محمد إلهامي's Blog, page 64

March 25, 2015

March 24, 2015

رحلة الاستشراق - الطفولة

ولد الاستشراق من رحم المواجهة بين الإسلام والغرب منذ العصور الأولى على نحو ما ذكرنا في المقال الماضي، ثم بدأ ينتقل إلى طور آخر في مرحلة "عصر الحروب الصليبية".
تكاد تتفق المراجع على أن أوروبا عرفت نفسها وشَكَّلَتْ روحها وصنعت ذاتيتها في الحروب الصليبية، فلقد "تمخض عن ازدياد الرخاء والحيوية في أوروبا الغربية خلال القرن الحادي عشر عن ظهور الحركة الصليبية، وكيف وُجِّهت هذه الحركة بصفة أساسية ضد المسلمين. ولا شك أن هذه الحيوية ذاتها هي صاحبة الفضل في إقدام المثقفين الأوربيين في القرن الثاني عشر على دراسة علوم العرب وفلسفتهم""وقد ازداد سوء الفهم منذ ذلك الحين، حتى إن لفظة "محمد" أصبحت بمعنى الكفر بالله. وتطورت "المحمدية" في أذهان معاصري شكسبير حتى أصبحت بمعنى أية ديانة مزيفة. وعلى الأخص الديانة التي تعبد الأصنام"وفي هذه الفترة كانت الصورة تقول بأن محمدا كان ساحرا دبر المعجزات ليخدع بها العرب السذج، ومنها أن ثورا أبيض نشر الرعب بين العرب ثم ظهر وبين قرنيه كتاب هو ذلك القرآن، كما أنه استطاع أن يدرب حمامة بيضاء على التقاط "البازلاء" من فوق أذنيه بما أوحى للناس أن روح القدس يوحي إليه، وأنه كان يعاني من الصرع (والصرع في هذه الأيام يعني أن الجن يسكنه)، وأنه اجتذب الناس بإرضائه لغرائزهم وإطلاق شهواتهم في الزنا والشذوذ، ثم إن راهبا مبتدعا ضالا طرد من البلاد المسيحية فذهب إلى بلاد العرب وقابل محمدا ولقنه الأصول المشوهة للديانة المسيحية، وأن الإسلام لم ينتشر إلا بالسيف، وأن المسيحيين لم يسمح لهم بحرية في الإمبراطورية الإسلامية، وأن محمدا مات بأن هجم عليه قطيع من الخنازير أثناء نوبة من نوبات اتصاله بالجن فمزقوه إربايرى المستشرق الألماني رود بارت أن المشكلة لم تكن في نقص المعلومات، بل يؤكد أن "العلماء ورجال اللاهوت في العصر الوسيط كانوا يتصلون بالمصادر الأولى في تعرفهم على الإسلام، وكانوا يتصلون بها على نطاق واسع، ولكن كل محاولة لتقييم هذه المصادر على نحو موضوعي نوعا ما، كانت تصطدم بحكم سابق يتمثل في أن هذا الدين المعادي للنصرانية لا يمكن أن يكون فيه خير. وهكذا كان الناس لا يولون تصديقهم إلا لتلك المعلومات التي تتفق مع هذا الرأي المتخذ من قبل، وكانوا يتلقفون كل الأخبار التي تلوح لهم مسيئة إلى النبي العربي وإلى دين الإسلام" إذن فحقيقة الأمر لم يكن سوء فهم بقدر ما كان هدفا وطموحا، فلقد "زادت الثقافة الأوروبية من قوتها ودعمت هويتها من خلال وضعها لذاتها في مقابل الشرق باعتبارها ذاتا بديلة أو حتى دفينة"ولذلك، فمنذ القرن الثاني عشر الميلادي وحتى القرن الثامن عشر الميلادي ستعيش أوروبا ستة قرون في مرحلة "شيطنة العدو" الذي هو المسلمون. ستة قرون أثرها لا يزال قائما! في هذه الستة كانت الروح العدائية تحتاج إلى أن ترسم الصورة البشعة لهذا الشيطان الذي تحاربه في الشرق (الحروب الصليبية) وفي الغرب (الأندلس) خصوصا بعد أن انتصر عليها في الشرق فطردها من بلاد الشام، وانتصرت عليه في الغرب حين أخرجته من الأندلس، ولكنه لم يكن انتصارا كاملا، إذ قبل سقوط غرناطة -آخر الممالك الأندلسية- بأربعين سنة كانت جيوش العثمانيين قد دخلت القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية ومدينة قسطنطين وحاضرة القياصرة. ومن بعد هذه اللحظات توالى تعاظم العثمانيين قرنا آخر على الأقل، ثم ثباتهم على هذا التفوق سنين أخرى. فكان "من المحال على المسيحيين الغربيين، بسبب هذا الخوف، أن يلتزموا العقلانية أو الموضوعية إزاء العقيدة الإسلامية"ومن خلال استعراض المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون لتطور الصورة الإسلامية في الدراسات الغربية نستطيع أن نَعُدَّ الصور الإيجابية عَدًّا ضمن التاريخ الأوروبي، وسنجد من سطوة الأفكار ما يحمل أصحابها على الاستدراك دائما، فمن أولئك -مثلا- الطبيب اليهودي الإسباني بيتر ألفونسي (بدرو دي ألفونسو) الذي اعتنق المسيحية في أوائل القرن الثاني عشر (1106م)؛ فقد كان "صاحب أول صورة إيجابية عن الإسلام"، وكان طبيبا للملك هنري الأول، المعروف بعدائه للإسلام، وكان يصف الإسلام باعتباره العقيدة المقبولة لمن لم يسبق له الالتزام بالعقيدة الحقيقية "المسيحية"، ويرجع رودنسون هذه النظرة الإيجابية إلى أنه طبيب يتعامل مع فضاء العلم الذي كان يؤخذ حينها على يد المسلمين، كما أنه إسباني فهو الأقرب إلى الصورة الحقيقية لهم. وفي منتصف القرن الثاني عشر كتب المؤرخ أوتو فرايزنج بحثا ينكر فيه أن المسلمين يعبدون الأصنام، وقال "من المعروف أن جميع أبناء الشرق يعبدون الله وحده، ويعترفون بشريعة العهد القديم، وشعيرة الطهارة، بل إنهم لا يهاجمون المسيح ولا الرسل، ولا يُقصيهم عن الخلاص إلا شيء واحد، ألا وهو إنكارهم أن المسيح عيسى هو الله أو ابن الله، وتبجيلهم الغاوي محمدا باعتباره نبيا عظيما للرب الأعلى"!!
نشر في نون بوست 

مونتجمري وات: فضل الإسلام على الحضارة الغربية ص98. محمد أسد: الطريق إلى الإسلام ص19. ر. ف. بودلي: الرسول حياة محمد ص13. مكسيم رودنسون: الصورة الغربية والدراسات الغربية والإسلامية، ضمن "تراث الإسلام" بإشراف شاخت وبوزورث ص81. وكانت هذه السفارة بين عامي (1020 – 1022هـ = 1611 – 1613م). حديث موضوع، انظر: السلسلة الضعيفة للألباني 12/29، 30 (تحت الحديث 5521)، وروي المعنى من طريق آخر مرسلا ضعيفا عند المنذري في الترغيب والترهيب. وإنما نقلناه هنا لضرورة السياق. أفوقاي الأندلسي: رحلة أفوقاي الأندلسي ص49، 53، 80. كارين أرمسترونج: سيرة النبي محمد ص40، 41. رودي بارت: الدراسات العربية الإسلامية ص9، 10. إدوارد سعيد: الاستشراق ص46. كارين أرمسترونج: سيرة النبي محمد ص17، 18. كارين أرمسترونج: سيرة النبي محمد ص18.
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 24, 2015 05:49

March 23, 2015

سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (8)

اقرأ أولا: سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (1) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (2) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (3) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (4) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (5) سياط الفيلوسف على ظهور العسكر (6) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (7)
ما زلنا نواصل التقاط مواقف الفيلسوف المخضرم الكبير د. عبد الرحمن بدوي من حكم العسكر عبر مذكراته الحافلة الصادرة في جزئين، وهو الذي عايش العهدين: الملكي والعسكري، وحقق من المكانة الفكرية ما لا ينكره أحد ولو كان من أشد أعدائه.
(31)
الإرهاب الأحمر
"ثم كانت زيارة نكتيا خروشوف لمصر في أوائل مايو سنة 1964 بدعوى افتتاح السد العالي بعد أن تم إنجاز المرحلة الأولى منه. فافتتحه باسم الاتحاد السوفيتي الذي تولى بناء السد مع جمال عبد الناصر في 13 مايو 1964.
ولما كان الاتحاد السوفييتي هو الذي قام ببناء السد العالي بواسطة مهندسيه وأمواله، فقد طالب عبد الناصر بدفع مقابل ذلك، وكان ثمنا غاليا جدا وهو أن يتولى الشيوعيون المصريون السيطرة على مقاليد الأمور في مصر: سياسيا، واقتصاديا، وثقافيا، وإعلاميا، إلخ.
ورضخ عبد الناصر لهذه المطالب وراح ينفذها بما طبع عليه من حماس واندفاع أهوج:
1- فبدأ بأن مكَّن الشيوعيين من أدوات الإعلام لها: من صحافة، وإذاعة، ومسرح، وثقافة. أما دار "الأهرام" فقد كان يشرف عليها محمد حسنين هيكل يحيط به الشيوعيون من كل جانب: محمد سيد أحمد، لويس عوض، أعضاء مركز الدراسات الاستراتيجية، صلاح جاهين، إلخ. وكان ذلك منذ أوائل الستينات فلم يكن في حاجة إلى المزيد. أما "دار أخبار اليوم" فكانت لا تزال في أيدي صاحبيها: مصطفى أمين وعلي أمين. لهذا رتب الشيوعيون للاستيلاء عليها عنوة. ومن أجل ذلك لفقت لمصطفى أمين تهمة الاتصال بأحد أعضاء السفارة الأمريكية، مع أن عبد الناصر هو الذي كلف مصطفى أمين بهذا الاتصال منذ سنوات عديدة كيما يظل محتفظا بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتم القبض على مصطفى أمين في الإسكندرية في شهر مايو سنة 1965 وأودع السجن، ثم حوكم، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات، أمضى معظمها في سجن طرة، ووصف هو ما لاقاه في سجنه هذا في كتب عنونها: سنة أولى سجن، سنة تانية سجن، إلخ. وعلى الفور انقض الشيوعيون على دار أخبار اليوم، وصار محمود أمين العالم رئيسا لصحف الدار: جريدة "الأخبار" اليومية ومجلة "أخبار اليوم" الأسبوعية، ومجلة "آخر ساعة" الأسبوعية.
وفي أعقاب ذلك انقض الشيوعيون على "دار الهلال"، وأصبح أحمد بهاء الدين –وهو شيوعي قح، ولكنه يتلون بألوان مختلفة بحسب الظروف- رئيس تحرير لمجلة "المصور"، كبرى المجلات التي تصدرها هذه الدار.
وتوزع الباقون سائر المجلات والصحف: "روزاليوسف" وتولاها عبد الرحمن الشرقاوي وهو متعدد الأطوار يدور من اليمين إلى اليسار، ويجمع بين عمامة الإسلام وكاسكيت الشيوعيين.. وكانت مجلة الكاتب برئاسة أحمد عباس صالح شيوعية منذ عددها الأول حتى الأخير.
2- وأما في الثقافة فقد وجدوا في وزيرها د. ثروت عكاشة خير مؤيد ومعين. فعيَّن محمود أمين العالم مديرا للهيئة العامة للكتّاب، وسعد كامل مدير للثقافة الجماهيرية، وحمدي غيث وسعد أردش رؤساء أو نواب رؤساء لهيئة المسرح"(33)
مأساة كمشيش
"وواكب ذلك كله التآمر للقضاء على المجتمع المصري كله ليقيموا على أنقاضه دولة شيوعية خالصة تدور في فلك موسكو وتأتمر بأوامر سادة الكرملين، وتكون قاعدة لانطلاق الجحافل الحمر على كل بلدان الشرق الأوسط والزحف على دول إفريقية.
وبدأوا هذا الرهيب بتحويل حادث تافه عابر يحدث أمثاله في أرياف مصر كل يوم دون أن يتلفت إليه أحد ويحولوه إلى نار حامية أشعلوها في الريف المصري كله. وهو حادث قتل لأسباب نسائية في قرية صغيرة من قرى محافظة الغربية اسمها كمشيش، وأبرز أسرة فيها كانت أسرة الفقي. فاستغل الشيوعيون هذا الحادث التافه العادي وجعلوا منه قضية كبرى هي قضية الإقطاع في مصر، رغم أن ما يُدعى بـ "الإقطاع" في مصر –وهو كذب تاريخي بشع يُدرك زيفه كل من له إلمام بمعنى "الإقطاع" في اتالريخ- كان قد زال منذ أن قضى قانون "الإصلاح" الزراعي المزعوم! الأول الصادر في سبتمبر سنة 1952، ثم الثاني الصادر في يوليو سنة 1961 – على ما كان بين أيدي الموسرين من أطيان زراعية ولم يعد لهم في بلادهم حول ولا طول، حتى هجر بعضهم الريف والتجأوا إلى المدن الكبرى (القاهرة، الإسكندرية، إلخ) حيث لا يعرفهم أحد يتشفى فيهم أو يرثى لحالهم.
وحسبي هنا أن أنقل بعض ما ورد في حيثيات حكم محكمة الجنايات التي رفع بعض أشلاء هذه الأسرة الكريمة، أسرة الفقي، قضيته أمامها لإنصافهم، وكان ذلك في عام 1978. بعد أن بدأ المظلومون في عهد الإرهاب الأحمر الذي فرضه عبد الناصر على مصر طوال حكمه الغاشم.
قالت المحكمة في حيثيات حكمها في هذه القضية:
"إن محكمة الجنايات تسجل، للتاريخ، أن الفترة التي جرت فيها أحداث هذه القضية المثيرة هي أسوأ فترة مرت بها مصر طيلة تاريخها القديم والحديث: ففيها ذبحت الحريات، وديست كرامة الإنسان المصري.
وإن المحكمة، وهي تسجل هذه الفظائع، ينتابها الأسى العميق والألم الشديد من كثرة ما أصاب الإنسان المصري في هذه الحقبة من الزمان: من إهدار لحريته، وذبح لإنسانيته، وقتل لمقوماته كافة، ورجولته، وأمنه، وأمانيه، وعرضه.
وإن المحكمة تسجل، للتاريخ أيضا، وقلبها ينفطر، أن ما حدث في هذه القضية لم يحدث مثله في شريعة الغاب، ولا البربرية الأولى، وإن المباحث العسكرية الجنائية أمرت الرجال بالتسمي بأسماء النساء. ووضعت ألجمة الخيل في فم رب العائلة وكبير الأسرة. ولطمت الرؤوس والوجوه فيها بالإيدي، وركلتها بالأقدام. وهُتِكَت أعراض الرجال أمام بعضهم البعض. وجيء بنسائهم وهُدِّدوا بهتك أعراضهن على مرأة ومسمع منهم. ودُرِّبت الكلاب على وطئ الرجال. وتم ذلك بالفعل على المتهم الأول. وهُدِّد رب العائلة وإخوته بإخراج جثة والدتهم –وكانت حديثة الدفن- للتمثيل بها أمام الناس، والتشهير بهم وإذلالهم أمام أهليهم.
وتسجل المحكمة أن المخلوق الذي ينسى ربه، ونبيه، ويأمر الابن بصفع أبيه، هو مخلقو وضيع وتافه ومهين (راجع النص في جريدة "الأخبار" بتاريخ 23 يونيو سنة 1978).
ولا بد للمرء أن يُصاب بأقصى درجات الذهول وهو يسمع أو يقرأ تفاصيل ما ارتكبته زبانية جمال عبد الناصر من فظائع في كمشيش، ثم في الكثير غيرها من قرى القطر المصري شماله وجنوبه. طوال الفترة من مايو سنة 1965 حتى هزيمة مصر الهائلة في 5 يونيو سنة 1967 والأيام الثلاثة التالية.
كيف تبلغ الوحشية بإنسان أن يرتكب كل هذه الفظائع، مهما كانت الأسباب؟! فما بالك وهي لم يكن لها أي سبب! فمُلّاك الأراضي الزراعية الذين أُهدرت كراماتهم وصودرت أموالهم وانتُهِكت حرياتهم لم يتركبوا أي ذنب، ولم يخالفوا أي قانون أصدره عبد الناصر وزبانيته الأبالسة، بل كانوا يملكون ما يملكون وفقا للقوانين واللوائح التي أصدروها بسلطانهم الكامل وطغيانهم المستبد الذي لم يلق أدنى مقاومة. فبأي شريعة إن حُوكم هؤلاء المُلّاك الذين التزموا التزاما تاما بما شرّعه هذا الطاغوت وأبالسته؟!
ثم العجب الذي يستنفد كل العجب هو من هؤلاء الجلادين المنفذين بقسوة منقطعة النظير ومبالغة في التعذيب تفوق كل وصف! ماذا حملهم على هذا الإجرام الرهيب، وليس بينهم وبين ضحاياهم ثأر فيثأرون، أو خصومة فيكيدون، أو منافسة فيطيحون! وما أغرب نذالتهم وخِسَّتهم وانعدام كل معاني الإنسانية فيهم! أمن أجل مزيد من الأشرطة أو النجوم الصفراء أو النسور النحاسية على الأكتاف يرتكب هؤلاء الأبالسة ما ارتكبوا من فظائع يندى لها جبين كل إنسان في كل زمان ومكان؟!
ثم ما بال الكُتّاب الذين أتينا على ذكرهم يهللون ويضفرون أكاليل المجد للطاغون وأبالسته وجلاديهم، بل ويحرّشونهم لارتكاب المزيد من التخريب والتعذيب!! وشاركهم في هذا التحريش والتأليب ثلة من أساتذة الجامعات كانوا يتآمرون لارتكاب أمثال هذه الفظائع في نطاق الجامعات والإدارات الحكومية التي كانوا يتطلعون للانقضاض على المراكز العليا فيها: أمن أجل دريهمات قليلة ومناصب هزيلة يستبيحون كل رذيلة وخسة وحقارة؟!
قُتِل الإنسان، ما أحقره!
إني أحار في تفسير سلوك هؤلاء جميعا! أية لذة يجدها هؤلاء الجلادون في تعذيب فرائسهم والتنكيل بضحاياهم؟! لو كان انتقاما لجريمة ارتكبوها في حق أنفسهم لقلنا مع هوميروس إن "الانتقام أشهى من العسل". لكن لم يكن بينهم وبين ضحاياهم أي داع للانتقام.
وقد تفنن هؤلاء الجلادون في أدوات التعذيب وأساليبة، مما ذكر بعضه حكم محكمة الجنايات الآنف الذكر. لكنه ليس إلا قطرة في بحر ما كان الجلادون يقومون به في السجن الحربي وسجن إدارة المخابرات المجاورة لقصر القبة: من إطلاق الكلاب المتوحشة على المسجونين والمتهمين، والنفخ فيهم من استاههم، وتوصيل خصيهم ومذاكيرهم بتيار كهربائي، وصب المياه فوق رؤوسهم، وتسليط الأضواء الشديدة حتى لا يغمض لهم جفن طوال الليل، والضرب بالسياط على ظهورهم ووجوههم وكل موضع حسّاس فيهم.
والعجب أن من أشدّ هؤلاء الجلادين قسوة شخصا يُدعى حمزة البسيوني. وأقول: "العجب" لأنني كنت أعرفه طالبا في كلية الحقوق تخرج في عام 1938 وهو العام الذي تخرجت فيه أنا من كلية الآداب. وكان يتردد أحيانا على كليتنا إبان الأحداث السياسية. وعرفته آنذلك وديعا هادئ الطبع خجولا بل رقيق الحاشية ساجي الضمير. فكيف تحول إذن في الأربعينات من عمره إلى وحش كاسر ولوع بالتعذيب والتفنن في أساليبه؟! هل كانت الوحشية كامنة فيه، مكبوتة في دخيلة نفسه، فلما فُتح لها باب الانطلاق انطلقت كالقنبلة؟ وهل من الممكن أن ينقلب المرء فجأة من مهذب هادئ إلى إعصار مدمر فاجر؟! صحيح أنني لم أره منذ تخرجه في سنة 1938 حتى سماعي بما يرتكبه من تعذيب رهيب في سنة 1965، لكن زملاءه في التخرج ممن شاهدوه طوال هذه الفترة مرارا لم يروا عليه علائم تطور نفسي، بل صُعِقوا لما علموا بأنباء ما يقوم به من تعذيب، لأنهم لم يتصوروا صدور ذلك عنه حسبما عرفوا من طباعه. ولقد أنجاه من المحاكمة -لما أن قُدِّم بعض هؤلاء الجلادين للمحاكمة في سنة 1971 وما بعدها- أن الموت قد عاجله، وأظن أن ذلك كان في حادث سيارةوالمحاكمات التي أقيمت لبعض هؤلاء العتاة من الجلادين أمثال: صلاح نصر، مدير المخابرات، وحمزة عليش، والصول الروبي –لا تشمل إلا واحدا من ألف ممن ارتكبوا أبشع جرائم التعذيب في حق الأبرياء طوال عهد حكم عبد الناصر.
كما أنها لم تتناول إلا من مارسوا التعذيب عمليا من رجال الجيش والشرطة، ولم تتناول أي واحد من رجال السياسة، ولا من الصحفيين والكتّاب والموظفين في مختلف مرافق الدولة – ممَّن حرضوا وأيدوا وباركوا كل أساليب التعذيب التي عاناها الأبرياء من المصريين طوال تلك العشرين سنة الرهيبة. فبأي حق يعفى هؤلاء من المحاكمة، وهم مسؤولون تماما مثل أولئك المنفذين؟! وقد زعم أحد هؤلاء الكتّاب
سيرة حياتي 1/370، 371. عاقبه الله بأن اصطدمت سيارته بسيارة نقل محملة بأسياخ الحديد، فاخترقته أسياخ الحديد حتى مزقت جسده، ثم جمعت أشلاؤه ووضعت في كفن. يقصد: توفيق الحكيم في كتابه "عودة الوعي" سيرة حياتي 1/371 وما بعدها.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 23, 2015 22:01

March 22, 2015

سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (7)

اقرأ أولا:
سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (1) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (2) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (3) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (4) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (5)
ما زلنا نواصل التقاط مواقف الفيلسوف المخضرم الكبير د. عبد الرحمن بدوي من حكم العسكر عبر مذكراته الحافلة الصادرة في جزئين، وهو الذي عايش العهدين: الملكي والعسكري، وحقق من المكانة الفكرية ما لا ينكره أحد ولو كان من أشد أعدائه.
(30)
"انتشرت الوشاية والتبليغ واستعداء السلطات والعمل مع المخابرات – انتشارا هائلا جدا بين أعضاء هيئة التدريس في الجامعة. وحسبي أن أذكر الحادث التالي:
1- في صيف سنة 1966 أقام أساتذة كلية الطب، في جامعة القاهرة، حفلة عشاء في نادي الجزيرة توديعا لعميدها عبد العزيز سامي. وعند أواخر العشاء قام د. رشوان فهمي –أستاذ طب العيون في كلية طب جامعة الإسكندرية؛ فخطب مشيدا بعبد العزيز سامي ومدافعا عنه. وكان جمال عبد الناصر قد صرّح في خطبة له أنه لو كان قصر العيني يُدار كما أدار محمود يونس هيئة قناة السويس، لما رأينا هذا الفساد في قصر العيني. فقال رشوان فهمي مشيرا إلى قول عبد الناصر مع تحاشي ذكر اسمه: لو أتيحت لعبد العزيز سامي الإمكانيات بل عشر الإمكانيات التي أتيحت لمحمود يونس، لكان قد جعل من قصر العيني نموذجا كاملا لخير المستشفيات.
وفهم الحاضرون إشارته، فأصابهم وجوم تام استمر بضع دقائق، قطعه د. عثمان وهبي بأن قال وهو يصفق تصفيقا شديدا- هذا الكلام عظيم فلماذا لا تصفقون؟!
وانتهت حفلة العشاء حوالي منتصف الليل. وفي الساعة الرابعة صباحا، كان قد صدر قرار بفرض الحراسة على رشوان فهمي، وفي الحال أخذت الشرطة الجنائية (أو العسكرية، لا أذكر) بتفتيش شقته في الإسكندرية. وعاد رشوان فهمي إلى الإسكندرية ليجد في انتظاره بالشقة مندوبين من الشرطة والحراسة، ما لبثوا أن أخذوا في استجوابه عن أمواله. فلم يجدوا معه غير عشر جنيهات، وليس في حسابه بالبنك مبلغ يذكر، ولا يملك أي عقار. ذلك أنه كان مبذرا جدا، ينفق مرتبه كله فلا يبقى منه شيء، ولم يكن له عيادة، وهي وحدها التي تدر الأموال على الأطباء.
ونعود إلى الفترة ما بين منتصف الليل والساعة الرابعة صباحا. ماذا حدث بكل هذه السرعة؟ الذي حدث هو أن أستاذا في طب الأطفال، كان من عملاء المخابرات المباشرين، اتصل فور خروجه من الحفلة بعلي صبري، وهو المسؤول الأول عن "الأجهزة" (أجهزة القهر والبطش والتنكيل والتعذيب)، كما كان يتفاخر، ويخاطبه بهذا اللقب صلاح بيطار أيام الوحدة المشؤومة. فشغَّل علي صبري أجهزته الإجرامية هذه وكان ما أتينا على وصفه.
وأذكر أني التقيت برشوان فهمي في يناير 1967 بالإسكندرية، فوجدته وهو يمشي معي يتلفت دائما إلى الوراء لأن المخبرين كانوا وراءه أينما وصل وحيثما سار. فكانت خاطرة وقلت له: لا عليك فهذا أمر هين. وجلسنا في ركن من مقهى في شارع توفيق وأخذت أداعبه قائلا:
- لماذا تحزن؟ إنك تستحق هذا كله! ألست أنت أول من أرسل برقية تأييد للثورة نيابة عن جمعية هيئة التدريس في جامعة الإسكندرية، في 23 يوليو سنة 1952، بينما كان الملك فاروق لا يزال في الإسكندرية ولا يدري أحد هل ستنجح هذه الثورة؟!
ماذا أفدت من تعريض نفسك للخطر، وها أنت ذا لم تظفر بشيء في عهد الثورة وطوال أربعة عشر عاما، بينما الخونةوأذناب الإنجليز قد نالوا أرفع المناصب!
فقال لي: لكن أنت أيضا كنت مؤيدا للثورة في بدايتها.
فقلت له: كنت مؤيدا ولكن بتحفظ شديد ويأس تام من أن تستقيم الأمور، بدليل مقالاتي في شهور أكتوبر إلى فبراير 1952 – 1953 وكلها تنقد رجال الثورة على سلوكهم وتقريبهم للخونة وأذناب الإنجليز ومحاسيب العهد الماضي، وهي المقالات التي أدت إلى وقف مجلة "اللواء الجديد". أنا يا سيدي أعرف تواريخ الثورات جيدا، بحيث لا أنخدع أبدا بألفاظ رجالها ودعاواهم.
فقال: ماذا كان ينبغي أن نعمل إذن؟
فقلت له: لا شيء. فدعهم يعبثون حتى ينهاروا من تلقاء أنفسهم. ونحصر همّنا كله –ونحن أساتذة في الجامعة- في التفرغ للبحث العلمي وتعليم الطلاب، وفي حالتك أنت أن تهتم بمرضاك.
وهكذا مضى الحديث بين الندم والأسف: الندم على مبادرته بتأييد الثورة قبل أن ينكشف من أمر أصحابها شيء، والأسف على ما وصلت إليه الحال في مصر من استبداد لم يعرف له التاريخ مثيلا؛ حاكم لا يحتمل أية عبارة قد يُشْتَمُّ منها ردّ هادئ برئ عليه! وهو مع ذلك يمزق أسماع الناس في كل مناسبة بكلمات الحرية والكرامة. كيف يصل الأمر إلى حدّ أن كلمة رقيقة بسيطة كتلك التي قالها رشوان فهمي تثير ثائرة هذا الطاغوت الرهيبة! وكيف يجرؤ بعد هذا أحد من الوزراء أو المشاركين له في السلطان أن يرد له قولا، أو ينبس بأرق مخالفة لرأيه! وهل هناك أدل على ما أصاب نفوس كبار المثقفين من جبن وخور وانحلال – هل هناك أدل على هذا من الذهول الشديد الذي أصاب أساتذة الطب حينما سمعوا عبارة رشوان فهمي؟! إن هذا الذهول معناه أن هذه الفئة المفروض فيها أنها من أرفع الفئات ثقافة وعلما قد صارت تتألف من دُمًى مذهولة وشخوص جبانة فقدت كل ملكة للتفكير المستقل المستقيم. هذا على الرغم من أن أبناء هذه الفئة (الأطباء) هم أقل الفئات اعتمادا على "الميري" لأن 90% من دخلهم يرد إليهم من المرضى الخصوصيين.
الفزع والهلع، والجبن والخور، والتملق والنفاق – تلك كانت الأحوال النفسيةوالخلقية السائدة لدى الطبقات المثقفة في المجتمع المصري في عهد عبد الناصر.
وإذا كانت هذه حال المثقفين فكيف يُرجى لهذا المجتمع أي نهوض؟! إن المثقفين هم ضمير الأمة، فإن فسد الضمير فعلى الأمة العفاء.
ويحار المرء في فهم هذه الحال التي سيطرت على نفوس هؤلاء المثقفين وخصوصا أساتذة الجامعات. فإن لديهم في البحث العلمي والتفوق فيه ما يغنيهم عن التطلع إلى أي منصب إداري. ولو استقرى المرء منهم من تولوا الوزارة، لكان عليه أن يرضى عن نفسه لأنه لم يتول أية وزارة.
لقد صار منصب الوزير لأي مدنيّ مصدرا للذل والهوان، وهدا للتنكيل والتخلص من المسؤولية وإخفاق سياسة الدولة. إن حدثت كارثة أو أزمة، سارع عبد الناصر إلى إلقاء مسؤولية حدوثها على الوزير الذي تقع الكارثة أو الأزمة في دائرة اختصاصه، رغم أن المسؤول الوحيد هو عبد الناصر نفسه بسياسته الخرقاء الطائشة. وما أسرع ما تنهال وسائل الإعلام لتصب الذنوب كلها على رأس هذا الوزير المسكين. وفي غمرة هذه الحملة الظالمة ينسى عامة الناس المشكلة الأصلية، ولا يعود أحد يتحدث عنها، وكأن السلعة المفقودة قد عادت فغمرت الأسواق، أو أن المرفق الفاسد قد صلحت أموره وعاد يؤدي مهمته، أو الأرض التي احتلها العدو قد جلا عنها وتحررت. حتى صار الشعب المصري يعيش في الأوهام، ويتغذى بالأوهام، ويعالج كل أموره الفاسدة بخلق المزيد من الأوهام"

سيرة حياتي 1/360، وما بعدها.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 22, 2015 21:45

March 21, 2015

رحلة الاستشراق (1) الولادة

"لو خرج مذيع الأخبار على الناس ذات يوم ليقول في نشرته إن كوبا جردت جيشا لتحارب أمريكا وروسيا، وإنها انتصرت على الاثنين، وإنها نشرت علما وحضارة وعقيدة بلغت بها تخوم الصين.. لقلنا ونحن نستمع إلى هذه الأخبار: هذا رجل أصابته لوثة؛ فكيف تخرج شراذم ذليلة قليلة من بلد صغير مثل كوبا فتنتصر على الشرق الروسي والغرب الأمريكي وتصنع حضارة تغير بها العالم.. هذا مستحيل.. هذا رجل مجنون. ولكن هذا المستحيل هو الذي حدث بالضبط حينما خرج من الجزيرة العربية الفقيرة المتخلفة جيش يحمل راية لا إله إلا الله، فانتصر على الروم والفرس، وبلغ تخوم الصين شرقا، وشواطئ الأطلسي غربا، واندفع شمالا حتى أسوار فيينا، واندفع جنوبا حتى السودان والحبشة، ونشر حضارة غيرت وجه العالم. تلك هي الظاهرة الإسلامية التي أصابت العالم بالذهول والارتجاج.. وتلك الظاهرة المذهلة كانت وراء حملة الاستشراق التي حدثت في أوروبا وأمريكا وروسيا واليابان وفي كل مكان فيه إنسان يفكر"لقد نشرنا على هذا الموقع نبذات موجزة عن تاريخ العلاقة بين الشرق والغرب، فتحدثنا عن تاريخ الصدام بينهما في أربعة أجزاء (الأول، الثاني، الثالث، الرابع) ثم ما نبت على ضفاف هذه الحروب من تاريخ الاتصال في السفارات (ج1، ج2) والرحلات والبحث العلمي (ج1، ج2، ج3)، ثم عن بدايات التفكير في دراسة الغرب، وانطلاقته ورواده الأوائل: الطهطاوي والتونسي والشدياق، ولماذا لم ينضج علم الاستغراب في بلادنا حتى الآن، ثم في ضرورة علم الاستغراب ولماذا ينبغي أن يدشن في أربعة أجزاء أخرى (العلمالدعوةالتعاون - المواجهة) وعن ضرورة أن يتأسس على رؤية إسلامية أصيلة (ج1، ج2) وعلى قاعدة من الشعور بالتميز الإسلامي (ج1، ج2).
ونحسب أنه من الأفضل أن نتوقف عن تجربة الاستشراق فنعرض موجزا لخلاصتها: تاريخها وحصادها، ونسأل الله أن يوفقنا لذلك في هذه المقالات التالية. والتي نبدأها بهذه السطور عن ولادة الاستشراق ومراحله الأولى.
***
يدور تعريف الاستشراق حول معنى "طلب علوم الشرق وآدابهم"، ومن ثم فإن المستشرق هو "عالم متمكن من المعارف الخاصة بالشرق ولغاته وآدابه"إلا أن هذا التعريف "الموضوعي المحايد" لا يعبر عما خلف هذه الظاهرة "العلمية" من أغراض أوقفت لأجلها مؤسسات وصروح علمية وسياسية واقتصادية أيضا، ولعل هذا ما دفع إدوارد سعيد لصياغة تعريف آخر ينظر إلى الاستشراق "بصفته المؤسسة الجماعية للتعامل مع الشرق، والتعامل معه معناه التحدث عنه، واعتماد آراء معينة عنه، ووصفه، وتدريسه للطلاب، وتسوية الأوضاع فيه، والسيطرة عليه: وباختصار بصفة الاستشراق أسلوبا غربيا للهيمنة على الشرق وإعادة بنائه والتسلط عليه"لقد ولد الاستشراق ونما كما ينمو الكائن الحي، ثم نضج واستوى على سوقه وصارت له صروح علمية فاخرة، ثم يختلف الناس في حاله الآن: هل مات وانتهى؟ أم هو في شيخوخته ولم يعد قادرا على أداء دوره الذي كان يؤديه في الشباب؟ أم أنه تطور واستحال إلى صيغ أخرى ليواكب تغيرات العصر؟
***
لقد ولد الاستشراق في عهد التفوق الإسلامي الكاسح: عسكريا وسياسيا وحضاريا، ومن ثم فهو أحد صور الاستجابة الغربية للتحدي الإسلاميوقد جاءت بداية هذه الاستجابة من الإمبراطورية الرومانية الشرقية التي طرحت أول صف من النصارى يردون على الإسلام ويكتبون في "إبطاله" وجدال أهله، فيما كانت الإمبراطورية الرومانية الغربية حينئذ في وضع مثير للشفقة تضرب الفوضى في أطنابها ولا يستقر لها حال في قوة ولا في حضارة، حتى جاءها بعد نحو قرنين شارلمان الكبير الذي اعتبر بطلا رغم أنه لم يستعِد سوى نصف ما كان للإمبراطورية الرومانية الغربية بل أقل، وبعد مذابح هائلة من أبرز مذابح التاريخ الإنساني!
إلا أن التآكل المستمر للإمبراطورية البيزنطية تحت الفتوح الإسلامية حتى سقوطها النهائي على يد العثمانيين حال دون نمو هذه الظاهرة، فيما مثَّل التوقف الإسلامي عند حدود فرنسا، ثم ظهور وحدة أوروبية غربية، فرصة لظهور ونمو هذه الحركة في أوروبا، وهذا ما جعل الاستشراق يأخذ اسمه ذا الإيحاء "الجغرافي".
ثم جاء عصر الحروب الصليبية.. ذلك العصر الذي أعادت فيه أوروبا تعريف نفسها وتحديد مهمتها وقضيتها، واستطاعت إخراج طاقتها العنفية من الحروب الداخلية إلى الخارج، في صيغة دينية مقدسة شكلت وضعا جديدا على مستوى تاريخ الشرق والغرب، امتدت تأثيراته إلى داخل المجتمعات الغربية والشرقية والعلاقة بينهما، وأثرت في نمو قوى اجتماعية وعسكرية وتغيرات سياسية وثقافية واسعة.
في هذا العصر انتقل "الاستشراق" من مرحلة الولادة إلى مرحلة الطفولة، ومثلما ينشئ الطفل واقعا جديدا في البيت بل ويستطيع التأثير على الكبار من حوله بما يثيره من فوضى وإزعاج أو ما يبديه من رغبات ومطالب، صنع الاستشراق روحا ثقافية غربية جديدة ألهبت أوروبا تجاه الإسلام والمسلمين، وهو ما نستعرضه إن شاء الله في المقال القادم.نشر في نون بوست 

د. أحمد سمايلوفيتش: فلسفة الاستشراق ص3. (مقدمة د. مصطفى محمود). انظر في تعريفات الاستشراق وتحليلها ونقاشها:د. أحمد سمايلوفيتش: فلسفة الاستشراق ص22 وما بعدها، د. محمد إبراهيم الفيومي: الاستشراق في ميزان الفكر الإسلامي ص9 وما بعدها، د. أحمد عبد الرحيم السايح: الاستشراق في ميزان نقد الفكر الإسلامي ص9 وما بعدها، د. إسحاق السعدي: تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه 1/176 وما بعدها. إدوارد سعيد: الاستشراق ص45، 46. أقدم من يمكن تصنيفهم كمستشرقين، وذلك قبل ظهور الاستشراق كحركة، كانوا قساوسة درسوا في الشرق، ويشار عادة إلى الراهب الفرنسي جربرت دي أورلياك (Gerbert d`Aurillac) الذي صار البابا عام (999م) وتلقب بسلفستر الثاني (Pope Sylvester II)، وقد طلب علوم العرب في الأندلس والمغرب. كما يشار إلى الراهب بطرس المبجل أو المحترم، وكذلك الراهب جيرار دي كريمون (الكريموني).انظر: د. عبد الرحمن بدوي: موسوعة المستشرقين ص110، 178، د. عبد الرحمن حبنكة الميداني: أجنحة المكر الثلاثة ص122 وما بعدها، يوهان فوك: تاريخ حركة الاستشراق ص15 وما بعدها.Bulletin of the British Association of Orientalists, vol11, p41.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 21, 2015 15:16

March 19, 2015

مراجعات إسلامية عامة واجبة

بعد استعراض تاريخي واسع وطويل زاد عن 600 صفحة محشورة الكلمات ضيقة الهوامش، استخلص المنظر الجهادي الأبرز أبو مصعب السوري معادلات الصراع عبر تاريخ الأمة، فجعلها على هذا النحو:
* الحملات الصليبية الأولى:
1. أمة الصليب × أمة الإسلام = انتصرت أمة الإسلام
* الحملات الصليبية الثانية (مرحلة الاستعمار القديم 1800 - 1970) أسفرت عن معادلتين، واحدة للأمة وواحدة للصحوة الإسلامية:
2. أمة الصليب + أمة اليهود × أمة الإسلام = انتصرت أمة الإسلام (رحل الاستعمار)
3. أمة الصليب + أمة اليهود + الحكومات العميلة × الصحوة الإسلامية = هُزِمت الصحوة (وخرجت الأمة من المعركة)
* الحملات الصليبية الثالثة (المرحلة الأمريكية 1990 - 2003)
4. أمة الصليب + أمة اليهود + الحكومات العميلة + المنافقين "علماء السوء ومن فسدوا من قيادات الصحوة" × التيار الجهادي = هزيمة التيار الجهادي وشلل الصحوة (وبقيت الأمة خارج المعركة)
[يراجع كتابه: دعوة المقاومة الإسلامية العالمية ص626]
وخلص من هذه المعادلات الأربع إلى ضرورة حشد الأمة كلها في المعركة، وإلا فإن الصحوة ستهزم أمام تحالف الكفر (اليهود والصليبيين وباقي الكافرين) والردة (الأنظمة المحلية والمنافقين).
ومن يعرف بعضا من تاريخ الحركات الإسلامية، يعرف أنه ربما لم تمر تجربة فشل واحدة إلا وكان من فصولها تخلي بعض أجنحة الإسلاميين عن بعض، وربما زاد بعضهم في فساده فتحالف مع الأنظمة الحاكمة ضد الآخر، والمثال السائر الأشهر: أن يُضرب الجهاديون بالإخوان ثم يُضرب الإخوان بالسلفيين، ثم يُضرب السلفيون بالمداخلة والصوفية.. وهؤلاء أولياء النظام ولو استعلن بالكفر.
وفي الأيام السابقة طالعت مقالا بديعا للمنظر الجهادي المجهول شخصا والمشهور على تويتر "عبد الله بن محمد" (شئون استراتيجية) يتحدث فيه عن "حروب العصابات السياسية" ويؤكد فيه على معنى ألا تنفصل الحركات الجهادية عن الشعوب ولا عن الثورات.. وألا تسعى للانفراد بالمشهد ولا الاستئثار به، وإلا كررت تاريخ الفشل الطويل.
وألحق عبد الله بالمقال استدراكات أخرى ردا على ما ورد عليه:
ثم علق على مقاله أبو محمد الصادق، الشرعي العام لحركة أحرار الشام، ببعض تغريدات يؤكد فيها على الفكرة المطروحة، ويأسى لما حل بالشام من الفساد الذي أنزله "تنظيم الدولة" بالثورة السورية حتى كاد يذهب ثمرته على الجملة
ثم جاء تعقيب آخر من رجل آخر من أشهر منظري الجهاد القدماء وهو أبو قتادة الفلسطيني، فاتفق مع صاحب المقال في الفكرة ثم خالفه في التفاصيل والظروف وبعض التحليلات الجزئية.. ولم يفته أن يتحسر على حال جهاد الشام وما نزل به من غلو "تنظيم الدولة"
والكلام السابق كله هو حصيلة خبرة جهادية عريقة، إما بالمشاركة الفعلية أو المتابعة عن كثب.. وأسوأ ما يمكن أن يُعامل به هذا الكلام أن يأتي شاب حدث متضخم الأحلام والأوهام مشتعل الحماسة فيلقي بهذا كله خلف ظهره، معتقدا أنه لا شيء غير السيف والبأس!
فهذا فعل من يسوق نفسه وأهله وأمته إلى التهلكة بجهله واستكباره وغلوه.
إن الحركات الإسلامية جميعا مدعوة للتعلم من أخطائها وماضيها، ونحن في لحظة قد ثبت للجميع أنهم -وحدهم- لم يستطيعوا عمل شيء حقيقي وحاسم على مستوى الأمة.
فأما السلفيين فهم في تيههم الكبير، لا يعرفون من طرق التغيير إلا الجلوس في المساجد وممارسة التدريس والوعظ ولا يستطيعون حتى تصور ملامح طريق إعادة الإسلام إلى واقع الحياة.. ومن استفاق منهم على ثورة لم يفعل شيئا إلا أن جعل نفسه مطية للطغاة ومسخرة للإعلام ومهزلة في المواقف، لا يدري ما يفعل ولا يتبصر الحق من الباطل، وأحسن أحوال هؤلاء من سكتوا وصمتوا وعادوا إلى بيوتهم معتزلين.
وأما الإخوان فقد أحاطتهم الأنظمة المحلية والنظام العالمي بمكره حتى صاروا -فيما عدا حماس.. وفي انتسابها للإخوان بعض نظر ليس هذا محله- فوقع بعضهم في الخيانة كما في الجزائر والعراق وتونس، أو ظل لعبة بيد النظام كما في الأردن والمغرب ودول الخليج، أو اختفى منهزما كما في ليبيا وسوريا والعراق قبل الاحتلال. أو ظل محلك سر لا يهتدي طريقا للتغيير كما في مصر ولبنان.
ولم يتحرك الموقف في أي من هذه البلدان إلا بعد أن طرأ جديد خارج منهجهم وطريقهم وتوقعاتهم: ثورة أو احتلال أو تغير في النظام.. فها هنا ظهر لهم ثقل وأثر ودور في توجيه الأحداث.
وأما الجهاديين فأبرز مشاهدهم أنه لم تكتمل تجربة واحدة جهادية، وأنهم لم يستطيعوا بدء حركة في أرض يتمكن فيها النظام المعادي لهم، وغاية ما فعلوه أن ظهروا في أرض قد تخلخلت فوقها سيطرة النظام الحاكم إما بثورة أو احتلال أو في أرض وعرة الجغرافيا كثيرة المخابئ يستطيع فيها المجاهد أن يختبئ حتى يعود فيضرب ضربة خاطفة -وفي الأغلب ضعيفة وغير مؤثرة- بين كل حين وآخر.
وإذن، فالجميع يعرف أن طريقه في التغيير لم يفض إلى شئ حقيقي إلا بوجود عامل خارجي (ثورة شعبية، احتلال أجنبي، تغير في سياسة النظام).. وهذا وحده دليل على "نقصان المنهج" عند كل فئة منهم، فلو أنه منهج صحيح كامل لاستطاع إيجاد طريق لا يحتاج فيه للمؤثر الخارجي.
لا شك أنه لا بد من الوصول إلى هذه القناعة أولا، وإلا فلن يكون ثمة تفكير في البحث عن موطن الخلل ولا السعي في علاجه ولا النظر بعين التدبر والاعتبار فيما بين أيدينا من القرآن والسنة والتجارب الماضية..
وهذه لحظة تدفع الأمة وحركاتها ضريبة الفشل من دمائها وأرواح أفضل أبنائها.. فلا مجال للمقايضة ولا التفريط.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 19, 2015 20:18

سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (6)

اقرأ أولا: سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (1) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (2) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (3) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (4) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (5)
ما زلنا نواصل التقاط مواقف الفيلسوف المخضرم الكبير د. عبد الرحمن بدوي من حكم العسكر عبر مذكراته الحافلة الصادرة في جزئين، وهو الذي عايش العهدين: الملكي والعسكري، وحقق من المكانة الفكرية ما لا ينكره أحد ولو كان من أشد أعدائه.
(27)
"لقد استخدمت إذن "أسلوب الحكيم" كما يقال في كتب البلاغة العربية، أو "الخطاب غير المباشر" كما يقال في كتب البلاغة الأوروبية، إذ لم يكن في وسعي أن أنشر في الصحف أو أصدر كتبا تتناول الرد على المدّ القرمزي (= الشيوعي) في مصر بطريقة مباشرة، فإن الرقابة كانت بالمرصاد، والنفوذ الشيوعي في إدارة الدولة، خصوصا من سنة 1964 وما يليها كان كفيلا بالقضاء على كل صاحب قلم يجرؤ على الهجوم المباشر على الماركسية والاشتراكية "العلمية" وما تفرع عنها من اتجاهات. إذ في سنة 1964 استولى الشيوعيون على كل أدوات الإعلام في مصر: من صحافة، وإذاعة، ومسرح، وسينما، ومطابع تنتسب إلى القطاع العام والهيئة العامة للكتاب. وراحوا يتوزعون فيما بينهم رئاسة تحرير هذه الصحف وإدارة المسارح وقطاع السينما والإذاعة، والهيئة العامة للكتاب، بل وزعوا مكافآت للتأليف والترجمة على أنفسهم عن كتب لم يشرعوا فيها ولن يشرعوا فيها أبدا. وضاعت هذه المكافآت على الدولة، فلم تستردها ممن تعاقدوا معهم وسلموهم المكافآت دون أن ينجزوا ما تعاقدوا عليه. وهكذا استخدموا سيف المعز وذهبه: السيف بالشغب على من لا يسير في موكبهم والتحريش عليه من السلطات الباطشة، والذهب: بالأموال التي أغدقوها على أنفسهم ومن تملقهم أو مشى في موكبهم. وكان عجيبا حقا أن ترى من لم يُعرف عنه من قبل أي ميل إلى الشيوعية والماركسية يلهث وراء هؤلاء الشيوعيين والماركسيين، وذلك مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ اللذين صارا يدعوان الناس إلى قراءة ماركسية لقصصهم، ويزعمان أنها قصص رمزية تقوم على الصراع الطبقي والإشادة بالبروليتاريا والدعوة إلى ثورة شعبية تقضي على البورجوازية والطبقية وتصوّر الحتمية التاريخية لانتصار الطبقة الكادحة على الإقطاع والرجعية – وهكذا إلى آخر معجم الألفاظ المعروف. ولعدم خبرتهما بهذا التأويل الرمزي الماركسي استعانا بأئمة التفسير الشيوعي الماركسي، مثل محمود أمين العالم، وغالي شكري"(28)
"كان جو الجامعة في تلك السنوات السبع (1960 – 1966) قد فسد فسادا لا علاج له أبدا. إذ تنافس الأساتذة في العمل بالمخابرات، وكتابة التقريرات لمكتب الأمن وللمخابرات العامة وللمخابرات العسكرية، وصارت المناصب الإدارية: مدير جامعة، وكيل جامعة، عميد كلية، وكيل كلية، وقفا على عملاء المخابرات هؤلاء. ولم يكن أحد يعين في منصب من هذه المناصب إلا بعد موافقة المخابرات. ولم يكن مدير الجامعة ليجرؤ على اقتراح اسم مرشح لعمادة الكلية إلا بعد تلقي موافقة المخابرات. وهكذا كانت المخابرات هي التي تتحكم في تعيين مدير الجامعة وعميد الكلية وسائر الوظائف العليا في إدارة الجامعة والكلية. وكان العميد في كل كلية يتخذ له عملاء من هيئة التدريس في كل قسم ليوافوه بالأخبار عن المسلك السياسي لأعضاء القسم. والعميد بدوره يبلغ مدير الجامعة، وهذا بدوره يبلغ الأمين العام للجماعة، وكان من رجال الجيش السابقين، بكل ما لديه من أخبار عن السلوك السياسي لأعضاء هيئة التدريس. وتتجمع المعلومات عند الأمين العام، ليبلغها بدوره إلى جهات معينة في إدارة المخابرات، وأحيانا إلى مدير مكتب الأمن في وزارة التعليم العالي. على أن لهذا الأخير عملاءه المباشرين من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات.
وكان هذا التنظيم الاستخباري قد بدأ في سنة 1956. ثم واكبه ابتداء من سنة 1962 تنظيم آخر أشرنا إليه من قبل هو التنظيم السري الذي يشرف عليه الجهاز السري. وهذا الجهاز السري، وكان يشرف عليه أستاذ في كل جامعة، صار يستعين بنفر آخر من أعضاء هيئة التدريس في كل كلية ليحكم الرقابة في كل المواقع. ومعظم هؤلاء العملاء كانوا من الماركسيين أو المتجرين باليسارية والماركسية والشيوعية، لأن هذا التنظيم كان وليد استفحال سيطرة الشيوعيين على مراكز القوة.
وبالجملة كان الجو في الجامعة جو الجاسوسية الشاملة والإرهاب المتربص والوشاية المتحفزة"(29)
وعن عبد العزيز السيد وزير التعليم العالي يقول بدوي: "كان جاهلا مهرجا لا مؤهل له عند صاحب السلطان إلا سرد النكت والفكاهات منذ أن كان زميلا له في التدريس في الكلية الحربية. وكما ينهال الزوج الجريح في عمله المفلس مما كان في يده- على أهل بيته بالتنكيل والركل والتصرفات الحمقاء الطائشة، انهال جمال عبد الناصر على أهل مصر بالحراسات والاعتقالات والعزل السياسي.
ولعب كل وزير دوره في هذه الهستيريا الشاملة، بدعوى "التطوير". فانطلق وزير التعليم العالي في الدعوة إلى "تطوير" الجامعة، وهو خاوي الذهن تماما من كل تصور لهذا التطوير. ولم يجد شعارا لهذا التطوير المزعوم غير عبارة "ربط الجامعة بالحياة". وكأن الجامعة كانت قبل ذلك مرتبطة بالموت، تدبّره للطلاب بأيسر طريق! ثم استبدل به شعارا آخر هو "ربط الجامعة بالمجتمع"، وكأن الجامعة قبل ذلك كانت تعد الطلاب للعمل في الكواكب والأجرام السماوية! وأذكر أنني في صيف 1962 كنت أنزل في فندق "سيسيل" بالإسكندرية وكان ينزل به آنذاك عبد العزيز السيد. وكان من المحتم على النزلاء تناول الإفطار في الفندق. فكان عبد العزيز السيد يجلس أحيانا معي لتناول الإفطار على نفس المائدة. فدار الحديث التالي بينه وبيني:
سألني: ما رأيك فيما أقوم به الآن من تطوير الجامعة؟
فقلت: أي تطوير؟
فقال: لربط الجامعة بالمجتمع والحياة.
فقلت: وهل هي ليست مرتبطة بهما؟ هل كلية الطب تخرج الأطباء كي يطببوا في السماوات العلا؟ وهل كلية الهندسة تخرج المهندسين ليشيدوا العمائر وينظموا الري ويوفروا الكهرباء والآلات لسكان الكواكب الأخرى؟ وهل كلية الزراعة تخرج الزراعيين ليحسنوا الزراعة في طبقات المريخ؟ وهل كلية التجارة تخرج التجاريين والمحاسبين ومديري الأعمال والتأمين لكي يبذلوا نشاطهم هذا في يوم الحساب؟ وهل كلية الحقوق تخرج رجال القضاء والنيابة والمحامين لممارسة القضاء والتحقيق والدفاع في القضايا التي تثار بين الزبانية في الجحيم؟ وهل كلية الآداب تخرج المدرسين للغات والعلوم الإنسانية ليعلموا ملائكة السماء!!
فقال: أتريد أن تسخر مني ومن جهودي العظيمة لتطوير الجامعة؟ لا، لا ...
فعاجلته بقولي: هذا هو رأيي، وهو رأي شخص مطلق الرأي Free Lance لا يتقيد إلا بما يعتقد، لأنني لا أطمع في أي منصب قيادي في الجامعة. ولست واحدا من أولئك الذين يلتفون حولك ويتملقونك ويؤمنون على كل ما تقول.فقال: مطلق الرأي Free Lance؟ وهل في الجامعة أحد يتخذ موقفا كهذا، والكل يجب أن يكون مسخرا لخدمة الشعب والمجتمع، ولا مجال لأي انحراف...
فعاجلته حتى لا يسترسل في هذه الشنشنة المعتادة الممجوجة: أنت سألتني رأيي، وهذا هو رأيي، وليس لك أن تحفل به ما دام المئات من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة يسيرون وراءك ويعملون بما تأمر.
وعند هذا افترقنا، وتحاشيت جلوسه معي بعد ذلك.
وامتلأ غيظا، لأنه راح يقول لبعض الناس بعد ذلك إنني قلت له إنه يريد تخريب الجامعة، كما أخبرني بذلك نفر من هذا البعض.
وهكذا كان الأمر كله تهريجا في تهريج: فلا أحد يريد إصلاح الجامعة، بل كان هدف الحاكم هو إخضاع كل أعضاء هيئة التدريس في كل الجامعات، كي يكونوا مجرد أبواق تتشدق بكيل المديح للحاكم المطلق ونظامه الباغي المتهاوي.وجاء بعد عبد العزيز السيد وزير تعليم عال آخر هو عزت سلامة، فاندفع في نفس الموجة وزاد عليها بالتضييق على أعضاء هيئة التدريس في الحضور كل يوم، والتوقيع على الحضور، وإلزام رئيس القسم في يوم الخميس بتقديم كشف غياب وحضور لأعضاء قسمه. فكنت أضطر إلى المجيئ يوم الخميس لكتابة هذا الكشف وتقديمه لمقابلته. واستمريت على هذا النحو إلى أن أنقذني من هذا الموقف سفري إلى باريس في 18 فبراير سنة 1967، وهو يوم بدء "غيبتي الكبرى" عن الوطن"
سيرة حياتي 1/355، 356. سيرة حياتي 1/357، 358. سيرة حياتي 1/358، 359.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 19, 2015 19:09

موجز تاريخ الدولة الأموية (8 - النهاية)

اقرأ أولا: موجز تاريخ الدولة الأموية (1) موجز تاريخ الدولة الأموية (2) موجز تاريخ الدولة الأموية (3) موجز تاريخ الدولة الأموية (4) موجز تاريخ الدولة الأموية (5) موجز تاريخ الدولة الأموية (6) موجز تاريخ الدولة الأموية (7)
في منتصف العام (132 هـ) كان العباسيون قد أقاموا دولتهم، ووصلوا إلى عاصمتهم في الكوفة، مسيطرين على كل المساحة فيما بين خراسان والعراق، وقد انتصروا على كل الجيوش الأموية حتى هذه اللحظة وبقيت المعركة الفاصلة التي يتواجه فيها الجيش العباسي مع الجيش الأموي الرئيسي بقيادة الخليفة مروان بن محمد.
ورغم سيطرة العباسيين عن الكوفة إلا أن خلافات داخل الدائرة الصغيرة العباسية عطلت ظهور الخليفة الذي ما يزال حتى الآن مجهولا، حتى ظهر بعد حوالي شهر، واكتشف الناس للمرة الأولى اسم الخليفة المجهول.. إنه عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب! وهو بهذا عباسي من آل البيت وليس علويا كما توقع الجميع، ذلك أنه لم يكن للعباسيين سابق ثورات على الأمويين فيما حفل تاريخ العلويين بالثورات.
ظهر أبو العباس، وكان وقتها شابا في السادسة والعشرين من عمره، ومن العجيب أن أخاه إبراهيم –الإمام السابق للدعوة العباسية- قدَّمه في الإمامة على أخيه أبي جعفر، الذي هو أكبر منه بتسع سنوات، على الرغم من أن أبا جعفر شخصية سياسية من الطراز الأول، كما سيظهر بعدئذٍ، بهذا ندرك كم كان أبو العباس -أيضًا- شخصية ذات مواهب فائقة تفوق أخاه الأكبر؛ إلَّا أنَّ العُمر لم يمهله ليظهر منه مثلما ظهر من أخيه.
لم تكن مهمة الخليفة الأول أبي العباس سهلة، فالدولة في بدايتها، مروان بن محمد يُعدّ لها جيشا عظيما، وقوة أموية أخرى في واسط، والعلاقات ساءت بينه وبين الرجل الثاني في الدعوة أبي سلمة الخلال والذي بيده مقاليد الأمور الفعلية في الكوفة! ولكن أبا العباس كان على مستوى المسؤولية فقد حملها حتى بدا ذلك على ملامحه، فبعدما كان "شابا جميلا تعلوه صُفْرَة (أي بياض)" إذا به بعد أسبوع واحد "كأن وجهه ترس وكأن عنقه إبريق فضة وقد ذهبت الصفرة".
ترك أبو العباس السفاح الكوفة وعهد بإدارة أمورها إلى عمه داود بن علي، وكان مركز العمليات في منطقة تسمى "حمام أعين" فذهب إليه ليدير المعركة بنفسه، وجعل قيادة الجيش العباسي إلى عمه عبد الله بن علي وأرسل فرقا أخرى لحصار القوة الأموية في واسط، وفرقا أخرى لجيوب أموية أخرى.
وجاء موعد المعركة الحاسمة..
لقد حشد مروان كل ما استطاع في جيش أموي كبير بعدما اتضح أن التهديد وجودي، وأرسل إلى البيت الأموي بالتجهز ونادى فيهم "دافعوا عن ملككم"، وسار الجيش الكبير الذي تقدره بعض الروايات بمائة وعشرين ألفا ليواجه الجيش العباسي الذي كان في حدود العشرين ألفا فحسب.
التقى الجيشان عند منطقة الزاب على ضفة نهر دجلة قريبا من الموصل، جرت في البداية مناوشات صغيرة أسفرت عن قتلى وأسرى من الجيشين، لكن الجيش العباسي كان في إقبال وكان الجيش الأموي في إدبار.
لقد كان جيش العباسيين متفوقا في التماسك والروح المعنوية، فالدعوة في أول أمرها وخلفه تاريخ من الانتصارات القوية، بينما تضرب العصبية القبلية في الجيش الأموي الذي يقدم إلى المعركة وهو يعلم الهزائم التي لحقت بسابقيه.
أدركت قيادة الجيشين أن المعركة المعنوية هي الأهم في اللحظة الحاضرة، لذا حاول مروان بن محمد أن يؤخر المعركة ما استطاع لتزول الهيبة من العباسيين، بينما سارع عبد الله بن علي لتعجيل المعركة لاستثمار هذه الهيبة ولمنع انتشار الحديث عن ضخامة جيش الأمويين في معسكره. ولهذا قال مروان بن محمد لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: "إن زالت الشمس يومئذ ولم يقاتلونا كنا نحن الذين ندفعها إلى عيسى بن مريمكان أول انهيار الجيش الأموي أن بدأت فرقة منه بعصيان أمر مروان بن محمد، فاندفعت إلى القتال، وبهذا بدأت المعركة (11 جمادى الآخرة 132 هـ)، وامتص الجيش العباسي هذه الصدمة ببسالة قادته جميعا حتى انعكس الموقف وتراجع الأمويون وبدأ الهجوم العباسي.
وأمام الهجوم العباسي فقد مروان بن محمد سيطرته على جيشه، فإذا أرسل إلى كتيبة يأمرها بالتصدي رفضت: أرسل إلى قضاعة يأمرهم بالنزول فقالوا: قل لبني سليم فلينزلوا، وأرسل إلى السكاسك أن احملوا فقالوا: قل لبني عامر أن يحملوا، فأرسل إلى السكون أن احملوا فقالوا: قل إلى غطفان فليحملوا. فقال لصاحب شرطته: انزل. فقال: لا والله لا أجعل نفسي غرضا. قال: أما والله لأسوءنك. قال: وددت والله لو قدرت على ذلك.
وما بين جيش متماسك مندفع يقاتل جيشا مضطربا مترددا تسكنه العصبية، كان طبيعيا أن تؤول المعركة الفاصلة إلى النتيجة المحتومة: هُزِم جيش الشام، وفَرَّ الشاميون يتبعهم الجيش العباسي فيأسر ويقتل، ولكي ينجو مروان بنفسه فإنه ما إن عبر حتى قطع الجسر من خلفه فترك كثيرا من الجنود لم يعبروا فحلت الهزيمة ومعها اليأس أيضا، واقتحم الجنود النهر يريدون عبوره سباحة فغرق منهم كثيرون، حتى لقد غرق من الشاميين أكثر مما قُتِل، ولم تنفع الجيش كثرته إذ سكنته العصبية!
ومن أبلغ ما يُروى في الهزيمة النفسية التي حلت بجيش مروان ما يحكيه جندي منهم عن نفسه، قال: "شهدت وقعة كشاف مع مروان بن محمد، ومعي سيفي، وعليَّ درع قد ورثتها عن أبي وجدي منذ زمن الجاهلية، وتحتي فرس من نتاج قومي، وما ضربتُ شيئا قط إلا هتكته، فحملت على رجل من أصحاب أبي عون (قائد ميسرة العباسيين) فضربته فما عمل سيفي فيه شيئا، ثم حمل عليَّ رجل من أصحاب أبي عون فضربني بعصا كانت في يده فأبلغ –والله- إليَّانسحب مروان بن محمد من الزاب نحو حران ثم إلى قنسرين ثم إلى حمص، وهناك قاتله أهلها فانتصر عليهم ثم توجه إلى دمشق ويبدو أنه عجز عن البقاء فيها والدفاع عنها لما حل بها من الانقسام على الأمويين، فتركها في عهدة زوج ابنته الوليد بن معاوية بن مراون، ثم انسحب إلى مصر.
وبعد الانتصار العباسي الكبير على جيش الأمويين في "الزاب" تتابع سقوط المدن أمامهم بغير عناء يذكر، حتى وصلت جيوش العباسيين إلى دمشق، فحاصرتها لأيام ثم اقتحمتها مستعينة في ذلك بانقسام أهل دمشق، ونجاح عبد الله بن علي في تحريض اليمانية –الخصوم القدماء لمروان بن محمد وعصبته من القيسية- ولقد روي في انقسام أهل دمشق أنهم لم يكونوا يصلُّون معًا، وأن الجامع الأموي شهد وجود قِبْلتيْن ومنبريْن وإماميْن يخطبان الجمعة في نفس الوقت.
وهكذا سقطت العاصمة الأموية، وثاني عواصم الإسلام الكبرى بيد العباسيين.
في تلك الأثناء كان مروان بن محمد قد بلغ فلسطين وهو يغذ السير إلى مصر، فجاءت أوامر الخليفة أبي العباس بأن يتولى عبد الله بن علي ولاية الشام، بينما يستمر عمه الآخر صالح بن علي في مطاردة مروان بن محمد الذي كان طريقه يسير من فلسطين إلى سيناء إلى الصحراء الشرقية إلى الجيزة على الضفة الغربية من النيل، وكان صالح بن علي في مطاردته بكل الحزم والإصرار، ووقعت أحيانا مناوشات بين فرق من العباسيين مع فرق من الأمويين انتصر فيها العباسيون بطبيعة الحال، ثم استطاعت سرية يقودها عامر بن إسماعيل أن توقع بمروان بن محمد مع مجموعة من فرسانه فدرات بينهما معركة قُتل فيها مروان بن محمد (27 ذي الحجة 132 هـ) في قرية "أبو صير" التابعة الآن لمحافظة بني سويف في مصر.
وبمقتل مروان بن محمد انتهت الدولة الأموية الكبيرة.. إلى الأبد!
نشر في ساسة بوست 

كناية عن بقاء الدولة حتى يوم القيامة ونزول عيسى بن مريم (الذي هو من علامات الساعة الكبرى). أبلغ إليَّ: المراد أصابني إصابة قوية ومحكمة.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 19, 2015 12:20

March 18, 2015

سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (5)

اقرأ أولا: سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (1) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (2) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (3) سياط الفيلسوف على ظهور العسكر (4)
(21)
"وهنا نتساءل: لماذا نجح هذا الانقلاب، وبهذه السهولة المذهلة؟
والجواب عندي أن ذلك تم لسببين: الأول هو المفاجأة التامة من جانب المدبرين، وانعدام العزم عند الحاكمين.
إذ لم يخطر ببال القائمين بالحكم أن يحدث انقلاب عسكري في مصر، لأن مصر ليست مثل العراق أو سوريا، هذين البلدين العربيين اللذين توالت فيهما الانقلابات العسكرية... ذلك أن مصر تمتاز بالاستقرار والتزام الطاعة والتمسك بالشرعية. والدليل على ذلك أنه منذ حركة أحمد عرابي في سنة 1882 لم يحدث انقلاب عسكري إلا بعد ذك بسبعين عاما؛ ومنذ انقلاب سنة 1952 لم يحدث أي انقلاب عسكري حتى الآن (سنة 1986)، بينما وجدنا في سوريا الانقلابات تتوالى بمعدل واحد كل أربعة أشهر، وفي العراق بمعدل واحد كل خمسة أعوام. ولهذا أيضا حاولت الثورة في مصر أن تتظاهر بالشرعية باستمرار، فتتخذ إجراءاتها الانقلابية على شكل قوانين ومراسيم قانونية شكلا على الأقل: هكذا فعلت ثورة 23 يوليو من قيامها حتى اليوم. فهي لم تصادر العقار والمال، بل أصدرت قوانين تؤدي إلى مصادرة العقار والمال، وهي لم تقتل أحدا، بل أصدرت قوانين بموجبها تعدم خصومها.
أما انعدام العزم عند الحاكمين فأمره بيِّن. وأي عزم يمكن أن يوجد عند ملك لا همَّ له إلا انتهاب اللذات: لذى جمع المال، ولذة النساء، ولذة الكسب في القمار... ولو كان عند فاروق أو عند أعوانه ذرة من العزم لقُضِي على الحركة التي قامت في ليلة 23 إلى 24 يوليو بمنتهى السهولة: الحركة التي قام بها ثمانون ضابطا موزعون بين مختلف الأسلحة والأماكن، بين أكثر من عشرة آلاف ضابط! لو كان فاروق قد حرَّك الحرس الملكي، لكان وحده كافيا للقضاء على الحركة في مهدها، ولانفضَّ عن القائمين بها كل من انتسب في الخفاء إليها. إن هؤلاء العشرة آلاف ومن وراءهم من الجنود لم يتحركوا لأن أحدا لم يأمرهم بالتحرك، ولم يجدوا من المسؤولين أية مقاومة، فتركوا الأمور تأخذ مجراها دون أدنى اهتمام"(22)
"كانت وزارة علي ماهر (أول وزارة شكلت بعد انقلاب يوليو 1952) مؤلفة كلها من وجوه جديدة تتسم بالتفاهة في الفهم السياسي وانعدام الماضي السياسي في النضال والعمل الوطني. ولا أدري من ذا الذي أشار على علي ماهر بهذه الأسماء الشاحبة؛ فإن كان الذي أشار هم القائمين بالانقلاب، فلا بدَّ أن ذلك كان عن خطة ماكرة خبيثة أريد منها إثبات تفاهة المدنيين حتى أولئك الذين لم يتولوا الحكم من قبل تمهيدا لتولي العسكريين لإدارة كل الوزارات.
لهذا سقطت وزارة علي ماهرة هذه بعد شهر و13 يوما، سقطت عن جدارة واستحقاق. وكُلِّف علي ماهر بتشكيل وزارة جديدة أشد تفاهة وعجزا من الوزارة السابقة، ولم تمض ساعة واحدة على حلف وزرائها اليمن القانونية حتى أُسقطت، وتولى اللواء محمد نجيب رئاسة وزارة جديدة في 8 سبتمبر سنة 1952... والواضح أنها كانت وزارة غريبة التشكيل كأنها ثوب المهرج: قطع مهلهلة وأخرى جديدة وثالثة باهتة. وما لبث هذا الثوب الغريب أن تمزق، فشكَّل محمد نجيب وزارة ثانية في أوائل ديسمبر 1952، ثم وزارة ثالثة في مايو 1953. فكانت هذه الوزارات كلها كالعرائس في مسرح العرائس، يحركها ويشد خيوطها في استخفاف قاسٍ أعضاء مجلس قيادة الثورة الاثنا عشر وكان قد تشكل وصارت له السيادة القانونية في أوائل شهر سبتمبر. وكان الصراع شديدا بين هؤلاء الاثني عشر"(23)
بعد أن أطال بدوي في ذكر لجنة الدستور التي شُكِّلت من رموز فكرية وقانونية مصرية وفي النقاشات التي دارت فيها، والتي كان هو أحد أعضائها، والمواد التي تكفل الحريات التي أثبتوها فيه، قال: "وقد جاء عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة في دستورهم الذي أصدروه في يناير 1956 فصادروا كل هذه الحقوق والحريات مصادرة تامة، وأحلوا مكانها القيود التي نسفت حقوق المصريين وحرياتهم"(24)
"وكان مجلس قيادة الثورة قد قرر في يومي 4، 5 مارس سنة 1954 حلَّ نفسه وعودة الجيش لثكناته وإعادة سلطات محمد نجيب إليه. وهذه القرارات اتخذها أعضاء مجلس قيادة الثورة مرغمين نظرا لشعبية محمد نجيب وتأييد عامة الشعب له منذ الثاني والعشرين من فبراير سنة 1954 حينما وقع النزاع بينه وبين جمال عبد الناصر ومن معه. لكنهم في الوقت نفسه دبروا خطة لإفساد هذا الإجراء مستعينين بسلاح المدفعية في الجيش، وبعمال النقل العام، وقد رشوا رئيس نقابة النقل العام، وكان يدعى الصاوي أحمد الصاوي، بمبلغ ثمانية آلاف جنيه – كما اعترف بذلك صلاح نصر في مذكراته (جريدة المصور في يناير – فبراير سنة 1986). فتمخض ذلك الصراع عن تصالح وهمي وعلى دغل، وتربص بين محمد نجيب من ناحية، وعبد الناصر ومن معه من ناحية أخرى.
ولم يتبين آنذاك هل كان نجيب يريد النظام الرئاسي أو النظام البرلماني في الحكم. أما عبد الناصر ومن معه فلم يكونوا يريدون هذا أو ذاك، بل كانوا يتآمرون فقط للإطاحة بمحمد نجيب"(25)
"إن المفهوم الصحيح للقانونية (أو الشرعية) ليس هو أن يُحكم الناس وفقا للقانون أيا كان هذا القانون. وإلا فإن في وسع أي ديكتاتور أن يصدر أشد القوانين استبدادا بالطرق القانونية أعني عن طريق البرلمان الذي يتحكم فيه، وبموجب السلطات الممنوحة له بحكم الدستور... وإنما القانونية الصحيحة هي مطابقة القانون لحقوق الإنسان الأساسية. وأي دستور أو قانون يخالف أو ينتقص من هذه الحقوق هو باطل بطلانا أساسيا.
إن القانون هو مجرد صيغة شكلية؛ ولا عبرة بالشكل، بل العبرة دائما بالمضمون. فإن اتفق المضمون على حقوق الإنسان الأساسية كان سليما واعتبرت قانونيته؛ أما إن خالف في مضمونه حقوق الإنسان الأساسية فإنه قانون ظالم باطل لا يُعتبر بقانونيته.
ومن يحكم باتفاق أو مخالفة لحقوق الإنسان الأساسية هو المحكمة العليا أو المجلس الدستوري المكفول لأعضائهما كل الضمانات التي تحميهم ضد رئيس الجمهورية وضد المجلس التشريعي. ويجب ألا يصدر قانون عضوي إلا بعد عرضه على المحكمة العليا أو المجلس الدستوري لتقرير أنه موافق لحقوق الإنسان الأساسية. والقانون العضوي هو القانون الذي يتعلق بهذه الحقوق تعلقا جوهريا"(26)
"ما من مستبد طاغية في العصر الحاضر إلا وادعى أن ما يصدره من قرارات وقوانين إنما هو لـ "مصلحة الشعب".
فباسم مصلحة الشعب صادر عبد الناصر الأموال والعقارات الزراعية والعمائر المشيدة والأسهم والسندات، ثم بدد هذا كله على "مخابراته" ومغامراته المخفقة في اليمن وسائر البلاد العربية وعلى المرتزقة في وسائل الإعلام، وكل هذا في سبيل تمجيد شخصه، و"مصلحة الشعب" من هذا كله براء.
وباسم "مصلحة الشعب" صادر حريات الناس جميعا وأنزل بهم شتى صنوف العذاب، واعتقل عشرات الآلاف من الأبرياء، وكل هذا كان إشباعا لأحقاده ومن أجل الاستئثار وحده بكل سلطة ولإذلال الجميع وإخضاعهم. فأين هذا كله من "مصلحة الشعب"؟!
وباسم "مصلحة الشعب" جرَّ البلاد إلى حربين مدمرتين (حملة السويس 1956، وحرب الأيام الستة في يونيو 1967) بسبب حماقته وخرقة تصرفاته واندفاعه الأهوج دون تبصر، فقُتِل الآلاف من الجنود ومن المدنيين، ودُمِّرت مرافق عديدة، وبُدِّدت على الأسلحة أموال لا تحصى – فهل قتل آلاف المصريين في هاتين الحربين كان لـ "مصلحة الشعب"؟! وهل ضياع كل هذه المرافق والعتاد والأموال قدّم "لمصلحة الشعب"؟!!
وباسم "مصلحة الشعب" أغلق حدود مصر على أهلها، فمنع المصريين من الخروج من مصر طلبا للرزق، فأضاع عليهم فرصا عديدة جدا وعظيمة جدا للكسب بالعملة الصعبة خصوصا في تلك السنوات التي كانت فيها أبواب دول النفط وأمريكا وكندا واستراليا مفتوحة على مصاريعها لاستقبال العاملين – فهل كان إفقار المصري وحرمان مصر من هذه المزايا في "مصلحة الشعب"؟!
والقائمة طويلة تستغرق عدة صفحات من هذه القرارات والتصرفات التي أصدرها عبد الناصر باسم "مصلحة الشعب"، فقضى بها على مقدرات هذا الشعب المصري المسكلين، الذي كانت تُساق غوغاؤه في مظاهرات كاذبة مفتعلة لتأييد هذه القرارات "الشعبية" كما كان حملة مباخر عبد الناصر يُسَوِّدون صفحات جرائده الهزيلة لإحراق البخور حول هذه القرارات "بصراحة"[قلتُ (إلهامي) هو ها هنا يعرض بمحمد حسنين هيكل الذي كان عنوان عموده "بصراحة"]

سيرة حياتي 1/328، 329. سيرة حياتي 1/330، 331. سيرة حياتي 1/338. سيرة حياتي 1/341، 342. سيرة حياتي 1/345، 346. سيرة حياتي 1/350، 351.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 18, 2015 08:02

تقدير موقف - اتجاهات الحل أمام لإسلاميين في مصر

في ظل انسداد آفاق الحل الذي يرضي الطرفين المتصارعين في مصر، يبدو الجميع سائرا باتجاه الحلول الصفرية، فالضمان الأهم للسيسي ونظام العسكر الحالي هو إنهاء الإسلاميين، ولا يستطيع الإخوان ومن ورائهم الإسلاميون والثوريون أن يقبلوا بحل يضمن بقاء السيسي في المشهد. وطالما لم تتطور الأمور نحو الاضطراب الحقيقي في مصر فلا يتوقع أي نوع من التدخل الدولي. ضعف الإسلاميين وعدم استعدادهم ولا إعدادهم المسبق لخوض حرب مع الدولة يجعلهم في وضع المفعول به، وهو ما يسمح للنظام العسكري بمزيد من الوقت للتصفية كما يجعل حركة المقاومة في مصر ضعيفة ومشتتة وذات خبرات محدودة وربما تنتظر دخول عنصر جديد على الخط، ربما من التيار الجهادي الذي يزيد من رصيد تجاربه في سوريا وليبيا والعراق واليمن وغيرها. إلا أن هذه المحاولة ذاتها تتخوف من "الحاضنة الشعبية" في مصر.
هذه محاولة لتفكيك الصورة العامة المشتبكة، من وجهة نظر التيار الإسلامي، تتناول الآتي:
         المشهد الإقليمي:
1.    العلاقات مع السعودية2.    العلاقات مع إيران3.    العلاقات مع تركيا4.    العلاقات مع ليبيا5.    العلاقات مع حماس6.    العلاقات مع قطر
مستقبل المنطقة:
1.    مشهد الشام والعراق2.    القوى الإقليمية (إيران، تركيا)3.    المنطقة ضمن المشهد العالمي4.    الاتجاهات الإسلامية
اتجاهات الحل:
1.    الحلول الوسط وآفاق المبادرات2.    الحلول الجذرية وآفاق المخاطر

(1)المشهد الإقليمي
ما يستفاد من التقارير الغربية المنشورة في مراكز الأبحاث وبعض المواقع والصحف الجادة أن أمريكا ترفع يدها تدريجيا عن التدخل في التفاصيل، وربما تسلم إيران مهمة "شرطي المنطقة"، أو أنها تريد الحفاظ على التنازع بين محورين في المنطقة؛ الأول: تقوده إيران ويشمل الإمارات والعراق وسوريا ولبنان واليمن، والثاني تقوده تركيا ويشمل السعودية وقطر وباقي دول الخليج. والنزاع الآن بين المحورين قائم على مصر، التي ستعطي ثقلا كبيرا لأي المحورين إن انضمت إليه، خصوصا بعمقها البشري والثقافي، مع بقاء دور الجيش في الحفاظ على إسرائيل وعلى كونه الفاعل الأقوى في المشهد المصري.
وهنا نشير إلى مجمل التطورات الحادثة في المنطقة من وجهة نظر النظام المصري.
1. 1: العلاقات مع السعودية
لا ريب أن علاقات نظام الانقلاب العسكري مع السعودية تتراجع جزئيا، والأدلة الصريحة على ذلك حاضرة في غياب ذكر السعودية من عبارات الشكر التي وجهها السيسي في خطابه الأخير (1/3/2015)، وتناول بعض الإعلاميينوقد صرح سفير النظام في اليمن –بعد سيطرة الحوثي- بأن العلاقات مع الوضع الجديد في اليمن متميزة وأن صنعاء تشهد حالة من الأمان، لكن يبدو أن غضبة سعودية جعلت مصر تغلق سفارتها في صنعاء بعد يومين من هذا التصريح.
1. 2: العلاقات مع إيران
ليس ثمة علاقات علنية واضحة بين النظام في مصر وبين إيران، لكن كلما ذُكِر الإرهاب وذُكِر تنظيم الدولة كان النظام في مصر صريحا في دعم موقف الحكومة العراقية، وقد حدثت زيارات متبادلة بين مسؤولين عراقيين إلى القاهرة ومصريين إلى بغداد، مما يعني أن العلاقات مع إيران تتغطى بالعلاقات مع العراق.
ثم كادت تفتح طريق جديدة مع نظام الحوثي في اليمن، لولا أن غضبة سعودية –فيما يبدو- سارعت إلى المشهد فدفعت النظام المصري إلى إغلاق سفارته في اليمن.
1. 3: العلاقات مع تركيا
بدت الحالة في تركيا تشير بقوة إلى بدء علاقات بين النظام التركي وبين نظام الانقلاب، وتوج هذا بتصريح مشهور لنائب رئيس الوزراء التركي، والتضييق التركي على الحالة المصرية في تركيا، وصار مشهورا أن القنوات التي تبث من تركيا ستغلق. لكن وفاة عبد الله (23 يناير) ثم التطور النوعي في الثورة المصرية (25 يناير) أعادت العلاقات إلى الواقع القديم: القطيعة السياسية الكاملة.
1. 4: العلاقات مع ليبيا
العلاقة المصرية الليبية منهارة، وقد بدأ هذا في التدرج منذ الاعتراف ببرلمان طبرق وحكومته ودعمها بالسلاح والتدريب العسكري، ثم حشد الدول الإقليمية للاعتراف بها كما في اجتماع وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر، ثم بلغت الأمور ذروتها بالقصف الجوي المصري المعلن على درنة، وبشكل معلن فإن مصر هي الدولة الوحيدة التي تؤيد توجيه ضربة عسكرية لليبيا، وطلبت هذا من مجلس الأمن، ثم انضم لها في هذا الموقف الأردن والإمارات.
1. 5: العلاقات مع حماس
تفيض المصادر والتقارير الإسرائيلية بالثناء على السيسي وسياسته تجاه قطاع غزة وحركة حماس، وكان تتويج هذا بالأحكام القضائية المختلفة التي اعتبرت كتائب عز الدين القسام منظمة إرهابية (يناير 2015)، ثم حركة حماس نفسها منظمة إرهابية (28/2/2015). لكن هيئة قضايا الدولة –ممثل الحكومة المصرية قضائيا- تقدم بطعن على هذا الحكم بتاريخ (11/3/2015). وربما كان هذا بضغط سعودي بعد أن تغيرت السياسة السعودية تجاه حماس.. إلا أن الثابت والاستراتيجي هو العداء المتبادل بين النظام العسكري وبين المقاومة في قطاع غزة، وهو ما تعبر عنه سياسة الحصار والإغلاق الدائم لمعبر رفح.
1. 6: العلاقة مع قطر
ليس من شك في أن العلاقات المصرية القطرية تعتبر في حكم المنهارة بعد موت الملك عبد الله، ومتابعة أرشيف الأخبار والتصريحات المتبادلة تشير إلى أن النظام القطري يزيد في تعميق الأزمة ويذهب بها نحو القطيعة، ويفسر هذا بالتنافس الإماراتي القطري على النفوذ في مصر، كما يُفسر أحيانا ببحث قطر عن مكان في مصر لا يستطيع النظام الحالي توفيره. فيما يحاول النظام المصري شراء الود القطري بثمن لا يُزعج الإمارات فيما يبدو، مع استشعاره الخطر منها في ملف دعم الإسلاميين الذي يهدد وجوده. وكانت قناة الجزيرة هي الصوت الأعلى في إبراز التسريبات الخاصة بدول الخليج ومنحها مساحة واسعة من التغطية أكبر بكثير مما فعلته القنوات السعودية.

(2)مستقبل المنطقة
تزخر المنطقة بكثرة البؤر الساخنة والمناطق الملتهبة، وكثير من المناطق التي لا تعاني مشكلة مشتعلة فإنها تنذر باشتعال قريب، حتى إنه ليصعب تحديد منطقة في العالم العربي محصنة من أن تتحول إلى منطقة مشتعلة في السنوات القليلة المقبلة.
هذا وإن كان يمثل عبئا كبيرا في نفسه ومسؤولية كبرى على أصحاب الرسالة وأهل الرأي وقيادات الحركة الإسلامية، إلا أنه يعبر عن مزية وفرصة تاريخية لحالة خروج الأمة –في قلبها العربي لا في الأطراف البعيدة- من حالة الوهن والغثائية، وتطلعها إلى تغيير واقعها، فهي فرصة بقدر ما هي مسؤولية على عاتق الكيانات الدعوية والإصلاحية والثورية جميعا.
وذلك أن استقرار الوضع على ما كان عليه إنما يصب في مصلحة أعداء الأمة لا في مصلحة الأمة، بخلاف حالة السيولة والتغير والفوران التي لا يمكن لأحد مهما كان التحكم فيها ولا تحديد نتائجها على وفق إرادته.
2. 1: مشهد الشام والعراق
يبدو مشهد الشام والعراق الأكثر التهابا وسخونة، والمرشح الأكبر للانفجار ولتغير صورة المنطقة، وتتوقع التقارير الاستخبارية والاستراتيجية أن تكون هي محطة التغيرات المستقبلية في المنطقة.2. 1. 1: ظاهرة غياب الحسمالمتركزة أساسا في منطقة الشام والعراق، والتي تشهد انهيار "الدولة القومية" التي وضعها الاستعمار الأنجلو فرنسي لتتحول إلى النموذج اللبناني (توزع مراكز القوى على مجموعات دينية أو طائفية أو عرقية أو قبلية).. لكل قوة مركز لا يمكن هزيمتها فيه ولا تستطيع التمدد خارجه:-       حزب الله يستند إلى الشيعة في جنوب لبنان-       البشمركة للأكراد في الشمال-       الإسلاميون في ليبيا في برقة-       داعش إلى العرب السنة في المشرق2. 1. 3: التيار الجهادي مرشح للتمدد
المرشح الوحيد للتمدد خارج الحدود هو الجماعات الجهادية السنية، لانتشار العرب السنة على مساحة واسعة جغرافيا، وسيؤثر هذا على الدول التي استقر فيها نظام الدولة القومية لا سيما إن بدت قبضة الدولة تتراجع أو تعاني ضعف الشرعية (سيناء في مصر، وربما المنطقة الشرقية في السعودية).
المحصنون من هذا التغير هم تركيا وإيران بشكل أساسي، لانغلاق ثقافتهما (اللغة وشعبية النظام في تركيا، واللغة واختلاف المذهب في إيران) وبالجملة فالحلول المطروحة بقوة ضمن التقارير المنشورة هي عدم التدخل العسكري الأجنبي المباشر، وإنما تدريب وتمويل القوات العراقية أو قوات المعارضة السورية "المعتدلة" أو دفع الأتراك أو العرب للحرب للقضاء على التيار الجهادي في سوريا والعراق 2. 2: القوى الإقليمية (إيران، تركيا)
باتفاق جميع التقارير، ليس في المنطقة سوى إيران وتركيا كقوى إقليمية، ويأتي بعدهما بكثير: مصر والسعودية إذا تحققت شروط تبدو عسيرة في المدى المنظور لما تعانيه البلدان من حالة غير مستقرة.2. 2. 1: تركيامَثَّل موت الملك السعودي فسحة كبرى للنظام التركي الذي كان فيما قبل هذه اللحظة يعاني وضعا صعبا في كافة الملفات: ففي الملف المصري سار نظام أردوغان في معاداة السيسي إلى حد جعل الرجوع في غاية الصعوبة، وفي الملف الليبي عانى النظام الليبي المدعوم من قبل تركيا من أزمة حفتر ثم أزمة عدم الاعتراف الدولي به والاعتراف بشرعية برلمان طبرق، مع التأزم القائم في الملف السوري، وفي العلاقات الخليجية ما عدا قطر.
كذلك فإن أمريكا والاتحاد الأوروبي ظهرا طوال الفترة الماضية وكأنهما يتعمدان إهمال تركيا وعزلها، فتراجع عدد السياسيين والزوار الدبلوماسيين إلى تركيا بشكل لافتصحيح أن تركيا تتمدد خارج هذا الإقليم، لدى جمهوريات آسيا الوسطى، والآن في إفريقيا –وتحديدا في الصومال- إلا أن هذا بعيد عن المنطقة وتأثيراتها.
لكن تغير السياسة السعودية (وبالتالي البحرينية، وبشكل أقل الكويتية، ثم بشكل أقل: العُمَانية) تمهد لصناعة ما يراه المحللون محورا جديدا في المنطقة يصل بين قطر والسعودية وتركيا في مقابل المحور الإيراني العراقي السوري الإماراتي وربما المصري والأردني أيضا.
ونزاع هذين المحورين سيتركز في: سوريا، اليمن، مصر، ليبيا بشكل أساسي.. فيما قد يتفق المحوران في الملف العراقي للقضاء على "تنظيم الدولة".
وثمة رغبة إسرائيلية واضحة في توريط تركيا في الحرب مع تنظيم الدولة الإسلاميةوفي هذا الأسبوع استقبلت إيران وزير خارجية الأردن، واستقبلت العراق وزير الدفاع التركي، بالإضافة إلى تصريح مستشار روحاني بأن فارس قد عادت كما كانت في التاريخ امبراطورية وعاصمتها بغداد (وهذا يفيد ضمنا بأن بغداد لم يعد ينازع عليها إيرانَ أحدٌ).2. 2. 2: إيرانظاهرة التمدد الإيراني صارت حقيقة لا جدال فيها، ولكن تختلف التحليلات حول ما إذا كان هذا دليل قوة وتوسع، أم هو دليل ضعف وتراجع لأن القوات الإيرانية دخلت تقاتل بنفسها في كل من العراقبينما يمثل الوضع اليمني تمددا قويا للدولة الإيرانية ومشروعها في المنطقة.
وتبدو الجبهتان –البحرينية والشرق سعودية- هادئتان في هذه الفترة، فيما يتوقع كاتب هذه السطور اشتعال أحدهما أو كليهما في الفترة المقبلة في إطار النزاع الإيراني السعودي، ومحاولة إيران توسيع نفوذها.
ولا تخفي بعض التصريحات الإيرانية هذا التمدد، فمنذ سقطت صنعاء بيد الحوثيين قال مسؤول إيراني بأنها العاصمة العربية الخامسة التي صارت تابعة لإيران، كما صرح علي يونسي (9/3/2015) مستشار الرئيس الإيراني روحاني بأن إيران عادت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد.
وتتوقع تقارير كثيرة قرب التوصل لاتفاق بشأن السلاح النووي الإيرانيويتوقع تقرير متخصص في الشأن الإيراني أن إيران قد تتنازل أكثر –عمليا لا علنيا- فيما يخص القضية الفلسطينية، ويرصد وجود تحول في الخطاب الإيراني بشأنها 2. 3: المنطقة ضمن المشهد العالمي
يتوقع تقرير المخابرات الأمريكية (2030) تراجع القوة الأمريكية وتنامي القوة الصينية، ومن ثم سيتغير النظام العالمي نحو بنية جديدة، مع بقاء القوة الأكبر لصالح أمريكا، وهي التي ستكون صاحبة النفوذ في المنطقة العربية، بينما ستتقاسم هي والصين النفوذ في آسيا. لكنها لن تلعب في كل النزاعات دور "شرطي" العالموبشكل عام فإن التقارير والتحليلات ترجح أن أمريكا لن تتدخل بريا في أي صراع قادم طالما لم يهدد: أمن إسرائيل، أو منابع النفط، أو أمن أوروباوثمة مقترح إسرائيلي خلاصته أن أخطر شيء يمكن أن يفعله الغرب في المنطقة هو تعزيز الديمقراطية، ويقترح بديلا عن ذلك أن يسمح بتنمية اقتصادية (= تكبير وتقوية ودعم النخبة الطبقة الرأسمالية الملتصقة بالغرب) في الشرق الأوسط، وإن كان ولا بد فبعض الحريات والإصلاحات السياسية المحدودة من خلال حكومات ذات توجه ليبرالي أو شبه ليبرالي. مع الاعتراف بأن مشكلة الشرق الأوسط عميقة ومعقدة ولن تحل غدا وليس فيها خيارات صحيحة واضحة2. 3. 1: الضعف الاقتصادي
وهذا سينتج عن عدد من العوامل أهمها:
-       ضعف دور النفط الذي ستتصدر أمريكا قائمة الدول المنتجة له، وتوفر مصادر بديلة للطاقة.-       تنامي الطلب على الماء والغذاء (وهي سمة عالمية) لكن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديدا ستعاني من موجات من التصحر وضعف في الموارد2. 3. 2: الأزمة الاجتماعية
ستنتج هذه الأزمة عن عدد من العوامل يرصدها تقرير المخابرات الأمريكية أهمها:-       اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء داخل البلاد العربية.-       تنامي موجة الهجرات الداخلية والخارجية، مما سيؤدي إلى فجوة بين الحضر والريف أو البادية. كما سيؤدي إلى سوء معاملة المهاجرين وانتهاك حقوقهم.-       تنامي النزعات العرقية.-       زيادة عدد الشباب في الدول العربية (خصوصا اليمن وفلسطين والأردن) مع ضعف الموارد 2. 4: الاتجاهات الإسلامية
يتوقع تقرير المخابرات الأمريكية أن يتنامى حجم وقوة التيارات الدينية "المتطرفة" (من وجهة النظر الأمريكية)، خصوصا في مصر. ويقول التقرير بأنه بقدر ما فشلت الدولة في إدارة البلاد بقدر ما تعظم قوة الحركات الدينية، ويتوقع التقرير أن يزيد فشل الدولة وتزيد قوة الحركات الدينية.
كما يتوقع التقرير قدرة هذه الحركات على امتلاك أنواع من الأسلحة النوعية، خصوصا في المجال الإلكتروني والبيولوجي، كما يتوقع أنه بحلول عام 2030 سيتراجع "الإرهاب الإسلامي" لكنه لن يموت.
ويخلص التقرير إلى أن مستقبل المنطقة سيعتمد على:
-       طبيعة التوجهات للحركات الإسلامية-       مدى ضعف الحكومات-       تنامي النزاعات الإثنية-       امتلاك إيران لسلاح نووي-       انخراط الإقليم في العولمة
تسوية النزاع العربي-الإسرائيلي، ورغم تضاؤل عوامل التسوية في القضية الفلسطينية إلا أن التقرير يرجح قيام دولة فلسطينية في حدود عام 1967 (إلى حد ما) ***
ومن وجهة نظر كاتب هذه السطور فإن توقع الأمريكان واعترافهم بتراجع دورهم وقوتهم هو في ذاته فرصة ممتازة لكل صاحب مشروع ورسالة. بينما تكمن الخطورة في أن هذه الظروف (زيادة دور الدين، وضعف دور الدولة، واحتمالية تنامي حركة إسلامية "متطرفة") توحي بأن التوقع القادم هو أن تُستعمل "حركة إسلامية معتدلة" في احتواء الآثار السلبية (على الأمريكان) من تنامي المد الإسلامي.



(3)اتجاهات الحل
بشكل عام يُلاحظ في الصحافة الغربية والأمريكية هجوما متكررا على السيسي، لا يعني هذا شيئا ذو بال دائما، لكن المتكرر فيها بشكل يلفت النظر هو التخوف من إعادة إنتاج الثورات أو الحركات الجهادية نتيجة لاستبداده. ولا ينفي هذا بطبيعة الحال أن ثمة تقارير أخرى تدعو للاعتماد عليه وترسيخ حكمه. وما يجمع بين هذه التقارير هو اهتمامها بدعم الاقتصاد المصري لا من خلال تحسين الوضع العام بل من خلال زيادة مساحة الاستثمارات الأجنبية وحرية التجارة 3. 1: الحلول الوسط وآفاق المبادرات
فيما قبل وفاة الملك عبد الله لم تكن ثمة مبادرات حقيقة مطروحة للوصول إلى حل وسط، والآن تشير كثير من التقارير إلى أن تغير السياسة السعودية سيمكن المحور السعودي التركي القطري من تحريك الملف المصري نحو مبادرة حقيقية، تصنع نقطة صفر جديدة للنظام السياسي المصري ليعود الإخوان كمشارك في النظام من خلال تمثيل برلماني وبعض الوزارات، وأقصى حالات هذا الوضع أن يعود مرسي نفسه في ظل تفاهم جديد على الصلاحيات بينه وبين العسكر وبين النخبة العلمانية. والحد الواضح الذي ترسمه التقارير هو انتهاء الثورة المصرية وصياغة وضع جديد لا يُعد انتصارا للثورة ولا هزيمة للعسكر.3. 1. 1: الموقف السعودييرجح تقرير مركز ستراتفور الاستخباراتي –ويسنده في هذا تقارير أخرى-       نظام الحكم السعودي ملكي بينما التصول الإخواني للنظام السياسي جمهوري-       اعتماد السعودية على الحالة السلفية وهو الأفضل بالنسبة لها.
كما يجمل الأسباب التي تقوي وجهة النظر القائلة بأنه احتواء بـ:
-       الحاجة لمقاومة الخطر العاجل: تنظيم الدولة الإسلامية، وقد حدث سابقا أن احتوت السعودية الإخوان لمواجهة المد اليساري الذي كان يمثله عبد الناصر.-       التحالف الحقيقي مع الإخوان يترتب عليه مخاطر ليست السعودية على استعداد لتحملهاكذلك فإن ثمة تصريحات أمريكية من مسؤولين وصحف مشهورة بأن الملك الجديد "مصلح ومستعد تماما لتحمل المسؤولية" وأنه "معتدل على نهج سابقه عبد الله" 3. 2: الحلول الجذرية وآفاق المخاطر
الاتجاهان الكبيران للحلول الجذرية يتمثلان في: الانسحاب والاعتراف بالعجز عن خوض المعركة. أو تطوير التصعيد نحو المواجهة المسلحة بعدما ظهر أن الحراك السلمي لم يؤثر تأثيرا حاسما على بنية النظام ولم يدفع أي طرف دولي للتدخل لإعادة ترتيب المشهد فضلا عن إسقاط الانقلاب.3. 2. 1: الانسحابلا يسع قادة الحراك الحالي أن يعلنوا انسحابهم هكذا من طرف واحد، سيكون هذا إعلانا بالهزيمة من جانبهم، ونصرا كاملا لنظام الانقلاب العسكري، ولن يترتب على هذا أي مكاسب، بل سيحفز هذا النظام لارتكاب مزيد من الخطوات نحو تصفية "الإسلام السياسي" وطي ملفه تماما.
ومن ثم فإن التفكير في الانسحاب يستوجب التفكير في "أفضل الطرق لتنفيذ الانسحاب"، ومن وجهة نظر كاتب هذه السطور فإن قرار الانسحاب لا بد أن يسبقه قرار بالتصعيد يُفضي إلى جلوس الأطراف على مائدة التسوية لتحقيق الانسحاب بأفضل طريق، تماما كما صنع سيدنا خالد بن الوليد في معركة مؤتة، فلقد اتخذ قرارا بالانسحاب من المعركة ولكنه مهد له بهجمة واسعة قوية وإيهام العدو بأنه قد جاءت له الأمداد وتغييرات واضحة في وجوه قادة الجيش، حتى إنه لما انسحب ظن الروم أنه كمين فلم يتبعوه حتى وصل إلى المدينة.
فسواء تحركت مبادرة ما من دولة أو من نظام نحو تحقيق التسوية، أو لم تكن ثمة مبادرة على الإطلاق، فإن الحراك السياسي لن يكون جزءا من أطراف التفاوض والتسوية إلا إذا صعَّد من حركته على الأرض إلى الحد الذي يجبر أي مبادرة على الاستماع له كطرف (لا إجباره واتخاذ وجوده في تركيا وقطر كوسيلة ضغط عليه من هذه الأنظمة أو غيرها) أو تحسين شروط التسوية إن كان ثمة مبادرة في الأفق.
وساعتئذ يكون هذا التصعيد هو خطوة تكتيكية من أجل الانسحاب.
3. 2. 2: المواجهة المسلحة / الفوضىقرار التصعيد نحو المواجهة المسلحة أو الفوضى هو القرار الحاسم في إنجاح الثورات أو إزالة الانقلابات بطبيعة الحال، ولكن كلفته عالية، وبين هذين العاملين يعمل القادة على التخطيط والنظر والحركة.
وبالنظر العام لمصلحة الأمة على المدى البعيد، فإن كل تفكيك للدولة المصرية ومؤسساتها يصب في مصلحة الأمة، وكل فوضى في مصر هي –رغم تكلفتها العالية على الناس- مضرة بالعدو أكثر من إضرارها بالأمة، لأنها تفلت البلاد من سيطرته وتفكك منظومته التسلطية: العسكرية والأمنية والاقتصادية. ثم إن عدو الأمة سيلجأ إلى حل الفوضى هذا إن عنَّ له أن البلاد تخرج من سيطرته إلى سيطرة الإسلاميين، ومن ثمَّ فإن مرحلة الفوضى هي مرحلة ستقبل عليها الأمة في كل الأحوال، إن بيدها أو بيد عدوها.
وأما النظر القصير وتقدير الإمكانيات ورسم التكتيك فهذا أمر يخضع لتقدير موقف منفصل وأكثر تفصيلية.
يوسف الحسيني، على قناة أون تي في. مقالات جمال خاشقجي وعبد الرحمن الراشد، وتصريحات عضو مجلس الشورى السعودي بضرورة عودة مرسي (رابط) مقال "انقلاب في القصر السعودي" (رابط) ملامح العقد القادم، تقرير ستراتفور 2015 - 2025 ملامح العقد القادم، تقرير ستراتفور 2015 - 2025 ملامح العقد القادم، تقرير ستراتفور 2015 - 2025 مقال روبرت فورد (السفير الأمريكي السابق في سوريا) لمجلة الفورين بوليسي 9/3/2015.حوار مع نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق تشارلز فريليتش بتاريخ 3/3/2015 (رابط). تقرير جين بوين: انهيار الدولة الإسلامية لمجلة الاهتمامات الدولية بتاريخ 11/3/2015 (رابط) أصلي أيضن طاش باش: تغير في السياسة التركية، صحيفة ميللت 8/3/2015 – نقلا عن: الحياة اللندنية 11/3/2015. مقال روبرت فورد (السفير الأمريكي السابق في سوريا) لمجلة الفورين بوليسي 9/3/2015. حوار مع نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق تشارلز فريليتش بتاريخ 3/3/2015 (رابط) تقرير رويترز 8/3/2015 (رابط). تقرير رويترز 8/3/2015 (رابط). حوار مع نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق تشارلز فريليتش بتاريخ 3/3/2015 (رابط) مايكل جيرسون في مقال بعنوان "الفضيحة الحقيقية لرسالة نواب الجمهوريين لإيران" للواشنطن بوست بتاريخ 12/3/2015 (رابط) تقرير مركز الجزيرة للدراسات 2/4/2014 للباحثة المتخصصة في الشأن الإيراني فاطمة صمادي (رابط) تقرير المخابرات الأمريكية: الاتجاهات الكبرى العالمية 2030. ملامح العقد القادم، تقرير ستراتفور 2015 – 2025. حوار مع نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق تشارلز فريليتش بتاريخ 3/3/2015 (رابط) تقرير جيمس جاي كارافانو (خبير عسكري أمريكي) بعنوان "ما بعد أوباما" منشور بمجلة "ناشيونال انتريست" الأمريكية بتاريخ 10/3/2015. (رابط) حوار مع نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق تشارلز فريليتش بتاريخ 3/3/2015 (رابط) تقرير الفاينانشال تايمز "السيسي يبيع للعالم أوهام الاستقرار" بتاريخ 3/2/2015.تقرير جيمس جاي كارافانو (خبير عسكري أمريكي) بعنوان "ما بعد أوباما" منشور بمجلة "ناشيونال انتريست" الأمريكية بتاريخ 10/3/2015. (رابط) تقرير المخابرات الأمريكية: الاتجاهات الكبرى العالمية 2030. يديعوت أحرونوت 26/2/2015 (رابط) تقرير المخابرات الأمريكية: الاتجاهات الكبرى العالمية 2030. تقرير المخابرات الأمريكية: الاتجاهات الكبرى العالمية 2030. حوار مع نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق تشارلز فريليتش بتاريخ 3/3/2015 (رابط)تقرير الفاينانشال تايمز "السيسي يبيع للعالم أوهام الاستقرار" بتاريخ 3/2/2015.تقرير جيمس جاي كارافانو (خبير عسكري أمريكي) بعنوان "ما بعد أوباما" منشور بمجلة "ناشيونال انتريست" الأمريكية بتاريخ 10/3/2015. (رابط) تقرير رويترز 8/3/2015 (رابط). ملامح العقد القادم، تقرير ستراتفور 2015 - 2025 الاقتباس الأول هو تصريح السفير الأمريكي في السعودية غداة تولي سلمان الحكم، والثاني هو للواشنطن بوست. انظر تقرير الفورين بوليسي "التاريخ المشبوه للملك سلمان" 27/1/2015 (رابط)
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 18, 2015 03:14