فهمي هويدي's Blog, page 8

April 11, 2017

فى الغضب مرغوب ومحظور

صحيفة الشروق الجديد المصريه الأربعاء 15 رجب 1438 – 12 أبريل 2017فى الغضب مرغوب ومحظور – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/04/blog-post_11.html
هذه بعض العناوين التى ظهرت فى الفضاء المصرى خلال الثمانى والأربعين ساعة التى أعقبت تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية.
فبعض الأصوات دعت إلى عدم الاكتفاء بإعلان الطوارئ وإضافة ما أسموه «إعلام الحرب» الذى يكمم كل الأفواه. فى الوقت ذاته تعالت أصوات أخرى داعية إلى التوسع فى الإعدامات بحيث تشمل من يفجر نفسه (يقتل مرة ثانية). كما رفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت الأمن». فى الوقت ذاته فوجئنا بإعلان رئيس البرلمان أنه سيتولى من جانبه تجديد الخطاب الدينى، دون انتظار جهة أو وزارة.
على الأقل، فذلك بعض ما أعلن خلال اليومين الأخيرين. ولا علم لنا بما لم يعلن.
وهى قرائن كافية فى التدليل على أن الانفعال بلغ مداه حتى خرج أو كاد يخرج عن السيطرة. وهو أمر مبرر ومفهوم، لأن الصدمة أحدثت زلزالا هز المجتمع المصرى وفجر فى كل جنباته عوامل السخط والنقمة والغضب.
وإذ أزعم بأن الغضب جراء ما جرى بات فرض عين على كل مواطن مصرى شريف، إلا أن له محظورا واحدا هو أن يتجاوز الأفراد ويصبح حاكما للقرار السياسى. ذلك أن غضب الأفراد إذا كان من علامات الصحة والتوازن النفسى، إلا أن انفعال أو غضب أهل القرار له حسابات أخرى مختلفة تماما. فغضب الأفراد يؤثر على محيطهم الخاص، لكن غضب أهل القرار له مردوده الذى يتعلق بمصالح ومصائر المجتمعات.
ولئن قيل فى الأثر إنه لا يقضى القاضى وهو غضبان (الأرجح أنه حديث نبوى) فإن ما يسرى على طرفين متخاصمين أولى له أن يصبح نهيا حين يتعلق الأمر بالناس كافة. وإذا اعتبر الغضب مفسدا لعدالة القاضى، فإنه أيضا يجرح ــ بدرجة أكبر وأخطر ــ عدالة السياسى.
إن استسلام الأفراد للغضب يظل محدود الأثر فى اسوأ فروضه. إلا أن السياسى إذا وقع فى ذلك المحظور فإن الأثر يصبح أفدح وقد يفضى إلى ويلات لا تخطر على البال. وتدفع أعدادا غفيرة من البشر أثمانا باهظة جراءه.
 وليس غائبا عن البال أن شرارة الحرب العالمية الأولى (١٩١٤ ــ ١٩١٩) انطلقت فى لحظة غضب استسلم لها امبراطور النمسا والمجر فرانسوا جوزيف، حين قتل ولى عهده على يد دولة صغيرة هى صربيا. فشعر الرجل بالإهانة التى دفعته إلى إعلان الحرب عليها مع إدراكه بأن موازين القوى فى أوروبا لم تكن فى صالحه. الأمر الذى أشعل الحريق الكبير الذى راح ضحيته نحو ٢٠ مليون شخص.
أرجو ألا يلتبس الأمر على أحد لأن ما أدعو إليه على وجه الدقة أن يستمر الغضب بشرطين أولهما ألا يصبح حاكما للقرار السياسى. وثانيهما أن تقدر الأمور بقدرها، فلا نشتط فيه. بحيث يهدر مصالح أخرى تتعلق بأمن الناس وحرياتهم، ولا نتخذه ذريعة لتمرير أمور أخرى لا علاقة لها بالموضوع، مثل قضية تيران وصنافير التى أثير حولها لغط كبير نظرا لحساسيتها الوطنية، الأمر الذى من شأنه أن يوقعنا فى محظور أكبر.
إن أكثر ما يبعث على القلق فيما يجرى أن توظف دماء الأقباط التى أريقت ليس فى توثيق عُرى اللُحمة الوطنية، وإنما فى تشديد قبضة السلطة وإهدار مبادئ الدستور وضمانات القانون.
وأزعم فى هذا الصدد أن إسقاط أولوية الديمقراطية ورفع شعار «الأمن أولا» يمثل منزلقا خطرا يخدم نزعات السلطة ويلحق ضررا فادحا بالمجتمع. ذلك أن الأمن تحرسه الأجهزة الأمنية ولا توفره. فى حين أن وحدها الديمقراطية التى ترسى قواعد السلام والأمن للمجتمع. وأى تجاهل لها أو إهدار لمبادئها يخدم الإرهاب وإن ظن بعض حسنى النية أنه يخدم السلطة.
..........................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 11, 2017 13:50

April 10, 2017

الاستنفار واجب والمراجعات أوجب – المقال الأسبوعي

صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 14 رجب 1438 11 أبريل 2017الاستنفار واجب والمراجعات أوجب – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/04/blog-post_1.html
لا أحد يجادل فى ضرورة التصدى للإرهاب بكل حزم، لكن ذلك الواجب لا ينبغى له أن يحول دون المراجعة ونقد الذات.
(1)
أهم ثلاث مقالات عن جريمة تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية «كتبها» فى جريدة «المصرى اليوم» أمس (الإثنين ١٠/٤) ثلاثة من رسامى الكاريكاتير.
فى الأولى ظهر رمز للتاريخ ممددا أمام طبيب نفسى، يعبر عن حيرته ماذا يقول وماذا يكتب. فالحوادث واحدة والسيناريو واحد. وإذ يطلب من الطبيب العون والنصيحة، فإن الأخير لا يجد ما يقوله، لكنه يصوب مسدسا إلى حلقه قاصدا الانتحار. (دعاء العدل).
فى الثانية ظهر رجل يعبر عن حيرته فيقول لزوجته وهو يبكى، هل هم الدواعش «الكلاب» أم هو الفساد والمحسوبية أم هو التستر والمداراة التى تدعى أن كل شىء مراقب «وكله قشطة ومِيه مِيه (عمرو سليم).
الثالثة لمسئول جالس على مكتب عائم فوق بحر من الدماء التى تناثرت حوله. بيده اليمنى منديل يجفف به عرقه، فى حين أمسك سماعة الهاتف باليد الأخرى وهو يقول لمسئول أكبر منه إن «كله تمام» (أنور).
رغم أن الشائع عن الكاريكاتير أنه باب من أبواب السخرية والهزل، إلا أننى قرأت فى الصور الثلاث ملاحظات وآراء سياسية تتسم بالجدية، التى جاءت معبرة عن البلبلة والحيرة والنقد الرشيق.
ولا أعرف ما إذا كانت تلك مجرد مصادفة، أم إنها من مقدمات النقد الذى سيلجأ إليه بعض الصحفيين فى ظل «الطوارئ» وإزاء النقد الذى وجه إلى ممارسات الإعلام المقروء،
أيا كان الأمر، فإننى أتفق تماما مع الرأى القائل بأن كل ما فى جعبة اللغة من إدانة وهجاء للإرهاب وأهله قيل بالفعل فى مرات عديدة سابقة، كما أن كل عبارات العزاء والمواساة للأقباط جرى استهلاكها، حتى أن ترديدها فقد رنينه ومات فيه المعنى.
ليس ذلك فحسب وإنما ثبت أننا لم نتعلم شيئا من التجارب السابقة، وإننا اكتفينا بالرثاء والأحزان، فذرفنا الدموع بأكثر مما استنفرنا العقول. وشغلنا بالتنديد بالإرهابيين وصب اللعنات عليهم بأكثر مما شغلنا بمراجعة أوضاعنا، وتحرى الثغرات التى تمكنهم من تحقيق مرادهم فى إرهابنا. وفى أحيان كثيرة بدا أننا ركزنا على ملاحقة الإرهابيين وإنزال العقاب بهم ولم نقم بما يجب نحو ملاحقة المقصرين ومحاسبتهم على تقاعسهم.
(2)
الرسامون الثلاثة كانوا أكثر توفيقا فى الإفصاح عن بعض ما ينبغى أن ننتبه إليه ونفعله. إذ وجدت مثلا أن صاحبنا الذى أكد على أن كله تمام وهو جالس على مكتب عائم فوق بحر الدماء،
هو ذاته الذى علم بأن قنبلة عثر عليها فى كنيسة طنطا قبل عشرة أيام من حلول مناسبة العيد ولم يكترث بالأمر. فلا رفع مستوى الطوارئ فى محيط الكنيسة، ولا عزز من الحراسة على مداخلها.
ولم يفرق بين يوم أحد عادى تقام فيه الصلوات بالكنيسة، ويوم عيد تؤم المكان فيه أعداد غفيرة من الأقباط.
وأثار دهشتى وانتباهى ما تناقلته وكالات الأنباء خلال اليومين الماضيين عن ان البريطانيين كانوا قد أصدروا تعميما حذر من السفر إلى مصر فى فترة الأعياد وبسبب احتمال حدوث عمليات إرهابية، وان الاستخبارات الإسرائيلية هى التى نقلت المعلومة إليهم.
وهو ما يعنى أن الإسرائيليين عرفوا وحذروا البريطانيين، لكن السلطات المصرية ظلت نائمة فى العسل كما يقال.
لا أريد أن أذهب إلى أن السلطات المصرية لم تفعل شيئا، لأنها فعلت الكثير، لكن ما فعلته ظل دون ما ينبغى أن يفعل فى الظروف الطارئة الراهنة.
ذلك أن السؤال الأول الذى لم يختلف عليه أحد بعد كل فاجعة عرفتها مصر من قبيل ما جرى هو: أين الأمن؟، ليس فقط بقواته واحتياطاته، ولكن أيضا بتحرياته ومعلوماته،
وضاعف من البلبلة والحيرة أننا لم نعرف حزما فى محاسبة المقصرين يتناسب مع الشدة التى عومل بها الفاعلون أو المشتبه بهم، لقد دأبت التصريحات الرسمية التى باتت تصدر فى أعقاب كل كارثة على تذكيرنا بالتضحيات التى بذلت، والجرائم المماثلة التى اكتشفت قبل وقوعها، وذلك أمر مقدر لا ريب. وهو يستحق التنويه فعلا، إلا أنه ينبغى أن يستقبل باعتباره أداء للوظيفة وقياما بالواجب. إلا أن ذلك لا يمنعنا من التساؤل عن السبب فى أن ذلك «الواجب» لم يقم به المسئولون عنه فى حالات أخرى.
صورة الرجل الحائر الذى لم يعرف على وجه الدقة ما إذا كان إرهاب داعش وحده المسئول عن أزمة البلد، أم أنه أيضا الفساد ومشتقاته تطرح سؤالا حقيقيا وجادا. لأن تحميل الإرهاب بالمسئولية عن كل ما يحدث فى مصر لا يخلو من مبالغة. لأن الإرهاب إذا كان بمثابة الشر الأكبر، فإن هناك شرورا أخرى تنخر فى عظام البلد وتنال من عافيته يتعين الانتباه إليها والتحذير منها. إن شئت فقل إن الإرهاب هو أحد الهموم وليس كل الهموم.
(3)
إذا كانت مثل تلك الرسوم تقرع بعض الأجراس، فثمة أجراس أخرى ينبغى أن يسمع رنينها فى الأجواء الراهنة، ليس فقط للتنبيه إلى مواضع الخلل ولكن أيضا للتحذير من المزالق وإزالة الالتباسات، كى يصوب المسار وتوضع الأمور فى إطارها الصحيح.
من ذلك مثلا أننى لست من مؤيدى الفكرة القائلة إن تفجير الكنائس على بشاعته يعبر فقط عن استهداف الأقباط واضطهادهم. وأقر ابتداء بأن الذين أعلنوا مسئوليتهم عن التفجير (تنظيم داعش) لهم رأيهم السلبى فى مخالفيهم فى الاعتقاد من غير المسلمين، أو حتى بالفكر فى المسلمين (لاحظ أنهم كفروا حماس فى غزة واعتبروهم مرتدين).
مع ذلك فينبغى ألا ننسى أن تلك الكنائس كانت أمامهم ولم تمس طوال السنوات الثلاث السابقة، وإذا كانت بعض الكنائس قد تعرضت للهجوم من جانب بعض المتعصبين أو المجهولين فى السنوات السابقة، فلم نسمع أن تنظيم داعش كان طرفا فى تلك الاعتداءات.
لذلك فإننى أزعم أن استهداف الكنائس فى سيناء أو فى خارج حدودها تم بعد التضييق الشديد عليهم والردع القوى لهم هناك من قبل القوات المسلحة والشرطة. الأمر الذى اضطرهم إلى البحث عن أهداف خارجها يمكن الوصول إليها لإزعاج السلطة ومواصلة تحديها. وهو تقدير إذا صح، فهو يعنى أن ما أقدموا عليه هو جريمة أريد بها مكايدة النظام القائم، وكان الأقباط ضحية له.
فى هذا الصدد من المهم ملاحظة أمرين: أولهما أن العمليات الإرهابية قامت بها عناصر داعش وسجلت ذلك فى البيانات التى أصدرتها. وهو ما يعد كاشفا عن حقيقة الفاعلين فى هذه الحالة، فى حين أن هناك حالات أخرى عديدة نسبت إلى «الإرهابيين» دون تحديد لهوياتهم، وهو ما فتح الباب لتعميم التهمة على الجميع.
الأمر الثانى إن نشاط تلك المجموعات ظل مستهدفا مراكز السلطة ومؤسساتها ومفاصلها وليس المجتمع. فلم نسمع عن عمليات إرهابية استهدفت المقاهى أو المجمعات السكنية أو المتاجر و«المولات». وربما عد ذلك من الفروق المهمة بين جرائم الإرهاب الواقع فى بلادنا، وبين نظيره فى الدول الأوروبية، فالأول يستهدف السلطة والثانى يضرب فى المجتمع.
(4)
لدى خمس ملاحظات أخرى لا أعتبرها أجراسا لكنى أزعم أنها من قبيل التفاعل مع قرارات مجلس الأمن القومى التى أعلنت مساء يوم التفجير (الأحد ٩/٤). هذه الملاحظات هى:
<
إن إعلان حالة الطوارئ وإن بدا مفهوما ومبررا، إلا أننى تمنيت أن يكون قد صدر بعد دراسة وافية لتجربة الطوارئ فى سيناء، لاستخلاص العبرة منها وضمان تحقيق الهدف المراد منها. من ناحية أخرى فإن الطوارئ تعد سلاحا بحدين، فهى قد تشدد من القبضة الأمنية التى لم نعرف أن هناك ما يعطلها فى الظروف العادية. إلا أنها يمكن أن تصبح قيدا على الحريات العامة يعمق من الاحتقان فى المجتمع فضلا عن انقسامه.
والاحتمال فى هذه الحالة ليس مستبعدا، لأن الطوارئ حين تعلن فى المجتمعات الديمقراطية فإنها تتم فى ظل ضوابط صارمة ورقابة قضائية تجعل من الطوارئ عاملا يحقق الأمن للمجتمع وليس خصما من رصيد الحريات فيه.
<
إننى لا أعرف مدى ملاءمة إنشاء مجلس قومى مطلق اليد فى مكافحة الإرهاب، فى العام الرابع من عمر النظام الحالى، وبعد ثلاث سنوات من الصراع أثر فيها الإرهاب على الاستثمار والسياحة. وحين يحدث ذلك بعدما بذلت جهود حثيثة لتشجيع تلك المجالات فأخشى أن لا تحقق تلك الجهود مرادها فى ظل المجلس الجديد، الذى قد يكون وجوده طاردا للمستثمرين والسائحين.
<
إننى أتمنى أن يحيد الخطاب الدينى فى ساحة المواجهة، لأن اللغط المثار حول تجديده مستمر منذ سنوات ولم يحقق نتيجة تتجاوز تشديد سيطرة الأمن على المساجد، وفتح الأبواب للمهرجين والأدعياء والخصوم للحط من التعاليم وتجريحها، علما بأن الصراع فى جوهره سياسى وليس فكريا أو دينيا.
<
إن الإجراءات إذا كانت ضرورية فهى قد لا تخلو من فائدة، لكن مراجعة السياسات تظل ضرورية أيضا. وربما صارت أكثر أهمية إلحاحا.
بكلام آخر فإن تقوية قبضة السلطة لا يجادل فيها أحد، لكن إضعاف قوة المجتمع والتضييق عليه لا يخدم الاستقرار، ولكنه يغرى بمزيد من التغول الذى يشكل بيئة مواتية لتمدد الإرهاب. لذلك أزعم بأن المواجهة تحقق نجاحها المنشود إذا تضافرت فيها قوة السلطة مع قوة المجتمع.
<
أخيرا فإنه إذا كانت انتخابات الرئاسة القادمة تتم بعد عشرة أشهر من الآن، وفرضت الطوارئ لثلاثة أشهر، فإن المعادلة الصعبة التى يتعين حلها هى كيف يمكن توفير المناخ المواتى لإجراء الانتخابات الرئاسية فى الأشهر السبعة التالية، دون أن تتأثر بأجواء الطوارئ وإفرازاتها؟
................................
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 10, 2017 13:47

April 9, 2017

السودان ليس أي شقيق

صحيفة السبيل الأردنيه الاثنين 13 رجب 1438 10 أبريل 2017السودان ليس أي شقيق - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/04/blog-post_10.html
أغلب صحف القاهرة وكذلك الصحف العربية المهتمة بالشأن المصري تحدثت أمس (الأحد ٩/٤) عن سفر وزير الخارجية المصري إلى الخرطوم للمشاركة في اجتماع لجنة المشاورات السياسية بين البلدين، واحتواء الخلافات العالقة بينهما. (صحيفة الشرق الأوسط ذكرت أنه وصل إلى العاصمة السودانية). وحدها جريدة «الأهرام» ذكرت أن الوزير المصري لم يسافر «بسبب سوء الأحوال الجوية». لكني حين رجعت إلى النشرة الجوية وجدت أن الطقس في مدينة الخرطوم يوم السفر (السبت) كان «صافيا نهارا ودرجات الحرارة العظمى ٤١، أما الطقس ليلا فسيكون صافيا وتكون درجة الحرارة الصغرى ٢٨.
وعندئذ استنتجت أن ما أجل الزيارة هو الطقس السياسي وليس العاصفة الترابية التي أشارت إليها «الأهرام». رجح ذلك الظن عندي أن صحف الجمعة التي صدرت قبل ٢٤ ساعة من موعد السفر المقرر لوزير الخارجية المصري سامح شكري تحدثت عن صدور قرار سوداني طالب المصريين من الرجال بين ١٨ و٤٩ عاما بالحصول على تأشيرة دخول قبل سفرهم، كما فرض رسما لمغادرة أي مصري للخرطوم بقيمة ٥٣٠ جنيها سودانيا (ما يعادل ٣٠ دولارا تقريبا). وفهم أن القرار السوداني جاء ردا على قرار القاهرة الذي اشترط حصول كل مصري يقل عمره عن ٤٥ عاما على موافقة أمنية قبل السفر إلى السودان.
 
جريدة «المصري اليوم» الصادرة أمس كان عنوان الخبر الرئيسي على صفحتها الأولى كالتالي: «تميم في إثيوبيا بعد البشير»، تحدث التقرير المنشور تحته عن زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثان لإثيوبيا يفترض أن تبدأ اليوم (الاثنين). وجاء موعدها بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس السوداني عمر البشير للعاصمة الإثيوبية، وفي أعقاب الزيارة التي قامت بها للسودان الشيخة موزة المسند والدة الأمير.
 
التقرير المنشور أعطى انطباعا خلاصته أن العلاقة مع مصر في خلفية تلك التحركات، وهو ما يعزز الرأي القائل بأن ثمة أزمة مكتومة بين القاهرة والخرطوم تتداخل فيها عوامل عدة، تطفو على السطح حينا ثم لا تلبث أن تتوارى في أحيان كثيرة.
 
من بين ما ظهر على السطح أن القاهرة غير مستريحة إزاء موقف السودان من موضوع سد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا ويزعج مصر كثيرا بسبب احتمال تأثيره على مواردها المائية. كما أن مصر غير مستريحة لفكرة مراجعة السودان لموقفها الرافض لاتفاقية عنتيبي التي تدعو إلى إعادة النظر في حصص توزيع مياه النيل. وكان ذلك الرفض يقوي مركز مصر إزاء الاتفاقية التي تؤثر على حصتها من المياه. في حين أن تغيير الموقف السوداني يضعف الموقف المصري كثيرا.
من ذلك أيضا أن ثمة خلافا بين البلدين حول تبعية منطقتي حلايب وشلاتين الحدوديتين، وحول علاقة مصر بجنوب السودان الذي تحرص الخرطوم على أن تظل بوابة المرور إليه. وكان القرار السوداني بحظر استيراد بعض المنتجات الزراعية والسيراميك من مصر من أصداء التوتر بين البلدين.
 
يستوقفنا في هذا الصدد سعي البلدين إلى محاولة احتواء الخلافات من خلال وضع ميثاق للشرف الإعلامي. وإذ أقر بأن التناول الإعلامي يؤجج الخلافات ولا يهدئ منها، إلا أننا نعرف جيدا أن الإعلام ليس بعيدا تماما عن السياسة، وأن ما يظهر في الإعلام مجرد عرض لتراكمات ورواسب تمثل أصل المرض. كما أن ميثاق الشرف لن يغني عن التفاهم السياسي والتفاعل المجتمعي والثقافي.
 
إن الاختلاف بين الأشقاء أمر طبيعى ومفهوم، ولكن التحدي الحقيقي يتمثل في كفاءة إدارة الاختلاف. وحين يكون الأشقاء جيرانا فإن الاختلاف يصبح خطا أحمر لا يجب المساس به.
ولأن السودان في الوجدان المصري شقيق وجار له وضع شديد الخصوصية، فإن الاختلاف معه يصبح من الكبائر السياسية التي تدين كل أطرافها. وحين يحدث ذلك فهو يعني أن الطرفين فشلا في التواصل والتفاهم، وأن الشعبين هما من يعاني ويدفع الثمن.
 
هل يعقل أن نهلل في مصر لفتح صفحة جديدة مع الإدارة الأمريكية، في حين نفشل في ذلك بالنسبة لأقرب المقربين إلينا؟!
...............
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 09, 2017 15:03

April 8, 2017

حين فقدنا البوصلة

صحيفة الشروق الجديد المصريه الأحد 12 رجب 1438 9 أبريل 2017حين فقدنا البوصلة – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/04/blog-post_8.html
كرهنا جرائم النظام السورى فلم تغضبنا جريمة قصف الأمريكيين لأبرز قواعده العسكرية، وتداخلت الأوراق فصرنا نقف مع إسرائيل مهللين لتدمير القوة العسكرية السورية. واختلت الموازين وانقلبت حين بدا أن الأمريكيين يثأرون للمستضعفين السوريين، فى حين وقف الإيرانيون يدافعون عن رمز الاستكبار فى دمشق. وشاعت البلبلة والحيرة فى صفوفنا بحيث اختلطت معايير الصواب والخطأ، الأمر الذى غدا كاشفا لأزمة ضياع البوصلة الهادية فى العالم العربى.
مع ذلك، فما جرى يستدعى ملاحظات أخرى تستحق رصدا من جانبنا.
منها مثلا ما يتعلق بدوافع الإدارة الأمريكية الجديدة لإطلاق صواريخها على قاعدة الشعيرات السورية، فى أعقاب قصف بلدة خان شيخون بالغاز السام، خصوصا أن أحدا لا يصدق ما قاله الرئيس الأمريكى من أنه أصدر أمره بضرب القاعدة السورية «للانتصار للعدالة».
ذلك أن أهل المنطقة على الأقل يعرفون جيدا أن التنكيل بالشعوب صار إحدى السمات البارزة فى العالم العربى، ناهيك عن أن النظام السورى له تاريخه المشهود فى القمع والإبادة، لا ينافسه فى ذلك سوى النظام العراقى الذى أضاف السحل إلى قائمة تفوق التنكيل.
وغنى عن البيان أن أغلب البيوت العربية «من زجاج» على ذلك الصعيد، ولأن الأمر كذلك فإننى أزعم أن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يعترضون على القتل ولكن اعتراضهم الأكبر على أمرين، أولهما وسيلة القتل وثانيهما هوية القاتل،
 فحين تقوم داعش بقتل خصومها حرقا أو بقطع الرقاب بالسيوف، فإن ذلك يعد جريمة فظيعة تعبأ ضدها شعوب العالم،أما إذا تم القتل بسبب التعذيب فى السجون أو بعد إصدار أحكام الإعدام الجائرة أو من خلال استباحة المعارضين الذين يوصفون بأنهم إرهابيون، فذلك كله مغفور ويمكن أن يمر فى هدوء،
 وفى الحالة السورية التى يحترف النظام فيها التنكيل والقتل، عرفنا قبل أسابيع أنه تم قتل 13 ألف شخص فى سجن واحد (صيدنايا) إلا أن ذلك لم يحرك أحدا.
من ناحية ثانية فالأصدقاء القتلة معهم رخصة مفتوحة. يشهد بذلك ما يفعله الإسرائيليون بحق الفلسطينيين وما يفعله حلفاء الولايات المتحدة بشعوبهم فى العالم العربى.
والتفاصيل فى الحالتين معلومة للكافة.
 ما جرى إذا كانت له فضيلة، فقد تكمن فى أنه يلفت الانتباه إلى أمرين أولهما إرهاب الحكومات المسكوت عليه بزعم التفرغ لإرهاب الجماعات. وثانيهما أن الربيع العربى برىء مما يشاع عنه من فوضى وتمزق فى العالم العربى، لأن هذه الفوضى حلت بسبب جهود إفشال الربيع العربى وليس بسبب إطلاقه.
 ويعلم الجميع لا ريب أن الشعب السورى حين رفع صوته مطالبا بالإصلاح فى تظاهرات سلمية عام 2011، قوبل بالتنكيل والقمع والشبيحة الأمر الذى أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه فى الوقت الراهن.
ثمة اجتهادات تتردد الآن عن دوافع الرئيس ترامب للأمر بشن الغارة، بعضها يتعلق بحساباته الداخلية ومحاولة تعويض فشله فى الداخل من خلال تحقيق أى حضور فى الخارج.
منها أيضا سعى الإدارة الأمريكية للتواجد على الأرض السورية فى توقيت رسم خرائطها الجديدة، كى لا تنفرد روسيا بذلك.
منها كذلك محاولته وقف التمدد الإيرانى وتوجيه رسالة تحذير لطهران النشطة فى دعم الرئيس السورى.
ثم إننى آخذ على محمل الجد الرأى القائل بأن الحضور العسكرى الأمريكى فى سوريا يمهد لمشروع الرئيس ترامب إغلاق ملف الصراع مع إسرائيل وإنهاء القضية الفلسطينية من خلال خطة جديدة وصفها البعض بأنها صفقة القرن.
للمشهد زوايا أخرى عديدة لم نفهمها، لأن مكاننا محفوظ فى مقاعد المتفرجين طالما أننا بلا حول ولا قوة. وهو أمر ليس مستغربا، لأننا إذا ظللنا متفرجين ولم نفهم شيئا مما يحدث فى محيطنا الداخلى، فأولى بذلك أن يستعصى علينا استيعاب ما يجرى فى الساحة الدولية.
............................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 08, 2017 13:56

April 7, 2017

هل انكسر عزم الأهالى؟

صحيفة الشروق الجديد المصريه السبت 11 رجب 1438 8 أبريل 2017هل انكسر عزم الأهالى؟ - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/04/blog-post_7.html
فى أعقاب كارثة غارات الغاز السام التى ضربت ريف إدلب، حفلت وسائل الإعلام بالتصريحات والتعليقات التى انتقدت فشل المجتمع الدولى فى التعامل مع الأزمة السورية، كما صوَّب البعض سهام الاتهام نحو إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.
وذلك صحيح لا ريب، لكن الأصح أن الفشل الأكبر من نصيب العالم العربى الذى تنتمى إليه سوريا. وإذ لم أستغرب أن يتجاهل المعلقون الغربيون دور العالم العربى. لأنه بالفعل غائب ولا حضور له يستحق الذكر،
 إلا أن ما يبدو غريبا ومدهشا أن تتبنى التصريحات والتعليقات العربية الموقف ذاته، وتتصرف كأن العالم العربى صار ميئوسا منه، فتحول إلى جثة هامدة، لا ينتظر منها فعل ولا يرجى خير، وهو اعتراف ضمنى يضاعف من الشعور بالفجيعة والخزى.

بطبيعة الحال فليست الكارثة السورية هى النموذج الوحيد، لأن الكارثة اليمنية نموذج آخر، إذ يعانى ذلك البلد العريق من الدمار والمجاعة والكوليرا ولا أحد فى العالم العربى يأبه به
والحاصل فى ليبيا لا يقل فداحة إذ وصل الاقتتال الأهلى إلى مرحلة العبث، حتى قرأت أن إيطاليا دخلت على الخط ورتبت اتفاق سلام ومصالحة بين ٦٠ قبيلة منخرطة فى الصراع (جريدة «الشروق» ٣/٤)،
 ولن أضيف شيئا إلى ما هو معلوم عن العراق، الذى تمزق وغرق فى الدماء حتى صار القتل طقسا يوميا وجزءا من الحياة العادية.

للهوان أشكال أخرى أبرزها استباحة التدخلات الأجنبية للفضاء العربى أرضه وبحره وسمائه، حتى صار لكل من هب ودب من أهل العافية موطئ قدم فيه،
والأنكى من ذلك والأفدح هو الانبطاح فى مواجهة إسرائيل، والاحتشاد الحاصل لتجهيز المسرح للصراع بين الشيعة والسنة الذى اصطفت فيه إسرائيل لصالح أهل السنة بدعوى حمايتهم من «العدو» الشيعى.

لست فى وارد رصد أوجه بؤس العالم العربى (لاحظ أننى لم أتحدث عن إرهاب داعش وجرائمها لأننى أزعم أنها بمثابة كابوس لا مستقبل له، فضلا عن أن ما ذكرته أشد خطرا وأفدح).

إذ صار الغياب العربى معلوما من السياسة بالضرورة، إلا أننى أدعو إلى التفرقة بين الأنظمة والشعوب.
 أزعم فى هذا الصدد أن الشعوب مظلومة ومغلوبة على أمرها، بل أنها ضحية لها. لذلك طالما تحفظت على مقولة «العرب ظاهرة صوتية»، وأعتبر أنها تصم العرب بما ليس فيهم بالضرورة وتدمغهم بجرائم الأنظمة التى تحكمهم.

بكلام آخر فإننى أحد الذين فقدوا الثقة فى الأنظمة، وأراهن ولايزال لدى بعض الأمل فى الشعوب العربية.
لذلك فإننى إذا لم أستغرب تعويل المسئولين على المجتمع الدولى والنفوذ الأمريكى فى حل مشاكل الأمة (من فلسطين فنازلا)، فإن ما يقلقنى حقا هو سكون الجماهير العربية وغياب صوتها.
أفهم أن غياب الديمقراطية أدى إلى تخريب النخب وإضعاف المجتمعات وترهيب الجماهير. إلا أن انتفاضة الجماهير فى عام ٢٠١١، التونسية والمصرية والمغربية والسورية واليمينية والليبية كان بمثابة إعلان عن أنها لم تمت ولاتزال فيها بقية من حياة. وأخشى ما أخشاه أن يكون الجهد الهائل الذى بذل لإفشال حركة الجماهير بقمعها وترويعها قد أصابها بالوهن المفضى إلى اليأس والانكفاء على الذات.

فى هذا الصدد يلح على استحضار مقارنة موقف المصريين إزاء احتلال الفرنسيين لبلادهم فى عام ١٧٩٨ باحتلال الإنجليز الذى تم فى عام ١٨٨٢. إذ فى الحالة الأولى انتفض المصريون فى مواجهة الفرنسيين الغزاة حتى اضطروهم إلى مغادرة البلاد بعد ثلاث سنوات. وفى الحالة الثانية نجح الإنجليز فى التغلب على مقاومة المصريين حتى وصلوا من الإسكندرية إلى القاهرة، واستمر احتلالهم لمصر ٧١ عاما.

للإمام محمد عبده (١٨٤٩ ــ ١٩٠٥) مقولة يمكن أن تسهم فى تفسير المفارقة. قال فيها إن محمد على باشا حين حكم مصر (من عام ١٨٠٥ إلى ١٨٤٨)، فإنه إلى جانب إصلاحاته الكبرى، فإن بطشه وقهره للناس «كسر عزم الأهالى فضاع منهم معنى الرجولة»
ــ وهى مقولة يتعذر تعميمها بطبيعة الحال، إلا أنها تدعونا إلى التساؤل عن الدور الذى قام به الاستبداد فى إشاعة الوهن والنيل من العزائم فى العالم العربى.
.......................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 07, 2017 14:12

April 5, 2017

اغضبوا تصحوا

صحيفة الشروق الجديد الخميس 9 رجب 1438 6 أبريل 2017اغضبوا تصحوا – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/04/blog-post_5.html
بعدما بث شريط الموت الذى أطلعنا أمس الأول (4/4) على ضحايا غارات الغاز السام التى استهدفت بلدة خان شيخون فى ريف إدلب، أزعم أن أى عربى شاهده وعرف النوم فى تلك الليلة لابد أن يكون قد أصيب بفساد الضمير وتشوهه.
أدرى أن سوريا أصبحت بلاد الموت واستعراض فنون الإبادة، التى يستعرض حلقاتها كل يوم قتلة هواة ينتمون إلى داعش وأخواتها، وقتلة محترفون ويمارسها النظام البعثى منذ تمكن من السلطة.
إلا أنه لم يتح لنا أن نرى الضحايا وهم يتعذبون فتتلوى أجسادهم العارية ونسمع حشرجاتهم وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة. وهو ما فعله الشريط الفاجع الذى رأيته مع غيرى مساء يوم الثلاثاء، وظلت مشاهده المروعة تلاحقنى وأصوات الحشرجات الواهنة تدوى فى أذنى طوال الليل.
بحسن نية تصورت أن شيئا ما لابد أن يحدث فى العالم العربى فى اليوم التالى. مسئولون يرفعون أصواتهم غضبا أو اجتماع طارئ لأى لجنة أو منظمة تنسب نفسها إلى الأمة العربية، أو مظاهرات غاضبة تخرج إلى الشوارع، تطالب بوقف المذبحة.
لكن شيئا من ذلك لم يحدث، باستثناء التصريحات والبيانات الاستنكارية التى مللنا إطلاقها، وعلمتنا التجارب الطويلة والمريرة أنها من قبيل الكلام الأجوف الذى يخاصم الفعل، حتى بدا وكأن العرب أصيبوا بالعقم والخرس.
فى سبعينيات القرن الماضى نشرت صورة لطفلة فيتنامية هى كيم فان وهى تركض فى الشارع عارية ومذعورة، بعدما ألقيت قنابل النابالم على قريتها «تراج بامج»، وإذ صدم العالم برؤية الصورة فإنها حركت المياه الراكدة آنذاك، وأحرجت الحكومة الأمريكية التى كانت تقود الحرب. وكان نشرها أحد العوامل التى أسهمت فى وقف الحرب.
 دخلت الصورة التاريخ، ولاتزال واحدة من أهم عشر صور فى العالم، فإن المصور الذى التقطها (نيك أوت) صار نجما وانهالت عليه الجوائز وجرى تكريمه فى العديد من عواصم الغرب.
منذ دخل العالم العربى عصر الانبطاح، لم يعد يكترث أحد بالقتل الوحشى الدائر فيه. جرائم إسرائيل جرى التستر عليها، حتى تلك التى انفضح أمرها وذاع سرها على الملأ ــ وليست منسية صورة الطفل محمد الدرة الذى قتل وهو فى حضن أبيه، ولا قصة إحراق المستوطنين للطفل الرضيع على دوابشة وعائلته الذى صار خبرا عاديا.
غاية ما هنالك أن العالم أصيب بالدهشة حين جرفت الأمواج جثة الطفل السورى ايلان كردى على الشاطئ التركى.
وحين شاهد الجميع صورة الطفل عمران دقنيش الذى أخرجوه من تحت ركام بيته المدمر فى حلب، فإن خبر بكاء المذيعة الأمريكية وهى تبث الخبر طغى على صورته وهو جالس ذاهلا وزائغ العينين.
هان العرب على العرب فاستهان بهم العالم. وخرج الإرهاب من عباءة الظلم فانشغلنا بإرهاب الجماعات وغضضنا الطرف عن إرهاب الظالمين. وضاقت السبل بالسوريين فخرجت جموعهم إلى الشوارع منادية «ما إلنا غيرك يا الله».
وتمكن اليأس والإحباط من صبى سورى فأطلق قبل أن يموت عبارته المدوية: سأخبر الله بكل شىء.
إذ فقد الأمل فى عدالة الأرض فلجأ إلى عدالة السماء. واشتهرت عبارته حتى كتب عنها شاعر لا أعرفه هو حسين حماد قصيدة قال فيها:
 سأخبر الإله أننى ــ رأيت جُبنكم ــ يعبئ السلام بالرصاص ــ وكان جُل تبغه ــ من لحمنا ــ ويشعل السيجار ــ من أكبادنا ــ ويتكئ فى نشوة ــ على وريد قلبنا ــ سأخبر الإله يا أشجار قريتى ــ فى ليلهم ــ شاهدتهم ــ يوزعون ضحكتى ــ ويشربون بسمتى ــ فى حفلهم ــ ويسمرون فوق جثتى ــ سأخبر الإله ــ يا أوجاع قريتى.
لن يتغير شىء من حولنا إذا ما عصف بنا الحزن، لكننا سنفقد إنسانيتنا إذا لم نغضب.
.....................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 05, 2017 12:22

April 4, 2017

كان عندنا برلمان

صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 8 رجب 1438 5 أبريل 2017كان عندنا برلمان - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/04/blog-post_4.html
حين كان في مصر مجلس حقيقي للنواب، فإنه عقد جلسة يوم ١٠ أغسطس عام ١٩٢٦ لمناقشة ميزانية الدولة لعام ١٩٢٥. ولاحظ النائب الوفدي فخري عبد النور أن الحكومة رفعت راتب رئيس محكمة الاستئناف مائتي جنيه سنويا بصفة شخصية، فوصل الراتب إلى ٢٤٠٠ في السنة، وفعلت ذلك بالنسبة لأحد المستشارين،
حينئذ تحفظ النائب عبد النور معتبرا أن ذلك يعد افتئاتا على استقلال القضاء. وطلب حذف الزيادة صونا لذلك الاستقلال، دافعت الحكومة على الزيادة باعتبار أن المرتبات كانت قد خفضت رسميا وأن البعض نقل من وظيفة ذات راتب أعلى فاحتفظ براتبه السابق.
 
ومع ذلك لم يقتنع الأستاذ فخري ونقل المسألة إلى المناقشة العامة باعتبار أنها تتعلق باستقلال القضاء، وأنه لا يجوز منح أية زيادة شخصية للقاضي.
 
كان سعد زغلول هو رئيس مجلس النواب «المجلس الحقيقي كان له رئيس حقيقي»، فعلق على الموضوع قائلا: رغم أن المبالغ المراد حذفها ليست مهمة في ذاتها، إلا أنها تكتسب أهمية قصوى لأنها تتعلق باستقلال القضاء، وذلك الاستقلال لن يتحقق إلا إذا لم تتدخل فيه السلطـــــــــة التنفيذيــة. أو كان تدخلا قليلا جـــــــدا.
 ثم أضاف أن نظام القضاء في مصر يساعد السلطة التنفيذية على أن تدخل بطرق شتى مشروعة، وذلك أمر يؤسف له، ولكنها تتدخل أيضا بصفة غير مشروعة، بل بصفة تكاد تكون بمثابة رشوة للقضاة. وهذا ما لا يجوز أبدا، ويجب على حضراتكم بصفتكم أن تضربوا على كل يد تمتد إلى هذا الاستقلال «تصفيق حاد».
 ثم قـــــــال: لا يجوز مطلقا أن يمتاز قاضى عن زمـــــــيل له بجانبه إلا إذا كان ذلك يحكم الزمن والقدم.
 
وبعد أن استمع إلى مداخلات النواب ختم المناقشة قائلا: سمعت من كثيرين دفاعا عن القضاء، كما سمعت بغاية السرور دفاعا عنه من معالي وزير الحقانية «العدل».. وإني أتشرف أيضا بالدفاع عن القضاء، وأراني حائرا لهذا الشرف بمنع تدخل الحكومة في استقلال القضاء بهذه الطريقة المعيبة، وبعد كلمته قرر المجلس حذف العلاوات الشخصية المذكورة.
 
القصة السابقة أوردها المستشار طارق البشرى في كتابه عن «القضاء المصري»، ثم روى قصة شخصية عن أبيه المستشار عبد الفتاح البشرى الذي كان رئيسا لإحدى دوائر الجنايات بمحكمة الاستئناف بالقاهرة، وقد عايشها وهو لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره، إذ حدث أن تم اغتيال المستشار أحمد الخازندار، وكان على دائرة المستشار الأب أن تنظر القضية
وذكر المستشار طارق أنه سمع أباه وهو يتداول هاتفيا مع زملائه المستشارين للاتفاق على رفض عرض الحكومة.
ومما قاله الأب لزملائه، كيف نقرر لهم سيارة دون أن تعمم على كل مستشاري المحكمة، وهل أنهم هم أولى من أمن غيرهم؟ وكيف يسوغ أن يرى المتقاضون قاضيهم وهو ينزل من السيارة المحروسة أمام المحكمة؟ وإن ظنوا يحق أنه خائف فكيف يطمئنون إلى قاضيهم وإلى حيرتهم وهم يرونه خائفا؟
ثم قال: إن شرعية القاضي عند الخصوم المماثلين أمامه راجعه إلى أنهم يطمئنون إلى حيادته، وإنه سيان عنده حسبما يظهر له أنه الحق الحكم ضد هذا أو ضد ذاك، فهل يطمئنون وهم يرونه خائفا ومحروسا.
 
لم يكن لدينا برلمان حقيقي فقط، بل قضاة حقيقيون.
........................................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 04, 2017 13:57

April 3, 2017

تفكير آخر فى فتنة القضاء المصرى – المقال الأسبوعي

صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 7 رجب 1438 – 4 أبريل 2017تفكير آخر فى فتنة القضاء المصرى – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/04/blog-post_87.html
أيكون اللعب الحاصل فى ملف القضاة هذه الأيام حلقة فى مسلسل ترتيب الأوراق قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة (عام ٢٠١٨)؟
(1)
أتحدث عن مفاجآت الساحة القضائية التى باغتت المصريين فى الأسابيع الأخيرة، حين فوجئنا ذات يوم بوكيل اللجنة التشريعية بالبرلمان يقدم مشروعا جديدا للسلطة القضائية يقلب نظام تعيين رؤساء الهيئات القضائية. بحيث يلحقها عمليا برئاسة الجمهورية.
 ذلك أن المتعارف عليه والمعمول به منذ أن صدر قانون استقلال القضاء فى عام ١٩٤٣، أن تلك الهيئات هى التى تختار رؤساءها. لكن الاقتراح المقدم دعا إلى تعديل العملية بحيث يتولى رئيس الجمهورية القرار، إذ يختار واحدا من ثلاثة ترشحهم الهيئة القضائية.
ثم فوجئنا بأن الاقتراح عرض على اللجنة التشريعية، التى وافقت عليه قبل الاسترشاد برأى القضاة، وخلال أربع وعشرين ساعة عرض الأمر فجأة على مجلس النواب دون أن يكون مدرجا على جدول الأعمال،
ولأن رئيس المجلس متخصص فى تمرير رغبات السلطة التنفيذية، منذ قام بتمرير ٣٤٠ قانونا أصدرها رئيس الجمهورية خلال ١٥ يوما بمتوسط ٢٠ قانونا فى اليوم الواحد، فلم يكن مستغربا أن تتم إجازة المشروع فى نفس الجلسة. وهو ما أثار ثورة القضاة الذين رفضوا المشروع وتكتلوا لمعارضته.
 وحدثت بعد ذلك مفاجأة أخرى بدت تصعيدا للمواجهة بين المجلس والقضاة، إذ نشر يوم الجمعة ٣١/٣ أن ثمة مشروعا يجرى إعداده للعرض على البرلمان يدعو إلى خفض سن إحالة القضاة إلى المعاش بحيث ينزل من ٧٠ عاما إلى ستين عاما على مرحلتين،
وذكرت جريدة «الشروق» أن فكرة خفض سن المعاش جاءت بعد رفض القضاة للقانون سيئ السمعة الذى أصدره البرلمان، الأمر الذى يعنى أنها بمثابة عقاب للقضاة ولى لأذرعهم.
فى أجواء التوجس واهتزاز الثقة، تلقى الجميع رسالة أخرى فى الوقت نفسه. إذ فى حين نشرت «الشروق» خبر الاتجاه إلى تخفيض سن الإحالة إلى المعاش، الذى يؤثر على دخول أكثر من ألفى قاض، فإنها أبرزت على صفحة داخلية الرسالة الأخرى.
فذكرت أنه تقررت إحالة اثنين من كبار القضاة إلى لجنة التأديب والصلاحية يوم ٢٤ إبريل الحالى بما يعرضهم لعقوبات متعددة تتراوح بين اللوم أو النقل لوظيفة غير قضائية أو العزل والإحالة إلى المعاش.
القاضيان هما المستشار عاصم عبدالجبار نائب رئيس محكمة النقض والمستشار هشام رءوف الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة. و«التهمة» الموجهة إليهما هى اشتراكهما مع الحقوقى نجاد البرعى فى إعداد مشروع قانون لمكافحة التعذيب(!)
ــ خلاصة رسالة الإحالة كانت كالتالى: من اعترض على التعذيب وسعى إلى وقفه سيعاقب مهما علا مقامه. أما معارضو قانون السلطة القضائية فلن يكونوا بمنأى من العقاب.
(2)
المفاجأة أثارت أسئلة عدة.
أحدها يتعلق بالجهة التى حركت العملية، خصوصا أن الجميع يعرفون أن البرلمان شكلته جهات من خارجه. الثانى ينصب على الهدف من العملية، الثالث يخص أسباب تجاهل البرلمان للهيئات القضائية، وإخفاء أمر المشروع عن أعضاء البرلمان ثم مفاجأتهم بعرضه عليهم والتصويت الفورى عليه، تم تفسير الاستعجال غير المبرر فى تمريره.
المتابعون للموضوع استحضروا قصة القانون، الذى خول للرئيس عزل رؤساء الهيئات «المستقلة»، وسمى آنذاك قانون جنينة، باعتبار أنه استهدف إقصاء المستشار هشام جنينة الذى رأس جهاز المحاسبات ولم يكن مرضيا عنه آنذاك (عام ٢٠١٦).
وخلصوا إلى أن السلطة التنفيذية أزعجتها الأحكام التى صدرت بخصوص جزيرتى تيران وصنافير التى قررت مصريتهما وأبطلت الاتفاق الذى وقعته الحكومة بخصوصهما.
 لذلك فإنها أرادت أن تقطع الطريق على اثنين من القضاة المشكوك فى انصياعهما للهوى السياسى، بعدما حل عليهما الدور فى رئاسة بعض الهيئات القضائية.
الاثنان هما المستشار يحيى دكرورى الذى أصدر حكم الإدارية بخصوص الجزيرتين وهو مرشح لرئاسة مجلس الدولة. والثانى المستشار أنس عمارة المرشح لرئاسة محكمة النقض. وهو من دعاة استقلال القضاء، وقد حسب عليه أنه تلميذ للمستشار حسام الغريانى رئيس النقض الأسبق، وهو من غير المرضى عنهم بسبب انحيازه لاستقلال القضاء ورئاسته للجمعية التأسيسية التى وضعت الدستور أثناء حكم الإخوان.
 وسمعت شائعات فى أوساط القضاة ذكرت أن رئاسة المستشار أنس لمحكمة النقض قد تسهم فى إزالة العقبات التى وضعت أمام إنصاف ١٤ قاضيا من دعاة الاستقلال سبق فصلهم من وظائفهم.
أضيف من عندى سببا آخر قد يدفع الأجهزة إلى إقصاء المستشار المرشح لرئاسة النقض هو الخشية من أن تقوم المحكمة بإبطال أغلب أحكام القضايا السياسية التى صدرت خلال السنوات الثلاث السابقة وهى التى تمت الإدانة فيها بناء على تحريات الشرطة، باعتبار أن للنقض حكما صريحا لا يعترف بالتحريات كدليل للإدانة ما لم تؤيدها شهادات أو أدلة أخرى.
 وهناك سبب آخر لإبطال الأحكام التى صدرت فى قضايا نظرت فى مقر أكاديمية الشرطة باعتباره مكانا غير محايد، وكان رئيس النقض الحالى قد وجه خطابا بهذا المعنى إلى وزير العدل.
سواء لبعض هذه الأسباب أو كلها، فإن الجهات التى حركت المشروع أرادت أن تحسم المسألة بحيث يختار رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات القضائية قبل ٣٠/٦ القادم، وهو الموعد الذى تنتهى فيه المدة القانونية للرؤساء الحاليين، كما تنتهى فيه دورة مجلس النواب لتبدأ عطلته فى ١/٧.
(3)
تغول السلطة التنفيذية على القضاء المستقل سبقه تغول آخر على مجالس الإعلام الذى يفترض أن يكون مستقلا. وكنت قد فصلت فى هذه النقطة فى مقالة سابقة نشرت فى العاشر من يناير الماضى (٢٠١٧)، وكان عنوانها «مصر من الضيعة إلى الشخصنة».
وخلاصة ما ذكرته أن عبثا تم فى إعداد قانون الإعلام الموحد، حوله إلى قانونين، لتنظيم عمل الكيانات الصحفية الثلاث التى نص عليها دستور ٢٠١٤، وهذه الكيانات اعتبرت مجالس وطنية «مستقلة». لكن رؤساءها يختارهم رئيس الجمهورية من بين من ترشحهم قواعدهم. كما يختار الرئيس ثلاثة أعضاء فى مجلس إدارة كل كيان. وذلك يعنى أن إدارة الشأن الإعلامى والصحفى لم تعد متروكة لقواعد العاملين فى المجالات الإعلامية، من صحافة وتليفزيون وإذاعة.
بشكل مواز لإلحاق الكيانات الصحفية بالرئاسة من الناحية القانونية، فإننا نلحظ تدخلا مباشرا من جانبها فى ممارسات المجال الإعلامى، وكانت الصحافة القومية تعبر عن الشكل التقليدى لذلك التدخل. وهو ما تطور خلال السنوات الأخيرة بحيث تمثل فى المشاركة فى القنوات الخاصة، وانتهى بإطلاق قنوات تليفزيونية تابعة للسلطة بصورة مباشرة.
غنى عن البيان أن تدخلات السلطة وهيمنتها ليست مقصورة على القضاء والإعلام، لإننا نلحظ ذلك فى أهم الأنشطة المجتمعية من قانون الجمعيات الأهلية إلى قانون الجامعات، مرورا بالمجالس الشعبية والإدارة المحلية.
 وإذا أضفنا إلى ذلك أن البرلمان أصبح ذراعا للحكومة وليس رقيبا عليها كما ينص الدستور، ووضعنا فى الحسبان القانون الذى أعطى للرئيس حق عزل رؤساء المجالس المستقلة، فذلك يعنى أنه لم تعد فى مصر مؤسسة تتمتع باستقلال حقيقى، كما يعنى أن المجتمع فقد مقومات عافيته ودخل فى عصر تأميم المجال العام.
من النتائج الخطيرة التى ترتبت على ذلك الوضع أن رئيس الدولة أصبح محملا بكم هائل من المسئوليات التنفيذية، التى تفوق جميع البشر. لذلك فمن الطبيعى أن تصبح الأجهزة الأمنية طرفا يعول عليه فى إصدار القرارات المتعلقة باختيار القيادات.
(4)
فى العصر الحديث فإن السلطة إذا أرادت أن تحكم قبضتها على المجتمع فإنها تحقق مرادها من خلال أربعة عناصر هى الجيش والشرطة والقضاء والإعلام.
الجيش والشرطة يمثلان القوة المادية، والقضاء يوفر الغطاء القانونى. أما الإعلام فقد ظل سلاح التعبئة والتبرير والتسويق.
وإذا كان الجيش والشرطة يمثلان القوة المادية فإن القضاء والإعلام ظلا يمثلان القوة الأخلاقية والمعنوية.
 واحتل القضاء موقعا خاصا باعتباره حارسا لقيم العدل والحرية. وبسبب ذلك الموقع الفريد، فإن الموقف من القضاء ظل دائما معيارا لمدى رسوخ قوائم العدل والحرية فى المجتمع. ونحن نشهد فى الوقت الراهن مثلا كيف يقود القضاء حملة التصدى للرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى قراراته التى تنتقص من قيم الحرية فى المجتمع.
هذه النقطة الأخيرة وثقها وفصل فيها المستشار طارق البشرى فى كتابه «القضاء المصرى بين الاستقلال والاحتواء» الذى أعادت طبعه أخيرا «دار البشير».
إذ بين كيف أن ثورة يوليو ١٩٥٢ أحاطت بالقضاء وأبعدته عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها. إذ لجأت إلى منع التقاضى فى المسائل التى اعتبرتها ذات أهمية سياسية،
كما أنشأت محاكم خاصة لنظر القضايا ذات الحساسية السياسية بالنسبة للنظام الجديد (محاكم الثورة مثلا).
وفيما عدا بعض الاستثناءات فقد ترك القضاء ورجاله على حالهم، رغم الصدام الذى حدث مع نظام عبدالناصر فى عام ١٩٦٩، وأفضى إلى ما سمى بمذبحة القضاة.
لكن الأمر اختلف فى المرحلة الساداتية التى بدأت فى عام ١٩٧٠ وما تلاها. إذ بدأت السلطة فى العبث بالقضاء بعدما ضاقت به (فى الفترة بين عام ١٩٨٤ إلى عام ٢٠٠٠ حكمت المحكمة الدستورية ببطلان مجالس الشعب الأربعة التى شكلت خلالها).
ولجأت فى عبثها إلى الإبقاء على هياكل القضاء مع تفريغه من مضمونه (أشرف القضاء على الانتخابات التى تم تزويرها). وهو ما حدث مع الأحزاب التى سمح لها بالتعددية، إلا أن دورها بات منعدما.
فى الوقت الراهن الذى تمت فيه عسكرة السلطة وأصبحت القوات المسلحة لأول مرة فى التاريخ المصرى تتصدر المشهد السياسى فإن خطوات التمكين ذهبت إلى أبعد. إذ بعد تذويب الفوارق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، حل الدور على السلطة القضائية، لكى تمضى على درب الإلحاق، وبعدما قطعت أشواطا عدة فى ذلك الاتجاه، اقتضى الأمر استكمال عملية الإلحاق من خلال تعيين رؤساء الهيئات القضائية بقرار من رئيس السلطة التنفيذية.
هذه الخلفية تسوغ لى أن أزعم بأن مشروع قانون السلطة القضائية الجديد ليس منفصلا عن الخطوات التى سبقته وجرى فيها إلحاق أهم مؤسسات المجال العام بالسلطة، وحين تتسارع تلك الخطى خلال العام الحالى الذى يسبق الانتخابات الرئاسية التى تحل فى العام المقبل، فإننا ينبغى أن نقرأ المشهد بعين أخرى.
إذ حين يفضى كل ذلك إلى التمكين للسلطة وتأميم المجال العام فلا تفسير له إلا بحسبانه نوعا من ترتيب الأوراق وتأمين الفضاء الداخلى قبل الانتخابات الرئاسية القادمة.
وإذا صح ذلك فإنه يثير سؤالا كبيرا حول كيفية التعامل مع ملف الانقسام السياسى والحرب الأهلية الباردة الجارية منذ ثلاث سنوات فى بر مصر.
.........................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 03, 2017 12:32

April 2, 2017

بشرى

صحيفة السبيل الأردنيه الاثنين 6 رجب 1438 – 3 أبريل 2017بشرى - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/04/blog-post_3.html
في تغطيتها زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لواشنطن، حيث يفترض أن يستقبله اليوم الرئيس ترامب، أبرزت صحيفة «الشروق» في العناوين الرئيسية للصفحة الأولى خبرين هما: أن المساعدات مستمرة، وأن حقوق الإنسان ليست أولوية أمريكية، والأول يشعرنا بالخجل والثاني يشعرنا بالعار.
وإذ لا أشك في حسن نية من صاغ العنوان، إلا أنني ما تمنيت أن تكون اليد السفلى مصرية واليد العليا أمريكية، في هذه الزيارة أو في غيرها، الأمر الذي يعيد تعريف «التحالف الاستراتيجي» على كراهتنا له، أما الثاني فلم يخطر على بالي أن تكون حقوق الإنسان الأمريكي مطروحة للبحث أو المساومة، لأن لا السيد ترامب ولا أي مسؤول في إدارته يستطيع أن يمس شعرة من حقوق الإنسان هناك، بل إن الرئيس الأمريكي بات من يدوس الجميع على كرامته هذه الأيام.
لذلك لست أشك في أن التسامح الأمريكي مقصود به الانتهاكات التي تتعرض لها كرامة الإنسان المصري.
 وتلك بشرى تشيع الفرح والسرور في أروقة وزارة الداخلية والسجون التابعة لها، فضلا عن أقسام الشرطة وغير ذلك من بؤر التعذيب ومظانه، المعلومة منها والمجهولة، إلا أنها لا تشرف مصر وتمثل إهانة وصدمة بالغة لباقي المصريين.
 
صحيح أن الحديث عن تراجع أولوية حقوق الإنسان في ترتيب علاقات واشنطن والقاهرة أوردته صحيفة «نيويورك تايمز»، إلا أن إبرازه باللون الأحمر ضمن عناوين الصفحة الأولى أعطى انطباعا مغايرا لأول وهلة، خصوصا أن التقرير المنشور أورد تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التي تحدث فيها عن برنامج الرئيس المصري ولقاءاته مع المسؤولين الأمريكيين والآمال المعلقة علي ما وصف بأنه إعادة «تشغيل» العلاقات بين البلدين.
 
صحيح أيضا أن عدم اكتراث الرئيس الأمريكي الجديد بموضوع حقوق الإنسان أو بالديمقراطية ليس خبرا جديدا، لأن ذلك موقف مبكر للرجل عبر عنه في حملته الانتخابية. إلا أن كلامه كان عاما لم يقصد به دولة بذاتها. لكنه حين ورد في بداية زيارة الرئيس السيسي للولايات المتحدة فإنه ثبت الفكرة بالنسبة لمصر صاحبة السجل المشهود في الانتهاكات.
 
من ناحية أخرى، فحين ذكرت «نيويورك تايمز» أن موضوع انتهاكات حقوق الإنسان كان إحدى نقاط الخلاف بين إدارة الرئيس باراك أوباما ومصر فهي لم تضف جديدا إلى مواقفها. لكن المعلومة قد تكون جديدة بالنسبة لأغلب المصريين.
ذلك أن الخطاب السياسي والإعلامي المصري لم يتطرق إلى هذه النقطة، وإنما دأب على الحديث عن دعم إدارة أوباما للإخوان، حتى إن إحدى الصحف وصفت آن باترسون السفيرة الأمريكية لدى القاهرة في عهده بأنها كانت «عميلة الإخوان».
كما أن الأبواق الإعلامية ظلت طول الوقت تتحدث عن اختراق الإخوان للبيت الأبيض، وتخللت تلك الحملة إشارة إلى علاقة ابن عم أوباما بالتنظيم الدولي.. إلخ.
 
التحليل الذي ذكرته نيويورك تايمز كشف النقاب عن أن التنازع الحقيقي بين واشنطن والقاهرة لم يكن الإخوان موضوعه، وإنما كان محوره موقف الأخيرة من مسألة حقوق الإنسان، التي ظل الدفاع عنها إحدى ركائز التقرير السنوي للخارجية الأمريكية، وإن استثنيت من ذلك ممارسات الإسرائيليين مع الفلسطينيين.
لذلك اعتبرت الصحيفة الأمريكية أن ترامب حين أعلن بأنه ليس معنيا بانتهاكات حقوق الإنسان، فإنه أحدث تحولا في السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية.
 
في نفسي شيء من هرولة الزعماء العرب نحو البيت الأبيض خصوصا في ظل انحياز رئيسه الفج لإسرائيل، مع ذلك فإنني أتمنى للرئيس المصري النجاح في رحلته، شريطة ألا يعد تراجع أولوية حقوق الإنسان من إنجازات الزيارة.
.........................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 02, 2017 15:20

April 1, 2017

أشقاؤنا المنسيون

صحيفة السبيل الأردنيه الأحد 5 رجب 1438 – 2 أبريل 2017أشقاؤنا المنسيون - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/04/blog-post.html
ابتداء من أمس (السبت أول إبريل) محظور على الملتحين والمحجبات والمنتقبات من مسلمي الصين ركوب المواصلات العامة، ويتعين إبلاغ الشرطة بأسمائهم. كما يحظر عليهم الزواج بإجراءات دينية، أو إطلاق أسماء على أولادهم من شأنها «إذكاء الحماس الديني». وسوف يتعرضون للعقاب إذا ما رفضوا متابعة التليفزيون الحكومي أو الاستماع إلى الإذاعة.
 
القيود والإجراءات المذكورة أعلاه نص عليها قانون جديد أصدره برلمان إقليم سينكيانج الخاضع للحكم الذاتي الذي هو معقل المسلمين المنتمين لقومية «الويغور»، (في الصين أكثر من ٥٠ قومية). وهي المقاطعة التي تعرف تاريخيا باسم تركستان الشرقية وقد ضمتها الصين رسميا في عام ١٩٤٩، بعد مناوشات واحتكاكات استمرت طوال القرن الثامن عشر.
 
القانون الذي بدأ سريانه في أول الشهر الحالي يعد أحدث حلقات مسلسل القمع الذي يتعرض له مسلمو الصين الذين لا يزالون يرفضون المظالم التي يتعرضون لها من جانب حكومة بكين، فهي لا تزال تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية. إذ لا تسعي إلى قمعهم سياسيا ووظيفيا فقط، وإنما تمنعهم من الصيام في شهر رمضان وتضع العراقيل أمام ذهابهم لأداء فريضة الحج.
وفي الأسبوع الماضي أصدرت الحكومة تعميما طالبت فيه كل من حمل جواز سفر أن يسلمه إلى الشرطة، علي أن يسترده إذا ما قدم طلبا للسفر إلى خارج البلاد.
 
قمع مسلمي الويغور مستمر منذ استولت الصين رسميا على المقاطعة الغنية بالمعادن التي يتراوح عدد سكانها المسلمين بين ١٥ و٢٠ مليون شخص وتبلغ مساحتها مليون ونحو ٦٦٠ ألف كيلومتر مربع (ثلاثة أضعاف فرنسا).
لذلك فإنهم لم يتوقفوا عن الثورة والتمرد والانتفاض طول الوقت مطالبين باستعادة حريتهم وهويتهم. وظل تمردهم يواجه بإجراءات عديدة استهدفت سحق إرادتهم وطمس هوياتهم واقتلاعهم من بلادهم بتهجيرهم وإحلال آخرين من قومية «الهان» الصينية مكانهم، لتغيير التركيبة السكانية لمقاطعتهم.
 
حين بدأ الاتحاد السوفيتي في التفكك، واستعادت جمهوريات آسيا الوسطى استقلالها النسبي في تسعينيات القرن الماضي، جدد ذلك أمل الويغوريين في أن يحذوا حذوهم، على الأقل في استعادة الهوية والشوق إلى الحرية والمساواة. وهو ما قوبل بإجراءات قمع وسحق شديدة من جانب السلطات الصينية، التي باتت تعتبر سينكيانج كنزا لا تستطيع التفريط فيه. خصوصا بعدما تحولت قاعدة للعديد من الصناعات التصديرية المهمة ومنطلقا لكل ما تصدره الصين إلى أوروبا عبر البر.
 
طوال الوقت كانت السلطات الصينية كانت تعتبر النشطاء الصينيين متمردين وانفصاليين وتقمعهم جراء ذلك. وحين ظهرت لافتة الإرهاب في الأفق، تلقفتها حكومة بكين وأصبحت تعتبر الجميع إرهابيين، الأمر الذي يسوغ سحقهم واستباحتهم ويسكت الأصوات الناقدة لإجراءاتها.
 
كما حدث في عالمنا العربي، حين اعتبر كل من عارض المظالم إرهابيا، فإن حكومة بكين شددت من إجراءات القمع والتنكيل بالمسلمين كافة، بدعوى مقاومة الإرهاب واستئصال شأفته. وهي الأجواء التي أحدثت صدي معاكسا في محيط النشطاء الويغوريين، ذلك أن عنف السلطة دفع بعضهم إلى اللجوء إلى العنف في الرد والدفاع عن أنفسهم، ومِن هؤلاء مَن وجد في تنظيم الدولة الإسلامية عنصر جذب يوفر لهم بصيصا من الأمل للخلاص مما يعانون منه.
 
يثير الانتباه والدهشة في هذا الصدد أن العالم العربي والإسلامي يقف متفرجا إزاء ما يجري للمسلمين هناك، رغم أن العالم العربي وحده أصبح ضمن أهم الشركاء التجاريين للصين (في عام ٢٠١٦ وصل حجم تجارة العرب مع الصين ٢٥١ مليار دولار).
 ولست أشك في أن كلمة عتاب لحكومة الصين على اضطهادها مسلميها يمكن أن يكون لها صداها في بكين، كما أنها سوف ترفع معنويات مسلمي الويغور الذين يشعرون باليتم جراء تجاهل العالم العربي والإسلامي لهم.
 
لست أنسى أنني حين زرت سينكيانج قبل ربع قرن قادما من باكستان، سألتهم عن فرق التوقيت لكي أضبط ساعتي، فإذا بواحد منهم استنكر سؤالي ورد علي قائلا: نحن هنا نضبط ساعتنا على أشقائنا بباكستان، ولن تجد أحدا يرشدك إلى ما تريد. إنهم يعتبرون أنفسهم جزءا من العالم الإسلامي الذي نسيهم وأصبح يعتبرهم متطرفين وإرهابيين.
................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 01, 2017 13:40

فهمي هويدي's Blog

فهمي هويدي
فهمي هويدي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow فهمي هويدي's blog with rss.