فهمي هويدي's Blog, page 10

March 19, 2017

فى فلسطين فقط

صحيفة الشروق الجديد المصريه الاثنين 21 جمادى الآخره 1438 – 20 مارس 2017فى فلسطين فقط – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_19.html
فقط فى فلسطين يقف الأب فخورا ومنتصب القامة أمام جثمان ابنه الشهيد، يصوب بصره نحوه ويؤدى له التحية العسكرية فى آخر لقاء لهما فى الدنيا. فى الخلفية يحتشدوا الآلاف الذين وقفوا فى خشوع، منهم من شرع فى قراءة فاتحة الكتاب وقد انهمرت الدموع من عينيه، ومنهم من انفجر غضبا وسخطا ومضى يكبر ويهتف داعيا للانتقام تارة. ومحييا مسيرته الجهادية وداعيا إلى وقف التنسيق الأمنى مع العدو تارة أخرى.
عن اللحظات التى سبقت الجنازة، كتبت رئيس تحرير موقع «الحدث» الفلسطينى قائلة: فى غرفة المستشفى الحكومى كان باسل مرتاحا. التف الجميع حول جسدك يا باسل. كأنهم يحيطون بجسد الملك يريدون حمله على العرش. الفخر فى أعين الممرضين. هذا يلفك بالعلم. وذاك يلفك بالكوفية. ثالث يضع وسادة تحت رأسك. رابع يتأكد من أن جسدك فى مكانه الصحيح. أحدهم يقبل وجهك، وكأن لسان حال كل واحد منهم يريد أن يقول لك إنه فعل شيئا لأجلك، لأنك فعلت الكثير لأجلنا.

البطل المسجى كان باسل الأعرج الصيدلى ابن الثلاثين عاما الذى هجر الصيدلة وقرر أن يتفرغ لتحرير فلسطين، حتى صار يوصف بأنه المثقف المشتبك والفدائى الكامل. تكفل التنسيق الأمنى باعتقاله مع بعض رفاقه بتهمة حيازة سلاح لاستخدامه ضد أهداف إسرائيلية. فى سجن السلطة أهينوا وعذبوا فأضربوا عن الطعام حتى تم اطلاق سراحهم، لكن الإسرائيليين تعقبوهم واعتقلوا رفاقه، فيما اختفى هو عن الأنظار منذ خريف العام الماضى (٢٠١٦).
قبل أسبوعين، فجر يوم ٦ مارس الحالى اقتحم الإسرائيليون بيتا اختفى فيه، فتصدى لهم بسلاحه، لكنهم قتلوه بعشر رصاصات ثم اختطفوا جثته. وبعد تسويف ومساومة سلموها لأهله عند آخر حواجز بيت لحم يوم الجمعة الماضى (١٧/٣).
فى جنازته المهيبة التى سبقت دفن جثمانه فى بلدته «الولجة» ببيت لحم، فلسطين كلها كانت هناك. وحين أدى الأب التحية العسكرية أمام جثمانه فقد كان ذلك إعلانا عن ثباته إلى جواره فى جيش تحرير فلسطين الذى لم يلق سلاحه بعد
فى فلسطين فقط تتزوج مناضلة محكوم عليها بالسجن المؤبد ١٦ مرة من ابن عمها المحكوم عليه بالمؤبد. وبعد سبع سنوات يطلق سراحهما ويلتقيان فى عمان، لكن وزارة العدل الأمريكية طالبت أخيرا بتسليمها حين قالت إنها غير نادمة لمشاركتها فى التخطيط والتنفيذ لعملية تمت فى القدس منذ ١٦ عاما وقتل فيها أمريكيان.
هذا تلخيص متقضب لقصة الفتاة أحلام التميمى التى غادرت الأردن إلى الضفة الغربية لتكون قريبة من ابن عمها وفتى أحلامها نزار التميمى المحكوم عليه بالمؤبد فى سجن عسقلان.
كان نزار ضمن عناصر فتح لكن أحلام التحقت بحماس، واعتقلت بتهمة المساعدة فى توصيل أحد مناضلى الحركة لينفذ عملية تفجير بأحد مطاعم القدس فى عام ٢٠٠١ أدت إلى مقتل ١٥ إسرائيليا بينهم اثنان يحملان الجنسية الأمريكية. بسبب هذه العملية أدينت أحلام وحكم عليها بالمؤبدات الـ ١٦. لكنها أمضت فى السجن ٨ سنوات وأطلق سراحها فى عملية لتبادل الأسرى.
وبعدما استقرت فى الأردن أدرجت وزارة العدل الأمريكية اسمها ضمن المطلوبين فى قضايا الإرهاب، ولكن الأردن رفضت تسليمها لعدم وجود اتفاقية للتسليم مع الولايات المتحدة، وفى الأسبوع الماضى وصل إلى إسرائيل ممثلو وزارة العدل الأمريكية لإبلاغ ضحايا عملية القدس (فى ٢٠٠١) بقرار محاكمة أحلام التميمى بسبب مشاركتها فى قتل الأمريكيين.
فى إسرائيل فقط يقبع فى السجون ٣٥٠ طفلا فلسطينيا تحت ١٥ عاما، فى حين يقدم للمحاكم سنويا ما بين ٥٠٠ و٧٠٠ طفل. أحدهم الطفل شادى فراح، الذى اعتقل فى ٣٠ ديسمبر عام ٢٠١٥ وكان عمره آنذاك ١٢ عاما. اعتقله الإسرائيليون حين كان منتظرا فى محطة الحافلات بمدينة القدس. حيث اتهم زورا بأنه كان يحمل سكينا وحكم عليه بالسجن ثلاثة أعوام،
 فى يوم المرأة العالمى نشرت أمه فيرهان دراغمة رسالة روت فيها قصة ابنها الذى أصبح أصغر أسير فى سجون الاحتلال. كان عنوانها: من يعيد شادى طفلا؟ (نشرتها جريدة الشرق الأوسط فى ٨/٣)
 فى الرسالة تساءلت: كيف لعيناى أن تغفوا وهما لا تريان إلا طفلى الصغير وحيدا فى زنزانة باردة مظلمة؟ وهو لم يكن يستطيع النوم إلا فى حضنى وهو يضع أصبعه فى فمه؟ وفى ختامها دعت جميع الرجال والنساء إلى الانضمام إليها لاستعادة شادى وأمثاله من ضحايا سياسة الاحتلال الإسرائيلى المسكون بالغطرسة والظلم والقهر.
........................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 19, 2017 13:45

March 18, 2017

ليتهم كانوا ريما خلف

صحيفة الشروق الجديد المصريه الأحد 20 جمادى الآخره 1438 – 19 مارس 2017ليتهم كانوا ريما خلف – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_18.html
أخيرا وجدنا شخصية عربية مهمة تستقيل من منصبها الأممى لرفضها المشاركة فى التدليس وتزوير الحقائق فى تقرير لإحدى لجان الأمم المتحدة. أتحدث عن الموقف الشجاع الذى اتخذته الدكتورة ريما خلف مديرة «الإسكوا» حين قررت الاستقالة من منصبها الرفيع، وأعلنت فى مؤتمر صحفى أن الأمين العام للأم المتحدة ضغط عليها لسحب تقرير تم إعداده لأنه فضح ممارسات إسرائيل ووصفها بأنها دولة عنصرية تسيطر على الفلسطينيين.
«
الإسكوا» هى اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (تضم ١٨ دولة) وإلى حين استقالتها يوم الجمعة الماضى (١٧/٣) كانت الدكتورة ريما ترأس مكتبها فى بيروت، بعدما تقلدت مناصب وزارية عدة فى الأردن كان آخرها منصب وزيرة التخطيط ونائبة رئيس الوزراء ثم شغلت بعد ذلك مناصب عدة فى الأمم المتحدة.
وفى شهر فبراير الماضى أطلقت من تونس تقرير الإسكوا عن «التكامل العربى والنهضة الإنسانية» وفيه ذكرت أن «أشكال الاستباحة الخارجية للحقوق والكرامة العربية تتعدد. ويبقى أسوأها الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين والجولان السورى وأراضٍ لبنانية. (وهو) احتلال يستمر دون رادع فى خرق سافر للقرارات والمواثيق الدولية». وخلص التقرير إلى أن «إسرائيل أسست نظام «آبارتايد» (فصل عنصرى) يهيمن على الشعب الفلسطينى بأكمله». وكانت تلك المرة الأولى التى توجه فيها هيئة تابعة للأمم المتحدة هذا الاتهام الصريح لإسرائيل.
هذا الموقف أغضب الإسرائيليين والأمريكيين فقال السفير الإسرائيلى فى الأمم المتحدة دانى داتون فى بيان أصدره أن «محاولة دمغ إسرائيل زورا بالفصل العنصرى هى كذب صارخ ومدان، واعتبر أن التقرير لا يشكل مفاجأة لأنه جاء من هيئة على رأسها «من دعا إلى مقاطعة إسرائيل، وقارن نظامنا الديمقراطى بأسوأ الأنظمة فى القرن العشرين». ودعا إلى النأى بالنفس عن التقرير «المنحاز والمخادع». كما شبه ناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية التقرير بمنشور دعائى نازى معادٍ بشدة للسامية.
فى الوقت ذاته نددت السفيرة الأمريكية فى الأمم المتحدة نيكى هايلى بالتقرير، وأعربت عن غضب بلادها إزاءه، مشيرة إلى أنه يعبر عن دعاية مناهضة لإسرائيل، وأنه «لا يشكل مفاجأة لأنه يأتى من هيئة تكاد تقتصر على أعضاء ممن لا يعترفون بإسرائيل» ولأن من أعده هو «ريتشارد فولك (رئيس بعثة الأمم المتحدة لتقصى الحقائق فى غزة) الذى طالما أعلن مواقف منحازة ومعادية للغاية لإسرائيل.
دعت هايلى الأمانة العامة للأمم المتحدة إلى «سحب التقرير برمته»، مشيدة بموقف الأمين العام للأمم المتحدة الذى تبرأ منه، وأكدت أن الولايات المتحدة «تقف إلى جانب حليفتنا إسرائيل، وستواصل الاعتراض على الأعمال المنحازة ضدها فى الأمم المتحدة وحول العالم». كما قال الناطق باسم الأمم المتحدة فى نيويورك إن التقرير نشر دون أى تشاور مسبق مع الأمانة العامة للأمم المتحدة.
على صعيد آخر قالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن تقرير «الإسكوا» يدق ناقوس خطر حقيقى و«يجب أن يقود إلى صحوة فى المجتمع الإسرائيلى للضغط على حكومته لوقف احتلالها واستيطانها وممارساتها العنصرية قبل أن يغرق المجتمع نفسه فى نظام الفصل العنصرى».
 وانتقدت «اتخاذ بعض الأطراف مواقف سلبية من التقرير ونعته بصفات عديدة والتهديد بسحبه أو إخفائه ومهاجمته لن يخفى حقيقة ما جاء فيه، وحقيقة ما تقوم به إسرائيل من جرائم ترتقى لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
الزوبعة التى أثارها التقرير أدت إلى سحبه من موقع الأمم المتحدة ووقف إصداره، إذ كانت كل الجريمة فيه أنه التزم بالموضوعة وعبر عن الحقيقة دون غش أو تدليس. وهو ما أغضب الدكتورة ريما خلف، فقررت الاستقالة من منصبها.
وضربت بذلك نموذجا مشرفا للمنطقة العربية الملتزمة بضمير الأمة، وليست المسئولة الأممية المتعلقة بأهداب الوظيفة. ليتهم جميعا كانوا ريما خلف!
..............
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 18, 2017 12:25

March 17, 2017

ظلمات بلا حدود

صحيفة السبيل الأردنيه السبت 19 جمادى الآخره 1438 18 مارس 2017ظلمات بلا حدود - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_17.html
إذا ما ظلم المرء وأمضى بسبب ذلك في السجن سنوات تطول أو تقصر، ثم شاءت المقادير أن يطلق سراحه قبل انتهاء محكوميته، فهل يشكر من سَجَنَهُ أو يعاتبه؟ وإذا علمنا أنه عانى في السجن ما عاناه من عنت وقهر، فمن في هذه الحالة يعفو عن من؟
 
تساؤلي من وحى الأصداء التي أحدثها العفو في نهاية الأسبوع الماضي عن أكثر من مائتين من المصريين الذين سجنوا ظلما خلال السنوات الثلاث السابقة، لكنى قبل أن أفضى بما لدى استأذن في رواية قصة سمعتها من الشيخ محمد الغزالي الذي حلت ذكرى وفاته في ٩ مارس الحالي.
ذلك أن الشيخ رحمه الله كان مديرا للدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف في عهد الرئيس أنور السادات. وانتقد في مؤتمر عام تعديلات قانون الأحوال الشخصية الذي قيل إن قرينة الرئيس كان لها دور فيها. ونقل إلى السادات أنه هاجم السيدة قرينته. (ولم يكن ذلك صحيحا).
وبسبب هذه الوشاية أطيح بالشيخ الغزالي فألغيت وظيفته ونقل «مستشارا» في مسجد آخر بالجيزة لم يكن له مكان فيه، فما كان منه إلا أن قبل عرضا للعمل أستاذا للشريعة بإحدى الجامعات السعودية. وغاب هناك نحو أربع سنوات ثم عاد إلى مصر. ولسبب أو آخر أصدر السادات قرارا بتعيينه وكيلا لوزارة الأوقاف لشئون الدعوة. أبلغ الشيخ بالقرار ودعي إلى لقاء الوزير لاستلام منصبه. وفى اللقاء اقترح عليه الأخير أن يبعث ببرقية شكر إلى الرئيس يحييه فيها ويؤيده. فرفض الشيخ كتابة البرقية، وقال للوزير إن الرئيس هو من أساء إليه ولكن الله هو من أنصفه ورد إليه اعتباره. وحين ضغط عليه الوزير فإن الشيخ خرج من مكتبه غاضبا. وما أن وصل إلى بيته حتى بعث إليه باستقالته من وكالة الوزارة وقعد في بيته مستريح الضمير.
 
ما قاله الشيخ الغزالي هو رأيي في مسألة الشكر على العفو الرئاسي الذي أراه إيجابيا بطبيعة الحال. لكنه إذا كان قد فرَّج كرب ٢٠٣ أشخاص، إلا أنه لم يعوضهم عن الفترة التي عاشوها ظلما في غياهب السجون بعيدا عن ذويهم. وأزعم أن ذلك التعويض (الذي لا أتوقعه) وحده الذي يستحق الشكر.
 وفى كل الأحوال فإن ترحيبنا بالخطوة التي تمت لا ينبغي أن ينسينا أن الذين تم العفو عنهم يمثلون قطرة في بحر المظلومين التي يعانى منها آلاف آخرون يقبعون في السجون منذ سنوات، وينتظرون الفرج من عند الله.

بقيت عندي عدة ملاحظات على ما جرى أختصرها فيما يلي:
 <
معلوماتي أن الذين شملهم العفو ليسوا مرشحي اللجنة الخماسية التي شكلت لهذا الغرض بعد مؤتمر الشباب الذي عقد في العام الماضي. ذلك أن اللجنة ظلت أكثر من ثلاثة أشهر تدرس الحالات التي تستحق العفو، وأعدت في النهاية قائمة ضمت أكثر من ٥٠٠ اسم أرسلتها إلى الرئاسة، لكن القرار الذي صدر لم يشمل سوى ٥٪ من الأسماء التي رشحتها، والباقون (الـ٩٥٪) أدرجتهم جهات أخرى في الدولة.
 <
تشير القرائن المختلفة إلى أن العملية تتسم بصعوبة بالغة وتكتنفها حسابات معقدة تجريها جهات عدة. ورغم أنه يفترض أن كل المعلومات متوفرة ولا يستغرق تحصيلها أكثر من دقائق، إلا أنها في حالة الدفعة الثانية استغرقت خمسة أشهر، ولم تكن مصادفة أن يصدر القرار متزامنا مع قرار إطلاق سراح الرئيس مبارك بعد تبرئته، حتى بدا وكأن التوقيت كان محسوبا لأسباب سياسية.
 <
أثار تحليل القسم القضائي بـ«الشروق» لقائمة المشمولين بالعفو الانتباه إلى أن من بين الـ٢٠٣ أشخاص ٢٠٠ صنفوا باعتبارهم متعاطفين (مع الإخوان) وكان ذلك مبررا لسجنهم ومحاكمة بعضهم. وهو ما يعنى أنهم كانوا مجرد متظاهرين سلميين لم يرتكبوا مخالفة للقانون. وبدا مدهشا أن من بين هؤلاء ٣٦ شخصا حكم عليهم بالسجن ١٥ سنة و٢٣ حكم عليهم بالسجن المؤبد.
إن ظلمات السجون لا حدود لها.
...................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 17, 2017 14:23

March 15, 2017

إذ تصبح المهنة فى خطر



صحيفة الشروق الجديد المصريه الخميس 17 جمادى الآخره 1438 – 16 مارس 2017إذ تصبح المهنة فى خطر – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_16.html
يلفت الانتباه فى انتخابات نقابة الصحفيين المصرية التى تجرى غدا أن مرشح السلطة لمنصب النقيب ما برح يلح فى دعايته على أن المهنة فى خطر. حدث ذلك فى الوقت الذى تتحدث فيه وكالات الأنباء عن العصر الذهبى الذى تعيش فيه الصحافة الأمريكية. إذ زاد التوزيع والاشتراكات وارتفعت نسبة الإعلانات، الأمر الذى يستحق الرصد والمقارنة.
وكانت وكالة «رويترز» قد بثت قبل أيام قليلة تقريرا عن انتعاش كبريات الصحف الأمريكية التى ظلت ردحا من الزمن تعانى من الكساد النسبى. وهو ما تمثل فى تراجع توزيع طبعاتها الورقية بعدما أصبح التليفزيون منافسا شرسا لها.
حتى أن صحيفة «واشنطن بوست» بجلالة قدرها كانت على وشك الإفلاس، لكن حساباتها تغيرت فى ظل الانتعاش الأخير الذى أكدت فيه استقلالها ومارست فى ظله درجة عالية من حرية التعبير. وهو ما أدى إلى زيادة عدد العاملين بمكتبها الرئيسى فى واشنطن.
وقد شمل الانتعاش صحفا أخرى مثل نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال وفينانشيال تايمز. ومجلة فانيتى فير، وهى الصحف التى اشتبكت مع الرئيس دونالد ترامب وانضمت إلى معارضيه مما أثار غضبه ودفعه إلى مهاجمتها، فوصف نيويورك تايمز بأنها «فاشلة»، ووصف ناشر «فانيتى فير» بأنه «بليد»، واستثمرت المجلة هجوم ترامب عليها فى دعايتها فذكرت فى إعلاناتها أن: فانيتى فير المجلة التى لا يريدك ترامب أن تقرأها(!).
الشاهد أنه حين استشاط غضب الرئيس ووصف الصحفيين بأنهم أعداء وكذابون وحثالة، فإن القراء ازداد إقبالهم على شراء الصحف ومتابعة ما تنشره.
إذ أرجو ألا يساء الظن بى بحيث يفسر بعض الخبثاء كلامى بأنه تحريض على اشتباك صحفنا مع الرئيس لإنعاشها، فإننى أفرق بين حديث الزميل المرشح عن أن المهنة فى خطر، وبين المشكلات المالية والتوزيعية التى تواجه الصحف سواء فى مصر أو فى الولايات المتحدة أو غيرها من الدول.
 ذلك أن وجود تلك المشكلات لا يعنى بالضرورة أن المهنة فى خطر. وغاية ما يعنيه أن الصحافة الورقية تواجه أزمات عدة بسبب ثورة الاتصال وتعدد أساليبها أو بسبب موجات الركود الاقتصادى التى تطرأ بين الحين والآخر. وعلى أسوأ الفروض فإن توقف الصحف الورقية عن الصدور لا يعنى أن المهنة فى خطر، لأن فضاءات ممارسة المهنة عديدة، فى الصحافة الإلكترونية والمرئية والمسموعة.
المشتغلون بالمهنة يعرفون جيدا أنها لا تنتعش إلا فى أجواء الحرية، وتصبح فى خطر فى حالة واحدة هى حين تصادر حرية التعبير وتصبح الديمقراطية ــ ومن ثم الوطن ــ فى خطر.
ولا أظن أن ذلك المعنى خطر على بال زميلنا مرشح السلطة. لذلك أرجح أنه قصد بعبارته شيئا آخر مختلفا تماما. ولا أستبعد أن يكون قد أراد أن يوجه رسالة ضمنية يستهدف بها النيل من النقيب الحالى الذى ينافسه والمجلس الذى يعاونه.
وهو احتمال تؤيده التعليقات التى ترددت على ألسنة عناصر موالاة السلطة منذ اعتراض النقيب على اقتحام الأمن للنقابة وإلقاء القبض على اثنين من الزملاء اللذين اعتصما بها. وهى الموقعة التى تحولت إلى قضية حكم فيها بالسجن عامين للنقيب والزميلين وتغريم كل منهم عشرة آلاف جنيه.
منذ ذلك الحين تحركت عناصر الموالاة (الصحفيون يسمونهم أمنجية) ودعت إلى الانقلاب على النقيب ومجلس النقابة.
هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول بأن مرشح السلطة أراد أن يوحى بأن الخطر يتمثل فى استمرار النقيب الحالى وأعضاء مجلس النقابة الذين قيل إنهم خليط من الناصريين واليساريين. وإذا صح ذلك التحليل فإن معركة صاحبنا فى حقيقتها هى ضد أشخاص غير مرضى عنهم وتعتبرهم الأجهزة الأمنية خطرا ينبغى التخلص منه.
ولأننى لست ناشطا نقابيا وأقف خارج التكتلات المتصارعة، فإننى لا أخفى انبهارا بسقف الحرية الذى تتمتع به الصحف الأمريكية، وأتمنى أن تحافظ نقابتنا على استقلالها، بقدر احتفاظها بعلاقة إيجابية مع السلطة، شريطة أن تكون علاقة حوار واحترام متبادل وليس علاقة إلحاق أو تبعية.
لذلك أزعم بأن المعركة التى يفترض أن تحسم غدا ليست بين شخصين ولكنها بين نهجين فى التعامل مع السلطة، والخطر الحقيقى فى هذه الحالة يتمثل فى ترجيح كفة الإلحاق على الاستقلال...................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 15, 2017 20:53

March 14, 2017

تأميم بعد التكميم

صحيفة الشروق الجديد المصريه الأربعاء 16 جمادى الآخره 1438 – 15 مارس 2017تأميم بعد التكميم – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_14.html
إذا كانت فوضى الفتاوى الدينية مشكلة فإن الحلول الخبيثة أو الساذجة التى تطرح لحلها مشكلة أكبر.
 أقول ذلك بمناسبة الجدل الذى أثير حول الموضوع فى مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، واللغط الذى أحدثه نشر خبر عن الشروع فى إعداد قوانين جديدة لتنظيم العمل فى دار الإفتاء المصرية،
ذلك أننى لم أصادف أى حوار جاد حول العوامل التى أدت إلى فوضى الإفتاء. ولاحظت أن الشغل الشاغل للمتحاورين هو كيفية تأميم الفتوى وإحكام سيطرة الدولة عليها.
لم أجد إشارة إلى دور ثورة الاتصالات التى أتاحت لكل من هب ودب أن تكون له قناته الخاصة وهو قاعد فى بيته، يرسل من خلالها إلى الكافة ما شاء من آراء وتحليلات وفتاوى. ولا أذكر أن أحدا أجاب على السؤال: لماذا ينصرف الناس عن العلماء الذين على رأس المؤسسات الدينية الرسمية فى حين يقبلون على من عداهم، ولماذا فقدوا ثقتهم فى الأولين وساروا وراء الأخيرين؟ وما علاقة متغيرات البيئة السياسية بكل ذلك؟
إن أى متابع للموضوع لا تفوته ملاحظة أن السلطة فى مصر لم تسترح يوما ما إلى استقلال الأزهر والمؤسسات الدينية الموازية له. لذلك فإن الشغل الشاغل لأجهزة السلطة ظل متمثلا فى كيفية اتخاذ الإجراءات وابتكار الأساليب التى تكفل إخضاع هذه الجبهة كلها لنفوذ السلطة.
وأصبحت حدود ذلك الإخضاع تتفاوت بحسب تفاوت معدل الحالة الديمقراطية فى البلد. ومنذ برز التطرف وجماعاته فى سبعينيات القرن الماضى كثفت السلطة من جهود الإخضاع، حتى بلغت ذروتها فى السنوات الأخيرة، التى تطور فيها التطرف وخرجت من عباءته جماعات الإرهاب. وهى الأجواء التى أفرزت وميزت بين نوعين من العلماء، الأولون يخافون من الله، وهؤلاء ظلوا منبوذين طول الوقت، والآخرون يخافون من الحكومة، وهؤلاء جرى الاحتفاء بهم واحتلوا مواقع الصدارة فى أغلب المؤسسات الدينية الرسمية فضلا عن منابر الخطاب الدينى الموجه.
أحدث ما تفتقت عنه قريحة دعاة الإلحاق ذلك الاقتراح الذى تم تداوله فى مجلس النواب ودعا إلى إصدار ثلاثة قوانين، الأول يختص بتنظيم العمل داخل دار الإفتاء، ليضمن سيطرة السلطة على آلية العملية. والثانى يدعو إلى تنظيم الفتوى بحيث تصبح مقصورة على أعضاء هيئة كبار العلماء أو دار الإفتاء. والثالث يقضى بتحجيم ظهور الفقهاء على القنوات الفضائية، بحيث لا يسمح بذلك إلا للذين يحصلون على ترخيص من وزارة الأوقاف. وحسبما نشر فإنه فى حالة المخالفة يتم تغريم القناة بمبالغ تتراوح بين ٥٠ و١٠٠ ألف جنيه. ويتصور أصحاب المشروع أن تؤدى تلك القوانين إلى الحد من فوضى الإفتاء، بحيث تصبح تحت السيطرة تماما. وهو ما يكمل مساعى وزير الأوقاف الحالى الذى خاض معركة لتعميم الخطبة المكتوبة سلفا بحيث لا يتفوه خطيب المسجد إلا بما تقرره الوزارة وترضى عنه الأجهزة الأمنية.
لقد شاءت المقادير أن تنشر الصحف المصرية قبل إثارة موضوع القوانين الثلاثة خبرا له دلالته فى السياق الذى نحن بصدده نصه كما يلى: توجه الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية بالتهنئة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى بمناسبة انطلاق الحوار المجتمعى فى صباح السبت ٢٥/٢ بحضور عدد من الوزراء ومحافظ مطروح، تمهيدا للبدء فى إنشاء أول محطة سلمية للطاقة النووية بمحطة الضبعة فى محافظة مطروح.
 وأكد المفتى أن الشعب المصرى عازم على تحقيق البناء والتنمية تحت قيادته. كما شدد على أن الجماعات الإرهابية الظلامية لن تستطيع النيل من قوة وعزيمة الشعب المصرى، وإصراره على بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، والعبور بالوطن إلى بر الأمان.
حين قرأت «الفتوى» قلت إن المفتى سائر على درب وزير الأوقاف، ثم إنه لم يرد فقط أن يستبق جهود تنظيم وترشيد عملية الإفتاء، ولكنه أراد أيضا أن يثبت تجاوبه وتفاعله مع الدعوة المطروحة لتجديد الخطاب الدينى.
..........................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 14, 2017 14:21

March 13, 2017

هوامش على دفتر الإرهاب – المقال الأسبوعي

صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 15 جمادى الآخره 1438 – 14 مارس 2017هوامش على دفتر الإرهاب – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_34.html
المعركة ضد الإرهاب نسجت من حولها أساطير عدة بحاجة إلى مراجعة وتحرير.

(1)
فى برلين قال يحيى راشد وزير السياحة المصرى إن الاستقرار الأمنى والسياسى وراء التحسن الملحوظ فى حجم السياحة الوافدة إلى البلاد.
 فى نفس الأسبوع ردد فى فيينا علاء عابد رئيس لجنة حقوق الإنسان فى مجلس النواب عبارة المسئول المصرى التى قال فيها إن مصر وحدها تحارب الإرهاب نيابة عن العالم، ودعا إلى إنشاء تكتل دولى لمحاربة الإرهاب
 ــ الأول كان يخاطب غرفة برلين للسياحة، والثانى كان يخاطب اجتماعا للأمم المتحدة عقد فى العاصمة النمساوية لمناقشة موضوع الإرهاب والجريمة
ــ والرسالتان تعبران عن ازدواجية الخطاب المصرى إزاء الموضوع. أحدهما يريد أن يجذب السياح والمستثمرين فيتحدث عن الاستقرار والأمان، أما الثانى فهو يبالغ فى موضوع الإرهاب فيستنفر ويحذر. مرة بدعوى أنه يهدد العالم ومرة ثانية بدعوى أنه يهدد الدولة ويدعو إلى إسقاطها.
وذلك ليس موقفا جديدا، لأنه منذ ثلاث سنوات، صار الإرهاب أهم عناوين الحالة المصرية والصيغة الأكثر جاذبية لوصم الصراع السياسى وشيطنته. إلا أنه بمضى الوقت أدرك المسئولون أن من شأن استمرار ذلك النهج أن يوصد الأبواب فى وجوه السياح والمستثمرين. ووجدوا أن ذلك إذا أدى إلى كسب جولة الصراع السياسى، فإنه يفاقم من أزمة الوضع الاقتصادى. بمعنى أنه يخدم النظام ويضر بالوطن.
انتبه إلى ذلك الرئيس عبدالفتاح السيسى، فحاول أن يصوب الصورة فى حوار تليفزيونى أجرى معه فى برشلونة حين زارها فى شهر نوفمبر الماضى (٢٠١٦). إذ حين سئل عن الإرهاب فذكر أنه محصور فى شريط ضيق بشمال سيناء، فى منطقة لا تتجاوز ٢٪ من جملة مساحتها. ولم يكن ذلك تهوينا من شأن الإرهاب، وإنما كان توصيفا ديقيقا لساحة مواجهته التى لا تتجاوز فى طولها ٤٥ كيلومترا. ذلك أن ما يحدث خارج سيناء (فى الدلتا مثلا) فهو فى حقيقته حوادث استثنائية لا تشكل ظاهرة كتلك الموجودة فى شريط رفح والشيخ زويد والعريش، علما بأن الوجه القبلى الذى يشمل محافظات الصعيد كلها، لم يعرف تلك الحوادث.

(2)
هذه الخلفية تسوغ لنا أن نستخلص أمرين، الأول أن الإرهاب ظاهرة مقصورة على شمال سيناء، يعانى منها كل سكان المنطقة البالغ عددهم نصف مليون نسمة. صحيح أن العمليات الإرهابية تستهدف أجهزة السلطة ومؤسساتها، إلا أن المجتمع السيناوى تأثر بها إلى حد كبير، الأمر الذى غير من نمط حياة السكان وعلاقاتهم الاجتماعية كما هدد شعورهم بالأمن، أما فى خارج ذلك الشريط الساحلى، فى بقية أرجاء مصر، فإن الظاهرة لا وجود لها. والعمليات التى تتم بصورة استثنائية فى بعض المدن هى مجرد حوادث إرهابية، لم تؤثر على حركة المجتمع ونمط حياة أفراده، الدليل على ذلك أن أى مواطن ساكن فى القاهرة مثلا أو قادم إليها من أى مكان لا يلمس أثرا للإرهاب ولا يسمع عنه إلا من خلال وسائل الإعلام. بل أزعم فى هذا الصدد أن قلق المجتمع من سطوة العصابات الإجرامية صار أكبر من قلقه إزاء العمليات الإرهابية.
الأمر الثانى أن تعميم حكاية الإرهاب على مصر كلها والإيحاء بأنه يستهدف إسقاط الدولة والإدعاء بأن الصراع ضده هو معركة وجود، ذلك كله من قبيل المبالغات التى تنتمى إلى أساليب التعبئة الإعلامية بأكثر من تعبيرها عن حقائق الواقع.
 النموذج الدال على ذلك، الذى ذكرته من قبل، يتمثل فى قصة تفجير مديرية أمن الدقهلية يوم ٢٤ ديسمبر عام ٢٠١٣، فى ذروة الصراع بين السلطة والإخوان، ذلك أن الحادث الذى صدم الرأى العام والسلطة نسب إلى الإخوان على الفور، واستخدم إعلاميا فى التعبئة الإعلامية ضدهم على نطاق واسع. وترتب على ذلك أن اجتمع مجلس الوزراء فى اليوم التالى مباشرة (٢٥ ديسمبر) وقرر اتهام الجماعة بأنها حركة إرهابية، استنادا إلى التسليم بأنها قامت بذلك العمل الإرهابى الكبير، وما حدث بعد ذلك كان مفاجئا، ذلك أن جماعة أنصار بيت المقدس السيناوية بثت فى شهر إبريل عام ٢٠١٤ شريط «فيديو» أعلنت فيه مسئوليتها عن التفجير وعرضت بالصور مراحل تنفيذ العملية.
رغم ذلك فإن متطلبات التعبئة الإعلامية فرضت إلصاق صفة «الإرهابية» بالجماعة، وهو ما استمر فى وسائل الإعلام منذ ذلك الحين وإلى الآن. لا ينفى ذلك أن الجماعة وقعت فى أخطاء وأخفقت فى بعض الحسابات السياسية، لكن ذلك كله شىء وقيادة العمليات الإرهابية شىء آخر. وهو ما تشهد به التجربة التى أثبتت أن مجال الإرهاب الحقيقى كان ولايزال محصورا فى شمال سيناء، حيث الحضور القوى والمستعصى لعناصر العنف باختلاف مسمياتها.

(3)
أرجو أن يكون واضحا أن مدار البحث وموضوعه ليس التحقيق فى مبدأ وجود الإرهاب فى مصر، لكن تحرى حجمه ودرجته. وهذه مسألة ينبغى عدم التهوين من شأنها، لأنه باسم مكافحة الإرهاب حشر فى السجون نحو ٦٠ ألف مواطن (حسب تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان)، ولاستيعابهم تم بناء ١٩ سجنا جديدا خلال السنوات الثلاث الماضية. ومن هؤلاء قدمت أعداد كبيرة إلى المحاكم الجنائية والعسكرية، التى قررت إعدام المئات منهم. كما صدرت القوانين الاستثنائية التى قيدت الحريات العامة، وجرى العصف بمنظمات المجتمع المدنى خصوصا الحقوقية منها، وتعرض مئات للاختفاء القسرى كما منع مئات آخرون من السفر إلى الخارج. إلى غير ذلك من الإجراءات التى ذكرتنى بعنوان جامع لأحد الكتاب قال فيه: قل (إرهاب) ثم علق المشانق. وهو ما اختزل به المشهد الذى بمقتضاه يتم إشهار عنوان «الإرهاب» فى الفضاء العام. ليسوغ اتخاذ كل ما يخطر على البال من إجراءات استثنائية، بما فى ذلك تعليق المشانق للأبرياء.
 وليس ذلك مجرد افتراض، لأنه ما عبر عنه أحد أركان ما سمى بائتلاف ٣٠ يونيو. حين قال فى أحد اللقاءات إن الخلاف السياسى لا حل له سوى «اجتثاث الخصوم» أسوة بما فعله الأمريكيون مع عناصر حزب البعث بعد احتلال العراق (عام ٢٠٠٣).
بدا التهويل من خطر الإرهاب مقدمة ضرورية لاتخاذ مختلف الخطوات والإجراءات السابق ذكرها. كما أنه ساعد على الترويج لأسطورة أن مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم. وتقوم بذلك وحدها. وهى العبارة التى أشرت إلى أن أكثر من مسئول مصرى رددها فى سياق مخاطبة الداخل والخارج.
حين حاولت التحقق من صحة المعلومة أو الأسطورة، تبين ما يلى:
<
ليس صحيحا أن مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم. أولا لأن حجم الإرهاب فى مصر متواضع كثيرا إذا قورن بغيرها من الدول العربية المحيطة، مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن. وحين نلاحظ أن تلك الدول أصبحت معرضة للتفتت، أو أنها تفتتت بالفعل، فضلا عن أنها أصبحت غارقة فى دماء مواطنيها. فإن ذلك يدلنا على أن مصر المتماسكة تواجه مشكلة محلية على مساحة محدودة من أرضها، ولم تنجح الجهود المبذولة فى القضاء عليها.
<
فى الدراسات التى أجرتها مراكز الأبحاث الغربية عن خطر الإرهاب فى العالم، لم يذكر الباحثون أن الإرهاب فى مصر له وضع خاص. فقد ذكرت مجلة «فوربس» الأمريكية أن مصر واحدة من أكثر عشرة أقطار عانت من الإرهاب فى عام ٢٠١٥ وهذه الأقطار هى: العراق ــ أفغانستان ــ نيجيريا ــ باكستان ــ سوريا ــ اليمن ــ الهند ــ الصومال ــ مصر ــ ليبيا.
أما مؤسسة «إيه أو إن» البريطانية فقد قسمت الدول ستة أقسام واعتبرت مصر ضمن ٢٤ دولة ارتفع فيها مستوى الإرهاب. أما الدول التى صار فيها الإرهاب خطرا فقد وصل عددها إلى ١٥ بينها ٥ دول عربية هى سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان.
<
ليس صحيحا أن مصر تحارب الإرهاب وحدها. ذلك أن دول الخليج تقف علنا إلى جانبها سياسيا واقتصاديا وأمنيا، حتى أصبحت تمنع دخول غير المرضى عنهم مصريا إلى أراضيها. كما أنها قامت بترحيل أو تسليم معارضى النظام المصرى من العاملين لديها. والكلام متواتر عن مشاركة إسرائيل فى ملاحقة الإرهابيين فى سيناء. وهو ما صرح به وزير الدفاع الإسرائيلى لإذاعة الجيش فى ٢٥ فبراير الماضى، وأيده فى ذلك كل من عاموس هارئيل المعلق العسكرى لصحيفة هاآرتس ومحرر الشئون العربية لصحيفة فيكور راشوت.

(4)
مما سبق نخلص إلى ما يلى:
<
إن فكرة استخدام الأساطير لتشويه ثورة يناير ٢٠١١ وتبرئة الذين أهانوا الشعب والوطن وظفت مرة أخرى لتصفية الثورة وإجهاض أحلامها فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. وهو ما تم من خلال نسج مجموعة من الأساطير حول الإرهاب الذى صار السلاح الأمضى الذى استخدم لأجل ذلك.
<
إن الإرهاب فى مصر نطاقه محصور فى الشريط الضيق المتمثل فى شمال سيناء. وأكرر هنا أنه بمثابة حالة فى تلك المنطقة، فى حين أنه مجرد حوادث تقع خارج حدودها لأسباب متباينة.
<
إن الوطن ليس مهددا بالانهيار ولا الدولة مهددة بالسقوط كما يشاع. والترويج لمثل تلك المقولات للتخويف من خطر الإرهاب، كان سبيلا لضرب الديمقراطية وتبرير استخدام العنف والقمع لحسم الخلاف السياسى. وهو ما أدى إلى إماتة السياسة وإنعاش دور الأمن وأساليبه.
<
إن المبالغة فى خطر الإرهاب لم تصرف الانتباه عن تحديات التنمية الحقيقية فى الداخل فحسب، ولكنها أيضا أسفرت عن تراجع الاهتمام بالتهديدات الخارجية. وهو ما أدى ليس فقط إلى تراجع أولوية القضية الفلسطينية فى الأجندة المصرية، وإنما أدى أيضا إلى تنشيط التعاون مع الدولة العبرية. الأمر الذى أوصلنا إلى مفارقة أصبح فى ظلها التطبيع مع إسرائيل مقدما على المصالحة السياسية الداخلية. وصارت إسرائيل التى قامت على الإرهاب تدعي انها حليف فى حين أصبح الأشقاء المعارضون أعداء من أهل الشر.
أما أخطر النتائج التى ترتبت على التهويل من حجم الإرهاب وخطره، أن ذلك أدى إلى تشويه الإدراك العام وتعميق انقسام الصف الوطنى، الأمر الذى أحدث جراحا فى جسم الوطن سنحتاج إلى سنوات وعقود لعلاجها.
....................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 13, 2017 14:25

March 12, 2017

أسئلة سيناء الحائرة

صحيفة السبيل الأردنيه الاثنين 14 جمادى الآخره 1438 – 13 مارس 2017أسئلة سيناء الحائرة - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_13.html
رغم أن أخبار سيناء تنشر في الصحف المصرية بصفة شبه يومية، فإنني أراهن أن يكون أحد فهم منها شيئا، باستثناء أن هناك معركة مفتوحة منذ ثلاث سنوات، وضحاياها يسقطون كل يوم دون أن تلوح لها في الأفق نهاية.
خذ مثلا العنوان الرئيسي لصحيفة «الشروق» يوم السبت ١١/٣. الذي كان نصه كما يلي: إرسال أجهزة تشويش إلى سيناء بعد استشهاد ضابطي شرطة.
 وفى التقرير المنشور تحت العنوان ــ المنسوب إلى مركز الإعلام الأمني ــ أنه أثناء مرور مجموعة من رجال الأمن بأحد شوارع مدينة العريش، لاحظت أن بعض العناصر الإرهابية تحاول زرع عبوة ناسفة على جانب الطريق فتم التعامل معهم وتبادل إطلاق النيران. فلقي أحدهم حتفه، وعثر إلى جانب جثمانه على عبوة ناسفة بينما لاذ الآخرون بالفرار وأثناء التعامل مع العبوة الناسفة انفجرت، مما أسفر عن استشهاد ضابطين، أحدهما برتبة مقدم والثاني برتبة نقيب، كما تمت إصابة 4 آخرين.
وفى النص المنشور أن «الشهيدين والمصابين واجهوا ببسالة متناهية وخاضوا معركة شرسة مع الإرهابيين والانتحاري الذي حاول الاقتراب من أحد المواقع الأمنية وتم إطلاق النار عليه».
 
رغم التفاوت النسبي بين الروايتين فإن القاسم المشترك بينهما أن محاولة إجهاض العملية الإرهابية أسفرت عن قتل أحدهم، واستشهاد ضابطي شرطة أحدهما برتبة رفيعة، أثناء التعامل مع العبوة الناسفة. أما بقية الإرهابيين فإنهم هربوا وابتلعتهم الصحراء.
 
في بقية الخبر تفصيلات أخرى عن انتقال قيادات وزارة الداخلية إلى العريش لإعادة تنفيذ الحملات التي تستهدف أوكار الإرهابيين في رفح والشيخ زويد والعريش. مما ذكر أيضا أن وزير الداخلية عقد اجتماعا مع مساعديه، وشدد على ضرورة تدعيم قوات الشرطة بخبراء مفرقعات وأجهزة تشويش لإبطال مفعول العبوات الناسفة، أثناء تحرك قوات الشرطة. كما تم إعلان حالة التأهب بأقصى درجاتها على كمائن الأمن في شمال سيناء... إلخ.
 
من التفاصيل نفهم أن الاحتياطات والتجهيزات التي كان ينبغي اتخاذها قبل الحادث، بما فيها الطوارئ القصوى. تقررت بعدما وقعت الواقعة وتم استشهاد الضابطين: علما بأنني حين رجعت إلى من أعرف في العريش قال مصدران من أهل الدراية إن «الإرهابيين» كانوا شخصين، أحدهما قتل والثاني هرب.
 
خذ أيضا الأخبار التي باتت تحتل موقعها على الصفحات الأولى في الصحف اليومية، وتنبئنا يوما بعد يوم بأن حملات مكافحة الإرهابيين قتلت ٧ أشخاص تارة و١١ شخصا في تارة أخرى، وأكثر من ذلك أو أقل في مرات سابقة، وأيا كان قدر الثقة في بيانات المتحدث العسكري، وحتى إذا قلنا أن كل هؤلاء يستحقون القتل فعلا، إلا أن إصدار تلك البيانات طوال ثلاث سنوات يعطى انطباعا مغلوطا مؤداه أن الهدف هو قتل الإرهابيين، في حين يفترض أن تلك وسيلة للقضاء على الإرهاب. وأن استمرار القتل عدة سنوات دون تحقيق هدفه يعنى أن الوسيلة باتت هدفا، ويعنى أيضا أن ثمة وضعا ينبغي أن يصحح بحيث تؤدى الوسيلة دورها في تحقيق الهدف المنشود.
خذ كذلك ما حدث عندما تم تهجير ٢٥٨ أسرة للأقباط من العريش إلى مناطق أخرى تأمينا لهم، وهى العملية التي كان لها صداها القوى في دوائر السلطة والمجتمع. الأمر الذي وفر للمهاجرين البالغ عددهم نحو ألف شخص ما يستحقونه من الرعاية والاهتمام في مساكنهم ووظائفهم، وكان لكنيسة الإسماعيلية دورها في إدارة الأزمة،
إلا أن ذلك أثار سؤالا كبيرا حول إهمال السلطة لنحو ٢١ ألف نازح آخرين اضطروا إلى الهجرة من رفح والشيخ زويد بسبب اضطراب الأحوال الأمنية، دون أن تقدم لهم أجهزة السلطة مساعدات تذكر، رغم أن المحافظة قامت بحصر أعدادهم في شهر أغسطس من العام الماضي.
 
ما سبق مجرد نماذج للأوضاع المحيرة وغير المفهومة المخيمة على سيناء، التي تثير سيلا من الأسئلة المعلقة في فضاء المحافظة بلا إجابة.
....................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 12, 2017 20:53

March 11, 2017

العالم العربى مفعولًا به

صحيفة الشروق الجديد المصريه الأحد 13 جمادى الآخره 1438 – 12 مارس 2017العالم العربى مفعولًا به – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_11.html
أصبح العالم العربى يعج بالتحالفات العلنية والسرية. إذ بعدما فجرت صحيفة هاآرتس خبر اجتماع العقبة السرى الذى عقد فى فبراير 2016، وشارك فيه الرئيس السيسى مع ملك الأردن ونتنياهو. فإنها نشرت يوم 5 مارس الحالى وثيقة لمشروع وصف بأنه مبادرة سلام إقليمية تتبناها مصر والأردن وإسرائيل وهى التى كان يفترض أن تصدر من القاهرة أو شرم الشيخ عقب اجتماع لقيادات الدول الثلاث.
وفى حين فهم أن المبادرة أريد لها أن تفتح الباب لتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية. فإننا فوجئنا أخيرا بأخبار من واشنطن تحدثت عن مشروع لتحالف إقليمى ترعاه الولايات المتحدة يضم الدول السنية «المعتدلة» لمواجهة إيران. وقيل إن التحالف سيشمل مصر والسعودية والإمارات والأردن وإسرائيل، وأنه بمثابة «ناتو» عربى فى مواجهة إيران والدول الموالية لها، وقد اعتبره البعض شبيها بحلف «وارسو» فى المرحلة السوفييتية.
وبعد الذى تابعناه من تل أبيب وواشنطن تلقينا من طهران أخبار الدعوة إلى إقامة محور للممانعة ذكرت فيه مصر، ويفترض أن تشترك فيه إيران مع سوريا والعراق وترعاه روسيا، باعتبار أن الحلف الإقليمى السابق سيكون تحت الرعاية الأمريكية.
حتى إشعار آخر، فتلك هى الأحلاف التى تناقلت وسائل الإعلام أخبارها خلال الأسابيع الأخيرة. ورغم أن العالم العربى موضوعها، إلا أن أخبارها كلها خرجت من خارج العالم العربى. ولسنا نعرف ما إذا كانت هناك أخبار مماثلة أخرى تحت السطح أم لا، وهو ما لا نستبعده، خصوصا أننا قرأنا عن مشروع مسكوت عليه للرباعية العربية (مصر والسعودية والإمارات والأردن). لوح بإمكانية إقدام بعض الدول العربية على الانفراد بالتعامل مع إسرائيل من خارج الجامعة العربية.
 الملاحظة الأهم فى هذا الصدد أن المشروعات السابق ذكرها تبدو وكأنها تخدم المصالح الإسرائيلية بصورة حصرية. سواء لأنها تؤدى إلى ترحيل القضية الفلسطينية والقفز فوقها، أو لأنها تصفى حسابات إسرائيل مع إيران التى تعتبرها خطرا يهددها، بسبب مشروعها النووى أو جراء مساندتها لحزب الله فى لبنان،
 وفى الوقت ذاته فإنها تؤجج الصراع المذهبى بين السنة والشيعة، بما يصرف الانتباه عن الأخطار التى تمثلها إسرائيل فلسطينيا وعربيا، علما بأن ذلك الصراع لا يؤجج حريق الفتنة المذهبية فى العالم العربى فحسب، ولكنه أيضا يؤدى إلى تفتيت العالم العربى وشرذمته.
إذا أردنا أن نتصارح أكثر فسنجد أن العالم العربى فى ظل تلك المشروعات سيكون مسخرا لخدمة الاستراتيجية الإسرائيلية التى تحظى بحفاوة ورعاية الإدارة الأمريكية.  أى أنه لن يكون فاعلا بأى حال، ولكنه سيظل مفعولا به حتى وإن أفاد ذلك بعض الدول العربية بصورة نسبية، (السعودية مثلا التى تؤرقها المساندة الإيرانية للحوثيين فى اليمن).
مما يؤسف له أن العالم العربى الذى يراد له أن يظل مفعولا به فى خدمة الاستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية، صار فاعلا فقط فى شئونه الداخلية، سواء فى محيط دوله أو شعوبه، فثمة تحالفات وتجاذبات عربية عربية فى أحداث اليمن وفى ليبيا وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين. وأى متابع لما يجرى فى تلك الدول لا تفوته ملاحظة أن بعض الدول العربية تساند بعض الأطراف فى تلك الأقطار، بينما تساند الأطراف المتصارعة معها دول أخرى «شقيقة».
لدى ملاحظتان أخيرتان فى الموضوع،
 الأولى أن الجامعة العربية خارج كل ما يجرى، وهو أمر مفهوم، لأن العالم العربى إذا صار مفعولا به فلا نتوقع للجامعة العربية أن تشذ وتصبح فاعلة.
الثانية أنه بسبب موت السياسة فإن ملف التحالفات التى تشارك فيها مصر، غائب تماما عن الرأى العام المصرى وعن مجلس نوابه، حتى الإعلام لم يكترث به. أستثنى من ذلك مقالة أستاذة العلوم السياسية الدكتورة نيفين مسعد التى نشرتها لها «الأهرام» حول الموضوع (11/3) تحت عنوان: مصر وسياسة الأحلاف العسكرية. .................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 11, 2017 11:55

March 10, 2017

عودة لمشكلة الإخراج

صحيفة الشروق الجديد المصريه السبت 12 جمادى الآخره 1438 – 11 مارس 2017عودة لمشكلة الإخراج – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_10.html
الغلط يورطنا فى مزيد من الغلط. فقد اختير ضابط الشرطة السابق الذى وصف بأنه خبير فى التعذيب رئيسا للجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب. وهو أمر افتقد إلى الملاءمة وحسن الإخراج.
 وبدلا من أن نستر المسألة وندارى على الخبر، فإن الرجل بصفته تلك ألقى كلمة مصر فى اجتماع لمكافحة الإرهاب والجريمة عقدته الأمم المتحدة فى فيينا. وكان ظهوره فى محفل دولى هو الغلط المضاعف. إذ لم تكن هناك مشكلة فى الخطبة العصماء التى ألقاها (التى تمنيت أن يراجعها أحد الدبلوماسيين لكى تكون أكثر رصانة واحتشاما) لأن وجوده هو ما كان ملفتا للأنظار ومثيرا للدهشة.
ذلك أن الذين أوفدوه تصوروا أن المشاركين فى المؤتمر لا يعرفون شيئا عن الذى يجرى فى مصر، ونسوا أن دولهم لها سفارات فى القاهرة تتابع كل صغيرة وكبيرة بأعين مفتوحة وآذان شديدة الحساسية وسريعة الالتقاط لما يثار فيها من لغط.
 بالتالى فإن سجل الرجل على الفيسبوك والوقائع التى حفل بها خاصة ممارساته فى قسم شرطة الهرم سواء تعلقت بالتعذيب أو بأشياء أخرى أو ممارساته حين كان مرشحا عن الحزب الوطنى. ذلك كله فى متناول الجميع. لذلك لم أستغرب ما قاله أحد الدبلوماسيين الغربيين عن أن أكثر ما أثار الانتباه فى اجتماع فيينا وجود الرجل وليس كلامه. وكانت رمزية ذلك الوجود هى موضوع الهمس واللغط بين المشاركين.
ويبدو أنه تقليد فى خطاب السلطة المصرية، تفترض بمقتضاه أن المتلقى الأجنبى لا يعرف شيئا عن مصر، ناسية أن السفارات فى عاصمة مهمة كالقاهرة ترصد وتتابع بدقة ما يجرى فيها وتنقل كل ذلك إلى دولها، بل إنها كثيرا ما لا تخفى شيئا عن الصحفيين من مواطنيها الذين يجيئون لمتابعة ما يجرى فى «أم الدنيا».
 وأزعم أننى لست وحدى الذى يستقبل بعض أولئك الصحفيين ويكتشف أثناء اللقاء أن لديهم كما كبيرا من المعلومات التى استقوها من سفاراتهم بمجرد وصولهم.
وليست تلك ملاحظتى الوحيدة، لأن لدى ملاحظة أخرى على الطريقة التى يخاطب بها بعض المسئولين الرأى العام فى الخارج. ذلك أننى وجدت أن بعض التصريحات التى تنقل إلى الخارج يراد بها فى حقيقة الأمر مخاطبة الداخل.
 ومن أولئك المسئولين من يبالغ فى الحديث عن التطلعات والإنجازات الحاصلة فى مصر. لا لكى يقنع الرأى العام هناك ولكن لكى تحتل تلك المبالغات مكانها فى عناوين الصحف المحلية، لطمأنة أولى الأمر فى القاهرة إلى أنهم عند حسن الظن ولم يقصروا فى القيام بالواجب فى الدفاع عن النظام وقياداته.
خذ مثلا رد وزارة الخارجية فى مصر على تقرير الخارجية الأمريكية الأخير الذى أخذ على النظام المصرى إفراطه فى استخدام القوة وقصور الإجراءات القانونية مع استمرار قمع الحريات العامة. فى ذلك الرد انتقد المتحدث باسم الخارجية المصرية التقرير الأمريكى وذكر أن أوضاع حقوق الإنسان فى مصر ترتبط بالتزامات دستورية واضحة، وتتم مراقبتها من جانب المؤسسات الوطنية المستقلة مثل المجلس القومى لحقوق الإنسان فضلا عن مجلس النواب الذى يراقب أداء السلطة التنفيذية فى مختلف المجالات. إلى غير ذلك من الكلام الذى يصلح لعناوين الصحف المحلية، لكنه لا ينطلى على أحد من المشتغلين بحقوق الإنسان فى داخل مصر وخارجها، ليس فقط لأن تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة فى مصر ترسم صورة مناقضة تماما لما ادعاه المتحدث باسم الخارجية، ولكن أيضا لأن كل من يهمه الأمر يعرف جيدا أن أهم المنظمات الحقوقية المستقلة المصرية محالة للتحقيق ومسئولوها ممنوعون من السفر وأموالهم مصادرة ومقراتهم تعرضت للمداهمة والإغلاق.
لقد نشرت صحف الأسبوع الماضى التصريحات الرسمية الأمريكية التى تحدثت عن أن مصر تعاقدت مع شركتين للعلاقات العامة فى واشنطن لتحسين صورتها مقابل مليون و٨٠٠ ألف دولار. وذلك عمل مشروع هناك، لكن الذين أقدموا على تلك الخطوة لم ينتبهوا إلى أن جدية الإصلاح الداخلى هى أفضل ما يحسن الصورة فى الخارج.
....................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 10, 2017 13:34

March 8, 2017

شهيد يرثى الأحياء

صحيفة الشروق الجديد المصريه الخميس 10 جمادى الآخره 1438 – 9 مارس 2017شهيد يرثى الأحياء – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_9.html
نسينا نموذج المثقف المناضل الذى يحمل السلاح ويقاتل دفاعا عن كرامة وطنه وشعبه، فى حين امتلأ فضاؤنا بنموذج المثقف المراوغ. الذى يتوارى وراء حجج الانبطاح ويتفنن فى الدفاع عن الباطل. هذا الأسبوع ذكرنا باسل الأعرج بذلك النموذج المنقرض والمنسى. إذ فتح أعيننا على تلك الكائنات الفريدة وغير المرئية، التى لا تذكر اسماؤها فى الصحف إلا حين يقتلون فى صراعهم مع العدو. يصيرون نجوما وأبطالا حين يرتقون فى سلم الشهادة فيغسلون بدمائهم أرواحنا ويعيدون إلينا الثقة والأمل.

باسل الأعرج (٣١ سنة) صيدلى ترك علومها ومهنته، وقرر أن يتخصص فى فلسطين، تاريخها وأهلها وحلمها. لم يكتف بالقراءة والكتابة والتظاهر، وإنما أدرك أن السلاح وحده الذى سوف يحرر فلسطين، واعتبر أن كل ما عدا ذلك باطل. لم يعظ ولم يخطب وإنما حمل السلاح بنفسه وبث دعوته فى محيطه، وانطلق مع مجموعته غير مبالين لا بشراسة العدو واستعلائه، ولا بعفن التنسيق الأمنى وارتمائه.

حين رثاه رفيقه الباحث الفلسطينى أحمد الدبش، وعبر عن مشاعره بنص للمناضل الفلسطينى غسان كنفانى قال فيه: إننى أشعر أكثر من أى وقت مضى أن كل قيمة كلماتى كانت فى أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح. وأنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم فى سبيل شىء احترموه، وذلك كله يشعرنى بغربة تشبه الموت، وبسعادة المحتضر بعد طول إيمان وعذاب، ولكن أيضا بدل من طراز صاعق.

أضاف: قرأ باسل تجارب المقاومة فى زمن الاحتلال البريطانى. وأدرك أن حرب العصابات هى الطريقة المثلى لاستنزاف العدو. وكان يردد أن «المقاومة قاطع طريق بمشروع سياسى». كان شعاره فى الحياة والممات «ألا وإن الدعى بن الدعى قد ركز بين اثنتين، بين السلطة والزلة، وهيهات منا الزلة».

كان باسل أحد أبرز المنظمين للمظاهرات الشعبية الداعية إلى مقاطعة العدو الصهيونى والمنددة بالاستيطان. وقد تعرض للضرب والإصابة بجراح عدة من قبل جهاز أمن السلطة. واعتقل بعد ذلك مع خمسة آخرين بتهمة التخطيط لمهاجمة العدو الصهيونى، واضطرت السلطة للإفراج عنه بعد إضرابه ورفاقه عن الطعام. وبعد خروجه اختفى عن الأنظار، وتحول إلى مطارد يلاحقه الجيش الإسرائيلى فى شوارع وحوارى رام الله.

هذا الأسبوع، فى فجر يوم ٦ مارس، اقتحمت الآليات الصهيونية مدينة ألبيرة وحاصرت بيته لكنه لم يستسلم وسارع إلى الاشتباك معها إلى أن قتل ورشاشه بيده. فى رثائه الذى اقتبست عنوانه قال رفيق آخر له هو محمد جميل: إن باسل مضى إلى النهاية. إلى حدود الإثبات بالدم لصحة سرديته النقدية لظاهرة نشطاء النخبة، الذين يجولون بحواسيبهم التى تحمل شعار «التفاحة» على المؤتمرات والورش الممولة، منذ أن كان يجوب شوارع وحقول الضفة الغربية ليجمع حوله الطلاب والمزارعين محاضرا فيهم عن سبيل التحرير وتحقيق العدالة الاجتماعية وعن بطولات الفدائيين العرب الأوائل فى مواجهة الاستعمار الإنجليزى والفرنسى.
كفيلسوف منفصل عن زمانه خرج لتوه من كتاب يروى قصة متمرد على ملك جائر فى القرون الوسطى، أو وهو يظهر على شاشة التلفاز ليرد على مذيع سلطوى يحذره من كون ما ينادى به يمثل خرقا للاتفاقات الدولية، بأنه يريد فعلا خرقها واستعادة فلسطين من بحرها إلى نهرها، وفوقها الجولان، لأنه فلاح و«الفلاحون طماعون بطبعهم»!
وختم رثاءه قائلا: باسل رأى مصيره منذ البداية وأشرف على تجهيز فصله الختامى بنفسه، وإلا فمن أين أتى كل هذا الموت المتقن، والذى لشدة اتقانه استحال إلى حياة يبثها فيمن حوله؟
كيف يكون الفلسطينيون موتى مهزومين يتسرب الأمل من بين أصابعهم، ولا يزال فيهم من هو مثل باسل الأعرج؟! ..................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 08, 2017 14:05

فهمي هويدي's Blog

فهمي هويدي
فهمي هويدي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow فهمي هويدي's blog with rss.