محمد إلهامي's Blog, page 60

June 27, 2015

الاستعداد لرمضان.. قراءة في عقل حازم أبو إسماعيل

لئن كان محذورا أن نمدح أحدا بما ليس أهله أو نضع أحدا فوق مكانه، فمن المحذور كذلك أن نغمط أقدار الرجال وأن نحط من مكانتهم!
وعلى طول ما كتبت عن الشيخ حازم أبو إسماعيل من مدح إلا أن المستقر في يقيني، والله يعلم، أني لم أوفيه حقه، فلم يزل الرجل في ظني ورغم ما بلغه من شهرة طبقت الآفاق وما حازه من إعجاب غير مسبوق لا سيما بعدما صحت نظرته في العسكر ومآل الثورة.. أقول: لم يزل مجهولا لا يقدر حق قدره.
للشيخ حازم وجهان قليل من رآهما: وجهه كشيخ يسوق ويشرح معاني الدين وأفكاره، ووجهه كسياسي ظهر بعد الثورة فكان أحدَّ الناس بصرا وفهما بما حدث ويحدث، وها هي الحوادث قد صدَّقت ما يقول.
لقد عرفت الشيخ شيخا قبل أن أعرفه سياسيا، وكنت شديد الإعجاب به، أفكاره مبتكرة لم أسمعها من غيره، وتوجيهاته عميقة ومتقدمة، وقد دُهِشت حين عرفت أنه ينوي الترشح للرئاسة وظننته يريد مجرد رفع السقف من بعد ما كان المطروح حينها: أبو الفتوح وسليم العوا فقط، لكني منذ سمعت لقاءه الأول (كان مع عمرو أديب ومحمد شردي) إلا وأيقنت أن فهم الرجل في السياسة كفهمه في أمر الدين والشريعة.
***
لنأخذ على هذا مثالا بسيطا واضحا ومتكررا وكم أفاض الدعاة من الكلام فيه، وهو: الاستعداد لرمضان!
عادة ما يقوله الدعاة في هذا المقام وقبل حلول الشهر الكريم هو ضرورة الاستعداد له، الاستعداد بالإكثار من الصلاة والصيام والصدقة كي تتعود النفس على العبادة فتستطيع أن تبلغ في رمضان أقصى حالاتها دون أن يصيبها التعب أو الفتور.
أما الشيخ حازم فقد جاء بالجديد.. ومختصر ما جاء به هو الآتي:
إن الاستعداد لرمضان لا يكون أساسا بكثرة الصلاة والصيام وعبادات الجوارح، وذلك أن الإنسان إذا فعل ذلك فهو إنما يُحمِّل القلب عبئا مضافا، والقلب لن يحتمل هذا العبء إن لم يكن مستعدا ومنفتحا لهداية الله، فأما إذا لم يكن كذلك فإنه يسقط وينهار مع الإكثار من عبادات الجوارح التي لا يطيقها، ومن هنا يصاب المرء بالفتور بعد أيام أو حتى بعد انتهاء رمضان، حتى لتجد إنسانا قد اجتهد في العبادة في رمضان ثم يفوته صلاة الصبح لأول أيام شوال! وقد يحرص على صلاة العيد –وهي سنة- أكثر من صلاة الصبح وهي فرض.
لهذا، فإن الحل لا يكون في الإكثار من عبادات الجوارح، بل لا بد من إيقاظ القلب.. ذلك أن القلب الغافل، أو القلب المشغول بأمور الدنيا: الرزق، درجة في مجموع الدراسة، النظر إلى الآخرين، مطالب الأهل، مشكلات العمل، التعلق بالدنيا (والتعلق بالدنيا هو كل ما يهتم به المرء ويشغل باله، ولو كان قميصا يريد شراءه أو نوع أثاث يريده لبيته).. هذا القلب بهذا الانشغال ليس فيه متسع، ليس مستعدا ولا مهيئا ولا صالحا لتحمل عبادات الجوارح.والمسألة على الحقيقة ليست تهيئة الجوارح بل تهيئة القلب.. إيقاظ القلب!
وإيقاظ القلب لا يكون إلا بحلٍّ: فكري قلبي، أو بلفظ آخر: حل عقدي عبادي!
والحل الفكري هو أن أعلم يقينا أن كل ما في هذه الدنيا هي أمور بيد الله، يرسلها أو يقبضها، يعطيها أو يمنعها، وقد أخبر الله بوضوح أن هذا امتحان، فإذا رأيت جارا ثريا أو صديقا غنيا علمت أن هذا امتحان، قال تعالى {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة، أتصبرون؟!}، فإن الله ينزل ما يشاء {بقدر معلوم}، ولله في الرزق والعطاء وتقديره بين الناس عجائب ولطائف كثيرة.
لكن الحل الفكري وحده لن يكون مفيدا، لأن مجرد المعرفة العقلية الذهنية لا تغني شيئا، لا ينقذ الإنسان مجرد وجود المعلومة، بل ينقذه أن "يذوق" معناها، إن ثمة أناس يعرفون الإسلام ويستطيعون أن يتحدثوا عنه بفهم في منتهى الدقة، وهم مع ذلك لا يصلون لله ركعة!
ولهذا فينبغي أن تفعل الآتي:
1. انزل غدا إلى المستشفيات وانظر إلى أهل الابتلاء، أولئك كانوا يمتلئون تنافسا على الدنيا، ويحرصون على الكسب ويتابعون الأموال ويراقبون مؤشرات البورصة.. انظر حين يسقط هذا المرء في قسم العناية المركزة حين لا يملك من أمر نفسه شيئا وتتصل به الأنابيب والخراطيم.. هذه النظرة إلى هذا الإنسان هي التي تفرغ القلب من الانشغال بالدنيا وتوسع فيه مكانا لاستقبال العبادة.
2. انزل بعد غد واشهد واقعة "الدفن"، وتأمل كيف ترعى الحشرات في تراب القبور، وبينما تبكي الأم أو الزوجة أو الابنة فإنهم يدخلون هذا الميت إلى القبر الذي يرون الحشرات تسعى فيه ويغلقون عليه ويتركونه وهم يعلمون أنه معرض لهذا.. هؤلاء المقبورين كانوا ملء السمع والبصر، كانوا سادة بين الناس.
3. انظر بعد بعد غد إلى المآلات، تأمل فيمن فرغ من الجمال أو من الصحة، تأمل في حال ممثلة ذهب جمالها وصارت قعيدة في بيتها من بعد ما كانت تملأ الشاشات، أو إلى رجل ذهب عنه النفوذ فتغير حاله، ولقد رأيتُ (والكلام للشيخ حازم) رجلا يصفع بوابا لأنه لم يقم له حين مرَّ به، ثم رأيته بعد عشرين أو ثلاثين سنة وهو مقعد يسير على كرسي متحرك لا يؤبه له وهو يوزع الابتسامات على الناس يستجدي بها ودهم.
إن النظر إلى المآلات يُعَرِّف العبد أن كل ما في هذه الدنيا إنما هي عوارض كاذبة، أرسلها الله تعالى للعبد لفترة ليختبره بها ثم قبضها.
4. لقد أوصانا النبي بأمور لإيقاظ القلب، في ذات الوقت الذي كان منشغلا فيه بالجهاد وإقامة أمر الأمة ورفع شأن الدين وغيرها من الأمور الكبيرة، من هذه الأمور مثلا:
- تغسيل الموتى: لأن معالجة الجسد الخاوي موعظة بليغة!
- زيارة المبتلى والمريض والمحتاج
- النظر إلى الفقير والمسكين واليتيم
بهذه الأعمال يفرغ القلب ويتسع لاستقبال وتحمل العبادات في رمضان.
5. معايشة أنباء الآخرة تفصيلا، أن يعرف المرء من فعل كذا فدخل الجنة ومن فعل كذا فدخل النار ومن الذي زلت قدمه من على الصراط ومن الذي أوشك أن يلقى به في النار فجاء عمل من أعماله فأنقذه، من الذي كاد أن يشرب من يد النبي فحالت الملائكة بينه وبين النبي، من الذي كادت تلفحه النار فأنقذه عمل، من الذي أوشك أن يدخل الجنة فأغلقت دونه.. ذلك أن الانشغال بتفاصيل ما يحدث في شأن الآخرة هو الذي يفرغ القلب من شؤون الدنيا فيُوجَد في القلب متسع لاستقبال رمضان.
6. معايشة أنباء الصالحين، كي يخلص المرء من ضغط بيئته التي ليس فيها أحد سوى أصحابه وجيرانه الذين هم على ذات الشاكلة، ويكون هذا بقراءة الكتب أو بسماع الدروس عنهم.مهما حاول الإنسان أن يكثر من العبادة والقلب ممتلئ بالتورمات فلن يفلح في هذا!وسيواجهك في هذه المسيرة عدوّان:
-       الأهل والأولاد ومطالبهم التي تذكر بالدنيا، فلا بد أن تذيق من حولك ما تذوقه حتى لا تسير في طريق مُصَادَم.
-       أن ترتب كيف ستنفذ هذا البرنامج، ترتيبا واضحا ومفصلا وبالمواعيد، لكي لا يتوه الأمر في ظل برنامجك الدنيوي الثابت والمستقر.
***انتهى مجمل ما قاله الشيخ حفظه الله وفك أسره.
والفائدة المقصودة هي بيان تعمقه في النظر والبحث عن المشكلة، ثم سبقه في وصف الحل، ثم حرصه على صياغة هذا الحل في خطوات عملية، وهو في كل ذلك لم يهاجم أحدا ممن قال بالإكثار من العبادات ولم يعب عليه وإنما صاغ فكرته كأنها إكمال لما يُقال وتنبيه على ما فات منه!
وهذا شأن الشيخ في كافة أموره، ولئن بدت لهجته الرفيقة الرقيقة كأنها لهجة شيخ درويش فإن من عاين وعانى صياغة المعاني الدعوية إنما يدرك ما فيها من نفاسة وجِدَّة وابتكار.. وعلى كل حال فهذا أمر لا حاجة للإطالة فيه، خصوصا بعدما ظهر منه في شأن السياسة وبعد الثورة.
إن الذي يسمع سلسلة السيرة النبوية للشيخ حازم أبو إسماعيل ليبهره ما فيها من معانٍ جديدة ونظر سديد، ثم إنه سيدهش أكثر وأكثر حين يعلم أنه شرح هذه السلسلة وهو في أواخر العشرينات ومطلع الثلاثينات من عمره!!

وها هو الشيخ يمضي في زنزانته الانفرادية رمضانه الثالث على التوالي، محققا بذلك لمرة جديدة قول الأمريكي روبير جاكسون قبل سبعين عاما: "هذا الشرق، لا يستطيع أن يحتفظ كثيرا بالكنز الذي يقع بين يديه"
نشر في نون بوست
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 27, 2015 06:59

June 26, 2015

مراحل بناء المسلم (3) التكوين الأخلاقي

اقرأ أولا: مراحل بناء المسلم (1) كل مسلم مسؤول مراحل بناء المسلم (2) استقلال الشخصية
إن الأخلاق هي صورة الإنسان الباطنة كما أن ملامحه هي صورته الظاهرة، فهو يُعرف ويتميز بأخلاقه، كما يعرف ويتميز بصورته(لذلك كان منهج الإسلام في تكوين الشخصية هو منهج الغرس في القلوب، لا مجرد إقناع العقول؛ ليكون سلوك المسلم تلقائيًّا فطريًّا؛ فيكون فعل الخير سجية له، سجية تحوطها الحماسة والإخلاص والتضحية والشجاعة، لا قرارًا عقليًّا مأخوذًا كنتيجة حسابات عقلية باردة يكتنفها التردد والترقب والتراجع؛ لذا يظهر أثر الأخلاق أكثر ما يظهر -في واقع المسلمين- عند لحظات "المحن والفتن الشديدة؛ فإنهم يحتاجون إلى صلاح نفوسهم، ودفع الذنوب عن نفوسهم عند المقتضى للفتنة عندهم، ويحتاجون -أيضًا- إلى أمر غيرهم ونهيه بحسب قدرتهم، وكل من هذين الأمرين فيه من الصعوبة ما فيه"(والتكوين الأخلاقي للمسلم هو من توابع استقلال الشخصية المسلمة؛ إذ ليس مطلوبًا من المسلم أن يعتزل الناس، بل أن يدعوهم ويهديهم، وقد قال رسول الله r: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"(ولقد صاغ الإسلام أخلاق أتباعه على مستويين: أخلاقه في نفسه، وأخلاقه مع غيره، وكلا المستويين يسيران معًا، وكلاهما ينعكس على الآخر بالخير والدعم والتقوية، فأما أخلاق المسلم في نفسه فَجِماعُها الاستقامة والنزاهة، وأما أخلاقه مع غيره فهي دائرة حول حب الناس والحرص عليهم والنصح لهم والرفق بهم، ومن خير ما يصف منظومة الأخلاق الإسلامية قول الشيخ محمد عبد الله دراز –صاحب الدراسة الضخمة في الموضوع- بأنها "تركيب لتراكيب، فهي لا تلبي فقط كل المطالب الشرعية والأخلاقية والاجتماعية والدينية، ولكن نجدها -في كل خطوة- وقد تغلغل فيها بعمق روح التوفيق بين شتى النزعات: فهي متحرِّرة ونظامية، عقلية وصوفية، لينة وصلبة، واقعية ومثالية، محافظة وتقدمية- كل ذلك في آنٍ... إنها بناء عضوي حقيقي تتعاون فيه كل العناصر، وتتساند كل الوظائف"(إن أخلاق المسلم في نفسه تجعله عنصرًا جذابًا لكوامن الخير في الناس؛ بما يرونه من صورته واقعية متحققة؛ وما بالك بأخلاق مسلم يخبره دينه أن إيمانه مهدد إذا افتقد جاره الأمان من ناحيته(كما أن أخلاقه مع غيره تُنشئ واقعًا جديدًا في الحياة؛ خلاصته التعاون على البر والتقوى، ومكافحة الإثم والعدوان، حتى لو كان هذا البر تحالفًا مع غير المسلمين كنحو حلف الفضول(وقد طارت أخلاق المسلمين في العالم شرقًا وغربًا وفتحت من البلاد ما لم تصل إليه سيوفهم(ويرصد مؤرخ الحضارة ول ديورانت كيف "أن المسلم كان أرقى من المسيحي في خلقه التجاري، وفي وفائه بوعده، وإخلاصه للمعاهدات التي يعقدها مع غيره، ولقد أجمعت الآراء على أن صلاح الدين كان أنبل من اشترك في الحروب الصليبية. والمسلمون شرفاء فيما يختص بعادة الكذب، فهم يبيحون الكذب إذا كان فيه نجاة من الموت، أو حسم لخصومة، أو إدخال السرور على زوجة، أو خدعة في الحرب لأعداء الدين. والآداب الإسلامية تجمع بين التكلف والبشاشة، وحديث المسلم مليء بالتحية والمبالغة في التأدب، والمسلمون كاليهود يحيي بعضهم بعضًا، وينحني الواحد منهم لصاحبه ويصافحه، ويقول له: السلام عليكم. والرد الصحيح لهذه التحية: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وإكرام الضيف من صفاتهم العامة... والمألوف أن المسلم كان مثال الرقة، والإنسانية، والتسامح، وكان -إذا وصفنا أواسط الناس- سريع الفهم، حاد الذكاء، سريع التهيج، يسهل إدخال السرور إلى قلبه، والمرح على نفسه؛ يجد الرضا في البساطة، ويصبر على بلواه في هدوء، ويتلقى جميع حوادث الأيام بصبر، وكرامة، وشمم، وكبرياء"(وللمستشرق والقانوني الإيطالي دافيد دي سانتيلانا فصل رائق في مدح الشريعة الإسلامية والثناء على توجهها الأخلاقي نلتقط منه هذه الفقرة: "إذا كان حق المرء هو منفعته الخاصة وواجبه الأدبي معًا؛ فإن لذلك الحق حدودًا معينة بموجب مبادئ الأخلاق والمصلحة العامة؛ فالصلح والتراضي هما سيدا الأحكام في كل وقت، وأخذ الثأر ممنوع منعًا باتًّا، والتضييق البدني على المدين مخالف للقانون، ولا اعتساف في استعمال الحق تمامًا؛ إذ ليس لأحد أن يمارس حقًّا له، بالدرجة التي يسبب للآخر ضررًا محققًا، وللفقهاء المسلمين في هذا الصدد إحساس دقيق مرهف يفوق ما نتصوره؛ فمثلاً: يمنع أن يخول حق الادعاء إلى وكيل هو عدو للطرف الذي أقيمت عليه الدعوى، وممنوع أن يؤجر حيوان لشخص عرف بقسوته على الحيوان، كذلك حرم بيع أمة صغيرة السن لرجل حر بالغ خشية أن يغيرها بالفسق أو أن يطأها زانٍ، وهكذا ترسم الأخلاق والآداب في كل مسألة حدود القانون"(وهذا غيض من فيض، وقد آثرنا أن نذكره من شهادات غير المسلمين؛ لتكون الحجة أبلغ بيانًا في شأن التكوين الأخلاقي للمسلم وأثره في إصلاح أمور البشر وأحوال الأرض.
نشر في ساسة بوست 

([1])ابن منظور: لسان العرب 10/85، والزبيدي: تاج العروس 25/258. ([2])ابن مسكويه: تهذيب الأخلاق ص25، الغزالي: إحياء علوم الدين 3/ 53، الجرجاني: التعريفات ص101. ([3])علي عزت بيجوفيتش: الإسلام بين الشرق والغرب ص184، 185. ([4])ابن تيمية: الاستقامة 2/285، 286. ([5])يذكر توماس أرنولد "أن أخلاق صلاح الدين الأيوبي وحياته التي انطوت على البطولة، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيرًا سحريًّا خاصًّا، حتى إن نفرًا من الفرسان المسيحيين قد بلغ من قوة انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية، وهجروا قومهم وانضموا إلى المسلمين". الدعوة إلى الإسلام ص111. ([6])أحمد (5022) وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين. والبيهقي (19961)، وفي رواية ابن ماجه (أَعْظَمُ أَجْرًا) (4032)، وفي رواية الترمذي «المُسْلِمُ إِذَا كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ المُسْلِمِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ». ([7])البخاري (2847)، ومسلم (2406). ([8])في رواية أحمد: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» (8952). الحاكم (4221) وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وصححه الألباني (السلسة الصحيحة 45). ([9])محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق في القرآن ص686. ([10])قال رسول الله r: "وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ". قيل: من يا رسول الله؟ قال: "الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ (أي: شروره)". البخاري (5670)، ومسلم (46). ([11])حلف الفضول: تحالف بنو هاشم وبنو زهرة وبنو تيم -في الجاهلية- على نصرة المظلوم على الظالم، وقد شهد النبي r هذا الحلف صغيرًا قبل بعثته ثم قال عنه: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت". (قوي بشواهده – انظر: تخريج الألباني بحاشية فقه السيرة للغزالي ص58). ([12])سرق طعمة بن أبيرق -وكان منافقًا- درعًا من جاره، ثم أودعها عند اليهودي يزيد بن السمين، ثم شهد طعمة وإخوته على اليهودي؛ فهمَّ النبي بقطع يد اليهودي، فنزلت القرآن يبرئ اليهودي. الآيات 105 وما بعدها من سورة النساء. ([13])قال النبي r: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، قال: فقال: والله أعلم: لاَ أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلاَ سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلاَ أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا، فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ".البخاري (2263)، ومسلم (2242). ([14])قال رسول الله r: "من قطع سِدْرَةً (شجرة النبق، والمقصود القطع عبثا) صوب الله رأسه في النار". أبو داود (5239)، والبيهقي (11538)، والطبراني في الأوسط (2441)، وصححه الألباني في التعليق على أبي داود. ([15])انظر في شأن البلاد التي فتحها الإسلام دون أن تصلها جيوشه كتاب "الإسلام الفاتح" للدكتور حسين مؤنس. ([16])جوستاف لوبون: حضارة العرب ص605. ([17])ول ديورانت: قصة الحضارة 13/141، 143، 144. ([18])دافيد دي سانتيلانا: القانون والمجتمع، منشور في: تراث الإسلام بإشراف توماس أرنولد ص437.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 26, 2015 08:16

June 23, 2015

من مآثر الأتراك في رمضان (1) القضاء على تمرّد بابك

لما تولى الخليفة المعتصم بالله العباسي منصب الخلافة كانت البلاد في وضع حرج، فثمة عدد من التمردات تضرب في أنحاء الدولة، أخطرها ثورة بابك الخرمي المستفحلة في أذربيجان وما حولها والتي شكلت تحالفا خطيرا مع الروم، وثورة الزُّط في البصرة. وهذا إلى جانب خطر الروم البيزنطيين الدائم على الحدود. كذلك كان وضع البلاط نفسه في حرج فلقد تضعضع حال القوة العربية من بعد نكبة الأمين على يد المأمون، ثم تضعضع حال القوة الفارسية بعد نكبة المأمون لبني سهل وانتقاله من مرو إلى بغداد، " فكان المعتصم بحاجة إلى عنصر عسكري جديد يسند سلطانه، فالتجأ إلى عنصر بدأ يتوارد كرقيق إلى البلاد الإسلامية قبله، كما أخذ الإسلام ينتشر في بلاده بصورة بطيئة، وذلك هو عنصر الترك"وقد حقق العنصر التركي مآثر خالدة في الجهاد والمعارك، وأطال في عمر الخلافة العباسية، وكتب صفحات من تاريخ مجيد ناضر، نستعرض في هذه السطور شيئا منه.
***
في قرية فارسية اسمها «خرمة» بالقرب من أردبيل ظهرت الفرقة الباطنية التي نُسبت إليها فسُمِّيَت «الخرَّمية»، في (201هـ)، وقد بدأها جاويذان بن سهل (أو سرهك) الذي اعتنق مبادئ فارسية كالإيمان بإلهين للنور والظلمة، وتناسخ الأرواح، وأباح النساء وزنا المحارم والخمر وما إلى ذلكوحين مات جاويذان ورث بابك دعوته، ذلك أنه كان عشيقا لزوجة جاويذان، فرتب معها أمر إقناع أتباعه أن روح جاويذان «الإله» قد انتقلت إليه، وبدأ ثورته (201هـ) في جبل البدين في أذربيجان، ثم ظهر في «خرّمة»زعم بابك أنه من نسل فاطمة بنت أبي مسلم الخراساني وخاطب أحلام الفارسيين في القائد الذي سيزيل دولة العرب ويعيد دولة الفرس، ثم إنه أباح قتل المخالفين ونهب أموالهم -وكان هذا تطورًا جديدًا في فكر المزدكية والباطنيةوقد كان الصراع بين الأمين والمأمون ثم اضطراب البلاد على المأمون بثورات العلويين ثم العباسيين السبب الرئيسي في إعطاء تلك الحركة فرصة في تطورها واستفحالها، كما ساهم -أيضًا- في قوة بابك تحالفه مع الروم الذين ساعدهم وساعدوه في الأخبار والاستطلاع، وكان جنود بابك إذا هُزِموا في معركة لجأوا إلى أرض الروم.
***
كان أول عمل سُجِّل للجند الأتراك هو قضاؤهم على تمرد بابك الخرمي الذي استمرَّ عشرين سنة ذهب فيها نحو ربع مليون مسلم، وهو رقم ضخم هائل في ذلك الوقت، وكان أمر بابك قد اتَّسع واستفحل ودخلت همذان وأصبهان وماسبذان ومهرجان في تبعيته (218هـ)وقد ظلت حرب بابك هي الشغل الشاغل للمعتصم والعمل الذي أمضى فيه سنوات خلافته الأولى، وقد أنفق على تجهيز الجيوش معه كل ما استطاع من الأموال، واهتم بتتبع أخبار الحرب حتى أنشأ مراكز البريد على طول الطريق فكانت الأخبار تأتيه يوميًّا.
أرسل المعتصم جيشًا بقيادة إسحاق بن إبراهيم (218هـ) وولاَّه على منطقة الجبال، وحقق الجيش انتصارا على بابك وصلت أخباره (8 من ذي الحجة 218هـ)، وقد قتل فيه كثيرًا من أتباع بابك حتى اضطرَّ الباقون إلى الانسحاب إلى بلاد الروم، لكنه لم يكن انتصارًا مؤثرًا أو كبيرًا على مستوى إنهاء التمرد، وعاد إسحاق إلى بغداد فوصلها (11 جمادى الأولى 219هـ) ومعه الأسرىثم أرسل المعتصم جيشًا آخر (220هـ) بقيادة أبي سعيد محمد بن يوسف فأحرز نصرًا آخر، وكان كسابقه غير مؤثِّر في إنهاء التمرد لكنه يرفع المعنويات ويهيئ النفوس في الجانبين لبدء تغير الأحوال، ثم أنعم الله على المسلمين فسخر لهم رجلًا يسمى محمد بن البعيث، وكان حاكمًا لقلعتين في أرض أذربيجان، وقامت بينه وبين بابك علاقة وثيقة حتى كان سرايا بابك تنزل بقلعة ابن البعيث فيضيفهم ويكرمهم، فحوَّل الله قلبه، فقام بعملية اغتيال كبيرة لسرية من سرايا بابك حين نزلوا بقلعته، وأسر قائدهم -واسمه عصمة- فأرسل به إلى المعتصم، وكان هذا الرجل كنزًا معلوماتيًّا عرف منه المعتصم ما لا يقدر بثمن عن أرض بابك وجيوشه وطريقته في الحربثم عهد المعتصم (220هـ) بقيادة الجيوش إلى القائد التركي حيدر بن كاوس الأشروسني، الملقب بـ «الأفشين» الذي كان قد تعرّف على مناطقهم وطريقتهم في القتال التي غالبا ما كانت ليلًا وعلى شكل غارات سريعة، ونصب كمائن في الفجاج بين المرتفعات، وقد استعد الأفشين خير ما وسعه الاستعداد، فأحكم العيون والاستطلاعات وتقوية الحصون وتأمين طرق الإمدادات، بحيث صار الطريق آمنًا ومنقسمًا إلى مراحل، ويشرف على كل مرحلة مجموعة عسكرية، وقد كان من ثمار هذه الخطَّة أن سقط عدد من جواسيس بابك، وكانت طريقة الأفشين أنه يعطي الجاسوس ضعف الثمن الذي كان يأخذه من بابك مقابل أن يكون جاسوسًا للمسلمينوأرسل المعتصم إلى الأفشين مع القائد التركي بغا الكبير أموالًا جزيلة نفقة لمن معه من الجند والأتباع، وكاد بابك أن يهاجمها قبل أن تصل لولا أن جواسيس المسلمين في معسكر بابك أوصلت الخبر، فأنقذت الأموال بخطَّة مناورة وتمويه حتى وصلت إلى جيش المسلمين الذي يقوده الأفشين، وبفضل المعلومات التي جاءت بها العيون والنظام المحكم الموضوع لحراسة الطريق استطاع الأفشين مهاجمة بابك في جيشه وهو يحاصر قلعة من قلاع المسلمين، ودارت معركة مريرة استطاع فيها الأفشين إحراز أول نصر قوي على بابك وقتل من أتباعه أكثر من مائة ألف في بعض التقديرات، واضطرَّ بابك إلى الانسحاب إلى عاصمته «البذّ» الحصينة منهزماواستمرت الحروب والوقائع بجيشي الخلافة اللذين يقود الأفشين أحدهما ويقود بغا الكبير الآخر، وقد جرت معركة هائلة بين بغا الكبير وبابك (221هـ) استطاع بابك فيها أن يهزم بغا الكبير ويقتل كثيرًا من جنوده، وكان الخطأ البارز أن بغا تصرف منفردا بجيشه دون خضوع للقيادة العامة للأفشين، غير أن معارك أخرى بين بابك والأفشين استطاع فيها الأفشين هزيمة بابك، وقد استمرت تلك الوقائع حتى دخل العام التالي (222هـ) حيث أمد المعتصم الأفشين بجيش آخر، ومعه ثلاثون مليون درهم، واستطاع الأفشين اقتحام معقل بابك وعاصمة تمرده «البذّ» (20 من رمضان 222هـ) بعد حصار مرير ومعارك قاسية واجتهاد وجهاد وتعب! وحرر أكثر من سبعة آلاف أسير مسلموهرب بابك مع أهله وأولاده من البذ لكنه وقع في يد أمير بلدة اسمه سهل بن سنباط فخدعه سهل وادعى أنه من الموالين لبابك حتى أسره وأرسل به إلى الأفشين، وصنع الأفشين استقبالا شعبيا لهذا الأسير الذي دوخ الخلافة الإسلامية (شوال 222هـ)، وكتب إلى المعتصم بما تم، فأمره أن يأتي به أسيرًا إلى بغدادوكَرَّم المعتصم قائده الفذ البطل، فقلَّده وشاحين من الجواهر، وأمر له بعشرين مليون درهم، وولاَّه على السند، وأمر الشعراء أن يمدحوه، وهذا في ذلك الوقت يعني حملة إعلامية لتكريمه، فقيلت أشعار كثيرة حسنة، كما كافأ الجيش بعشرة ملايين درهم .. وبهذا انتهى تمرد ذهب فيه ربع مليون مسلمنشر في تركيا بوست

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 23, 2015 08:55

June 22, 2015

لماذا سميت سورة يونس بهذا الاسم؟



من أظهر ما يبدو في مواضيع سورة يونس أنها تتحدث عن "آيات الله البينات" التي تشمل البشر وتحوطهم، وكيف أن الذين لا يؤمنون يتجاهلون هذه الآيات ويعرضون عنها ويكونون منها في عمى!
فمن مطلع السورة يتحدث ربنا تبارك وتعالى عن السموات والأرض والشمس والقمر ومنازله والليل والنهار.. ويوضح لنا السبب الذي سيدخل الناس به النار، ذلك أنهم: لا يرجون لقاء الله، لأن لقاء الله هو لقاء العدل، فيه يكون الحساب وافيا ودقيقا.. ولهذا فإنهم {رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها} فلا يريدون الرحيل عنها، ولهذا فهم يتغافلون عن آيات الله.
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
بخلاف الذين آمنوا، أولئك الذين يستقبلون هذه الآيات ويهتدون بها لأن الإيمان موجود  {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ}
***
تمضي السورة تستعرض الآيات الربانية في مختلف المناحي ووجوه النظر، فتلفت الأنظار والأسماع إلى الآيات:
1. آيات في نفس الإنسان، الذي إذا أصابه ضر نسي كل شيء وتوجه إلى الله بصدق، ثم حين يفرج الله عنه كربته ينسى ويعود إلى غفلته! لا سيما إذا كان في البحر وأحاط به الموج من كل مكان.. ثم ما يلبث بعد النجاة أن يعود إلى ما كان عليه!
2. آيات من التاريخ عن الأمم المجرمة التي أهلكها الله لما جحدت رسالته وردَّت رسله، ليبقى السؤال الكبير {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}
3. آيات النفس والكون: {مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}
4. آيات في معبوداتهم التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تنفع ولا تضر، لا تبدأ الخلق ولا تعيده، لا تهدي إلى الحق ولا تصد عن الباطل.
{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَق}
5. آيات في هذا القرآن نفسه، الذي يعجزون عن الإتيان بعشر سور من مثله، والذي يطابق ما جاء به الأنبياء مما لم يكونوا يعرفونه على يد من لبث فيهم عمرا لا يقرأ ولا يكتب ولا علم له بما كان من قبل.
***
وفي سياق استعراض آيات الله البينات، تستعرض السورة كيف يحاول أهل الهوى والعقول التملص من الحق..
(وهذا الأمر منتشر فينا نحن أيضا، فلا يحسب أحد أننا نتحدث عن آخرين، بل نحن نقرأ يوميا من يريد من الدين أن ينسجم مع عقله وأفكاره أو ينسجم مع أهوائه ورغباته، ويتمنى لو لم يوجد هذا الحديث أو لم تكن هذه الآية بهذا "العنف والحدة")
يخبرنا الله تبارك وتعالى عن وسائل هؤلاء في التملص مما يأتيهم من الحق الذي لا يوافق أفكارهم وأهواءهم:
1. فهم أحيانا يعترضون على الأفكار لا على شخص الرسول: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ}.
2. وأحيانا يعتبرون أنفسهم على الطريق المستقيم ولكن بوسيلة أخرى، وهي في النهاية ستوصل إلى ذات النتيجة {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}
وعند هذه الآية كأني أسمع عبارات أولئك الذين يروجون لكون أفكارهم وأهوائهم توصل إلى ذات النتيجة.. إلى حقيقة الدين وجوهره ومقاصده.. فيدعون أن أفكارهم تلتقي مع الرسالة الربانية في "حقيقة الأمر".
3. وأحيانا يطلبون العذاب بأنفسهم لأنفسهم ويستعجلونه، فيقولون لو كان هذا هو الحق فلماذا لا يعذبنا الله؟.. فكأنهم يشهدون على أنفسهم أنهم لا يؤمنون إلا بظهور القوة والقهر والإجبار!!
{وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}
4. ولأنهم يرفضون الحق، فهم يصدقون الظنون ويعتمدون على التخمينات ويعتنقون ما لا يملكون عليه دليلا:
{وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}
***
ولهذا فإن السورة تتحدث عن هذه الحواس المعطلة:
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ}
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ}
***
ثم تكون النتيجة النهائية أن من اختار تغليب هواه وأفكاره ورغباته على الحق لا يهتدي مهما تكاثرت عليه الآيات:
{كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}
{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}
{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}
***
ثم يضرب الله لهذا المعنى ثلاثة أمثلة في ثلاث مواقف من التاريخ البشري:
1. مثال قوم نوح، لم ينتفعوا بالآيات وعطلوا حواسهم.. فأهلكهم الله
2. مثال فرعون وقومه الذين لم ينتفعوا بالآيات (رغم كثرتها وتعددها) وكانوا كلما نزلت بهم آية ذهبوا إلى موسى عليه السلام وسألوه أن يدعوا الله أن يرفعها عنهم، فما إن يرفعها عنهم حتى يعودوا إلى ما كانوا.. حتى وصل الأمر أن دعا عليهم موسى ألا يؤمنوا إلا إذا رأوا العذاب:
{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}
وهو ما كان بالفعل، ولم يؤمن فرعون إلا لحظة الغرق.. ولم ينفعه الإيمان حينها {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}
3. مثال قوم يونس.. وهم الوحيدون الذين التقطوا آيات العذاب قبل أن تنزل بهم، هم الوحيدون الذين لم تتعطل حواسهم فأبصروا وفهموا وتصرفوا بسرعة لإنقاذ أنفسهم من هذا الهلاك.
يروي المفسرون أن قوم يونس لما وعدهم نبيهم بالعذاب وانصرف عنهم غاضبا، تنبهوا إلى أن انصرافه عنهم دليل صدقه وأنه سينزل بهم العذاب، فظلوا يترقبون ويتربصون حتى جاء يوم اسودت فيه السماء وبدأ ينتشر في الأجواء دخان، فسارعوا فلبسوا المسوح (ثياب الفقر والتوبة) وخرجوا بأنفسهم ونسائهم وأطفالهم ودوابهم إلى الصحراء، وفَرَّقوا بين كل ولد وأمه فحنَّ بعضهم إلى بعض وعلا البكاء والضجيج والعويل وأخلصوا التوبة لله وتعاهدوا بالإيمان.. فرحمهم الله فكشف عنهم العذاب، وصاروا مثلا في الذين ينتبهون للآيات ثم إذا انجلت عنهم الكربة لم يرجعوا إلى ما كانوا فيه من الفساد.
{فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}
***
لهذا أقول -والله أعلم- بأن السورة سميت بهذا الاسم لبث الأمل وتوجيه النصح.. فقد اختار الله هذه القصة فجعل السورة على اسمها، من بين القصص الثلاثة فيها (نوح، موسى، يونس) لذلك:
مثال القوم الذين لم يبلغ بهم الهوى والطغيان وفساد العقل أن يعطلوا حواسهم وأن يتغافلوا عن الآيات التي تأتيهم.. بل أبصروا وفهموا فتابوا وأخلصوا وآمنوا، ولم يعودوا بعد انفراج الكربة إلى كفرهم!
فكأن السورة كلها تقول:
أبصروا الآيات وانتبهوا لها، فإن غفلتم عنها فكونوا كقوم يونس حين غفلوا، سرعان ما انتبهوا ورجعوا فتابوا وأخلصوا في توبتهم!

ولا تكونوا كالمعرضين الذين ارتبطوا بالأرض حتى كرهوا لقاء الله وعطلوا حواسهم فلم يبصروا آياته.. فلم يؤمنوا إلا بعد نزول العذاب، حين لم ينفع الإيمان!
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 22, 2015 07:15

June 20, 2015

معاني رمضان بأقلام المستشرقين

يشيع في كتابات المستشرقين والمؤرخين الغربيين، المنصفين على وجه الخصوص، نفي ما شاع عن الإسلام من صور شائهة في العقلية الغربيةتوماس كارلايل: دليل على براءة الإسلام من الميل إلى الشهوات
يقول الفيلسوف البريطاني المعروف في كتابه (الأبطال) في سياق حديثه عن نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وتعالميه:
"أي دليل أشهر ببراءة الإسلام من الميل إلى الملاذ من شهر رمضان تلجم فيه الشهوات، وتزجر النفس عن غاياتها، وتقرع عن مآربها؟ وهذا هو منتهى العقل والحزم. فإن مباشرة اللذات ليس بالمنكر. وإنما المنكر هو أن تذل النفس لجبار الشهوات، وتنقاد لحادى الأوطار والرغبات. ولعل أمجد الخصال وأشرف المكارم هو أن يكون للمرء من نفسه على نفسه سلطان، وأن يجعل من لذاته لا سلاسل وأغلالا تعيبه وتعتاص عليه إذا هم أن يصدعها، بل حُلِيًّا وزخارف متى شاء فلا أهون عليه من خلعها، ولا أسهل من نزعها. وكذلك أمر رمضان سواء كان مقصودا من محمد معينًا، أو كان وحي الغريزة وإلهامًا فطريًّا فهو والله نعم الأمر"جوستاف لوبون: دليل على سلطان الدين على النفوس
ويقول المستشرق الفرنسي وعالم الاجتماع المعروف جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب:
"تأثيرُ دِين محمَّد في النفوس أعظمُ من تأثير أي دِين آخر، ولا تزال العروقُ المختلفة التي اتَّخذت القرآن مُرشدًا لها تعمل بأحكامه كما كانت تفعل منذُ ثلاثة عشر قرنًا، أجَل قد تجد بين المسلمين عددًا قليلًا من الزنادقة والأخلياء، ولكنَّك لن ترى مَن يجرؤ منهم على انتهاك حُرمة الإسلام في عدمِ الامتثال لتعاليمه الأساسيَّة كالصلاة في المساجد وصوم رمضان الذي يُراعي جميع المسلمين أحكامَه بدقَّة مع ما في هذه الأحكام من صرامة لا تجد مثلها في صوم الأربعين الذي يقوم به بعض النصارى كما شاهدت ذلك في جميع الأقطار الإسلامية التي زرتها في آسيا وإفريقيا... وعلى من يرغب في فهم حقيقة أُمم الشرق التي لم يدركِ الأوروبيُّون أمرَها إلا قليلًا أن يتمثَّل سلطان الدين الكبير على نفوس أبنائها"توماس أرنولد: دليل ثابت يدحض نظرية كاذبة
ويقول المستشرق البريطاني المعروف توماس أرنولد في خلاصة وختام حديثه عن انتشار الإسلام في كافة أرجاء العالم:
"إن معارف الإسلام التي عرفها الناس على هذا النحو قد تجذب أحيانًا فردا يدخل في الإسلام, كان من الممكن أن ينصرف عنه لو أنه قدم إليه على صورة لا يرغب فيها, باعتبارها هبة حرة. ولا حاجة إلى القول بأن صيام شهر رمضان جزء من دليل ثابت يدحض النظرية القائلة بأن الإسلام نظام ديني يجذب الناس عن طريق مراودتهم في ملذاتهم الشخصية, وكما قيل كارلايل: "إن دينه ليس بالدين السهل: فإنه بما فيه من صوم قاس, وطهارة, وصيغ معقدة صارمة وصلوات خمس كل يوم, وإمساك عن شرب الخمر, لم يفلح في أن يكون دينًا سهلا". ولكن هؤلاء المسلمين يعنون بتلك الفرائض وغيرها من الشعائر الدينية. ولكن من غير أن يثقلوا بها كواهلهم, أو تجعلهم مغمورين في الحياة, نجد أركان العقيدة الإسلامية تلقى دون انقطاع, تعبيرًا ظاهرًا في حياة المؤمن؛ ومن ثم نجدها, بعد أن أصبحت متشابكة مع نظام حياته اليومية تشابكًا لا سبيل إلى الفكاك منه, تجعل المسلم الفرد إمامًا ومعلمًا لعقيدته, أكثر, إلى حد بعيد, مما هي الحال مع أنصار معظم الديانات الأخرى"جاك ريسلر: لتماسك المؤمنين وتكافلهم
ويقول المستشرق الفرنسي جاك ريسلر، في كتابه "الحضارة العربية" والذي نال عليه جائزة الأكاديمية الفرنسية:
"على امتداد شهر رمضان، من الشفق إلى الغسق، يتوجب على المؤمن الامتناع عن تناول أي مأكل ومشرب. يمكن اعتبار إماتة الجسد القاسية هذه فعل رحمة واسترحام، نوعا من التكفير عن الأخطاء، وبالتالي فعلا تَشَفُّعِيًّا يتقرب به الصائم من ربه، ولكنه يرمي أيضا إلى توطيد الضبط الاجتماعي وجعل المؤمنين يشعرون بتماسكهم وتكافلهم"آي. م. لويس: يجانس بين الشعوب المختلفة
ويقول المستشرق البريطاني المتخصص في الشأن الإفريقي إيوان ميردين لويس، وهو يستعرض تأثير انتشار الإسلام في الشعوب الإفريقية:
"لقد أدى اعتناق الإسلام، بالإضافة إلى تأثيره على عادات اللباس والنواحي الأخرى للثقافة المادية، وبصورة خاصة على الهندسة المعمارية، إلى إعطاء طابع إسلامي قوي للطقوس الحياتية الأساسية التي يتميز بها مجرى حياة الفرد من المهد إلى اللحد. ذلك لأن هذه الطقوس متشابهة إلى درجة كبيرة لدى الجماعات المسلمة الكائنة في جنوب الصحراء الكبرى، بالرغم من التنويعات المحلية التي تعكس عناصر سابقة للإسلام. وبالطريقة نفسها نجد أن التقويم الإسلامي بطقوسه الشعبية، وخصوصا في رمضان، شهر الصيام، يعطي طابعا متجانسا لتنظيم الحياة في جماعات كانت بينها في الماضي فروق كبيرة"
راجع سلسلة "رحلة الاستشراق": الميلاد، الطفولة، النضوج، لماذا ظل الاستشراق معاديا للإسلام؟ توماس كارليل: الأبطال، ترجمة محمد السباعي، كتاب الهلال، العدد (326)، 1978م. ص81. جوستاف لوبون: حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م. ص417. توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام، ترجمة حسن إبراهيم حسن وآخرون، مكتبة النهضة المصرية، 1980م. ص460. جاك ريسلر: الحضارة العربية، ترجمة خليل أحمد خليل، عويدات للطباعة والنشر. ص41. آي. م. لويس: الحدود القصوى للإسلام في إفريقيا وآسيا، ضمن "تراث الإسلام، بإشراف: شاخت وبوزوروث، سلسلة عالم المعرفة - الكويت، 1978م. 1/135.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 20, 2015 06:04

June 18, 2015

مراحل بناء المسلم (2) استقلال الشخصية

اقرأ أولا: مراحل بناء المسلم (1) كل مسلم مسؤول
لا يسمح الإسلام للمسلم أن يكون تابعًا، وكم نعى القرآن الكريم على المشركين أنهم يتمسكون بما وجدوا عليه آباءهم {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170]، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان: 21]، فالتقليد والانقياد سمة الهالكين الخاسرين {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23]، وكم هو مؤلم للنفس أن ترى مصير أبي طالب عم النبي r الذي نصره وحماه من أذى قريش حين يهلكه هذا الاتباع للآباء والأجداد، ولم يستطع التحرر من التقاليد، وخشي من كلام المشركين، لقد وقف رسول الله r إلى جواره وهو على مشارف الموت يرجوه: "يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله". فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله r يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال رسول الله r "أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنْ عنك". فأنزل الله تعالى فيه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113](ومثلما يتألم المسلم لحال عبد المطلب فهو يتأسى بالسابقين الأولين إلى الإسلام، الذين أثنى الله عليهم فقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]، فأولئك السابقين كانوا أكثر الناس استقلالاً وتحررًا من ضغط الواقع الذي هم فيه:

فلقد تحرَّر عثمان بن عفان وخالد بن سعيد بن العاص من رواسب الخلاف بين بني عبد شمس وبني هاشم، فأسلم مبكرًا وهو الخلاف الذي أهلك عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، وأَخَّر إسلام أبي سفيان بن حرب وزوجته هند بنت عتبة

ولقد تحرَّر الأرقم بن أبي الأرقم وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزوميان من آثار التنافس بين بني مخزوم وبني عبد مناف، وهو الذي أهلك أبا جهل إذ قال: "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه، والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه".

وتحرر سعد بن أبي وقاص من ضغط أمه عليه

وتحرر مصعب بن عمير من متطلبات الترف والنعيم

وتحرر أبو بكر من حسابات التجار؛ فصار ينفق المال ليشتري به العبيد المسلمين ويعتقهم

وتحرر بلال بن رباح من نفسية العبد؛ فلم ينظر إلى رسالة النبي كغيره من العبيد على أنها نزاع بين الأحرار، أو تنافس على السلطة بين القرشيين؛ بل كان ذا نفس حرة أبصرت في رسالة الإسلام دعوة لكل البشر، الأحرار والعبيد العرب والأحباش!

إن الإسلام يغرس في أتباعه أن حساب يوم القيامة سيكون فرديًّا: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 93 - 95]، وعندما يأتي يوم القيامة تنسف الروابط بين الناس؛ إلا ما كان للحق: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، وساعتها لن يغني أحد عن أحد شيئًا أمام الله: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 166، 167] حتى {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ} [المعارج: 11 - 14]، وحين يدخل أهل النار يتنازعون فيها: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} [سبأ: 31 - 33].

وخلاصة الأمر أن أحدًا لن يحمل عن أحد ذنبًا مهما كانت الصلة بينهما: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر: 18]، ويصف النبي حال العبد وهو واقف وحيدًا أمام الله تعالى فيقول: "ما منكم أحدٌ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدَّم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا  ما قدَّم، وينظر بين  يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة"(وإن هذا الاستقلال والتحرر من ضغط الواقع مستمرٌّ، ولو في زمان الفتن؛ أي عند ذورة البلاء، ساعتها نرى الآيات والأحاديث تزيد من وتيرة تثبيت المسلم ودعمه في تلك الظروف القاهرة على نحو قوله r: "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء"(بهذا تتشكل نفس المسلم عبر القرآن والسنة؛ فتُصاغ نفسًا حرةً ذات ميزان ورؤية أصلها الشرع، لا الواقع والظروف والتقاليد، تحاكم الواقع إلى الشرع لا العكس، وبهذا تتمكَّن من إصلاحه ومقاومة فساده.

نشر في ساسة بوست 

([1])البخاري (1294)، ومسلم (24). ([2])مسلم (25). ([3])البخاري (7074)، ومسلم (1016). ([4])روي عن النبي عند الترمذي (2007) وغيره، من طرق ضعيفة، وقال الألباني: يصح وقفه على ابن مسعود (مشكاة المصابيح 5129) ([5])مسلم (145). ([6])الهرج: الفتنة واختلاط أمور الناس. ([7])مسلم (2948). ([8])جزء صحيح من حديث رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، هكذا قال الألباني (صحيح الترغيب والترهيب 3172)، وانظر تفصيل التخريج في (السلسلة الضعيفة 1025).
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 18, 2015 14:44

June 16, 2015

البيالقة.. من ملفات الصراع مع القسطنطينية

ذكرنا في المقال الماضي أن الذاكرة الإسلامية تبدو خالية من شأن القسطنطينية، لا تتذكّر إلا محاولات فتحها في العصر الأموي ثم فتحها في العصر العثماني، بينما كانت القسطنطينية حاضرة في ذهن المسلمين طوال القرون التسعة ولها معهم حكايات ووقائع كثيرة.
من تلك الحكايات المنسية والتي ما زالت لم تحظ بدراسة تاريخية وافية ولا يتوفر عنها إلا شذرات ممزقة متناثرة، ما نشره المسلمون من الحماية والعدل على الأقوام الذين اضطهدتهم الدولة البيزنطية لمخالفتهم لها في المذهب المسيحي، من أولئك من يُسَمَّوْن في المصادر العربية "البيالقة" وأحيانا "الصقالبة"، فقد وصل التحالف بينهم وبين المسلمين إلى حدِّ أنهم كانوا حاجزا عسكريا متقدما وخط دفاع أول عن الدولة الإسلامية. وكانوا –من ثَمَّ- أحد ملفات الصراع بين بغداد والقسطنطينية.
***
كانت الحدود الإسلامية البيزنطية ملتهبة، وكانت الثغور الحربية الإسلامية تنقسم إلى نوعين: الثغور الجزرية والثغور الشامية، الثغور الجزرية هي التي يرابط بها أهل الجزيرة الفراتية، وتشمل: ملطية، زبطرة، مرعش، الحدث، والمصيصة. والثغور الشامية، وهي التي يرابط بها أهل الشام، وتشمل: طرسوس، أذنه، عين زربة، والهارونية. وكانت طرسوس هي المدينة الأهم في حركة الجهاد والعمليات العسكرية ضد الروم.
كان الفتح الإسلامي بمثابة الإنقاذ للجماعات المضطهدة دينيا في أرض الروم، ومن هؤلاء البيالقة –وفي بعض المصادر يُسَّمَوْن: الصقالبة- الذين كانوا يسكنون في منطقة جنوب الأناضول، وكانوا من أتباع مذهب يصفه المسعودي بأنه "متوسط بين مذاهب النصارى والمجوس وأصحاب الاثنين من تعظيم سائر الأنوار وعبادتها على مراتبها وغير ذلك"وبجمع القطع الممزقة من الشذرات المتناثرة في كتب التاريخ نستطيع تكوين الصورة التالية:
1. وجد البيالقة في المسلمين حلفاء لهم ينقذونهم من بطش الروم البيزنطيين، ويمثلون حماية لظهورهم بعد استقرار كافة المنطقة الشرقية والجنوبية في أيدي المسلمين، فيما مثَّل البيالقة خط دفاع متقدم في الأراضي البيزنطية، وكان هذا التحالف مزعجا للقسطنطينية العتيقة.
2. وقد استقر الحال بين البيالقة وبين المسلمين على أن يتكفل المسلمون بإعانتهم بالأموال والأرزاق مقابل المساعدة العسكرية في غزواتهم ضد الروم، وقد كان للبيالقة ثارات تاريخية مع القسطنطينية ومثَّلوا تهديدا كبيرا لها وصلت إلى حدِّ أنهم حاصروها في عام (283 هـ). إلا أن المساعدة الأهم كانت في بقائهم حاجزا جغرافيا وبشريا بين القوات الإسلامية والبيزنطية، بل لقد تولوا أحيانا مهمات دفاعية خطيرة.
3. قاد الإمبراطور البيزنطي (باسيل) "حملة ناجحة ضد أتباع المذهب البوليصي (البيالقة) في الجزء الشرقي من آسيا الصغرى حوالي سنة 870 م (256هـ) واستطاع أن يتغلب عليهم، ولم يكن من نتائج هذا النصر توسيع رقعة الامبراطورية (البيزنطية) فحسب، بل وضع باسيل وجها لوجه مع عرب المشرق، وفتح باب الصراع مع العرب بشكل مباشر، وغدت المعارك بين الطرفين سنوية، ولكن دونما نتيجة حاسمة"4. أثمرت هذه الحملة –ضمن ما أثمرت- عن تطوير الطرفين لتحالفهما وعلاقاتهما العسكرية، ووُقِّع اتفاق يقضي بأن يتولى البيالقة الدفاع عن حصن لؤلؤة العسكري، وهو حصن بالغ الأهمية من حيث كونه خط تنبيه ودفاع متقدم ضد الروم البيزنطيين. وذلك أنه حصن مُشرف على البحر وفي موقع مرتفع فيتمكن بهذا من اكتشاف محاولة الهجوم البحري مبكرا، ثم تنبيه المسلمين في ثغر طرسوس –وهو الثغر الجهادي الأهم في منطقة الثغور، فهو مركز العمليات الرئيسية هناك- في مقابل أن يتكفل المسلمون بالأموال والرواتب التي تكفيهم.
5. إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، فقد اندلعت تمردات في قلب ومشرق الخلافة العباسية، أهمها ثورتي الزنج والتي كان مركزها البصرة في العراق (أي على بعد خطوات من بغداد) وتمرد يعقوب الصفار الذي أقام دولته الصفارية ومضى يريد أن يتوسع على حساب الخلافة العباسية، وفي الغرب كان أحمد بن طولون قد أسس دولته في مصر، وصار مستقلا على الحقيقة. وأثَّر كل هذا على وضع الجهاد في الثغور، ولم يعد أمام الخلافة في بغداد –والتي انشغلت عن أمر الجهاد- إلا أن تترك أمر الثغور إلى أحمد بن طولون، فكان يقوم بأمر الجهاد بقواته وأموال ولايته (مصر) لكن من غير أن يُعطى ولاية الثغور، وذلك لأن الخلافة في بغداد لا تريد له مزيد توسع ونفوذ.
6. هبت رياح أخرى لا تشتهيها سفن الخلافة العباسية في بغداد، إذ ما إن رفض الموفق بالله (أخو الخليفة والحاكم الفعلي وقائد جيوش الخلافة في العراق) أن يعطي ولاية الثغور لأحمد بن طولون حتى عهد بها إلى أمير يدعى محمد بن هارون التغلبي، فوقع بطريق الخطأ في يد الخوارج فقتلوه، فولَّى الموفق محمد بن علي الأرمني ولكنه قُتِل في طرسوس، فصارت ولايتها إلى قائد تركي هو أرخوز بن يولغ، ويبدو أنه أراد تأديب أهل طرسوس لئلا يجد مصير من قبله، فأساء فيهم السيرة فظَلَمَ وعَسَفَ وأخذ الأموال لنفسه، وكان من أسوأ ما فعله أن منع رواتب الجنود البيالقة المقيمين في حصن لؤلؤة –خط الدفاع الأول عن طرسوس.
7. لما قُطِعت الرواتب عن الجنود البيالقة هددوا بأنهم سيسلمون الحصن للروم البيزنطيين، وكان تهديدا كارثيا، فاضطر أهل طرسوس أن يجمعوا من أموالهم ما يدفعونه لهم، إلا أن هذا الوالي الفاسد أرخوز استولى عليها لنفسه، فنفذ الجنود تهديدهم وسلموا الحصن للروم، وكانت هذه خسارة صاعقة على ثغور المسلمين لا سيما أهل طرسوس، فلم تجد الخلافة سبيلا إلا أن تعهد بالولاية عليها لأحمد بن طولون.
9. ويغلب على الظن أن الأمر لم يكن مجرد رواتب فحسب وإنما نالهم من ظلم هذا الوالي شيء أو أشياء، ذلك أنهم لم يسلموا الحصن فقط وإنما هجروا كثيرا من مناطقهم ورحلوا عنها، ولا يكون ذلك لمجرد قطع الأموال وإنما لعله أصابتهم غارات من الروم فلم يجدوا من المسلمين دفاعا عنهم ولا معونة لهم، أو أنه وقع عليهم من ظلم هذا الوالي ما جعل بقاءهم في هذه المناطق موضع خطورة وتهديد عليهم. ولما هُجِرت مناطقهم لم يكن أمثال أرخوز هذا ليفكر في ملء هذا الفراغ وسد ما انهار من الخطوط الدفاعية، بل هجرها أولئك ثم حل محلهم الأرمن!!
8. وبسوء سياسة هذا الوالي كتبت قصة أخرى حزينة في صفحات التاريخ الإسلامي، يرويها قدامة بن جعفر باختصار قائلا: "وكان هؤلاء مع المسلمين يعينونهم في غزواتهم، ويتوفر على المسلمين المعونة بهم، الى أن رحلوا دفعة واحدة عن هذا الموضع، بإساءة أهل الثغور معاشرتهم وقلة إشراف المدبرين على أمرهم، فتفرقوا في البلاد وسكن مكانهم هؤلاء الأرمن"وبهذا انتهى ملف من ملفات الصراع بين العاصمة الإسلامية والعاصمة النصرانية: القسطنطينيةنشر في تركيا بوست 

المسعودي: التنبيه والإشراف، تصحيح: عبد الله إسماعيل الصاوي، الناشر: دار الصاوي، القاهرة. ص130. على أن الأمر يحتاج تحريرا نتركه للمتخصصين في تاريخ المسيحية، ذلك أن بعض علماء الملل والنحل يقولون بأن بولس الشمشاطي بطريرك أنطاكية من المنادين بالتوحيد من النصارى (ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل 1/47، الشهرستاني: الملل والنحل 2/30، ونقله عن ابن حزم ابنُ تيمية: الجواب الصحيح 4/85، ومحمد أبو زهرة: محاضرات في النصرانية ص151)، فيما يصرح ابن القيم بأنه سبب الانحراف عن التوحيد (ابن القيم: هداية الحيارى ص548). لكن سياق التاريخ يوحي بأن البيالقة لم يكونوا من الموحدين. المسعودي: التنبيه والإشراف ص155. د. سهيل زكار: الموسوعة الشاملة في الحروب الصليبية، دار الفكر، بيروت. 3/ 215. قدامة بن جعفر: الخراج وصناعة الكتابة، دار الرشيد، بغداد، الطبعة الأولى، 1981م. ص187. انظر أطراف القصة في:الطبري: تاريخ الطبري ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ = 1995م. 5/513.المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، ، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، الطبعة الثانية، 1990م. 2/583.ابن الأثير: الكامل في التاريخ ، تحقيق: عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1415هـ. 6/272.فتحي عثمان: الحدود الإسلامية البيزنطية بين الاحتكاك الحربي والاتصال الحضاري، دار الكتاب العربي، القاهرة. 2/221، 222، 3/318.د. فاروق عمر: الخلافة العباسية، دار الشروق، الأردن، 2009. 2/71.محمد إلهامي: رحلة الخلافة العباسية، مؤسسة اقرأ، القاهرة، الطبعة الأولى، 2013م. 2/103، 109.
 •  1 comment  •  flag
Share on Twitter
Published on June 16, 2015 04:19

June 13, 2015

جذور الخلافات الجوهرية بين الإسلام والغرب

ذكرنا في مقال سابق أن الإسلام هو المقابل للحضارة الغربية لا للمسيحية، فهو –في المفهوم الغربي للدين- أكبر من دين، وإنما حضارة شاملة..
وقلنا بأن أصول علم الاستغراب –حسبما نرى- ثلاثة:
1.    الانطلاق من الإسلام2.    إدراك الخلافات الجوهرية بين الإسلام والغرب3.    البحث عن الثوابت والكليات الكامنة خلف الفروع والمتشابهات والمتغيرات
وقد تحدثنا عن الأصل الأول (ج1، ج2، ج3) وندلف الآن إلى الأصل الثاني، فنقول وبالله التوفيق:
إن الصراع التاريخي بين الإسلام والغرب، والذي يعيش الآن قرنه الخامس عشر، إنما يعبر في أحد وجوهه عن خلافات أصلية وجوهرية بين الطرفين، ولا يجوز لمن يتصدى لدراسة الغرب أن يقدم على هذا الباب إلا وله وعيٌّ بأهم هذه الفوارق والخلافات الجوهرية، فبغير هذا لا يكون ثمة فهم ولا إدراك لحقيقة وطبيعة وأبعاد الموضوع المدروس.
ومعظم أخطاء المستشرقين -إذا غضضنا الطرف عن وجود الغرض والنية المبيتة- إنما تأتي من هذا الباب، إذ هو يحاول دراسة المجتمعات الأخرى بمناهج ونظريات نشأت في بيئته هو لتجيب عن أسئلة واقعه هو، وهو ما يتسبب في النهاية في الوصول إلى تحليلات ونتائج ونظريات تجانب الصواب، وأحيانا تكون مناقضة للصواب من كل وجه.
ولا يعني وجود خلافات وفوارق أصيلة وجوهرية أننا ننزع عنهم الصفة الإنسانية أو ننظر إليهم بعنصرية، معاذ الله، بل على العكس، إذ نؤمن بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ولكل بشر على هذه الأرض، ولكنه إدراك للخلافات والفوارق المندرجة كلها من الطبيعة الإنسانية، والتي تشكلت عبر عوامل كثيرة متشابكة من الانحراف عن دين الله وعن أصل الفطرة، ترسخت ونمت عبر امتداد الزمان، واكتسبت بعض الصفات من جغرافيا المكان، وتشربت في ظروف بعينها ثقافات واتجاهات.. إنه في حقيقة الأمر فهم للحالة يبتغي الوصول إلى علاجها مما حل بها من انحراف ودعوتها إلى الله وتحريرها من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. فإن لم يمكن هذا تحت أي ظرف بقيت وجوه التعاون على ما فيه الخير وهو تعاون يحتاج إلى علم وفهم، وإلا فلن يفلح تعاون ولا تفاهم بين أطراف يجهل بعضهم بعضا. فإن لم يمكن هذا ولم يبق إلا الحرب فمن ضرورات الحرب معرفة الخصم وفهم طبيعته وطرائقه ومناهجه.
وهكذا، في كل الأحوال لا محيص عن العلم بالمخالف وفهمه، وفهم الفوارق بيننا وبينه.
ولا ريب أن الأمر يحتاج دراسة موسعة متقنة، لمحاولة تحديد -أو على الأقل رسم الخطوط العامة- لهذه الفوارق فيكون الباحثون منها على بصيرة، وما نفعله في هذه السطور هو الإشارة والتنبيه لا أكثر.
1. قصة الدين وآثاره
ثمة إجماع بين المؤرخين على أن الحضارة الغربية لها ثلاثة جذور: الفلسفة اليونانية، الأنظمة الرومانية، الديانة المسيحيةوثمة إجماع آخر بين المؤرخين على أن العرب لم يكونوا ذوي حضارة قبل الإسلاموإذن، فقد حمل الفصل الأول من هذه القصة هذا الفارق الذي أدى بدوره إلى بعض النتائج:
أ. أن المسيحية "جزء" من التكوين الغربي، وقد ساعد خلو المسيحية من النظم والشرائع على بقاء واستمرار النظم الرومانية المستفادة والمنبثقة عن الفلسفة اليونانية. بينما الإسلام هو المكون الأساسي والوحيد للمسلمين، فالعرب لا يعرفون سوى الإسلام دينا وفلسفة ونظاما وشرائع، وغير العرب إنما يلزمهم بحكم إسلامهم أن يتخلوا ويتبرأوا بل وأن يكرهوا ما يناقض الإسلام من ميراثهم الحضاري، فظل الإسلام دائما حاكما لا محكوما، وهاضما لما قبله من النظم والشرائع لا متأثرا بها كما هو الحال في المسيحية التي تأثرت كثيرا بالتراث اليوناني والروماني.
ب. لقد تأثرت المسيحية بالتراث اليوناني والروماني تأثرا كبيرا، حتى إن ثمة أفكارا دينية رئيسية تسللت إلى المسيحية، واضطر الدعاة المسيحيون منذ بولس أن يصيغوا المعاني المسيحية في عبارات وصياغات يونانيةجـ. وإذا أخذنا المسألة القومية كمثال على ما سبق، نرى –كما يقول المتخصص في مقارنة الإسلام والمسيحية أنتوني بلاك- كيف "احتوى الإسلام الباكر على عناصر من القومية العربية، لكن محمدًا (r) وأتباعه رفضوا النهج اليهودي للانعزال القومي وابتكروا بدلا من ذلك مجتمعا دوليا جديدا، وتبنت البلاطات الملكية ثقافة راقية متعددة القوميات، وكان الدين في أيدي جماعة من العلماء متعددي القوميات على نحو واعٍ ذاتيا، وكانت بعض الدول الإسلامية تحكمها سلالة تتكون من مجموعة أقلية عرقية (مثل البويهيين والسلاجقة)، وكانت الإمبراطورية العثمانية مأهولة بمزيج من المجموعات العرقية، وهكذا تجاوزت وحدة الأمة (الإسلامية) الاختلافات العرقية أكثر بكثير مما فعلت الكنيسة؛ سواء في العالم المسيحي الشرقي أو الغربي، قبل الإصلاح أو بعده، ولم تكن توجد دولة قومية في العالم الإسلامي حتى القرن العشرين"وفي المقال القادم إن شاء الله تعالى سنرى كيف واصلت "قصة الدين" اختلافها على الحضارتين، فبينما صُلب المسيح –كما يؤمنون- ومات ولم يحقق أي نصر ديني أو دنيوي مات محمد وقد أسس دينا ودولة.. فكيف أثَّر هذا على الخلاف؟ هذا ما نتناوله بإذن الله في المقال القادم.
نشر في نون بوست 

Gustave E. Grunebaum: Modern Islam; The Search for Cultural Identity, p. 147.وانظر: برتراند رسل: تاريخ الفلسفة الغربية 1/16، 17. ريتشارد كوك وكريس سميث: انتحار الغرب ص55 وما بعدها، باتريك بوكانان: موت الغرب ص339 وما بعدها. هذا إذا غضضنا الطرف عن محاولات بعض المؤرخين القوميين في الحقبة القومية لاختلاق حضارة للعرب قبل الإسلام، وهي محاولة أيديولجية أكثر منها علمية، وليس هنا مقام الرد عليها، ولكن نقول بإيجاز: الحضارات العربية التي يتحدثون عنها شهدت انقطاعا طويلا حتى لم يعد لها أثر في المجتمع الذي أرسل فيه النبي، وهو مجتمع لم تتحقق فيه أي مظهر من مظاهر الحضارة، والعرب أنفسهم بعد أن جاءهم الإسلام رأوا أنفسهم في حقبة جديدة تماما وليست امتدادا ولا تجديدا ولا بعثا لحضارات قديمة.  رواه الحاكم في المستدرك (207) وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وابن أبي شيبة (33847، 34444). ريتشارد كوك وكريس سميث: انتحار الغرب ص10، 71. القاضي عبد الجبار المعتزلي: تثبيت دلائل النبوة ص173. أنتوتي بلاك: الغرب والإسلام ص122. (باختصار)
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 13, 2015 06:11

June 11, 2015

مراحل بناء المسلم: (1) كل مسلم مسؤول!

تناولنا في مقال سابق تصورات الفلاسفة للمدينة الفاضلة، وكيف أن كلا منهم جعل مسؤولية التغيير معهود بها إلى طائفة أو طبقة، ورأينا اختلافهم في التصورات وفي المسؤول عن تحقيق وتطبيق المدينة الفاضلة.
ثم دلفنا إلى منهج الإسلام في بناء المجتمع، والذي هو أربعة أركان: الأساس العقدي، والمسؤولية الفردية، طبيعة النظام العام، نظام الحماية العام.
ثم تحدثنا عن الأساس العقدي الذي يصنع الإنسان (بالتوحيد) ويرشده إلى مهمته ودوره في الحياة؛ وذلك بحمل الأمانة وتعمير الأرض ومقاومة إفسادها (الاستخلاف في الأرض)، وبعد هذا تأتي تجليات المنهج وتطبيقاته العملية.
في هذا المقال والمقالات التي تليه نعيش مع بناء الإسلام لشخصية المسلم ذاته، وذلك من خلال المسؤولية الفردية التي على كل مسلم أن يتحملها، ودورها أن يكون المسلم صالحا في ذاته وساعيًا في إصلاح غيره بما استطاع من إمكاناته مهما قلَّت، ومهما كان ضغط الواقع والظروف والسُّلُطات والمجتمعات.
وقد اجتهدنا في استقراء هذه التكاليف الفردية فوجدناها تندرج في خمسة مسارات:
الأول: عموم المسئولية؛ حيث لا يوجد في المسلمين رجل غير مكلف أو غير مسئول؛ فلكل مسلم دور وطاقة يبذلها، كل على قدر وسعه واستطاعته؛ ومن ثَمَّ فكل مسلم مسئول، كل مسلم راعٍ وله رعية ومسئولية، حتى الخادم الذي عالمه هو بيت مخدومه!
الثاني: استقلال الشخصية المسلمة؛ إذ لا يكون المسلم تَبَعًا ولا إمعة، بل هو منسجم في المجتمع الصالح وغريب في المجتمع الفاسد، ومهما بذل المجتمع الفاسد من ضغوط فإنه وإياه كالزيت والماء لا يختلطان ولا يندمجان.
الثالث: التكوين الأخلاقي للمسلم؛ وهو التكوين الذي يجعله عنصرًا فاعلاً فيما حوله ومن حوله، يجذبهم إليه بما يحمل من أخلاق وسجايا، ثم يرعاهم ويرفق بهم وهو يُوَجِّههم ويهديهم إلى صراط الله المستقيم، وهو التكوين الذي يجعله عقبة كَأْدَاء أمام الباطل وإفساده، فلا يلين ولا يستكين، ولا يقيل ولا يستقيل، بل يكافحهم ويجاهدهم حتى يفتح الله بينه وبينهم، وهو خير الفاتحين.
الرابع: التكليفات المتكاملة؛ وهي التكليفات التي تقوم بدور العلاج حين وقوع الخلل؛ فالمسلم بشر غير معصوم، وهو بحاجة إلى مَنْ يستدرك أخطاءه ويحتوي زلاته، حتى تكون أخطاء المسلمين كبشر أخف أثرًا وأقل ضررًا وأسرع زوالاً.
الخامس: حرمة اليأس؛ فيمتنع عن المسلم الانسحاب من مهمة الحياة، أو الانهزام أمام ضغوط الواقع وقهر الظروف؛ بل هو يغالبها بسنن الله، ويفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، ويبذل ما استطاع؛ ثم يُفَوِّض أمره إلى الله، والله بصير بالعباد.
ونبدأ الآن في المسار الأول: التكاليف الفردية، ونستكمل باقي المسارات بإذن الله تعالى في المقالات القادمة.
(1)جاء الإسلام بالمساواة بين البشر؛ وأعلن القرآن للناس جميعًا أنهم عند الله سواء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وفي خطبة الوداع التي كانت بيانًا عالميًّا للناس قال النبي r: "يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى"وعموم المسئولية هو الأثر المباشر من آثار المساواة التي رسخها الإسلام، فلم تعد مسئولية القيام بالدين وإصلاح أمر الحياة من اختصاص فئة دون فئة أو قوم دون قوم؛ بل صار كل فرد في ذاته صاحب مسئولية هو ملزم بالقيام بها، ثم هو مسئول عنها أمام الله تبارك وتعالى، فالحساب سيشمل كل فرد {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 95]، ولكل إنسان سجل حسابه وحده {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} [الإسراء: 13]، وسيُسْأل عن كل شيء {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]، {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]، وأخبر النبي أنه "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن: عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه"ويبدو أمر عموم المسئولية واضحًا جليًّا مفصلاً في الحديث النبوي الذي جاء عن عبد الله بن عمر t أنه سمع رسول الله r يقول: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". قال (ابن عمر): فسمعت هؤلاء من رسول الله r وأحسب النبي r قال: "وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"ومن هذا الحديث ثبت أنه لا وجود لعاطلٍ أو مهمَلٍ في الحياة الإسلامية، حتى الخادم الذي عالَمُه هو بيت سيده، وحتى الرجل الذي حدود تصرُّفه ما أعطاه له أبوه من المال، ومن هنا فارق الإسلام المناهج الوضعية واستثمر كل الطاقة البشرية في القيام بمهمة الإصلاحوثبت –من هذا الحديث أيضًا- رعاية الإسلام لشأن الفرد في خاصة نفسه مهما صغرت أو قَلَّتْ حدود عالمه ودائرة عمله، ومن آثار هذا أنه يجعل شخصية المسلم هي خط الدفاع الأخير أمام موجات الإفساد وبلوغه ذروته، كما يجعلها خط البناء الأول في رحلة الكفاح والإصلاح، فنطاق المسئوليات الصغيرة الخاصة هو مما لا تصل إليه يد سُلطة؛ لأنه مستقرٌّ في الضمير، ولا سلطان على الضمير إلا سلطان الله ورقابته؛ ومن هنا فإن لدى المسلمين دائمًا وفي أحلك الأوقات بذور صالحة في نفسها تطبق منهج الإسلام وتكاليفه في مساحة نفوذها مهما صَغُرَت؛ فهي من ثَمَّ بداية كل تغيير وإصلاح وعندها تتكسر منظومات الإفساد مهما كانت قاهرة وطاغية، فمن ذا الذي يستطيع الدخول في الضمائرولقد تبدَّى أثر الإسلام في استثارة الطاقة البشرية لدى الناس جميعًا منذ اللحظات الأولى في عمر الرسالة المحمدية؛ فلقد وجدنا في الفوج الأول من المسلمين أناسًا من العبيد والموالي؛ مثل: بلال بن رباح، وزيد بن حارثة، وشقران (مولى النبي)، وعمار بن ياسر ووالده، وعامر بن فهيرة (مولى أبي بكر) ووالده، كما نجد عددًا من النساء في مجتمع يحتقر المرأة ولا يراها ذات شأن؛ مثل: خديجة بنت خويلد، وبنات النبي جميعًا، وسمية بنت الخياط (أم عمار بن ياسر)، وفاطمة بنت الخطاب (أخت عمر بن الخطاب)، وأسماء بنت أبي بكر، وأسماء بنت سلامة (زوجة عياش بن أبي ربيعة)، وأسماء بنت عميس (زوجة جعفر بن أبي طالب)، وفاطمة بنت المجلل (زوجة حاطب بن الحارث)، وفكيهة بنت يسار (زوجة حطاب بن الحارث)، ورملة بنت أبي عوف (زوجة المطلب بن أزهر)، وأم عامر بن فهيرة، وأمينة بنت خلف (زوجة خالد بن سعيد بن العاص)، وأم أبي ذر الغفاري، بل ونجد من الغلمان كذلك مثل علي بن أبي طالب t(ولقد توقفت السيرة عند امرأة عجوز لا نعرف عنها إلا أنها كانت تنظف المسجد، فافتقدها النبي r ذات يوم فأخبروه بأنها ماتت، فعاتبهم أن استصغروا أمرها فلم يخبروه، وقال r: "أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي... دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا. فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا"ومثل ذلك سيدنا عمرو بن الجموح t الذي كان أعرج؛ ولكنه أصر على الجهاد على الرغم من أن الله عذره هو وأمثاله، وعلى الرغم من أن له أربعة أبناء يجاهدون مع النبي r؛ بل قال: "يا رسول الله إن بَنِيَّ هؤلاء يمنعوني أن أخرج معك، والله! إني لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة". فأذن له النبي r فقتل يوم أحد شهيدًاورأينا عبر التاريخ الإسلامي كله كيف برز الموالي وأبناء الأرقاء؛ حتى صاروا أئمة العلم وقادة الجهاد؛ بل صاروا الأمراء والملوك فيما بعد، بل في عهد الدولة الأموية -التي تُرمى بالتعصب للعرب ضد الموالي- نرى "سرجون بن منصور الرومي كاتبًا لمعاوية على ديوان الخراج، وكان مرداس كاتب زياد ابن أبيه، وكان زاذان فروخ كاتبًا على الخراج، وذلك في أيام معاوية بن يزيد بن معاوية، وكان أبو الزعيزعة مولى عبد الملك بن مروان كاتبًا على ديوان الرسائل، وكان شعيب الصابي مولى الوليد بن عبد الملك على ديوان الخاتم، وكان يفيع بن ذؤيب مولاه -أيضًا- كاتبًا على المستغلات بدمشق، كما كان طارق بن زياد -من البربر- قائدًا على جيش فتح الأندلس، وكان موسى بن نصير واليًا للشمال الإفريقي، وقبله تولَّى أبو المهاجر دينار مولى الأنصار إفريقية أيضًا، وتولاها -أيضًا- يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج، ولما قُتل تولاَّها محمد بن يزيد مولى الأنصار"وما زلنا نرى من ضعفاء الأمة ما يؤكد ثمرة عموم المسئولية، ومن ذا ينسى رجلاً كالشيخ المقعد المشلول أحمد ياسين؟ الذي أسس –وهو على هذه الحال- أقوى حركة مقاومة إسلامية للوجود الصهيوني في أرض الجهاد والرباط فلسطين، حتى ختم له بالشهادة نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله، وطار وصفه الآفاق "شيخ قعيد أيقظ الأمة.. فمتى يستيقظ صحيح الجسد قعيد الهمة؟!".
فكل هذا وغيره مما يملأ المجلدات من ثمرات عموم المسئولية في منهج الإسلام، فلم يبق ممن يعرف دينه أحدٌ يرى نفسه معذورًا أو غير مسئول ومكلف.نشر في ساسة بوست 

([1])أحمد (23536)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح، والبيهقي في شُعَب الإيمان (5137)، وصححه الألباني (السلسلة الصحيحة 2700). ([2])مسلم (2564). ([3])إن الرؤية المادية يستحيل عليها أن ترى البشر متساوين؛ لأن المساواة بين البشر اختيار أخلاقي وليست حقيقة مادية، وفي هذا الصدد يقول المفكر والمجاهد علي عزت بيجوفيتش: "إن المساواة والإخاء بين الناس ممكن فقط إذا كان الإنسان مخلوقًا لله، فالمساواة الإنسانية خصوصية أخلاقية وليست حقيقة (مادية)، إن وجودها قائم باعتبارها صفة أخلاقية للإنسان، كسمو إنساني أو كقيمة مساوية للشخصية الإنسانية، وفي مقابل ذلك إذا نظرنا إلى الناس من الناحية المادية فالناس غير متساوين... فطالما حذفنا المدخل الديني من حسابنا سرعان ما يمتلئ المكان بأشكال من اللا مساواة: عرقيًّا وقوميًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا. إن السمو الإنساني لم يكن من المستطاع اكتشافه بواسطة علم الأحياء أو علم النفس أو بأي علم آخر". الإسلام بين الشرق والغرب ص100. ([4])الترمذي (2417) وصححه الألباني. ([5])البخاري (2278)، ومسلم (1829). ([6])من أبرز مشكلات رؤية أفلاطون -ثم تلميذه أرسطو- تقسيم الناس إلى طوائف ثلاث (المشرعون - المحاربون والصناع- العبيد). واعتبر أن الطائفة الأولى هي التي خُلقت لتحكم وسماها "الطائفة الذهبية"، والثانية طائفة مخلوقة للطاعة العمياء وسماها "الطائفة الحديدية"، والثالثة هم الماشية مثلهم مثل البهائم العاقلة، ومن هنا كان اعتماد أفلاطون في رؤيته لحلم المدينة الفاضلة قاصرًا على طبقة المشرعين أو الحكماء أو الفلاسفة، فكانت الطاقة التغييرية -لو صح التعبير- متركزة في أعلى الهرم، وظلت الأفكار تدور حول هذا الأمر حتى أتى ماركس في العصر الحديث فَنَظَر في فلسفته للتغيير بالمنظور الأفلاطوني نفسه، ولكنه قلب الهرم، فاعتبر أن التغيير يأتي من الأسفل، من طبقة العمال (إذ لم يكن في وقت ماركس عبيد كما كانوا في وقت أفلاطون، فكان عبيد عصر ماركس هم العمال). ويكفى ما عاشاه العالم والدول الشيوعية من آثار لنحكم على نجاح هذه النظرية. إن أشهر مثال يمكن ضربه هنا هو حال مسلمي الأندلس بعد سقوطها، فبرغم الأهوال التي تعرضوا لها من محاكم التفتيش وأنوع العذاب الوحشي ومطاردة الإسلام بكل طريق، إلا أن الإسلام ظل باقيا في السر في كثير من النفوس لمدة خمسة قرون (وهذه فترة لا نعرف أطول منها في الصمود)، وتروي كتب التاريخ وقائع مذهلة في الاحتفاظ بالإسلام سرا في البيوت وفي خاصة النفوس والأهل. ونستطيع أن نروي مثل ذلك أيضا عن المسلمين في روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى ومناطق القوقاز.انظر مثلا: لوي كاردياك: الموريسكيون الأندلسيون والمسيحيون؛ المجابهة الجدلية. ترجمة د. عبد الجليل التميمي.وانظر الفيلم الوثائقي "المساء الأخير"، أذيع في جزئين على قناة الجزيرة بتاريخ 26/8/2010م. (رابط) ([8])د. علي الصلابي: السيرة النبوية ص86 وما بعدها. ([9])ابن سعد: الطبقات الكبري 3/233. ([10])البخاري (446)، ومسلم (956). ([11])أحمد (22606)، وحسن إسناده شعيب الأرناءوط، وصححه الألباني (حاشية فقه السيرة للغزالي ص200). ([12])الذهبي: سير أعلام النبلاء 1/364. ([13])د. علي الصلابي: الدولة الأموية 2/615.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 11, 2015 20:29

June 10, 2015

وقائع منسية في تاريخ القسطنطينية

منذ ظهر الإسلام وعبر تسعة قرون، ظلت القسطنطينية العاصمة الأبرز في حربه، ففي انطلاقة الإسلام الأولى كانت القسطنطينية عاصمة المسيحية الوحيدة، إذ كانت روما في ذلك الوقت تعاني من الانهيار والتفكك، ورغم أن المسلمين هددوا القسطنطينية بالحصار منذ العصر الأموي إلا أن المدينة بقيت صامدة حتى جاءها الإعصار العثماني، فيما استطاع المسلمون تحرير كامل الشمال الإفريقي وشبه الجزيرة الإيبرية من قبضة روما بل توقفوا قبل باريس، ولذلك لا يرى بعض المؤرخين الغربيينكذلك فإن الدولة الإسلامية كانت تمثل تحديا حضاريا بالنسبة للقسطنطينية، ذلك أنها كانت الدليل الساطع على أن القسطنطينية فشلت فيما نجح فيه العرب رغم أنها وريثة الحضارة الإغريقية ولغتها اليونانية، وكان العرب يمثلون ذلك الشعب الذي استطاع أن يحقق من الحضارة والنمو ما تقف أمامه تلك الشعوب مندهشة متعجبةتبدو الذاكرة الإسلامية خالية من شأن القسطنطينية، لا تتذكر إلا محاولات فتحها في العصر الأموي ثم فتحها في العصر العثماني، بينما كانت القسطنطينية حاضرة في ذهن المسلمين طوال القرون التسعة ولها معهم حكايات ووقائع كثيرة.
سنحاول عبر عدد من المقالات إنعاش هذه الذاكرة وكشف اللثام عن بعض الوقائع المنسية في تاريخ المسلمين والقسطنطينية.
(1)المخابرات الأموية في بلاط القسطنطينية
أورد النويري في نهاية الأرب قصة عملية مخابراتية قامت بها الدولة الأموية اخترقت فيها البلاط البيزنطي، وتمت بنجاح تام. تقول أوراق العملية.
أسر البيزنطيون رجلا من قريش، فذهبوا به إلى الإمبراطور البيزنطي في القسطنطينة، فلما كلمه الإمبراطور أجابه القرشي بما لم يعجبه حتى غضب لذلك بطريرك في مجلس الإمبراطور فقام إلى الرجل القرشي فوكزه. فصاح القرشي وقد آلمه ما هو فيه من الهوان: وا معاوياه! لقد أغفلت أمورنا وأضعتنا.
فوصل الخبر إلى معاوية فاهتم لأمره واحتال في افتدائه حتى حرره من الأسر، فلما وصل الأسير المحرر إلى دمشق سأله معاوية عما كان بينه وبين الإمبراطور، وسأله عن اسم البطريرك الذي ضربه، فأخبره بما كان.
فكلَّف معاوية رجلا من القادة البحريين في صور (وصور: هي مدينة ساحلية كانت تضم مركز القيادة البحرية للجيش الأموى، وتقع الآن في لبنان) من ذوي المهارة والذكاء في مهمة خاصة إلى القسطنطينية لاختطاف هذا البطريرك.
واقترح عليه معاوية أن يصنع مركبا له مجاديف داخلية، وأن يذهب به إلى القسطنطينية باعتباره تاجرا مغامرا يتاجر في بضائع بلاد المسلمين على استخفاء منهم (مُهَرِّب)، وعليه هناك أن يدبر كيف يصل إلى إمبراطور القسطنطينية، وليحمل إليه أموالا وهدايا له ولجميع مجلسه، إلا هذا البطريرك المطلوب خطفه، فإذا سألك: لماذا تهادى أصحابى وتتركنى؟ فاعتذر إليه وقل له: أنا رجل أدخل الى هذه المواضع مستترا ولا أعرف إلا من عُرِّفتُ به، فلو عرفت أنك من وزراء الملك لهاديتك كما هاديت أصحابك، ولكني إذا انصرفت إليكم مرة أخرى سأعرف حقك. ففعل القائد ذلك.
فلما عاد مرة أخرى أهداهم جميعا مثل ما كان منه في المرة الأولى، ثم اختص هذا البطريرك بمزيد من الإهداء، ونشأت بينهما صحبة خاصة على أثر ذلك حتى اطمأن البطريرك إلى صاحبه. وعند أحد الأسفار طلب البطريرك من صاحبه التاجر أن يحضر إليه من بلاد المسلمين بساطا من الديباج بألوان الزهور، فوعده بذلك.
وفي دمشق رفع القائد هذا الطلب إلى معاوية الذي أمر بصناعة البساط المطلوب على وجه الخصوص، فلما تمَّ قال معاوية لقائده: إذا دخلت وادى القسطنطينية فأخرجه وابسطه على ظهر المركب، وتربّص فى الوادي حتى يصل الخبر إلى ذلك العلج، وابعث له فى السرّ، وتحيّن خروجه إلى ضيعته التى له على ضفّة وادى القسطنطينية، فإذا وصلتَ إلى حدّ ضيعته فابتدئ بها، لعلّه يحمله الشَّرَه على الدخول إليك؛ فاذا حصل عندك فى المركب فَمُرِ الرجال بإشارة تكون بينك وبينهم أن يستعملوا المجاديف التى فى جوف المركب، وكُرَّ به راجعا إلى الشام.
فصادف وصول ذلك القائد وجود البطريرك فى ضيعته، فبَسَطَ ذلك البساط على ظهر المركب ووصل الى عرض ضيعته، فلما شاهد هذا البساط حمله الشوق إلى أن أسرع إليه ودخل في المركب، وعندئذ أشار القائد إلى رجاله، فأعملوا المجاديف المختفية وانطلقوا بأسرع ما أمكنهم إلى الشام، وأما البطريرك فقد أوثق بمجرد دخوله.
وبديهي أن الأمر تمَّ دون أن يشعر أحد من الروم بما كان، ولو أنهم شعروا بتغيبه فسيكون ذلك بعد فترة يكون بها الوقت قد فات على أي عملية إنقاذ.
وصلت المركب إلى الشام، وحُمِل البطريرك إلى دمشق حيث بيت معاوية: مقر الخلافة الأموية، وهناك أحضر معاوية القرشي، وقال له: هذا صاحبك؟
قال: نعم
قال: قم فاصنع به ما صنع بك ولا تزد
فقام القرشىّ فوكزه كما كان فعل به، ثم قال معاوية للبطريرك: ارجع الى ملكك وقل له: تركتَ ملك الإسلام يقتصّ من أصحاب بساطك (حاشيتك)؟، وقال للذى ساقه: انصرف به الى أوّل أرض الروم وأخرجه، واترك له البساط وكل ما سألك أن تحمله اليه من هديّة.
فانصرف به الى فم وادى القسطنطينية، فوجد ملك الروم قد صنع سلسلة على فم الوادى ووكّل بها الرجال، فلا يدخل أحد الى الوادى إلا بإذنه، فأخرج العلج ومن معه وما معه. فلما وصل الى ملكه ووصف له ما صنع به معاوية قال: هذا ملك كبير الحيلة. فعظم معاوية فى أعينهم وفى نفوسهم فوق ما كان(2)
في عصر الحروب الصليبية، وُلِد تحالف نادر بين القسطنطينية والبابوية الأوروبية لشن الحروب على المسلمين، وازدحمت الأجواء الأوروبية والأجواء القسطنطينية بأخبار وأشعار وقصص التوحش والدموية والطغيان الذي يتعامل به المسلمون مع النصارى المضطهدون، ومن أرشيف تلك الحقبة أخرجت المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه رسالة أرسلها بطريرك بيت المقدس تيودوسيوس إلى الأسقف أجتاتيوس في القسطنطينية يصف له حال معاملة المسلمين مع النصارى هناك، تقول الرسالة:
"إن العرب هنا هم رؤساؤنا الحكام، وهم لا يحاربون النصرانية بل على العكس من ذلك يحمونها ويذودون عنها، ويوقرون قساوستنا ورهباننا ويجلون قديسينا"تقول هونكه: ولا يكاد المرء يصدق هذا الذي يسمع!
إلا أن هذه الرسالة وأمثالها مما كان يصل إلى القسطنطينية لم يغير من مواقفها شيئا، ودخلت الجيوش الصليبية عبر أراضيها واقتطعت درة كنائس المشرق من تاجها لتكون ضمن سلطان البابوية!
نشر في تركيا بوست

برنارد لويس: السياسة والحرب، ضمن "تراث الإسلام" بإشراف: شاخت وبوزوروث، سلسلة عالم المعرفة، العدد 8، 1978م، الكويت، 1/208. زيجريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي، دار صادر، الطبعة العاشرة، بيروت، 2002م. ص354. النويري: نهاية الأرب في فنون الأدب، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1423هـ. 6/185، 186. زيجريد هونكه: الله ليس كذلك، ترجمة: د. غريب محمد غريب، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1416هـ = 1995م.  ص20.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 10, 2015 08:12