

ذكرنا في المقالات السابقةولد قبل تولي محمد علي باشا بأربع سنوات، ودرس في الأزهر على مجرى العادة، فلما كان في شبابه كان عهد البعثات العلمية قد بدأ، فكان ضمن بعثة علمية إلى فرنسا قضت خمسة أعوام هناك (1826 – 1831م) فأتقن الفرنسية وقرأ أهم الأعمال الفكرية حينئذ، وسَجَّل هذه الرحلة في كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، ولما عاد إلى مصر كان من أهم رجال الدولة في مجال التعليم والترجمة إدارة وإشرافا ومتابعة، ثم حين مات محمد علي تغيرت الإرادة السياسية في عهد حفيده عباس، فنال الطهطاوي من ذلك النفي إلى السودان (1850م) بذريعة افتتاح مدرسة هناك، وكانت أياما عصيبة عليه، ثم عاد إلى مصر بعد أربع سنوات حين مات عباس وخلفه سعيد (1854م) فعاد للطهطاوي بعض قدره وشيئا من أيامه لثمان سنوات قبل أن يتغير عليه سعيد فيفصله ويغلق مدرسة أركان الحرب التي كان مديرا لها (1861م)، لكن لم تمض سنتان حتى مات سعيد وجاء إسماعيل (1863م)، وقد عاش الطهطاوي في زمن إسماعيل عشر سنوات ارتفع فيها شأنه وعادت له أيامه الأولى، وصار من واضعي المناهج التعليمية وعضوا في عدة لجان، وكان له نفوذ توجيه المطبعة المصرية (مطبعة بولاق) إلى نشر أعمال بعينها مثل مقدمة ابن خلدون، وظل على هذه الحال حتى توفي (1873م)ويعدّ كتاب الطهطاوي "تخليص الإبريز" أول تقرير عربي وافٍ في موضوعه، فقد وصف اللغة والأدب والسياسة والقانون والعادات، حتى أنه سجل ميزانية ما ينفقه الفرنسيون على الطعام والشراب.
ورغم سعة علم الطهطاوي وغزارته يشعر المرء أحيانا وهو يقرأ هذا الكتاب بالانقطاع الحضاري بينه وبين التراث الحضاري الإسلامي، فهو يتكلم أحيانا عن أشياء في فرنسا وكأنها جديدة غير مسبوقة، بينما نقرأ في كتب تراثنا الحضاري وجودها قبل هذا بقرون طويلة، كما في حديثه -مثلا- عن وجود تخصصات في الطب ووجود عيادات طبيةويمثل كتاب الطهطاوي هذا نموذجا للعلاقة السوية مع الغرب، وللاستغراب الصحيح المؤسس على أرضية ثابتة من الفخر والاعتزاز بالإسلام، والمنضبط في انطلاقته بالعدل والإنصاف، ففي كتاب الطهطاوي نقد واضح لما في فرنسا من الكفر والعري والفحش وأخلاق مثل الكذب –خصوصا المنتشر في صحافتهم- والبخل وغيرها، وفيه كذلك ثناء على ما لديهم من العلوم والمعارف وعلى تنظيمهم لأمورهم السياسية والإدارية والصحية والعلمية، وعلى أخلاقهم في النظافة والبشاشة في وجه الغريب، والتزامهم بالقوانين في المحاكمات، وتقييدهم لسلطة ملكهم، وإقبالهم على القراءة والتعلم، وابتكار الجديد في صناعاتهم وغيرها. وكانت المقارنات حاضرة دائما في ذهنه بين ما يراه في باريس وما هو كائن في الشرق، حتى في التفاصيل، فندر أن يوجد معنى عند الفرنسيين في الشعر والأدب أو غيره إلا وساق عليه من شعر العرب وآدابهم ما يعضده أو يناقضه، وحتى تقييد سلطة الملك لامسه أيضا وإن بلهجة أخف، فهو في النهاية تحت حكم الجبار محمد علي، ومثل ذلك فعله في المقارنة بين اللغة العربية والفرنسية ونحوهما وإعرابهما وأساليبهما اللفظية والمعاني التي لا تصلح للترجمة بين اللغتين وغيرها، وكتب بصريح العبارة عن ضرورة التأسيس الشرعي للمستغرب لما لدى القوم من ضلالات يقيمون عليها الأدلة التي يعسر على الإنسان الخالي من الدين ردّها، فقال: "فحينئذ يجب على من أراد الخوض في لغة الفرنساوية المشتملة على شيء من الفلسفة أن يتمكن من الكتاب والسنة حتى لا يغتر ذلك ولا يفتر عن اعتقاده وإلا ضاع يقينه"وكان للطهطاوي نشاط كبير وواسع في الترجمة وتنظيم المدارس بعد عودته إلى مصر، حتى بعد أن نفي إلى السودان لم يتوقف إنتاجه، ويدهش المرء لغزارة إنتاجه مع ما كان يحمله من أعباء إدارية وتعليمية متعددة، وظل وافر النشاط حتى وفاته، التي حلت عليه وهو يكتب سيرة النبي r وتأسيس الدولة الإسلامية في كتابه "نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز".
وبالرغم من أن "تخليص الإبريز" كان أول مؤلفاته إلا أنه ظل أبرزها وأشهرها، لكن أهم كتبه -وهو من آخرها- والذي أودعه خلاصة فكره هو "مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية"، غير أن الفكرة التي ظلت مستقرة ثابتة يدافع عنها من الكتاب الأول للأخير هي استقدام الغربيين ومخالطتهم للانتفاع بما عندهم، ففي تخليص الإبريز يدافع عن تقريب محمد علي للأجانب قائلا: "يلتجي إليه أرباب الفنون البارعة، والصنائع النافعة، من الإفرنج، ويغدق عليهم فائض نعمته، حتى إن العامة بمصر، بل وبغيرها، من جهلهم يلومونه غاية اللوم بسبب قبول الإفرنج وترحيبه بهم وإنعامه عليهم، جهلا منهم بأنه حفظه الله إنما يفعل ذلك لإنسانيتهم وعلومهم لا لكونهم نصارى، فالحاجة دعت إليه"نشر في نون بوست
راجع: "الاستغراب" في كتابات العرب نحو رؤية إسلامية لعلم الاستغراب (ج1) نحو رؤية إسلامية لعلم الاستغراب (ج2) انطلاقة "الاستغراب" وروَّاده الأوائل انظر في ترجمة الطهطاوي وآثاره: فانديك: اكتفاء القنوع بما هو مطبوع ص407 وما بعدها، شيخو: تاريخ الآداب العربية ص134 وما بعدها، الزركلي: الأعلام 3/29، عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين 2/168، وانظر مقدمة د. محمد عمارة محقق أعماله الكاملة 1/39 وما بعدها. الطهطاوي: تخليص الإبريز، ضمن "الأعمال الكاملة" 2/154، 155. ومنذ منتصف القرن الثالث الهجري روى الطبري ما يفيد وجود عيادات طبية خاصة ومتخصصة أيضا (تاريخ الطبري 5/646). الطهطاوي: تخليص الإبريز، ضمن "الأعمال الكاملة" 2/186، 187. الطهطاوي: تخليص الإبريز، ضمن "الأعمال الكاملة" 2/24، 25. الطهطاوي: مناهج الألباب، ضمن "الأعمال الكاملة" 1/499. ألبرت حوراني: الفكر العربي ص96.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 04, 2015 06:10

February 1, 2015

انطلاقة "الاستغراب" وروَّاده الأوائل

استطاعت الحملة الفرنسية أن تحتل القاهرة وأجزاء من الشام، وظهر واضحا العجز الإسلامي -سواء المملوكي أو العثماني- عن صدهم، ولم يخرج الفرنسيس من مصر إلا بالتعاون مع أعداء آخرين وهم الإنجليز.
منذ تلك اللحظةومنذ اللحظة الأولى نرى الجبرتي –المؤرخ المعاصر للحملة الفرنسية- يحلل الخطاب الأول لنابليون فيقف عند جملته الأولى "بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، لا ولد، ولا شريك في ملكه" ليحللها فيقول: "في ذكر هذه الجمل الثلاث إشارة إلى أنهم موافقون للملل الثلاث ومخالفون لهم، بل ولجميع الملل، موافقون للمسلمين في ذكر التسمية ونفي الولد والشريك ومخالفون لهم في عدم الإتيان بالشهادتين وجحد الرسالة، ورفض الأقوال والأفعال الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة، وموافقون للنصارى في غالب أقوالهم وأفعالهم ومخالفون لهم في القول بالتثليث وجحد الرسالة أيضا ورفض ديانتهم وقتل القسوس وهدم الكنائس، وموافقون لليهود في التوحيد فإن اليهود لا تقول بالتثليث وإنما هم مجسِّمة مخالفون لهم في دياناتهم، والذي تحرر من عقائدهم أنهم لا يتفقون على دين ولا يتفقون على ملة بل كل واحد منهم ينحو دينا يخترعه بتحسين عقله، ومنهم الباقي على نصرانيته المتكتم لها، وفيهم فِرَقٌ من اليهود الحقيقيين، لكن كل ذي دين منهم ما نزله مُصِرٌّ عليه، موافق للجمهور في ضلالهم المصرين عليه"وعبر أكثر من قرنين من الزمان، هما عمر الاحتلال والهيمنة الغربية، لم يغِب الغرب يوما عن بال المصلحين والعلماء، فليس ثمة واحد منهم ليس له في الغرب رأي أو آراء أو مؤلفات تقصر أو تطول، وكثير من هؤلاء كانت له في الغرب رحلات على اختلاف الأسباب: إما نفي وطرد أو عمل ودعوة أو حتى حاجة المعيشة، فمن هنا بدأت بواكير الاستغراب وطلائعه الأولى.
ونحن نجري في اختيارهم على المعيار الذي حددناه في المبحث السابق: من كانت له دراسة أصيلة للغرب على أساس المرجعية الإسلاميةوقد كانت أول الكتابات الإسلامية في شأن الغرب هي كتب رحلات، واستمر هذا طوال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ثم نزل الغرب بجيوشه وأخذ في احتلال بلادنا منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وجرى تحت ظل الاحتلال إنشاء نخبة ثقافية متعلقة بالغرب اتباعا وانبهارا، ووُضِع هؤلاء في ظل منظومة تجعلهم أصحاب التوجيه الفكري والثقافي، ثم ظل هؤلاء بعد خروج الجيوش من أرضنا في ذات مواقعهم، فحدث بهم الانقطاع الثقافي الكبير الذي أنشأ التغريبهؤلاء الطلائع وإن كانوا قلة بالنسبة لمجموع الأمة، إلا أنهم كثرة تستعصي على الحصر، وهم موجودون في كل مجال علمي: السياسة والأدب والجغرافيا والتاريخ والاجتماع والاقتصاد واللغة والقانون والفلسفة والفنون وغيرها، ولذا فلا حيلة لنا في هذا المقام سوى أن نعرِّف بأبرزهم وأبرز مؤلفاتهم.
وقد اخترنا من بينهم الثلاثة الأوائل: رفاعة الطهطاوي، وخير الدين التونسي، وأحمد فارس الشدياق، فلقد عاش ثلاثتهم الصدمة الأولى مع الغرب، وكانت لهم جميعا رحلات إلى الغرب وإجادة لبعض لغاته، وقد سجلوا رحلاتهم وآرائهم في مؤلفات رائدة كذلك.
وهذا ما نتعرض له إن شاء الله في المقالات القادمة.
نشر في نون بوست

هذه اللحظة هي بالنسبة إلى العرب لا إلى كل المسلمين، ونحن قد اضطررنا إلى اختيار هذه اللحظة لقلة المصادر المتوفرة حول المؤلفات الأولى التركية، فقد كان الأتراك أسبق في محاولة التعرف على الغرب من خلال الصراعات المشتعلة بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية، وفيما أتيح لنا الوصول إليه من مصادر لم نجد ما يشفي الغليل في هذا الباب، اللهم إلا ما كتبه برنارد لويس في بعض مؤلفاته وخصوصا "اكتشاف المسلمين لأوروبا"، وهو على سعة علمه لا يوثق بأحكامه لما هو معروف من تعصبه، فضلا عن أنه لم يتوسع في الأمر بل تعرض له بسرعة. الجبرتي: مظهر التقديس ص26. ومما ينبغي أن يُلاحظ هنا في مسألة المرجعية الإسلامية: أن ألفاظ الإسلام والعروبة أو الشعب والأمة هي ألفاظ مترادفة تعبر عن معنى واحد في كتابات القرن التاسع عشر، ثم بدأت تأخذ الألفاظ معانيها المنفصلة المعبرة عن انتماء ديني أو قومي أو وطني أو عرقي –بحسب الحالة- في بدايات القرن العشرين، حتى فُتِح لها المجال واسعا مع ما سُمِّي "الثورة العربية" ثم صارت هي الشعار الغالب في الخمسينات والستينات، وما إن انتهت السبعينات حتى كانت الغلبة لشعارات الوطنية المنفصلة عن القومية والمنفصلة بدورها عن الإسلام.(وذلك فيما عدا الكُتَّاب النصارى الذين فصلوا عن وعي بين انتمائهم العربي القومي وبين انتمائهم الحضاري الإسلامي، ففخروا وكتبوا ونظروا للقومية العربية المنفصلة عن الانتماء الإسلامي الذي كان يمثله في ذلك الوقت سلطة الخلافة العثمانية، وقارن مثلا رحلة فرنسيس مراش الحلبي "رحلة إلى باريس" بالرحلات الأخرى في عصره كرحلة الطهطاوي "تخليص الإبريز" وخير الدين التونسي "أقوم المسالك" وأحمد فارس الشدياق "الواسطة، وكشف المخبا"). وإن كانت هذه النخبة قد وفرت معرفة غزيرة عن الغرب من خلال ما قامت به من ترجمات ومؤلفات وما قامت عليه من صحف ومجلات وسلاسل علمية ودور نشر وجامعات ومعاهد علمية طوال هذه السنين.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 01, 2015 13:59

January 31, 2015

سطوة ثقافة الباطل

من بدائع المعاني التي ركزَّ عليها سيدنا الشهيد سيد قطب رحمه الله، معنى "المفاصلة الشعورية" و"الاستعلاء بالإيمان"، وقد أفاض القول في أهمية تمتع "صاحب الرسالة" بهذه النفسية لكي يتمكن من أداء رسالته في ظل هيمنة الباطل وإفساده لعقول الناس وأفكارهم.
إن "ازدراء الأصنام" والتنقص منها ونفي أنها آلهة تبدو الآن فكرة طبيعية ومنطقية وبديهية، لكنها في عصر هيمنة الباطل كانت فكرة شنعية وقبيحة و"إرهابية" (قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا: سمعنا فتى "يذكرهم" يُقال له إبراهيم)
وكانت كذلك فكرة عجيبة غريبة مثيرة للدهشة (أجعل الآلهة إلها واحدا، إن هذا لشئ عجاب)
كان التعرض للأصنام يعني الإساءة لـ "التراث الوطني" و"الرموز الوطنية" (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)
كان تنقص الأصنام يعبر عن مؤامرة خارجية لتغيير هوية البلد مما يتطلب معركة طويلة وتحتاج إلى الصبر والتضحية (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يُراد).
ولهذا احتاج صاحب الرسالة إلى قوة نفسية عظيمة لكي يمكنه الصمود في وجه "الهيمنة الثقافية للباطل"، لكي يقف في وجه "السيادة الفكرية للباطل".. تلك الهيمنة والسيادة التي تنعكس في كل الأفعال الصغيرة والكبيرة واليومية.ومن أخطر ما يتعرض له صاحب الرسالة هو أن يمسه شيء من الباطل، وهو أمر في غاية الأهمية وفي غاية العسر كذلك، حتى إن الله تبارك وتعالى امتن على نبيه بأنه ثبته فقال تعالى (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا * إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا)
تأمل كيف أنه سبحانه وتعالى جعل مجرد الركون القليل سببا في ضعف الحياة وضعف الممات أيضا.. ثم تأمل كيف أنه سيحانه وتعالى يمن بالثبات على أكمل الخلق وأطهرهم وأقربهم إليه.
لقد كان يدهشنا ويحرقنا كيف أن بعض الناس في هذا العالم يسمون المقاومة الفلسطينية إرهابا ولا ينتبهون لجرائم الاحتلال التي أثارت هذه المقاومة أصلا، مع الفارق الرهيب بين قدرة المقاومة وبين بشاعة جرائم الاحتلال واتساعها!
يدهش كذلك كيف أن العالم لا يتحرك نصرة للشعب السوري ضد بشار في حين يركز على "إرهاب" داعش أو النصرة أو غيرها، في حين لا يبلغ قتلى هؤلاء شيئا أمام سيل الجحيم الذي يفتحه بشار على الناس!
المصيبة أن يظهر من بيننا نحن الآن من يدين أو يستنكر دفاع أهل سيناء عن أنفسهم وردهم على جرائم العسكر المصري.. رغم أن هؤلاء من معارضي الانقلاب الذين ثبت لهم بعد هذه المدة أن السلمية انتحار وأن العسكر خونة وعملاء وأنهم يحفظون أمن إسرائيل وأنهم لا يترددون أبدا في سفك دماء الناس وأنهم يتلذذون بتعذيبهم وقتلهم وحرق جثثهم.
ما هذا إلا لسطوة ثقافة الباطل، للسيادة الفكرية للباطل.. تلك التي تجعل "الزي الرسمي" مقدسا، فلئن قتل فبحق قتل، ولئن قُتل فهو الإجرام والإرهاب!!
ليس أعجب ممن يدعي أنه ينتمي إلى معسكر الثورة ورفض الانقلاب ثم هو يدين ما حدث في سيناء أو يتأسف على مقتل "جنود فرعون".. ولعله يحتاج أن يجب مع نفسه لماذا أهلك الله جنود فرعون معه، ولماذا أهلك الله جيش إبرهة الأشرم معه؟!
الأنظمة المستبدة لا تسقط بالسلمية ولا بالهتاف ولا بالمظاهرات ولا بتسول المحاكم الدولية وتعاطف النظام العالمي (وهو الأب غير الشرعي للأنظمة الفاسدة).. فلئن اتفقنا على هذا فإن كل عمل يوجع هذه الأنظمة هو جهاد في سبيل الله!
جهاد يحتاج معه المجاهد أن يتمتع بهذه المفاصلة الشعورية وهذا الاستعلاء بالإيمان وهذا التميز عن الباطل لئلا يُصاب بالركون للظالمين، ولئلا ينهزم نفسيا أمام سطوة ثقافة المجرمين!
ولقد بلغ الصحابة ما بلغوا بهذه المفاصلة.. فهم القوم الذين حاكموا تاريخهم ومعتقداتهم الأولى ورفضوها وقاتلوها ولو كان عليها آباؤهم وإخوانهم وعشيرتهم، فقد آمن خالد بن الوليد بدين يلزمه بأن يؤمن أن أباه الوليد بن المغيرة في النار ويقرأ الآيات التي نزلت فيه، كذلك عكرمة بن أبي جهل، كذلك عمرو بن العاص، بل كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نهاه الله عن الاستغفار لعمه الذي نصره! وقد قتل أبو عبيدة بن الجراح أباه في بدر، وقال أبو بكر لابنه "لو كنت رأيتك يوم بدر لقتلتك"، وجاء عبد الله بن عبد الله بن أبي إلى النبي وقال له: لو كنت آمرا أحدا أن يقتل أبي فمرني بذلك فإني أبر الناس به وأخشى إن قتله غيري أن أغضب على قاتل أبي فأقتله فأكون قد قتلت مسلما بكافر.

بهذه المفاصلة عن الباطل وأهله وعقائده وأفكاره خلدوا..
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 31, 2015 16:38

January 29, 2015

موجز تاريخ الدولة الأموية (1)

قال ابن خلدون: «كان ينبغي أن تُلْحَق دولة معاوية وأخباره بدول الخلفاء وأخبارهم؛ فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة»لقد كانت الدولة الأموية هي أفضل دول الإسلام بعد دولة الخلافة الراشدة، ولم تأتِ بعدها دولة أفضل منها؛ فلقد اتَّسعت فيها الفتوح ما لم تَتَّسع من قبل، وأعادت فتح ما كان قد خرج من دولة الإسلام في زمن الفتنة، ثم أضافت إليها أرضًا وبلادًا جديدة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وحفظت بقاء الدولة موحدة يجمعها خليفة واحد يحكم من أقصاها إلى أقصاها.
تبدأ الدولة الأموية منذ تنازل الحسن بن علي -رضي الله عنه- عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-؛ فانتهت بذلك سنوات الفتنة التي شغلت الأُمَّة الإسلامية، وسُمِّي هذا العام بـ «عام الجماعة».
ومعاوية -رضي الله عنه- صحابي جليل، أسلم قُبيْل الفتح، وحسن إسلامه، وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاهد في حنين والطائف، ثم ولاه عمر بن الخطاب ولاية دمشق بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان، ثم ولي كلَّ الشام في عهد عثمان -رضي الله عنه-، واستمرَّ يحكم الشام في عهد علي وقت الفتنة الكبرى؛ حتى تنازل له الحسن عن الخلافة، فكان حاكمًا أربعين سنة؛ منها عشرين في الإمارة، وعشرين أخرى في الخلافة، فمات سنة 60هـ، وعمره ثمانية وسبعون عامًا، وكان معاوية محبوبًا غاية الحب في الشام، وهو أساس حب أهل الشام لبني أمية وولائهم لهم، وكان في غاية الحلم والذكاء، ويُضرب به المثل فيهما، وحكم ملكًا عظيمًا وساسه بخير سياسة؛ حتى لُقِّبَ بـ «كسرى العرب»، وكان حكمه نهاية للفتنة التي أصابت المسلمين، وبداية جديدة لعودة الفتوحاتقال ابن تيمية: «لم يتولَّ أحد من الملوك خيرًا من معاوية؛ فهو خير ملوك الإسلام، وسيرته خير من سيرة سائر الملوك بعده»وللإمام الذهبي -مؤرِّخ الإسلام- كلمة بليغة في أمر الفتنة التي توزع فيها الناس بين المحب والمُبْغِض، قال: «وخلف معاوية خلقٌ كثير يحبُّونه ويتغالون فيه، ويُفَضِّلونه، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء، وإمَّا قد ولدوا في الشام على حبه، وتربى أولادهم على ذلك. وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق، ونشئوا على النصب - نعوذ بالله من الهوى- كما قد نشأ جيش علي - رضي الله عنه - ورعيته -إلا الخوارج منهم- على حبه، والقيام معه، وبغض مَنْ بغى عليه، والتبرِّي منهم، وغلا خلق منهم في التشيع. فبالله كيف يكون حال مَنْ نشأ في إقليم، لا يكاد يُشاهد فيه إلَّا غاليًا في الحب، مفرطًا في البغض، ومَنْ أين يقع له الإنصاف والاعتدال؟ فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق، واتضح من الطرفين، وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين، وتبصرنا، فعذرنا، واستغفرنا، وأحببنا باقتصاد، وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة، أو بخطأ -إن شاء الله- مغفور، وقلنا كما عَلَّمنا الله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10]. وترضينا -أيضًا- عمن اعتزل الفريقين، كسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، وسعيد بن زيد، وخلقٌ، وتبرَّأنا من الخوارج المارقين الذين حاربوا عليًّا، وكفروا الفريقين»استقرَّت الدولة عبر عشرين سنة، ولما أحسَّ معاوية - رضي الله عنه - بقرب أجله رتَّب الأمر ليتولَّى من بعده ولده يزيد بن معاوية، ورأى أن ذلك هو الأفضل لمصلحة الأُمَّة، والمانع لتفرقها ودخولها في فتن جديدة؛ لا سيما والدولة قد اتَّسعت، وكثرت الأمم الداخلة فيها، وما هي بحاجة لأن تحتمل نزاعات جديدة قد تودي بها.
والتحليل المتأنِّي لجميع الروايات ولأحوال هذه الفترة يُفضي إلى القول بأن هذا القرار كان هو القرار الأصوب في هذه الفترةكثير من الروايات وردت عن فسق يزيد بن معاوية وتهتُّكه وشربه للخمر، وثمة روايات أخرى تصمه بأكثر من هذا، ولا يصح شيء من هذه الروايات، بل إن يزيد كان من الشخصيات القوية والمؤهَّلة للخلافة -ولو لم يكن أفضل الموجودين بطبيعة الحال- وقد كان قائد الجيش الذي غزا القسطنطينية في عهد أبيه.
وبايعت الأمصار يزيد بن معاوية، ولم يرفض بيعته إلَّا أربع شخصيات: الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر، فلمَّا تُوُفِّيَ معاوية كان محمد بن أبي بكر قد مات، وكان عبد الله بن عمر معترضًا على مبدأ مبايعة الخليفة القادم في حياة القائم؛ فلمَّا تُوُفِّيَ معاوية وبويع ليزيد بايعه عبد الله بن عمر، وبقى عبد الله بن الزبير والحسين على معارضتهما ليزيد، فأمَّا عبد الله بن الزبير فلم يخرج، وأمَّا الحسين فقد غَرَّه أهل الكوفة وطلبوا قدومه إلى الكوفة؛ لكي يتزعمهم في الخروج على يزيد.
كثير من الصحابة والتابعين نصحوا الحسين بعدم الخروج، لا سيما وأن أهل الكوفة لم يَبْدُ منهم عزمٌ جادٌّ؛ فما زال الوالي الأموي يحكمهم ولم يخرجوا عليه، إلَّا أنَّ الحسين - رضي الله عنه - أصرَّ على الخروج، وأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ليأخذ له البيعة، فما كان مصير ابن عمه إلَّا الاعتقال، ولما وصل الحسين إلى الكوفة كان حال أهلها كما قال الفرزدق: «قلوبهم معه وسيوفهم عليه». وما صمدوا معه ولا ثبتوا أمام والي العراق ولا جيش الأمويين الذي كان أهله من العراق أيضًا، وسارت الأحداث كأسوأ ما تكون المسيرة؛ حتى أسفرت عن استشهاد الحسين في مأساة كربلاء الشهيرة.
كان استشهاد الحسين مصيبة من المصائب التي نزلت بالأُمَّة المسلمة، لكنها على كل حال ليست أفدح من استشهاد عمر وعثمان وعلي بن أبي طالب، وتضخيم هذه الحادثة وحدها إنما هو في جوهره تضخيم لمصالح سياسية وقتية، ونقطة من نقاط الاشتعال بين السُّنَّة والشيعة، وما ثمة أحد في السُّنَّة يحبُّ يزيد أكثر مما يحبُّ الحسين، إلَّا أنها إعادة إنتاج الأحداث بما اشتملت عليه من روايات ضعيفة وباطلة رواها كذابون لا يعتدُّ بهمعلى كل حال؛ انتهت ثورة الحسين باستشهاده؛ لكنها أشعلت القلوب، لا سيما وأن يزيد -وإن لم يُرضه قتلُ الحسين وبكى عليه وأكرم أهل بيته- لم يأخذ إجراءً عمليًّا ضد عبيد الله بن زياد (والي الكوفة) أو عمر بن سعد (قائد الجيش)، وكلاهما لم يتركا للحسين فرصة للعودة أو لإنهاء القتال، وإنما أرادوه أسيرًا فأبى، وقاتل حتى قُتِل، فكان من آثار استشهاده ثورة في العراق قام بها مجموعة ممَّنْ شعروا بالندم لخذلانهم الحسين، وسموا أنفسهم «التوَّابين»، إلَّا أن الثورة الأخطر والأكبر كانت في المدينة المنورة.
وهذا ما نعرضه في المقال القادم بإذن الله..

ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/ 188. ابن سعد: الطبقات الكبرى 7/ 406، والبغوي: معجم الصحابة 5/ 363، وابن عساكر: تاريخ دمشق 59/ 57 وما بعدها (وفيه كثير من الأحاديث الضعيفة)، وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 416، والذهبي: سير أعلام النبلاء 3/ 119 وما بعدها، وابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 6/ 151. ابن تيمية: منهاج السنة النبوية 7/ 328. الذهبي: سير أعلام النبلاء 3/ 128. ناقشت هذا في دراسة منفصلة بعنوان: «هل كان معاوية محقًّا حين عهد بالخلافة إلى يزيد؟»، وانظر "معاوية والتوريث" ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 1/ 210، 211. راجع في هذا: د. علي الصلابي: الدولة الأموية 1/ 482 وما بعدها، ويُعَدُّ هذا من أوفى ما كُتب في الموضوع، فقد جمع فيه خلاصة ما كُتب في المراجع الأخرى.
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 29, 2015 21:40

January 27, 2015

حزب النور.. من المسجد إلى البرلمان



بعد أقل من عام على صدور كتابه الأول "ما أخفاه العلمانيون من تاريخ مصر الحديث" يصدر له الكتاب الثاني "من المسجد إلى البرلمان.. دراسة حول الدعوة السلفية وحزب النور".
ذلك هو معتز زاهر، شاب سلفي كان حاضرا في المواطن الثورية، كما كان مقربا من جماعة الدعوة السلفية وشيوخها، ثم كان الحق أحب إليه مما سواه، ففارقهم وكان من الفاعلين في حملة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، وكان من أعضاء المكتب التنفيذي لرابطة النهضة والإصلاح، وهي حركة شبابية إسلامية ثورية تكونت بعد إسقاط مبارك بيومين.
وعلى غير ما يتوقع المرء من مؤلف هذا حاله أن يكون كتابه قاسيا شديدا على جماعة الدعوة السلفية وذراعها حزب النور، جرى المؤلف على عادته التي ظهرت في كتابه الأول، إنه ينقل كثيرا ويتكلم قليلا، فعبر نحو 240 صفحة من هذا الكتاب لا يكاد ما كتبه المؤلف بنفسه تعبيرا عن رأيه يبلغ خمس عشرة صفحة.
هو –إذن- كتاب طالب للحق –أحسبه كذلك والله حسيبه- لا كتاب موتور على شاكلة الخرباوي ومختار نوح والهلباوي وأمثالهم، ولغة المؤلف هادئة، فهو لم يكن يحتاج لغة صاخبة كي يُظهر الحقائق المطلوبة، فانقلاب الدعوة السلفية على مبادئها وأدبياتها أوضح من أن يُحتاج معه إلى مؤثرات عاطفية أو أساليب لغوية أدبية.
يقع الكتاب في تمهيد وخمسة فصول:
يستعرض التمهيد بدايات الصحوة الإسلامية في التاريخ المعاصر فيعرض تاريخا موجزا للجماعات الإسلامية التي تكونت كردِّ فعل على الضعف الإسلامي منذ بداية القرن العشرين: الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة، أنصار السنة المحمدية، جمعية الشبان المسلمين، جماعة الإخوان المسلمين. فيعرض لمؤسسها وملامح منهجها وشيئا من أعمالها. ويريد التمهيد أن يُكَذِّب دعوى جماعة الدعوة السلفية التي لطالما قدَّمت نفسها وكأنها البعث الإسلامي الأول في مصر!
ثم يتحدث الفصل الأول عن نشأة جماعة الدعوة السلفية منذ السبعينات وحتى ثورة يناير 2011، ويُلاحظ حرص المؤلف على تسميتها "انتفاضة يناير"، وهو خمسة مباحث:
1. يبدأ المبحث الأول منذ انبعاث الصحوة الإسلامية بين طلاب الجامعات في السبعينات، ويجمع من شهادات مؤسسي الجماعة ومن مؤسسي الإخوان كيف بدأت الجماعة في التشكل منذ كانت جزءا من التيار الإسلامي العام حتى انفصلت بنفسها في مقابل الإخوان المسلمين من جهة والجماعة الإسلامية من جهة أخرى، لكن شهادات مؤسسي الجماعة عن تلك الفترة تؤكد أن نشأتها إنما كانت بالأساس في سياق التمايز –والتنافس- عن الإخوان المسلمين الذين هم –بنظر الجماعة- متميعون متساهلون مفرطون لا يهتمون بالقضايا الأساسية كالجهاد والولاء والبراء والهدي الظاهر. وقد وُفِّق المؤلف في أن يكشف عن "جذور العداء" بين جماعة الدعوة وبين الإخوان المسلمين منذ ذلك الوقت المبكر.
2. ويعرض المبحث الثاني لأهم رموز جماعة الدعوة السلفية ومؤسسيها كمحمد إسماعيل المقدم وسعيد عبد العظيم وأبي إدريس محمد عبد الفتاح وأحمد فريد وياسر برهامي، كما يعرض للهيكل الإداري للجماعة وأهم المنابر الإعلامية التي أنشأوها.
3. ويعرض المبحث الثالث لمنهج الجماعة، الذي هو "السلفية" من حيث معناها، وما يعتمده المنهج السلفي من قواعد الاستدلال، وأصوله العلمية، ثم تلك القضايا الفكرية التي أولتها الجماعة اهتماما خاصا باعتبارها قضايا الوقت الواجب الاعتناء بها. ثم يركز المؤلف من بين هذه القضايا على قضيتين لما لهما من أهمية خاصة في سياق البحث فيجعلهما في مبحثين منفصلين:
4. منهج التغيير لدى الجماعة وموقفها من الديمقراطية، وفيه يظهر بوضوح أن الجماعة لم تفكر في اعتماد وسائل تغيير يمكن أن تصادم السلطة، ورغم وضوح أدبياتها في بطلان هذه الأنظمة القائمة التي لا تتحاكم إلى شرع الله وتحارب الدين إلا أن الجماعة اتخذت موقف الحفاظ على الدين "صافيا نقيا" دون محاولة خوض معركة مع السلطة لإنفاذ هذا الدين وإقامته، وكانت أبرز مواطن هذا الحفاظ على الدين هو الرفض القاطع لفكرة الديمقراطية لما فيها من تلبس بالشرك من خلال دخول المجالس النيابية التي تشرع القوانين فتأخذ لنفسها حق التشريع (الذي هو لله وحده) ثم تجعل من حق الأغلبية أن تعطل أو تبدل ما هو شرع ثم إنها لا تراعي في ضوابط الوصول إليها المؤهلات الشرعية، هذا إلى أن المشاركة في هذه المجالس يجمل النظام الحاكم ولا يحقق الإصلاح المنشود، وهو الموضوع الذي لطالما أكدته الجماعة بوجه لا يجعل من سبيل إلى تغيير رأيها فيما بعد لأنها أصلت له أصولا شرعية تضرب فكرة الديمقراطية نفسها لا مجرد آلياتها، وهو الموضوع الذي ما يزال يثار عند كل انتخابات وبالأخص في مواجهة الإخوان المسلمين الذين يخوضون هذه الانتخابات.
5. كذلك فإن الجماعة لم تعتمد أي منهج ثوري في محاولة تغيير الواقع، فلم يكن في أدبياتها ما يدعو إلى الثورة، بل ولا كانت تعترض إذا واجهها الأمن بمنع بعض أنشطتها أو اعتقال بعض مشايخها أو غلق معهدها العلمي، وساق المؤلف المواقف التي سارعت فيها الجماعة لتهدئة الشارع وإلزام أتباعها بالسكون في لحظات غضب مثل حادثة مسرحية "كنت أعمى والآن أبصر" أو حادثة مقتل سيد بلال تحت التعذيب أو إرهاصات ثورة يناير وأيامها الثمانية عشرة.
ثم ينتقل الفصل الثاني ليستعرض ما طرأ على الجماعة بعيد ثورة يناير والذي كان أبرز علاماته تأسيس حزب النور، وقد عرضه المؤلف في ثلاثة مباحث؛ الأول: مولد حزب النور واستعرض فيه خطوات التأسيس منذ المفاجأة ومرحلة الترقب ثم مرحلة التردد ثم مرحلة المشاركة ثم مرحلة التغلب على الحزب وانصهاره في الجماعة وصيرورته ذراعها السياسي. والثاني: يستعرض فيه برنامج حزب النور وأبرز شخوصه ومنابره الإعلامية. والثالث: يستعرض فيه أهم ما جرى على حزب النور في الأعوام الثلاثة التالية للثورة والمحطات التاريخية للحزب والجماعة.
ثم جاء الفصل الثالث –وهو برأيي قد أعد بطريقة غاية في الذكاء- لأنه استعرض موقف الجماعة من "الحكم المدني والحكم العسكري"، وقد جعله المؤلف في مبحثين:
1. يتحدث المبحث الأول عن العلاقة مع الإخوان (باعتبارهم الحكم المدني) قبل ثورة يناير، ثم في الفترة من يناير 2011 حتى يناير 2013 (وهو التاريخ الذي انحاز فيه حزب النور إلى جانب الجبهة العلمانية "جبهة الإنقاذ" وظهرت عداوته وخصومته للإخوان)، ثم فيما بعد هذا التاريخ الذي بدأت به مرحلة سماها المؤلف "مرحلة سيطرة برهامي على الحزب".
2. ثم جاء المبحث الثاني ليتحدث عن علاقة الجماعة مع الحكم العسكري، والتي بدأت في عهد المجلس العسكري من فبراير 2011 حتى انتخاب مرسي، ثم مع الانقلاب العسكري من بعد يوليو 2013.. وقد أثبت المؤلف من خلال نقولات متعددة كيف انقلبت جماعة الدعوة على أصولها ومبادئها التي زخرت بها أدبياتها فيما قبل الثورة.
وانتقل الكاتب من هذه النقطة إلى الفصل الرابع الذي استعرض فيه موقف السلفيين من جماعة الدعوة السلفية، سواء كانوا مصريين أو غير مصريين، فجمع مواقف الشيوخ: عبد الرحمن عبد الخالق (مصري مقيم بالكويت ومن كبار منظري التيار السلفي كله) وسعيد عبد العظيم (من مؤسسي الجماعة والذي انشق عنها وهاجمها بقوة بعد الانقلاب العسكري) وأحمد السيسي (وقد كان منهم فانفصل عنهم وهاجمهم كذلك) ومحمد عبد المقصود (وهو أبرز شيوخ التيار السلفي في مصر) ومثله فوزي السعيد، وكذلك مواقف أحمد النقيب وحسن الكتاني (مغربي) وعلوي السقاف (سعودي) ثم ختم بالبيان الذي وقعه نحو ثلاثين من علماء السعودية والذي هاجم مواقف جماعة الدعوة السلفية. ثم ختم الفصل برد الجماعة على هذا البيان لأنه أشمل ردودها على من خالفوها.
وأفرد الكاتب آخر فصول الكتاب الفصل الخامس لبيان وتفصيل الانقلاب الكبير الذي جرى على جماعة الدعوة السلفية في مبادئها وأفكارها وسلوكها، فاستعرض الكاتب بشكل مقارن مواقف الجماعة في هذه الأمور قبل وبعد الثورة، فجعله في سبعة مباحث، كل منها يعرض لقضية:
1. النظرة للدولة وكيف تحولت من العداء وعدم الاعتراف بشرعيتها ولا شرعية مؤسساتها القضائية والشرطية والعسكرية إلى الوفاق مع هذه الدولة والحفاظ على مؤسساتها واعتبارها آخر ما بقي للوطن بل آخر ما بقي للأمة العربية. ثم دعم طاغوتها وطاغيتها والحشد له كما لم يحشد أحد.
2. التحول في منهج التغيير واختلاق كلام جديد ودعاوى جديدة تكذبها أدبياتهم القديمة في مسألة الديمقراطية والمشاركة السياسية.
3. تغير مفهوم "الإكراه" الذي أصلته الجماعة في أدبياتها ليدخل في مفهوم "التقية" الذي أصلته هي قديما ورفضت الخلط بينهما.
4. تغير مفهوم "قاعدة المصالح والمفاسد" الذي قالت به الجماعة قديما، وهنا ساق المؤلف رد جماعة الدعوة على الإخوان في حكم المشاركة البرلمانية وتأصيلهم لكون المصلحة إن لم تكن موهومة أو مرجوحة فهي متممة ولا يمكن أبدا أن ترجح على المفاسد المؤكدة. فكأنما كان هذا البيان أفضل رد على انقلاب الجماعة على نفسها وأقوالها الآن، وساق المؤلف ما يؤكد أن شيئا لم يتغير –بل تغير إلى الأسوأ- يجعل ما وضعوه من قاعدة الترجيح يختلف.
5. انقلاب الجماعة في موقفها من العلمانيين وكيف انتقلوا من "أعداء الدين" إلى "شركاء الوطن"، وكيف لم يكن مقبولا –من قبل- أن تأتي الانتخابات بمسيحي إلى الرئاسة أو موقع ولاية إلى أن صار يمكن المسيحي أن يكون رئيسا لحزب النور إن جاءت به الانتخابات.
6. انقلاب الجماعة في موقفها من الحزبية والأحزاب إلى أن صار لها حزب يمثل ذراعها السياسي، وهو الحزب الذي "انصهر فيها" بتعبير المؤلف ولم يُسمح له بأي استقلالية.
7. انقلاب الجماعة في موقفها من الدستور، منذ إشعالها لمعركة في غير وقتها بعيد أيام الثورة (المادة الثانية والحفاظ على الهوية) مرورا بالمزايدة على الإخوان والذي وصل إلى النجاح في وضع المادة 219 في دستور 2012، ثم التخلي عن كل هذه المواد في دستور الانقلاب بل ودعمه والموافقة عليه والحشد للموافقة عليه مع الادعاء بأنها لم تفرط في شيء بل حافظت على مكاسب الشريعة في الدستور، وهو ما يثبت المؤلف –عبر نقل رد قانوني من المستشار محمد وفيق زين العابدين- أنه هراء.
ثم وضع المؤلف خاتمة أجمل فيها سيرة ومسيرة هذا الانقلاب الكبير للجماعة السلفية.
إنه كتاب يستحق أن يقرأ، خصوصا وأن التجربة لم يكتب عنها بعد، فهو كتاب رائد..
ورغم أن البدايات دائما مهزوزة، والأعمال الرائدة قليل منها ما يكون قويا، إلا أن هذا الكتاب باعتماده على النقل والمقارنة وقلة تدخل الكاتب برأيه يجعله من هذه الأعمال الرائدة الرصينة إن شاء الله.
إن النظر في هذه المسيرة يرى كيف أنها مسيرة تصب في محصلتها ضد الحركة الإسلامية، وهنا لا يعنينا إن كان ذلك بقصد أم بغير قصد، وإن كان يغلب على ظني أنه بغير قصد في الأغلب الأعم، فقد استعملت دعاوى الصفاء والنقاء والحفاظ على الدين في ضرب الحراك ضد السلطة، فالجماعة لم تتحرك في مناوأة السلطة ثم لم تعذر من تحركوا واعتبرتهم مبتدعين منحرفين وجعلت ذلك دينا لا يجوز التفريط فيه. فما إن انفتح الباب بعد الثورة حتى انهالوا على العمل السياسي الذي كانوا قد حرموه ثم رفضوا دعاوى التوافق مع العلمانيين وكانوا الأكثر تشددا لكنهم ما لبثوا أن هاجموا حازم صلاح أبو إسماعيل –وهو الأحرى بدعمهم لأنه الأكثر والأوضح إسلامية- واقترحوا على الإخوان ترشيح أحدهم، فلما استبعد حازم تركوا مرشح الإخوان وانتخبوا أبو الفتوح وهو أكثر من يُتهم بالتميع والتفريط. ثم تحولوا في لحظات مفاجئة إلى التحالف مع العلمانيين (جبهة الإنقاذ) ضد الإسلاميين، ثم ختموا بوقفة العار والخيانة الكبرى إلى جوار العسكر والعلمانيين والكنيسة لإزاحة الرئيس المسلم محمد مرسي، ولم تثنهم المقاتل والمذابح التاريخية في التحول عن موقفهم بل ازداد دعمهم للطاغوت الطاغية فمكنوا له بكل ما استطاعوا.
إنه نموذج لتجربة إسلامية لا ريب في أن دوافعها وعموم من أسسوها وشاركوا فيها وعملوا لها صالحون طيبون ابتغوا رفعة الدين، لكن مكر الليل والنهار وعمل أجهزة الأمن والمخابرات استطاع تحويل هذه التجربة لتكون أحد أهم أذرعهم، ودون حتى أن يدفعوا ثمنا مقابلا، فبرغم كل ما فعلته جماعة الدعوة إلا أنها الخاسر الأكبر الذي لا يحظى ولا حتى باحترام شكلي من قبل السلطة الانقلابية.
أسأل الله أن يجعل هذا الكتاب في ميزان حسنات مؤلفه وأن يكتب له القبول.. كما أسأله تعالى أن يعلمنا من تجارب السابقين ما نهتدي به في قابل الأيام.
نشر في نون بوست
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 27, 2015 04:48