محمد إلهامي's Blog, page 61

June 10, 2015

رمضان الأول.. بشائر وتكاليف

اندفعت جيوش الفرس تجتاح الإمبراطورية الرومانية وتنتقم من هزيمتها الساحقة أيام الإسكندر الأكبر قبل تسعة قرون، وأوقعت بها هزيمة كاسحة إذ اجتاحت الشام ومصر وآسيا الصغرى وتوقفت الجيوش أمام أسوار العاصمة العتيقة "القسطنطينية"، وبدا أنه الغروب الكبير، لا سيما وإمبراطور بيزنطة حينئذ شاب نشأ في الدعة والترف وقاد قبل قليل انقلابا على الإمبراطور السابق، وفشلت محاولاته في هدنة مع كسرى أبرويز الذي لم يرض بأقل من أن يترك هرقل المسيحية ليعبد الشمس!
على هامش التاريخ –حينئذ- كانت مكة منقسمة على نفسها، فرح المشركون بانتصار الفرس الوثنيين وحزن المسلمون على هزيمة الروم النصارى لأنهم من أهل الكتاب، لا سيما وأن الفرس اجتاحوا بيت المقدس –الذي كان قبلة المسلمين وقتها- وأحرقوا المدينة وخربوا كنائسها واستولوا على الصليب الأعظم لدى النصارى وحملوه إلى بلادهم.
وفي مفاجأة غير متوقعة أعلن محمد صلى الله عليه وسلم أن الله أخبره خبرا عجيبا {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 2 - 5] وهو الخبر الذي لا يمكن تصديقه بحال، حتى إن إدوارد جيبون -مؤرخ الإمبراطورية البيزنطية- يقول بدهشة "إن محمدا تنبأ في خضم الانتصارات الفارسية بأن رايات الرومان ستعود ترفرف مرة أخرى، وفي ذلك الوقت لم يكن شيء أبعد من تحقق هذه النبوءة، فقد كانت الاثنا عشر سنة الأولى لهرقل تعلن انحلال الإمبراطورية"في ذلك الوقت انطلق أبو بكر ونادى في قريش أن الروم سينتصرون في بضع سنين، فراهنه أبي بن كعب –قبل أن يُحرَّم الرهان- ولم يكن أحدٌ في ذلك الوقت يدري أنه سيكون نصران لا نصرٌ واحد!
(1) بشائر
نفَّذ هرقل خطة غير مسبوقة في التاريخ العسكري، لم يدافع عن القسطنطينية، بل تسلل بقطعة من جيوشه خارجها وظل يثخن في الجيوش الفارسية المسترخية بعيدا في آسيا الصغرى والقوقاز حتى أُجْبِرت الجيوش المحاصرة على فكِّ الحصار، ودارت معارك هائلة كان النصر فيها للروم الذين وصلوا إلى قلب الإمبراطورية الفارسية، وكان الزمن بين ذروة الهزيمة (اجتياح بيت المقدس 614م) وبدايات النصر (623م) تسع سنين، ثم استكمل الروم انتصاراتهم حتى هزموا الفرس في قلب معاقلهم في العراق.
إلا أن مكة في ذلك الوقت لم تكن تنتظر تلك النتيجة، فلقد تغير الواقع وتبدلت الأمور، كانت مكة تتشح بالسواد لهزيمتها أمام المسلمين في بدر، وكان المؤمنون يفرحون بنصر الله الذي ما ظنوا أنه سيكون لهم على قريش، وإنما كان غاية ظنهم أن فرحتهم ستكون لانتصار الروم على الفرس.
لقد كان نصر بدر من معارك التاريخ الفاصلة، وكان زلزالا سياسيا في جزيرة العرب، إذ لم يعد الأمر مجرد خلاف داخل قريش كما هو داخل أي قبيلة، بل إن رجل قريش هذا صارت له دولة في المدينة وقد أوقع بعض رجاله –ولم يكونوا يستعدون لقتال- بجيش فيه كبار قريش وصناديدها، حتى إن الحيسمان بن عبد الله الخزاعي الذي نقل خبر مقتل كل أولئك الزعماء توقع الناس أنه مجنون لا يعقل ما يقول.
بهذا النصر صار المسلمون جزءا من معادلة القوة والنفوذ في الجزيرة العربية، وحق لمكة لا أن تخشى على تجارتها فقط بل على نفوذها نفسه، وتضعضع حال المشركين في المدينة فقد أسلم أكثرهم بعد بدر، ثم أتم المسلمون نصرهم بنصر آخر على أقوى أحزاب اليهود في المدينة: بني قينقاع، فتضعضع حال اليهود.
وهذا فضلا عن إسلام كثير من المشركين تبعا لصدق نبوءة هزيمة الفرس في بضع سنينكان هذا النصر العظيم في أول رمضان فُرِض على المسلمين صيامه، فارتبط هذا الشهر بالنصر والفتح، وهو ما سيتكرر كثيرا فيما بعد في معارك كثيرة منها: فتح مكة، معركة البويب، فتح الأندلس، كسر التتار في عين جالوت، فهو بشرى للمؤمنين.
(2) تكاليف
لكن لا ينبغي لنا أن نقف عند جانب البشائر وننسى التكاليف؛ فذلك النصر العظيم في بدر إنما نزل على نفوس بذلوا من أنفسهم طاعة لله ورسوله لا سؤال معها، فهذه السنة الثانية للهجرة كانت كأنها سنة التكاليف الكبرى
·         ففيها فُرِض القِتال وخرج فيها الصحابة في عشر معارك: غزوتين وثماني سرايا، وفيها حُوِّلت القبلة من مكة إلى بيت المقدس، وكان ذلك اختبارا شديدا لثبات المؤمنين وتسليمهم بصدق النبي وطاعته {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143] خصوصا فيما أثاره من كلام السفهاء من اليهود والمشركين حوله.
·         وفيها فُرِضت الزكاة التي أوجبت على الأغنياء إخراج بعض أموالهم للفقراء، وكان ذلك من أقسى الأشياء على نفسية العربي الذي كان إعطاء المال يساوي الذلة والمهانة
·         وفيها فُرِضت زكاة الفطر التي أوجبت على كل من يملك قوت يومه أن يدفع من ماله لكفّ الفقراء عن السؤال يوم العيد.
·         وفيها شُرعت صلاة العيد.
·         وفيها شُرِعت الأضحية
·         واخْتُلِف في بعض التكاليف هل كانت في السنة الثانية أم غيرها كالزيادة في صلاة الحضر وشرع الأذانفنحن أمام قوم تغير نظام حياتهم فاستسلموا لهذا التغيير واجتهدوا في تنفيذه، وكانوا قبله قد صبروا وهاجروا وتركوا الأهل والديار ومراتع الصبا، فكانوا يقابلون كل هذا بالسمع والطاعة والتسليم.
وهذا فضلا عن ذلك العتاب الشديد الذي نزل لهم بعد النصر ينزع منهم الغنائم ويجعلها لله والرسول، ثم يذكرهم بنعمة الله عليهم بنصره وسوء تقديرهم بكراهية القتال وسوء تصرفهم في شأن الغنائم، ويعظهم بالخوف من الله والطاعة له ولرسوله والحرص على الترابط والتماسك فيما بينهم والترفع عن أمر الدنيا والزهد فيها إلى سائر ما أوردته سورة الأنفال من خطاب قوي، فتلقى المؤمنون كل ذلك بالطاعة والإنابة.
في هذه الأجواء كان أول رمضان تعبدي حلَّ على المسلمين، فشتان بين ما كانوا ينتظرونه وهم في مكة من فرحة، وبين ما صاروا إليه في المدينة من عزة وتمكين.. ثم ما وصلوا إليه فيما بعد من الانتصار على الفرس والروم كليهما في واحدة من أسرع وأعجب انتصارات التاريخ.
ولا ينبغي لنا إن أردنا النصر حقا أن نتمسك بالبشائر وننسى التكاليف، بل تأتي البشائر بتنفيذ التكاليف إن شاء الله، ومن يدري: لعل الله أن يرينا في هذا الشهر ما تقر به أعيننا من نصر على أعدائه وأعداء دينه، فهو المستعان وعليه التكلان.
نشر في ساسة بوست

 Edward Gibbon: The History of the Decline and Fall of the Roman Empire, New York, 1857.  p. 390. أحمد (2770) وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، والترمذي (3194) وحسنه الألباني.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 10, 2015 07:57

June 1, 2015

بعض ما لا يُحكى عن فتح القسطنطينية

قد التزمنا في هذا المقال أن نسوق أقوال المؤرخين الغربيين فقط ليكون ذلك أبلغ في الحجة!
قليل من العرب والأتراك من يعرفون أن القسطنطينية فضَّلت أن تذهب إلى الأتراك على أن تخضع لسلطان الكاثوليكية في روما، وفيما قبل هذا الفتح العظيم جرت أحد أهم المحاولات في توحيد الكنيستين تحت سلطان البابا في روما، وأخفق الاتفاق الذي عقد قبل أربعة عشر عاما (1439م)، ويروي المؤرخ الأمريكي ول ديورانت أنه "لما عاد الإمبراطور اليوناني وحاشيته إلى القسطنطينية (بعد إتمام هذا الاتفاق)، قوبلوا بالإهانات والشتائم، فقد رفض رجال الدين والشعب الخضوع إلى روما"، وما إن انتصر اتجاه الاتحاد بالقوة –في العام السابق للفتح 1452- حتى تجنب الشعب "الاتصال بالكنيسة الكبرى؛ ولَعَن رجال الدين المعارضون للاتحاد كل من يؤيدونه، ورفضوا أن يغفروا ذنوب كل من حضروا قراءة المرسوم، وأهابوا بالمرضى أن يموتوا دون تناول القداس بدل أن يتناولوه من يد قس "اتحادي"، ورفض بطارقة الإسكندرية، وإنطاكية، وبيت المقدس (قرار الاتحاد)"ويعلق المؤرخ الفرنسي فرناندو بروديل على هذا فيقول: "الحق أن الكنيسة الأرثوذكسية –ولنا أن نقول الحضارة البيزنطية- فضَّلَتْ على الاتحاد مع اللاتينيين الخضوعَ للأتراك، ولا سبيل هنا إلى إلقاء الأمر على قرار متعجل اتُّخِذ عفو الساعة في مواجهة حدث معين، وإنما لا يعدو الأمر أن يكون النتيجية النهائية والطبيعية لسباق زمني طويل من تحلل إمبراطورية بيزنطة ذاتها، والتي رفضت الوحدة مع اللاتينيين وكانوا دون سواهم القادرين على إنقاذها من الخضوع لبراثن الأتراك، وذلك من ناحية أخرى ما عمل على ازدياد نفور اليونانين من التقارب مع اللاتينيين وكانت بينهم خلافات عقدية لاهوتية. فقد كانت الوحدة ممكنة... ولكن اليونانيين كانوا يفضلون الأتراك... ويكتب بطريرك القسطنطينية عام 1385 إلى البابا أوربان السادس يقول: إنهم [أي: الأتراك المسلمون] على الأقل يتركون للكنيسة اليونانية كامل حرية الحركة... ويكتب بترارك –وهو من أشهر كتاب العلوم الإنسانية في عصر النهضة ومن المؤرخين البارزين- يقول: لا شك أن هؤلاء المنشقين [أي: أهل القسطنطينية] خافوا منا.. وكرهونا من أعماقهم"ويذكر المستشرق البريطاني المعروف توماس أرنولد أنه "لم تكد حاضرة الإمبراطورية الشرقية القديمة (القسطنطينية) تسقط في أيدي العثمانيين حتى توطدت العلاقات بين الحكومية الإسلامية والكنيسة المسيحية بصفة قاطعة وعلى أساس ثابت. ومن أولى الخطوات التي اتخذها محمد الثاني بعد سقوط القسطنطينية وإعادة إقرار النظام فيها، أن يضمن ولاء المسيحيين بأن أعلن نفسه حامي الكنيسة الإغريقية؛ فحرَّم اضطهاد المسيحيين تحريما قاطعا، ومنح البطريق الجديد مرسوما يضمن له ولأتباعه ولمرءوسيه من الأساقفة حق التمتع بالامتيازات القديمة والموارد والهبات، التي كانوا يتمتعون بها في العهد السابق. ولم يقتصر المسلمون في معاملة رئيس الكنيسة على ما تعود أن يلقاه من الأباطرة المسيحيين من توقير وتعظيم، بل كان متمتعا -أيضا- بسلطة أهلية واسعة... وكان من أثر ذلك أن الإغريق -ولو أنهم كانوا يفوقون الأتراك عددا في كل من الولايات الأوربية التابعة للدولة العثمانية- قد جعلهم التسامح الديني الذي رخص لهم، وما تمتعوا به من حماية لحياتهم وأموالهم، يسرعون في الموافقة على تغيير سادتهم وإيثار سيادة السلطان على سيادة أية سلطة مسيحية، وكان الغزاة العثمانيون في بقاع كثيرة من المملكة يلقون ترحيبا من جانب الإغريق، ويعدونهم مخلصين لهم من الحكم الظالم المستبد"وهكذا فإن احتفاظ الكنيسة –كما يقول نيقولا فاتان– "باستقلال روحي لم يكن بوسعه إلا أن يداعب مشاعر الشعب المعادية للاتينيين، وسوف تدار "الأمة" اليونانية وتُمَثَّل من جانب البطريرك، وسوف تُحَلُّ الخلافات بين اليونانيين عن طريق محاكم أرثوذكسية، وأخيرا، فإن الممارسة الحرة للعبادة سوف تكون مكفولة، وصحيح أن هذا القانون يتمشى مع الوضع العادي للطوائف المسيحية في البلدان الإسلامية، لكن تأكيده على نطاق الدولة وتعزيز مكانة البطريركية يشكلان حدثا هاما"ويدافع المستشرق الأمريكي الصهيوني برنارد لويس عن صورة العثمانيين الفاتحين، رغم أنه من ألدّ أعدائهم، فيقول بأن "الأتراك الذين دخلوا القسطنطينية فاتحين، لم يكونوا المتوحشين البدائيين كما يصورهم بعض كتاب الغرب. بل كانوا ورثة وحاملي حضارة قديمة ورفيعة: أي حضارة الإسلام القديمة، والتي هم أنفسهم أضافوا إليها قدرا غير يسير"، وهو حين يصف عظمة اسطنبول لا ينسى أن يقول أن "معظم اليونانيين الذين كانوا غادروا المدينة قبيل الفتح قد عادوا إليها إلا القليل منهم، وجاء الآخرون من جميع أنحاء الإمبراطورية ليشاركوهم، وشكل هؤلاء جالية غنية تحت زعامة بطريركهم. وقد ازداد عدد اليهود أيضا، والذين كانوا موجودين من قبل في العاصمة البيزنطية"ويفسر المستشرق الألماني كارل بروكلمان هذه العودة بقوله: "عمل محمد على تنظيم أحوال اليونان (الروم) المغلوبين، للتو والساعة. والواقع أنه أبقى على استقلال البلغار الكنسي، فِعْل أسلافه من قبله، واعترف –وفقا للفكرة الإسلامية المعززة بالتقاليد الدينية- بجميع السلطات الدينية اليونانية. بل إنه زادها قوة إلى قوة بأن وكل إليها أمر القضاء المدني وتطبيق أحكامه على أتباعها... ولم يكد يُعَيِّن في البطريركية ممثلا حازما للكنيسة الوطنية حتى رجع إلى أرض الوطن، بناء على دعوته، عدد غفير من الروم الذين نزحوا عن ديارهم قبل الكارثة"وما إن تم الفتح حتى بدأ محمد الفاتح في سياسته "الرامية إلى استعادة شأن اسطنبول، وقد أمر محمد الثاني بأعمال هامة: إصلاح الحصون وبناء قلعة الأبراج السبعة (يديقولي) وقصر في وسط المدينة، وفي عام 1459 يتلقى كبار وجهاء الدولة الأمر بأن ينشئ كل منهم مجمعات علاجية وخيرية وتجارية حول المساجد الكبرى. وعندئذ تعاود الحياة الفكرية والاقتصادية الازدهار في المدينة"نشر في: تركيا بوست

ول ديورانت: قصة الحضارة، ترجمة محمد بدران، دار الجيل، بيروت 20/21. نيقولو باربارو: الفتح الإسلامي للقسطنطينية، ترجمة ودراسة د. حاتم الطحاوي، عين للدراسات والبحوث، القاهرة، الطبعة الأولى، 2002م. ص35 (مقدمة المترجم، وهو ينقل عن:Dukas: decline  decline and fall of byzantium, Trans. By, Harry J. Magoulias (Detroit, 1975) p. 210. فرناندو بروديل: تاريخ وقواعد الحضارات، ، ترجمة وتعليق سفير. د. حسين شريف، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999م. ص25. توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام، ترجمة حسن إبراهيم حسن وآخرون، مكتبة النهضة المصرية، 1980م. ص170 وما بعدها. نيقولا فاتان: صعود العثمانيين، ضمن "تاريخ الدولة العثمانية" بإشراف: روبير مانتران، ترجمة بشير السباعي، دار الفكر، القاهرة، الطبعة الأولى 1993م. 1/124. برنارد لويس: اسطنبول.. وحضارة الخلافة الإسلامية، ترجمة وتعليق: سيد رضوان علي، الدار السعودية، جدة، الطبعة الثانية، 1402هـ = 1982م. ص135. كارل بروكلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: أمين نبيه فارس ومنير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، 1968م. ص431. نيقولا فاتان: صعود العثمانيين 1/124. برنارد لويس: اسطنبول.. وحضارة الخلافة الإسلامية ص136، 137.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 01, 2015 13:01

May 30, 2015

الذات الإسلامية أساس النهضة

في إطار تأسيس أصول علم الاستغراب، ذكرنا أن أول هذه الأصول هو "الانطلاق من الإسلام"، وذلك لأن وجود النموذج هو من ضرورات العلوم، ثم إن المسلم لا يسعه أن يتخذ له منهجا غير الإسلام، كذلك فإن الإسلام من حيث كونه دينا ربانيا ونموذجا معصوما فإن يعطينا من العلم والهدايات والتوجيهات ما يحسم أمورا كانت بغيره تكون بلا حل ولا حسم.
ونواصل فنقول بأن: الذات الإسلامية هي أساس النهضة.
فيجب أن يكون الإسلام هو نموذجنا الحاكم لأن الذات هي أساس النهضة، فإن "الشرق بالإسلام، والإسلام بالشرق، وإذا تحدثت عن أحدهما فكأنني أتحدث عن الآخر. والإسلام دين ومدنية، وإن أمتنا ذات مدنية أصيلة، وليست الأمة الطفيلية التي تُرَقِّع لمدنيتها ثوبا من فضلات الأقمشة التي يلقيها الخياطون"وما من أمة استطاعت بعث نفسها في عالم الحضارة إلا بالتمسك بأصولها وإن كانت فاسدة.
فلولا أن اليهود -حين تقطعوا أمما- كانوا في حاراتهم يحيون مجتمعهم القديم؛ لذابوا، وإنما كانت هذه المجتمعات هي نواة تجددهم وإعادة انبعاثهم في دولة، فحتى "الحديث اليومي بين اليهود في المجتمع لم يكن يتمُّ بلغة البلاد، وإنما برطانة يهودية خاصة تُسَمَّى باليديش، وحين كان يهودي الجيتو يتعلَّم لغة جديدة، فإنه كان يتعلَّم "لشون هاقدوش"؛ أي: اللسان المقدس أو اللغة العبرية؛ لأن مجرَّد النظر إلى أبجدية الأغيار كان يُعَدُّ كفرًا ما بعده كفر، يستحقُّ اليهودي عليه حرق عينيه"ولعله يثير العجب أن نجد الرواد الأوائل للنهضة الغربية، مع ثبوت تأثرهم بالإسلام وحضارته بشكل مباشر أو غير مباشر، يأخذون منه وهم يسبونه ويحتقرونهوحين أخرجت اليابان بعثة من طلابها للتعلم في أوروبا، أغروهم هناك بدراسة الفلسفة والأفكار والآداب الغربية لا التقنية والصناعات كما هو المطلوب، فلما أن عادوا أمَر الإمبراطور الياباني بإحراقهم، ويرى د. عبد العظيم الديب أنه ربما يكون هذا هو السبب الذي أوصل اليابان إلى نهضتهاويشن باتريك بوكانان حربا واسعة في كتابه "موت الغرب" ضد من يتحدث عن جرائم الرجل الأبيض وتاريخه في المجازر والمذابح، ويقول بأن هذه "الحرب على الماضي" هي المسؤولة عن إنتاج أجيال لا تؤمن بنفسها ولا تنتمي إلى حضارتها، ولا بأس لديه في طمس كل هذا تجنبا لتفكك أمريكاوإذا كان هذا تصرف الأمم ذات التاريخ الدموي الملوث، فكيف بنا نحن وبتاريخنا الناصع؟ حتى وإن كانت كلمة "الناصع" هذه تثير "الموضوعيين، وذوي الحساسية الحيادية"، إلا أن تاريخنا بالمقارنة بهذه التواريخ ناصع ولا شك، ولولا أن يخرج البحث عن قصده لأوردنا من أقوال مؤرخيهم ما يشهد بهذا.
لقد وُفِّق الأستاذ الإمام محمد عبده حين وصف السرَّ في ضرورة أن تكون النهضة ذاتية، قال: "إذا كان الدين كافلا بتهذيب الأخلاق، وصلاح الأعمال، وحمل النفوس على طلب السعادة من أبوابها، ولأهله من الثقة فيه ما ليس لهم في غيره، وهو حاضر لديهم، والعناء في إرجاعهم إليه أخف من إحداث ما لا إلمام لهم به، فلِمَ العدول عنه إلى غيره؟!". فهذا على الحقيقة هو السر الذي يفسر أقوال زعماء كل نهضة في كل مكان***
إن "الانطلاق من الإسلام" هو ما يعصمنا من التأثر غير الواعي بالمناهج الأخرى، وقد رأينا في تاريخنا القريب كيف يكون المرء متعصبا ضد الغرب ولكن على منهاج الغرب نفسه، كما هو الحال في القوميين العرب، الذين شربوا القومية بمفهومها الغربي ثم أعادوا توجيهها ضده، ويظنون أنهم متحررون منه مضادون لههذا حسن حنفي الذي كتب "مقدمة في علم الاستغراب" ليواجه به التغريب، لم يشعر أنه يتحرك على قاعدة الغرب إذ يواجهه، ودعا إلى استعراض جديد للتاريخ بناء على رؤيتنا كشرقيين، فانظر ماذا صنع؟
قال حسن حنفي: "العصور الوسطى بالنسبة للغرب هي بالنسبة لنا عصرنا الذهبي (وبالتالي) فإن العصور الحديثة بالنسبة للغرب هي عصورنا الوسطى... ويظهر (أثر المركزية الغربية) في وعينا الحالي لدرجة زحزحة الوعي التاريخي الإسلامي كلية لحساب الوعي التاريخي الأوروبي، فإذا سئلنا: في أي قرن نحن نعيش؟ لأجبنا في القرن العشرين! أي أننا نجيب بحضور الوعي التاريخي الأوروبي ونحن لسنا أوربيين. ولو سئلنا في أي عصر نحن نعيش لأجبنا: في عصر العلم والتكنولوجيا مع أننا ما زلنا في عصر النهضة، نحاول الخروج من العصر الوسيط"فهنا يبدو حسن حنفي محكوما بالسياق الغربي نفسه والتقسيم الغربي للعصور والمراحل، لكنه يريد زحزحة هذا المقياس لتعبر كلمة "العصور الوسطى" ذاتها عن زمن آخر، وكلمة "عصر النهضة" عن زمن آخر، فالمعيار والتقسيم واحد بينما "تصنيف الحالة" داخل هذا المعيار هو المختلف باختلاف الحالة بيننا وبين الغرب. بينما الاستغراب الذي نؤصل له والمنطلق من رؤية إسلامية لا يلتزم بالأساس بهذا المعيار، وليس محكوما بأن نُجْرِيَ مقياسهم على تاريخنا، فنحن لسنا ملزمين من الأصل بأن نستعمل هذه المصطلحات التي صارت لها مدلولات سلبية (العصور الوسطى) أو إيجابية (عصر النهضة)، وإذا ألزمتنا ظروف علمية أو أكاديمية أو شيوع المصطلح، فبالإمكان أن نعمل على نزع الإيحاءات السلبية أو الإيجابية لما لا نرتضيه من مدلولات هذه الألفاظ. ولا يعني هذا الاضطرار أن نتخلى عن صياغة النظرية أو المعيار الذي يعبر عن تاريخنا وعن تاريخ العالم أصدق تعبير، وهو معيار منطلق من القرآن والسنة. وقد بُذِلت مجهودات كثيرةثم لا بأس أن نستعمل مقياسهم إذا وجدناه الأصدق في التعبير عن حقيقة علمية، باعتباره حكمة نأخذها من كل أحد، إلا أن هذا سيكون قليلا إذا كان "الانطلاق من الإسلام" هو المنهج، بينما سيكون كثيرا إذا كان "الانطلاق من الجغرافيا" هو المنهج، ولا يكون من فائدة حينئذ إلا تغير وِجْهة الألفاظ.
وفي النهاية يظل موضوع "الانطلاق من الإسلام" في دراسة الغرب بحاجة إلى مؤتمر أو أكثر، وعدد من الندوات وورش العمل لصياغة ملامح عامة يسترشد بها أصحاب التخصص في دراساتهم التفصيلية والفرعية المتخصصة.
نشر في نون بوست


عبد الرزاق السنهوري: إسلاميات السنهوري باشا ص. د. عبد الوهاب المسيري: الأيديولوجية الصهيونية 1/ 31، 32. ونحن لا نضرب المثل بهم في الإجحاف والظلم بل نضربه في قدرتهم على الانتقاء وأخذ ما يريدون دون ما يكرهون. ثابت عيد (مترجم): صورة الإسلام في التراث الغربي ص20، 21، 24، 25، 32. د. عبد العظيم الديب: نحو رؤية جديدة للتاريخ الإسلامي ص182. باتريك بوكانان: موت الغرب ص285 وما بعدها. محمد عبده: الأعمال الكاملة للأستاذ الإمام 3/248. والحديث هنا عمن صدقوا في مذهبهم، لا عمن كانوا قوميين ظاهرا وهم أدوات الغرب والشرق -ومؤخرا: إيران- على الحقيقة! د. حسن حنفي: مقدمة في علم الاستغراب ص41، 42. كتب في هذا المجال كثيرون منهم الشيخ محمد قطب رحمه الله، والشيخ د. منير الغضبان رحمه الله، ود. جمال عبد الهادي، ود. عماد الدين خليل،  وغيرهم.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 30, 2015 10:32

May 28, 2015

نخبة عصر الاحتلال

في إحدى قرى المنوفية، قبل أكثر من مائة عام، دخل ثلاثة من الجنود الإنجليز -وهم في إجازة من عملهم العسكري- ليصيدوا الحمام..
فأصابت إحدى رصاصاتهم امرأة داخل جرن قمح، فقتلت المرأة واشتعل الجرن نارا، فهاج زوجها يريد أن يسوق العساكر الإنجليز إلى القسم، فتعصب له زميلاه، فتعصب للرجل أهل القرية، فهاجموا الإنجليز فأصابوا الثلاثة، لكن الثالث فرَّ منهم، وأثناء فراره أصيب بضربة شمس فمات.
فحضرت القوة البريطانية فقررت أن تعاقب الرجل وجميع جيرانه، وبينما هم يجمعون الناس للاعتقال، فرَّ منهم واحد، فأطلقوا عليه النار وقتلوه ومثلوا بجثته.
ولمزيد من النكاية والانتقام عقد الإنجليز محاكمة لأهل القرية، استغرقت في نظر القضية ثلاثة أيام لمحاكمة خمسين من المتهمين، ولم تعط المحكمة فرصة لسماع الدفاع إلا نصف ساعة (أي 30 ثانية تقريبا لكل متهم).. ثم قضت عليهم بهذا القضاء:
الإعدام لأربعة
الأشغال الشاقة المؤبدة لاثنين
السجن خمس عشرة سنة لواحد
السجن سبع سنين لستة
خمسين جلدة لخمسة
ما قد يندهش له الكثيرون هو "المشاركة المصرية" في هذه المحكمة، وكانت كالآتي:
1- أن رئيس المحكمة كان بطرس غالي (جد بطرس غالي ويوسف بطرس غالي)
2- وأن أحد قضاتها كان هو أحمد فتحي زغلول (شقيق سعد زغلول) وهو الذي كتب حيثيات الحكم القضائي
3- وأن تنفيذ الأحكام تم تحت إشراف محافظ المنوفية
4- وأن الشرطة المصرية "الخيالة" كانت تحرس موقع الإعدام الذي نُفِّذ في القرية أمام أهالي المحكوم عليهم.
5- وأن ممثل الاتهام في المحكمة كان هو إبراهيم الهلباوي، والذي برأ الإنجليز من دم المرأة والرجل وحرق الجرن، وأدان الاعتداء الذي أوقعه الفلاحون على الضباط الإنجليز!!
6- وأن الصحف المصرية التابعة للإنجليز (بما فيها صحيفتان نصرانيتان) أدانت التعصب الديني لدى الفلاحين الذين قتلوا الإنجليز لمجرد أنهم كفرة (والواقع أنهم لم يقتلوا أحدا وإنما أصابوا، وأن الدافع كان هو رد الاعتداء).
ولهذا يجب أن نعلم علم اليقين أن عملاء الاحتلال ليسوا أقل ضررا من الاحتلال نفسه، بل أشد وأخطر.. وأنه ما نزل الكفر بأرض إلا وتحول إليه بعض أهلها ضد أنفسهم وأهليهم وضد الحق والعدل.
لقد أثارت هذه الحادثة كافة الأحرار في مصر وغيرها، حتى لقد أدانها بعض الإنجليز أنفسهم، وترتب عليها عزل اللورد كرومر الحاكم الفعلي لمصر..
غير أن الذي يجب أن نتوقف عنده طويلا.. أن كرومر عُزِل تتبعه اللعنات، فيما بقي نظامه ورجاله يواصلون عمله..
لقد صار بطرس غالي رئيسا للوزراء، يحكم وينفذ ويبيع موارد البلد لأجيال قادمة للإنجليز.. وظل أحمد فتحي زغلول من النخبة الوطنية، وظل إبراهيم الهلباوي كذلك من هذه النخبة.
ولقد منَّ الله على المصريين بأن استطاع إبراهيم الورداني -شاب من الحزب الوطني التابع لمصطفى كامل- أن يغتال بطرس غالي (1909).. لكن لم يستطع أحد الوصول إلى غيره فظلوا كما هم.
وحين كنت اقرأ مذكرات أحمد أمين، لفت نظري هذا الموقف العجيب..
لقد آتاه خبر دنشواي وهو في وليمة عشاء، فكتب يقول: "فتنغص عيشنا، وانقلبت الوليمة مأتما، وبكى أكثرنا".
لكنه بعد عدة صفحات يحكي لنا مواقف عن إبراهيم الهلباوي الحاضر دائما في الصالونات الثقافية، فهو يجالس من "تنغص عيشهم" قديما بلا نكير، بل ويقوم أهل المجلس والبوليس على حراسته ورعايته مما قد يقوم به بعض الشباب من تذكير له بتاريخه في محكمة دنشواي.
وبعد عدة صفحات أخرى وفي حفل تكريم لأحمد أمين يذكر كيف كان حفل تكريمه هذا مشهودا، فيذكر الموائد ومن كان على رأسها فيكون منها مائدة على رأسها إبراهيم الهلباوي نفسه!!
لقد ذهب تنغص العيش وبكاء الوليمة القديمة، وصار الرجل حاضرا على مائدة ولائم التكريم!
إنني ما زلت متحيرا، هل من العدل إدانة أحمد أمين في مثل هذه المواقف؟ أم أنه قانون الزمن.. قانون فشل الثورات وحركات المقاومة التي من توابعها أن يعلو الأرذلون في الأرض ويصيرون هم النخبة!
لقد صار هؤلاء نخبة بقوة قانون الزمن، ما يستطيع أحد أن يحذفهم من جملة النخبة ولو كره، يُدعون في المجالس ويُقَدَّمون في الولائم والحفلات.. رغم كل تاريخهم!
لو أن هذه الثورة فشلت وانتهت حقا، فسيكون معتز عبد الفتاح وناجي شحاتة وتوفيق عكاشة ومصطفى بكري وتامر أمين وأشباههم هم نخبة العصر.. ولن تتلوث أسماؤهم إلا إن حدثت ثورة أخرى ونجحت بعد نصف قرن آخر على الأقل!
إن عرابي ظل مشتوما ملوثا طوال عهد أسرة محمد علي، حتى إن من ورثوا القضية كانوا يذكرونه بالشتائم أيضا.. فإنك لتجد في رسالة لمحمد فريد -الزعيم الوطني ووارث الحزب الوطني لمصطفى كامل- موجهة إلى الخديو يصف فيها الثورة العرابية بأنها "الثورة المشؤومة".
ترى هل كانوا مخدوعين جراء الغزو الفكري والتخريب المعرفي؟ أم كان ذلك أمر قاهر لا يستطيعون منه فكاكا؟.. هذا مبحث آخر. لكن الخلاصة أن هزائم الثورات وحركات التحرر تأتي بالأرذلين في موضع النخب، وتلقي بالثائرين تحت الأقدام.
فاختاروا لأنفسكم.. واختاروا لأبنائكم!
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 28, 2015 04:31

May 25, 2015

موجز تاريخ الثورة المصرية

عانت مصر من تدهور الأحوال على كافة المستويات، وفي نهاية ثلاثين سنة من حكم مبارك العجوز التقت رغبات أطراف عدة على إسقاط نظامه؛ ففي الداخل لم يرض العسكر –وهم يرون حكم مصر حقا لهم منذ 1952- بخطته لتوريث ابنه جمال، وكان الشباب قد اكتشفوا أنفسهم وواقعهم من خلال الانترنت الذي لم يتح فقط مصادر حرة للمعلومة بل أتاح بيئة للتفاعل والتواصل والمبادرة.
وبعد نجاح أمريكا في إسقاط نظامين وإقامة نظامين في أفغانستان والعراق، لم تشك في قدرتها على فعل هذا في مصر بغير حرب، إذ هيمنتها على النظام المصري كاملة. فحملت النظام على إجراء انتخابات شبه ديمقراطية وعلى ترك مساحة واسعة للإعلام –الذي شهد منذ أواخر 2004 ثكاثرا في عدد الصحف والفضائيات- الذي صار يهاجم شخص مبارك بضراوة مفاجئة، ثم التقى مرة أخرى –بخلاف اتجاهاته- على تلميع محمد البرادعي ليكون الرئيس القادم. كذلك شهدت مصر تكاثرا في منظمات المجتمع المدني التي تبنت أو دعمت حركات شبابية أو بعض رموزها.صار المشهد كالآتي: ساحة مهيئة للثورة، تزداد سخونة بالإعلام الجرئ، أجنحة النظام متعارضة في ظل حاكم عجوز، نخبة علمانية، والإسلاميون لا يريدون أكثر من التغيير وفتح مساحة حرية ولا ينوون المنافسة على الحكم، ووقود الساحة شباب يمكن احتواؤه، وشخصية علمانية تتصدر التغيير.
جاءت الشرارة بسقوط نظام بن علي، فشهدت مظاهرات 25 يناير –التي خرجت في يوم عيد الشرطة للاحتجاج على الشرطة- أعدادا غير مسبوقة، سرعان ما شجعت أطيافا أخرى على النزول في يوم 28 يناير الذي كان يوم الثورة بحق، إذ استطاعت الحركة الشعبية كسر جهاز الشرطة وحرق العديد من المقرات الأمنية، ثم صاحب ذلك تنفيذ لخطة فوضى بفتح السجون، لكن خطة الفوضى دعت المزيد من الناس للنزول وتشكيل لجان شعبية، فساهم هذا في مزيد من انهيار الجهاز الأمني وسيطرة الناس على الشوارع، ونزل الجيش للسيطرة على المقرات المهمة.
بدت هذه اللحظة هي المناسبة للتخلص من حكم مبارك، نزل الجيش إلى الشارع، وأعلن في وقت لاحق أنه لن يتصدى للمتظاهرين، ورغم أن هذه الأيام الثمانية عشرة قد شهدت عددا من اللحظات كان يمكن فيها فض الاعتصام في ميدان التحرير إلا أن هذا القرار لم يتخذ، أو اتخذ ولم يُسمح بتنفيذه. فصار الميدان بؤرة تتسع وتحتوي الفاعلية الثورية التي تمددت لتصل إلى إضرابات في المصانع الحربية ودعوات لحصار مبنى التليفزيون وقصر الرئاسة. وعند هذه اللحظة اتخذ الجيش قراره بالانقلاب على مبارك، لكنه أخرج المشهد في صورة: تنحي!
بدا سقوط مبارك بعد ثلاثين سنة كالمعجزة، وبذل المجلس العسكري جهدا كبيرا لطمأنة الشارع الذي أحس بقوته وقدرته على صنع المعجزات، فرتب لجنة تعديلات دستورية متوازنة (ستة شخصيات تحظى بالاحترام وتمثل القوى: الإسلامية والليبرالية والقومية واليسارية والأقباط) وضعت تعديلات محترفة تنهي بها المرحلة الانتقالية في ستة أشهر.
كانت هذه التعديلات –نظريا- أسرع وأسلم طريقة تحول من الثورة إلى الدولة، فقد رتبت انتخابات البرلمان الذي سينتخب لجنة تكتب الدستور، وفي أثناء كتابة الدستور ينتخب الرئيس، فينتهي كل شيء في ستة أشهر وفي ظل الزخم الثوري لحماية النظام الجديد. إلا أن هذه التعديلات تقضي عمليا على نفوذ العسكر والعلمانيين فإنهم بلا شعبية، فانطلقت حملات إعلامية ضخمة ضد الإسلاميين (ما تزال كل وسائل الإعلام بيد النخبة العلمانية) خصوصا الغول السلفي الخارج من كهف النسيان، وكانت الصدمة هائلة حين خرجت النتائج بتأييد التعديلات بنسبة 77%.
قال الشعب: نعم، وسار العسكر في طريق "لا"، وغض الإسلاميون الطرف عن هذا رغبة في تجنب الصدام مع الجيش، وانقسم المشهد إلى ثلاث فئات: فلول وعسكر - علمانيين – إسلاميين، وفي الوسط بينهم شباب ثائر مفتقد لقراءة المشهد وطبيعته وهم على استعداد لبذل دمائهم لكن ضعفهم وتفرقهم يعجزهم عن فرض خيارهم ومثاليتهم تُعجزهم عن اختيار أفضل الحلين. وفي خلال الستة أشهر –التي زادت إلى العام ونصف- تضخم الاستقطاب بين الأطراف جميعا. وفي خلالها انبعث فجأة إسلاميون آخرون لا يقبلون تنازلات الإخوان على رأسهم رجل المرحلة حازم أبو إسماعيل الذي أعاد المشهد إلى حقيقته: صراع الشعب إسلامي الهوى والمزاج ضد العسكر ومعهم العلمانيون الذين يريدون تجاوز الشعب وصنع نظام فوقي ثم تسويقه، مما أربك الخريطة السابقة تماما. وانقلبت مشورة وأفكار النخبة العلمانية العسكرية عليهم: فتأجيل الانتخابات أدى لزيادة الاستقطاب (فازداد الإسلاميون قوة وازداد غيرهم تشرذما) وابتداع نظام الانتخاب القائمة الذي اضطر معه الإخوان للمنافسة على كل المقاعد لا على ثلثها كما تعهدوا ثم -وهو الأعجب- أنه أتى لهم بالسلفيين (وقد كان مستحيلا حصولهم على هذه النسبة بالفردي).
خلال العام والنصف، وقعت كثير من الوقائع الثورية والاشتباكات الدموية أبزرها: فض اعتصام التحرير (تبعه اعتذار من المجلس العسكري) فض اعتصام أهالي الجرحى (تبعته أحداث محمد محمود التي اضطر المجلس العسكري على إثرها أن يحدد موعد الانتخابات الرئاسية) فض اعتصام مجلس الوزراء (وفضيحة سحل الفتاة) ثم عدد من المرات في العباسية والتحرير ورمسيس وغيرها. وتحطم ما كان بين العسكر والإسلاميين من ود ظاهر، خصوصا بعدما رفض المجلس العسكري أن ينفذ صلاحيات مجلس الشعب، وبعدما استعمل سلاح القضاء لحل لجنة الدستور ثم لحل مجلس الشعب. وكانت القاصمة برفض تشكيل البرلمان للحكومة، وترشح عمر سليمان وأحمد شفيق لانتخابات الرئاسية (وهذا يعني عودة عصر المذابح من جديد)، فاضطر الإخوان للترشح للرئاسة. وبعد سجالات وأحداث عصيبة فاز محمد مرسي، بعدما قدم الإخوان كل ما يجعلهم أفضل المتاح: اعتدال في مقابلة تشدد حازم أبو إسماعيل (المرشح الأوسع شعبية على الإطلاق)، شعبية تجعلهم طرفا يملك تحقيق الاستقرار، تعهد بالحفاظ على الوضع الخاص للجيش في مقابل المطالب الثورية، وهم الخيار المتاح أمام شباب الثورة المخلص بديلا عن عودة النظام القديم، وهم الخيار المتاح أمام غيرهم من الإسلاميين والأفضل من النظام العلماني أو النظام العسكري.
منذ اللحظة الأولى لفوزه بدأ طوفان إعلامي غير مسبوق ضده وضد نظامه في محاولة مبكرة لتقويضه، وتضافرت مؤسسات الدولة القديمة مع وسائل الإعلام (التي تدفقت عليها أنهار من المال الخليجي) لتنهي تجربته في أقرب وقت، واستطاعت هذه الموجة أن تبتلع كافة الرموز الشبابية الثورية (التي تم تصنيع أغلبها إعلاميا عبر العامين ونصف العام) لتكون –إلا القليل النادر- من أشد الفئات على مرسي. وأثيرت الفوضى الأمنية التي يدعمها التحريض الإعلامي والتخريب الاقتصادي والأحكام القضائية والتمويل الخارجي ليظل المشهد طوال عام حكم مرسي من أغرب ما يكون: دولة تعمل ضد رئيسها.
وعلى الجانب الآخر، بذل مرسي جهودا مضنية وخرافية في تحسين الأوضاع الاقتصادية وحقق على هذا المستوى نجاحا مدهشا (لكنه لم يُسوَّق في ظل الآلة الإعلامية الجبارة لخصومه)، لكنه كان في غاية السوء والفشل في إدارة ملفات الأمن والسياسة. ذلك أنه –وبنفسية الداعية الإصلاحي- تعامل مع الجيش والأمن والمخابرات والإعلام وخصومه السياسيين بقدر مدهش من الرفق واللين والتسامح رغبة في كسبهم، بينما جعلهم هذا يطمعون فيه أكثر وينتقلون إلى هجوم أوسع. وكان من ضرورات ذلك ألا يصارح الشعب بحقيقة ما يحدث وأن يدير معركته في الخفاء والدهاليز مما أسفر عن تفتت الالتحام الشعبي خلفه، بل وانسياق كثير منه مع الموجة الإعلامية الهادرة ضده. وكان أخطر ما في الأمر: الوثوق الكامل من جانب مرسي وقيادات الإخوان بشخص السيسي ومحمد إبراهيم.
توج هذا كله بمشهد 30 يونيو الذي دُبِّر لتنفيذ انقلاب 3 يوليو، وهو المشهد الذي توقعه الجميع إلا الإخوان، أو لعلهم توقعوه ولم يريدوا أن يصدقوه، فوجدوا أنفسهم فجأة أمام دولة انقلبت عليهم وأظهرت أنيابها، وبين نظام استعاد نفسه عبر سنة حكمهم وبين جماعة لم تحسب للأمر حسابا جرى المشهد الحاضر حتى الآن: نظام يعرف ما يريد ومقاومة متفاجئة مندهشة تحار في أمرها، لذا سدد النظام ضربات قوية باعتقال القيادات المؤثرة وفض الاعتصامات بعنف ومصادرة الأموال والسيطرة على المؤسسات والجمعيات. فتشتتت الجماعة –ومن ورائها الإسلاميين- واستفاق شباب الثورة المخدوع على الحقيقة الأليمة، فمنهم من أكمل المسير ومنهم من توقف أو همس باعتراض فاعتقل وأقلهم انضم لمعسكر مقاومة الانقلاب مشتتا كغيره من رفاق معسكره.
لكن نظام السيسي فشل فشلا ذريعا في إدارة الشأن المصري بعد الانقلاب، رغم الدعم الكامل من مؤسسات الدولة ومن النظام الإقليمي والدولي، ولم يستطع القضاء على الإخوان، بل أنتج بطشه بذور حركات مسلحة يبدو أنها تتطور وتزيد قوة مع الأيام. بالإضافة إلى فشله في الملفات الاقتصادية والسياسية، وهو الآن يعاني سوء علاقات مع كل دول الجوار، وزاد الأمر سوءا عليه بتغير الوضع في السعودية.
تتمثل أهم النجاحات في: حسن استعمال الانترنت وتنظيم الشباب لأنفسهم في حركات وفعاليات ثورية، إسقاط حسني مبارك، مقاومة المجلس العسكري حتى إسقاطه وإنجاح مرسي، صمود مرسي والإسلاميين في مواجهة الانقلاب العسكري وتثبيت شرعية مرسي، والمقاومة الإعلامية الفاعلة لنظام السيسي.
وأما أهم الإخفاقاتفهي في تنازلات الإسلاميين رغبة في تجنب الصراع مع المجلس العسكري، وإطالة الفترة الانتقالية، والتنازلات المريعة بغية الوصول إلى توافق مستحيل مع العلمانيين، وسوء الأداء الإعلامي والسياسي لاحتواء شباب الثورة، والمنهج الإصلاحي مع الدولة العميقة، والوثوق في شخصية السيسي، وبقاء مرسي في القصر الرئاسي، والاعتصام بعيدا عنه، واكتفاء الاعتصام بالسلمية في لحظة الانقلاب ولحظة فض رابعة وما بعدها، والفشل في التعامل مع ملف الانقلاب وفي بناء قوي وفاعل لتحالف دعم الشرعية، والثقة في سرعة سقوط الانقلاب، وتأخر تجديد الدماء في المواقع القيادية، والتصلب على نهج سياسي يثبت عدم جدواه.
وخلاصة التقييم العام أن ثورات هذه المنطقة تؤول إلى الإسلاميين فهم المعبرين الحقيقيين عن طموحات الناس، بينما الانقلابات تكون دائما مدعومة من أنظمة الاستبداد والاحتلال، ولذا تفشل دائما محاولات الوصول إلى حلول وسط وعليه فلا يصلح النهج الإصلاحي في الثورات والمعارك الكبرى، وعليه فلا أمل في الوصول إلى توافق بين العلمانيين والإسلاميين، لأن العلمانيين هم الذراع المدني للنظام الدولي –الذي يدعم ويسند ويتغذى على الذراع العسكري الذي هو الجيوش المحلية- ومن ثم تؤول الثورات إلى تحالف عسكري علماني ضد الإسلاميين. ومن ثم ينبغي على الإسلاميين امتلاك أنواع القوة للوقوف بأنفسهم ضد محاولات استئصالهم وليكونوا جزءا من معادلة السياسة التي لا تأبه إلا بالقوي.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 25, 2015 07:59

May 24, 2015

لماذا يجب أن ندرس الغرب انطلاقًا من الإسلام (2)

قلنا إنه لا بد أن تكون أولى أصول علم الاستغراب: الانطلاق من الإسلام، وذكرنا في المقال الماضي أن الانطلاق من الإسلام نابع من حتمية وجود نموذج، ولا ينبغي للمسلم أن يكون له منهج غير الإسلام لا في التصورات ولا فيما يترتب عليه من أحكام.. كذلك فإن الإسلام ليس مجرد نموذج، وإنما هو حق مطلق، لأنه رباني متجاوز ومفارق للبشرية بكل ما فيها من نقص وعيوب وتأثر بالبيئة والثقافة وسائر ما يؤثر على الطبيعة البشرية.
ونستكمل فنقول:
وحيث كان هذا "النموذج" دينا، فإن ما فيه من علم يحسم الإجابة عن أسئلة نهائية ومصيرية، وما فيه من توجيهات يرتقي ليبلغ مرتبة الفرض أو العبادة التي يُتقرب بها إلى الله خوفا وطمعا فيحفز هذا نشاط الأتباع، وما فيه من هدايات وضوابط يتحول إلى أوامر ونواهٍ فيُجتهد في تنفيذها برقابة الضمير الذاتي وخوفا من الحساب الآخر.
ولتوضيح الصورة نحتاج ضرب أمثلة على: العلم، والتوجيهات، والهدايات.
أ. فأما العلم، فمنه عام مُجمل كُلِّي كالثوابت والأصول، ومنه خاص جزئي تفصيلي:
فأما العام المجمل الكُلِّي، فكإدراك أن الحق واحد، وأنه حقيقة، وأن منه ما هو ظاهر لا يخفي، ومنه ما يَدِقّ ظهوره ويحتاج اجتهادا في إدراكه. فإن الإيمان بهذا إيمان ببطلان النسبية والعدمية وتكافؤ الأدلة، ويستلزم هذا: التعامل معها كباطل ابتداءً، يُبحث في بطلانه وتهافته وآثاره السيئة، فضلا عن أن تكون هذه الانحرافات أساسا يُسَلَّم به أو تُبنى عليه مناهج تحليل!
وكذلك العلم بمنهج الإسلام في بناء الفرد والمجتمع، والتوازن بين الروح والمادة، وبين الفردية والجماعية، وبين الحاكم والرعية، فالعلم بهذا المنهج يضبط نظر الإنسان ورؤيته في تحليل ما سوى ذلك من المناهج، فلا يذوب في الموضوع المدروس انبهارا به أو تطرفا في رفضه، بل يقوم في نفسه العلم بالحق فيقبل بحق ويرفض بحق ويعرف موضع الانحراف ومقداره.
وأما الخاص الجزئي التفصيلي، فكقول النبي "تصالحون الروم صلحا آمنا، وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم فتسلمون وتغنمون، ثم تنزلون بمرج ذي تلول، فيقوم إليه رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: الأغلب الصليب، فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله، فعند ذلك تغدر الروم وتكون الملاحم، فيجتمعون إليكم فيأتونكم في ثمانين غايةفمن هذا الحديث نعلم أن الروم سيظلون حتى آخر الزمان، وسيظلون عدوا حتى آخر الزمان، ولا يمنع هذا من فترات صلح وتعاون وتحالف ضد عدو مشترك، وأن المسيحية ستبقى شعارهم وجزءا أصيلا من تكوينهم إلى النهايةفهذا مثال على العلم الذي يحسم أمورا، ويجيب عن أسئلة، ويحكم التوقعات وتسترشد به التحليلات، فلا يأتي على بال أحد -ولو في ذروة النصر العظيم- أن هذه هي نهاية الروم كما كانت نهاية الفرس، أو يأتي على بال أحد -ولو في ذروة انتصار العلمانية- أن أوروبا ستتخلى عن المسيحية، أو يأتي على بال أحد -ولو في ذروة الاتحاد الأوروبي والأطلسي- أن الروم سيصيرون يوما دولة واحدةكذلك فإن دراسة الظواهر الاجتماعية والأخلاق وحتى العلوم التطبيقية ستتأثر بوضوح وتختلف منطلقاتها، وإذا أخذنا مثالا فجًّا ليتضح المعنى فسنذكر مسألة اللواط أو "الشذوذ الجنسي"، إن الأمر في الإسلام محسوم الحرمة، وفاعله يعاقب عقوبة شديدة باعتباره اقترف جريمة. بينما جرت الأمور في الغرب على تدرج نفيه كخطأ، ثم اعتبرت بعض الدراسات أن المسألة راجعة لحالة نفسية، ثم -وفي مرحلة لاحقة- اعْتُبِر أن المسألة راجعة لحالة جسدية وجينات وراثية، ثم اعتبرت حقا من الحقوق، وأخيرا أسبغت الشرعية على زواج المثليين.
هنا تكون انطلاقة المسلم في دراسة الظاهرة مختلفة كليا عن رؤية الغربي لها، فهذا يحسم أنها انحراف ثم يبحث في جوانب نشوئه وعلاجه بينما الآخر يتيه في تحديد كونها انحرافا أم لا منذ البداية، ويترتب على هذا التيه تيه أكبر في النتائج يستحيل معه إدراك حق فضلا عن الرجوع إليه: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: 17، 18]، وقد اخترنا هذا المثال لشدة وضوحه وحدِّيته، ولكن المقصد أن الرؤية الإسلامية عامل حسم في فهم وتحليل الأوضاع الاجتماعية والمذاهب الفكرية.
ب. وأما التوجيهات فمنها:
طلب العلم الذي صار فريضة على كل مسلم ولم يعد مجرد شيء مرغوب فيه، فتحركت بهذا دوافع النشاط العلمي في المسلمين كأقوى ما يكون.
ومنها الاقتداء بالنبي r في كل أحواله، فهذا أيضا ليس مجرد شيء حسن بل هو واجبٌ على كل مسلم، ومما يتعلق بموضوعنا هذا من سيرة النبي r:
§         ما كان عليه r من الوعي بالمحيط الدولي من حوله منذ اللحظات الأولى للدعوة، فعلى هذا اختار لأصحابه الهجرة إلى الحبشة لأن "بها ملكا لا يظلم عنده أحد"§         توجيهه r لزيد بن ثابت بتعلم لغة اليهود، وذلك قبل أن يكمل عمر الدولة الإسلامية أربع سنوات، وذلك لهدفين: أن يقرأ مسلم موثوق فيه الرسائل الواردة إلى النبي r بهذه اللغةجـ. وأما الهدايات، فمنها:
الحث على السياحة والسير في الأرض مع النظر والاعتبار و"تذكر حال الماضين والاعتبار بما كان لهم في زمانهم وما انتهى إليه أمرهم من عمار أو دمار، وليس هذا إلا ليزداد الفكر تنورا والعقل تبصرا وينفسح أمامه مجال النظر والتصرف وترتيب المسببات على الأسباب، سنة هذا الشرع الحنيف فيما كلفنا به من الأعمال"ومنها: العدل والإنصاف، وهذا أهم ما نقدمه في موضوع دراسة الغرب بديلا عن "الخرافة" المسماة بـ "الحياد العلمي"، فالعدل والإنصاف مع الجميع أمر ممكن، وكون الإسلام دينا يجعل المرء تحت رقابة الله وإن فقد الرقيب، ويبتغي وجه الحق برغم المصالح والأغراض التي تغريه أو ترهبه لتحمله على قول الزور أو تزوير الحقائق، وهذا هو الفارق الكبير بين أن يوكل الباحث إلى دين أو أن يوكل إلى نفسه، ولقد تحير حسن حنفي في إيجاد شيء يحجز الباحث في الاستغراب عن الوقوع في التعصب للشرق كما فعل المستشرقون لما تعصبوا للغرب، ثم لم يجد إلا أن يَكِل هذا إلى "وعي الباحث وأصالته"وصحيحٌ أن الخطأ وارد والمعصية واردة وأن مجرد اعتناق الباحث للإسلام لا يعفيه من الخطأ أو التزوير، لكنه ذات الفارق بين إلزام الناس بقانون لا يُحترم إلا في وجود الشرطة، وبين اعتناقهم دينا يحترمونه ويلتزمونه من تلقاء أنفسهم ولا بأس بعدها من وجود شرطة أيضا. ولكن في العمل البحثي ليس ثمة شرطة على الباحث إلا الضوابط العلمية، ويعرف كل باحث أنه من السهل تحقيق هذا "الشكل" العلمي لعمله غير النزيه، بل إن ذوي الصنعة يعرفون كيف يعيدون بعث الخرافات في عصر العلم إذا "أضيفت إليها زخارف عصرية" بتعبير مكسيم رودنسوننشرت في نون بوست 

غاية: أي راية. أحمد (16871) وهذا لفظه، أبو داود (4292)، ابن ماجه (4089)، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط. ويُستأنس لهذا المعنى بحديث آخر –وإن كان فيه ضعف- يقول: "فارس نطحة أو نطحتان؛ ثم لا فارس بعدها أبدا، والروم ذات القرون أصحاب سحر وصحر، كلما ذهب قرن خلف قرن مكانه، هيهات إلى آخر الدهر، هم أصحابكم ما كان في العيش خير". رواه ابن أبي شيبة: المصنف (10699)، وابن قتيبة: غريب الحديث 1/65، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (3999). ولئن كان ثمة من يخالف هذا التحليل لسبب أو لآخر، فليس المقصود الآن بيان صحته أو خطئه، بل بيان أن العلم المعصوم، يحسم إجابات ويحل إشكالات كانت من دونه ستبقى بلا إجابات ولا حل. د. أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة 1/170. راجع مبحث السفارات من الفصل الثاني من الباب الأول. من مذاهب النصرانية، وقال بعضهم: هي بين النصرانية والصابئة. المرباع: ربع الغنيمة التي يأخذها لنفوذه ورئاسته دون أن يشارك في القتال. أحمد (19408)، وابن حبان (6679)، وصححه شعيب الأرناؤوط. البخاري: كتاب الأحكام، باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد. أحمد (21658)، وأبو داود (3645)، والترمذي (2715)، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط. يقول الشيخ عبد السلام البسيوني -في معرض ثنائه على جهود د. حسن المعايرجي في موضوع ترجمة القرآن- إن الداخل لهذا الباب يجد "مئات الترجمات الحقيرة المسيئة لكتاب الله تعالى، بمئات الطبعات، ومئات اللغات، بمئات الأشكال والأحجام "اقترفها" قساوسة وحاخامون، ودجاجلة ومستشرقون، وخمورجية وحشاشون، وجواسيس وصيادون في الماء العكر، كلهم "يعك" شيئا يسميه ترجمة، مرًة تحت اسم "قرآن محمد" ومرة "أحاديث محمد على المائدة" وثالثة "مختصر القرآن" ورابعة أهم عشر سور، وخامسة القرآن مرتبا على طريقة "حادي بادي كرنب زبادي"، أو "واحد اثنين عم حسين".. جرأة رهيبة، وإهانات بشعة ضد القرآن الكريم، الذي هان بهوان أصحابه، ولا من منتبه، ولا من غيور، ولا رقيب ولا حسيب". عبد السلام البسيوني: دعاة ومشاهير عرفتهم ص111. أحمد زكي: السفر إلى المؤتمر ص6، والكلام في المتن للشيخ عبد الكريم سليمان الذي قرظ الكتاب فأثبتها أحمد زكي في المقدمة. د. حسن حنفي: مقدمة في علم الاستغراب ص33. مكسيم رودنسون: الصورة العربية والدراسات الغربية الإسلامية، ضمن "تراث الإسلام" بإشراف شاخت وبوزوروث 1/69.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 24, 2015 13:54

May 23, 2015

اطلب العلم من الشيخ يوتيوب واحذر من الشيخ جوجل

اطلب العلم في مجلس الشيخ يوتيوب، واحذر من الورود على "جوجل"..
منذ قديم خشي العلماء من الاعتماد في أخذ العلم على الكتب والورق والصحف، واشتهر عنهم قولهم "لا تأخذ العلم من صُحُفي، ولا القرآن من مِصْحَفي".. وذلك أن النص لا ينضبط نطقا ومعنى إلا إن تلقيته عن شيخ.
ولهذا استفاض اهتمامهم بالرواية والإسناد وسلاسله، وصارت تراجم العلماء حافلة بمن أخذ العلم عنهم ومن أخذ العلم منهم.
حتى ظهر الاختراع الجديد المسمى "المطبعة"..
ولا ريب أن انزعاج العلماء من ظهور المطبعة لم يكن لمجرد تخلفهم وجمودهم ورجعيتهم، كما حاول أن يصور لنا المتغربون، بل في هذا النشر المستفيض لنصوص سيتلقاها الناس دون ضبط لمعناها ولا لمفهومها، ودون ضبط لسياقها.
وقد ظهرت آثار هذا جلية في عصور "المفكرين" الذين صاروا يكتبون في الإسلام والشريعة وهم لا تستقيم لهم أصوله، فصاروا يشرقون ويغربون ويأتون بالاقتباسات وينقلون العبارات فيحملونها على غير معناها أو يركبون دراساتهم من مقتبسات كثيرة يظنون أنهم قد صنعوا بناء بديعا جديدا فيما هم خلطوا أشياء لا تجتمع وفهموا من ذلك ما لا يكون.
ثم كانت النكبة نكبتان حين ظهرت "الصحافة"، لقد صارت المطبعة مجرد وسيلة يستعملها كل ذي رأي وفكر، وكل من يظن نفسه ذا رأي وفكر.. فهذه هي النكبة الأولى "السيولة الهائلة"، وأما النكبة الثانية فهو أن هذه المطابع والصحف إنما ظهرت في بلادنا ونحن تحت النفوذ الأجنبي!
فمن هنا صارت "الصحافة" لا تمثل فحسب انهيارا لطرق أخذ العلم المنضبطة، بل تمثل طريقا ضخما لنشر ما يريد العدو له أن ينتشر في بلادنا..
ولما أسْلَمَنا الاحتلال إلى الاستبداد العسكري أو المَلَكِي، صارت المطابع والصحف مصدرا من أخطر مصادر نشر التغريب والكفر، وهو مصدر لم يستطع أن يواجهه أصحاب العلم لما نزل بهم من البلاء ومن التضييق على أشخاصهم وعلى أفكارهم معا!
نعم.. حين لاحت بوادر حرية في عصر من العصور، كان الرأي أن هذه المطابع وهذه الصحف وسيلة جديدة لنشر العلم والدين، وأول من فكر في استخدام هذه الوسائل بأحسن سبيل هم القائمين على مواجهة الاحتلال والاستبداد.. كالأفغاني ومحمد عبده ومصطفى كامل ومحمد فريد ورشيد رضا (وقد أطال رشيد رضا في كتابه "تاريخ الأستاذ الإمام" في وصف ما فعله الشيخ محمد عبده لجعل الصحيفة المصرية لسان حال للأمة وطريقا لنهضتها.. ورشيد رضا نفسه يُعرف بلقبه "صاحب المنار" والمنار اسم صحيفته).
واعتبر هؤلاء أن "الصحيفة" تمثل "مدرسة جديدة" لصاحب العلم يبث من خلالها أفكاره. وقولهم هذا صحيح لولا أنهم كانوا تحت ظل الاحتلال، الذي سعى ليس فقط للتضييق على "مدارسهم الجديدة" بل للإغراق البلاد في مدارسه التغريبية.
والآن وصلنا إلى غاية "السيولة".. إذ صار لكل إنسان: حساب على الفيسبوك وتويتر ومدونة، وصارت هذه منابر يصنعها في بضع دقائق ثم يخاطب منها كل الناس كما أراد!
لقد حول الانترنت التراث الفكري الطائل العريض المخزون في ملايين الكتب إلى كلمات وحروف يسهل العثور عليها.. عليك فقط زيارة "جوجل" أو أحد إخوانه من محركات البحث!
وظهر جيل، يمكن أن نسميهم "صبيان عصر الانترنت"، يحسبون أن العلم هو "كثرة النصوص".. فهم يتقحمون مسائل العلم ويتصدون لها بمجرد زيارة إلى إخوان جوجل، ويستعينون به في أشد مراتب العلم وأصعبها "المناظرة".. فأنت تجد نقاشات طويلة وعريضة في مسائل معقدة حافلة بنقل النصوص وتوثيقها، لكنها مع ذلك حافلة بالخفة والفراغ العلمي! إذ أن الناقل "النصاب" يظن نفسه قد بلغ علما وهو لا يدري أنه مكشوف مفضوح، وأن معاناة العلم لها أثر واضح في طريقة التفكير والتصور والعرض.. وهو أثر لا تخطئه عين من ألم بأبسط شيء من هذه المعاناة.سيظل طلب العلم من أصعب الأمور، وسيظل لا يصبر عليه إلا من أوتي شغفا به وجلدا له.. ومهما حاول "الصبيان الحواة" أن يظهروا بمظهر "المحيط بالأدلة" فإنهم سيفشلون ويفتضحون.
والطريق الصعب في عصر الانترنت، لمن لم يستطع الرحلة لطلب العلم على يد أهله، هو:
1. التعلم ضمن أكاديمية أو مؤسسة علمية أو مواقع متخصصة في الدورات والتعليم عبر الانترنت.. فتؤخذ المناهج عن المتخصصين فيها، ويمتحن الطالب فيها امتحانا حقيقيا.
2. اليوتيوب.. وقد بدأت تكثر عليه محاضرات المتخصصين في مختلف العلوم، وصار يمثل بديلا جزئيا عن الرحلة إلى الشيخ نفسه.. فالمحاضرة توفر المنهجية والضبط القديم لأصول العلم وأخذه بحضور شخصية المحاضر وتنبيهاته واستطراداته.
3. الأشرطة الصوتية العلمية (لا الدعوية، فهذا شأن آخر) وهي الآن كثيرة غزيرة.. وبرغم أنها أقل من اليوتيوب في غياب الصورة -وكم في الصورة من فائدة وفهم- إلا أن حضور الصوت يضبط اللفظ والمعاني.
4. وأقل مما سبق قراءة الكتب بغير إرشاد مما سبق أو في المواد التي لا يتوفر فيها علم يؤخذ بالصورة والصوت.. والكتب -والحمد لله- كثرت وزادت، وما تزال الطموحات تتمنى أن يكون على الانترنت كل ما كتب في تاريخ الإنسانية.
أقل من هذه الأربعة لا يمكن أن يعد بحال طلبا للعلم، بل يجوز أن يكون طلب للثقافة والمعرفة العامة، وهو -من ثم- لا يجوز لأحد يحترم نفسه (فضلا عن عدم الجواز شرعا) أن يحسب نفسه أخذ علما فيفتي به فضلا عن أن يجادل به ويناظر!!!
وكلها وسائل معينة، كالأفلام الوثائقية والبرامج الثقافية وغيرها..
ويظل في المرتبة السفلى من يلجأ إلى جوجل أو الشاملة أو غيرها من محركات البحث ثم يحسب نفسه قد حصل علما!!!

نشر في ساسة بوست 
3 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 23, 2015 08:57

May 16, 2015

لماذا يجب أن ندرس الغرب انطلاقا من الإسلام (1)

في رحلتنا لتأسيس أصول علمالاستغراب، ذكرنا أن هذه الأصول ثلاثة:
1.    الانطلاق من الإسلام2.    إدراك الفوراق الجوهرية بين "الإسلام" و"الغرب"3.    البحث عن الثوابت والكليات الكامنة خلف الفروع والمتشابهات والمتغيرات.ونبدأ هذه السطور في إلقاء الضوء على هذا الأصل الأول، ما معناه وما آثاره
***
لماذا ينبغي علينا أن ننطلق من الإسلام لدراسة الغرب؟ أو -بعبارة أخرى- لماذا يجب أن يكون الإسلام هو النموذج الحاكم ونحن ندرس الغرب؟
والجواب: لأكثر من سبب، أهمها:
1. ضرورة وجود نموذج
مما صار معروفا في حقل البحث العلمي -حتى التطبيقي البحت- أن الإنسان لا يملك أن يكون محايدا، وأن هذا الحياد إنما هو طبيعة الآلةالحقيقة أنه ليس ثمة حياد في حياة البشر، وكيف يمكن لمن هو خالٍ من كل انحياز أن تكون له رؤية ونظر؟! إنه لابد من النسبة إلى شيء والقياس على شيء. والإنسان لا يملك أن ينفك عن طبيعته الإنسانية التي تقبل وترفض وتؤيد وتستنكر وتحب وتبغض، وما من إنسان يستطيع الانعتاق من كل شيء ليكون محايدا. بل إن الإنسان يُعرِّف نفسه بالنسبة إلى آخر فيما يسميه بعضهم "الوعي"، و"الوعي الغاضب"وبعد بحث طويل وأخذ وردّ بين علماء الإنسانيات في مسألة الحياد والدوافع، يصرح عالم الاجتماع والاقتصاد السويسري ميرودال أنه: "لا يوجد شكل آخر لدراسة الواقع الاجتماعي غير دراسته من وجهة نظر المثل الإنسانية، فالعلم الاجتماعي الغيري الخالي من المصلحة لم يوجد أبدا ولا يمكن أن يوجد منطقيا، وهو يمثل مجال القيم لمفاهيمنا الرئيسية ومصلحتنا في هذه القضية، ويعطي الاتجاه لأفكارنا والمغزى لاستنتاجاتنا، فهو يطرح القضايا ويقدم لها الإجابة في آن واحد... العلم الاجتماعي الخالي من المصلحة هراء فارغ"وذات الأمر قائم حتى في حديث الإنسان عن نفسه، وهو المجال المغرق في الذاتية، فمن يكتب مذكراته لا يملك -ولو أراد- أن يعطي صورة كاملة عن نفسه، يقول د. عبد الوهاب المسيري في مقدمة مذكراته: إنه "لا مناص من أن يتم الاختيار والإبقاء والاستبعاد والتهميش والتركيز حسب نموذج محدد، فالبديل هو أن أحاول أن أعطي القارئ كل التفاصيل، دون تفسير أو ترتيب، ولعلَّه قد يغرق فيها فلا يعرف أين بدأ وكيف ينتهي، وما معنى كل تفصيلة أو معلومة"والنموذج المحدد الذي يجب أن ينبني عليه النظر والتحليل هو الإسلام، والمسلم ابتداءً يجب ألا يكون له نموذج آخر، وإلا كفر: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4]، وتاريخنا واضح تماما في هذه النقطة، فهذه الأمة خرجت من الإسلام وبه وُجدت، وخرجت بالإسلام إلى العالمين وبه سادت وانتصرت "فلقد كان هو مبرر وجودها ذاته منذ ما يربو على أربعة عشر قرنا، وبه تحددت معالم شخصيتها، وبه صُنِع مصيرها عبر العصور. وحدها رؤية المسلم نفسه خليفة في الأرض بأمر الله تعالى هي التي تصنع منه محركا لعجلة التاريخ الإنساني"وقد بدأ القرآن الكريم آياته بصياغة هذا النموذج {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 3 - 5]. وبعد توضيح هذا النموذج أفاضت سورة البقرة، وهي أول سور القرآن وأطولها، في توضيح صفات "الآخر" بالنسبة للمسلمين، فاستعرضت حال المشركين والمنافقين وبني إسرائيل، وقد كان نزولها في أول الهجرة إلى المدينة فكانت بهذا دليلا لتعامل الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي مع الآخرين.
وكان أول ما يفتتح النبي r يومه به من القرآن قراءة سورة "الكافرون"، فيقرأها في الركعة الأولى من سنة الصبح2. الإسلام حق مطلق
من أهم الدلائل على ربانية الإسلام كونه انبعث فجأة، لا توجد حركة إصلاحية في التاريخ المعروف لا يمكن التماس أسباب نشوئها من خلال الواقع الذي أحاط بها، مما يعني أنها حركة "رد فعل" طبيعية على الأحوال التي نشأت فيها، ومن هذه الحقيقة انبثقت كافة التحليلات المادية للتاريخ كحتمية ماركس وجدلية هيجل وما إلى ذلك.
بينما لا يمكن للمرء أن يلتمس سببا في المجتمع المكي يدفع الرجل الهادئ الوقور الرصين، ذو الحسب والمال، وبعد أن بلغ الأربعين، أن يشن هذه الحرب على معتقدات قومه فجأة، وينادي أنه أتى مبعوثا للعالمين، وأن من اتبعه سيملك العرب والعجم! فكل هذه أمور لا دوافع لها من الواقع أو طموحات المجتمع، وكم كان هرقل ذكيا وهو يتحقق من هذه الدوافع فيسأل: هل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قال فهل كان من آبائه من ملك؟ أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فهل يغدر؟.. فلما استبان له أن لا دوافع عَلِم أنه خاتم الأنبياءكل ما هو رباني فهو متجاوز للواقع ومطالبه، وكل ما هو بشري فإنما هو رد فعل للواقع وانعكاس له، ولذلك فإن الحق رباني والخطأ بشري، وسبيل الحق واحد وسبل البشر كثيرة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].
ولهذا كان الإسلام نموذجا معصوما، وهدايته هداية مطلقة، وتوجيهاته حق، وعلمه يقين.
أما اجتهاد المسلمين في فهم الإسلام وتطبيقه فهو المعرض للخلل والزلل، ومن بدائه العقول أن اعتماد النموذج المعصوم وإن شاب فهمه وتطبيقه خطأ، خير من اعتماد نموذج بشري ليس يسلم من الخلل في نفسه، فضلا عن الاجتهاد في فهمه وتطبيقه.
نشر في نون بوست

وإن كانت حتى الآلات غير موصوفة بالحياد لأنها مبرمجة مسبقا على أداء عمليات ولأن لها مدخلات، فبحسب المدخلات وبحسب البرمجة تخرج النتائج.. قد يصح القول إنها محايدة بالنسبة إلى المدخلات فلا تفرق ولا تميز ولا تستبعد، بينما "البرمجة" هي ذاتها "النموذج". إدوارد سعيد: الاستشراق ص21 (مقدمة المترجم د. محمد عناني). بوبوف: نقد علم الاجتماع البورجوازي المعاصر ص172، نقلا عن: محمد محمد أمزيان: منهج البحث الاجتماعي ص117. د. عبد الوهاب المسيري: رحلتي الفكرية ص12، 13. د. إسماعيل الفاروقي: التوحيد ص30. أحمد (4763)، وابن ماجه (1148)، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط. البخاري (7).
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 16, 2015 11:00

كسر الإضراب.. وكسر الأوطان

روى أحمد أمين في مذكراته عن إضراب للطلبة في مدرسة القضاء الشرعي، فيه عبرة وعظة ودرس في السياسة والتربية، قال:
"أضرب فصل من فصول المدرسة لأن الناظر حتم عليه الألعاب الرياضية في مكان معين. وكان هذا المكان مشمسا والدنيا حارة، فاستأذن الطلبة أن يلعبوا في الظل، فأبى بحجة أن الطلبة يجب أن يتعودوا الخشونة في العيش والصبر على الشدائد. ولكن الطلبة لم يعجبهم هذا القول فامتنعوا عن اللعب ووقفوا في الظل لا في الشمس.
فلما علم الناظر بذلك رعب وامتقع لونه لأن هذه أول حادثة من نوعها. فحضر في حالة عصبية ولكنه كتم غيظه، وطلب من الطلبة أن يصعدوا إلى فصلهم فأبوا، ثم كررها فأبوا، ففكر لحظة ماذا يفعل، ثم رأى أن مخاطبة الجموع غير مجدية، فنادى طالبا بعينه تفرس فيه الخوف والطاعة، وأمره أن يخرج أمام الصف فخرج، ثم قال له:
إما أن تصعد إلى فصلك وإما تخرج من باب المدرسة إلى الأبد.
وكل الطلبة كانوا يعلمون من الناظر جده وصدقه والتزامه تنفيذ وعده ووعيده، فإذا قال الكلمة ففداؤه رقبته، فتردد الطالب قليلا، ثم صعد إلى فصله.
وتفرس أيضا فنادى الثاني، وقال له ما قال للأول ففعل فعله، ثم نظر إلى الجماعة نظر المنتصر الظافر، وقال لهم:أظن أن لا معنى بعد ذلك للإضراب، انصرفوا إلى فصلكم.
فانصرفوا وانكسر الإضراب".
***
كان الفيلسوف الإيطالي إيكو -الذي تحول إلى روائي- يقول: "عندما يتعطل التنظير تبدأ الرواية"، يعني بذلك أن الفكرة التي يعجز المرء عن كتابتها فكرا يمكنه أن يحكيها في رواية، ولذلك تحول هو نفسه من كاتب مفكر إلى روائي، يضع أفكاره في صيغة روائية.
***
هذا الموقف الذي رواه أحمد أمين تتكثف فيه كثير من الأفكار التي ينبغي لنا أن نهضمها جيدا:
1. ففيه درس في قيادة الجموع والتعامل مع تكتلها بالتفريق والتفكيك، وإنزال العقاب بأضعف حلقاتها.. وطالما خرج الأمر من التكتل إلى التفرق انهارت قوة المجموع.
2. وفيه درس في فلسفة "الدولة الحديثة" التي تعجز تماما عن التعامل مع المجموع، فهي تبذل كل وسيلة لتحويل كل المجموعات إلى أفراد، مواطنين، ويزعجها أي نوع من التكتل القبلي والعشائري، كما يزعجها أي نوع من تدبير المجتمع لشؤونه وأموره، ولهذا لا تستقر الدولة الحديثة إلا بتدمير كل التكتلات ليتعامل النظام مباشرة مع المواطن الفرد ويتحكم فيه.
وقد شرح تيموثي ميتشل في كتابه "استعمار مصر" كيف تنفر الدولة الحديثة من كل شيء متكتل وعميق وخارج عن سيطرتها.
- فهي تؤسس لمدن حديثة مفتوحة ذات شوارع واسعة يمكن للسلطة فيها أن تصل إلى كل مواطن بدون عوائق، عكس المدن القديمة الضيقة المتعرجة المتكتلة التي تغلق حاراتها بالأبواب ليلا -أو عند هياج الجند- والتي تختفي فيها النساء في البيوت والتي لا يمكن إنفاذ إحصاء لها والتي تتكافل من داخلها فتعيش بغض النظر عن سلطة الدولة.
(وطبقا لما يرويه أولج فولكف في كتابه "القاهرة، مدينة ألف ليلة وليلة" ص140، فإن أول من كسروا أبواب الحارات هم جنود الحملة الفرنسية خوفا من الوقوع في الكمائن ومن تحصن الثوار المصريين خلفها، وهم أول من ألزموا الناس بوضع فوانيس منيرة على بيوتهم ليلا.. وما لم ينجح فيه الفرنسيس نجح فيه فيما بعد محمد علي الرهيب)
- وهي تؤسس لتعليم نظامي رتبت طرائقه وأساليبه بحيث يتحول الطالب إلى فرد منفرد منفصل بذاته، لا يكون أبدا جزءا من مجموع التلاميذ كما هي الحال في طرق التعليم القديمة "شيخ العمود".. (ولكن ينبغي أن نذكر أيضا أنه لولا الانحطاط في الأزهر ومستوى مشايخه وثمرة تعليمه ما كان ليسود نظام التعليم الحديث والمدارس النظامية هذه) .. وتتحكم هي في مناهجه تحكما كاملا حتى إن أحمد أمين يروي في مذكراته أن كل كتاب يجب أن يخلو من السياسة خلوا تاما، ولو كان في الشعر والأدب، بل ذكر أن المدرسة كانت تحتاج تصريحا بخلو المصحف من السياسة يأتي من المشرف على وزارة المعارف الإنجليزي "دنلوب"
- وهي تسعى لاحتكار كل موارد القوة والنفوذ، سواء أكان السلاح أم الزعامة الشعبية أم نظم التكافل.. ولا تغفر لمن يتهرب منها، فمجرد الهروب من التجنيد يستلزم العقوبة، حتى تنتهي إلى الحالة المثالية التي وصفها جوروج أورويل في روايته 1984 وهي "نموذج الأخ الأكبر" الذي لا يرضى بأقل من السيطرة على العقل والنفس.
نشر في شبكة رصد
ولمزيد بيان يرجى قراءة هذه المقالات:قصة مصر في 200 سنة: http://goo.gl/bRO87oالنموذج الفرعوني ليس في السياسة فقط http://goo.gl/2y9uKs
بين التنظيمات والجماعات الوسيطة https://goo.gl/aD8otG
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 16, 2015 03:30

May 14, 2015

مسؤولية المسلم عن الكون والإنسانية

ذكرنا أن أول أركان بناء المجتمع في المنهج الإسلامي هو الأساس العقدي.
ثم ذكرنا أن الأساس العقدي أمران: الإيمان بلا إله إلا الله، والاستخلاف في الأرض. فالأولى هي أساس المعرفة وأساس التحرر، والثانية هي مهمته في الحياة.
وقد تحدثنا عن معنى "لا إله إلا الله" وآثارها، وفي هذه السطور نتحدث عن مسؤولية المسلم التي تحملها تجاه الكون وتجاه الإنسانية.
***
جعل الله بني آدم خلفاء الأرض، وسخر لهم ما فيها، ولهذا فإن العلاقة بين الإنسان وكل ما في الطبيعة إنما هي علاقة رائقة راقية شريفة، فالمسلم ينظر إلى الأرض وما فيها باعتبارها مخلوقات الله الصادرة عن ذات الإله، والمشتركة معه في العبادة والتسبيح، والمسخرة لخدمته ومنفعته وتيسير الحياة عليه، وهم -بعد كل هذا- أمم مثل البشروقد ظل الإنسان يستفيد من مخلوقات الله في رحلة بنائه للحضارة، وقد ذكر القرآن كيف عَلِمَ الإنسان من تعاقب الليل والنهار عدد السنين والحساب، واهتدى بالنجوم في ظلمات البر والبحر، وتعلم ابن آدم من غراب كيف يدفن أخاه، وتعجَّب نبي الله سليمان من نصح وفصاحة نملة، واستمع باهتمام لتقرير سياسي وديني من هدهدومثلما انتفع الإنسان بما خلق الله في الأرض في الطعام والشراب والمسكن والسفر، فقد انتفع بها جمالاً أخاذًا وسحرًا جذابًا؛ فالحدائق خلقها الله جميلة {ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل: 60] والثمار تستدعي النظر بنضارتها وينعها {خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} [الأنعام: 99]، والحياة لا تكتفي دائمًا بقضاء الضرورة بل الزهور فواحة بالعطور، والفراشات متفجرة بالألوان، وحمرة الشفق تداعب الخيال، ونور القمر يثير كوامن المشاعر، والجبال لا تكتفي بأن تكون جبالاً بل تتلون وتكتسي بالثلوج أو الزروع أو غيره، والطير يسقسق ويغرد ويلعب ويقفز وتزهو منه الألوان، والحيوان يقفز ويمرح ويتخابث في لطفبعد هذا الاستعراض للأساس المعرفي الذي يستقر في قلب المسلم تجاه الكون من حوله، نستطيع أن نتوقَّع سلوك المسلم نحو هذا الكون، ما فيه ومن فيه، فذلك السلوك هو: الاستخلاف في الأرض الوارد في قول الله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30].
وقد قرر المفسرون أن كلمة "خليفة" تعني أن الإنسان ليس مطلق اليد في سلوكه تجاه الكون، بل هو –كما يقول البغوي- "خليفة الله في أرضه لإقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه"وذلك أساس فارق وخلاف جوهري بين النظرة الإسلامية والنظرة المادية للطبيعة، فارق بين معنى المسئولية والرعاية للأمانة والوديعة، والتي سيعقبها حساب وجزاء في اليوم الآخر، وبين معنى الامتلاك الكامل الذي تطرحه النظرة العلمانية المادية المستندة إلى "مفهوم شاذ عن الطبيعة يعتبرها كما لو أنها "ملكية" خاصة لنا، يحق لنا استخدامها والإفراط باستخدامها إلى حد أنه لم يعد يرى فيها إلا مخزنًا للثروات ومستودعًا لنفاياتنا"وانطلاقا من هذا الأساس نرى الإسلام يرفض مجرد الإسراف في استعمال الموارد مهما كانت كثيرة؛ فعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله مرَّ بسعد وهو يتوضأ. فقال: "مَا هَذَا الإِسْرَافُ؟" فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: "نَعَمْ؛ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ"إن استخلاف الله للإنسان في الأرض واحتمال الإنسان هذه الأمانة، ألزم المسلم بالمسير في طريقين: مسئولية إعمار الأرض، ومحاربة الفساد فيها.
فأما مسئولية إعمار الأرض فهي –كما ذكر المفسرون- من مقتضيات كون الإنسان خليفة فيها، وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} أنها بمعنى: استخلفكم فيهاوأما مقاومة الفساد فأصله في قول الله: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56]، وهو يكون بالوقاية أولاً؛ فإن تعذر ذلك فبالإزالة والعلاج، ففي شأن الوقاية يقول النبي: "لا ضَرَر ولا ضِرار"الضرر يزال بقدر الإمكانالضرر لا يزال بضرر مثلهيُتَحَمَّل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلىيُتَحمَّل الضرر الخاص لدفع الضرر العاميُختار أهون الشرَّيْندرء المفاسد أولى من جلب المنافعالضرورات تقدر بقدرهاالاضطرار لا يبطل حق الغيرالحاجة تنزل منزلة الضرورةما أجيز لعذر بطل بزوالهبهذا المنهج يسعى المسلمون إلى إصلاح الحياة على هذه الأرض، فالمسلم يعرف أنه مُخْتارٌ لهذه المهمة من قِبَل الله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32]، وأن نبي الله محمدًا إنما أرسله الله {رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، يدعو الناس لإخراجهم من الظلمات إلى النور {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1]، وأن الله وضع هذه الأمة في مقام الشاهد على الأمم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
ويؤمن المسلم أن "خَيْر النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ"وهذه المسئولية أمر جدٌّ لا لعبٌ وفصلٌ لا هزلٌ، يجد المسلم حسابها عنها يوم القيامة حيث {لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ} [الشعراء: 88]، وحيث {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ} [المعارج: 11 - 14].. مسئولية يستحثها شوق إلى جنة {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: 133]، فيها "مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"فالأمر جد كبير وعظيم، به يتحدد المصير الرهيب، فإما الجنة وإما النار.. وكفى بهذا المعنى وحده دافعًا لتحمل المسئولية الكبرى؛ تحملاً لا هوادة فيه، ولا تلكؤ ولا بطء ولا تردد.
***
هكذا أنشأ الإسلام الأساس العقدي في التعامل مع هذا الكون، هذه الأرض بما ومن عليها:
فالتوحيد يحرر الإنسان من مفاهيم بالية، ومن سلطات غاشمة، ومن أهواء البشر، ويجعل الإنسان أمام الله وحده.
والاستخلاف في الأرض يلزمه بتحمل المسئولية، ورعاية الأمانة تجاه كون جميل مخلوق له ومسخر لخدمته ويغمره بالنفع والمتعة، فهو يلتزم بإعماره وإنمائه، كما يلتزم بمكافحة إفساده، ويلتزم بدعوة الناس وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم في الدنيا وفي الآخرة.
نشر في ساسة بوست
قال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمان: 11]، {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [لقمان: 20]، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44]، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38]، والآيات الدالة على هذه المعاني كثيرة. سيد قطب: في ظلال القرآن 1/25. د. يوسف القرضاوي: رعاية البيئة في شريعة الإسلام ص34. انظر الآيات: [يونس: 5]، [الأنعام: 97]، [المائدة: 31]، [النمل: 19]، [النمل: 23 - 26]. ول ديورانت: قصة الحضارة 1/12. محمد قطب: قبسات من الرسول ص105 وما بعدها، منهج التربية الإسلامية ص149، 150 (باختصار). البغوي: معالم التنزيل 1/79، وانظر: ابن عطية: المحرر الوجيز 1/102، والعز بن عبد السلام: تفسير القرآن 1/114، والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/263، والبيضاوي: أنوار التنزيل ص277، وسراج الدين الحنبلي: اللباب في أسرار الكتاب 1/500، 501، ورشيد رضا: تفسير المنار 1/216. بدوي محمود الشيخ: قضايا البيئة من منظور إسلامي، ص88. رجاء جارودي: وعود الإسلام ص20. د. عبد الوهاب المسيري: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة 2/120. ابن ماجه (425)، وأحمد (7065)، وضعفه الألباني في التعليق على سنن ابن ماجه، وضعف إسناده شعيب الأرناءوط في التعليق على مسند أحمد، ثم تراجع الألباني وحسن إسناده (السلسلة الصحيحة 3292)، وذلك أن الذهبي ذَكَر (سير أعلام النبلاء 8/16، 17) أن رواية قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة لم تكن مجرد سماع؛ بل كان يأخذ الحديث من كتاب عبد الله بن وهب وهو أحد العبادلة الذين رووا عن ابن لهيعة قبل مرضه أو احتراق كتبه، ولهذا تقبل رواية قتيبة (السلسلة الصحيحة 2843). الصنعاني: سبل السلام 4/88. مسلم (1955). البخاري (2827). مسلم (553). البخاري (2340)، ومسلم (1914)، وابن ماجه (3682)، وهذه رواية ابن ماجه. البخاري (2263)، ومسلم (2242). قال ابن عباس t : "إن النبي r نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد". (الصرد طائر صغير)، وكلام العلماء دائر في أن قتل هذه الدواب عبث؛ لأنه لا ينتفع به. انظر: الطحاوي: شرح مشكل الآثار 2/330، 332، الخطابي: معالم السنن 4/157. ذلك قول الأحناف، انظر: ابن نجيم الحنفي: البحر الرائق 8/232، نظام الدين البلخي: الفتاوى الهندية 5/361، محمد بن أبي بكر الرازي: تحفة الملوك 1/ 240. وذلك قول المالكية، انظر: القرافي: الذخيرة 13/287، النفرواي: الفواكه الدواني 1/102، الآبي: الثمر الداني 1/718. ابن أبي حاتم: تفسير القرآن العظيم 6/2048. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 9/56. أحمد (2345)، وابن ماجه (2340)، والحاكم (2345) وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني (السلسلة الصحيحة 250). ابن عبد البر: التمهيد 20/160. ابن رجب الحنبلي: جامع العلوم والحكم ص304. د. يوسف القرضاوي: رعاية البيئة في شريعة الإسلام ص40 وما بعدها. السلسلة الصحيحة (426). السلسلة الصحيحة (906). البخاري (2195)، ومسلم (1553). أحمد (13004)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. والبخاري في الأدب المفرد (479)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد. البخاري (3072)، ومسلم (2824). البخاري (6202)، ومسلم (186). جمالة صفر: الجِمَال الضخمة السوداء.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 14, 2015 12:54