فهمي هويدي's Blog, page 9
March 31, 2017
من نصدق؟
صحيفة الشروق الجديد المصريه السبت 4 رجب 1438 – 1 أبريل 2017من نصدق؟ - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_31.html
أكثر ما يلفت الانتباه فى إعلان قمة عمان أن اللغة فيه انفصلت عن الحقيقة، حتى أزعم أن نتائج اللقاءات الثنائية الجانبية ربما كانت أفضل بكثير من اللقاء الذى عقده القادة العرب مجتمعين.
أقله لأن اللقاءات الثنائية ــ بين الرئيس السيسى والملك سلمان مثلا ــ مدت جسورا وأحدثت تفاهمات ما كان لها أن تتم إلا إذا فتح كل طرف قلبه للآخر بدرجة أو أخرى.
أما البيان الذى صدر موجها إلى الأمة فلم يتوافر له شىء من هذا أو ذاك. إذ إلى جانب أنه خطاب من طرف واحد فقد روعى فيه أن يرطب الجوانح ويجبر الخواطر ويطمئن الجميع إلى أن القادة لايزالون عند حسن الظن بهم، ولم يقصروا فى القيام بما يجب. والبيان المعلن شاهد على أنهم وفوا وكفوا، ولن يسألهم أحد فى شىء مما قالوه.
خذ مثلا ما قيل فى الشأن الفلسطينى الذى كان محوره الدعوة إلى إطلاق مفاوضات السلام مع الإسرائيليين للتوصل إلى حل على أساس المبادرة العربية التى تبنتها قمة بيروت عام ٢٠٠٢، وذلك إلى جانب إدانة الخطوات الإسرائيلية الأحادية التى تستهدف تغيير الحقائق على الأرض من خلال التوسعات الاستيطانية،
وذلك كلام طيب، ليس فيه حرف واحد جديد، لكن الجديد أنه يتناقض مع الحاصل على الأرض.
فرئيس الوزراء الإسرائيلى الذى يرفض التفاوض مع الفلسطينيين يريد أن يبدأ بما أسماه «التسوية الإقليمية» التى دعا إليها، وأيدها الرئيس الأمريكى الجديد. ثم إنه وكل الائتلاف الحاكم فى إسرائيل يرفض المبادرة العربية التى أعلنت القمة التمسك بها ويشترط تعديلها، إذ يعتبر الجميع أن العودة إلى خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧ لم تعد واردة، بل صارت تاريخا لا مجال للحديث فيه، فضلا عن أنهم أضافوا شرط الاعتراف بيهودية الدولة.
والمتواتر الآن فى الصحافة الإسرائيلية أن الاتصالات الجارية لم تبدأ إلا بعد الاتفاق على تعديل المبادرة بحيث تلبى ما يريده الإسرائيليون ولكن بصياغات جديدة تحقق المراد دون أن تصدم المواطن العربى.
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبوالغيط قد تحدث صراحة عن ذلك بل قال إن هناك مشروعا فلسطينيا جديدا للحل فى حواره الذى نشرته جريدة «الشرق الأوسط» يوم ٢٣ مارس الماضى.
وما عاد سرا أن اجتماع العقبة السرى الذى عقد قبل عام ناقش تلك الأفكار التى لا علاقة لها بالبيان الرسمى الذى أعلن. ومعروف أن الرئيس السيسى حضره وشارك فيه نتنياهو والملك عبدالله وجون كيرى وزير الخارجية الأمريكى فى حينه.
من ناحية أخرى فإن حل الدولتين الذى يتحدث عنه الجميع جرى نسفه بالخطوات التى كان آخرها قرار الحكومة الإسرائيلية الذى أجاز المشروع الاستيطانى الذى يربط القدس بمستوطنة «معاليه أدوميم» الواقعة شمال شرق المدينة المقدسة.
ولا ينسى فى هذا الصدد أن مصر كانت من قدم قرار إدانة المستوطنات إلى مجلس الأمن باسم المجموعة العربية، ثم سحبته بعد ذلك. وإن اضطرت إلى التصويت لصالحه حين أصرت دول أخرى على تقديمه.
فضلا عما سبق فإن أكثر ما يبعث على الحيرة والقلق أن يعول العرب على دور للإدارة الأمريكية الجديدة فى الموضوع، فى حين أن الجميع يعلمون أن ثمة تطابقا فى المواقف والمعتقدات بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.
أختم بملاحظتين تتعلقان ببيان القمة
الأولى من وحى إبراز الصحف السعودية للنقطة الخاصة بالتشديد على رفض التدخلات الخارجية فى الشأن العربى، الذى أؤيده بشدة لكنى أتحفظ فقط على أن يكون المقصود به التدخلات الإيرانية وحدها، والسكوت على الدور الروسى فى سوريا والأمريكى فى العراق.
الملاحظة الثانية تتعلق بالاستياء الذى عبر عنه البيان إزاء الاضطهاد الذى تتعرض له أقلية الروهينجا المسلمة فى ميانمار، وهو أيضا مما أؤيده بشدة، لكنى أستغرب السكوت على المجاعة التى ضربت اليمن وهددت حياة مئات الألوف من أبنائه وأطفاله:
لا أعرف من نصدق بيان مؤتمر القمة أم الشائعات المتواترة التى خرجت من مؤتمر العقبة السرى.
................
أكثر ما يلفت الانتباه فى إعلان قمة عمان أن اللغة فيه انفصلت عن الحقيقة، حتى أزعم أن نتائج اللقاءات الثنائية الجانبية ربما كانت أفضل بكثير من اللقاء الذى عقده القادة العرب مجتمعين.
أقله لأن اللقاءات الثنائية ــ بين الرئيس السيسى والملك سلمان مثلا ــ مدت جسورا وأحدثت تفاهمات ما كان لها أن تتم إلا إذا فتح كل طرف قلبه للآخر بدرجة أو أخرى.
أما البيان الذى صدر موجها إلى الأمة فلم يتوافر له شىء من هذا أو ذاك. إذ إلى جانب أنه خطاب من طرف واحد فقد روعى فيه أن يرطب الجوانح ويجبر الخواطر ويطمئن الجميع إلى أن القادة لايزالون عند حسن الظن بهم، ولم يقصروا فى القيام بما يجب. والبيان المعلن شاهد على أنهم وفوا وكفوا، ولن يسألهم أحد فى شىء مما قالوه.
خذ مثلا ما قيل فى الشأن الفلسطينى الذى كان محوره الدعوة إلى إطلاق مفاوضات السلام مع الإسرائيليين للتوصل إلى حل على أساس المبادرة العربية التى تبنتها قمة بيروت عام ٢٠٠٢، وذلك إلى جانب إدانة الخطوات الإسرائيلية الأحادية التى تستهدف تغيير الحقائق على الأرض من خلال التوسعات الاستيطانية،
وذلك كلام طيب، ليس فيه حرف واحد جديد، لكن الجديد أنه يتناقض مع الحاصل على الأرض.
فرئيس الوزراء الإسرائيلى الذى يرفض التفاوض مع الفلسطينيين يريد أن يبدأ بما أسماه «التسوية الإقليمية» التى دعا إليها، وأيدها الرئيس الأمريكى الجديد. ثم إنه وكل الائتلاف الحاكم فى إسرائيل يرفض المبادرة العربية التى أعلنت القمة التمسك بها ويشترط تعديلها، إذ يعتبر الجميع أن العودة إلى خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧ لم تعد واردة، بل صارت تاريخا لا مجال للحديث فيه، فضلا عن أنهم أضافوا شرط الاعتراف بيهودية الدولة.
والمتواتر الآن فى الصحافة الإسرائيلية أن الاتصالات الجارية لم تبدأ إلا بعد الاتفاق على تعديل المبادرة بحيث تلبى ما يريده الإسرائيليون ولكن بصياغات جديدة تحقق المراد دون أن تصدم المواطن العربى.
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبوالغيط قد تحدث صراحة عن ذلك بل قال إن هناك مشروعا فلسطينيا جديدا للحل فى حواره الذى نشرته جريدة «الشرق الأوسط» يوم ٢٣ مارس الماضى.
وما عاد سرا أن اجتماع العقبة السرى الذى عقد قبل عام ناقش تلك الأفكار التى لا علاقة لها بالبيان الرسمى الذى أعلن. ومعروف أن الرئيس السيسى حضره وشارك فيه نتنياهو والملك عبدالله وجون كيرى وزير الخارجية الأمريكى فى حينه.
من ناحية أخرى فإن حل الدولتين الذى يتحدث عنه الجميع جرى نسفه بالخطوات التى كان آخرها قرار الحكومة الإسرائيلية الذى أجاز المشروع الاستيطانى الذى يربط القدس بمستوطنة «معاليه أدوميم» الواقعة شمال شرق المدينة المقدسة.
ولا ينسى فى هذا الصدد أن مصر كانت من قدم قرار إدانة المستوطنات إلى مجلس الأمن باسم المجموعة العربية، ثم سحبته بعد ذلك. وإن اضطرت إلى التصويت لصالحه حين أصرت دول أخرى على تقديمه.
فضلا عما سبق فإن أكثر ما يبعث على الحيرة والقلق أن يعول العرب على دور للإدارة الأمريكية الجديدة فى الموضوع، فى حين أن الجميع يعلمون أن ثمة تطابقا فى المواقف والمعتقدات بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.
أختم بملاحظتين تتعلقان ببيان القمة
الأولى من وحى إبراز الصحف السعودية للنقطة الخاصة بالتشديد على رفض التدخلات الخارجية فى الشأن العربى، الذى أؤيده بشدة لكنى أتحفظ فقط على أن يكون المقصود به التدخلات الإيرانية وحدها، والسكوت على الدور الروسى فى سوريا والأمريكى فى العراق.
الملاحظة الثانية تتعلق بالاستياء الذى عبر عنه البيان إزاء الاضطهاد الذى تتعرض له أقلية الروهينجا المسلمة فى ميانمار، وهو أيضا مما أؤيده بشدة، لكنى أستغرب السكوت على المجاعة التى ضربت اليمن وهددت حياة مئات الألوف من أبنائه وأطفاله:
لا أعرف من نصدق بيان مؤتمر القمة أم الشائعات المتواترة التى خرجت من مؤتمر العقبة السرى.
................
Published on March 31, 2017 14:27
March 29, 2017
سوء تفاهم
صحيفة الشروق الجديد المصريه الخميس 2 رجب 1438 – 30 مارس 2017سوء تفاهم – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_29.html
أخشى أن يأتى علينا زمان تشيع فيه فى أوساط الإعلاميين الأجانب مقولة: أنهم يتعاملون معنا وكأننا مصريون.
وهى مقولة ليست غريبة على أسماعنا منذ جاءت على لسان أم الباحث الإيطالى جوليو ريجينى الذى تحدثت التقارير عن أنه تعرض لتعذيب أفضى إلى مصرعه. وقد قالتها فى سياق اتهامها لمصريين بالضلوع فيما تعرض له.
أيا كان رأينا فى اللغط الذى أثير حول ما جرى لصاحبنا الإيطالى، فالشاهد أن ثمة مقدمات توحى بأن بيننا من يتعامل مع الإعلام الأجنبى بذات الأسلوب الذى تتعامل به السلطة مع الإعلام المصرى،
ولعلى لست بحاجة إلى التفصيل فى النقطة الأخيرة، والتدليل على دور التوجهات فى صناعة الإعلام المرئى والمقروء. إذ ليس سرا أن النظام القائم فى مصر شديد الحساسية إزاء ما ينشر من نقد أو يبث عبر وسائل الإعلام وهى حساسية تزايدت مع تراجع منسوب الديمقراطية فى المجتمع.
ومما يؤسف له أن ذلك التراجع لم يعد مقصورا على السلطة السياسية وحدها، وإنما أصبح مشهودا فى محيط السلطة التشريعية أيضا.
والمثل الصارخ على ذلك وقع هذا الأسبوع، حين جرؤ أحد أعضاء مجلس النواب على انتقاد رئيس البرلمان فى أنه خالف لائحة المجلس، فما كان من الرجل إلا أنه انتفض غاضبا وقرر إحالته إلى لجنة القيم لمعاقبته على «تطاوله» بما يمكن أن يؤدى إلى إسقاط عضويته!
ضيق الصدر الذى يستفحل فى الداخل لم يسلم منه الإعلام فى الخارج. واتهام الرأى الآخر بأنه خصم تارة ومتآمر تارة أخرى أصبح قاعدة فى التعامل مع ما تنشره الصحف الأجنبية أو تبثه الفضائيات الأخرى التى لا صلة لها بالصراع السياسى الدائر فى مصر.
إذ يغيب عن البال أن تلك المنابر تمارس حريتها فى التعبير فى مجتمعات ديمقراطية، وأن ما تمارسه من انتقادات ليس مقصورا على مصر وحدها، وإنما له نظيره فيما يتعلق بالأقطار التى تنطلق منها وما كان لها أن تتطرق إلى الحاصل فى مصر لولا أنها بلد له أهميته فى المنطقة بحيث لا يمكن تجاهله.
وبالمناسبة فإن بعض الصحف الأمريكية التى تصنف باعتبارها من خصوم النظام القائم فى مصر، نيويورك تايمز وواشنطن بوست مثلا توجه انتقادات للرئيس الأمريكى الحالى وإدارته أقسى بكثير مما تتحدث به عن مصر.
لقد خصص رئيس تحرير «الأهرام» المقال الرئيسى لعدد الجمعة الماضية (٢٤/٣) للهجوم على قناة «دويتش فيلا» الألمانية لمجرد أن الإعلامى المصرى المعروف يسرى فودة قدم حلقة عن أوضاع مصر الراهنة فى برنامجه الأسبوعى الذى يقدمه على شاشتها.
ولأنه كان ناقدا وخرج عن الوضع المألوف فى البث التليلفزيونى المصرى، فقد اعتبرت القناة ضمن «مراكز التحريض»، ووصف البرنامج بأنه «ينضح بالعداء الصارخ لمصر»، وهو تعبير عن الحساسية المفرطة من جانب الأجهزة المعنية إزاء أى نقد فى الداخل أو الخارج.
فى عدد الثلاثاء ٢٨/٣ نشرت «الأهرام» أيضا تقريرا مما تعده الأجهزة المعنية لما ينشر عن مصر فى الخارج. كان عنوانه «فصام إعلامى بريطانى تجاه مصر».
والتقرير لم يكن تحليلا يفيد القارئ بقدر ما كان محاكمة اتهمت عموم الإعلاميين البريطانيين بأنهم لا يذكرون مصر بخير، ومما أخذه التقرير على وكالة «رويترز» أنها تصر على أن أى حادث يقع فى العريش أو رفح إنما وقع فى سيناء، دون الإشارة إلى أنه فى شمال سيناء فقط. وهو ما اعتبر من القرائن الدالة على سوء نية الإعلام البريطانى.
لا تخلو الملاحظة من مفارقة. ذلك أن التقرير طالب الوكالة البريطانية بالتدقيق وحصر الإرهاب الحاصل فى مدينتى رفح والعريش فقط، وعدم تعميمه على كل سيناء، لأسباب متعلقة بجذب السياح البريطانيين.
والمفارقة فى الموضوع تتمثل فى أنه فى حين أن الأسباب السياحية استدعت ذلك، فإن الأسباب السياسية الداخلية فرضت على الإعلام المصرى التهويل من حجم الإرهاب بحيث لا يعمم على سيناء وحده فقط، وإنما يعمم على مصر كلها.
وذلك مما يقتضيه الخطاب التعبوى الساعى إلى التخويف من الإرهاب واعتباره خطرا يستهدف إسقاط الدولة وتهديد وجودها
ــ إن المشكلة ستظل قائمة ما لم تصحح النظرة بحيث يعامل الإعلام فى الخارج بأسلوب مغاير عن الذى يعامل به الإعلام المصرى.
...............
أخشى أن يأتى علينا زمان تشيع فيه فى أوساط الإعلاميين الأجانب مقولة: أنهم يتعاملون معنا وكأننا مصريون.
وهى مقولة ليست غريبة على أسماعنا منذ جاءت على لسان أم الباحث الإيطالى جوليو ريجينى الذى تحدثت التقارير عن أنه تعرض لتعذيب أفضى إلى مصرعه. وقد قالتها فى سياق اتهامها لمصريين بالضلوع فيما تعرض له.
أيا كان رأينا فى اللغط الذى أثير حول ما جرى لصاحبنا الإيطالى، فالشاهد أن ثمة مقدمات توحى بأن بيننا من يتعامل مع الإعلام الأجنبى بذات الأسلوب الذى تتعامل به السلطة مع الإعلام المصرى،
ولعلى لست بحاجة إلى التفصيل فى النقطة الأخيرة، والتدليل على دور التوجهات فى صناعة الإعلام المرئى والمقروء. إذ ليس سرا أن النظام القائم فى مصر شديد الحساسية إزاء ما ينشر من نقد أو يبث عبر وسائل الإعلام وهى حساسية تزايدت مع تراجع منسوب الديمقراطية فى المجتمع.
ومما يؤسف له أن ذلك التراجع لم يعد مقصورا على السلطة السياسية وحدها، وإنما أصبح مشهودا فى محيط السلطة التشريعية أيضا.
والمثل الصارخ على ذلك وقع هذا الأسبوع، حين جرؤ أحد أعضاء مجلس النواب على انتقاد رئيس البرلمان فى أنه خالف لائحة المجلس، فما كان من الرجل إلا أنه انتفض غاضبا وقرر إحالته إلى لجنة القيم لمعاقبته على «تطاوله» بما يمكن أن يؤدى إلى إسقاط عضويته!
ضيق الصدر الذى يستفحل فى الداخل لم يسلم منه الإعلام فى الخارج. واتهام الرأى الآخر بأنه خصم تارة ومتآمر تارة أخرى أصبح قاعدة فى التعامل مع ما تنشره الصحف الأجنبية أو تبثه الفضائيات الأخرى التى لا صلة لها بالصراع السياسى الدائر فى مصر.
إذ يغيب عن البال أن تلك المنابر تمارس حريتها فى التعبير فى مجتمعات ديمقراطية، وأن ما تمارسه من انتقادات ليس مقصورا على مصر وحدها، وإنما له نظيره فيما يتعلق بالأقطار التى تنطلق منها وما كان لها أن تتطرق إلى الحاصل فى مصر لولا أنها بلد له أهميته فى المنطقة بحيث لا يمكن تجاهله.
وبالمناسبة فإن بعض الصحف الأمريكية التى تصنف باعتبارها من خصوم النظام القائم فى مصر، نيويورك تايمز وواشنطن بوست مثلا توجه انتقادات للرئيس الأمريكى الحالى وإدارته أقسى بكثير مما تتحدث به عن مصر.
لقد خصص رئيس تحرير «الأهرام» المقال الرئيسى لعدد الجمعة الماضية (٢٤/٣) للهجوم على قناة «دويتش فيلا» الألمانية لمجرد أن الإعلامى المصرى المعروف يسرى فودة قدم حلقة عن أوضاع مصر الراهنة فى برنامجه الأسبوعى الذى يقدمه على شاشتها.
ولأنه كان ناقدا وخرج عن الوضع المألوف فى البث التليلفزيونى المصرى، فقد اعتبرت القناة ضمن «مراكز التحريض»، ووصف البرنامج بأنه «ينضح بالعداء الصارخ لمصر»، وهو تعبير عن الحساسية المفرطة من جانب الأجهزة المعنية إزاء أى نقد فى الداخل أو الخارج.
فى عدد الثلاثاء ٢٨/٣ نشرت «الأهرام» أيضا تقريرا مما تعده الأجهزة المعنية لما ينشر عن مصر فى الخارج. كان عنوانه «فصام إعلامى بريطانى تجاه مصر».
والتقرير لم يكن تحليلا يفيد القارئ بقدر ما كان محاكمة اتهمت عموم الإعلاميين البريطانيين بأنهم لا يذكرون مصر بخير، ومما أخذه التقرير على وكالة «رويترز» أنها تصر على أن أى حادث يقع فى العريش أو رفح إنما وقع فى سيناء، دون الإشارة إلى أنه فى شمال سيناء فقط. وهو ما اعتبر من القرائن الدالة على سوء نية الإعلام البريطانى.
لا تخلو الملاحظة من مفارقة. ذلك أن التقرير طالب الوكالة البريطانية بالتدقيق وحصر الإرهاب الحاصل فى مدينتى رفح والعريش فقط، وعدم تعميمه على كل سيناء، لأسباب متعلقة بجذب السياح البريطانيين.
والمفارقة فى الموضوع تتمثل فى أنه فى حين أن الأسباب السياحية استدعت ذلك، فإن الأسباب السياسية الداخلية فرضت على الإعلام المصرى التهويل من حجم الإرهاب بحيث لا يعمم على سيناء وحده فقط، وإنما يعمم على مصر كلها.
وذلك مما يقتضيه الخطاب التعبوى الساعى إلى التخويف من الإرهاب واعتباره خطرا يستهدف إسقاط الدولة وتهديد وجودها
ــ إن المشكلة ستظل قائمة ما لم تصحح النظرة بحيث يعامل الإعلام فى الخارج بأسلوب مغاير عن الذى يعامل به الإعلام المصرى.
...............
Published on March 29, 2017 13:47
March 28, 2017
طموحاتنا التى تراجعت
صحيفة الشروق الجديد المصريه الأربعاء 1 رجب 1438 – 29 مارس 2017طموحاتنا التى تراجعت – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_28.html
صار معلوما الآن أن الشاب أحمد الخطيب الذى أصيب منذ سبعة أشهر بمرض «اللشمانيا» الخطير، كان ضمن ٥٢٩ شخصا رشحوا للعفو الرئاسى، ولكن اسمه استبعد من قائمة المفرج عنهم. الذى أكد المعلومة هو الدكتور أسامة الغزالى حرب الذى رأس اللجنة الخماسية التى كلفتها الرئاسة ببحث ملف المظلومين فى السجون، بعد إثارته فى مؤتمر الشباب بحضور الرئيس السيسى.
وأغلب الظن أن الدكتور أسامة أراد أن يرضى ضميره بعدما أثيرت أسئلة عديدة حول دور ومسئولية لجنته إزاء تجاهل مثل تلك الحالة.
لذلك فإنه اختار أن يخرج عن صمته ويعلن على شاشة فضائية «دريم» أن الحالة تم بحثها وأن اسم أحمد الخطيب كان مدرجا تحت رقم ٢٩٢ فى القائمة بعدما أيقنت اللجنة أنه جدير بأن يشمله العفو، وفى سعيه إلى إبراء ذمته، فإنه أعلن أن قائمة العفو الثانية التى أرسلت ضمت ٥٢٩ اسما، ولكن القرار الذى صدر تضمن ٢٠٣ أسماء فقط.
وما لم يقله الدكتور أسامة أن ٥٪ ممن رشحتهم لجنته أدرجت أسماؤهم فى القائمة، أما نسبة الـ٩٥٪ الباقية فقد رشحتها جهات أخرى فى الدولة. وهى المعلومات التى كنت قد أشرت إليها فى تعليقى على الموضوع الذى نشر فى ١٨ مارس الحالى.
إذا كانت حالة أحمد الخطيب قد استبعدت رغم خطورتها البالغة على حياته، ورغم المخاوف التى يثيرها احتمال نشر الوباء وتوطينه فى السجون، فذلك يثير أكثر من سؤال حول المعايير التى يعول عليها فى العفو.
لقد تضامنت نقابة الأطباء مع أحمد الخطيب ودعت إلى إطلاق سراح المسجونين المصابين بأمراض خطرة، سواء لتوفير العلاج المناسب لهم، أو للسماح لهم بأن يموتوا بين أهلهم وذويهم.
كما تضامن معها وتبنى نفس المطالب المجلس القومى لحقوق الإنسان وعدد كبير من الحقوقيين والمثقفين والنشطاء فى مجالات عدة.
أما حملة التعاطف المتداولة فى مواقع التواصل الاجتماعى، فلا تفسير لها إلا أن ضمير المجتمع يجرحه ويستفزه أن يبقى فى السجون أمثال هؤلاء، خصوصا أن ابتلاءهم مضاعف. فمظلوميتهم دمرت مستقبلهم، وأمراضهم هددت حياتهم. أضف إلى ذلك أن الإهمال الطبى لنزلاء السجون يعد من قبيل القتل البطىء والمتعمد.
ومما يؤسف له أن التقارير الحقوقية المصرية أشارت إلى تزايد حالات الوفاة فى السجون بسبب الإهمال الطبى. إذ وثقت ٣٥٨ حالة فى عام ٢٠١٥. وهذا الرقم وصل إلى ٤٤٨ حالة فى العام الذى يليه (٢٠١٦).
يتضاعف القلق حين نكتشف أن اللجنة الخماسية التى شكلتها الرئاسة رشحت ٥٢٦ مظلوما لكى يشملهم العفو فى الدفعة الثانية، ولكن القرار الرئاسى تضمن ما لا يزيد على ٥٠ شخصا منهم. ولئن كان جيدا أن يطلق سراح مظلومين آخرين من أى جهة كانوا، إلا أن ذلك يعنى أمرين، أولهما أن ثمة أعدادا هائلة من الأبرياء لايزالون قابعين فى السجون وينتظرون الفرج. الأمر الثانى أن معيار الإفراج سياسى وليس إنسانيا، بدليل أن مائتى شخص من القائمة التى تضمنت ٢٠٣ أسماء، صنفوا باعتبارهم «متعاطفين» فقط (مع الإخوان) كما جاء فى البيان الذى نشر على سبيل الخطأ فى وسائل الإعلام.
إن الإبقاء على المرضى وغيرهم ممن أضعفتهم الشيخوخة فضلا عن طوابير المظلومين والأبرياء لا تفسير له إلا أنه من قبيل التنكيل والانتقام.
وذلك جزء من عملية التعذيب التى يتعرض لها الجميع فى السجون وأقسام الشرطة. لذلك فإننى أستغرب الغضب المصرى إزاء التقارير الدولية التى انتقدت انتهاكات حقوق الإنسان فى مصر، وأحدثها تقرير الخارجية الأمريكية. كأنما المطلوب منها أن تغض الطرف عن تلك الانتهاكات أو تباركها.
إن سقف طموحاتنا يتراجع حينا بعد حين. فقد ارتفعت أصواتنا فى ثورة يناير ٢٠١١ داعية إلى إطلاق الحريات. ثم أصبحنا نطالب بتحقيقات نزيهة ومحاكمات عادلة للنشطاء. واكتشفنا أن جهدا يجب أن يبذل لمحاكمتهم أمام محاكم مدنية وليست عسكرية. ثم صارت غاية منانا أن يتوقف تعذيب المحتجزين. وتراجعنا خطوات أخرى إلى الوراء حين تمنينا تارة أن يوضع النشطاء فى سجون طبيعية وليس السجون مشددة الحراسة التى ترتفع فيها معدلات التنكيل. وفى تارة أخرى أصبحنا نطالب بإيداعهم زنازين عنابر عادية وليس فى زنازين التأديب. وها نحن الآن نطالب بإنقاذ المسجونين أصحاب الأمراض الخطرة وإطلاق سراح العجزة لكى يموتوا بين أهلهم. وتلك رحلة محزنة وصادمة لا يصدق أحد أننا قطعناها فى ثلاث سنين فقط.
............................
صار معلوما الآن أن الشاب أحمد الخطيب الذى أصيب منذ سبعة أشهر بمرض «اللشمانيا» الخطير، كان ضمن ٥٢٩ شخصا رشحوا للعفو الرئاسى، ولكن اسمه استبعد من قائمة المفرج عنهم. الذى أكد المعلومة هو الدكتور أسامة الغزالى حرب الذى رأس اللجنة الخماسية التى كلفتها الرئاسة ببحث ملف المظلومين فى السجون، بعد إثارته فى مؤتمر الشباب بحضور الرئيس السيسى.
وأغلب الظن أن الدكتور أسامة أراد أن يرضى ضميره بعدما أثيرت أسئلة عديدة حول دور ومسئولية لجنته إزاء تجاهل مثل تلك الحالة.
لذلك فإنه اختار أن يخرج عن صمته ويعلن على شاشة فضائية «دريم» أن الحالة تم بحثها وأن اسم أحمد الخطيب كان مدرجا تحت رقم ٢٩٢ فى القائمة بعدما أيقنت اللجنة أنه جدير بأن يشمله العفو، وفى سعيه إلى إبراء ذمته، فإنه أعلن أن قائمة العفو الثانية التى أرسلت ضمت ٥٢٩ اسما، ولكن القرار الذى صدر تضمن ٢٠٣ أسماء فقط.
وما لم يقله الدكتور أسامة أن ٥٪ ممن رشحتهم لجنته أدرجت أسماؤهم فى القائمة، أما نسبة الـ٩٥٪ الباقية فقد رشحتها جهات أخرى فى الدولة. وهى المعلومات التى كنت قد أشرت إليها فى تعليقى على الموضوع الذى نشر فى ١٨ مارس الحالى.
إذا كانت حالة أحمد الخطيب قد استبعدت رغم خطورتها البالغة على حياته، ورغم المخاوف التى يثيرها احتمال نشر الوباء وتوطينه فى السجون، فذلك يثير أكثر من سؤال حول المعايير التى يعول عليها فى العفو.
لقد تضامنت نقابة الأطباء مع أحمد الخطيب ودعت إلى إطلاق سراح المسجونين المصابين بأمراض خطرة، سواء لتوفير العلاج المناسب لهم، أو للسماح لهم بأن يموتوا بين أهلهم وذويهم.
كما تضامن معها وتبنى نفس المطالب المجلس القومى لحقوق الإنسان وعدد كبير من الحقوقيين والمثقفين والنشطاء فى مجالات عدة.
أما حملة التعاطف المتداولة فى مواقع التواصل الاجتماعى، فلا تفسير لها إلا أن ضمير المجتمع يجرحه ويستفزه أن يبقى فى السجون أمثال هؤلاء، خصوصا أن ابتلاءهم مضاعف. فمظلوميتهم دمرت مستقبلهم، وأمراضهم هددت حياتهم. أضف إلى ذلك أن الإهمال الطبى لنزلاء السجون يعد من قبيل القتل البطىء والمتعمد.
ومما يؤسف له أن التقارير الحقوقية المصرية أشارت إلى تزايد حالات الوفاة فى السجون بسبب الإهمال الطبى. إذ وثقت ٣٥٨ حالة فى عام ٢٠١٥. وهذا الرقم وصل إلى ٤٤٨ حالة فى العام الذى يليه (٢٠١٦).
يتضاعف القلق حين نكتشف أن اللجنة الخماسية التى شكلتها الرئاسة رشحت ٥٢٦ مظلوما لكى يشملهم العفو فى الدفعة الثانية، ولكن القرار الرئاسى تضمن ما لا يزيد على ٥٠ شخصا منهم. ولئن كان جيدا أن يطلق سراح مظلومين آخرين من أى جهة كانوا، إلا أن ذلك يعنى أمرين، أولهما أن ثمة أعدادا هائلة من الأبرياء لايزالون قابعين فى السجون وينتظرون الفرج. الأمر الثانى أن معيار الإفراج سياسى وليس إنسانيا، بدليل أن مائتى شخص من القائمة التى تضمنت ٢٠٣ أسماء، صنفوا باعتبارهم «متعاطفين» فقط (مع الإخوان) كما جاء فى البيان الذى نشر على سبيل الخطأ فى وسائل الإعلام.
إن الإبقاء على المرضى وغيرهم ممن أضعفتهم الشيخوخة فضلا عن طوابير المظلومين والأبرياء لا تفسير له إلا أنه من قبيل التنكيل والانتقام.
وذلك جزء من عملية التعذيب التى يتعرض لها الجميع فى السجون وأقسام الشرطة. لذلك فإننى أستغرب الغضب المصرى إزاء التقارير الدولية التى انتقدت انتهاكات حقوق الإنسان فى مصر، وأحدثها تقرير الخارجية الأمريكية. كأنما المطلوب منها أن تغض الطرف عن تلك الانتهاكات أو تباركها.
إن سقف طموحاتنا يتراجع حينا بعد حين. فقد ارتفعت أصواتنا فى ثورة يناير ٢٠١١ داعية إلى إطلاق الحريات. ثم أصبحنا نطالب بتحقيقات نزيهة ومحاكمات عادلة للنشطاء. واكتشفنا أن جهدا يجب أن يبذل لمحاكمتهم أمام محاكم مدنية وليست عسكرية. ثم صارت غاية منانا أن يتوقف تعذيب المحتجزين. وتراجعنا خطوات أخرى إلى الوراء حين تمنينا تارة أن يوضع النشطاء فى سجون طبيعية وليس السجون مشددة الحراسة التى ترتفع فيها معدلات التنكيل. وفى تارة أخرى أصبحنا نطالب بإيداعهم زنازين عنابر عادية وليس فى زنازين التأديب. وها نحن الآن نطالب بإنقاذ المسجونين أصحاب الأمراض الخطرة وإطلاق سراح العجزة لكى يموتوا بين أهلهم. وتلك رحلة محزنة وصادمة لا يصدق أحد أننا قطعناها فى ثلاث سنين فقط.
............................
Published on March 28, 2017 13:50
March 27, 2017
من «اللاءات» إلى «النَّعَمات» – المقال الأسبوعي
صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 29 جمادى الآخره 1438 – 28 مارس 2017من «اللاءات» إلى «النَّعَمات» - فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_27.html
أخشى ما أخشاه أن تشكل قمة عمان العربية التى تعقد غدا منعطفا خطرا يجهز على ما تبقى من عصر «اللاءات» فى مواجهة إسرائيل ويدخلنا فى زمن «النَّعَمات»!
(1)
صحيح أن جدول الأعمال يتضمن ١٦ بندا كما صرح الأمين العام للجامعة العربية فى أكثر من حديث صحفى، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن فلسطين هى البند الأساسى المعروض على القمة، وأن الـ١٥ بندا الأخرى مجرد «حواشى» عليه.
فلا هى قمة توافق، ولا علاقة لها بالأمن القومى العربى، وربما تضمن بيانها فقرة إنشائية عن الإرهاب لا تضيف شيئا إلى ما هو حاصل. وأغلب الظن أنه سيتضمن فقرة تقليدية تحذر إيران وتندد بها. أما الحاصل فى سوريا واليمن وليبيا فشأنه متروك للأمم المتحدة ومبعوثيها. وربما كان له نصيب من الإنشاء لملء الخانة وستر العورة.
إذا صح ذلك التحليل فإنه يعزز الانطباع بأن قضية فلسطين هى موضوع المؤتمر ومحوره. ولأنها كذلك، فقد توجست شرا من العنوان الذى نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» (فى ٢٢/٣) ونقلت عن السيد أبوالغيط وصفه قمة عمان بأنها قمة «تصحيح المسار»، وهو ما يعنى ضمنا أن الأمة انتهجت طريقا خطأ، وصارت بصدد تصويبه.
وأقلقنى أن العنوان الأبرز الذى تخيرته الجريدة للحوار المطول الذى أجرى معه كان عن «مشروع فلسطينى جديد للحل». وإذ كان ذلك عنوان الصفحة الأولى، فإن الصفحة الثالثة حملت عنوانا مماثلا تحدث فيه صاحبنا عن «رغبة فلسطينية فى إعادة صياغة أفكار الحل».
وفى شرحه للفكرة نقلت الصحيفة عن السيد أبوالغيط قوله: إن السلطة الفلسطينية ستطرح على قمة عمان مشروعا جديدا للحل يتضمن إعادة صياغة بعض الأفكار للتسوية، على أن ينقل الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى الرؤية إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال اجتماعهما فى واشنطن بعد أيام من ختام القمة.
(2)
لأن حسم القضية لا يحتاج لأكثر من كلمتين هما «إنهاء الاحتلال»، فإن الكلام عن «مشروع جديد للحل» و«إعادة صياغة بعض الأفكار للتسوية» يبعث على الارتياب والقلق، فضلا عن أنه يطلق فى أجواء غير مواتية.
فالعرب فى أضعف حالاتهم، وإسرائيل تمارس العربدة والاستعلاء وتحديها للجميع بما فيهم مجلس الأمن ذاته. والإدارة الأمريكية الجديدة تقف على يمين نتنياهو، من الرئيس ترامب إلى سفيره الجديد لدى تل أبيب. مرورا بزوج ابنته الصهيونى المتعصب المرشح لإدارة الملف الفلسطينى.
وإذا أضفنا إلى ذلك التسريبات الإسرائيلية التى تتحدث عن خطط نتنياهو وأفكاره أو تلك التى تكشف أسرار وخلفيات علاقة إسرائيل مع بعض العواصم العربية. فإن القلق يصبح خوفا من احتمالات «نكبة ثانية» تلوح إرهاصاتها فى الأفق.
ولست مبالغا فى ذلك لأن الشكوك حول ما هو قادم راجت وتواترت فى الدوائر الدبلوماسية، وهو ما دفع زميلنا الأستاذ طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة «السفير» البيروتية إلى الحديث فى مقاله الأخير بـ«الشروق» (عدد ٢٢/٣) عن «قمة التنازلات الجديدة فى عمان»، وإشارته الصريحة إلى الاختلاف الجذرى الذى طرأ على وظيفة القمة العربية، التى بدأت سعيا إلى توحيد الصف العربى، ثم صارت مهمتها الوحيدة هى تنظيم ورعاية التنازلات العربية.
من المفارقات أنه بعد نصف قرن من إطلاق وعد بلفور (نوفمبر ١٩١٧) عقدت فى المرحلة الناصرية قمة الخرطوم (سبتمبر ١٩٦٧) وأعلنت اللاءات الثلاث (لا صلح ــ لا اعتراف ــ لا تفاوض). وهى لاءات صمدت لبعض الوقت ثم بدأت تتراجع بعد زيارة السادات لإسرائيل وتوقيعه معاهدة السلام معها عام ١٩٧٩، وبعد تورط الفلسطينيين فى اتفاقية أوسلو عام ١٩٩٣، إلى أن انكسرت اللاءات فى قمة بيروت (٢٠٠٢) التى تبنت المشروع السعودى للتسوية. وكان أخطر ما فيه أنه عرض التطبيع العربى الكامل مع إسرائيل مقابل انسحابها الكامل من الأراضى العربية المحتلة. وتلك كانت المرة الأولى التى تعرض فيها الدول العربية إمكانية تحول إسرائيل إلى «دولة شقيقة»، مع تجاهل الحديث عن عودة اللاجئين إلى بلدانهم التى طردوا منها. ثم شاءت المقادير أن تعقد قمة عمان هذا العام (٢٠١٧) بعد خمسين سنة من قمة الخرطوم (عام ١٩٦٧)، ليعرض عليها سيناريو جديد يشاع أنه يلغى «اللاءات»، ويرشح بدلا منها قائمة من «النَّعَمات» التى تهدد مصير القضية.
(3)
ليس ذلك استنتاجا. لأن القرائن المتوافرة تدل عليه. وقد كان عقد قمة العقبة السرية التى عقدت قبل عام وعلمنا بها من إسرائيل كاشفا فى هذا الصدد.
ذلك أن محرر «هاآرتس» بارك رفيد الذى أذاع السر ذكر فى تقرير له نشر فى ١٩ فبراير الماضى أن الإدارة الأمريكية سعت إلى ترتيب ذلك اللقاء لتحريك الجمود الذى ران على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. خصوصا أن نتنياهو كان قد تعهد للرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما أواخر عام ٢٠١٥ باستعداده للتوصل إلى حل للصراع فى إطار «تسوية إقليمية».
وكانت خطة نتنياهو مبنية على الاستفادة من الاختراقات التى قامت بها إسرائيل لبعض الأقطار العربية إضافة إلى الوهن والتشتت المخيمين على العالم العربى. وأراد أن يوظف ذلك العامل لكى يصبح عنصرا مساعدا فى الضغط على الفلسطينيين وإرغامهم على التحلى بـ«المرونة» التى تنشدها إسرائيل فى التوصل إلى اتفاق لحل القضية.
مما ذكره المحرر الإسرائيلى نقلا عن مساعدى وزير الخارجية السابق جون كيرى أن الرجل ظل طوال عام ٢٠١٥ يحاول أن يجمع بين نتنياهو وأبومازن لاستئناف المفاوضات المجمدة، لكن الأول أحبط جهوده، وتمسك بالمراهنة على الحل الإقليمى.
إزاء ذلك استجاب الأمريكيون لرغبة نتنياهو، وأجروا اتصالات مع «أصدقائهم» فى المنطقة لترتيب لقاء العقبة لبحث الموضوع.
فى اللقاء الذى تم فى شهر مارس من العام الماضى وشارك فيه الرئيس السيسى ونتنياهو والملك عبدالله، طرح فيه جون كيرى مبادرته للحل. وفهم أن أفكار تلك المبادرة نالت موافقة العواصم العربية المعنية، وأن تحريكها متوقف على قبول إسرائيل بها.
وإذ يفترض أن مبادرة كيرى تستند إلى فكرة «حل الدولتين» على أساس حدود عام ١٩٦٧، فإنها من الناحية العملية تضمنت بنودا حولت فكرة الدولة الفلسطينية إلى صيغة مشوهة لنموذج الحكم الذاتى.
وطبقا للنص الذى تم تسريبه، وأورده الدكتور صالح النعامى خبير الشئون الإسرائيلية فإن المبادرة انطلقت من قبول العالم العربى بتسوية الصراع بما يلبى «الاحتياجات الأمنية لإسرائيل ويضمن تمكينها من الدفاع عن نفسها».
وعند ترجمة هذا البند استنادا إلى المعايير الإسرائيلية ــ فإنه يعنى استعدادا فلسطينيا للتنازل عن مساحات من الأرض فى الضفة الغربية، ترى إسرائيل أن الاحتفاظ بها يعد من الاحتياجات الأمنية لها.
ومعلوم أن جميع الأحزاب المشتركة فى الائتلاف الحاكم وكذلك المعارضة تعارض الانسحاب من منطقة «غور الأردن»،التى تشكل نحو ٢٨٪ من الضفة الغربية، بحجة أن الاحتفاظ بهذه المنطقة يقلص قدرة أى طرف على مباغتة إسرائيل بشن هجوم من الشرق.
من ناحية أخرى فإن نص المبادرة على ترتيبات أمنية تحسن من قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها يعنى قبول الدول العربية بأن تكون الدولة الفلسطينية بلا سيادة على حدودها. إذ إن المنطق الصهيونى يرى أن ضمان حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها يتطلب بسط السيطرة على الحدود مع الأردن.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المبادرة تقر باحتفاظ إسرائيل بالتجمعات الاستيطانية الكبرى التى تتمدد على ١٢٪ من مساحة الضفة الغربية، فإن ذلك يعنى عمليا تنازلا فلسطينيا مسبقا عن ٤٠٪ من الضفة.
أضاف الدكتور النعامى أن المبادرة تحدثت عن ضم إسرائيل للتجمعات الاستيطانية ضمن صيغة تبادل الأراضى مع الفلسطينيين. لكن الأراضى التى تبدى إسرائيل استعدادا للتنازل عنها تتمثل فى منطقة «المثلث» التى تضم ثقلا سكانيا معتبرا للفلسطينيين، الأمر الذى يعد ترحيلا مقنعا ومقننا لهم وتخفيفا من الوجود الفلسطينى فى إسرائيل.
لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن كيرى أبلغ نتنياهو موافقة العرب على «الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وضمان الحفاظ على طابعها الأساسى» الأمر الذى يعنى إضفاء شرعية على كل ما يتطلبه الحفاظ على ذلك الطابع، ويقطع كل صلة متبقية للفلسطينيين ببلادهم!
ليس ذلك أعجب ما فى الأمر، لأن الأعجب أن نتنياهو هو من رفض المبادرة التى عرضها جون كيرى بعد حصوله على موافقة العرب عليها!
وهو ما عرض رئيس الوزراء الإسرائيلى لانتقاد واسع النطاق من قبل المعارضة، التى اعتبرت أنه ضيع فرصة تاريخية لبلاده كان يتعين اقتناصها!
(4)
إذا لاحظت أن ذلك كله حدث أثناء حكم الرئيس باراك أوباما، الذى قيل الكثير عن توتر علاقته بنتنياهو، فلك أن تتصور سقف طموحات الأخير فى ظل الإدارة الأمريكية الجديدة.
ليس لدى معلومات بهذا الخصوص. لكن المؤكد حتى الآن أمران، أولهما أن نتنياهو رفض العرض السخى والمذهل الذى قدمه جون كيرى. الأمر الثانى أن الأمين العام للجامعة العربية ذكر أن القمة سيعرض عليها مشروع فلسطينى جديد للحل، وأن هناك رغبة فلسطينية فى «إعادة صياغة أفكار الحل».
وهو ما يدعونا إلى التشاؤم، الذى يعززه التحيز الصارخ والمعلن لإسرائيل من جانب الرئيس الأمريكى الجديد الذى يعتبر أن الانتصار لها قضية شخصية وعائلية أيضا.
أضف إلى ذلك أن إحباطاته المتوالية فى الداخل تحثه على أن يحاول تحقيق أى إنجاز فى الخارج. وفى هذه الحالة ستكون القضية الفلسطينية أولى ضحاياه.
حتى أكون أكثر دقة فإننى أعترف بأن العالم العربى فى علاقته بإسرائيل تجاوز بالفعل عصر اللاءات، لكنه انتقل فى العلن حينا وفى السر أحيانا إلى مرحلة «النَّعَمات» التى يجتمع فى ظلها الخصام مع الغرام.
(صحيفة «معاريف» نشرت فى ٣١/٥/٢٠١٦ أن بين الزعماء العرب الذين لا يزالون يتحدثون عن أولوية القضية الفلسطينية من يجرى اتصالا هاتفيا مع نتنياهو مرتين أسبوعيا).
وهذا «التقدم» يمهد للانتقال إلى طور «النَّعَمات» الذى باتت الظروف مهيأة له، قطريا وإقليميا ودوليا.
أما شعبيا فذلك هو المجهول الذى نراهن عليه ولا نستطيع التنبؤ به.
أدعو الله أن يخيب ذلك الظن، بحيث تصبح مسألة «النعمات» فرية أقرب إلى كذبة إبريل!
........................
أخشى ما أخشاه أن تشكل قمة عمان العربية التى تعقد غدا منعطفا خطرا يجهز على ما تبقى من عصر «اللاءات» فى مواجهة إسرائيل ويدخلنا فى زمن «النَّعَمات»!
(1)
صحيح أن جدول الأعمال يتضمن ١٦ بندا كما صرح الأمين العام للجامعة العربية فى أكثر من حديث صحفى، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن فلسطين هى البند الأساسى المعروض على القمة، وأن الـ١٥ بندا الأخرى مجرد «حواشى» عليه.
فلا هى قمة توافق، ولا علاقة لها بالأمن القومى العربى، وربما تضمن بيانها فقرة إنشائية عن الإرهاب لا تضيف شيئا إلى ما هو حاصل. وأغلب الظن أنه سيتضمن فقرة تقليدية تحذر إيران وتندد بها. أما الحاصل فى سوريا واليمن وليبيا فشأنه متروك للأمم المتحدة ومبعوثيها. وربما كان له نصيب من الإنشاء لملء الخانة وستر العورة.
إذا صح ذلك التحليل فإنه يعزز الانطباع بأن قضية فلسطين هى موضوع المؤتمر ومحوره. ولأنها كذلك، فقد توجست شرا من العنوان الذى نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» (فى ٢٢/٣) ونقلت عن السيد أبوالغيط وصفه قمة عمان بأنها قمة «تصحيح المسار»، وهو ما يعنى ضمنا أن الأمة انتهجت طريقا خطأ، وصارت بصدد تصويبه.
وأقلقنى أن العنوان الأبرز الذى تخيرته الجريدة للحوار المطول الذى أجرى معه كان عن «مشروع فلسطينى جديد للحل». وإذ كان ذلك عنوان الصفحة الأولى، فإن الصفحة الثالثة حملت عنوانا مماثلا تحدث فيه صاحبنا عن «رغبة فلسطينية فى إعادة صياغة أفكار الحل».
وفى شرحه للفكرة نقلت الصحيفة عن السيد أبوالغيط قوله: إن السلطة الفلسطينية ستطرح على قمة عمان مشروعا جديدا للحل يتضمن إعادة صياغة بعض الأفكار للتسوية، على أن ينقل الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى الرؤية إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال اجتماعهما فى واشنطن بعد أيام من ختام القمة.
(2)
لأن حسم القضية لا يحتاج لأكثر من كلمتين هما «إنهاء الاحتلال»، فإن الكلام عن «مشروع جديد للحل» و«إعادة صياغة بعض الأفكار للتسوية» يبعث على الارتياب والقلق، فضلا عن أنه يطلق فى أجواء غير مواتية.
فالعرب فى أضعف حالاتهم، وإسرائيل تمارس العربدة والاستعلاء وتحديها للجميع بما فيهم مجلس الأمن ذاته. والإدارة الأمريكية الجديدة تقف على يمين نتنياهو، من الرئيس ترامب إلى سفيره الجديد لدى تل أبيب. مرورا بزوج ابنته الصهيونى المتعصب المرشح لإدارة الملف الفلسطينى.
وإذا أضفنا إلى ذلك التسريبات الإسرائيلية التى تتحدث عن خطط نتنياهو وأفكاره أو تلك التى تكشف أسرار وخلفيات علاقة إسرائيل مع بعض العواصم العربية. فإن القلق يصبح خوفا من احتمالات «نكبة ثانية» تلوح إرهاصاتها فى الأفق.
ولست مبالغا فى ذلك لأن الشكوك حول ما هو قادم راجت وتواترت فى الدوائر الدبلوماسية، وهو ما دفع زميلنا الأستاذ طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة «السفير» البيروتية إلى الحديث فى مقاله الأخير بـ«الشروق» (عدد ٢٢/٣) عن «قمة التنازلات الجديدة فى عمان»، وإشارته الصريحة إلى الاختلاف الجذرى الذى طرأ على وظيفة القمة العربية، التى بدأت سعيا إلى توحيد الصف العربى، ثم صارت مهمتها الوحيدة هى تنظيم ورعاية التنازلات العربية.
من المفارقات أنه بعد نصف قرن من إطلاق وعد بلفور (نوفمبر ١٩١٧) عقدت فى المرحلة الناصرية قمة الخرطوم (سبتمبر ١٩٦٧) وأعلنت اللاءات الثلاث (لا صلح ــ لا اعتراف ــ لا تفاوض). وهى لاءات صمدت لبعض الوقت ثم بدأت تتراجع بعد زيارة السادات لإسرائيل وتوقيعه معاهدة السلام معها عام ١٩٧٩، وبعد تورط الفلسطينيين فى اتفاقية أوسلو عام ١٩٩٣، إلى أن انكسرت اللاءات فى قمة بيروت (٢٠٠٢) التى تبنت المشروع السعودى للتسوية. وكان أخطر ما فيه أنه عرض التطبيع العربى الكامل مع إسرائيل مقابل انسحابها الكامل من الأراضى العربية المحتلة. وتلك كانت المرة الأولى التى تعرض فيها الدول العربية إمكانية تحول إسرائيل إلى «دولة شقيقة»، مع تجاهل الحديث عن عودة اللاجئين إلى بلدانهم التى طردوا منها. ثم شاءت المقادير أن تعقد قمة عمان هذا العام (٢٠١٧) بعد خمسين سنة من قمة الخرطوم (عام ١٩٦٧)، ليعرض عليها سيناريو جديد يشاع أنه يلغى «اللاءات»، ويرشح بدلا منها قائمة من «النَّعَمات» التى تهدد مصير القضية.
(3)
ليس ذلك استنتاجا. لأن القرائن المتوافرة تدل عليه. وقد كان عقد قمة العقبة السرية التى عقدت قبل عام وعلمنا بها من إسرائيل كاشفا فى هذا الصدد.
ذلك أن محرر «هاآرتس» بارك رفيد الذى أذاع السر ذكر فى تقرير له نشر فى ١٩ فبراير الماضى أن الإدارة الأمريكية سعت إلى ترتيب ذلك اللقاء لتحريك الجمود الذى ران على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. خصوصا أن نتنياهو كان قد تعهد للرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما أواخر عام ٢٠١٥ باستعداده للتوصل إلى حل للصراع فى إطار «تسوية إقليمية».
وكانت خطة نتنياهو مبنية على الاستفادة من الاختراقات التى قامت بها إسرائيل لبعض الأقطار العربية إضافة إلى الوهن والتشتت المخيمين على العالم العربى. وأراد أن يوظف ذلك العامل لكى يصبح عنصرا مساعدا فى الضغط على الفلسطينيين وإرغامهم على التحلى بـ«المرونة» التى تنشدها إسرائيل فى التوصل إلى اتفاق لحل القضية.
مما ذكره المحرر الإسرائيلى نقلا عن مساعدى وزير الخارجية السابق جون كيرى أن الرجل ظل طوال عام ٢٠١٥ يحاول أن يجمع بين نتنياهو وأبومازن لاستئناف المفاوضات المجمدة، لكن الأول أحبط جهوده، وتمسك بالمراهنة على الحل الإقليمى.
إزاء ذلك استجاب الأمريكيون لرغبة نتنياهو، وأجروا اتصالات مع «أصدقائهم» فى المنطقة لترتيب لقاء العقبة لبحث الموضوع.
فى اللقاء الذى تم فى شهر مارس من العام الماضى وشارك فيه الرئيس السيسى ونتنياهو والملك عبدالله، طرح فيه جون كيرى مبادرته للحل. وفهم أن أفكار تلك المبادرة نالت موافقة العواصم العربية المعنية، وأن تحريكها متوقف على قبول إسرائيل بها.
وإذ يفترض أن مبادرة كيرى تستند إلى فكرة «حل الدولتين» على أساس حدود عام ١٩٦٧، فإنها من الناحية العملية تضمنت بنودا حولت فكرة الدولة الفلسطينية إلى صيغة مشوهة لنموذج الحكم الذاتى.
وطبقا للنص الذى تم تسريبه، وأورده الدكتور صالح النعامى خبير الشئون الإسرائيلية فإن المبادرة انطلقت من قبول العالم العربى بتسوية الصراع بما يلبى «الاحتياجات الأمنية لإسرائيل ويضمن تمكينها من الدفاع عن نفسها».
وعند ترجمة هذا البند استنادا إلى المعايير الإسرائيلية ــ فإنه يعنى استعدادا فلسطينيا للتنازل عن مساحات من الأرض فى الضفة الغربية، ترى إسرائيل أن الاحتفاظ بها يعد من الاحتياجات الأمنية لها.
ومعلوم أن جميع الأحزاب المشتركة فى الائتلاف الحاكم وكذلك المعارضة تعارض الانسحاب من منطقة «غور الأردن»،التى تشكل نحو ٢٨٪ من الضفة الغربية، بحجة أن الاحتفاظ بهذه المنطقة يقلص قدرة أى طرف على مباغتة إسرائيل بشن هجوم من الشرق.
من ناحية أخرى فإن نص المبادرة على ترتيبات أمنية تحسن من قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها يعنى قبول الدول العربية بأن تكون الدولة الفلسطينية بلا سيادة على حدودها. إذ إن المنطق الصهيونى يرى أن ضمان حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها يتطلب بسط السيطرة على الحدود مع الأردن.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المبادرة تقر باحتفاظ إسرائيل بالتجمعات الاستيطانية الكبرى التى تتمدد على ١٢٪ من مساحة الضفة الغربية، فإن ذلك يعنى عمليا تنازلا فلسطينيا مسبقا عن ٤٠٪ من الضفة.
أضاف الدكتور النعامى أن المبادرة تحدثت عن ضم إسرائيل للتجمعات الاستيطانية ضمن صيغة تبادل الأراضى مع الفلسطينيين. لكن الأراضى التى تبدى إسرائيل استعدادا للتنازل عنها تتمثل فى منطقة «المثلث» التى تضم ثقلا سكانيا معتبرا للفلسطينيين، الأمر الذى يعد ترحيلا مقنعا ومقننا لهم وتخفيفا من الوجود الفلسطينى فى إسرائيل.
لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن كيرى أبلغ نتنياهو موافقة العرب على «الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وضمان الحفاظ على طابعها الأساسى» الأمر الذى يعنى إضفاء شرعية على كل ما يتطلبه الحفاظ على ذلك الطابع، ويقطع كل صلة متبقية للفلسطينيين ببلادهم!
ليس ذلك أعجب ما فى الأمر، لأن الأعجب أن نتنياهو هو من رفض المبادرة التى عرضها جون كيرى بعد حصوله على موافقة العرب عليها!
وهو ما عرض رئيس الوزراء الإسرائيلى لانتقاد واسع النطاق من قبل المعارضة، التى اعتبرت أنه ضيع فرصة تاريخية لبلاده كان يتعين اقتناصها!
(4)
إذا لاحظت أن ذلك كله حدث أثناء حكم الرئيس باراك أوباما، الذى قيل الكثير عن توتر علاقته بنتنياهو، فلك أن تتصور سقف طموحات الأخير فى ظل الإدارة الأمريكية الجديدة.
ليس لدى معلومات بهذا الخصوص. لكن المؤكد حتى الآن أمران، أولهما أن نتنياهو رفض العرض السخى والمذهل الذى قدمه جون كيرى. الأمر الثانى أن الأمين العام للجامعة العربية ذكر أن القمة سيعرض عليها مشروع فلسطينى جديد للحل، وأن هناك رغبة فلسطينية فى «إعادة صياغة أفكار الحل».
وهو ما يدعونا إلى التشاؤم، الذى يعززه التحيز الصارخ والمعلن لإسرائيل من جانب الرئيس الأمريكى الجديد الذى يعتبر أن الانتصار لها قضية شخصية وعائلية أيضا.
أضف إلى ذلك أن إحباطاته المتوالية فى الداخل تحثه على أن يحاول تحقيق أى إنجاز فى الخارج. وفى هذه الحالة ستكون القضية الفلسطينية أولى ضحاياه.
حتى أكون أكثر دقة فإننى أعترف بأن العالم العربى فى علاقته بإسرائيل تجاوز بالفعل عصر اللاءات، لكنه انتقل فى العلن حينا وفى السر أحيانا إلى مرحلة «النَّعَمات» التى يجتمع فى ظلها الخصام مع الغرام.
(صحيفة «معاريف» نشرت فى ٣١/٥/٢٠١٦ أن بين الزعماء العرب الذين لا يزالون يتحدثون عن أولوية القضية الفلسطينية من يجرى اتصالا هاتفيا مع نتنياهو مرتين أسبوعيا).
وهذا «التقدم» يمهد للانتقال إلى طور «النَّعَمات» الذى باتت الظروف مهيأة له، قطريا وإقليميا ودوليا.
أما شعبيا فذلك هو المجهول الذى نراهن عليه ولا نستطيع التنبؤ به.
أدعو الله أن يخيب ذلك الظن، بحيث تصبح مسألة «النعمات» فرية أقرب إلى كذبة إبريل!
........................
Published on March 27, 2017 14:38
March 26, 2017
رسالتان من واشنطن
صحيفة الشروق الجديد المصريه الاثنين 28 جمادى الآخره 1438 – 27 مارس 2017رسالتان من واشنطن – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_26.html
ما تنقله وكالات الأنباء من واشنطن فى الآونة الأخيرة، بالنسبة لنا، ليس أخبارا مثيرة فحسب ولكنه رسائل مهمة جديرة بأن تقرأ جيدا.
أتحدث عن احتشاد القوى الحية فى المجتمع لتحدى الرئيس الجديد دونالد ترامب، بعدما تبين أن سياسته تهدد قيم المجتمع الأمريكى وتقاليده السياسية الراسخة. وكانت الهزيمة المدوية التى منى بها ترامب هذا الأسبوع أحدث جولات الصراع بين المجتمع والرئيس.
ذلك أنه منذ حملته الانتخابية دأب على التنديد بمشروع الرعاية الصحية الذى تبناه الرئيس السابق باراك أوباما (أوباما كير)، ووعد بهدمه وتقديم مشروع بديل له. وحين فعلها، اكتشف أنه لن ينال الأغلبية التى تسمح بتمريره. فما كان من رئيس مجلس النواب، بول ريان، إلا أن سحب المشروع تجنبا للفضيحة وسترا لموقف الرئيس. إذ تبين أن رافضى المشروع لم يكونوا خصومه الديمقراطيين فحسب ولكن بعضا من أنصاره الجمهوريين انضموا إليهم فى المعارضة الشرسة له.
وعلق على ذلك المحلل السياسى الجمهورى البارز شارلى سايكس بقوله إن ذلك أكثر يوم جرى فيه تحدى رئاسة ترامب، معتبرا أن ذلك «لم يكن فشلا فحسب، ولكنه فشل مدوٍّ».
ليس ذلك الموقف الوحيد للكونجرس الذى يعارض فيه الرئيس ويتحداه، ذلك أن أعضاء من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين لم يكفوا عن انتقاد سياسته، حتى أن أحدهم طالب بالكشف على سلامة قواه العقلية للتثبت من قدرته على الاستمرار فى الحكم. ولا يزال التحقيق فى علاقته بروسيا موضوع جدل داخل الكونجرس، بسبب تمسك الديمقراطيين بالدعوة إلى إجراء تحقيق خاص فى الموضوع.
إلى جانب الدور الذى يقوم به الكونجرس. فإن أحدا لا ينسى أن القضاء كان سباقا فى كبح جماح الرئيس ورفض أوامره التى دعت إلى منع دخول رعايا ٧ دول ذات أغلبية إسلامية إلى الولايات المتحدة. إذ تولت المحاكم الفيدرالية نقض قراراته وتعليقها، الأمر الذى أثار غضب ترامب ودفعه إلى مهاجمة القضاء واتهامه بأنه أصبح يهدد أمريكا.
فى هذا الصدد فلا أحد يستطيع أن ينسى الدور الذى يقوم به الإعلام فى انتقاد الرئيس وفضح سياساته منذ حملته الانتخابية. ولاتزال كبريات الصحف الأمريكية وأشهر البرامج التليفزيونية تقوم بذلك الدور، سواء من خلال رصد الأكاذيب التى يروج لها أو إفساح المجال لآراء الأكاديميين وعناصر النخبة الذين تصدوا له بكل شجاعة وإصرار، وهو ما أغضب الرجل حتى فقد أعصابه واعتبر الإعلام «عدوا» له، خاصمه وقاطع بعض منابره.
خلاصة الكلام أن المجتمع الأمريكى ممثلا فى مؤسساته المستقلة هو الذى يتحدى الرئيس الآن ويحاصره.
الكونجرس من ناحية والقضاء من ناحية ثانية والإعلام من ناحية ثالثة.
وهو ما ينبهنا إلى أمرين ويبعث إلينا برسالتين مهمتين، الأولى أن تلك المؤسسات ما كان لها أن تقوم بذلك الدور الجليل إلا لأنها تشكلت ومارست فى أجواء من الحرية والديمقراطية التى وفرت لها الاستقلال وسلحتها بالجرأة والنزاهة السياسية.
الأمر الثانى أن قوة مؤسسات المجتمع المدنى هى الحصن الحقيقى الذى يحميه من تغول السلطة ونزق القائمين عليها.
وليس صحيحا أن المجتمع تحميه عضلات السلطة أو سلاحها، فتلك لها أهميتها فى لحظات معينة وحدود مقدرة،
أما القوة الحقيقية والباقية فتتمثل فى مؤسسات المجتمع التى تخرج من رحمه ويكون ولاؤها الأول له، بحيث تظل معنية بدعمه وليس التعلق بأهداب السلطة .
.........................
ما تنقله وكالات الأنباء من واشنطن فى الآونة الأخيرة، بالنسبة لنا، ليس أخبارا مثيرة فحسب ولكنه رسائل مهمة جديرة بأن تقرأ جيدا.
أتحدث عن احتشاد القوى الحية فى المجتمع لتحدى الرئيس الجديد دونالد ترامب، بعدما تبين أن سياسته تهدد قيم المجتمع الأمريكى وتقاليده السياسية الراسخة. وكانت الهزيمة المدوية التى منى بها ترامب هذا الأسبوع أحدث جولات الصراع بين المجتمع والرئيس.
ذلك أنه منذ حملته الانتخابية دأب على التنديد بمشروع الرعاية الصحية الذى تبناه الرئيس السابق باراك أوباما (أوباما كير)، ووعد بهدمه وتقديم مشروع بديل له. وحين فعلها، اكتشف أنه لن ينال الأغلبية التى تسمح بتمريره. فما كان من رئيس مجلس النواب، بول ريان، إلا أن سحب المشروع تجنبا للفضيحة وسترا لموقف الرئيس. إذ تبين أن رافضى المشروع لم يكونوا خصومه الديمقراطيين فحسب ولكن بعضا من أنصاره الجمهوريين انضموا إليهم فى المعارضة الشرسة له.
وعلق على ذلك المحلل السياسى الجمهورى البارز شارلى سايكس بقوله إن ذلك أكثر يوم جرى فيه تحدى رئاسة ترامب، معتبرا أن ذلك «لم يكن فشلا فحسب، ولكنه فشل مدوٍّ».
ليس ذلك الموقف الوحيد للكونجرس الذى يعارض فيه الرئيس ويتحداه، ذلك أن أعضاء من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين لم يكفوا عن انتقاد سياسته، حتى أن أحدهم طالب بالكشف على سلامة قواه العقلية للتثبت من قدرته على الاستمرار فى الحكم. ولا يزال التحقيق فى علاقته بروسيا موضوع جدل داخل الكونجرس، بسبب تمسك الديمقراطيين بالدعوة إلى إجراء تحقيق خاص فى الموضوع.
إلى جانب الدور الذى يقوم به الكونجرس. فإن أحدا لا ينسى أن القضاء كان سباقا فى كبح جماح الرئيس ورفض أوامره التى دعت إلى منع دخول رعايا ٧ دول ذات أغلبية إسلامية إلى الولايات المتحدة. إذ تولت المحاكم الفيدرالية نقض قراراته وتعليقها، الأمر الذى أثار غضب ترامب ودفعه إلى مهاجمة القضاء واتهامه بأنه أصبح يهدد أمريكا.
فى هذا الصدد فلا أحد يستطيع أن ينسى الدور الذى يقوم به الإعلام فى انتقاد الرئيس وفضح سياساته منذ حملته الانتخابية. ولاتزال كبريات الصحف الأمريكية وأشهر البرامج التليفزيونية تقوم بذلك الدور، سواء من خلال رصد الأكاذيب التى يروج لها أو إفساح المجال لآراء الأكاديميين وعناصر النخبة الذين تصدوا له بكل شجاعة وإصرار، وهو ما أغضب الرجل حتى فقد أعصابه واعتبر الإعلام «عدوا» له، خاصمه وقاطع بعض منابره.
خلاصة الكلام أن المجتمع الأمريكى ممثلا فى مؤسساته المستقلة هو الذى يتحدى الرئيس الآن ويحاصره.
الكونجرس من ناحية والقضاء من ناحية ثانية والإعلام من ناحية ثالثة.
وهو ما ينبهنا إلى أمرين ويبعث إلينا برسالتين مهمتين، الأولى أن تلك المؤسسات ما كان لها أن تقوم بذلك الدور الجليل إلا لأنها تشكلت ومارست فى أجواء من الحرية والديمقراطية التى وفرت لها الاستقلال وسلحتها بالجرأة والنزاهة السياسية.
الأمر الثانى أن قوة مؤسسات المجتمع المدنى هى الحصن الحقيقى الذى يحميه من تغول السلطة ونزق القائمين عليها.
وليس صحيحا أن المجتمع تحميه عضلات السلطة أو سلاحها، فتلك لها أهميتها فى لحظات معينة وحدود مقدرة،
أما القوة الحقيقية والباقية فتتمثل فى مؤسسات المجتمع التى تخرج من رحمه ويكون ولاؤها الأول له، بحيث تظل معنية بدعمه وليس التعلق بأهداب السلطة .
.........................
Published on March 26, 2017 12:06
March 25, 2017
كل الفيلم أم بعضه؟
صحيفة الشروق الجديد المصريه الأحد 27 جمادى الآخره 1438 – 26 مارس 2017كل الفيلم أم بعضه؟ - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_25.html
بعدما تمت تبرئة مبارك وعاد إلى بيته معززا مكرما فى حين لايزال الذين ثاروا ضده فى السجون، لا مفر من الاعتراف بأن «الفيلم» حقق نجاحا مشهودا، وأن الأطراف التى أشرفت على انتاجه وإخراجه بلغت مرادها، حتى إشعار آخر على الأقل.
وترتب على ذلك أن ارتفع فى الفضاء المصرى شعار «آسفين يا ريس»، بحيث كاد ينسى كثيرون أن نحو ألف من أجمل شباب مصر قتلوا وما لا يقل عن أربعة آلاف اصيبوا أو تمت إعاقتهم وتشويههم، قبل أن يتم خلع الرجل الذى جثم مع أعوانه على صدر مصر نحو ثلاثين عاما.
كان عنوان البراءة للجميع هو ما أعلن فى أعقاب تبرئة الرجل، التى سبقتها خطوات محكمة ومدروسة مهدت لذلك من خلال تبرئة أعوانه واحدا تلو الآخر، ومن ثم غسل أيديهم من دماء الشهداء ومن الفساد الذى استشرى والتدليس والتزوير الذى كان إحدى سمات عصره. وبعد إسدال الستار على المشهد الأخير من الفيلم طرح السؤال: لماذا لا نسمع شهادة الرجل على عصره؟
وهو ما فتح الباب لاستدعاء سؤال آخر يقول: ولماذا لا يتكلم الآخرون من أعوانه، وفى المقدمة منهم وزير الداخلية حبيب العادلى لكى نستكمل توثيق تاريخ تلك المرحلة؟
وإذ لا أستبعد حسن نية بعض الذين طرحوا هذه القضية، فإننى أستبعد أن تؤدى مثل تلك الشهادات إلى التعرف على حقائق المرحلة التى سبقت الثورة التى كان مبارك وأعوانه قائمين على الأمر فى مصر خلالها.
وأقطع بأن كلامهم عن أحداث الثورة التى استغرقت ١٨ يوما لن يخدم الحقيقة بأى حال. كما أننى لا أشك فى أنه سيسعى إلى طمسها وتشويهها. ذلك أن شهاداتهم ستظل من قبيل الدفاع عن النفس، الذى لا يمكن أن يصنف باعتباره تاريخا، ولكنه سيظل مستهدفا تبييض تاريخ الرئيس الأسبق ورجاله وعصره. وهو أمر مبرر ومفهوم. لابد أن يكون المحامون قد لجأوا إليه فى سياق إقامة مهرجان تبرئة الجميع.
ليس لدى كلام عن سنوات حكم مبارك. لأن الإجماع الشعبى الذى بلغ ذروته فى ٢٥ يناير كان بمثابة محاكمة حقيقية له، أدانته وأسقطته بجدارة استحقها.
وأزعم أن فيلم وقائع الثورة الذى أتحدث عنه جرى إنتاجه وإخراجه بعد ذلك هو ما يستحق الحديث. ذلك أن الفيلم كتبت له روايتان إحداهما أعدها القضاء النزيه والثانية كتبتها الدولة العميقة.
الرواية الأولى كتبت فى مرحلة براءة الثورة وصفاء الإجماع الوطنى، وتمثلت فى لجنتى تقصى الحقائق التى رأسها اثنان من أرفع القضاة وأكثرهم نزاهة هما المستشار عادل قورة الرئيس الأسبق لمحكمة النقض الذى رأس لجنة تقصى حقائق أحداث الثورة.
واللجنة الثانية رأسها المستشار عزت شرباص رئيس محكمة النقص الأسبق، وهذه تقصت حقائق مرحلة المجلس العسكرى.
وبطبيعة الحال فقد شارك مع كل منهما عدد معتبر من الإخصائيين والخبراء الذين تولوا بأنفسهم تحرى الحقيقة فى هاتين المرحلتين.
أما الرواية الثانية فقد كتبتها عناصر الدولة العميقة واعتمدت على تحريات وتقارير الأجهزة الأمنية التى استعادت موقعها ودورها، واستهدفت إزالة آثار «عدوان» ٢٥ يناير.
ولأسباب مفهومة تم إعدام الرواية الأولى ولم يعد لها ذكر. فى حين أصبحت الرواية الثانية بمثابة التاريخ الرسمى للثورة الذى أعاد مبارك إلى بيته مرة أخرى بعدما غاب عنه فى إجازة استغرقت ٦ سنوات، واقتضاها حسن إخراج المشهد.
ليس ما حدث استثناء فى الثورات التى عرفتها البشرية. ذلك أن ما كتب فى ظلها كان مجرد شهادات أغلبها كان تزويرا وتدليسا، ولم يكتب تاريخها إلا بعد زوالها. وهو ما يستدعى السؤال التالى:
هل عودة مبارك إلى بيته هو كل الفيلم أم جزؤه الأول؟
...................
بعدما تمت تبرئة مبارك وعاد إلى بيته معززا مكرما فى حين لايزال الذين ثاروا ضده فى السجون، لا مفر من الاعتراف بأن «الفيلم» حقق نجاحا مشهودا، وأن الأطراف التى أشرفت على انتاجه وإخراجه بلغت مرادها، حتى إشعار آخر على الأقل.
وترتب على ذلك أن ارتفع فى الفضاء المصرى شعار «آسفين يا ريس»، بحيث كاد ينسى كثيرون أن نحو ألف من أجمل شباب مصر قتلوا وما لا يقل عن أربعة آلاف اصيبوا أو تمت إعاقتهم وتشويههم، قبل أن يتم خلع الرجل الذى جثم مع أعوانه على صدر مصر نحو ثلاثين عاما.
كان عنوان البراءة للجميع هو ما أعلن فى أعقاب تبرئة الرجل، التى سبقتها خطوات محكمة ومدروسة مهدت لذلك من خلال تبرئة أعوانه واحدا تلو الآخر، ومن ثم غسل أيديهم من دماء الشهداء ومن الفساد الذى استشرى والتدليس والتزوير الذى كان إحدى سمات عصره. وبعد إسدال الستار على المشهد الأخير من الفيلم طرح السؤال: لماذا لا نسمع شهادة الرجل على عصره؟
وهو ما فتح الباب لاستدعاء سؤال آخر يقول: ولماذا لا يتكلم الآخرون من أعوانه، وفى المقدمة منهم وزير الداخلية حبيب العادلى لكى نستكمل توثيق تاريخ تلك المرحلة؟
وإذ لا أستبعد حسن نية بعض الذين طرحوا هذه القضية، فإننى أستبعد أن تؤدى مثل تلك الشهادات إلى التعرف على حقائق المرحلة التى سبقت الثورة التى كان مبارك وأعوانه قائمين على الأمر فى مصر خلالها.
وأقطع بأن كلامهم عن أحداث الثورة التى استغرقت ١٨ يوما لن يخدم الحقيقة بأى حال. كما أننى لا أشك فى أنه سيسعى إلى طمسها وتشويهها. ذلك أن شهاداتهم ستظل من قبيل الدفاع عن النفس، الذى لا يمكن أن يصنف باعتباره تاريخا، ولكنه سيظل مستهدفا تبييض تاريخ الرئيس الأسبق ورجاله وعصره. وهو أمر مبرر ومفهوم. لابد أن يكون المحامون قد لجأوا إليه فى سياق إقامة مهرجان تبرئة الجميع.
ليس لدى كلام عن سنوات حكم مبارك. لأن الإجماع الشعبى الذى بلغ ذروته فى ٢٥ يناير كان بمثابة محاكمة حقيقية له، أدانته وأسقطته بجدارة استحقها.
وأزعم أن فيلم وقائع الثورة الذى أتحدث عنه جرى إنتاجه وإخراجه بعد ذلك هو ما يستحق الحديث. ذلك أن الفيلم كتبت له روايتان إحداهما أعدها القضاء النزيه والثانية كتبتها الدولة العميقة.
الرواية الأولى كتبت فى مرحلة براءة الثورة وصفاء الإجماع الوطنى، وتمثلت فى لجنتى تقصى الحقائق التى رأسها اثنان من أرفع القضاة وأكثرهم نزاهة هما المستشار عادل قورة الرئيس الأسبق لمحكمة النقض الذى رأس لجنة تقصى حقائق أحداث الثورة.
واللجنة الثانية رأسها المستشار عزت شرباص رئيس محكمة النقص الأسبق، وهذه تقصت حقائق مرحلة المجلس العسكرى.
وبطبيعة الحال فقد شارك مع كل منهما عدد معتبر من الإخصائيين والخبراء الذين تولوا بأنفسهم تحرى الحقيقة فى هاتين المرحلتين.
أما الرواية الثانية فقد كتبتها عناصر الدولة العميقة واعتمدت على تحريات وتقارير الأجهزة الأمنية التى استعادت موقعها ودورها، واستهدفت إزالة آثار «عدوان» ٢٥ يناير.
ولأسباب مفهومة تم إعدام الرواية الأولى ولم يعد لها ذكر. فى حين أصبحت الرواية الثانية بمثابة التاريخ الرسمى للثورة الذى أعاد مبارك إلى بيته مرة أخرى بعدما غاب عنه فى إجازة استغرقت ٦ سنوات، واقتضاها حسن إخراج المشهد.
ليس ما حدث استثناء فى الثورات التى عرفتها البشرية. ذلك أن ما كتب فى ظلها كان مجرد شهادات أغلبها كان تزويرا وتدليسا، ولم يكتب تاريخها إلا بعد زوالها. وهو ما يستدعى السؤال التالى:
هل عودة مبارك إلى بيته هو كل الفيلم أم جزؤه الأول؟
...................
Published on March 25, 2017 13:56
March 24, 2017
رسالة تسمم التلاميذ
صحيفة الشروق الجديد المصريه السبت 26 جمادى الآخره 1438 – 25 مارس 2017رسالة تسمم التلاميذ – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_24.html
ما عدنا قادرين على التحقق من حجم كارثة تسمم تلاميذ المدارس. فجريدة الأهرام تتحدث عن عشرات الضحايا،والشروق أشارت إلى المئات. أما المصرى اليوم فقد أشارت فى عدد الخميس الماضى (٢٣/٣) إلى ٢٢٦٠ إصابة فى محافظة سوهاج وحدها، وأقل من ذلك فى المنوفية، وبعدهما جاءت أسوان وبنى سويف والسويس والقاهرة.
إلا أن القدر المتفق عليه يتمثل فى أن التسمم صار ظاهرة تفشت بأعداد متباينة فى العديد من المحافظات المصرية.
وحين يحدث ذلك فإنه يثير سيلا من الأسئلة ليس فقط بخصوص فساد الموردين، وإنما أيضا عن دور مسئولى المدارس والمناطق التعليمية، ودور أجهزة الرقابة سواء التى تستهدف حماية المستهلك، أو الرقابة الشعبية المتمثلة فى مجالس المحافظات والمدن والقرى.
ذلك أن استشراء حالة التسمم يعنى أمرين، الأول أننا لسنا بصدد حوادث استثنائية، والثانى أن احتمالات التواطؤ تظل واردة فى أجواء الفساد الراهنة.
شاءت المقادير أن يتواتر نشر أخبار تسمم تلاميذ المدارس مع فتح ملف اللحوم البرازيلية الفاسدة، التى دأب المستوردون على استيرادها نظرا لرخص أسعارها، ثم تسويقها فى أوساط الفقراء الذين يسكنون الأحياء الشعبية، وهم العاجزون عن شراء اللحم نظرا لارتفاع أسعاره حتى أصبحوا يقبلون على شراء أرجل الدجاج وعظامها.
وكانت جريدة الشروق قد أبرزت القضية على صفحتها الأولى يوم الخميس الماضى ٢٣/٣ فى تقرير أبرزت عناوينه تصريحات لمسئول فى وزارة الزراعة تحدث عن «لحوم برازيلية فاسدة تغرق الأسواق الشعبية». و.. تعليق التعامل مع ٢١ مجزرا برازيليا لحين ورود تقرير اللجنة المصرية.
ومن المعلومات المنشورة أن كميات كبيرة من اللحوم البرازيلية الفاسدة دخلت إلى مصر خلال الفترة الماضية، وتم توزيعها على الأسواق المحلية والشوادر الشعبية. وهو ما ينذر بكارثة تهدد حياة الناس، بسبب الإقبال المنتظر عليها خصوصا بعد انتهاء صيام الأقباط وبدء دخول شهر رمضان. وما ذكره التقرير المنشور أن مصر تستورد من البرازيل ٢٥٪ من اللحوم التى تستجلب من الخارج، وهى كمية كبيرة جدا بالمعايير النسبية.
إذا وضعنا مظاهر الفساد سابقة الذكر إلى جانب تعدد مظاهر التوتر والغضب التى بدأ ظهورها على السطح فى مختلف أنحاء مصر، فإننا نصبح بإزاء رسالة يجب أن تقرأ جيدا.
أتحدث عن مظاهرات الخبز التى تفجرت حين لم يستطع حملة بطاقات التموين الحصول على حصصهم اليومية.
فى ذهنى أيضا المظاهرات التى خرجت احتجاجا على نقص أنابيب البوتاجاز، أو غضبا وسخطا على الشرطة بعدما تكررت حوادث موت المحبوسين جراء التعذيب فى الأقسام.
وما جرى فى سوهاج خلال الأسبوع الماضى أحدث نموذج لذلك، حين اشتبك أهالى إحدى قرى أخميم مع الشرطة احتجاجا على إقامة محطة للصرف الصحى من شأنها أن تدمر مزارع الدواجن التى يرتزق منها الأهالى.
وقوع هذه الحوادث التى هى قليل من كثير، يعبر عن تحولات اجتماعية تحتاج إلى تحليل ودراسة، ولا يكفى فيها أن يترك الأمر إلى مديريات الأمن للتعامل معها فى حين يقف الجميع متفرجين عليها.
ومن الخفة والعجز أن تنسب إلى أهل الشر أو اللهو الخفى، ذلك أن ثمة واقعا يتسم بالتفكك والقلق ينبغى أن يدرس، لينبه أولى الأمر إلى جذور التشوهات التى طرأت على واقع الناس، وهل هى راجعة إلى وطأة الأزمة الاقتصادية، أم إلى ضيق مجالات التعبير المشروع الذى يدفع الناس إلى اللجوء إلى ما ليس مشروعا، أم أنه صدى لضيق صدر السلطة ولجوئها إلى قمع المخالفين، أم أنه راجع إلى تدهور قيمة القانون وتراجع هيبة القضاء.
وإلى أى مدى أثر موت السياسة وطغيان الانشغال بالأمن على كل ما عداه. لست فى وارد الإجابة عن تلك التساؤلات، لكنى أتمنى أن يتذكرها أهل الاختصاص قبل فوات الأوان.
........................
ما عدنا قادرين على التحقق من حجم كارثة تسمم تلاميذ المدارس. فجريدة الأهرام تتحدث عن عشرات الضحايا،والشروق أشارت إلى المئات. أما المصرى اليوم فقد أشارت فى عدد الخميس الماضى (٢٣/٣) إلى ٢٢٦٠ إصابة فى محافظة سوهاج وحدها، وأقل من ذلك فى المنوفية، وبعدهما جاءت أسوان وبنى سويف والسويس والقاهرة.
إلا أن القدر المتفق عليه يتمثل فى أن التسمم صار ظاهرة تفشت بأعداد متباينة فى العديد من المحافظات المصرية.
وحين يحدث ذلك فإنه يثير سيلا من الأسئلة ليس فقط بخصوص فساد الموردين، وإنما أيضا عن دور مسئولى المدارس والمناطق التعليمية، ودور أجهزة الرقابة سواء التى تستهدف حماية المستهلك، أو الرقابة الشعبية المتمثلة فى مجالس المحافظات والمدن والقرى.
ذلك أن استشراء حالة التسمم يعنى أمرين، الأول أننا لسنا بصدد حوادث استثنائية، والثانى أن احتمالات التواطؤ تظل واردة فى أجواء الفساد الراهنة.
شاءت المقادير أن يتواتر نشر أخبار تسمم تلاميذ المدارس مع فتح ملف اللحوم البرازيلية الفاسدة، التى دأب المستوردون على استيرادها نظرا لرخص أسعارها، ثم تسويقها فى أوساط الفقراء الذين يسكنون الأحياء الشعبية، وهم العاجزون عن شراء اللحم نظرا لارتفاع أسعاره حتى أصبحوا يقبلون على شراء أرجل الدجاج وعظامها.
وكانت جريدة الشروق قد أبرزت القضية على صفحتها الأولى يوم الخميس الماضى ٢٣/٣ فى تقرير أبرزت عناوينه تصريحات لمسئول فى وزارة الزراعة تحدث عن «لحوم برازيلية فاسدة تغرق الأسواق الشعبية». و.. تعليق التعامل مع ٢١ مجزرا برازيليا لحين ورود تقرير اللجنة المصرية.
ومن المعلومات المنشورة أن كميات كبيرة من اللحوم البرازيلية الفاسدة دخلت إلى مصر خلال الفترة الماضية، وتم توزيعها على الأسواق المحلية والشوادر الشعبية. وهو ما ينذر بكارثة تهدد حياة الناس، بسبب الإقبال المنتظر عليها خصوصا بعد انتهاء صيام الأقباط وبدء دخول شهر رمضان. وما ذكره التقرير المنشور أن مصر تستورد من البرازيل ٢٥٪ من اللحوم التى تستجلب من الخارج، وهى كمية كبيرة جدا بالمعايير النسبية.
إذا وضعنا مظاهر الفساد سابقة الذكر إلى جانب تعدد مظاهر التوتر والغضب التى بدأ ظهورها على السطح فى مختلف أنحاء مصر، فإننا نصبح بإزاء رسالة يجب أن تقرأ جيدا.
أتحدث عن مظاهرات الخبز التى تفجرت حين لم يستطع حملة بطاقات التموين الحصول على حصصهم اليومية.
فى ذهنى أيضا المظاهرات التى خرجت احتجاجا على نقص أنابيب البوتاجاز، أو غضبا وسخطا على الشرطة بعدما تكررت حوادث موت المحبوسين جراء التعذيب فى الأقسام.
وما جرى فى سوهاج خلال الأسبوع الماضى أحدث نموذج لذلك، حين اشتبك أهالى إحدى قرى أخميم مع الشرطة احتجاجا على إقامة محطة للصرف الصحى من شأنها أن تدمر مزارع الدواجن التى يرتزق منها الأهالى.
وقوع هذه الحوادث التى هى قليل من كثير، يعبر عن تحولات اجتماعية تحتاج إلى تحليل ودراسة، ولا يكفى فيها أن يترك الأمر إلى مديريات الأمن للتعامل معها فى حين يقف الجميع متفرجين عليها.
ومن الخفة والعجز أن تنسب إلى أهل الشر أو اللهو الخفى، ذلك أن ثمة واقعا يتسم بالتفكك والقلق ينبغى أن يدرس، لينبه أولى الأمر إلى جذور التشوهات التى طرأت على واقع الناس، وهل هى راجعة إلى وطأة الأزمة الاقتصادية، أم إلى ضيق مجالات التعبير المشروع الذى يدفع الناس إلى اللجوء إلى ما ليس مشروعا، أم أنه صدى لضيق صدر السلطة ولجوئها إلى قمع المخالفين، أم أنه راجع إلى تدهور قيمة القانون وتراجع هيبة القضاء.
وإلى أى مدى أثر موت السياسة وطغيان الانشغال بالأمن على كل ما عداه. لست فى وارد الإجابة عن تلك التساؤلات، لكنى أتمنى أن يتذكرها أهل الاختصاص قبل فوات الأوان.
........................
Published on March 24, 2017 14:45
March 22, 2017
هزل في موضع الجد
صحيفة السبيل الأردنيه الخميس 24 جمادى الآخره 1438 – 23 مارس 2017 هزل في موضع الجد - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_54.html
لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أن مصر دخلت مرحلة الفقر المائي. وهو ما أدى إلى تناقص نصيب الفرد من المياه بحيث وصل إلى ٧٠٠ متر مكعب سنويا، في حين أن المعدلات العالمية تصل بذلك النصيب إلى ألف متر مكعب.
هذا الكلام ليس لي، لكنه جاء على لسان وزير الإسكان الدكتور مصطفي مدبولي، في حديث له أمام مؤتمر لمناقشة توطين صناعة تحلية المياه في الوطن العربي، الذي عقد بالقاهرة في منتصف شهر مارس الحالي.
إذ قال أمام السامعين إن التزايد المطرد في عدد السكان بمصر مع ثبات مواردنا التقليدية من مياه الشرب، لم يترك أمامنا خيارا آخر. إذ لا مفر من المضي قدما وبسرعة شديدة في مجال تحلية مياه البحر، وهو ما ينبغي أن يعد خيارا استراتيجيا وثيق الصلة بالأمن القومي في المرحلة الراهنة.
هذه الرسالة تدق الأجراس عالية منبهة إلى خطر موشك يهدد الحياة في مصر، التي يندر فيها المطر، وتظل مياه النيل مصدر الحياة والنماء فيها منذ عصور الفراعنة وحتى الوقت الراهن، لذلك لم يبالغ المؤرخ الرحالة اليوناني هيرودوت حيث قال إن مصر هبة النيل، بما يعني أن له فضله في وجودها.
حين قرأت تفاصيل المؤتمر التي نشرتها صحيفة «المصري اليوم»في ١٧/٣، تذكرت أنني قرأت هذا الكلام قبل عدة أشهر.
وحين راجعت أوراقي عثرت على قصاصة لتقرير إخباري نشرته صحيفة «الوطن» في الخامس من شهر ديسمبر الماضي، أي قبل أكثر من أربعة أشهر، وكان عنوانه الرئيسي الذي ظهر باللون الأحمر هو: وزير الري: انتهى عصر رفاهية استخدام المياه.
وفي نص التقرير المنشور أن الدكتور محمد عبدالعاطي وزير الري، والموارد المائية قال أمام المؤتمر الدولي للتطور العلمي والتكنولوجي في إدارة الموارد المائية إن عصر الرفاهية في الاستخدام المفرط للموارد المائية قد انتهى. وأن الزيادة المستمرة في السكان تفرض إعادة النظر في كيفية ترشيد استهلاك المياه إلى جانب التوجه إلى تحلية مياه البحر.
الملاحظة الأساسية على تصريحات الوزيرين أنها جاءت أمام مؤتمرين علميين للخبراء تطرقا إلي موضوع أزمة المياه وتقنيات تحليتها. ثم أنهما وجها نفس التحذير. مع فارق زمني بينهما يصل إلى نحو أربعة أشهر. في حين أن أمرا بهذه الخطورة ينبغي أن يوجه إلى الرأي العام وليس إلى الخبراء دون غيرهم، ثم أن إطلاق الكلام كان ينبغي أن يكون مقدمة لشن حملة قومية تنبه وتحذر وترشد الناس إلى كيفية المشاركة في إنقاذ البلد من مجاعة مائية تهدد البشر والزرع والضرع.
حين لم يحدث شيء من ذلك، في الوقت الذي امتلأت فيه شوارع العاصمة بالإعلانات والملصقات التي تروج للمسلسلات الجديدة ونجوم البرامج التليفزيونية. فإن ذلك لا يدع مجالا للشك في أن الأمر ليس مأخوذا على محمل الجد، وأن ما قيل في حقيقته هو مجرد كلام مناسبات ليس أكثر. وربما أعطى ذلك انطباعا بأن الوزيرين بالغا في الأمر، حيث لا توجد مشكلة ولا يحزنون.
وأسوأ من ذلك بطبيعة الحال أن تكون هناك مشكلة حقيقية ولكن عقلية التركيز على الإنجازات وإشاعة الفرحة والتفاؤل بين الناس تجاهلتها وهونت من شأنها، أملا في أن يأتينا حل من السماء من حيث لا نحتسب.
ثمة ملاحظة أخرى مهمة تتمثل في أن كلام الوزيرين أشار إلى أن الأزمة ناتجة عن الزيادة في عدد السكان، ولم يتطرقا إلى موضوع سد النهضة الإثيوبي الذي من شأنه التأثير على حصة مصر من المياه، وهو ما يثير عدة أسئلة حول دوافع السكوت على ذلك الجانب، وغموض الموقف المصري إزاء الفاجعة المنتظرة بعد تمام بناء السد.
صحيح أن الغموض يكتنف العديد من قضايا المصير السياسية، لكن حين يتعلق الأمر بالقضايا المعيشية فإن الغموض فيها يصبح استهانة بالمآلات، لا يوصف بأقل من أنه لعب بالنار......................
Published on March 22, 2017 14:59
March 21, 2017
كارثة عندهم وفرصة عندنا
صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 23 جمادى الآخره 1438 – 22 مارس 2017كارثة عندهم وفرصة عندنا - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_22.html
إذا كنت من المتدينين المواظبين على الصلاة، فنحن أحوج ما نكون إلى دعائك في الوقت الراهن لأن مستقبل البلد في خطر. قد لا أستغرب أن يردد كثيرون هذه الدعوة في بلادنا التي حالها كما تعلم، لكننا لابد أن نستغرب أن يطلقها صحفي محترم، أصبح أحد أشهر نجوم التليفزيون الأمريكي وأكثرهم صدقية. ثم إن الأمر لا يخلو من مفارقة، لأننا اعتدنا أن نلجأ إلى أمريكا لكي تشملنا بالرعاية والرضى وتحل مشاكلنا، ولم يخطر على بالنا أن تدور دورة الزمن بحيث ترتفع الأصوات هناك داعية للجوء إلى الله لكي يحل مشكلة الأمريكيين ويجبر بخاطرهم.
صحيح أن صاحب العبارة التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي هو الإعلامي المخضرم دان راثر، إلا أنني قرأت الدعوة التي أطلـــــــــقها في كتابات أخرى لمثقفين أمريكيين قال بعضـــــهم إنه بعدما ابتليت الولايات المتحدة بإعصار ترامـــــب الذي يهـــــدد بتدمير الكثير من القيم التي تعتز بها الولايات المتحدة، فقد حان الوقت لكي يقضي الأمريكيون وقتا أطول لتكثيف الدعاء إلى الله كي يرفــــــع الغمة عن بلادهم.
في نظر النخبة الأمريكية فترامب «كارثة». لكنه يعد فرصة يراهن عليها كثيرون في دوائر القرار بالعالم العربي. وذلك وجه آخر للمفارقة.
وأحسب أن الشق الأول من هذا المنطوق لم يعد بحاجة إلى إثبات، إذ تتكفل به أغلب التقارير اليومية القادمة من واشنطن التي لم تعد ترى في الرجل فضيلة تستحق الذكر، حتى تكاد تجمع على أنه لن يكمل سنواته الأربع، خصوصا إذا وصلت التحقيقات الجارية بخصوص علاقته بالروس إلى نتيجة ليست في صالحه،
بل لم يستبعد صحفي مخضرم ومحترم هو توماس ريكس (له خبرته في الواشنطن بوست) أن يؤدي استمراره في السلطة إلى تعميق الانقسام الأمريكي بما يفضي إلى وقوع حرب أهلية في الولايات المتحدة.
إذا كان الأمريكيون سيدبرون أمرهم لأن المجتمع بمؤسساته أقوى من السلطة، إلا أن ما يقلقنا أن يكون لذلك الرئيس الأمريكي دوره في تدبير أمورنا نحن في العالم العربي.
ولست واثقا من دقة التسريبات التي تحدثت عن أن استئناف ضخ النفط السعودي لمصر أخيرا كان من ثمار اجتماع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد في المملكة مع الرئيس ترامب. (أشارت التسريبات إلي أن إسرائيل القريبة من قلبه وعقله كان لها دورها في ذلك).
مع ذلك فإن شعورنا بالقلق لابد أن يتضاعف حين نطالع الأخبار والتسريبات الأخري التي تتحدث عن حلف «سُنِّي» تشارك فيه إسرائيل وترعاه الولايات المتحدة لمواجهة إيران.
وتلك التي تتحدث عن مشروع أمريكي للتوصل إلى حل شامل للقضية الفلسطينية لا نتوقع له إلا أن يكون «نكبة» أخرى.
كما أننا لم نفهم ــ ولا نتوقع خيرا بطبيعة الحال ــ مما تردد عن علاقة جديدة لمصر مع حلف الأطلنطي وإقامة بعثة دبلوماسية مصرية لدى الحلف في بروكسل. علي الأقل فذلك ما نما إلى علمنا وفاجأنا، والله وحده أعلم بما يجري بعيدا عن أعيننا في الاتصالات والاجتماعات السرية.
إنهم في الولايات المتحدة يتطلعون إلى إزالة الكابوس وكيفية احتواء الكارثة التي حلت بهم. في حين أن الرجل القادم من خارج السياسة والمرحب به في العالم العربي، يقوم بدور رئيسي في رسم خرائطه وترتيب أوضاعه. وذلك تحليل إذا صح فهو علامـــــة على بؤس العالم العربي والمدى الذي وصل إليه هـــــوانه.
وفي أجواء الغيبوبة التي نعيشها، فإن أخشى ما أخشاه أن ينصرف البعض عن التفكير في مصير المنطقة الذي يتشكل الآن في واشنطن، لينشغلوا بالجدل حول ما إذا كانت صلاة الأمريكيين في هذه الحالة ستقـــــــبل أم لا؟!
............................
إذا كنت من المتدينين المواظبين على الصلاة، فنحن أحوج ما نكون إلى دعائك في الوقت الراهن لأن مستقبل البلد في خطر. قد لا أستغرب أن يردد كثيرون هذه الدعوة في بلادنا التي حالها كما تعلم، لكننا لابد أن نستغرب أن يطلقها صحفي محترم، أصبح أحد أشهر نجوم التليفزيون الأمريكي وأكثرهم صدقية. ثم إن الأمر لا يخلو من مفارقة، لأننا اعتدنا أن نلجأ إلى أمريكا لكي تشملنا بالرعاية والرضى وتحل مشاكلنا، ولم يخطر على بالنا أن تدور دورة الزمن بحيث ترتفع الأصوات هناك داعية للجوء إلى الله لكي يحل مشكلة الأمريكيين ويجبر بخاطرهم.
صحيح أن صاحب العبارة التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي هو الإعلامي المخضرم دان راثر، إلا أنني قرأت الدعوة التي أطلـــــــــقها في كتابات أخرى لمثقفين أمريكيين قال بعضـــــهم إنه بعدما ابتليت الولايات المتحدة بإعصار ترامـــــب الذي يهـــــدد بتدمير الكثير من القيم التي تعتز بها الولايات المتحدة، فقد حان الوقت لكي يقضي الأمريكيون وقتا أطول لتكثيف الدعاء إلى الله كي يرفــــــع الغمة عن بلادهم.
في نظر النخبة الأمريكية فترامب «كارثة». لكنه يعد فرصة يراهن عليها كثيرون في دوائر القرار بالعالم العربي. وذلك وجه آخر للمفارقة.
وأحسب أن الشق الأول من هذا المنطوق لم يعد بحاجة إلى إثبات، إذ تتكفل به أغلب التقارير اليومية القادمة من واشنطن التي لم تعد ترى في الرجل فضيلة تستحق الذكر، حتى تكاد تجمع على أنه لن يكمل سنواته الأربع، خصوصا إذا وصلت التحقيقات الجارية بخصوص علاقته بالروس إلى نتيجة ليست في صالحه،
بل لم يستبعد صحفي مخضرم ومحترم هو توماس ريكس (له خبرته في الواشنطن بوست) أن يؤدي استمراره في السلطة إلى تعميق الانقسام الأمريكي بما يفضي إلى وقوع حرب أهلية في الولايات المتحدة.
إذا كان الأمريكيون سيدبرون أمرهم لأن المجتمع بمؤسساته أقوى من السلطة، إلا أن ما يقلقنا أن يكون لذلك الرئيس الأمريكي دوره في تدبير أمورنا نحن في العالم العربي.
ولست واثقا من دقة التسريبات التي تحدثت عن أن استئناف ضخ النفط السعودي لمصر أخيرا كان من ثمار اجتماع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد في المملكة مع الرئيس ترامب. (أشارت التسريبات إلي أن إسرائيل القريبة من قلبه وعقله كان لها دورها في ذلك).
مع ذلك فإن شعورنا بالقلق لابد أن يتضاعف حين نطالع الأخبار والتسريبات الأخري التي تتحدث عن حلف «سُنِّي» تشارك فيه إسرائيل وترعاه الولايات المتحدة لمواجهة إيران.
وتلك التي تتحدث عن مشروع أمريكي للتوصل إلى حل شامل للقضية الفلسطينية لا نتوقع له إلا أن يكون «نكبة» أخرى.
كما أننا لم نفهم ــ ولا نتوقع خيرا بطبيعة الحال ــ مما تردد عن علاقة جديدة لمصر مع حلف الأطلنطي وإقامة بعثة دبلوماسية مصرية لدى الحلف في بروكسل. علي الأقل فذلك ما نما إلى علمنا وفاجأنا، والله وحده أعلم بما يجري بعيدا عن أعيننا في الاتصالات والاجتماعات السرية.
إنهم في الولايات المتحدة يتطلعون إلى إزالة الكابوس وكيفية احتواء الكارثة التي حلت بهم. في حين أن الرجل القادم من خارج السياسة والمرحب به في العالم العربي، يقوم بدور رئيسي في رسم خرائطه وترتيب أوضاعه. وذلك تحليل إذا صح فهو علامـــــة على بؤس العالم العربي والمدى الذي وصل إليه هـــــوانه.
وفي أجواء الغيبوبة التي نعيشها، فإن أخشى ما أخشاه أن ينصرف البعض عن التفكير في مصير المنطقة الذي يتشكل الآن في واشنطن، لينشغلوا بالجدل حول ما إذا كانت صلاة الأمريكيين في هذه الحالة ستقـــــــبل أم لا؟!
............................
Published on March 21, 2017 22:18
March 20, 2017
عن تركيا وصداها - المقال الأسبوعي
صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 22 جمادى الآخره 1438 – 21 مارس 2017عن تركيا وصداها – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_20.html
الحاصل فى تركيا يستدعى مجموعة من الأسئلة والملاحظات التى ينبغى أن نصارح أنفسنا وأشقاءنا هناك بها.
(1)
السؤال الأهم هو: هل نحدد موقفنا إزاء الرئيس رجب طيب أردوغان انطلاقا من العاطفة الدينية أم بناء على موقفه من الحرية والديمقراطية؟
ذلك أن أحدا لا يشك فى صدق عواطفه الدينية والتزامه كمسلم غيور على دينه، وهو ما يحسب له عند ربه فى الآخرة لا ريب. لكننى أزعم أن الأمر ينبغى أن يختلف فى حسابات السياسة الدنيوية.
ومن فقهائنا من حسم المسألة، من ابن تيمية الذى قدم الكافر العادل على المسلم الجائر (فكفر الأول عليه وعدله لنا وإسلام الثانى له وجوره علينا) إلى العلامة يوسف القرضاوى الذى قال إن الديمقراطية مقدمة على الشريعة، باعتبار أن العدل والحرية من المقاصد الضرورية العليا التى لا ينبغى المساومة عليها.
أعترف بأننى أحد الذين قدَّروا الرئيس التركى وتضامنوا معه وتفاءلوا به. ذلك أننى أتابع نجاحاته وإنجازاته منذ انتخب رئيسا لبلدية استنبول قبل نحو ربع قرن.
ولم يكن احتفائى به راجعا إلى غيرته على دينه فقط وذلك أمر مهم لا ريب، لكنه كان بالدرجة الأولى راجعا إلى انحيازه للديمقراطية وخدمة المجتمع وإنهائه لحكم العسكر الذى عانت منه تركيا طوال أكثر من سبعين عاما.
مع ذلك فلست أخفى أننى صرت أقل حماسا وأكثر حذرا إزاءه فى السنوات الأخيرة. إذ وجدت أنه ينزلق فى التحول من حاكم مصلح إلى حاكم فرد
ــ ورغم إن إنجازاته الاقتصادية أحدثت نقلة مهمة فى حياة الأتراك أكسبته شعبية جارفة، إلا أن نزوعه إلى الحكم الفردى أصبح يهدد النظام الديمقراطى، ومن ثم يعرض مستقبل المجتمع التركى لمخاطر جمة.
وكانت دعوته إلى الانتقال إلى النظام الرئاسى الذى يطلق يده ويوسع من صلاحياته هى نقطة التحول الأهم فى مشاعرى إزاءه. ورغم أن حملة الاعتقالات والإقصاء التى شنها نظامه فى أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة (فى 15 يوليو 2016) بدت مبالغا فيها، إلا أننا قد نفهم دوافعها، رغم أننا لم نتعرف بعد على حجمها الحقيقى وهوية الفاعلين فيها.
استطرادا من نقطة معايير تقييم تجربة الرئيس التركى فإننى لا أخفى تحفظا ودهشة إزاء البيان الذى صدر باسم اتحاد علماء المسلمين من مقره فى الدوحة، وعبر عن التضامن مع الرئيس أردوغان فى اشتباكه الأخير مع هولندا وأيده فى الاستفتاء على النظام الرئاسى باعتباره نظاما يتفق مع التعاليم الإسلامية «التى تجعل أمير المؤمنين أو الرئيس الأعلى هو رقم واحد فى السلطة».
وأزعم فى هذا الصدد أنه بيان سياسى ما كان له أن يصدر عن اتحاد العلماء. وذلك خطأ أول. ثم أنه تضمن فتوى شرعية بتأييد النظام الرئاسى دون روية أو إدراك لمآلاته فى الحالة التركية، وذلك خطأ ثان. أما الخطأ الثالث فهو إجرائى لأن تقرير الموقف الشرعى كان ينبغى أن يتم بعد الرجوع للهيئة التنفيذية وفى ضوء المواقف العامة التى يحددها مجلس الأمناء المنتخب، وهو ما لم يحدث، بشهادة عضو مجلس الأمناء الدكتور جاسر عودة، الذى أصدر بيانا تحفظ فيه على ما صدر باسم الاتحاد فى مساندة الرئيس التركى.
(2)
لدى شكوك كثيرة فى حاجة تركيا إلى النظام الرئاسى، ولدى شك أكبر فى أنه يتفق مع التعاليم الإسلامية. ولن أتحدث عن صلاحيات «أمير المؤمنين» لأن الرئيس التركى لم يدع لنفسه ذلك فضلا عن أنه دائم الحديث عن أن تركيا بلد علمانى وليس سلطنة أو خلافة إسلامية.
إن الحجة الرئيسية التى استخدمت لتحبيذ النظام الرئاسى تستند إلى أنه سبيل إلى تحقيق الاستقرار السياسى فى بلد عانى من الانقلابات والتقلبات السياسية فى ظل الحكومات الائتلافية المتعاقبة، التى أضعفت من دور السلطة التنفيذية وحضورها، ثم أن ذلك النظام مطبق فى الولايات المتحدة وفرنسا. ولم يذكر أحد فى أنقرة أن له مرجعية من أى نوع فى التعاليم الإسلامية.
وذلك كلام مردود عليه من أكثر من وجه، إذ صحيح أن تركيا عانت طويلا من الانقلابات والتقلبات التى هددت استقرارها، إلا أن ذلك الاستقرار يتحقق بتقوية مؤسسات المجتمع وليس بتشديد قبضة السلطة. أعنى بتوسيع نطاق الديمقراطية وتعزيز دور المؤسسات المدنية والحفاظ على استقلالها مع التأكيد على الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتلك مقومات يعصف بها النظام الرئاسى المقترح. ذلك أنه يطلق يد الرئيس فى تعيين وإقالة كبار المسئولين ويعطيه الحق فى تعيين نائب أو عدد من النواب. ثم أنه يلغى منصب رئيس الوزراء، ويسمح للرئيس بالتدخل فى القضاء من خلال تعيين أربعة من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الذى يتولى التعيينات والإقالات، فى حين يعين البرلمان سبعة. ثم أنه أعطى الحق فى إعلان الطوارئ قبل عرض القرار على البرلمان الذى يحق له اختصارها أو تمديدها أو رفعها.
هذه الإجراءات التى أدت إلى تعديل 18 مادة فى الدستور، تقوى كثيرا من سلطة الرئيس فى حين تضعف من بقية مؤسسات المجتمع وتكاد تهدر قيمة الفصل بين السلطات. وفى هذه الحالة فإنها تهدد المجتمع بمخاطر عدة، ذلك أن أردوغان إذا لم يسئ استخدامها أثناء حكمه (الذى يفترض أن يستمر حتى عام 2029 فى ظل التعديلات الجديدة)، فليس هناك ما يضمن أن يخلفه من يوظف تلك التعديلات لإقامة نظام ديكتاتورى مستبد.
أما مسألة تطبيق النظام الرئاسى فى الولايات المتحدة وفرنسا فمردود عليها بأن تلك مجتمعات ترسخت فيها الديمقراطية، بحيث توافرت لها ركائز قوية وحصانات راسخة يتعذر الإطاحة بها من قبل أية سلطة.
يشهد بذلك الحاصل الآن فى الولايات المتحدة فى مواجهة نزق الرئيس ترامب وسعيه لإهدار قيم الديمقراطية فى المجتمع. إذ وجدنا أن القضاء والإعلام يتحداه ويقف له بالمرصاد. ومثل هذه القوة لا تتوافر للمجتمع التركى فى وضعه الراهن. وربما كان بوسعه بعد عقد أو اثنين من الممارسة الديمقراطية الجادة أن يستقبل نظاما رئاسيا دون أن تتحول النقلة إلى مغامرة غير مأمونة العاقبة.
حكاية اتفاق النظام الرئاسى مع التعاليم الإسلامية مردود عليها ومشكوك فيها. وما نفهمه أن النظام الإسلامى لم يحدد شكلا للحكم ولكنه اعتمد قيمة الشورى كأساس للحكم.
حتى الخلافة التى هى خلفية ثرية نعتز بها تاريخيا، فإنها مجرد تجربة نجحت فى ظروفها، لكنها لا تلزم المسلمين الذين لهم أن يقيموا النظام الذى يرتضونه ويحقق مصالحهم طالما أن ذلك تم من خلال الشورى والتوافق بين القوى الحية فى المجتمع.
(3)
أدرى أن التجربة التركية لها خصوم كثيرون فى الداخل والخارج. كما أن حملة الإعلام على الرئيس أردوغان حقيقة لا مراء فيها. ولا أستبعد أن تكون تلك الحملة قد أسهمت فى تنمية مشاعرنا السلبية إزاءه، إلا أننا ينبغى أن نقر بأن معاركه التى يخوضها فى الداخل وبالأخص فى الخارج ليست كلها راجعة إلى العداء للإسلام الذى له جذوره فى بعض الأوساط اليمينية. من ثم فليس دقيقا أنه يخوض حربا «صليبية» تشنها ضده بعض الدوائر الغربية. ذلك أن بعض معارضيه لهم غيرتهم على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
كما أنه يمكن فهم مواقف بعض الدول الأوروبية التى منعت إقامة المهرجانات المؤيدة فى بلدانها. لحسابات داخلية بحتة منها عدم تمكين قوى اليمين من المزايدة فى المعارك الانتخابية. إذ بوسعها أن تعتبر النشاط التركى على أراضيها من إرهاصات «الغزو الإسلامى» الذى يجرى تخويف الأوروبيين وترويعهم منه.
إن بلدا مثل ألمانيا الذى تسلحت قيادته بشجاعة أخلاقية دفعتها إلى فتح أبوابها للمهاجرين المسلمين وغيرهم يتعذر وصفه بأنه ضد الإسلام، وما كان له أن يتهم بالنازية كما قال الرئيس أردوغان.
فى الوقت نفسه فإن التجاذب الحاصل الآن الذى يقحم الإسلام فى الصراع مع بعض الدول الغربية من شأنه أن يضر بالوجود الإسلامى فى أوروبا التى تحتضن نحو 20 مليون مسلم، منهم 5 ملايين من الأتراك (أكبر عدد للجاليات المسلمة فى ألمانيا وفرنسا).
ومثل ذلك السلوك الانفعالى من جانب القيادة التركية قد تستفيد منه تكتيكيا فى حملة الاحتشاد لتأييد الاستفتاء المزمع إجراؤه على التعديل الدستورى فى منتصف إبريل المقبل. لكن تلك القيادة وهى تسعى لتحقيق الهدف التكتيكى تضحى بهدف استراتيجى مهم يخص علاقة المسلمين الأوروبيين بالمجتمعات التى هاجروا إليها وأصبحوا جزءا منها بمضى الوقت (رئيس بلدية روتردام الذى منع مؤتمر الدعاية التركية بهولندا من أصول مغربية).
لقد تبنت تركيا يوما ما مقوله الدكتور أحمد داود أوغلو التى أطلقها حين كان وزيرا للخارجية ودعا فيها إلى «تصفير المشكلات». بمعنى إنهائها والوصول بها إلى درجة الصفر.
وأخشى أن تكون مؤشرات السياسة التركية قد تجاوزت تلك المرحلة بحيث أصبحت البلاد غارقة فى المشكلات التى أثرت على مناخات الخارج والداخل. وكان ذلك جراء سلسلة من الأخطاء فى التعامل مع ملفات عدة، السورية والكردية والمصرية وصولا إلى ملف التحول إلى النظام الرئاسى.
(4)
لدى كلمة أخيرة فى الموضوع لا أستطيع أن أقاوم المفارقة فيها. ذلك أننى أتفهم أسباب الانتقادات الأوروبية للوضع القائم فى تركيا، خصوصا فى قضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان وطموحات الرئيس وانفعالاته. ذلك أن الديمقراطيات الغربية لها الحق فى أن تعتبر بعض الذى يحدث فى تركيا من قبيل الكبائر التى لا تغتفر. ولها معاييرها وواقعها الذى يشجعها على توجيه تلك الانتقادات.
لكن الذى لم أفهمه هو لماذا يتبنى كثيرون فى منابر الإعلام العربى تلك الانتقادات ولا يكفون عن ترديدها. وجه المفارقة فى ذلك أن ما يفعله أردوغان أقل بكثير عما يفعله أى زعيم عربى بشعبه، فالرجل أحدث طفرة اقتصادية فى بلده، ولايزال يحتمل نقدا فى بعض الصحف ومعارضة فى البرلمان الذى أفرزته انتخابات نزيهة. كما أن أجهزته تعلن عن أعداد المعتقلين والمفصولين والمؤسسات التى تصفى أو تغلق. ونقيض كل ذلك يحدث فى أقطار عربية عدة لكنه يقابل بتجاهل وصمت، ويغطى أحيانا بشعارات طنانة وخطب منبرية عصماء تشيد بالبطولات الخارقة والإنجازات العظيمة وتروج للأوهام والأساطير والخرافات السياسية.
إن اتهامات صحفنا لأردوغان هو نقض للذات العربية فى حقيقة الأمر.
.................................
الحاصل فى تركيا يستدعى مجموعة من الأسئلة والملاحظات التى ينبغى أن نصارح أنفسنا وأشقاءنا هناك بها.
(1)
السؤال الأهم هو: هل نحدد موقفنا إزاء الرئيس رجب طيب أردوغان انطلاقا من العاطفة الدينية أم بناء على موقفه من الحرية والديمقراطية؟
ذلك أن أحدا لا يشك فى صدق عواطفه الدينية والتزامه كمسلم غيور على دينه، وهو ما يحسب له عند ربه فى الآخرة لا ريب. لكننى أزعم أن الأمر ينبغى أن يختلف فى حسابات السياسة الدنيوية.
ومن فقهائنا من حسم المسألة، من ابن تيمية الذى قدم الكافر العادل على المسلم الجائر (فكفر الأول عليه وعدله لنا وإسلام الثانى له وجوره علينا) إلى العلامة يوسف القرضاوى الذى قال إن الديمقراطية مقدمة على الشريعة، باعتبار أن العدل والحرية من المقاصد الضرورية العليا التى لا ينبغى المساومة عليها.
أعترف بأننى أحد الذين قدَّروا الرئيس التركى وتضامنوا معه وتفاءلوا به. ذلك أننى أتابع نجاحاته وإنجازاته منذ انتخب رئيسا لبلدية استنبول قبل نحو ربع قرن.
ولم يكن احتفائى به راجعا إلى غيرته على دينه فقط وذلك أمر مهم لا ريب، لكنه كان بالدرجة الأولى راجعا إلى انحيازه للديمقراطية وخدمة المجتمع وإنهائه لحكم العسكر الذى عانت منه تركيا طوال أكثر من سبعين عاما.
مع ذلك فلست أخفى أننى صرت أقل حماسا وأكثر حذرا إزاءه فى السنوات الأخيرة. إذ وجدت أنه ينزلق فى التحول من حاكم مصلح إلى حاكم فرد
ــ ورغم إن إنجازاته الاقتصادية أحدثت نقلة مهمة فى حياة الأتراك أكسبته شعبية جارفة، إلا أن نزوعه إلى الحكم الفردى أصبح يهدد النظام الديمقراطى، ومن ثم يعرض مستقبل المجتمع التركى لمخاطر جمة.
وكانت دعوته إلى الانتقال إلى النظام الرئاسى الذى يطلق يده ويوسع من صلاحياته هى نقطة التحول الأهم فى مشاعرى إزاءه. ورغم أن حملة الاعتقالات والإقصاء التى شنها نظامه فى أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة (فى 15 يوليو 2016) بدت مبالغا فيها، إلا أننا قد نفهم دوافعها، رغم أننا لم نتعرف بعد على حجمها الحقيقى وهوية الفاعلين فيها.
استطرادا من نقطة معايير تقييم تجربة الرئيس التركى فإننى لا أخفى تحفظا ودهشة إزاء البيان الذى صدر باسم اتحاد علماء المسلمين من مقره فى الدوحة، وعبر عن التضامن مع الرئيس أردوغان فى اشتباكه الأخير مع هولندا وأيده فى الاستفتاء على النظام الرئاسى باعتباره نظاما يتفق مع التعاليم الإسلامية «التى تجعل أمير المؤمنين أو الرئيس الأعلى هو رقم واحد فى السلطة».
وأزعم فى هذا الصدد أنه بيان سياسى ما كان له أن يصدر عن اتحاد العلماء. وذلك خطأ أول. ثم أنه تضمن فتوى شرعية بتأييد النظام الرئاسى دون روية أو إدراك لمآلاته فى الحالة التركية، وذلك خطأ ثان. أما الخطأ الثالث فهو إجرائى لأن تقرير الموقف الشرعى كان ينبغى أن يتم بعد الرجوع للهيئة التنفيذية وفى ضوء المواقف العامة التى يحددها مجلس الأمناء المنتخب، وهو ما لم يحدث، بشهادة عضو مجلس الأمناء الدكتور جاسر عودة، الذى أصدر بيانا تحفظ فيه على ما صدر باسم الاتحاد فى مساندة الرئيس التركى.
(2)
لدى شكوك كثيرة فى حاجة تركيا إلى النظام الرئاسى، ولدى شك أكبر فى أنه يتفق مع التعاليم الإسلامية. ولن أتحدث عن صلاحيات «أمير المؤمنين» لأن الرئيس التركى لم يدع لنفسه ذلك فضلا عن أنه دائم الحديث عن أن تركيا بلد علمانى وليس سلطنة أو خلافة إسلامية.
إن الحجة الرئيسية التى استخدمت لتحبيذ النظام الرئاسى تستند إلى أنه سبيل إلى تحقيق الاستقرار السياسى فى بلد عانى من الانقلابات والتقلبات السياسية فى ظل الحكومات الائتلافية المتعاقبة، التى أضعفت من دور السلطة التنفيذية وحضورها، ثم أن ذلك النظام مطبق فى الولايات المتحدة وفرنسا. ولم يذكر أحد فى أنقرة أن له مرجعية من أى نوع فى التعاليم الإسلامية.
وذلك كلام مردود عليه من أكثر من وجه، إذ صحيح أن تركيا عانت طويلا من الانقلابات والتقلبات التى هددت استقرارها، إلا أن ذلك الاستقرار يتحقق بتقوية مؤسسات المجتمع وليس بتشديد قبضة السلطة. أعنى بتوسيع نطاق الديمقراطية وتعزيز دور المؤسسات المدنية والحفاظ على استقلالها مع التأكيد على الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتلك مقومات يعصف بها النظام الرئاسى المقترح. ذلك أنه يطلق يد الرئيس فى تعيين وإقالة كبار المسئولين ويعطيه الحق فى تعيين نائب أو عدد من النواب. ثم أنه يلغى منصب رئيس الوزراء، ويسمح للرئيس بالتدخل فى القضاء من خلال تعيين أربعة من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الذى يتولى التعيينات والإقالات، فى حين يعين البرلمان سبعة. ثم أنه أعطى الحق فى إعلان الطوارئ قبل عرض القرار على البرلمان الذى يحق له اختصارها أو تمديدها أو رفعها.
هذه الإجراءات التى أدت إلى تعديل 18 مادة فى الدستور، تقوى كثيرا من سلطة الرئيس فى حين تضعف من بقية مؤسسات المجتمع وتكاد تهدر قيمة الفصل بين السلطات. وفى هذه الحالة فإنها تهدد المجتمع بمخاطر عدة، ذلك أن أردوغان إذا لم يسئ استخدامها أثناء حكمه (الذى يفترض أن يستمر حتى عام 2029 فى ظل التعديلات الجديدة)، فليس هناك ما يضمن أن يخلفه من يوظف تلك التعديلات لإقامة نظام ديكتاتورى مستبد.
أما مسألة تطبيق النظام الرئاسى فى الولايات المتحدة وفرنسا فمردود عليها بأن تلك مجتمعات ترسخت فيها الديمقراطية، بحيث توافرت لها ركائز قوية وحصانات راسخة يتعذر الإطاحة بها من قبل أية سلطة.
يشهد بذلك الحاصل الآن فى الولايات المتحدة فى مواجهة نزق الرئيس ترامب وسعيه لإهدار قيم الديمقراطية فى المجتمع. إذ وجدنا أن القضاء والإعلام يتحداه ويقف له بالمرصاد. ومثل هذه القوة لا تتوافر للمجتمع التركى فى وضعه الراهن. وربما كان بوسعه بعد عقد أو اثنين من الممارسة الديمقراطية الجادة أن يستقبل نظاما رئاسيا دون أن تتحول النقلة إلى مغامرة غير مأمونة العاقبة.
حكاية اتفاق النظام الرئاسى مع التعاليم الإسلامية مردود عليها ومشكوك فيها. وما نفهمه أن النظام الإسلامى لم يحدد شكلا للحكم ولكنه اعتمد قيمة الشورى كأساس للحكم.
حتى الخلافة التى هى خلفية ثرية نعتز بها تاريخيا، فإنها مجرد تجربة نجحت فى ظروفها، لكنها لا تلزم المسلمين الذين لهم أن يقيموا النظام الذى يرتضونه ويحقق مصالحهم طالما أن ذلك تم من خلال الشورى والتوافق بين القوى الحية فى المجتمع.
(3)
أدرى أن التجربة التركية لها خصوم كثيرون فى الداخل والخارج. كما أن حملة الإعلام على الرئيس أردوغان حقيقة لا مراء فيها. ولا أستبعد أن تكون تلك الحملة قد أسهمت فى تنمية مشاعرنا السلبية إزاءه، إلا أننا ينبغى أن نقر بأن معاركه التى يخوضها فى الداخل وبالأخص فى الخارج ليست كلها راجعة إلى العداء للإسلام الذى له جذوره فى بعض الأوساط اليمينية. من ثم فليس دقيقا أنه يخوض حربا «صليبية» تشنها ضده بعض الدوائر الغربية. ذلك أن بعض معارضيه لهم غيرتهم على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
كما أنه يمكن فهم مواقف بعض الدول الأوروبية التى منعت إقامة المهرجانات المؤيدة فى بلدانها. لحسابات داخلية بحتة منها عدم تمكين قوى اليمين من المزايدة فى المعارك الانتخابية. إذ بوسعها أن تعتبر النشاط التركى على أراضيها من إرهاصات «الغزو الإسلامى» الذى يجرى تخويف الأوروبيين وترويعهم منه.
إن بلدا مثل ألمانيا الذى تسلحت قيادته بشجاعة أخلاقية دفعتها إلى فتح أبوابها للمهاجرين المسلمين وغيرهم يتعذر وصفه بأنه ضد الإسلام، وما كان له أن يتهم بالنازية كما قال الرئيس أردوغان.
فى الوقت نفسه فإن التجاذب الحاصل الآن الذى يقحم الإسلام فى الصراع مع بعض الدول الغربية من شأنه أن يضر بالوجود الإسلامى فى أوروبا التى تحتضن نحو 20 مليون مسلم، منهم 5 ملايين من الأتراك (أكبر عدد للجاليات المسلمة فى ألمانيا وفرنسا).
ومثل ذلك السلوك الانفعالى من جانب القيادة التركية قد تستفيد منه تكتيكيا فى حملة الاحتشاد لتأييد الاستفتاء المزمع إجراؤه على التعديل الدستورى فى منتصف إبريل المقبل. لكن تلك القيادة وهى تسعى لتحقيق الهدف التكتيكى تضحى بهدف استراتيجى مهم يخص علاقة المسلمين الأوروبيين بالمجتمعات التى هاجروا إليها وأصبحوا جزءا منها بمضى الوقت (رئيس بلدية روتردام الذى منع مؤتمر الدعاية التركية بهولندا من أصول مغربية).
لقد تبنت تركيا يوما ما مقوله الدكتور أحمد داود أوغلو التى أطلقها حين كان وزيرا للخارجية ودعا فيها إلى «تصفير المشكلات». بمعنى إنهائها والوصول بها إلى درجة الصفر.
وأخشى أن تكون مؤشرات السياسة التركية قد تجاوزت تلك المرحلة بحيث أصبحت البلاد غارقة فى المشكلات التى أثرت على مناخات الخارج والداخل. وكان ذلك جراء سلسلة من الأخطاء فى التعامل مع ملفات عدة، السورية والكردية والمصرية وصولا إلى ملف التحول إلى النظام الرئاسى.
(4)
لدى كلمة أخيرة فى الموضوع لا أستطيع أن أقاوم المفارقة فيها. ذلك أننى أتفهم أسباب الانتقادات الأوروبية للوضع القائم فى تركيا، خصوصا فى قضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان وطموحات الرئيس وانفعالاته. ذلك أن الديمقراطيات الغربية لها الحق فى أن تعتبر بعض الذى يحدث فى تركيا من قبيل الكبائر التى لا تغتفر. ولها معاييرها وواقعها الذى يشجعها على توجيه تلك الانتقادات.
لكن الذى لم أفهمه هو لماذا يتبنى كثيرون فى منابر الإعلام العربى تلك الانتقادات ولا يكفون عن ترديدها. وجه المفارقة فى ذلك أن ما يفعله أردوغان أقل بكثير عما يفعله أى زعيم عربى بشعبه، فالرجل أحدث طفرة اقتصادية فى بلده، ولايزال يحتمل نقدا فى بعض الصحف ومعارضة فى البرلمان الذى أفرزته انتخابات نزيهة. كما أن أجهزته تعلن عن أعداد المعتقلين والمفصولين والمؤسسات التى تصفى أو تغلق. ونقيض كل ذلك يحدث فى أقطار عربية عدة لكنه يقابل بتجاهل وصمت، ويغطى أحيانا بشعارات طنانة وخطب منبرية عصماء تشيد بالبطولات الخارقة والإنجازات العظيمة وتروج للأوهام والأساطير والخرافات السياسية.
إن اتهامات صحفنا لأردوغان هو نقض للذات العربية فى حقيقة الأمر.
.................................
Published on March 20, 2017 13:04
فهمي هويدي's Blog
- فهمي هويدي's profile
- 1314 followers
فهمي هويدي isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.
