فهمي هويدي's Blog, page 11
March 7, 2017
معيب ومهين
صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 9 جمادى الآخره 1438 – 8 مارس 2017معيب ومهين - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_8.html
معيب أن يغضب البرلمان لأن صحفيا انتقده، وأن يقدم ضده بلاغا إلى النائب العام. معيب أيضا أن يؤخذ البلاغ على محمل الجد، ويحال إلى النيابة العامة للتحقيق في القضية، معيب كذلك أن يحقق مع الكاتب «المتهم» طوال ست ساعات، ثم يطلق سراحه بعد دفع كفالة قيمتها عشرة آلاف جنيه. ذلك كله ليس معيبا فقط ولكنه مهين أيضا للمجلس والنيابة والصحافة، بما يشكل إساءة بالغة للنظام القائم في مصر.
كل ذلك لأن صاحبنا إبراهيم عيسى وصف مجلس النواب بأنه «كارتوني». وهي الكلمة التي اهتز لها المجلس الموقر وانفعل رئيسه الذي لم نره منفعلا لأن المجلس لم يعد له دور يذكر في الرقابة على السلطة التنفيذية التي هي إحدى وظائفه الأساسية، حتى أصبح ممثلا للسلطة وليس ممثلا للشعب.
لقد اعتبر رئيس المجلس ومؤيدوه أن كلمة «كارتوني» إهانة لكرامة المجلس، في حين أن أحدا منهم لم يغضب لكرامة المجلس حين تم تجاهله في العديد من القضايا والملفات المهمة التي تخص الشأن الداخلي والعلاقات الخارجية. والتفاصيل في هذا الصدد محزنة ومحبطة. ولمن يريد أن يستزيد فله أن يرجع إلى مقالة الدكتور زياد بهاء الدين في جريدة «الشروق» أمس ٧/٣ التي كان عنوانها: هل حقا لدينا برلمان؟
حين غضب المجلس لأنه وصف إعلاميا بأنه «كارتوني» ــ وذلك وصف مهذب للغاية إذا قورن بأوصافه الأخرى المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أثبت أنه حين عطل وظيفته في مراقبة الحكومة، فإنه أراد أن يكون رقيبا على الإعلام. وبدل أن يكون منبرا لحرية التعبير، فإنه لم يكتف بمصادرة تلك الحرية، ولكنه أراد أيضا إرهاب الإعلاميين وإسكاتهم، لكي لا يوجهوا أى نقد لأداء المجلس.
وفي حين توقعنا أن يحفظ النائب العام البلاغ احتراما لحرية التعبير فإنه أحال الكاتب للتحقيق في انحياز ضمني إلى جانب عملية إرهاب الإعلاميين وتخويفهم. أما وكيل النيابة الذي لم يسمع بما فعله نظيره الذي برأ طه حسين في عشرينيات القرن الماضي وقرر الإفراج عن الكاتب بكفالة فإنه تضامن مع حملة الإرهاب.
ذلك أن الكفالة في العرف القانوني هي إجراء تحفظي بديل عن الحبس الاحتياطي يتم اللجوء إليه حتى يحين موعد المحاكمة، ولكي يبقى سيفا مسلطا على رقبة المتهم يمكن به تحريك «القضية» في أي وقت.
لا أستطيع أن أفصل ما جرى عن اتجاه الريح السياسية لدى بعض أطراف السلطة التي ترى في كل نقد إهانة، وتعتبر أن ذلك النقد يصبح إيجابيا وبناء إذا انطلق من التأييد المطلق ومارس «حريته» في المديح والتصفيق.
قبل أن تتحول المسألة إلى قضية، أجرى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش (الابن وليس الأب) حوارا تليفزيونيا (يوم ٢٧ فبراير) مع قناة «إن. بي. سي»، سأله خلاله المذيع عن رأيه في الانتقادات الحادة التي وجهت إليه إبان حكمه، فكان رده درسا بليغا ذكر فيه ما يلي: الإعلام الحر لا غنى عنه في أي مجتمع ديمقراطي، لأن السلطة تعطي إحساسا بالاستعلاء والقوة، وتتحول إلى إدمان بمضي الوقت. ووحده الإعلام الذي يتولى تقويم مسارها ومحاسبتها وكشف أخطائها بصفة يومية أمام الرأي العام، وذلك دور بالغ الأهمية.
هذا الدور يقوم به الآن الإعلاميون والمثقفون والفنانون في مواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وانتقادات هؤلاء للرجل ينقلها التليفزيون وتنشرها الصحف بصفة يومية. وهي تستفز الرئيس ترامب بطبيعة الحال. وكل ما فعله أنه صار يرد على ناقديه بتغريداته، كما أنه هاجم الإعلاميين واعتبرهم «أعداء» ومنع بعضهم من حضور مؤتمراته الصحفية.
وهذا الأسبوع سبه أحد الإعلاميين المخضرمين (دافيد ليترمان)، ووصفه بأنه «غبي وابن كلب» (Stupid son of a bitch) ــ ولم يعتبر الرئيس الأمريكي ذلك إهانة له (ربما لأن ليترمان وقف عند حده ولم يجرؤ على وصفه بأنه رئيس كارتوني!).
إن تجريح السياسي والطعن في مواقفه وأدائه ليس حقا لأهل الرأي فقط، ولكنه واجب أيضا في المجتمعات التي تحترم حرية التعبير.
...................
معيب أن يغضب البرلمان لأن صحفيا انتقده، وأن يقدم ضده بلاغا إلى النائب العام. معيب أيضا أن يؤخذ البلاغ على محمل الجد، ويحال إلى النيابة العامة للتحقيق في القضية، معيب كذلك أن يحقق مع الكاتب «المتهم» طوال ست ساعات، ثم يطلق سراحه بعد دفع كفالة قيمتها عشرة آلاف جنيه. ذلك كله ليس معيبا فقط ولكنه مهين أيضا للمجلس والنيابة والصحافة، بما يشكل إساءة بالغة للنظام القائم في مصر.
كل ذلك لأن صاحبنا إبراهيم عيسى وصف مجلس النواب بأنه «كارتوني». وهي الكلمة التي اهتز لها المجلس الموقر وانفعل رئيسه الذي لم نره منفعلا لأن المجلس لم يعد له دور يذكر في الرقابة على السلطة التنفيذية التي هي إحدى وظائفه الأساسية، حتى أصبح ممثلا للسلطة وليس ممثلا للشعب.
لقد اعتبر رئيس المجلس ومؤيدوه أن كلمة «كارتوني» إهانة لكرامة المجلس، في حين أن أحدا منهم لم يغضب لكرامة المجلس حين تم تجاهله في العديد من القضايا والملفات المهمة التي تخص الشأن الداخلي والعلاقات الخارجية. والتفاصيل في هذا الصدد محزنة ومحبطة. ولمن يريد أن يستزيد فله أن يرجع إلى مقالة الدكتور زياد بهاء الدين في جريدة «الشروق» أمس ٧/٣ التي كان عنوانها: هل حقا لدينا برلمان؟
حين غضب المجلس لأنه وصف إعلاميا بأنه «كارتوني» ــ وذلك وصف مهذب للغاية إذا قورن بأوصافه الأخرى المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أثبت أنه حين عطل وظيفته في مراقبة الحكومة، فإنه أراد أن يكون رقيبا على الإعلام. وبدل أن يكون منبرا لحرية التعبير، فإنه لم يكتف بمصادرة تلك الحرية، ولكنه أراد أيضا إرهاب الإعلاميين وإسكاتهم، لكي لا يوجهوا أى نقد لأداء المجلس.
وفي حين توقعنا أن يحفظ النائب العام البلاغ احتراما لحرية التعبير فإنه أحال الكاتب للتحقيق في انحياز ضمني إلى جانب عملية إرهاب الإعلاميين وتخويفهم. أما وكيل النيابة الذي لم يسمع بما فعله نظيره الذي برأ طه حسين في عشرينيات القرن الماضي وقرر الإفراج عن الكاتب بكفالة فإنه تضامن مع حملة الإرهاب.
ذلك أن الكفالة في العرف القانوني هي إجراء تحفظي بديل عن الحبس الاحتياطي يتم اللجوء إليه حتى يحين موعد المحاكمة، ولكي يبقى سيفا مسلطا على رقبة المتهم يمكن به تحريك «القضية» في أي وقت.
لا أستطيع أن أفصل ما جرى عن اتجاه الريح السياسية لدى بعض أطراف السلطة التي ترى في كل نقد إهانة، وتعتبر أن ذلك النقد يصبح إيجابيا وبناء إذا انطلق من التأييد المطلق ومارس «حريته» في المديح والتصفيق.
قبل أن تتحول المسألة إلى قضية، أجرى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش (الابن وليس الأب) حوارا تليفزيونيا (يوم ٢٧ فبراير) مع قناة «إن. بي. سي»، سأله خلاله المذيع عن رأيه في الانتقادات الحادة التي وجهت إليه إبان حكمه، فكان رده درسا بليغا ذكر فيه ما يلي: الإعلام الحر لا غنى عنه في أي مجتمع ديمقراطي، لأن السلطة تعطي إحساسا بالاستعلاء والقوة، وتتحول إلى إدمان بمضي الوقت. ووحده الإعلام الذي يتولى تقويم مسارها ومحاسبتها وكشف أخطائها بصفة يومية أمام الرأي العام، وذلك دور بالغ الأهمية.
هذا الدور يقوم به الآن الإعلاميون والمثقفون والفنانون في مواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وانتقادات هؤلاء للرجل ينقلها التليفزيون وتنشرها الصحف بصفة يومية. وهي تستفز الرئيس ترامب بطبيعة الحال. وكل ما فعله أنه صار يرد على ناقديه بتغريداته، كما أنه هاجم الإعلاميين واعتبرهم «أعداء» ومنع بعضهم من حضور مؤتمراته الصحفية.
وهذا الأسبوع سبه أحد الإعلاميين المخضرمين (دافيد ليترمان)، ووصفه بأنه «غبي وابن كلب» (Stupid son of a bitch) ــ ولم يعتبر الرئيس الأمريكي ذلك إهانة له (ربما لأن ليترمان وقف عند حده ولم يجرؤ على وصفه بأنه رئيس كارتوني!).
إن تجريح السياسي والطعن في مواقفه وأدائه ليس حقا لأهل الرأي فقط، ولكنه واجب أيضا في المجتمعات التي تحترم حرية التعبير.
...................
Published on March 07, 2017 22:48
الثوابت فى خطر: توافقوا تصحوا
صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 8 جمادى الآخره 1438 – 7 مارس 2017الثوابت فى خطر: توافقوا تصحوا – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_84.html
إذا لم ننتبه إلى أن الثوابت فى المجتمع المصرى تعرضت للتآكل فذلك يعنى أننا بصدد خطر شديد نحن عنه غافلون.
(1)
حين برأ القضاء الرئيس الأسبق حسنى مبارك من جريمة قتل ثوار ٢٥ يناير، فإن ذلك جاء تتويجا وربما ختاما لمهرجان البراءة «للجميع» الذى استمر طوال الثلاث سنوات الأخيرة.إذ بدأ بتبرئة ضباط الشرطة الذين اتهموا بقتل الثوار فى نحو ٤٠ قضية رفعت ضدهم،واستمرت البراءات مع أركان نظام مبارك ووزرائه.إلى أن انتهى الأمر بتبرئة رأس النظام ذاته.
صحيح أن ذلك تزامن مع مسلسل إدانة واعتقال شرائح من شباب الثورة،إلا أن ما يهمنى فى اللحظة الراهنة أن تبرئة مبارك أيقظت خلاياه «النائمة» التى عادت إلى ترديد معزوفة «المؤامرة» التى قيل إنها كانت وراء الثورة،وذهبت أبواق تلك الخلايا فى تلويث الذاكرة الوطنية مذاهب شتى ودارت كلها فى فلك شيطنة الحدث الكبير الذى سيظل صفحة ناصعة البياض فى تاريخ مصر وشعبها.
تبرئة مبارك ما كان لها أن تتم إلا بعد العودة إلى التقليد الفرعونى القديم الذى بمقتضاه كان الفرعون الجديد يمحو تاريخ من سبقه، ليبدأ تاريخ البلاد بعهده غير المسبوق.وما حدث فى قضية مبارك قريب من ذلك،
ذلك أن تبرئته اقتضت محو تاريخ الثورة وتشويه وقائعها واستبدالها بتاريخ جديد كتبته عناصر الدولة العميقة.
وهو ما أصاب ثلاثة عصافير بحجر واحد،من ناحية لأنه أدى إلى تبرئة الرجل،ومن ناحية ثانية فإنه غدا إعلانا عن أن الثورة لم يكن لها لزوم أو مبرر من الأساس،بالتالى فإن إسقاط نظام مبارك كان خطأ فادحا وحماقة كبرى.وإذ أسعد ذلك مبارك وأعوانه كما أسعد الذين ساندوه فى الداخل والخارج،ليس فقط لشخصه ولكن لكى لا تتكرر تلك «الحماقة» فى أى بلد آخر، وذلك هو «العصفور» الثالث.
(2)
تلويث الذاكرة لم يعد مقصورا على الوقائع والأحداث التى تعاقبت خلال الثورة وأدت إلى الإطاحة بمبارك ونظامه،لكنه شمل دائرة أخرى استهدفت الهوية الإسلامية للمجتمع.
ذلك أن الصراع مع الإخوان ألقى بظلاله على جموع النشطاء الإسلاميين الذين تعرضوا جميعا للاغتيال المعنوى، وتم تصنيفهم إعلاميا فى مربع المؤامرة المشبوهة.الأمر الذى لم يؤد فقط إلى تشويه الحالة الإسلامية وشيطنة مكوناتها،ولكنه أدى أيضا إلى إصابة العلاقة مع الإسلام ذاته بالتوتر والنفور.وذلك التشوه الأخير هو أكبر ما يهمنى فى الموضوع.
كنت قد دعوت فى مقالة الثلاثاء الماضى (٢٨/٢) إلى ترشيد الصراع الراهن فى مصر، واعتبرت أن الفرز والتمييز بين الفصائل الموجودة فى الساحة خطوة مهمة لتحقيق الترشيد المنشود.
وتمنيت بذلك ألا يوضع الجميع فى سلة واحدة الأمر الذى يحرم الوطن من خير كثير يؤدى إلى إضعاف السياسة والمجتمع.فضلا عن الظلم الذى يلحقه بالأبرياء وأهل الاعتدال.
وأزعجنى أننى تلقيت ردودا لأناس بعضهم صنفوا الجميع باعتبارهم أشرارا،وبنوا على ذلك أن إبقاءهم فى السجون هو الحل الوحيد لاتقاء شرورهم.
آخرون استقبلوا الدعوة بامتعاض باعتبارها رِدَّة ونكوصا يتعارض مع الدولة المدنية التى دعا إليها الدستور.ووجدت فى كتاباتهم انتقادا لاذعا للثقافة الدينية التى ذكر أصحابها أنها مصدر التطرف والإرهاب.
صحيح أننى وجدت فى بعض الردود ملاحظات جديرة بالمناقشة، لكن ملاحظتى الأهم أن أغلب آراء المعارضين استندوا إلى معلومات مغلوطة استقوها من وسائل الإعلام والتليفزيون فى المقدمة منها،
وكانت الرسالة التى وصلت إلى هؤلاء أن التعايش بات مستحيلا مع «المشبوهين» الذين يغارون على هويتهم.ولم يكن لذلك من تفسير إلا أن أصحاب تلك الأصوات من ضحايا حملة تشويه الوعى التى خلطت الأوراق وروجت لتأبيد الخصومة إبان سنوات الصراع، التى اعتبر فيها الخلاف فى الرأى صراعا على الوجود ومسوغا للاقتلاع والإبادة.
(3)
على ذكر الهوية، فإننى وجدت ملاحظات مهمة فى نتائج استبيان حول اهتمامات جيل الشباب المسلم رعته مبادرة الدراسات المستقبلية فى مؤسسة طابة (مقرها أبوظبى)،وقامت بتنفيذه مؤسسة جيمس زغبى للخدمات البحثية فى الولايات المتحدة.إذ شمل الاستبيان ٥٣٧٤ شخصا من ثمانى دول عربية،وفى الجزء الخاص بالهوية سئل الشباب عن مصدر اعتزازهم بها،وهل هو راجع إلى الانتماء الوطنى القطرى أم للانتماء العربى أم الدينى أم العائلى والقبلى.
وكانت الإجابات كالتالى:
• أعلى نسب الاعتزاز بالانتماء الوطنى كانت بين المغاربة (٥٩٪)يتلوهم الفلسطينيون ٥٠٪ ثم المصريون ٤٣٪.أما أدنى النسب فكانت بين الإماراتيين (١٤٪) والأردنيين (١٩٪).
• أعلى نسب الاعتزاز بالهوية العربية كانت بين الإماراتيين (٦٦٪) يتلوهم الأردنيون (٥٦٪).أما أقل نسبة فكانت بين المصريين (٥٪).
• أعلى نسبة للاعتزاز بالانتماء الدينى كانت فى مصر (٤٩٪) تتلوها البحرين (٤٢٪).
• أعلى نسبة للاعتزاز بالانتماء القبلى كانت فى فلسطين (١٤٪) تتلوها الأردن والكويت (كل منهما ١٠٪).
ثمة كلام كثير يقال فى تحليل تلك النتائج لكن يهمنا فى السياق الذى نحن بصدده تراجع نسبة الاعتزاز بالانتماء العربى لدى عينة الشباب المصرى، إذ وصلت تلك النسبة إلى ٥٪ فقط.فى حين أن الانتماء بالهوية الدينية احتل مكانة متقدمة، هى الأكبر بين الدول العربية الثمانى (٤٩٪)لكن هذه النسبة العالية موجودة بين الشباب الذين اشتركوا فى الاستبيان، وليس بين النخب التى تشكل الرأى العام.ذلك أن ما تثيره تلك النخب من لغط وجدل عبر وسائل الإعلام يعطى انطباعا مغايرا لا يرقى إلى تلك النسبة.
(4)
الخلاف حول ما إذا كان الذى حدث فى ٢٥ يناير ٢٠١١ ثورة أو مؤامرة، أو ما حدث فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ثورة أم انقلابا أقل خطورة من الخلافات الأخرى التى ظهرت على سطح المجتمع وأحدثت شقوقا عميقة فى بنيانه، حتى شككت فى قيمه الأساسية التى استقرت فى وجدانه،
فالخلاف محتدم حول دور الدين فى المجتمع، وحول مدنية الدولة وعسكرتها،وحول حدود التعددية والديمقراطية والمواطنة.
وإذ أشرت إلى مسألة الهوية فإن الأزمة فيها أثارت خلافا حول الوحدة العربية وشملت موضوع العلاقة مع إسرائيل.وهل يكون التطبيع داخلا فى الوطنية أم خارجا عنها.وهذا الخلاف استصحب تساؤلا حول العدو والعقيدة القتالية.وما إذا كان العدو هو إسرائيل أم إيران أم الإرهاب.
إذا صح ذلك التحليل فهو يعنى أن «التعويم» شمل الثوابت والمرجعيات التى يمكن الاسترشاد بها والاحتكام إليها،الأمر الذى يضعنا أمام أن يصبح الإجماع الوطنى إزاءه فى خطر داهم.
أعرف الثوابت ابتداء بأنها كل ما يتوافق عليه المجتمع. لتستقيم به حياة الناس ويقوم عليه استقرارهم بما يعبر عن أشواقهم ومصالحهم العليا.إن شئت فقل إنه كل ما هو ضرورى لصلاح أمر الدنيا ولاستقرار المجتمعات وطمأنة أفرادها،ولأن الثقافات تتباين وكذلك الطبائع والأعراف، فإن الثوابت يمكن أن تختلف من بيئة إلى أخرى،وغنى عن البيان أنها لا يمكن أن تنفرد بها فئة فى المجتمع لتمليها على فئة أخرى، الأمر الذى يتعارض مع التوافق المنشود.
وإذا قيل إن الدستور يعد وثيقة تحدد التوافق المجتمعى، فلا تعد هذه حجة كافية لسببين،الأول أن نصوص الدستور يمكن التلاعب عند وضعها ما لم يسبق ذلك توافق حول واضعيه،والثانى أنه فى ظروف سياسية معينة يمكن للسلطة أن تعصف بمواد الدستور،كان ينص مثلا على تجريم التعذيب وحرية التظاهر السلمى والتعبير،كما ينص على حق تشكيل الجمعيات الأهلية،ثم يمارس التعذيب جهارا نهارا، ويقيد التظاهر بقانون يحظره وتستخدم مختلف الحيل لمصادرة حرية التعبير وملاحقة الجمعيات الأهلية.وغنى عن البيان أن السلطة لا تستطيع أن تتلاعب بالدستور على ذلك النحو إلا إذا اطمأنت إلى ضعف دفاعات المجتمع واستقلال مؤسساته الوطنية.
هكذا فإنك من أى باب دخلت إلى الموضوع ستجد أنك واصل إلى ذات النتيجة.فالثوابت لا يمكن إشهارها إلا فى ظل التوافق الوطنى والتوافق الحقيقى لا يمكن أن يتم إلا فى ظل ديمقراطية تحتوى الجميع وتحترم حق الاختلاف والتنوع.
والدستور لا يمكن الاطمئنان إليه إلا إذا وضع فى ظل التوافق والتراضى بين مختلف مكونات المجتمع.والمجتمع لا يمكن له أن يدافع عن نفسه إلا إذا استعاد عافيته.
وعافيته تتمثل فى قوة مؤسساته الأهلية واستقلالها.والحرية والديمقراطية هما المصدر الوحيد الذى يوفر تلك القوة.
وبغير ذلك فإن الثوابت والمسلَّمات تصبح فى خطر، وكل ما يترتب على تزييفها يصبح باطلا ومطعونا فى شرعيته.توافقوا تصحوا أثابكم الله........................
إذا لم ننتبه إلى أن الثوابت فى المجتمع المصرى تعرضت للتآكل فذلك يعنى أننا بصدد خطر شديد نحن عنه غافلون.
(1)
حين برأ القضاء الرئيس الأسبق حسنى مبارك من جريمة قتل ثوار ٢٥ يناير، فإن ذلك جاء تتويجا وربما ختاما لمهرجان البراءة «للجميع» الذى استمر طوال الثلاث سنوات الأخيرة.إذ بدأ بتبرئة ضباط الشرطة الذين اتهموا بقتل الثوار فى نحو ٤٠ قضية رفعت ضدهم،واستمرت البراءات مع أركان نظام مبارك ووزرائه.إلى أن انتهى الأمر بتبرئة رأس النظام ذاته.
صحيح أن ذلك تزامن مع مسلسل إدانة واعتقال شرائح من شباب الثورة،إلا أن ما يهمنى فى اللحظة الراهنة أن تبرئة مبارك أيقظت خلاياه «النائمة» التى عادت إلى ترديد معزوفة «المؤامرة» التى قيل إنها كانت وراء الثورة،وذهبت أبواق تلك الخلايا فى تلويث الذاكرة الوطنية مذاهب شتى ودارت كلها فى فلك شيطنة الحدث الكبير الذى سيظل صفحة ناصعة البياض فى تاريخ مصر وشعبها.
تبرئة مبارك ما كان لها أن تتم إلا بعد العودة إلى التقليد الفرعونى القديم الذى بمقتضاه كان الفرعون الجديد يمحو تاريخ من سبقه، ليبدأ تاريخ البلاد بعهده غير المسبوق.وما حدث فى قضية مبارك قريب من ذلك،
ذلك أن تبرئته اقتضت محو تاريخ الثورة وتشويه وقائعها واستبدالها بتاريخ جديد كتبته عناصر الدولة العميقة.
وهو ما أصاب ثلاثة عصافير بحجر واحد،من ناحية لأنه أدى إلى تبرئة الرجل،ومن ناحية ثانية فإنه غدا إعلانا عن أن الثورة لم يكن لها لزوم أو مبرر من الأساس،بالتالى فإن إسقاط نظام مبارك كان خطأ فادحا وحماقة كبرى.وإذ أسعد ذلك مبارك وأعوانه كما أسعد الذين ساندوه فى الداخل والخارج،ليس فقط لشخصه ولكن لكى لا تتكرر تلك «الحماقة» فى أى بلد آخر، وذلك هو «العصفور» الثالث.
(2)
تلويث الذاكرة لم يعد مقصورا على الوقائع والأحداث التى تعاقبت خلال الثورة وأدت إلى الإطاحة بمبارك ونظامه،لكنه شمل دائرة أخرى استهدفت الهوية الإسلامية للمجتمع.
ذلك أن الصراع مع الإخوان ألقى بظلاله على جموع النشطاء الإسلاميين الذين تعرضوا جميعا للاغتيال المعنوى، وتم تصنيفهم إعلاميا فى مربع المؤامرة المشبوهة.الأمر الذى لم يؤد فقط إلى تشويه الحالة الإسلامية وشيطنة مكوناتها،ولكنه أدى أيضا إلى إصابة العلاقة مع الإسلام ذاته بالتوتر والنفور.وذلك التشوه الأخير هو أكبر ما يهمنى فى الموضوع.
كنت قد دعوت فى مقالة الثلاثاء الماضى (٢٨/٢) إلى ترشيد الصراع الراهن فى مصر، واعتبرت أن الفرز والتمييز بين الفصائل الموجودة فى الساحة خطوة مهمة لتحقيق الترشيد المنشود.
وتمنيت بذلك ألا يوضع الجميع فى سلة واحدة الأمر الذى يحرم الوطن من خير كثير يؤدى إلى إضعاف السياسة والمجتمع.فضلا عن الظلم الذى يلحقه بالأبرياء وأهل الاعتدال.
وأزعجنى أننى تلقيت ردودا لأناس بعضهم صنفوا الجميع باعتبارهم أشرارا،وبنوا على ذلك أن إبقاءهم فى السجون هو الحل الوحيد لاتقاء شرورهم.
آخرون استقبلوا الدعوة بامتعاض باعتبارها رِدَّة ونكوصا يتعارض مع الدولة المدنية التى دعا إليها الدستور.ووجدت فى كتاباتهم انتقادا لاذعا للثقافة الدينية التى ذكر أصحابها أنها مصدر التطرف والإرهاب.
صحيح أننى وجدت فى بعض الردود ملاحظات جديرة بالمناقشة، لكن ملاحظتى الأهم أن أغلب آراء المعارضين استندوا إلى معلومات مغلوطة استقوها من وسائل الإعلام والتليفزيون فى المقدمة منها،
وكانت الرسالة التى وصلت إلى هؤلاء أن التعايش بات مستحيلا مع «المشبوهين» الذين يغارون على هويتهم.ولم يكن لذلك من تفسير إلا أن أصحاب تلك الأصوات من ضحايا حملة تشويه الوعى التى خلطت الأوراق وروجت لتأبيد الخصومة إبان سنوات الصراع، التى اعتبر فيها الخلاف فى الرأى صراعا على الوجود ومسوغا للاقتلاع والإبادة.
(3)
على ذكر الهوية، فإننى وجدت ملاحظات مهمة فى نتائج استبيان حول اهتمامات جيل الشباب المسلم رعته مبادرة الدراسات المستقبلية فى مؤسسة طابة (مقرها أبوظبى)،وقامت بتنفيذه مؤسسة جيمس زغبى للخدمات البحثية فى الولايات المتحدة.إذ شمل الاستبيان ٥٣٧٤ شخصا من ثمانى دول عربية،وفى الجزء الخاص بالهوية سئل الشباب عن مصدر اعتزازهم بها،وهل هو راجع إلى الانتماء الوطنى القطرى أم للانتماء العربى أم الدينى أم العائلى والقبلى.
وكانت الإجابات كالتالى:
• أعلى نسب الاعتزاز بالانتماء الوطنى كانت بين المغاربة (٥٩٪)يتلوهم الفلسطينيون ٥٠٪ ثم المصريون ٤٣٪.أما أدنى النسب فكانت بين الإماراتيين (١٤٪) والأردنيين (١٩٪).
• أعلى نسب الاعتزاز بالهوية العربية كانت بين الإماراتيين (٦٦٪) يتلوهم الأردنيون (٥٦٪).أما أقل نسبة فكانت بين المصريين (٥٪).
• أعلى نسبة للاعتزاز بالانتماء الدينى كانت فى مصر (٤٩٪) تتلوها البحرين (٤٢٪).
• أعلى نسبة للاعتزاز بالانتماء القبلى كانت فى فلسطين (١٤٪) تتلوها الأردن والكويت (كل منهما ١٠٪).
ثمة كلام كثير يقال فى تحليل تلك النتائج لكن يهمنا فى السياق الذى نحن بصدده تراجع نسبة الاعتزاز بالانتماء العربى لدى عينة الشباب المصرى، إذ وصلت تلك النسبة إلى ٥٪ فقط.فى حين أن الانتماء بالهوية الدينية احتل مكانة متقدمة، هى الأكبر بين الدول العربية الثمانى (٤٩٪)لكن هذه النسبة العالية موجودة بين الشباب الذين اشتركوا فى الاستبيان، وليس بين النخب التى تشكل الرأى العام.ذلك أن ما تثيره تلك النخب من لغط وجدل عبر وسائل الإعلام يعطى انطباعا مغايرا لا يرقى إلى تلك النسبة.
(4)
الخلاف حول ما إذا كان الذى حدث فى ٢٥ يناير ٢٠١١ ثورة أو مؤامرة، أو ما حدث فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ثورة أم انقلابا أقل خطورة من الخلافات الأخرى التى ظهرت على سطح المجتمع وأحدثت شقوقا عميقة فى بنيانه، حتى شككت فى قيمه الأساسية التى استقرت فى وجدانه،
فالخلاف محتدم حول دور الدين فى المجتمع، وحول مدنية الدولة وعسكرتها،وحول حدود التعددية والديمقراطية والمواطنة.
وإذ أشرت إلى مسألة الهوية فإن الأزمة فيها أثارت خلافا حول الوحدة العربية وشملت موضوع العلاقة مع إسرائيل.وهل يكون التطبيع داخلا فى الوطنية أم خارجا عنها.وهذا الخلاف استصحب تساؤلا حول العدو والعقيدة القتالية.وما إذا كان العدو هو إسرائيل أم إيران أم الإرهاب.
إذا صح ذلك التحليل فهو يعنى أن «التعويم» شمل الثوابت والمرجعيات التى يمكن الاسترشاد بها والاحتكام إليها،الأمر الذى يضعنا أمام أن يصبح الإجماع الوطنى إزاءه فى خطر داهم.
أعرف الثوابت ابتداء بأنها كل ما يتوافق عليه المجتمع. لتستقيم به حياة الناس ويقوم عليه استقرارهم بما يعبر عن أشواقهم ومصالحهم العليا.إن شئت فقل إنه كل ما هو ضرورى لصلاح أمر الدنيا ولاستقرار المجتمعات وطمأنة أفرادها،ولأن الثقافات تتباين وكذلك الطبائع والأعراف، فإن الثوابت يمكن أن تختلف من بيئة إلى أخرى،وغنى عن البيان أنها لا يمكن أن تنفرد بها فئة فى المجتمع لتمليها على فئة أخرى، الأمر الذى يتعارض مع التوافق المنشود.
وإذا قيل إن الدستور يعد وثيقة تحدد التوافق المجتمعى، فلا تعد هذه حجة كافية لسببين،الأول أن نصوص الدستور يمكن التلاعب عند وضعها ما لم يسبق ذلك توافق حول واضعيه،والثانى أنه فى ظروف سياسية معينة يمكن للسلطة أن تعصف بمواد الدستور،كان ينص مثلا على تجريم التعذيب وحرية التظاهر السلمى والتعبير،كما ينص على حق تشكيل الجمعيات الأهلية،ثم يمارس التعذيب جهارا نهارا، ويقيد التظاهر بقانون يحظره وتستخدم مختلف الحيل لمصادرة حرية التعبير وملاحقة الجمعيات الأهلية.وغنى عن البيان أن السلطة لا تستطيع أن تتلاعب بالدستور على ذلك النحو إلا إذا اطمأنت إلى ضعف دفاعات المجتمع واستقلال مؤسساته الوطنية.
هكذا فإنك من أى باب دخلت إلى الموضوع ستجد أنك واصل إلى ذات النتيجة.فالثوابت لا يمكن إشهارها إلا فى ظل التوافق الوطنى والتوافق الحقيقى لا يمكن أن يتم إلا فى ظل ديمقراطية تحتوى الجميع وتحترم حق الاختلاف والتنوع.
والدستور لا يمكن الاطمئنان إليه إلا إذا وضع فى ظل التوافق والتراضى بين مختلف مكونات المجتمع.والمجتمع لا يمكن له أن يدافع عن نفسه إلا إذا استعاد عافيته.
وعافيته تتمثل فى قوة مؤسساته الأهلية واستقلالها.والحرية والديمقراطية هما المصدر الوحيد الذى يوفر تلك القوة.
وبغير ذلك فإن الثوابت والمسلَّمات تصبح فى خطر، وكل ما يترتب على تزييفها يصبح باطلا ومطعونا فى شرعيته.توافقوا تصحوا أثابكم الله........................
Published on March 07, 2017 06:56
March 6, 2017
يوجد مقال أسبوعي
الثلاثاء 8 جمادى الآخره 1438 - 7 مارس 2017
تحديث
نشرت صحيفة الشروق الجديد المصريه مقال اسبوعي للاستاذ فهمي هويدي في وقت متاخر صباح اليوم
وتم نشرة في المدونه
ويعتذر محرر المدونه بشده على التاخير الكبيرلم اجد أى مقال للأستاذ الكبير فهمي هويدي حتى الان في مواقع الصحف التى تنشر له سواء المصريه أو العربيهوسأواصل البحث - بإذن الله - حتى التأكد من عدم نشر المقال...................
تحديث
نشرت صحيفة الشروق الجديد المصريه مقال اسبوعي للاستاذ فهمي هويدي في وقت متاخر صباح اليوم
وتم نشرة في المدونه
ويعتذر محرر المدونه بشده على التاخير الكبيرلم اجد أى مقال للأستاذ الكبير فهمي هويدي حتى الان في مواقع الصحف التى تنشر له سواء المصريه أو العربيهوسأواصل البحث - بإذن الله - حتى التأكد من عدم نشر المقال...................
Published on March 06, 2017 20:57
لايوجد مقال أسبوعي
الثلاثاء 8 جمادى الآخره 1438 - 7 مارس 2017لم اجد أى مقال للأستاذ الكبير فهمي هويدي حتى الان في مواقع الصحف التى تنشر له سواء المصريه أو العربيهوسأواصل البحث - بإذن الله - حتى التأكد من عدم نشر المقال...................
Published on March 06, 2017 20:57
March 5, 2017
ترامب في نبوءتين
صحيفة السبيل الأردنيه الاثنين 7 جمادى الآخر 1437 – 6 مارس 2017ترامب في نبوءتين - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_6.html
نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية حوارا مثيرا مع المؤرخ الأمريكي البارز رونالد فينمان ذكر فيه أن الرئيس دونالد ترامب قد يجبر على الاستقالة خلال أسابيع، وفي أحسن الأحوال فإن عمره في الرئاسة لن يتجاوز ستة أشهر، ورجح فينمان الذي يدرس التاريخ بجامعة الأطلسي في فلوريدا أن يجبر الكونجرس ترامب على الاستقالة، إذا لم يتحرك من جانبه لإقالته خلال أسابيع.
ومما قاله «إن فترة ترامب لن تتجاوز فترة الـ١٩٩ يوما لرئاسة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمس غارفيلد الذي اغتيل عام ١٨٨١، واعتبر أن «الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء في صدمة من سلوك ترامب ولغته غير اللائقة كلما تحدث في مكان عام أو كتب تغريدة، ومن عدم استقراره وطيشه».
أضافت الصحيفة في التقرير الذي بثه «موقع عربي ٢١» في ٢٥/٢ أنه رغم اعتقاد البعض أن الإقالة هي السبيل الوحيد لإنهاء حكم ترامب، إلا أن البند الرابع من التعديل رقم ٢٥ للدستور الأمريكي الذي تم التصديق عليه عام ١٩٦٧، يوفر فرصة أخرى لعزله، بخلاف النص الذي يستوجب إقالته في حال ثبوت خيانته لأمريكا أو تلقية رشوة.
ووفقا لذلك التعديل يقوم نائب الرئيس وغالبية وزراء الحكومة بتوقيع خطاب إلى رئيس مجلسي الشيوخ والنواب لإبلاغهم أنهم لا يثقون في قدرة الرئيس على القيام بمهامه على أكمل وجه، وفي هذه الحالة يصبح نائب الرئيس قائما بأعماله.
أثار انتباهي أن الفكرة ذاتها عبر عنها موقع صحيفة «معاريف» الإسرائيلية في ١٨/٢٢. إذ نشرت تحليلا عن الرئيس الأمريكي لم يستبعد أن ينتهي مصيره إلى السجن بسبب السمات الجنائية لطابع العلاقات التي تربطه بالروس،
أضاف في هذا الصدد أن أجهزة الاستخبارات أعلنت الحرب عليه، وتلمح بأنها تعرف عنه الكثير من المعلومات المحرجة، وأن الأمر لن ينتهي بمستشاره للأمن القومي مايكل فلين (الذي تمت إقالته بسبب علاقاته بالسفير الروسي).
ولم تستبعد الصحيفة أن تتطور المواجهة بين ترامب والمجمع الاستخباري إلى درجة تقديم معلومات وأدلة تصلح لإدانته بالخيانة. وختمت بقولها إنه إذا لم يتمكن من العثور على طريقة للتفاهم مع الاستخبارات فإن مصيره سينحصر بالإحالة إلى السجن.
أما ما أثار دهشتي أنه في حين لا يستبشر قطاع عريض من النخب داخل الولايات المتحدة وأوروبا بظهور رئيس غريب الأطوار مثل ترامب في البيت الأبيض، وتتم السخرية منه وتسفيهه بصورة شبه يومية في وسائل الإعلام. فإن الترحيب به ملحوظ في أغلب العواصم العربية.
ومن أغرب ما وقعت عليه في هذا الصدد حوار مع أحد أساتذة الفلسفة المصريين المخضرمين بثته القناة الأولى المصرية، تحدث فيه بانبهار عن الرئيس الأمريكي وقال إن الله أرسله لكي ينقذ الحضارة من كارثة الخلافة الإسلامية!
وهو ما يعني أن أغلب عناصر النخبة في العالم الغربي تعتبر الرجل نقمة حلت بالقيم والسياسة الأمريكية، في حين أن البعض في بلادنا ــ وفي «إسرائيل» أيضا ــ يعتبرونه هدية ونعمة. أما النقد الذي قيل بحقه في «إسرائيل» فلم نقرأ له مثيلا في العالم الغربي.
أما أطرف ما وقعت عليه، فكان حملة السحرة والساحرات في الولايات المتحدة لإخراج ترامب من البيت الأبيض، التي رفعت شعار «المقاومة بالسحر»، وقد خصصوا ليلة أقاموا فيها بعض الطقوس والتعاويذ لذلك الغرض. وهو ما أغضب تحالف المسيحيين القوميين الذين اتهموا السحرة بشن «حرب روحية» ضد ترامب، وخصصوا ليلة أقاموا فيها صلواتهم لإبطال مفعول السحر!
....................
نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية حوارا مثيرا مع المؤرخ الأمريكي البارز رونالد فينمان ذكر فيه أن الرئيس دونالد ترامب قد يجبر على الاستقالة خلال أسابيع، وفي أحسن الأحوال فإن عمره في الرئاسة لن يتجاوز ستة أشهر، ورجح فينمان الذي يدرس التاريخ بجامعة الأطلسي في فلوريدا أن يجبر الكونجرس ترامب على الاستقالة، إذا لم يتحرك من جانبه لإقالته خلال أسابيع.
ومما قاله «إن فترة ترامب لن تتجاوز فترة الـ١٩٩ يوما لرئاسة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمس غارفيلد الذي اغتيل عام ١٨٨١، واعتبر أن «الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء في صدمة من سلوك ترامب ولغته غير اللائقة كلما تحدث في مكان عام أو كتب تغريدة، ومن عدم استقراره وطيشه».
أضافت الصحيفة في التقرير الذي بثه «موقع عربي ٢١» في ٢٥/٢ أنه رغم اعتقاد البعض أن الإقالة هي السبيل الوحيد لإنهاء حكم ترامب، إلا أن البند الرابع من التعديل رقم ٢٥ للدستور الأمريكي الذي تم التصديق عليه عام ١٩٦٧، يوفر فرصة أخرى لعزله، بخلاف النص الذي يستوجب إقالته في حال ثبوت خيانته لأمريكا أو تلقية رشوة.
ووفقا لذلك التعديل يقوم نائب الرئيس وغالبية وزراء الحكومة بتوقيع خطاب إلى رئيس مجلسي الشيوخ والنواب لإبلاغهم أنهم لا يثقون في قدرة الرئيس على القيام بمهامه على أكمل وجه، وفي هذه الحالة يصبح نائب الرئيس قائما بأعماله.
أثار انتباهي أن الفكرة ذاتها عبر عنها موقع صحيفة «معاريف» الإسرائيلية في ١٨/٢٢. إذ نشرت تحليلا عن الرئيس الأمريكي لم يستبعد أن ينتهي مصيره إلى السجن بسبب السمات الجنائية لطابع العلاقات التي تربطه بالروس،
أضاف في هذا الصدد أن أجهزة الاستخبارات أعلنت الحرب عليه، وتلمح بأنها تعرف عنه الكثير من المعلومات المحرجة، وأن الأمر لن ينتهي بمستشاره للأمن القومي مايكل فلين (الذي تمت إقالته بسبب علاقاته بالسفير الروسي).
ولم تستبعد الصحيفة أن تتطور المواجهة بين ترامب والمجمع الاستخباري إلى درجة تقديم معلومات وأدلة تصلح لإدانته بالخيانة. وختمت بقولها إنه إذا لم يتمكن من العثور على طريقة للتفاهم مع الاستخبارات فإن مصيره سينحصر بالإحالة إلى السجن.
أما ما أثار دهشتي أنه في حين لا يستبشر قطاع عريض من النخب داخل الولايات المتحدة وأوروبا بظهور رئيس غريب الأطوار مثل ترامب في البيت الأبيض، وتتم السخرية منه وتسفيهه بصورة شبه يومية في وسائل الإعلام. فإن الترحيب به ملحوظ في أغلب العواصم العربية.
ومن أغرب ما وقعت عليه في هذا الصدد حوار مع أحد أساتذة الفلسفة المصريين المخضرمين بثته القناة الأولى المصرية، تحدث فيه بانبهار عن الرئيس الأمريكي وقال إن الله أرسله لكي ينقذ الحضارة من كارثة الخلافة الإسلامية!
وهو ما يعني أن أغلب عناصر النخبة في العالم الغربي تعتبر الرجل نقمة حلت بالقيم والسياسة الأمريكية، في حين أن البعض في بلادنا ــ وفي «إسرائيل» أيضا ــ يعتبرونه هدية ونعمة. أما النقد الذي قيل بحقه في «إسرائيل» فلم نقرأ له مثيلا في العالم الغربي.
أما أطرف ما وقعت عليه، فكان حملة السحرة والساحرات في الولايات المتحدة لإخراج ترامب من البيت الأبيض، التي رفعت شعار «المقاومة بالسحر»، وقد خصصوا ليلة أقاموا فيها بعض الطقوس والتعاويذ لذلك الغرض. وهو ما أغضب تحالف المسيحيين القوميين الذين اتهموا السحرة بشن «حرب روحية» ضد ترامب، وخصصوا ليلة أقاموا فيها صلواتهم لإبطال مفعول السحر!
....................
Published on March 05, 2017 15:29
March 4, 2017
سيناريو الإرهاب فى أسبوع
صحيفة السبيل الأردنيه الأحد 6 جمادى الآخره 1438 – 5 مارس 2017سيناريو الإرهاب فى أسبوع - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_5.html
وقائع هذا «السنياريو» تتابعت خلال الأسبوع الماضي. ففي بدايته تعرض أقباط شمال سيناء لهجمات الإرهابيين التي أدت إلى قتل سبعة منهم وتهجير نحو ١٣٠ أسرة من مدينة العريش.
بعد ذلك عقد مؤتمر دولي افتتحه شيخ الأزهر لمناقشة موضوع «الحرية والمواطنة»، وشارك فيه ممثلو ٥٠ دولة عربية وإسلامية إضافة إلى البابا تواضروس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، ولأن العيش المشترك كان موضوعه الرئيسي، فإن كلمات المشاركين ركزت على التطرف والإرهاب باعتبارهما أهم مصادر تهديد العيش المنشود.
بشكل مواز انعقد في مدينة شرم الشيخ مؤتمر دعا إليه المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب، وكان موضوعه «الإرهاب والتنمية الاجتماعية». وفى كلمتها قالت وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر غادة والى إن هناك صلة بين تنامي الإرهاب وانكماش حركة التنمية الاجتماعية وعدالتها.
وشاءت المقادير أن تنشر جريدة «الشروق» في النصف الثاني من الأسبوع (يوم ٢٦/٢) مقالة مهمة كان عنوانها «عن إرهاب لا ينهزم» ــ كتبها الدكتور أحمد عبد ربه مدرس النظم السياسية المقارنة بجامعة القاهرة.
لا أشك في أن ذلك التتابع كان محض مصادفة صورت حجم الاهتمام بالموضوع في مصر. مع ذلك فإنه عرض علينا خلال الأسبوع عناصر «الفيلم» من أوله إلى آخره. فقد رأينا في هجرة الأقباط أوجه الجريمة، ثم تابعنا لقطات التنديد بها ومحاولة تحرير خلفياتها، وأطل علينا أحد الأكاديميين بتحليل انتهى منه إلى أن هزيمة الإرهاب لا أمل فيها في ظل الأوضاع الراهنة.
لا أعرف كم عدد المؤتمرات التي عقدت والخطب التي ألقيت والبيانات التي صدرت تنديدا بالإرهاب وفضحا له وتحذيرا من مغبته، لكن الذي أعرفه أن ذلك كله فشل في التصدي له، وكانت هجرة الأقباط أحدث دليل على أن الإرهاب يكاد يتحول من حالة عارضة إلى عاهة مستديمة. وهو ما قد تفسره المقولة التي تقرر أنك إذا اتبعت نفس الأسلوب في كل محاولة لحل أي مشكلة فلا تتوقع نتائج مغايرة في أي محاولة، من ثم فليس أمامك سوى أن تغير الأسلوب لتتغير النتائج.
ذلك أننا نكرر الكلام ذاته في كل المؤتمرات، ونعيد صياغة البيانات التي تردد نفس الأفكار، وكان طبيعيا أن تظل المشكلة كما هي بلا حل.
ما قالته وزيرة التضامن لمس جانبا من المشكلة، حين أشارت إلى الصلة الوثيقة بين الإرهاب وبين تراجع التنمية وغياب عدالة التوزيع، ولا أعرف ما إذا كان هذا الكلام قيل عن اقتناع حقيقي أم لمجرد أنه يناسب المقام (باعتبار المشاركين فيه من ذوى الصلة بالشأن الاجتماعي)، إلا أنه سلط ضوءا على البعد الاجتماعي للأزمة الذي يتجاهله كثيرون،
أما مقالة الدكتور أحمد عبد ربه فإنها طرحت منظورا أوسع للحل، شمل النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية، وذهب إلى أنه ما لم يتم التحرك الجاد على تلك المستويات فإن الإرهاب لن ينهزم، لأننا نوفر له عناصر التوالد والاستمرار.
إذا صح هذا التحليل الذي أتفق مع عناوينه وأختلف ما بعض تفاصيله، فذلك يعنى أن المحاولات الجارية لمحاربة الإرهاب التي تعول على الأمن وحده محكوم عليها بالفشل، وأن الخطب التي تلقى والمؤتمرات التي تعقد لا تستهدف الحل بقدر أنها من قبيل سد الخانة وإبراء الذمة ليس أكثر.
أما التعبئة الإعلامية فهي ضجيج يسطح الإدراك ويشوهه ولا يحل ولا يربط، وفى بعض الحالات التي نشهدها يبدو استمرار الإرهاب بما يستصحبه من ترويع وتخويف مطلوبا سواء لصرف انتباه الرأي العام عن مشكلات الناس الحقيقية أو لإضفاء الشرعية على بعض الأنظمة حتى يغدو استمرارها ضروريا لدرء «الخطر» الداهم، والنظام السوري نموذج لهذه الحالة. ذلك أنه بعدما أغرق البلاد في الدماء وقام بشنق ١٣ ألف شخص في سجن صيدنايا وحده، لا يزال يدعى أنه يحارب الإرهاب(!)
إن الطغاة من أبالسة السياسة هم أكثر الناس احتفاء بالإرهاب لأنهم بغيره يفقدون مبرر وجودهم.
** تصويب: ذكرت أمس أن الذي أصدر الحكم ببراءة الرئيس الأسبق حسنى مبارك هو المستشار أحمد عبد القوي رئيس محكمة النقض، واعتمدت في ذلك على ما نشرته صحف الجمعة، وقد نبهت إلى أن المستشار المذكور ليس رئيس المحكمة، لكنه رئيس إحدى دوائر الجنايات بمحكمة النقض؛ لذا لزم التنويه.
.......................
وقائع هذا «السنياريو» تتابعت خلال الأسبوع الماضي. ففي بدايته تعرض أقباط شمال سيناء لهجمات الإرهابيين التي أدت إلى قتل سبعة منهم وتهجير نحو ١٣٠ أسرة من مدينة العريش.
بعد ذلك عقد مؤتمر دولي افتتحه شيخ الأزهر لمناقشة موضوع «الحرية والمواطنة»، وشارك فيه ممثلو ٥٠ دولة عربية وإسلامية إضافة إلى البابا تواضروس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، ولأن العيش المشترك كان موضوعه الرئيسي، فإن كلمات المشاركين ركزت على التطرف والإرهاب باعتبارهما أهم مصادر تهديد العيش المنشود.
بشكل مواز انعقد في مدينة شرم الشيخ مؤتمر دعا إليه المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب، وكان موضوعه «الإرهاب والتنمية الاجتماعية». وفى كلمتها قالت وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر غادة والى إن هناك صلة بين تنامي الإرهاب وانكماش حركة التنمية الاجتماعية وعدالتها.
وشاءت المقادير أن تنشر جريدة «الشروق» في النصف الثاني من الأسبوع (يوم ٢٦/٢) مقالة مهمة كان عنوانها «عن إرهاب لا ينهزم» ــ كتبها الدكتور أحمد عبد ربه مدرس النظم السياسية المقارنة بجامعة القاهرة.
لا أشك في أن ذلك التتابع كان محض مصادفة صورت حجم الاهتمام بالموضوع في مصر. مع ذلك فإنه عرض علينا خلال الأسبوع عناصر «الفيلم» من أوله إلى آخره. فقد رأينا في هجرة الأقباط أوجه الجريمة، ثم تابعنا لقطات التنديد بها ومحاولة تحرير خلفياتها، وأطل علينا أحد الأكاديميين بتحليل انتهى منه إلى أن هزيمة الإرهاب لا أمل فيها في ظل الأوضاع الراهنة.
لا أعرف كم عدد المؤتمرات التي عقدت والخطب التي ألقيت والبيانات التي صدرت تنديدا بالإرهاب وفضحا له وتحذيرا من مغبته، لكن الذي أعرفه أن ذلك كله فشل في التصدي له، وكانت هجرة الأقباط أحدث دليل على أن الإرهاب يكاد يتحول من حالة عارضة إلى عاهة مستديمة. وهو ما قد تفسره المقولة التي تقرر أنك إذا اتبعت نفس الأسلوب في كل محاولة لحل أي مشكلة فلا تتوقع نتائج مغايرة في أي محاولة، من ثم فليس أمامك سوى أن تغير الأسلوب لتتغير النتائج.
ذلك أننا نكرر الكلام ذاته في كل المؤتمرات، ونعيد صياغة البيانات التي تردد نفس الأفكار، وكان طبيعيا أن تظل المشكلة كما هي بلا حل.
ما قالته وزيرة التضامن لمس جانبا من المشكلة، حين أشارت إلى الصلة الوثيقة بين الإرهاب وبين تراجع التنمية وغياب عدالة التوزيع، ولا أعرف ما إذا كان هذا الكلام قيل عن اقتناع حقيقي أم لمجرد أنه يناسب المقام (باعتبار المشاركين فيه من ذوى الصلة بالشأن الاجتماعي)، إلا أنه سلط ضوءا على البعد الاجتماعي للأزمة الذي يتجاهله كثيرون،
أما مقالة الدكتور أحمد عبد ربه فإنها طرحت منظورا أوسع للحل، شمل النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية، وذهب إلى أنه ما لم يتم التحرك الجاد على تلك المستويات فإن الإرهاب لن ينهزم، لأننا نوفر له عناصر التوالد والاستمرار.
إذا صح هذا التحليل الذي أتفق مع عناوينه وأختلف ما بعض تفاصيله، فذلك يعنى أن المحاولات الجارية لمحاربة الإرهاب التي تعول على الأمن وحده محكوم عليها بالفشل، وأن الخطب التي تلقى والمؤتمرات التي تعقد لا تستهدف الحل بقدر أنها من قبيل سد الخانة وإبراء الذمة ليس أكثر.
أما التعبئة الإعلامية فهي ضجيج يسطح الإدراك ويشوهه ولا يحل ولا يربط، وفى بعض الحالات التي نشهدها يبدو استمرار الإرهاب بما يستصحبه من ترويع وتخويف مطلوبا سواء لصرف انتباه الرأي العام عن مشكلات الناس الحقيقية أو لإضفاء الشرعية على بعض الأنظمة حتى يغدو استمرارها ضروريا لدرء «الخطر» الداهم، والنظام السوري نموذج لهذه الحالة. ذلك أنه بعدما أغرق البلاد في الدماء وقام بشنق ١٣ ألف شخص في سجن صيدنايا وحده، لا يزال يدعى أنه يحارب الإرهاب(!)
إن الطغاة من أبالسة السياسة هم أكثر الناس احتفاء بالإرهاب لأنهم بغيره يفقدون مبرر وجودهم.
** تصويب: ذكرت أمس أن الذي أصدر الحكم ببراءة الرئيس الأسبق حسنى مبارك هو المستشار أحمد عبد القوي رئيس محكمة النقض، واعتمدت في ذلك على ما نشرته صحف الجمعة، وقد نبهت إلى أن المستشار المذكور ليس رئيس المحكمة، لكنه رئيس إحدى دوائر الجنايات بمحكمة النقض؛ لذا لزم التنويه.
.......................
Published on March 04, 2017 14:57
March 3, 2017
دم الشهداء لا يجف
صحيفة الشروق الجديد المصريه السبت 5 جمادى الآخره 1438 – 4 مارس 2017دم الشهداء لا يجف – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post_3.html
يوم الأربعاء ٢٠ أبريل عام ٢٠١١ كان العنوان الرئيسى للصفحة الأولى من جريدة «الأخبار» الذى أبرز باللون الأحمر كالتالى: مبارك المتهم الأول فى قتل الثوار وتحته ظهر عنوان آخر يقول: مبارك أمر بإطلاق الرصاص الحى والضحايا ٨٤٦ شهيدا و٦٥٠٠ مصاب.
أمس الجمعة ٣ مارس ٢٠١٧ نشرت الصحيفة ذاتها على يسار الصفحة الأولى عنوانا باللون الأسود على أربعة أعمدة نصه: حكم نهائى ببراءة مبارك فى قتل المتظاهرين. وهو الخبر الذى أخفته جريدة الأهرام فى صفحة الحوادث رقم ٢٦، وآثرت ألا تبرزه على الصفحة الأولى.
العنوان الأول جرى استخلاصه من تقرير رئيس النقض الأسبق فى أحداث ثورة يناير، الذى أعلنه صبيحة اليوم السابق «١٩ أبريل».
أما العنوان الثانى فقد كان قرار رئيس النقض الحالى فى اخر جلسة لمحاكمة الرئيس الاسبق حسنى مبارك فى قضية قتل المتظاهرين أثناء ثورة يناير.
ومما له دلالته فى هذا الصدد أن تقرير رئيس النقض الأسبق المستشار عادل قورة أعلن على الملأ فى مؤتمر صحفى.
أما قرار رئيس النقض الحالى المستشار أحمد عبدالقوى فقد صدر فى جلسة عقدت بأكاديمية الشرطة، التى انتقلت إليها محكمة النقض فى إجراء لم تلجأ إليه طوال تاريخها. «منذ انشائها فى عام ١٩٣١».
وكان قضاة النقض قد رفضوا الانتقال إلى الأكاديمية فى السابق، حيث وجدت أنه من غير اللائق أن تنعقد فى أحد معاقل الشرطة، خصوصا أن لها صلة بموضوع القضية، وبات مفهوما أن رئيس النقض الأسبق قال كلمته وأعلن تقريره حين لم تكن الشرطة فى الواجهة، لكن رئيس النقض الحالى أصدر حكمه حين صارت الشرطة فى الصدارة،
وبطبيعة الحال فإن الفرق الحقيقى ليس بين القاضيين أو المكانين، لكنه فرق بين حالتين أو مرحلتين. فى الأول كانت الثورة على نظام مبارك وفى الثانية كانت نهاية الثورة وعودة نظام مبارك.
القاضيان الكبيران لهما احتراهما بكل تأكيد، لكن كلا منهما اتخذ موقفه فى ضوء ما توفر لديه من بيانات وإفادات.
وربما كان الفرق أن رئيس النقض الأسبق كان على رأس لجنة لتقصى الحقائق ضمن عدد من الخبراء والباحثين الذين تحروا الأمر بأنفسهم،
أما رئيس النقض الحالى فقد قدمت إليه «الحقائق» جاهزة وحكم بمقتضاها. ولك أن تتصور الفرق بين حقائق يتوصل إليها الباحثون بجهدهم الخاص فى أجواء مفتوحة، وأخرى تصوغها الأجهزة الأمنية فى أجواء معاكسة. الأولون لا مصلحة لهم فى تكييف الحقيقة. والآخرون لهم مصلحة مباشرة فى ذلك.
تقرير لجنة المستشار قورة ذكر صراحة أن الشرطة هى التى قامت بقتل المتظاهرين، وأن أوامر القتل صدرت من جهات أعلى، وفى ذلك المستوى «الأعلى» ليس هناك سوى وزير الداخلية ومساعديه ورئيس الجمهورية. وأورد التقرير عديدا من الشواهد والقرائن التى أوصلت اللجنة إلى هذه الخلاصة.
وفى السياق تطرق إلى أمور عدة، مثل موقعة الجمل ومسألة فتح السجون وقصة اللواء محمد البطران الذى كان رئيسا لمباحث السجون وقتل لأنه رفض تنفيذ أوامر إطلاق المسجونين التى أصدرها وزير الداخلية آنذاك، حسب شهادة شقيقته، وهو ما دحض أسطورة ضلوع حماس وحزب الله فى العملية، إلى غير ذلك من «الحقائق» التى جرى مسخها وطمسها واستبدالها بأساطير جديدة أدت إلى تبرئة وزير الداخلية من أوامر القتل كما برأت ضباط الشرطة الذين اتهموا فى تلك الجرائم. وكان ذلك ضروريا لتبرئة مبارك بعد ذلك لكى يتلاقى الشخوص مع السياسات.
وتطوى صفحة ٢٥ يناير لتصبح «غلطة» جرى تصحيحها بروايات وتقارير جديدة تقود إلى تبرئة الجناة الحقيقيين. المشكلة أن دماء الشهداء لا تجف وأن الذين فقدوا أبصارهم أو أصيبوا بالشلل الرباعى سيظلون شهودا على أن الثورة أجهضت حقا إلا أن شعلتها لاتزال حية ولم تنطفئ، لذلك سيظل السؤال الذى أبرزته جريدة الأخبار معلقا فى القضاء المصرى: من قتل المتظاهرين؟ ليس فقط لكى تشفى غليل أهالى الضحايا، ولكن أيضا لكى نعرف من أجهض الثورة.
............
يوم الأربعاء ٢٠ أبريل عام ٢٠١١ كان العنوان الرئيسى للصفحة الأولى من جريدة «الأخبار» الذى أبرز باللون الأحمر كالتالى: مبارك المتهم الأول فى قتل الثوار وتحته ظهر عنوان آخر يقول: مبارك أمر بإطلاق الرصاص الحى والضحايا ٨٤٦ شهيدا و٦٥٠٠ مصاب.
أمس الجمعة ٣ مارس ٢٠١٧ نشرت الصحيفة ذاتها على يسار الصفحة الأولى عنوانا باللون الأسود على أربعة أعمدة نصه: حكم نهائى ببراءة مبارك فى قتل المتظاهرين. وهو الخبر الذى أخفته جريدة الأهرام فى صفحة الحوادث رقم ٢٦، وآثرت ألا تبرزه على الصفحة الأولى.
العنوان الأول جرى استخلاصه من تقرير رئيس النقض الأسبق فى أحداث ثورة يناير، الذى أعلنه صبيحة اليوم السابق «١٩ أبريل».
أما العنوان الثانى فقد كان قرار رئيس النقض الحالى فى اخر جلسة لمحاكمة الرئيس الاسبق حسنى مبارك فى قضية قتل المتظاهرين أثناء ثورة يناير.
ومما له دلالته فى هذا الصدد أن تقرير رئيس النقض الأسبق المستشار عادل قورة أعلن على الملأ فى مؤتمر صحفى.
أما قرار رئيس النقض الحالى المستشار أحمد عبدالقوى فقد صدر فى جلسة عقدت بأكاديمية الشرطة، التى انتقلت إليها محكمة النقض فى إجراء لم تلجأ إليه طوال تاريخها. «منذ انشائها فى عام ١٩٣١».
وكان قضاة النقض قد رفضوا الانتقال إلى الأكاديمية فى السابق، حيث وجدت أنه من غير اللائق أن تنعقد فى أحد معاقل الشرطة، خصوصا أن لها صلة بموضوع القضية، وبات مفهوما أن رئيس النقض الأسبق قال كلمته وأعلن تقريره حين لم تكن الشرطة فى الواجهة، لكن رئيس النقض الحالى أصدر حكمه حين صارت الشرطة فى الصدارة،
وبطبيعة الحال فإن الفرق الحقيقى ليس بين القاضيين أو المكانين، لكنه فرق بين حالتين أو مرحلتين. فى الأول كانت الثورة على نظام مبارك وفى الثانية كانت نهاية الثورة وعودة نظام مبارك.
القاضيان الكبيران لهما احتراهما بكل تأكيد، لكن كلا منهما اتخذ موقفه فى ضوء ما توفر لديه من بيانات وإفادات.
وربما كان الفرق أن رئيس النقض الأسبق كان على رأس لجنة لتقصى الحقائق ضمن عدد من الخبراء والباحثين الذين تحروا الأمر بأنفسهم،
أما رئيس النقض الحالى فقد قدمت إليه «الحقائق» جاهزة وحكم بمقتضاها. ولك أن تتصور الفرق بين حقائق يتوصل إليها الباحثون بجهدهم الخاص فى أجواء مفتوحة، وأخرى تصوغها الأجهزة الأمنية فى أجواء معاكسة. الأولون لا مصلحة لهم فى تكييف الحقيقة. والآخرون لهم مصلحة مباشرة فى ذلك.
تقرير لجنة المستشار قورة ذكر صراحة أن الشرطة هى التى قامت بقتل المتظاهرين، وأن أوامر القتل صدرت من جهات أعلى، وفى ذلك المستوى «الأعلى» ليس هناك سوى وزير الداخلية ومساعديه ورئيس الجمهورية. وأورد التقرير عديدا من الشواهد والقرائن التى أوصلت اللجنة إلى هذه الخلاصة.
وفى السياق تطرق إلى أمور عدة، مثل موقعة الجمل ومسألة فتح السجون وقصة اللواء محمد البطران الذى كان رئيسا لمباحث السجون وقتل لأنه رفض تنفيذ أوامر إطلاق المسجونين التى أصدرها وزير الداخلية آنذاك، حسب شهادة شقيقته، وهو ما دحض أسطورة ضلوع حماس وحزب الله فى العملية، إلى غير ذلك من «الحقائق» التى جرى مسخها وطمسها واستبدالها بأساطير جديدة أدت إلى تبرئة وزير الداخلية من أوامر القتل كما برأت ضباط الشرطة الذين اتهموا فى تلك الجرائم. وكان ذلك ضروريا لتبرئة مبارك بعد ذلك لكى يتلاقى الشخوص مع السياسات.
وتطوى صفحة ٢٥ يناير لتصبح «غلطة» جرى تصحيحها بروايات وتقارير جديدة تقود إلى تبرئة الجناة الحقيقيين. المشكلة أن دماء الشهداء لا تجف وأن الذين فقدوا أبصارهم أو أصيبوا بالشلل الرباعى سيظلون شهودا على أن الثورة أجهضت حقا إلا أن شعلتها لاتزال حية ولم تنطفئ، لذلك سيظل السؤال الذى أبرزته جريدة الأخبار معلقا فى القضاء المصرى: من قتل المتظاهرين؟ ليس فقط لكى تشفى غليل أهالى الضحايا، ولكن أيضا لكى نعرف من أجهض الثورة.
............
Published on March 03, 2017 13:05
March 1, 2017
حين ماتت السياسة
صحيفة السبيل الأردنيه الخميس 3 جمادى الآخرة 1438 – 2 مارس 2017حين ماتت السياسة - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/03/blog-post.html
من أخبار الأسبوع أن أجهزة التفتيش والرقابة بوزارة الداخلية واصلت التحقيق مع ٣٠ ضابطا وأمين شرطة وردت أسماؤهم في التحقيقات التي تجريها النيابة العامة مع تاجر المخدرات الشهير(كفتة)، بعد ضبطه أثناء تسلم صفقة مخدرات بأحد أحياء القاهرة، إذ كشفت التحقيقات عن تورط لواء شرطة وعدد آخر من الضباط من مختلف الرتب معه.
وقال مصدر أمني إن هدم «كافيتريا» خاصة بالمتهم ضمت حملات إزالة المقاهي المخالفة كانت وراء كشف خلاف بين التاجر وأحد الضباط، لأن الأخير لم يقم بما عليه في حماية المقهى، الأمر الذي سبب له خسائر قدرت بنحو مليون ونصف المليون جنيه.
أضاف المصدر أن تحريات أجهزة وزارة الداخلية أفادت بأن المتهم صاحب المقهى كان يخزن المخدرات بأحد المدافن، وأنه سبق اتهامه في عدة جرائم، الأمر الذي أدى إلى تصنيفه «مسجل خطر فئة أ»،
كما أنه كان أحد أعوان قيادة بالحزب الوطني المنحل (في عهد مبارك). وقد اتهم في جريمة قتل أثناء ثورة يناير، وألقى القبض عليه، وسجن ثلاث سنوات، قبل نقله إلى منطقة سجون طرة وتخصيص غرفة خاصة له مجهزة بجميع الأجهزة الكهربائية، قبل أن يخرج من السجن ويتولى حماية أحد مرشحي البرلمان بدائرة الخليفة.
في التحقيق مع المتهم ذكر أن له علاقات متعددة واتصالات مع عدد كبير من ضباط الشرطة، وقد تم رصد عدة مكالمات له مع آخرين من الضباط كان أحدهم برتبة لواء.
وأثناء التحقيق مع ثلاثة من أولئك الضباط أنكروا الاتهامات المنسوبة إليهم، وقالوا إنهم على علاقة بالمتهم، لكن ليست لهم صلة بتجارة المخدرات، وقد أورد التاجر أسماءهم نكاية فيهم لعدم التعاون معه في تجارته.
معلومات التقرير أعلاه وردت نصا في خبر نشرته جريدة «الشروق» على صفحتها الأولى يوم ٢٤ فبراير الذي غادرناه توا، وكنت قد احتفظت بقصاصة الخبر لمتابعة الموضوع إلا أنني فوجئت بخبر آخر نشرته الجريدة ذاتها بعد أربعة أيام (٢٨/٢) تحدث عن أن المحامي العام الأول لنيابات شمال الجيزة، أمر بحبس رئيس مباحث قسم شرطة شبرا الخيمة ثان واثنين من معاونيه أربعة أيام على ذمة التحقيقات لاتهامهم بالاتجار في الأسلحة، على خلفية القبض على شبكة للاتجار فيها،
وكانت تفاصيل القضية قد تكشفت في منتصف شهر فبراير حين ضبط أحد الأشخاص وبحوزته ٢٢ سلاحا ناريا. وبلغ عدد المتهمين في القضية تسعة أشخاص بينهم ٣ من تجار الأسلحة وأمينا شرطة وعاطل.
ما أزعجني أنني حين حاولت تتبع تلك الحوادث، وقعت على تقرير مثير نشره موقع «المصري اليوم» بتاريخ ١٦/١١/٢٠١٦ أعده الزميل أحمد خير الدين. إذ تضمن قائمة بالجرائم التي وقعت على مدى العام (٢٠١٦) وكان المتهمون فيها ضباطا وأمناء شرطة. وتراوحت تلك الجرائم بين القتل والاتجار في المخدرات والتزوير والسرقة.
في هذا الصدد يحسب لوزير الداخلية أنه لم يتسامح مع تلك الانحرافات، وإنما أتاح للقانون أن يأخذ مجراه، في التحقيق والمساءلة.
مع ذلك فإن التفاصيل المنشورة تثير عدة ملاحظات في مقدمتها ما يلي:
< إن الأخبار المنشورة تتعلق بتحقيقات لا عن إدانات أو أحكام نهائية، لأن الأمور عادة ما تختلف في المراحل الأخيرة.
< إن الانحراف لم يعد مجرد حالات فردية ولكنه أصبح ظاهرة في محيط الشرطة يتعذر التقليل من شأنها.
< إن نوعية الجرائم التي ضبطت ليست مألوفة (تجارة السلاح مثلا) فضلا عن أن نفوذ تجار المخدرات في قطاع الشرطة مثير للانتباه (تورط أحد اللواءات وتوفير كل الأجهزة الكهربائية لأحدهم في سجنه).
< إن تاجر المخدرات أدين في قتل أحد المتظاهرين أثناء ثورة ٢٥ يناير، وكان ضمن معاوني أحد المرشحين للانتخابات البرلمانية.
< إن الكلام كله عن انحرافات رجال الشرطة في القضايا الجنائية، في حين أن ما يحدث في القضايا السياسية مسكوت عليه ولا ذكر له.
< إن المقاهي المخالفة التي غزت الأحياء الهادئة وأشاعت فيها الفوضى فضلا عن إزعاج السكان أقيمت إما تحت حماية الشرطة أو بالمشاركة مع ضباطها.
إن دور الشرطة في حماية المجتمع لا غنى عنه ولا ينبغي التقليل من شأنه، لكن ظاهرة الانحراف الاستثنائية بين عناصرها تتطلب تحقيقا نزيها يتحرى الأسباب الكامنة وراء ذلك.
خصوصا صلتها بنهج إماتة السياسة وعواقب إطلاق يد الأمن في التعامل مع المجتمع دون مراجعة أو مساءلة له.
وهو ما أعطى انطباعا بأن الشرطة فوق المجتمع والقانون وليست تحتهما. وهو ما أدى إلى زيادة حجم البقعة السوداء في الثوب الأبيض.
.....................
من أخبار الأسبوع أن أجهزة التفتيش والرقابة بوزارة الداخلية واصلت التحقيق مع ٣٠ ضابطا وأمين شرطة وردت أسماؤهم في التحقيقات التي تجريها النيابة العامة مع تاجر المخدرات الشهير(كفتة)، بعد ضبطه أثناء تسلم صفقة مخدرات بأحد أحياء القاهرة، إذ كشفت التحقيقات عن تورط لواء شرطة وعدد آخر من الضباط من مختلف الرتب معه.
وقال مصدر أمني إن هدم «كافيتريا» خاصة بالمتهم ضمت حملات إزالة المقاهي المخالفة كانت وراء كشف خلاف بين التاجر وأحد الضباط، لأن الأخير لم يقم بما عليه في حماية المقهى، الأمر الذي سبب له خسائر قدرت بنحو مليون ونصف المليون جنيه.
أضاف المصدر أن تحريات أجهزة وزارة الداخلية أفادت بأن المتهم صاحب المقهى كان يخزن المخدرات بأحد المدافن، وأنه سبق اتهامه في عدة جرائم، الأمر الذي أدى إلى تصنيفه «مسجل خطر فئة أ»،
كما أنه كان أحد أعوان قيادة بالحزب الوطني المنحل (في عهد مبارك). وقد اتهم في جريمة قتل أثناء ثورة يناير، وألقى القبض عليه، وسجن ثلاث سنوات، قبل نقله إلى منطقة سجون طرة وتخصيص غرفة خاصة له مجهزة بجميع الأجهزة الكهربائية، قبل أن يخرج من السجن ويتولى حماية أحد مرشحي البرلمان بدائرة الخليفة.
في التحقيق مع المتهم ذكر أن له علاقات متعددة واتصالات مع عدد كبير من ضباط الشرطة، وقد تم رصد عدة مكالمات له مع آخرين من الضباط كان أحدهم برتبة لواء.
وأثناء التحقيق مع ثلاثة من أولئك الضباط أنكروا الاتهامات المنسوبة إليهم، وقالوا إنهم على علاقة بالمتهم، لكن ليست لهم صلة بتجارة المخدرات، وقد أورد التاجر أسماءهم نكاية فيهم لعدم التعاون معه في تجارته.
معلومات التقرير أعلاه وردت نصا في خبر نشرته جريدة «الشروق» على صفحتها الأولى يوم ٢٤ فبراير الذي غادرناه توا، وكنت قد احتفظت بقصاصة الخبر لمتابعة الموضوع إلا أنني فوجئت بخبر آخر نشرته الجريدة ذاتها بعد أربعة أيام (٢٨/٢) تحدث عن أن المحامي العام الأول لنيابات شمال الجيزة، أمر بحبس رئيس مباحث قسم شرطة شبرا الخيمة ثان واثنين من معاونيه أربعة أيام على ذمة التحقيقات لاتهامهم بالاتجار في الأسلحة، على خلفية القبض على شبكة للاتجار فيها،
وكانت تفاصيل القضية قد تكشفت في منتصف شهر فبراير حين ضبط أحد الأشخاص وبحوزته ٢٢ سلاحا ناريا. وبلغ عدد المتهمين في القضية تسعة أشخاص بينهم ٣ من تجار الأسلحة وأمينا شرطة وعاطل.
ما أزعجني أنني حين حاولت تتبع تلك الحوادث، وقعت على تقرير مثير نشره موقع «المصري اليوم» بتاريخ ١٦/١١/٢٠١٦ أعده الزميل أحمد خير الدين. إذ تضمن قائمة بالجرائم التي وقعت على مدى العام (٢٠١٦) وكان المتهمون فيها ضباطا وأمناء شرطة. وتراوحت تلك الجرائم بين القتل والاتجار في المخدرات والتزوير والسرقة.
في هذا الصدد يحسب لوزير الداخلية أنه لم يتسامح مع تلك الانحرافات، وإنما أتاح للقانون أن يأخذ مجراه، في التحقيق والمساءلة.
مع ذلك فإن التفاصيل المنشورة تثير عدة ملاحظات في مقدمتها ما يلي:
< إن الأخبار المنشورة تتعلق بتحقيقات لا عن إدانات أو أحكام نهائية، لأن الأمور عادة ما تختلف في المراحل الأخيرة.
< إن الانحراف لم يعد مجرد حالات فردية ولكنه أصبح ظاهرة في محيط الشرطة يتعذر التقليل من شأنها.
< إن نوعية الجرائم التي ضبطت ليست مألوفة (تجارة السلاح مثلا) فضلا عن أن نفوذ تجار المخدرات في قطاع الشرطة مثير للانتباه (تورط أحد اللواءات وتوفير كل الأجهزة الكهربائية لأحدهم في سجنه).
< إن تاجر المخدرات أدين في قتل أحد المتظاهرين أثناء ثورة ٢٥ يناير، وكان ضمن معاوني أحد المرشحين للانتخابات البرلمانية.
< إن الكلام كله عن انحرافات رجال الشرطة في القضايا الجنائية، في حين أن ما يحدث في القضايا السياسية مسكوت عليه ولا ذكر له.
< إن المقاهي المخالفة التي غزت الأحياء الهادئة وأشاعت فيها الفوضى فضلا عن إزعاج السكان أقيمت إما تحت حماية الشرطة أو بالمشاركة مع ضباطها.
إن دور الشرطة في حماية المجتمع لا غنى عنه ولا ينبغي التقليل من شأنه، لكن ظاهرة الانحراف الاستثنائية بين عناصرها تتطلب تحقيقا نزيها يتحرى الأسباب الكامنة وراء ذلك.
خصوصا صلتها بنهج إماتة السياسة وعواقب إطلاق يد الأمن في التعامل مع المجتمع دون مراجعة أو مساءلة له.
وهو ما أعطى انطباعا بأن الشرطة فوق المجتمع والقانون وليست تحتهما. وهو ما أدى إلى زيادة حجم البقعة السوداء في الثوب الأبيض.
.....................
Published on March 01, 2017 20:47
February 28, 2017
من سقط في الاختبار؟
صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 2 جمادى الآخره 1438 – 1 مارس 2017من سقط في الاختبار؟ - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/02/blog-post_58.html
لا يكف رئيس البرلمان في مصر عن إدهاشنا بممارساته التي تصدمنا بين الحين والآخر. وإذا كنا قد احتملنا منه في البداية فضيحة جهله بقواعد اللغة العربية، فإن فضيحة إدارته للجلسات من الصعب تمريرها، ذلك أن الأولى تتعلق بشخصه، أما الثانية فهى تسيء إلى النظام القائم وتفقد مؤسسات الدولة هيبتها واحترامها،
وما حدث أمس الأول (الاثنين ٢٧/٢) في إدارة جلسة إسقاط عضوية النائب محمد أنور السادات قدم نموذجا فادحا لسوء الإدارة وإهانة المجلس التشريعي.
فنحن نعلم أن النائب المذكور كان مستهدفا منذ رئاسته للجنة حقوق الإنسان، وأنه حين فضح قصة الـ١٨ مليون جنيه التي دفعت في غمرة الأزمة الاقتصادية ثمنا لشراء ثلاث سيارات لرئاسة المجلس، فإنه استفز رئيس البرلمان الدكتور علي عبدالعال الذي وجدها فرصة لتصفية الحساب المتراكم معه والتخلص منه.
ولأنه اعتاد أن يبلغ النواب أن كل واحد منهم له سجله الذي يمكن أن يفتح للإطاحة به في أي لحظة، فإنه فعلها مع السادات وقالها في نفس الجلسة لنائب آخر(حسام الرفاعي) اعترض على فصل زميله.
ولم يكتف بذلك لأنه قرر طرد الأخير من الجلسة، وقبل الطرد قرّعه لأنه تحدث عن أن السادات نائب وطني تم انتخابه بواسطة الجماهير في انتخابات حرة ولا يجوز تخوينه، واعتبر رئيس المجلس أن هذا الكلام بمثابة مزايدة ودرس في الوطنية لا محل له. وبعد التقريع أنذره بأن لديه مآخذ عليه لم يحن أوان الكشف عنها،
ولم تكن رسالة الترهيب والوعيد موجهة إلى النائب وحده، ولكنها بدت موجهة أيضا إلى أي نائب آخر يعترض على أسلوب إدارة جلسات البرلمان.
لم تكن تلك الرسالة الوحيدة المضمرة في قرار إسقاط عضوية السادات، لأن القرار جاء محملا برسائل عدة لأعضاء البرلمان ولغيرهم.
من تلك الرسائل ما يلي:
< أن من اعترض انطرد، وهو التعبير الشائع في أوساط المتصوفة، إذ يفترض أن المريد كامل الولاء والانصياع لشيخه. وإذا ما حدثته نفسه بالاعتراض عليه فلا مكان له في «الطريقة». وهو مبدأ التزم به رئيس المجلس الذي طالب الجميع بأن يتصرفوا كمريدين وليس كنواب لهم حصانة وحريتهم في التعبير مطلقة تحت القبة.
وقد ذهب أحد النواب (مصطفى كمال الدين حسين) إلى أبعد، حين قال بعد إسقاط عضوية السادات إنهم أصبحوا داخل مجلس تأديب وليس مجلس نواب.
< أنه إذا كانت المعارضة محظورة على الأحزاب والشعب، فليس هناك ما يبرر ظهورها داخل البرلمان الذي يفترض أنه يمثل الشعب.
< أن هناك قاعدة غير معلنة معمول بها في مختلف مؤسسات الدولة خلاصتها أن من يريد أن يستمر في قيادة أو صدارة تلك المؤسسات فعليه أن يصبح جزءا من اللعبة، ومتجاوبا مع تقلبات رياحها،
أما إذا أراد المسؤول أن يستقل بموقفه بدعوى التزامه بالدستور والقانون، فلا مكان له في الفريق، ومصيره أن يبقى خارج الملعب، وسيكون سعيد الحظ إذا تم الاكتفاء ببقائه في مقاعد «البدلاء»، إذا استخدمنا مفردات النقاد الرياضيين.
إن الخطأ الكبير الذي وقع فيه السادات من شقين، الأول أنه أخذ الأمر على محمل الجد وتصور أنه نائب عن الشعب حقا ولم ينخرط مع غيره في «اللاعبين». والثاني أنه لم يعتبر من تجربة المستشار هشام جنينة الذي فعلها، فدخل عش الزنابير غير مبالٍ بقواعد اللعبة، فعزل من منصبه وصدر ضده حكم بالحبس وتم التنكيل بابنته التي فصلت من وظيفتها.
بعد الصدمة التي تلقيناها في جلسة الفصل التي عقدت يوم الاثنين، صار التساؤل مشروعا: من الذي سقط في الاختبار حقا، النائب السادات أم غيره؟!
..........................
لا يكف رئيس البرلمان في مصر عن إدهاشنا بممارساته التي تصدمنا بين الحين والآخر. وإذا كنا قد احتملنا منه في البداية فضيحة جهله بقواعد اللغة العربية، فإن فضيحة إدارته للجلسات من الصعب تمريرها، ذلك أن الأولى تتعلق بشخصه، أما الثانية فهى تسيء إلى النظام القائم وتفقد مؤسسات الدولة هيبتها واحترامها،
وما حدث أمس الأول (الاثنين ٢٧/٢) في إدارة جلسة إسقاط عضوية النائب محمد أنور السادات قدم نموذجا فادحا لسوء الإدارة وإهانة المجلس التشريعي.
فنحن نعلم أن النائب المذكور كان مستهدفا منذ رئاسته للجنة حقوق الإنسان، وأنه حين فضح قصة الـ١٨ مليون جنيه التي دفعت في غمرة الأزمة الاقتصادية ثمنا لشراء ثلاث سيارات لرئاسة المجلس، فإنه استفز رئيس البرلمان الدكتور علي عبدالعال الذي وجدها فرصة لتصفية الحساب المتراكم معه والتخلص منه.
ولأنه اعتاد أن يبلغ النواب أن كل واحد منهم له سجله الذي يمكن أن يفتح للإطاحة به في أي لحظة، فإنه فعلها مع السادات وقالها في نفس الجلسة لنائب آخر(حسام الرفاعي) اعترض على فصل زميله.
ولم يكتف بذلك لأنه قرر طرد الأخير من الجلسة، وقبل الطرد قرّعه لأنه تحدث عن أن السادات نائب وطني تم انتخابه بواسطة الجماهير في انتخابات حرة ولا يجوز تخوينه، واعتبر رئيس المجلس أن هذا الكلام بمثابة مزايدة ودرس في الوطنية لا محل له. وبعد التقريع أنذره بأن لديه مآخذ عليه لم يحن أوان الكشف عنها،
ولم تكن رسالة الترهيب والوعيد موجهة إلى النائب وحده، ولكنها بدت موجهة أيضا إلى أي نائب آخر يعترض على أسلوب إدارة جلسات البرلمان.
لم تكن تلك الرسالة الوحيدة المضمرة في قرار إسقاط عضوية السادات، لأن القرار جاء محملا برسائل عدة لأعضاء البرلمان ولغيرهم.
من تلك الرسائل ما يلي:
< أن من اعترض انطرد، وهو التعبير الشائع في أوساط المتصوفة، إذ يفترض أن المريد كامل الولاء والانصياع لشيخه. وإذا ما حدثته نفسه بالاعتراض عليه فلا مكان له في «الطريقة». وهو مبدأ التزم به رئيس المجلس الذي طالب الجميع بأن يتصرفوا كمريدين وليس كنواب لهم حصانة وحريتهم في التعبير مطلقة تحت القبة.
وقد ذهب أحد النواب (مصطفى كمال الدين حسين) إلى أبعد، حين قال بعد إسقاط عضوية السادات إنهم أصبحوا داخل مجلس تأديب وليس مجلس نواب.
< أنه إذا كانت المعارضة محظورة على الأحزاب والشعب، فليس هناك ما يبرر ظهورها داخل البرلمان الذي يفترض أنه يمثل الشعب.
< أن هناك قاعدة غير معلنة معمول بها في مختلف مؤسسات الدولة خلاصتها أن من يريد أن يستمر في قيادة أو صدارة تلك المؤسسات فعليه أن يصبح جزءا من اللعبة، ومتجاوبا مع تقلبات رياحها،
أما إذا أراد المسؤول أن يستقل بموقفه بدعوى التزامه بالدستور والقانون، فلا مكان له في الفريق، ومصيره أن يبقى خارج الملعب، وسيكون سعيد الحظ إذا تم الاكتفاء ببقائه في مقاعد «البدلاء»، إذا استخدمنا مفردات النقاد الرياضيين.
إن الخطأ الكبير الذي وقع فيه السادات من شقين، الأول أنه أخذ الأمر على محمل الجد وتصور أنه نائب عن الشعب حقا ولم ينخرط مع غيره في «اللاعبين». والثاني أنه لم يعتبر من تجربة المستشار هشام جنينة الذي فعلها، فدخل عش الزنابير غير مبالٍ بقواعد اللعبة، فعزل من منصبه وصدر ضده حكم بالحبس وتم التنكيل بابنته التي فصلت من وظيفتها.
بعد الصدمة التي تلقيناها في جلسة الفصل التي عقدت يوم الاثنين، صار التساؤل مشروعا: من الذي سقط في الاختبار حقا، النائب السادات أم غيره؟!
..........................
Published on February 28, 2017 13:31
February 27, 2017
الفرز ضرورى لترشيد الصراع فى مصر – المقال الأسبوعي
صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 1 جمادى آخر 1438 – 28 فبراير 2017الفرز ضرورى لترشيد الصراع فى مصر – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/02/blog-post_28.html
لأن أفق حسم الصراع فى مصر بات مجهولا، فلماذا لا نحاول عقلنته وترشيده؟
(1)
كان حزب الوسط، وهو حزب مدنى ديمقراطى له مرجعيته الإسلامية، قد حجز قاعة فى أحد فنادق مدينة نصر يوم ١٨ فبراير الحالى لإقامة حفل استقبال بمناسبة مرور ست سنوات على الاعتراف الرسمى به (فى ١٩ فبراير عام ٢٠١١).
لكن الفندق أبلغهم قبل ثلاث ساعات من افتتاح الحفل بإلغاء حجز القاعة بناء على تعليمات الأمن، فما كان من الحزب إلا أن نقل احتفاله إلى مقره المتواضع فى منطقة المقطم.
وهذا الذى حدث مع حزب الوسط تكرر أكثر من مرة مع حزب «مصر القوية». (قبل سنتين (عام ٢٠١٥) حاول الحزب عقد مؤتمر ولكن ٢٧ فندقا ألغت حجز قاعاتها له بعد الاتفاق ودفع الثمن).
فى صبيحة اليوم ذاته (١٨ فبراير) أصدرت دائرة الأحزاب بمجلس الدولة برئاسة المستشار محمد مسعود رئيس المجلس حكما قضائيا برأت فيه ساحة ١١ حزبا لها مرجعيتها الإسلامية، حين رفضت قبول طعن طالب بحلها وحظرها، بناء على أنها شاركت فيما سمى بتحالف دعم الشرعية، إذ لم تجد المحكمة فى تلك الأحزاب مخالفة قانونية تستوجب الحل.
وكان حزب الوسط ضمن القائمة التى ضمت حزب البناء والتنمية والجبهة السلفية والعمل الجديد والفضيلة... إلخ.
فى الأسبوع ذاته أهدانى أحد الباحثين من أعضاء حزب البناء والتنمية (الذراع السياسية للجماعة الإسلامية فى مصر) كتابا له عنوانه «حوار هادئ مع داعشى»، كان قد عرض ونوقش فى معرض الكتاب الأخير. ووجدت أن مؤلفه عصمت الصاوى حول الكتاب إلى لائحة اتهام لتنظيم داعش، فضحت أفكاره وخلفياته.
إذ تضمن فصلا خاصا عنوانه «داعش بين العمالة والاستخدام»، واعتبر فيه أن فكرة الفوضى الخلاقة (الأمريكية) وصناعة التوحش (التى تتنباها داعش) وجهان لمشروع واحد.
زارنى المؤلف بصحبة الدكتور نصر عبدالسلام رئيس حزب البناء والتنمية، الذى فهمت منه أنه تم اعتقال نحو ٥٠٠ واحد من أعضائه رغم أنهم يتبنون الآن الفكر الجديد للجماعة الإسلامية، التى أطلقت مبادرة وقف العنف منذ أكثر من ٢٠ عاما،
وبعد ذلك أصدر قادة الجماعة أربعة كتب راجعت فيها أفكارها واعترفت بأخطائها وعمدت إلى تصحيح المفاهيم التى تبنتها (من عناوين تلك الكتب «حرمة الغلو فى الدين وتكفير المسلمين» و«تسليط الأضواء على ما وقع فى الجهاد من أخطاء»).
أثناء اللقاء عبر الدكتور نصر عبدالسلام عن استيائه من الضغوط والملاحقات التى يتعرض لها أعضاء الحزب. فهم فى الداخل يعاملون كما لو أنهم لم يراجعوا أفكارهم، ولم يختاروا أن يشاركوا فى مسيرة التغيير السلمى الذى يحترم الدستور والقانون. كأنما أريد لهم أن يظلوا على نهجهم الذى رجعوا عنه. أما إخوانهم فى الخارج فإنهم يعانون من محاولة إلحاقهم بالإخوان رغم أن لهم فكرهم المستقل عنهم، فالسلطة لم تر فيهم سوى التاريخ الذى هجروه واعتذروا عنه والإخوان أرادوا أن يفرضوا وصايتهم عليهم.
(2)
ثمة وجه آخر للعمل العام تلاحقه الشبهات أيضا، رغم أنه خارج السياسة، تمثله الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة،
فهذه الجمعية التى تأسست فى مصر منذ أكثر من مائة عام (١٩١٢م) حصرت نشاطها فى مجالات أربع لم تتجاوزها طيلة تلك المدة.
الأول هو الدعوة بالقول من خلال إقامة المساجد وإلقاء الخطب وإقامة الندوات فيها، إلى جانب إنشاء معاهد للدعاة تحت إشراف نخبة من علماء الأزهر، تتولى تأهيل الوعاظ،
المجال الثانى تمثل فيما يسمونه الدعوة العملية، من خلال رعاية مشروعات العمل الصالح. ومنها كفالة الأيتام الذين وصل عددهم إلى نصف مليون يتيم، ومنها تحفيظ القرآن،إضافة إلى إقامة المشروعات الطبية العملاقة، التى تعالج المرضى بالمجان، دون تفرقة بين المسلمين وغير المسلمين.
وهذه المشروعات تشمل مراكز متقدمة للأشعة المقطعية والرنين المغناطيسى، غير ٢٧ مركزا للأطفال المبتسرين وخمسة مراكز أخرى لغسيل الكلى، ذاعت شهرتها بحيث أصبحت تستقبل المرضى من مختلف أنحاء العالم العربى.
المجال الثالث تمثل فى حملات الإغاثة الداخلية والخارجية.
أما المجال الرابع والأخير فيتعلق بالعمل فى مجال التنمية لتحويل الفقراء إلى منتجين وتقديم العون لطلاب الدول الإسلامية الوافدين، الذين أقامت الجمعية بناية لاستيعاب الدارسين فى الأزهر منهم.
هذه المشروعات الخيرية أقيمت كلها بتمويل من زكوات وتبرعات المصريين، ولم تحصل على أى تمويل خارجى.
مع ذلك فإنها لم تسلم من الأذى فى أجواء الانفعال الملبدة التى أطلقها الصراع ضد الإخوان، ذلك أنها تعرضت للضغوط الأمنية وحملات التشهير التى لم تجد فى سجلات الجمعية بعد التدقيق فيها أن لها علاقة بالصراع السياسى الحاصل.
ولم يخل الأمر من مزايدات، كان منها ما أقدم عليه وزير الأوقاف الحالى الدكتور محمد مختار جمعة الذى كان يوما ما عضوا فى مجلس إدارة الجمعية الشرعية وأحد المشاركين فى حملات التوعية التى نظمتها، إلا أنه ما إن عين وزيرا، حتى حاول إخضاع أنشطتها الدعوية لإشراف السلطة،
وصدَّر الأزهر فى الموضوع الأمر الذى انتهى بإصدار قرار بإغلاق ٤٥ معهدا لإعداد الدعاة وكذلك ١٦ مركزا لتحفيظ القرآن، كانت الجمعية قد أنشأتها خلال العقود التى خلت!
(3)
ما سبق يمثل جانبا من القسمات التى طمست حتى جرى تغييبها فى أجواء الانفعال والهرج الذى شهدته مصر بعد إسقاط حكم الإخوان فى عام ٢٠١٣. وهو ما انتهى بخلط الأوراق ووضع الجميع فى سلة واحدة صار الإرهاب عنوانا لها،
ولم يقف الأمر عند حد شيطنة الجميع وشن حرب الإبادة عليهم، وإنما وصل بنا الحال أن صار التدين شبهة فى بلد الأزهر، وصار الدين ذاته هدفا للتجريح وموضوعا للازدراء من جانب البعض.
مرة بدعوى تجديد الخطاب الدينى الذى تحمس له الخصوم الذين لا يرجون لله وقارا، فتصدوا للإفتاء فيه بكل جرأة. ومرة أخرى بدعوى إلغاء الديانة من الهوية أو حظر تدريس الدين فى المدارس بحجة أنه يفرق بين المسلمين والأقباط، ومرة ثالثة عبر المطالبة بحذف أسماء رموز وأعلام الحضارة الإسلامية من مناهج التعليم واستبدالهم بعظماء الفراعنة ونوابغ المصريين. ومرة رابعة من خلال الدعوة إلى «تطهير» مناهج التعليم من بعض البطولات التاريخية والآيات القرآنية التى قيل إنها تشجع على التطرف والإرهاب.
من طريف ما قرأت فى هذا السياق أن أحد المثقفين المحترمين كتب متسائلا: هل يمكن الثقة فيمن لا يؤمن بالدولة القومية ويعتبرها كفرا وخروجا عن الإسلام فى العملية السياسية؟،
وهو سؤال يعبر عن بعد آخر للشيطنة لا يجرح الهوية الدينية فقط وإنما يجرح الهوية الوطنية أيضا. ولا يرى فى العقل الإسلامى سوى التكفير والقتل وإنكار الانتماء الوطنى لصالح التعلق بحلم الخلافة الكبرى.. إلى غير ذلك من الصور النمطية التى جرى الترويج لها، وحولت الاستثناء إلى قاعدة والشذوذ إلى قيم وأعراف مستقرة.
وجه الطرافة فى السؤال أن صاحبه قرأ صحف هذا الزمان وشاهد التليفزيون ولم يقرأ التاريخ. إذ لم يعرف مثلا من الذى أقام معسكرات التدريب العسكرى فى قلب القاهرة بعد إلغاء النحاس باشا للمعاهدة مع الإنجليز فى عام ١٩٥١ (كان اسمها جامعة فؤاد الأول آنذاك) ولم يعرف شيئا عن هوية الشبان الوطنيين الذين ذهبوا فى أول كتيبة لمقاتلة الإنجليز فى أواخر العام. ولم يسمع بأسماء الجامعيين وغيرهم الذين قتلوا فى معركة «التل الكبير». وواجهوا فيها القوات البريطانية، وكان فى مقدمتهم عمر شاهين وأحمد المنيسى من كلية طب قصر العينى.
إن أخطر وأسوأ ما ابتلينا به فى مصر أن الخلاف السياسى أصبح صراعا على الوجود. إذ أفسد ما بيننا، بحيث صار مبررا لإبادة الآخر وإلغائه من خرائط الواقع. وتلك مذبحة سياسية عبثية، خصوصا إذا استهدفت حملة الإبادة أفكارا لها جذورها ضاربة الأعماق فى الضمير الدينى. ذلك أن الإبادة فى هذه الحالة تكرر أسطورة طائر الفينيق عند الإغريق، الذى كلما احترق انبعث من رماده حيا من جديد.
(4)
من مفارقات الأقدار وسخرياتها أن نجد أنفسنا ذات يوم نلجأ لشهادة مستشار الأمن القومى الأمريكى فى الدعوة إلى الفرز والتمييز بين فصائل وجماعات العمل الإسلامى. إذ بعدما أطلق الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب حملته الشعواء ضد ما أسماه «الإسلام الراديكالى» فى تعميم جهول، وهلل له بعضنا وصفقوا،
فوجئنا بمستشار الأمن القومى الجديد الجنرال هاربد ماكمستر يعترض على المصطلح بدعوى أن استخدامه لا يخدم مكافحة الإرهاب، ونقلت عنه صحيفة نيويورك تايمز فيما نشرته الصحف المصرية أمس الإثنين (٢٧/٢) قوله إن الذين يرتكبون الأعمال الإرهابية يشوهون الدين الإسلامى.
هذا «الاكتشاف» الذى أعلنه الجنرال ماكمستر وتناقلته وكالات الأنباء ربما فاجأ كتائب الإبادة فى بلادنا التى أغمضت أعينها وقررت الإطاحة بالجميع، الصالحين منهم والطالحين والمعتدلين والمتطرفين والعقلاء والمجانين. ومن ثم صمت آذانها عن دعوات الفرز والتمييز لترشيد الصراع وعقلنته. الأمر الذى أوصلنا إلى وضع عشرات الآلاف فى السجون ونصب المشانق للمئات وإشاعة الخوف والترويع بين الملايين.
إذا كان مستشار الأمن القومى الأمريكى قد صوب حماقة رئيسه ورعونته، فلا أعرف كيف يمكن أن نفعلها فى مصر، بحيث نميز بين الذين تثبت التحقيقات النزيهة ــ وأضع عشرة خطوط تحت الكلمة الأخيرة ــ أنهم تورطوا فى العنف وبين غيرهم ممن سحقهم القطار المندفع الذى تعطلت كوابحه،
وللعلم فإن الفرز المطلوب لا يراد به فقط رفع الظلم عن البعض ــ رغم أهمية ذلك ــ كما لا يراد به فقط التفرقة بين ما هو سياسى مثير للجدل وما هو خيرى ينفع الناس ويخدم المجتمع، ولكن ينبغى أن ننتبه إلى أن الفراغ الناشئ عن حملة الإبادة هو هدية مجانية لتمدد التطرف والإرهاب، إذ لم نعد بحاجة لإثبات فشل سياسة إرهاب الإرهاب، من ثم لم يعد هناك حل إلا أن نعزز جبهة الاعتدال لكى نحصن المجتمع ضد غوائل الإرهاب، ولكى نستبدل ما نعتبره سيئا بما هو أسوأ وأتعس. ذلك أن الفراغ الراهن يرشح تنظيم داعش ليكون البديل الذى يملؤه.
إن أى باحث منصف يعلم أن فصائل التيار الإسلامى ليست شيئا واحدا، كما أن الإخوان أنفسهم لم يعودوا شيئا واحدا، وذلك حال السلفيين أيضا.
وأى إدارة رشيدة للصراع توظف تلك التمايزات لصالح الدفاع عن السلام الأهلى والاستقرار،
وأرجو ألا نضطر للجوء إلى خبرة مستشار الأمن القومى الأمريكى لكى ينصحنا بما ينبغى أن نفعله لإجراء الفرز والتمييز المنشودين.
.......................
لأن أفق حسم الصراع فى مصر بات مجهولا، فلماذا لا نحاول عقلنته وترشيده؟
(1)
كان حزب الوسط، وهو حزب مدنى ديمقراطى له مرجعيته الإسلامية، قد حجز قاعة فى أحد فنادق مدينة نصر يوم ١٨ فبراير الحالى لإقامة حفل استقبال بمناسبة مرور ست سنوات على الاعتراف الرسمى به (فى ١٩ فبراير عام ٢٠١١).
لكن الفندق أبلغهم قبل ثلاث ساعات من افتتاح الحفل بإلغاء حجز القاعة بناء على تعليمات الأمن، فما كان من الحزب إلا أن نقل احتفاله إلى مقره المتواضع فى منطقة المقطم.
وهذا الذى حدث مع حزب الوسط تكرر أكثر من مرة مع حزب «مصر القوية». (قبل سنتين (عام ٢٠١٥) حاول الحزب عقد مؤتمر ولكن ٢٧ فندقا ألغت حجز قاعاتها له بعد الاتفاق ودفع الثمن).
فى صبيحة اليوم ذاته (١٨ فبراير) أصدرت دائرة الأحزاب بمجلس الدولة برئاسة المستشار محمد مسعود رئيس المجلس حكما قضائيا برأت فيه ساحة ١١ حزبا لها مرجعيتها الإسلامية، حين رفضت قبول طعن طالب بحلها وحظرها، بناء على أنها شاركت فيما سمى بتحالف دعم الشرعية، إذ لم تجد المحكمة فى تلك الأحزاب مخالفة قانونية تستوجب الحل.
وكان حزب الوسط ضمن القائمة التى ضمت حزب البناء والتنمية والجبهة السلفية والعمل الجديد والفضيلة... إلخ.
فى الأسبوع ذاته أهدانى أحد الباحثين من أعضاء حزب البناء والتنمية (الذراع السياسية للجماعة الإسلامية فى مصر) كتابا له عنوانه «حوار هادئ مع داعشى»، كان قد عرض ونوقش فى معرض الكتاب الأخير. ووجدت أن مؤلفه عصمت الصاوى حول الكتاب إلى لائحة اتهام لتنظيم داعش، فضحت أفكاره وخلفياته.
إذ تضمن فصلا خاصا عنوانه «داعش بين العمالة والاستخدام»، واعتبر فيه أن فكرة الفوضى الخلاقة (الأمريكية) وصناعة التوحش (التى تتنباها داعش) وجهان لمشروع واحد.
زارنى المؤلف بصحبة الدكتور نصر عبدالسلام رئيس حزب البناء والتنمية، الذى فهمت منه أنه تم اعتقال نحو ٥٠٠ واحد من أعضائه رغم أنهم يتبنون الآن الفكر الجديد للجماعة الإسلامية، التى أطلقت مبادرة وقف العنف منذ أكثر من ٢٠ عاما،
وبعد ذلك أصدر قادة الجماعة أربعة كتب راجعت فيها أفكارها واعترفت بأخطائها وعمدت إلى تصحيح المفاهيم التى تبنتها (من عناوين تلك الكتب «حرمة الغلو فى الدين وتكفير المسلمين» و«تسليط الأضواء على ما وقع فى الجهاد من أخطاء»).
أثناء اللقاء عبر الدكتور نصر عبدالسلام عن استيائه من الضغوط والملاحقات التى يتعرض لها أعضاء الحزب. فهم فى الداخل يعاملون كما لو أنهم لم يراجعوا أفكارهم، ولم يختاروا أن يشاركوا فى مسيرة التغيير السلمى الذى يحترم الدستور والقانون. كأنما أريد لهم أن يظلوا على نهجهم الذى رجعوا عنه. أما إخوانهم فى الخارج فإنهم يعانون من محاولة إلحاقهم بالإخوان رغم أن لهم فكرهم المستقل عنهم، فالسلطة لم تر فيهم سوى التاريخ الذى هجروه واعتذروا عنه والإخوان أرادوا أن يفرضوا وصايتهم عليهم.
(2)
ثمة وجه آخر للعمل العام تلاحقه الشبهات أيضا، رغم أنه خارج السياسة، تمثله الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة،
فهذه الجمعية التى تأسست فى مصر منذ أكثر من مائة عام (١٩١٢م) حصرت نشاطها فى مجالات أربع لم تتجاوزها طيلة تلك المدة.
الأول هو الدعوة بالقول من خلال إقامة المساجد وإلقاء الخطب وإقامة الندوات فيها، إلى جانب إنشاء معاهد للدعاة تحت إشراف نخبة من علماء الأزهر، تتولى تأهيل الوعاظ،
المجال الثانى تمثل فيما يسمونه الدعوة العملية، من خلال رعاية مشروعات العمل الصالح. ومنها كفالة الأيتام الذين وصل عددهم إلى نصف مليون يتيم، ومنها تحفيظ القرآن،إضافة إلى إقامة المشروعات الطبية العملاقة، التى تعالج المرضى بالمجان، دون تفرقة بين المسلمين وغير المسلمين.
وهذه المشروعات تشمل مراكز متقدمة للأشعة المقطعية والرنين المغناطيسى، غير ٢٧ مركزا للأطفال المبتسرين وخمسة مراكز أخرى لغسيل الكلى، ذاعت شهرتها بحيث أصبحت تستقبل المرضى من مختلف أنحاء العالم العربى.
المجال الثالث تمثل فى حملات الإغاثة الداخلية والخارجية.
أما المجال الرابع والأخير فيتعلق بالعمل فى مجال التنمية لتحويل الفقراء إلى منتجين وتقديم العون لطلاب الدول الإسلامية الوافدين، الذين أقامت الجمعية بناية لاستيعاب الدارسين فى الأزهر منهم.
هذه المشروعات الخيرية أقيمت كلها بتمويل من زكوات وتبرعات المصريين، ولم تحصل على أى تمويل خارجى.
مع ذلك فإنها لم تسلم من الأذى فى أجواء الانفعال الملبدة التى أطلقها الصراع ضد الإخوان، ذلك أنها تعرضت للضغوط الأمنية وحملات التشهير التى لم تجد فى سجلات الجمعية بعد التدقيق فيها أن لها علاقة بالصراع السياسى الحاصل.
ولم يخل الأمر من مزايدات، كان منها ما أقدم عليه وزير الأوقاف الحالى الدكتور محمد مختار جمعة الذى كان يوما ما عضوا فى مجلس إدارة الجمعية الشرعية وأحد المشاركين فى حملات التوعية التى نظمتها، إلا أنه ما إن عين وزيرا، حتى حاول إخضاع أنشطتها الدعوية لإشراف السلطة،
وصدَّر الأزهر فى الموضوع الأمر الذى انتهى بإصدار قرار بإغلاق ٤٥ معهدا لإعداد الدعاة وكذلك ١٦ مركزا لتحفيظ القرآن، كانت الجمعية قد أنشأتها خلال العقود التى خلت!
(3)
ما سبق يمثل جانبا من القسمات التى طمست حتى جرى تغييبها فى أجواء الانفعال والهرج الذى شهدته مصر بعد إسقاط حكم الإخوان فى عام ٢٠١٣. وهو ما انتهى بخلط الأوراق ووضع الجميع فى سلة واحدة صار الإرهاب عنوانا لها،
ولم يقف الأمر عند حد شيطنة الجميع وشن حرب الإبادة عليهم، وإنما وصل بنا الحال أن صار التدين شبهة فى بلد الأزهر، وصار الدين ذاته هدفا للتجريح وموضوعا للازدراء من جانب البعض.
مرة بدعوى تجديد الخطاب الدينى الذى تحمس له الخصوم الذين لا يرجون لله وقارا، فتصدوا للإفتاء فيه بكل جرأة. ومرة أخرى بدعوى إلغاء الديانة من الهوية أو حظر تدريس الدين فى المدارس بحجة أنه يفرق بين المسلمين والأقباط، ومرة ثالثة عبر المطالبة بحذف أسماء رموز وأعلام الحضارة الإسلامية من مناهج التعليم واستبدالهم بعظماء الفراعنة ونوابغ المصريين. ومرة رابعة من خلال الدعوة إلى «تطهير» مناهج التعليم من بعض البطولات التاريخية والآيات القرآنية التى قيل إنها تشجع على التطرف والإرهاب.
من طريف ما قرأت فى هذا السياق أن أحد المثقفين المحترمين كتب متسائلا: هل يمكن الثقة فيمن لا يؤمن بالدولة القومية ويعتبرها كفرا وخروجا عن الإسلام فى العملية السياسية؟،
وهو سؤال يعبر عن بعد آخر للشيطنة لا يجرح الهوية الدينية فقط وإنما يجرح الهوية الوطنية أيضا. ولا يرى فى العقل الإسلامى سوى التكفير والقتل وإنكار الانتماء الوطنى لصالح التعلق بحلم الخلافة الكبرى.. إلى غير ذلك من الصور النمطية التى جرى الترويج لها، وحولت الاستثناء إلى قاعدة والشذوذ إلى قيم وأعراف مستقرة.
وجه الطرافة فى السؤال أن صاحبه قرأ صحف هذا الزمان وشاهد التليفزيون ولم يقرأ التاريخ. إذ لم يعرف مثلا من الذى أقام معسكرات التدريب العسكرى فى قلب القاهرة بعد إلغاء النحاس باشا للمعاهدة مع الإنجليز فى عام ١٩٥١ (كان اسمها جامعة فؤاد الأول آنذاك) ولم يعرف شيئا عن هوية الشبان الوطنيين الذين ذهبوا فى أول كتيبة لمقاتلة الإنجليز فى أواخر العام. ولم يسمع بأسماء الجامعيين وغيرهم الذين قتلوا فى معركة «التل الكبير». وواجهوا فيها القوات البريطانية، وكان فى مقدمتهم عمر شاهين وأحمد المنيسى من كلية طب قصر العينى.
إن أخطر وأسوأ ما ابتلينا به فى مصر أن الخلاف السياسى أصبح صراعا على الوجود. إذ أفسد ما بيننا، بحيث صار مبررا لإبادة الآخر وإلغائه من خرائط الواقع. وتلك مذبحة سياسية عبثية، خصوصا إذا استهدفت حملة الإبادة أفكارا لها جذورها ضاربة الأعماق فى الضمير الدينى. ذلك أن الإبادة فى هذه الحالة تكرر أسطورة طائر الفينيق عند الإغريق، الذى كلما احترق انبعث من رماده حيا من جديد.
(4)
من مفارقات الأقدار وسخرياتها أن نجد أنفسنا ذات يوم نلجأ لشهادة مستشار الأمن القومى الأمريكى فى الدعوة إلى الفرز والتمييز بين فصائل وجماعات العمل الإسلامى. إذ بعدما أطلق الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب حملته الشعواء ضد ما أسماه «الإسلام الراديكالى» فى تعميم جهول، وهلل له بعضنا وصفقوا،
فوجئنا بمستشار الأمن القومى الجديد الجنرال هاربد ماكمستر يعترض على المصطلح بدعوى أن استخدامه لا يخدم مكافحة الإرهاب، ونقلت عنه صحيفة نيويورك تايمز فيما نشرته الصحف المصرية أمس الإثنين (٢٧/٢) قوله إن الذين يرتكبون الأعمال الإرهابية يشوهون الدين الإسلامى.
هذا «الاكتشاف» الذى أعلنه الجنرال ماكمستر وتناقلته وكالات الأنباء ربما فاجأ كتائب الإبادة فى بلادنا التى أغمضت أعينها وقررت الإطاحة بالجميع، الصالحين منهم والطالحين والمعتدلين والمتطرفين والعقلاء والمجانين. ومن ثم صمت آذانها عن دعوات الفرز والتمييز لترشيد الصراع وعقلنته. الأمر الذى أوصلنا إلى وضع عشرات الآلاف فى السجون ونصب المشانق للمئات وإشاعة الخوف والترويع بين الملايين.
إذا كان مستشار الأمن القومى الأمريكى قد صوب حماقة رئيسه ورعونته، فلا أعرف كيف يمكن أن نفعلها فى مصر، بحيث نميز بين الذين تثبت التحقيقات النزيهة ــ وأضع عشرة خطوط تحت الكلمة الأخيرة ــ أنهم تورطوا فى العنف وبين غيرهم ممن سحقهم القطار المندفع الذى تعطلت كوابحه،
وللعلم فإن الفرز المطلوب لا يراد به فقط رفع الظلم عن البعض ــ رغم أهمية ذلك ــ كما لا يراد به فقط التفرقة بين ما هو سياسى مثير للجدل وما هو خيرى ينفع الناس ويخدم المجتمع، ولكن ينبغى أن ننتبه إلى أن الفراغ الناشئ عن حملة الإبادة هو هدية مجانية لتمدد التطرف والإرهاب، إذ لم نعد بحاجة لإثبات فشل سياسة إرهاب الإرهاب، من ثم لم يعد هناك حل إلا أن نعزز جبهة الاعتدال لكى نحصن المجتمع ضد غوائل الإرهاب، ولكى نستبدل ما نعتبره سيئا بما هو أسوأ وأتعس. ذلك أن الفراغ الراهن يرشح تنظيم داعش ليكون البديل الذى يملؤه.
إن أى باحث منصف يعلم أن فصائل التيار الإسلامى ليست شيئا واحدا، كما أن الإخوان أنفسهم لم يعودوا شيئا واحدا، وذلك حال السلفيين أيضا.
وأى إدارة رشيدة للصراع توظف تلك التمايزات لصالح الدفاع عن السلام الأهلى والاستقرار،
وأرجو ألا نضطر للجوء إلى خبرة مستشار الأمن القومى الأمريكى لكى ينصحنا بما ينبغى أن نفعله لإجراء الفرز والتمييز المنشودين.
.......................
Published on February 27, 2017 21:23
فهمي هويدي's Blog
- فهمي هويدي's profile
- 1314 followers
فهمي هويدي isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.
