فهمي هويدي's Blog, page 13
February 14, 2017
زيتنا في دقيقنا
صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 18 جمادى أول 1438 – 15 فبراير 2017زيتنا في دقيقنا - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/02/blog-post_15.html
يكفي أن تقرأ خبر إغلاق وتشميع مركز النديم لعلاج ضحايا التعذيب لكي تعرف كل الحكاية. فهذا قرار دولة، والذين نفذوه تابعون لوزارة الداخلية. والهدف من الإغلاق هو منع علاج ضحايا التعذيب من ناحية، وإسكات صوت المركز الذي كان يتابع مختلف الممارسات التي تنتهك كرامة البشر وتعد جرائم بحق الإنسانية،
ولست واثقا من تعليق أحد المدونين الذي قال فيه إن إغلاق المركز أريد به عدم تعطيل مهام التعذيب التي تقوم بها الشرطة.
في السابق كان المسؤولون يرددون في مختلف المناسبات أنه لا يوجد تعذيب في مصر، وأن إثارة الموضوع أريد به تشويه صورة النظام، وهي المهمة التي يقوم بها «أهل الشر» المصريون وأعوانهم من أشرار المنظمات الحقوقية في العالم الخارجي. وهو ما كان يثير الشك حول صحة التقارير المحلية والدولية.
ولكن قرار الإغلاق والتشميع حوّل الشك إلى يقين. وبرأ ساحة «الأشرار» في الداخل والخارج من تهمة تشويه صورة مصر،
إذ صار بوسع أي أحد أن يتساءل قائلا إذا لم يكن هناك تعذيب ولا يحزنون، وإذا كانت أيدي النظام وشرطته بريئة من دماء المصريين، فلماذا خاضت السلطة وأجهزتها الأمنية معركتها الشرسة ضد المركز، واستخدمت مختلف الحيل والألاعيب لإسكات صوته وإغلاقه، ودفعت بموظفيها في يوم العطلة إلى تشميع بابه وحظر الدخول فيه.
من المفارقات أن الذين أغلقوه خدموه من حيث لا يحتسبون. كما أن الذين تصورا أن تقارير المركز تسيء إلى سمعة البلد، هم أنفسهم الذين لوثوا تلك السمعة وفضحوها، فقد تحول إغلاق المركز إلى خبر ترددت أصداؤه في أوساط الحقوقيين في العالم الخارجي، من ثم ذاعت شهرته وتابع قضيته وعرف بأمره كل من لم يسمع به.
ثم إن من حسنت نواياه وشك يوما في أن مصر تمارس التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، أصبح متأكدا الآن بأن التعذيب حاصل وأن الدولة التي تحرض على ستره واخفائه ضاقت بجهود كشفه وعلاج ضحاياه.
لذلك فإنها انقضت على المركز وضمته إلى ضحايا الاختفاء القسري، مع فارق بسيط أن مكان المركز بات معلوما.
إذا كانت السلطة قد قدمت خدمة للمركز بالقرار الذي اتخذته، فإن ضحايا التعذيب وحدهم الذين أضيروا بالإغلاق، وكان بوسع فريق العمل الذي يديره أن يتخلى عن مهمته محملا السطة وحدها مسؤولية التوقف عن علاج ضحايا التعذيب، إلا أن إصرار السيدات المناضلات اللاتي يؤدين ذلك الدور على الاستمرار في المهمة رغم ما جرى بدا مثيرا للدهشة والإعجاب.
إذ فوجئت ببيان تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي جاء فيه ما يلي: نظرا لتشميع عيادة النديم من قبل السلطات يوم الخميس ٩ فبراير ٢٠١٧، وإلى حين نتمكن من اللقاء وجها لوجه مرة أخرى، يمكن للناجين والناجيات من العنف أو التعذيب أو أهالي المختفين قسريا أو المعتقلين أن يتصلوا على الأرقام التالية لتلقي المشورة النفسية، وذلك في نفس أوقات عمل عيادة النديم، من السبت إلى الأربعاء. من الساعة ١٠ صباحا إلى الثالثة مساء. وسوف نعمل ما بوسعنا لتقديم المساعدة، وإلى لقاء قريب. وحمل البيان أسماء وأرقام خمس طبيبات هن: د. مني حامد ــ د. رغدة سليط ــ د. عايدة سيف الدولة ــ د. سوزان فياض ــ ولحالات العنف ضد النساء د. ماجدة عدلي.
إن قرار تشميع مركز النديم نموذج للقرارات العشوائية التي تصدر مفتقدة للذكاء في مصر بحيث يصبح الضرر فيها أكثر من النفع. وهو ما يدعونا إلى القول بأنه في ظل أداء من ذلك القبيل لا تكون مصر مضطرة للإشارة إلى «أهل الشر» في الإساءة إليها. إذ صار زيتنا في دقيقنا.
..........
يكفي أن تقرأ خبر إغلاق وتشميع مركز النديم لعلاج ضحايا التعذيب لكي تعرف كل الحكاية. فهذا قرار دولة، والذين نفذوه تابعون لوزارة الداخلية. والهدف من الإغلاق هو منع علاج ضحايا التعذيب من ناحية، وإسكات صوت المركز الذي كان يتابع مختلف الممارسات التي تنتهك كرامة البشر وتعد جرائم بحق الإنسانية،
ولست واثقا من تعليق أحد المدونين الذي قال فيه إن إغلاق المركز أريد به عدم تعطيل مهام التعذيب التي تقوم بها الشرطة.
في السابق كان المسؤولون يرددون في مختلف المناسبات أنه لا يوجد تعذيب في مصر، وأن إثارة الموضوع أريد به تشويه صورة النظام، وهي المهمة التي يقوم بها «أهل الشر» المصريون وأعوانهم من أشرار المنظمات الحقوقية في العالم الخارجي. وهو ما كان يثير الشك حول صحة التقارير المحلية والدولية.
ولكن قرار الإغلاق والتشميع حوّل الشك إلى يقين. وبرأ ساحة «الأشرار» في الداخل والخارج من تهمة تشويه صورة مصر،
إذ صار بوسع أي أحد أن يتساءل قائلا إذا لم يكن هناك تعذيب ولا يحزنون، وإذا كانت أيدي النظام وشرطته بريئة من دماء المصريين، فلماذا خاضت السلطة وأجهزتها الأمنية معركتها الشرسة ضد المركز، واستخدمت مختلف الحيل والألاعيب لإسكات صوته وإغلاقه، ودفعت بموظفيها في يوم العطلة إلى تشميع بابه وحظر الدخول فيه.
من المفارقات أن الذين أغلقوه خدموه من حيث لا يحتسبون. كما أن الذين تصورا أن تقارير المركز تسيء إلى سمعة البلد، هم أنفسهم الذين لوثوا تلك السمعة وفضحوها، فقد تحول إغلاق المركز إلى خبر ترددت أصداؤه في أوساط الحقوقيين في العالم الخارجي، من ثم ذاعت شهرته وتابع قضيته وعرف بأمره كل من لم يسمع به.
ثم إن من حسنت نواياه وشك يوما في أن مصر تمارس التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، أصبح متأكدا الآن بأن التعذيب حاصل وأن الدولة التي تحرض على ستره واخفائه ضاقت بجهود كشفه وعلاج ضحاياه.
لذلك فإنها انقضت على المركز وضمته إلى ضحايا الاختفاء القسري، مع فارق بسيط أن مكان المركز بات معلوما.
إذا كانت السلطة قد قدمت خدمة للمركز بالقرار الذي اتخذته، فإن ضحايا التعذيب وحدهم الذين أضيروا بالإغلاق، وكان بوسع فريق العمل الذي يديره أن يتخلى عن مهمته محملا السطة وحدها مسؤولية التوقف عن علاج ضحايا التعذيب، إلا أن إصرار السيدات المناضلات اللاتي يؤدين ذلك الدور على الاستمرار في المهمة رغم ما جرى بدا مثيرا للدهشة والإعجاب.
إذ فوجئت ببيان تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي جاء فيه ما يلي: نظرا لتشميع عيادة النديم من قبل السلطات يوم الخميس ٩ فبراير ٢٠١٧، وإلى حين نتمكن من اللقاء وجها لوجه مرة أخرى، يمكن للناجين والناجيات من العنف أو التعذيب أو أهالي المختفين قسريا أو المعتقلين أن يتصلوا على الأرقام التالية لتلقي المشورة النفسية، وذلك في نفس أوقات عمل عيادة النديم، من السبت إلى الأربعاء. من الساعة ١٠ صباحا إلى الثالثة مساء. وسوف نعمل ما بوسعنا لتقديم المساعدة، وإلى لقاء قريب. وحمل البيان أسماء وأرقام خمس طبيبات هن: د. مني حامد ــ د. رغدة سليط ــ د. عايدة سيف الدولة ــ د. سوزان فياض ــ ولحالات العنف ضد النساء د. ماجدة عدلي.
إن قرار تشميع مركز النديم نموذج للقرارات العشوائية التي تصدر مفتقدة للذكاء في مصر بحيث يصبح الضرر فيها أكثر من النفع. وهو ما يدعونا إلى القول بأنه في ظل أداء من ذلك القبيل لا تكون مصر مضطرة للإشارة إلى «أهل الشر» في الإساءة إليها. إذ صار زيتنا في دقيقنا.
..........
Published on February 14, 2017 15:29
February 13, 2017
فى أن مراجعة المسار صارت واجب الوقت – المقال الأسبوعي
صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 17 جمادى أول 1438 – 13 فبراير 2017فى أن مراجعة المسار صارت واجب الوقت – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/02/blog-post_87.html
رسائل السخط التى تطلق فى الفضاء المصرى فى أيام الشِّدة الراهنة ينبغى أن تسمع قبل فوات الأوان.
(1)
نشرت جريدة الأهرام الصادرة يوم ١٢ فبراير الحالى (أمس الأول) إعلانا على الصفحة الأولى بحجم لافت للنظر كان عنوانه كالتالى: شكر وتقدير ــ يتقدم مستثمرو العبور بخالص الشكر وعظيم الامتنان إلى السادة الذين كانوا ١٤ ضابط شرطة يتقدمهم وزير الداخلية
ــ أما موضوع الشكر فهو «ما بذلوه من جهود لإعادة الأستاذ فلان (الذى هو من رجال الأعمال)، الذى تم اختطافه وأعادوه إلينا سالما».
رسالة الإعلان تقول إن عودة رجل الأعمال إلى بيته سالما صار خبرا يستحق توجيه الشكر وعظيم الامتنان لوزير الداخلية و١٤ ضابط شرطة. وهو أمر لا مبالغة فيه، لأن خطف رجال الأعمال واشتراط دفع فدية لإطلاقهم بات ملحوظا فى مصر خلال السنوات الأخيرة،
ومشهورة قصة عصابة بورسعيد التى تخصصت فى تلك العمليات. وكان أبرز ضحاياهم مستثمر من بنجلاديش.
ومن الضحايا المشهورين الذين تحدثت عنهم الصحف المصرية مستثمر سعودى يملك مصنعا للصلصة تم اختطافه مع سائقه فى طريق عودته من الإسماعيلية إلى القاهرة. وقيل آنذاك إن خاطفيه طلبوا خمسة ملايين جنيه لتحريره، أما غير المشهورين الذين تعرضوا للاختطاف ثم أخلى سبيلهم بعد دفع الفدية فى صمت فأعدادهم غير معروفة، لكنها ليست قليلة على أى حال، أو هكذا تقول الشائعات.
لو أنها حوادث استثنائية مما يتعرض له بعض الأثرياء لقلنا إنها مما يحدث فى بلاد أخرى، لكنها تحولت إلى ظاهرة لم تعد تؤرق الأثرياء وحدهم، ولكنها باتت تزعج القادرين خصوصا الذين أصبحوا يعيشون فى منتجعات الضواحى، وغيرهم من أهالى تلاميذ المدارس الخاصة، الذين أصبح أطفالهم يتعرضون للاختطاف واشتراط دفع مبالغ مالية متفاوتة القيمة لإطلاقهم. حتى أصبحت حراسة أولئك الأطفال فى الذهاب والعودة هما يشغل أغلب الأسر.
أفهم أيضا أن يكون هناك مجرمون وراء تلك الحوادث، لكن المشكلة تتخذ منحى آخر إذا لاحظنا أن بعض الجناة ليسوا مجرمين ولكنهم فقراء أو عاطلون. وأن الخطف ليس سوى شكل واحد من أشكال الانحرافات التى ظهرت أعراضها فى المجتمع.
ولم تعد مقصورة على الطبقات المعدمة أو الفقيرة، ولكن عدواها انتقلت إلى الطبقات المتوسطة التى جرى إفقارها فى أجواء الغلاء الفاحش الذى أحدث تصدعات اجتماعية غير محسوبة.
(2)
للأسف ليست لدينا دراسات يطمأن إليها توثق ما أدعيه. خصوصا أن المسئولين لا يرحبون بالمعلومات التى تتحدث عن عمق ونتائج الأزمة الاقتصادية فى مصر، إذ يعتبرون نشر إحصاءات تفشى الجريمة وانتشار حوادث العنف بسبب الأزمة الطاحنة من قبيل تثبيط الهمم والانصراف عن الإنجازات.
وربما كانت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاءات هى الضوء الرسمى الوحيد الذى يوضح لنا بعض مؤشرات الأزمة.
آية ذلك أن الصحف الصادرة هذا الأسبوع تحدثت عن ارتفاع معدل التضخم السنوى فى شهر يناير إلى ٢٩.٦٪، وفصل تقريرها فى نسب الزيادات فى أسعار السلع الأساسية من اللحوم والدواجن إلى الخبز والألبان.
وأبرزت صحيفة «المصرى اليوم» فى عناوين عدد ١٣ فبراير تعليق الدكتورة عاليا المهدى العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذى ذكرت فيه أن تلك النسبة من التضخم هى الأعلى فى مصر منذ سبعين عاما.الأمر الذى يعنى أن المصريين لم يعرفوا مثل ذلك الغلاء الذى يعانون منه منذ ثلاثة أرباع القرن تقريبا.
الأوجه الأخرى للصورة نتعرف عليها من وسائل الإعلام. فالخبراء الاقتصاديون يحذرون من أن القادم أسوأ، فالزيادات فى الأسعار سوف تستمر فى مجالات حيوية عدة (الكهرباء ومياه الشرب والوقود مثلا) طبقا للاتفاق الذى أبرم مع صندوق النقد الدولى.
وهو ما يعنى أن معاناة الجماهير سوف تتضاعف، الأمر الذى سيرفع من معدلات العنف والجريمة والفساد أيضا. لأن ملايين الموظفين من ذوى الدخول الثابتة لن يصبحوا قادرين على الاستمرار فى الحياة إلا باللجوء إما إلى الجريمة وإما الرشوة.
والذين يرفضون السير فى ذلك الطريق، أمامهم خيار ثالث له سوقه التى أصبحت رائجة فى مصر، التى أصبحت ثالث بلد فى العالم تباع فيه الأعضاء البشرية، بعد الصين وباكستان. حتى بات مألوفا أن تنشر الصحف المصرية أخبارا عن اكتشاف عصابات ومستشفيات ومراكز تقوم بتلك المهمة.
أما الذين تسد فى وجوههم كل الأبواب، فإنهم يلجأون إلى الانتحار يأسا من الحياة، فى ظل العجز عن تلبية احتياجات المعيشة أو العجز عن سداد الديون. وبوسع أى باحث أن يرصد تواتر نشر تلك الحوادث فى الصحف المصرية بين الحين والآخر.
(3)
فى الثامن من شهر فبراير الحالى قام أهالى مدينة «القرين» بمحافظة الشرقية باعتراض طريق سيارة نقل تابعة لوزارة التموين، كانت محملة بكميات من السلع الأساسية فى مقدمتها السكر والزيت والأرز. وما إن توقفت السيارة حتى اقتحمها الأهالى وقاموا بنهب محتوياتها.
الدلالة السياسية للحدث تداولتها مواقع التواصل الاجتماعى التى أعادت إلى الأذهان ذكرى أحداث ١٨ و١٩ يناير قبل أربعين عاما (عام ١٩٧٧) حين انفجر غضب الفقراء بعد رفع أسعار الخبز فخرجوا فى مظاهرات هاجمت بعض المحلات التجارية، وهتفت ضد الرئيس السادات وحكومته.
ولايزال جيلنا الذى عاصر تلك الأحداث يذكر الهتافات التى كان منها: يا ساكنين القصور الفقرا عايشين فى القبور ــ سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمه بقى بجنيه ــ هو (السادات) يلبس آخر موضة واحنا بنسكن عشرة فى أوضة..إلخ.
فى تعلقيات السوشيال ميديا على الحاصل فى مصر هذه الأيام ترددت عبارات انتفاضة الغلابة وثورة الجياع. وقرأت لأول مرة اسم حركة «ضنك» وتصدى أحد المعلقين للفكرة قائلا إن الانتفاضة أو الثورة لا تكون بالضرورة على شكل مظاهرات جماعية غاضبة تهتف وتهاجم المحلات التجارية، لكنها أيضا قد تكون على شكل انتشار الممارسات الفردية التى تعبر عن النقمة والغضب.
وخلص صاحبنا من ذلك إلى أن ما يحدث فى مصر الآن هو ثورة من ذلك الطراز الأخير، وقد ظهرت بوادرها بوضوح بعد تعويم الجنيه المصرى ورفع أسعار جميع السلع.
الأمر الذى كان له صداه العنيف فى أوساط الطبقة المتوسطة. أما الفقراء باختلاف درجاتهم فإن وقع الصدمة عليهم كان مضاعفا.
وهو ما يسوغ لى أن أقول إن المجتمع المصرى إذا لم يكن فى حالة ثورة فهو على الأقل يمر بحالة القابلية للثورة، وهى ليست ثورة ضد النظام، ولكنها دفاع عن حق الناس فى العيش الكريم،
وأحسب أن ذلك التحليل ليس غائبا عن السلطة، التى باتت تحظر وتتشدد فى منع وقمع أى تجمع بشرى فى الشارع المصرى. وإضافة إلى ما تكفل به قانون حظر التظاهر، فإن القرار الأخير الذى منع التظاهر فى محيط ٨٠٠ متر لجميع المنشآت الحيوية، بمثابة خطوة تقطع الطريق على أى تظاهر محتمل فى بر مصر، حتى إذا كان سلميا ويحميه الدستور.
(4)
حين يصبح السخط والشكوى على كل لسان، ويتواتر الحديث عن تراجع شعبية الرئيس السيسى، فإن التوقف أمام ما يجرى يصبح واجبا، وتغدو مراجعة المسار والخطط أوجب. ولست مؤهلا للقيام بتلك المهمة، لكنى لا أشك فى أن غيرى أقدر على النهوض بها.
مع ذلك فربما كان بوسعى أن أسهم فى وصف المشهد وقراءته. فقد أثار انتباهى مثلا تصريح المتحدث باسم صندوق النقد الدولى الذى قال فيه إن انهيار الجنيه المصرى بالصورة التى وقعت تم بأسرع مما كان مقدرا. الأمر الذى يعنى أن الموضوع لم ينل حقه من الدراسة المسبقة.
وثمة اتفاق بين أغلب الخبراء على أن اقتران التعويم برفع اسعار الوقود لم يكن إجراء حكيما، كما إن إنفاق الأموال الطائلة، على المشروعات العملاقة أسهم فى إضعاف قوة الجنيه المصرى وأدى إلى تبديد رصيد البلد من العملات الصعبة التى كان ينبغى أن تنفق على أوجه أكثر ضرورة وإلحاحا.
سمعت من خبراء آخرين أن زيادة دور القوات المسلحة فى المجال الاقتصادى حولها إلى بديل للقطاع العام حمل مسمى مختلفا.
إلى غير ذلك من الأمور التى باتت تستدعى إعادة نظر تصوب المسار وتنقذ السفينة من الغرق.
حين يصبح الاقتصاد فى أزمة. وتواجه السياسة أزمة مستحكمة جعلت مصطلح «موت السياسة» تعبيرا دارجا ومسلما به، فإن أفق المستقبل يصبح معتما ويفقد المجتمع أهم شروط التفاؤل بالحاضر أو المستقبل.
وفى هذه الحالة لا يخفف من وطأة الإحباط المبالغة فى التخويف من الإرهاب أو استنفار المجتمع لمتابعة مباريات كرة القدم أو تكثيف برامج المنوعات التى تبثها قنوات التليفزيون أو التهليل الإعلامى الذى يملأ الفضاء بالضجيج.
أدرى أن التحديات كثيرة والأعباء جسيمة، وأفرق بين حل المشكلات وبين توافر الثقة والاطمئنان إلى توافر ذلك الحل فى المستقبل القريب أو البعيد.
وأخشى ما أخشاه أن الذى أصبحنا نفتقده هو الثقة والأمل. خصوصا أننا وعدنا بالانفراج بعد سنتين. ولما لم يتحقق المراد صدرت تصريحات تحدثت عن انفراج بعد سنة أو سنتين أخريين. وقذف البعض بالكرة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة (فى عام ٢٠١٨).
وحين تزامن ذلك مع تعالى مؤشرات الأزمة الاقتصادية وارتفاع وتيرة الاحتقان السياسى والتضييق على الحريات، فإن الناس ينبغى أن يعذروا إذا تراجع شعورهم بالثقة ولم يجدوا مبررا للتعلق بالأمل.
إن الرسائل الداعية إلى التنبيه والتحذير والمراجعة تنطلق من كل صوب طول الوقت. لكنها لا تجد من يتسلمها أو من يحاسب على تجاهلها وإنكار وجودها. إذ لا قيمة للأجراس إذا لم تجد من يسمعها.
..................................
رسائل السخط التى تطلق فى الفضاء المصرى فى أيام الشِّدة الراهنة ينبغى أن تسمع قبل فوات الأوان.
(1)
نشرت جريدة الأهرام الصادرة يوم ١٢ فبراير الحالى (أمس الأول) إعلانا على الصفحة الأولى بحجم لافت للنظر كان عنوانه كالتالى: شكر وتقدير ــ يتقدم مستثمرو العبور بخالص الشكر وعظيم الامتنان إلى السادة الذين كانوا ١٤ ضابط شرطة يتقدمهم وزير الداخلية
ــ أما موضوع الشكر فهو «ما بذلوه من جهود لإعادة الأستاذ فلان (الذى هو من رجال الأعمال)، الذى تم اختطافه وأعادوه إلينا سالما».
رسالة الإعلان تقول إن عودة رجل الأعمال إلى بيته سالما صار خبرا يستحق توجيه الشكر وعظيم الامتنان لوزير الداخلية و١٤ ضابط شرطة. وهو أمر لا مبالغة فيه، لأن خطف رجال الأعمال واشتراط دفع فدية لإطلاقهم بات ملحوظا فى مصر خلال السنوات الأخيرة،
ومشهورة قصة عصابة بورسعيد التى تخصصت فى تلك العمليات. وكان أبرز ضحاياهم مستثمر من بنجلاديش.
ومن الضحايا المشهورين الذين تحدثت عنهم الصحف المصرية مستثمر سعودى يملك مصنعا للصلصة تم اختطافه مع سائقه فى طريق عودته من الإسماعيلية إلى القاهرة. وقيل آنذاك إن خاطفيه طلبوا خمسة ملايين جنيه لتحريره، أما غير المشهورين الذين تعرضوا للاختطاف ثم أخلى سبيلهم بعد دفع الفدية فى صمت فأعدادهم غير معروفة، لكنها ليست قليلة على أى حال، أو هكذا تقول الشائعات.
لو أنها حوادث استثنائية مما يتعرض له بعض الأثرياء لقلنا إنها مما يحدث فى بلاد أخرى، لكنها تحولت إلى ظاهرة لم تعد تؤرق الأثرياء وحدهم، ولكنها باتت تزعج القادرين خصوصا الذين أصبحوا يعيشون فى منتجعات الضواحى، وغيرهم من أهالى تلاميذ المدارس الخاصة، الذين أصبح أطفالهم يتعرضون للاختطاف واشتراط دفع مبالغ مالية متفاوتة القيمة لإطلاقهم. حتى أصبحت حراسة أولئك الأطفال فى الذهاب والعودة هما يشغل أغلب الأسر.
أفهم أيضا أن يكون هناك مجرمون وراء تلك الحوادث، لكن المشكلة تتخذ منحى آخر إذا لاحظنا أن بعض الجناة ليسوا مجرمين ولكنهم فقراء أو عاطلون. وأن الخطف ليس سوى شكل واحد من أشكال الانحرافات التى ظهرت أعراضها فى المجتمع.
ولم تعد مقصورة على الطبقات المعدمة أو الفقيرة، ولكن عدواها انتقلت إلى الطبقات المتوسطة التى جرى إفقارها فى أجواء الغلاء الفاحش الذى أحدث تصدعات اجتماعية غير محسوبة.
(2)
للأسف ليست لدينا دراسات يطمأن إليها توثق ما أدعيه. خصوصا أن المسئولين لا يرحبون بالمعلومات التى تتحدث عن عمق ونتائج الأزمة الاقتصادية فى مصر، إذ يعتبرون نشر إحصاءات تفشى الجريمة وانتشار حوادث العنف بسبب الأزمة الطاحنة من قبيل تثبيط الهمم والانصراف عن الإنجازات.
وربما كانت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاءات هى الضوء الرسمى الوحيد الذى يوضح لنا بعض مؤشرات الأزمة.
آية ذلك أن الصحف الصادرة هذا الأسبوع تحدثت عن ارتفاع معدل التضخم السنوى فى شهر يناير إلى ٢٩.٦٪، وفصل تقريرها فى نسب الزيادات فى أسعار السلع الأساسية من اللحوم والدواجن إلى الخبز والألبان.
وأبرزت صحيفة «المصرى اليوم» فى عناوين عدد ١٣ فبراير تعليق الدكتورة عاليا المهدى العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذى ذكرت فيه أن تلك النسبة من التضخم هى الأعلى فى مصر منذ سبعين عاما.الأمر الذى يعنى أن المصريين لم يعرفوا مثل ذلك الغلاء الذى يعانون منه منذ ثلاثة أرباع القرن تقريبا.
الأوجه الأخرى للصورة نتعرف عليها من وسائل الإعلام. فالخبراء الاقتصاديون يحذرون من أن القادم أسوأ، فالزيادات فى الأسعار سوف تستمر فى مجالات حيوية عدة (الكهرباء ومياه الشرب والوقود مثلا) طبقا للاتفاق الذى أبرم مع صندوق النقد الدولى.
وهو ما يعنى أن معاناة الجماهير سوف تتضاعف، الأمر الذى سيرفع من معدلات العنف والجريمة والفساد أيضا. لأن ملايين الموظفين من ذوى الدخول الثابتة لن يصبحوا قادرين على الاستمرار فى الحياة إلا باللجوء إما إلى الجريمة وإما الرشوة.
والذين يرفضون السير فى ذلك الطريق، أمامهم خيار ثالث له سوقه التى أصبحت رائجة فى مصر، التى أصبحت ثالث بلد فى العالم تباع فيه الأعضاء البشرية، بعد الصين وباكستان. حتى بات مألوفا أن تنشر الصحف المصرية أخبارا عن اكتشاف عصابات ومستشفيات ومراكز تقوم بتلك المهمة.
أما الذين تسد فى وجوههم كل الأبواب، فإنهم يلجأون إلى الانتحار يأسا من الحياة، فى ظل العجز عن تلبية احتياجات المعيشة أو العجز عن سداد الديون. وبوسع أى باحث أن يرصد تواتر نشر تلك الحوادث فى الصحف المصرية بين الحين والآخر.
(3)
فى الثامن من شهر فبراير الحالى قام أهالى مدينة «القرين» بمحافظة الشرقية باعتراض طريق سيارة نقل تابعة لوزارة التموين، كانت محملة بكميات من السلع الأساسية فى مقدمتها السكر والزيت والأرز. وما إن توقفت السيارة حتى اقتحمها الأهالى وقاموا بنهب محتوياتها.
الدلالة السياسية للحدث تداولتها مواقع التواصل الاجتماعى التى أعادت إلى الأذهان ذكرى أحداث ١٨ و١٩ يناير قبل أربعين عاما (عام ١٩٧٧) حين انفجر غضب الفقراء بعد رفع أسعار الخبز فخرجوا فى مظاهرات هاجمت بعض المحلات التجارية، وهتفت ضد الرئيس السادات وحكومته.
ولايزال جيلنا الذى عاصر تلك الأحداث يذكر الهتافات التى كان منها: يا ساكنين القصور الفقرا عايشين فى القبور ــ سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمه بقى بجنيه ــ هو (السادات) يلبس آخر موضة واحنا بنسكن عشرة فى أوضة..إلخ.
فى تعلقيات السوشيال ميديا على الحاصل فى مصر هذه الأيام ترددت عبارات انتفاضة الغلابة وثورة الجياع. وقرأت لأول مرة اسم حركة «ضنك» وتصدى أحد المعلقين للفكرة قائلا إن الانتفاضة أو الثورة لا تكون بالضرورة على شكل مظاهرات جماعية غاضبة تهتف وتهاجم المحلات التجارية، لكنها أيضا قد تكون على شكل انتشار الممارسات الفردية التى تعبر عن النقمة والغضب.
وخلص صاحبنا من ذلك إلى أن ما يحدث فى مصر الآن هو ثورة من ذلك الطراز الأخير، وقد ظهرت بوادرها بوضوح بعد تعويم الجنيه المصرى ورفع أسعار جميع السلع.
الأمر الذى كان له صداه العنيف فى أوساط الطبقة المتوسطة. أما الفقراء باختلاف درجاتهم فإن وقع الصدمة عليهم كان مضاعفا.
وهو ما يسوغ لى أن أقول إن المجتمع المصرى إذا لم يكن فى حالة ثورة فهو على الأقل يمر بحالة القابلية للثورة، وهى ليست ثورة ضد النظام، ولكنها دفاع عن حق الناس فى العيش الكريم،
وأحسب أن ذلك التحليل ليس غائبا عن السلطة، التى باتت تحظر وتتشدد فى منع وقمع أى تجمع بشرى فى الشارع المصرى. وإضافة إلى ما تكفل به قانون حظر التظاهر، فإن القرار الأخير الذى منع التظاهر فى محيط ٨٠٠ متر لجميع المنشآت الحيوية، بمثابة خطوة تقطع الطريق على أى تظاهر محتمل فى بر مصر، حتى إذا كان سلميا ويحميه الدستور.
(4)
حين يصبح السخط والشكوى على كل لسان، ويتواتر الحديث عن تراجع شعبية الرئيس السيسى، فإن التوقف أمام ما يجرى يصبح واجبا، وتغدو مراجعة المسار والخطط أوجب. ولست مؤهلا للقيام بتلك المهمة، لكنى لا أشك فى أن غيرى أقدر على النهوض بها.
مع ذلك فربما كان بوسعى أن أسهم فى وصف المشهد وقراءته. فقد أثار انتباهى مثلا تصريح المتحدث باسم صندوق النقد الدولى الذى قال فيه إن انهيار الجنيه المصرى بالصورة التى وقعت تم بأسرع مما كان مقدرا. الأمر الذى يعنى أن الموضوع لم ينل حقه من الدراسة المسبقة.
وثمة اتفاق بين أغلب الخبراء على أن اقتران التعويم برفع اسعار الوقود لم يكن إجراء حكيما، كما إن إنفاق الأموال الطائلة، على المشروعات العملاقة أسهم فى إضعاف قوة الجنيه المصرى وأدى إلى تبديد رصيد البلد من العملات الصعبة التى كان ينبغى أن تنفق على أوجه أكثر ضرورة وإلحاحا.
سمعت من خبراء آخرين أن زيادة دور القوات المسلحة فى المجال الاقتصادى حولها إلى بديل للقطاع العام حمل مسمى مختلفا.
إلى غير ذلك من الأمور التى باتت تستدعى إعادة نظر تصوب المسار وتنقذ السفينة من الغرق.
حين يصبح الاقتصاد فى أزمة. وتواجه السياسة أزمة مستحكمة جعلت مصطلح «موت السياسة» تعبيرا دارجا ومسلما به، فإن أفق المستقبل يصبح معتما ويفقد المجتمع أهم شروط التفاؤل بالحاضر أو المستقبل.
وفى هذه الحالة لا يخفف من وطأة الإحباط المبالغة فى التخويف من الإرهاب أو استنفار المجتمع لمتابعة مباريات كرة القدم أو تكثيف برامج المنوعات التى تبثها قنوات التليفزيون أو التهليل الإعلامى الذى يملأ الفضاء بالضجيج.
أدرى أن التحديات كثيرة والأعباء جسيمة، وأفرق بين حل المشكلات وبين توافر الثقة والاطمئنان إلى توافر ذلك الحل فى المستقبل القريب أو البعيد.
وأخشى ما أخشاه أن الذى أصبحنا نفتقده هو الثقة والأمل. خصوصا أننا وعدنا بالانفراج بعد سنتين. ولما لم يتحقق المراد صدرت تصريحات تحدثت عن انفراج بعد سنة أو سنتين أخريين. وقذف البعض بالكرة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة (فى عام ٢٠١٨).
وحين تزامن ذلك مع تعالى مؤشرات الأزمة الاقتصادية وارتفاع وتيرة الاحتقان السياسى والتضييق على الحريات، فإن الناس ينبغى أن يعذروا إذا تراجع شعورهم بالثقة ولم يجدوا مبررا للتعلق بالأمل.
إن الرسائل الداعية إلى التنبيه والتحذير والمراجعة تنطلق من كل صوب طول الوقت. لكنها لا تجد من يتسلمها أو من يحاسب على تجاهلها وإنكار وجودها. إذ لا قيمة للأجراس إذا لم تجد من يسمعها.
..................................
Published on February 13, 2017 13:12
February 12, 2017
الربيع المفترى عليه
صحيفة السبيل الأردنيه الاثنين 16 جمادى أول 1438 – 13 فبراير 2017الربيع المفترى عليه - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/02/blog-post_13.html
ليس مفهوما إصرار الأمين العام لجامعة الدول العربية على ازدراء الربيع العربي وتحامله الشديد عليه كلما جاء ذكره أمامه. ورغم أن السيد أحمد أبو الغيط كان دبلوماسيا لأكثر من نصف قرن (التحق بالخارجية المصرية عام ١٩٦٥) فإنه تخلى عن دبلوماسيته في حديثه عن الربيع العربي أكثر من مرة، متجاهلا أن أكثر من نظام جاء به ذلك الربيع ممثل الآن في الجامعة العربية التي يتولى أمانتها.
لقد تابعت السيد أبو الغيط في حوار أجرته معه في ٣ فبراير الحالي (٢٠١٧) قناة «روسيا اليوم» قال فيه إن ما يسمى بالربيع العربي جدير بأن يسمى التدمير العربي، ودلل على ذلك بأنه تسبب في الخراب والدمار الذي حل بأكثر من قطر عربي.
ووجدته يقول نفس الكلام في حوار آخر بثته قناة «س. بي. سي» المصرية في ١٨ يوليو عام ٢٠١٦، وصف فيه الربيع العربي بأنه كذبة ومؤامرة.
كما أنه ردد فكرة الدمار والخراب ذاتها في حوار تليفزيوني ثالث بثه التليفزيون المصري في ٢٨ ديسمبر عام ٢٠١٤، ضمن برنامج باسم بوابة القاهرة.
كان مفهوما أن يكون ذلك رأي السيد أبو الغيط بوصفه وزيرا للخارجية المصرية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي أطاح به الربيع العربي. ومن ثم لم يكن غريبا ما قاله في الحوار الذي تم معه في عام ٢٠١٤، وتصورت أن تختلف لغته ــ وليس بالضرورة موقفه ــ بعد اختياره أمينا عاما للجامعة العربية في عام ٢٠١٦. إلا أنه لم يخف مشاعره، وظل مصرا على أن الرياح المنعشة التي هبت على العالم العربي في عام ٢٠١١، لم تكن سوى أكذوبة ومؤامرة،
وهو ما أعطى انطباعا بأن الرجل ليس معبرا عن «أمانة» جامعة الدول العربية ولكنه يعتبر نفسه ممثلا لبعض الدول المخاصمة للربيع العربي التي سعت جاهدة لإفشاله، وحققت بعض النجاحات في ذلك.
تلك ملاحظتي الأولى على كلام الرجل.
ولي بعد ذلك ملاحظات أخرى أوجزها فيما يلي:
< إن الدستور المصري الصادر في عام ٢٠١٤، اعتبر التغيير الثوري الذي أطاح بمبارك في ٢٥ يناير وكذلك ما جري في ٣٠ يونيو بعد ذلك، بمثابة «امتداد للمسيرة الثورية للوطنية المصرية»، واستغرب أن يتجاهل أن ثورة يناير انطلقت في السنة الأولى للربيع العربي، وكانت الحلقة الثانية «بعد تونس» من موجة التغيير التي شهدها العالم العربي في عام ٢٠١١.
< إنه كرر في لقاءاته الاستشهاد بما حدث في العراق واعتبر ما أصابه من تجليات الدمار الذي أحدثه الربيع العربي، وقد خانته ذاكرته في ذلك، لأن ما حل بالعراق هو نتيجة الاحتلال الذي وقع في عام ٢٠٠٣ ولا علاقة له بالربيع الذي هبت رياحه على العالم العربي في عام ٢٠١١.
< في تجريحه للربيع العربي، فإنه كما بدا متعاطفا ضمنيا مع الأنظمة العربية الاستبدادية والفاسدة، وفي المقدمة منها نظام الأسد الوحشي الذي قرأنا قبل أيام فقط أنه أعدم ١٣ ألف شخص في سجونه خلال السنوات الخمس الأخيرة، إضافة إلى قتل وتهجير الملايين من السوريين.
ولم يشر بكلمة إلى شوق الجماهير العربية إلى الحرية والعدل في بقية الأقطار التي ذكرها، ولو أنه قال مثلا إن الربيع العربي عالج أوضاعا سيئة بتداعيات أسوأ لكان أكثر موضوعية ودبلوماسية، وأكثر التزاما بمسؤولية منصبه.
< إنه لم يكن منصفا في تقييم الربيع العربي، إذ ركز على النتائج وتعمد السكوت عن الأسباب التي تمثلت في تعلق الجماهير العربية بحلم التغيير الذي بدأ سلميا ولكن قسوة القمع والتدخلات الخارجية قلبت المشهد وأوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه،
وهو ما يعني أن الذي تسبب في الدمار والفوضى ليس الربيع العربي ولكنه التآمر عليه وجهود إفشاله لصالح الثورة المضادة التي استعادت مواقعها على النحو الذي يلمسه الجميع. والله أعلم.
...........................
ليس مفهوما إصرار الأمين العام لجامعة الدول العربية على ازدراء الربيع العربي وتحامله الشديد عليه كلما جاء ذكره أمامه. ورغم أن السيد أحمد أبو الغيط كان دبلوماسيا لأكثر من نصف قرن (التحق بالخارجية المصرية عام ١٩٦٥) فإنه تخلى عن دبلوماسيته في حديثه عن الربيع العربي أكثر من مرة، متجاهلا أن أكثر من نظام جاء به ذلك الربيع ممثل الآن في الجامعة العربية التي يتولى أمانتها.
لقد تابعت السيد أبو الغيط في حوار أجرته معه في ٣ فبراير الحالي (٢٠١٧) قناة «روسيا اليوم» قال فيه إن ما يسمى بالربيع العربي جدير بأن يسمى التدمير العربي، ودلل على ذلك بأنه تسبب في الخراب والدمار الذي حل بأكثر من قطر عربي.
ووجدته يقول نفس الكلام في حوار آخر بثته قناة «س. بي. سي» المصرية في ١٨ يوليو عام ٢٠١٦، وصف فيه الربيع العربي بأنه كذبة ومؤامرة.
كما أنه ردد فكرة الدمار والخراب ذاتها في حوار تليفزيوني ثالث بثه التليفزيون المصري في ٢٨ ديسمبر عام ٢٠١٤، ضمن برنامج باسم بوابة القاهرة.
كان مفهوما أن يكون ذلك رأي السيد أبو الغيط بوصفه وزيرا للخارجية المصرية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي أطاح به الربيع العربي. ومن ثم لم يكن غريبا ما قاله في الحوار الذي تم معه في عام ٢٠١٤، وتصورت أن تختلف لغته ــ وليس بالضرورة موقفه ــ بعد اختياره أمينا عاما للجامعة العربية في عام ٢٠١٦. إلا أنه لم يخف مشاعره، وظل مصرا على أن الرياح المنعشة التي هبت على العالم العربي في عام ٢٠١١، لم تكن سوى أكذوبة ومؤامرة،
وهو ما أعطى انطباعا بأن الرجل ليس معبرا عن «أمانة» جامعة الدول العربية ولكنه يعتبر نفسه ممثلا لبعض الدول المخاصمة للربيع العربي التي سعت جاهدة لإفشاله، وحققت بعض النجاحات في ذلك.
تلك ملاحظتي الأولى على كلام الرجل.
ولي بعد ذلك ملاحظات أخرى أوجزها فيما يلي:
< إن الدستور المصري الصادر في عام ٢٠١٤، اعتبر التغيير الثوري الذي أطاح بمبارك في ٢٥ يناير وكذلك ما جري في ٣٠ يونيو بعد ذلك، بمثابة «امتداد للمسيرة الثورية للوطنية المصرية»، واستغرب أن يتجاهل أن ثورة يناير انطلقت في السنة الأولى للربيع العربي، وكانت الحلقة الثانية «بعد تونس» من موجة التغيير التي شهدها العالم العربي في عام ٢٠١١.
< إنه كرر في لقاءاته الاستشهاد بما حدث في العراق واعتبر ما أصابه من تجليات الدمار الذي أحدثه الربيع العربي، وقد خانته ذاكرته في ذلك، لأن ما حل بالعراق هو نتيجة الاحتلال الذي وقع في عام ٢٠٠٣ ولا علاقة له بالربيع الذي هبت رياحه على العالم العربي في عام ٢٠١١.
< في تجريحه للربيع العربي، فإنه كما بدا متعاطفا ضمنيا مع الأنظمة العربية الاستبدادية والفاسدة، وفي المقدمة منها نظام الأسد الوحشي الذي قرأنا قبل أيام فقط أنه أعدم ١٣ ألف شخص في سجونه خلال السنوات الخمس الأخيرة، إضافة إلى قتل وتهجير الملايين من السوريين.
ولم يشر بكلمة إلى شوق الجماهير العربية إلى الحرية والعدل في بقية الأقطار التي ذكرها، ولو أنه قال مثلا إن الربيع العربي عالج أوضاعا سيئة بتداعيات أسوأ لكان أكثر موضوعية ودبلوماسية، وأكثر التزاما بمسؤولية منصبه.
< إنه لم يكن منصفا في تقييم الربيع العربي، إذ ركز على النتائج وتعمد السكوت عن الأسباب التي تمثلت في تعلق الجماهير العربية بحلم التغيير الذي بدأ سلميا ولكن قسوة القمع والتدخلات الخارجية قلبت المشهد وأوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه،
وهو ما يعني أن الذي تسبب في الدمار والفوضى ليس الربيع العربي ولكنه التآمر عليه وجهود إفشاله لصالح الثورة المضادة التي استعادت مواقعها على النحو الذي يلمسه الجميع. والله أعلم.
...........................
Published on February 12, 2017 20:39
February 11, 2017
فى رثاء الثورة البيضاء
صحيفة الشروق الجديد المصريه الأحد 15 جمادى أول 1438 – 12 فبراير 2017فى رثاء الثورة البيضاء – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/02/blog-post_51.html
يوم (السبت 11 فبراير) حلت الذكرى السادسة لأغرب ثورات التغيير المجهضة فى العالم العربى. لم يكن غريبا أنها انطلقت فى عام 2011، الذى كان عام انتشار إرهاصات الربيع العربى. ولا غرابة فى أنها أجهضت وفشلت فى تحقيق مرادها. وهو ما كان نصيب أغلب الثورات التى تفجرت آنذاك.
لكن وجه الغرابة يكمن فى أمور عدة،
أهمها أن الثوار ظلوا مرابطين فى قلب العاصمة، فى ساحة التغيير وشارع الستين، طوال أحد عشر شهرا.
منها أيضا أنها كانت ثورة شباب بالأساس، لكن دور اليمنيات منها كان مبهرا. إذ خرجن إلى المسيرات يرددن الهتافات ويرفعن اللافتات وقد ارتدين ثيابهن التقليدية التى تغطى الجسم كله باستثناء العينين،
منها كذلك أن اليمنيين اعتبروها ثورة بيضاء؛ إذ ظلوا طول الوقت متمسكين بسلمية انتفاضتهم. فلم يشهر سلاح ولم تطلق رصاصة. رغم أن السلاح جزء من المستلزمات الشخصية لكل مواطن، ورغم أن الثوار تعرضوا لغارات الأجهزة الأمنية وحملات جنود الأمن المركزى الذين استخدموا معهم مختلف أساليب الترهيب والقمع، الأمر الذى أسفر عن سقوط نحو 700 قتيل وأضعافهم من الجرحى.
خلال الأحد عشر شهرا ظلت جماهير الثورة البيضاء معتصمة بميدان التغيير، وقد توزعت على خيام نصبت لعناصر القوى السياسية والشبابية، فضلا عن أبناء المحافظات والقبائل المختلفة.
وهؤلاء أقاموا حياة كاملة فى الميدان، تم خلالها ترتيب إعاشتهم وتوفير بقية الخدمات لهم من الطعام إلى «القات». وكان لأهل صنعاء دورهم البارز فى ذلك.
وخلال إقامتهم فإنهم لم يكفوا عن الهتاف ضد حكم العسكر وحكم مشايخ القبائل، والدعوة إلى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية. كما أنهم لم يتوقفوا عن ترديد الأغانى الوطنية وممارسة مختلف الأنشطة التعبوية والثقافية والترفيهية.
كان حكم الرئيس ــ أنذاك ــ على عبدالله صالح قد جاوز ثلاثين عاما، ساد خلالها الظلم والنهب والفساد بكل صوره. وما إن انطلقت شرارة الثورة من تونس فى الرابع من شهر يناير عام 2011، بعد انتحار الشاب محمد بوعزيزى قبل ذلك بأسبوعين حتى انطلقت مجموعة من طلاب جامعة صنعاء صوب السفارة التونسية، معبرة عن التضامن والتبريك،
ثم ما إن انفجرت الثورة فى مصر يوم 25 يناير حتى اتسعت دائرة التضامن الشبابى، وذهبت مجموعة أكبر منهم إلى السفارة المصرية فى صنعاء معبرة عن المشاعر ذاتها.
وبدا أن الحدثين الكبيرين لمسا وترا حساسا لدى الشعب اليمنى الذى كان شبابه يعانون من وطأة الظلم والفساد ويتوقون إلى استعادة وطنهم المنهوب، الذى قامت فيه ثورتان. إحداهما نجحت فى الإطاحة بالحكم الإمامى فى عام 1962، والثانية فشلت فى بلوغ ذلك الهدف فى عام 1948.
أصداء الثورة المصرية كانت قوية فى صنعاء، لذلك سرعان ما جرى استنساخ ميدان التحرير فى ميدان التغيير هناك، ومع استمرار التفاعلات فى مصر، فإن شرارات الثورة انتشرت فى أنحاء اليمن، حتى شملت 17 من 20 محافظة،
ومن المصادفات أنه حين بلغ الاحتشاد الشعبى ذروته فى صنعاء يوم 11 فبراير، خصوصا بعدما وصلت مسيرة «الحياة» الحاشدة من تعز، أعلن الرئيس مبارك تخليه عن السلطة مساء اليوم ذاته. وهو ما شكل عاملا ألهب مشاعر الجماهير اليمنية ودفعها إلى الاستمرار فى الاحتشاد والإصرار على تغيير النظام.
طوال الأشهر التالية، وحتى نهاية العام، ظلت الجماهير الثائرة مصرة على مطلبها. وأصبحت صلاة الجمعة فى مختلف المحافظات موعد تجديد الأمل فى التغيير.
إلا أن المبادرة الخليجية التى ظلت موضوعا للجدل والأخذ والرد (أعلنت فى 3 أبريل 2012) أوهمت اليمنيين بتسوية الصراع السياسى، الأمر الذى انتهى بإجهاض الثورة. وأدى إلى إخراج اليمنيين من الحفرة، لكنه أوقعهم فى البئر الذى نشهده الآن.
.............................
يوم (السبت 11 فبراير) حلت الذكرى السادسة لأغرب ثورات التغيير المجهضة فى العالم العربى. لم يكن غريبا أنها انطلقت فى عام 2011، الذى كان عام انتشار إرهاصات الربيع العربى. ولا غرابة فى أنها أجهضت وفشلت فى تحقيق مرادها. وهو ما كان نصيب أغلب الثورات التى تفجرت آنذاك.
لكن وجه الغرابة يكمن فى أمور عدة،
أهمها أن الثوار ظلوا مرابطين فى قلب العاصمة، فى ساحة التغيير وشارع الستين، طوال أحد عشر شهرا.
منها أيضا أنها كانت ثورة شباب بالأساس، لكن دور اليمنيات منها كان مبهرا. إذ خرجن إلى المسيرات يرددن الهتافات ويرفعن اللافتات وقد ارتدين ثيابهن التقليدية التى تغطى الجسم كله باستثناء العينين،
منها كذلك أن اليمنيين اعتبروها ثورة بيضاء؛ إذ ظلوا طول الوقت متمسكين بسلمية انتفاضتهم. فلم يشهر سلاح ولم تطلق رصاصة. رغم أن السلاح جزء من المستلزمات الشخصية لكل مواطن، ورغم أن الثوار تعرضوا لغارات الأجهزة الأمنية وحملات جنود الأمن المركزى الذين استخدموا معهم مختلف أساليب الترهيب والقمع، الأمر الذى أسفر عن سقوط نحو 700 قتيل وأضعافهم من الجرحى.
خلال الأحد عشر شهرا ظلت جماهير الثورة البيضاء معتصمة بميدان التغيير، وقد توزعت على خيام نصبت لعناصر القوى السياسية والشبابية، فضلا عن أبناء المحافظات والقبائل المختلفة.
وهؤلاء أقاموا حياة كاملة فى الميدان، تم خلالها ترتيب إعاشتهم وتوفير بقية الخدمات لهم من الطعام إلى «القات». وكان لأهل صنعاء دورهم البارز فى ذلك.
وخلال إقامتهم فإنهم لم يكفوا عن الهتاف ضد حكم العسكر وحكم مشايخ القبائل، والدعوة إلى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية. كما أنهم لم يتوقفوا عن ترديد الأغانى الوطنية وممارسة مختلف الأنشطة التعبوية والثقافية والترفيهية.
كان حكم الرئيس ــ أنذاك ــ على عبدالله صالح قد جاوز ثلاثين عاما، ساد خلالها الظلم والنهب والفساد بكل صوره. وما إن انطلقت شرارة الثورة من تونس فى الرابع من شهر يناير عام 2011، بعد انتحار الشاب محمد بوعزيزى قبل ذلك بأسبوعين حتى انطلقت مجموعة من طلاب جامعة صنعاء صوب السفارة التونسية، معبرة عن التضامن والتبريك،
ثم ما إن انفجرت الثورة فى مصر يوم 25 يناير حتى اتسعت دائرة التضامن الشبابى، وذهبت مجموعة أكبر منهم إلى السفارة المصرية فى صنعاء معبرة عن المشاعر ذاتها.
وبدا أن الحدثين الكبيرين لمسا وترا حساسا لدى الشعب اليمنى الذى كان شبابه يعانون من وطأة الظلم والفساد ويتوقون إلى استعادة وطنهم المنهوب، الذى قامت فيه ثورتان. إحداهما نجحت فى الإطاحة بالحكم الإمامى فى عام 1962، والثانية فشلت فى بلوغ ذلك الهدف فى عام 1948.
أصداء الثورة المصرية كانت قوية فى صنعاء، لذلك سرعان ما جرى استنساخ ميدان التحرير فى ميدان التغيير هناك، ومع استمرار التفاعلات فى مصر، فإن شرارات الثورة انتشرت فى أنحاء اليمن، حتى شملت 17 من 20 محافظة،
ومن المصادفات أنه حين بلغ الاحتشاد الشعبى ذروته فى صنعاء يوم 11 فبراير، خصوصا بعدما وصلت مسيرة «الحياة» الحاشدة من تعز، أعلن الرئيس مبارك تخليه عن السلطة مساء اليوم ذاته. وهو ما شكل عاملا ألهب مشاعر الجماهير اليمنية ودفعها إلى الاستمرار فى الاحتشاد والإصرار على تغيير النظام.
طوال الأشهر التالية، وحتى نهاية العام، ظلت الجماهير الثائرة مصرة على مطلبها. وأصبحت صلاة الجمعة فى مختلف المحافظات موعد تجديد الأمل فى التغيير.
إلا أن المبادرة الخليجية التى ظلت موضوعا للجدل والأخذ والرد (أعلنت فى 3 أبريل 2012) أوهمت اليمنيين بتسوية الصراع السياسى، الأمر الذى انتهى بإجهاض الثورة. وأدى إلى إخراج اليمنيين من الحفرة، لكنه أوقعهم فى البئر الذى نشهده الآن.
.............................
Published on February 11, 2017 13:54
February 10, 2017
تقنين النهب والسرقة
صحيفة السبيل الأردنيه السبت 14 جمادى أول 11438 – 11 فبرراير 2017 تقنين النهب والسرقة - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/02/blog-post_11.html
إذا كان أحد الكتاب الإسرائيليين قد اعتبر تقنين «الكنسيت» لسرقة الأراضي الفلسطينية بمثابة «بصقة» في وجه المجتمع الدولي، فكيف نصف وقعه على العالم العربي صاحب «القضية المركزية»؟!..
الوصف الأول أطلقه تسفي برئيل في مقالة نشرتها صحيفة «هاآرتس» يوم ٨ فبراير الحالي، بعد يومين من إقرار البرلمان الإسرائيلي للقانون الذي أضفى شرعية على سرقات المستوطنين للأراضي التي يملكها الفلسطينيون في الضفة الغربية.
وهي خطوة غير مسبوقة لم يجرؤ الكنيسيت على الإقدام عليها من قبل، ولم يكن ذلك تعففا أو حياء بطبيعة الحال، لأن الأحزاب اليمينية نجحت في فرضه بما يمثله من تحدٍ صارخ للمجتمع الدولي وانتهاك وقح للقانون الدولي.
ذلك أن الاستيطان، بمعنى نقل السكان إلى الأراضي المحتلة، يعد جريمة حرب حسب ميثاق روما. لكن «إسرائيل» تحايلت وفرقت بين مستوطنات تقيمها الدولة، وهذه أجازتها رغم أن القانون الدولي يجرمها، وبين البؤر العشوائية التي يقيمها المستوطنون من جانبهم خارج مخططات الدولة.
وهذه يبطلها القانون الإسرائيلي من الناحية النظرية، وبمقتضى ذلك القانون صدرت أحكام قضائية بإزالة بعض تلك البؤر من باب ستر العورة وذر الرماد في العيون، حيث لا يغيب عن أحد أن المشروع الاستيطاني برمته جزء أصيل من سياسة الدولة العبرية، التي قامت على اغتصاب الأراضي وإحلال شعب مستورد محل الشعب أصحاب الأرض.
لقد عرفنا سرقة للأراضي في فلسطينين بقوة السلاح، ثم الاحتيال من خلال إصدار ٤٣ قانونا لمصادرة أراضي الفلسطينيين.
أما القانون الذي تم إقراره يوم الاثنين الماضي بدعوى تسوية الأراضي، فإنه لم يلجأ إلى الاحتيال وقرر بمنتهى الصفاقة أن المستوطنين إذا استولوا من جانبهم على أراضي يملكها فلسطينيون، حتى إذا تم ذلك خارج مخططات الدولة، فليس للفلسطيني صاحب الأرض أن يرفع دعوى لاستردادها، وإنما يصبح مخيرا بين أمرين إما القبول بالتعويض المالي، أو مقايضته بأرض بديلة.
وهو ما يعني إسقاط التمييز الذي كان قائما بين المستوطنات الحكومية وتلك التي يقيمها الأفراد أو الجماعات الأهلية.
الأثر المباشر لهذه الخطوة يتمثل في فتح الباب على مصراعيه لتقنين نهب الأراضي والتمدد التوحشي الاسيتطاني في الضفة الغربية بما يمهد لضمها وإخضاعها للقانون الإسرائيلي، فضلا عن أنه يجهز على أمل قيام الدولة الفلسطينية، التي أصبحت في خطاب السلطة شعارا وهتافا بلا مضمون على الأرض.
يؤيد ذلك ويرجحه أن الحكومة الإسرائيلية قررت أخيرا إقامة ستة آلاف وحدة سكنية جديدة، في تحد لقرار مجلس الأمن حظر الاستيطان،
ولا يشك أحد في أن ذلك ما كان له أن يتم دون ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية الجديدة التي صرح ناطق باسمها بأن المستوطنات لا تشكل تهديدا للسلام أو عقبة في طريقه،
وأستحي أن أقول إن الصمت العربي الرسمي إزاء المرحلة الجديدة من سرقة الأراضي الفلسطينية بمثابة ضوء أخضر ضمني يطمئن «إسرائيل» إلى أن ما تفعله لن يعكر الصفو ولن يفسد «للود» قضية.
في مواجهة هذا الموقف فإن السلطة الفلسطينية قد ينقذها من الحرج والفضيحة أن ترفض المحكمة العليا في «إسرائيل» إجازة القانون. أما إذا وافقت عليه فأمامها خياران الأول تنفيذ قرار المجلس المركزي واللجنة التنفيذية الصادر منذ سنتين بوقف التنسيق الأمني وإعادة تقيم العلاقة مع «إسرائيل» في مختلف المجالات، الثاني أن تلجأ السلطة إلى المحكمة الجنائية الدولية لتحدد موقفا إزاء تقنين سرقة الأراضي ونهبها.
ومبلغ علمي أنها يمكن أن تلوح بذلك، لكنها أعجز من أن تقدم على أي منهما.
أما الشعب الفلسطيني فأمامه خيار واحد لا بديل عنه هو المقاومة ولا شيء غيرها، ولن أضيف حتى لا أتهم بالتحريض على «الإرهاب»!.....................
Published on February 10, 2017 20:57
February 8, 2017
عن مذبحة المقاهي
صحيفة السبيل الأردنيه الخميس 12 جمادى أول 1438 – 9 فبراير 2017 عن مذبحة المقاهي - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/02/blog-post_9.html
كم مصريا ينبغي أن يقتل لكي تفيق أجهزة الإدارة وتؤدي ما عليها في حماية المجتمع؟ السؤال من وحي الحادث المفجع الذي وقع في أحد مقاهي القاهرة يوم الأحد الماضي (٥/٢) وأدى إلى قتل أحد الشبان بسبب مشادة مع المسؤولين عن المقهى بسبب حساب «الفُرجة» على مباراة نهائي كأس أفريقيا.
إذ تبين أن المقهى يستأجر بلطجية لترهيب الزبائن، وقد طعن أحدهم الشاب بسكين أرداه بسببها قتيلا.
القصة هزت المجتمع المصري خصوصا حين علم الناس أن الشاب وحيد أبويه، وأنه تخرج لتوه في الجامعة البريطانية، وكان على موعد للسفر لتسلم عمل بالكويت في اليوم التالي. وأنه اصطحب خطيبته لمشاهدة المباراة ليلة السفر في أحد المقاهي المتميزة بمصر الجديدة، لكنه خرج منها جثة هامدة.
فضلا عن أنها فاجعة إنسانية، فإن الحادث نبه المسؤولين على كارثة المقاهي التي أصبحت بمثابة وباء انتشر بشكل مؤرق في مختلف الأحياء الهادئة، وتحول إلى ظاهرة سلبية ومصدر للعبث وتداول المخدرات، ناهيك عما سببته من أرق وإزعاج للسكان.
الصدمة أحدثت صداها لدى المسؤولين، فصدرت التعليمات خلال ٢٤ ساعة بتحطيم واجهات جميع تلك المقاهي بدعوى أنها غير مرخصة.
وكانت النتيجة أن غارة شنت على تلك المحلات وحطمت واجهاتها وديكوراتها، كما صادرت الطاولات والمقاعد، ولم ينته النهار إلا وتحولت تلك المحلات الباذخة إلى ركام وأنقاض، كأن زلزالا ضربها وأتى على ما فيها. حتى بدا وكأن الغارة كانت انتقاما غاضبا وثأرا للشاب الذي قتله البلطجية.
لأنني من سكان مصر الجديدة، وأحد الذين اشتكوا من استفحال الظاهرة كتابة وشفاهة، فقد أتيح لي أن أطالع مشهد الغارة ونتائجها المدمرة. وأحصيت في محيط سكني عشرة مقاهٍ لحقها التدمير، وقرأت على مواقع التواصل الاجتماعي أن ٧٠ مقهى حطمت واجهاتها في مصر الجديدة ومدينة نصر (الأهرام تحدثت عن ٥٧ مقهى فقط)، وهذه كلها كانت تعمل لسنوات بدون ترخيص،
كما قرأت تعليقات وتغريدات كررت الشكوى من سكان أحياء أخرى في القاهرة، وسكان مدينة المعادي المجاورة، وكما حدث معنا في مصر الجديدة، فإن السكان ظلوا يجأرون بالشكوى، دون أن تتحرك أجهزة البلدية المعنية، إلى أن وقعت الواقعة في أعقاب مباراة كأس أفريقيا، فشمرت الأجهزة عن سواعدها، وشنت غارتها على مقاهي الحي على النحو الذي ذكرت.
إذ يثير انتباهنا اكتشاف أن ذلك العدد الكبير من المقاهي يعمل بدون ترخيص، فإن ذلك يدعونا إلى البحث عن تفسير لاستمرارها في العمل بصورة غير مشروعة وسكوت البلدية عليها لعدة سنوات.
هناك حديث متواتر وقديم عن فساد المحليات والرشاوى التي تدفع لإنجاز أي معاملة غير مشروعة.
في الوقت ذاته ثمة همس مسموع الصوت يتحدث عن أن بين أصحاب المقاهي غير المرخصة عدد غير قليل من «الباشوات» ذوي النفوذ الذين لا يرد لهم طلب.
الملاحظة الأخري تتعلق بحجم الغارة التي وقعت. ذلك أن موضوع المقاهي كان قد أثير إعلاميا في العام الماضي، فقام حي مصر الجديدة بحملة محدودة استهدفت عددا من المقاهي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، لكن تلك المقاهي «وفقت أوضاعها» وعادت إلى العمل مرة أخرى خلال أسابيع محدودة، ثم شملتها الغارة الأخيرة.
وهو ما يعني أمرين، الأول أن فساد المحليات قادر على الالتفاف على القرارات الإدارية. الثاني أن شدة الحملة الأخيرة واتساع نطاقها يدل على أن التعليمات الخاصة بها صادرة من جهات أعلى من الباشوات الذين يملكون المقاهي أو يحمون أصحابها. وهو ما لا يطمئن كثيرا لأن ذلك لم يقع إلا بعد الدوي الذي أحدثه قتل الشاب مساء يوم الأحد.
وحينما تهدأ الموجة فلا غرابة أن تعود ريمة إلى عادتها القديمة، كما يقال. الأمر الذي يجعل السؤال الذي بدأت به الكلام واردا وملحا. ................
كم مصريا ينبغي أن يقتل لكي تفيق أجهزة الإدارة وتؤدي ما عليها في حماية المجتمع؟ السؤال من وحي الحادث المفجع الذي وقع في أحد مقاهي القاهرة يوم الأحد الماضي (٥/٢) وأدى إلى قتل أحد الشبان بسبب مشادة مع المسؤولين عن المقهى بسبب حساب «الفُرجة» على مباراة نهائي كأس أفريقيا.
إذ تبين أن المقهى يستأجر بلطجية لترهيب الزبائن، وقد طعن أحدهم الشاب بسكين أرداه بسببها قتيلا.
القصة هزت المجتمع المصري خصوصا حين علم الناس أن الشاب وحيد أبويه، وأنه تخرج لتوه في الجامعة البريطانية، وكان على موعد للسفر لتسلم عمل بالكويت في اليوم التالي. وأنه اصطحب خطيبته لمشاهدة المباراة ليلة السفر في أحد المقاهي المتميزة بمصر الجديدة، لكنه خرج منها جثة هامدة.
فضلا عن أنها فاجعة إنسانية، فإن الحادث نبه المسؤولين على كارثة المقاهي التي أصبحت بمثابة وباء انتشر بشكل مؤرق في مختلف الأحياء الهادئة، وتحول إلى ظاهرة سلبية ومصدر للعبث وتداول المخدرات، ناهيك عما سببته من أرق وإزعاج للسكان.
الصدمة أحدثت صداها لدى المسؤولين، فصدرت التعليمات خلال ٢٤ ساعة بتحطيم واجهات جميع تلك المقاهي بدعوى أنها غير مرخصة.
وكانت النتيجة أن غارة شنت على تلك المحلات وحطمت واجهاتها وديكوراتها، كما صادرت الطاولات والمقاعد، ولم ينته النهار إلا وتحولت تلك المحلات الباذخة إلى ركام وأنقاض، كأن زلزالا ضربها وأتى على ما فيها. حتى بدا وكأن الغارة كانت انتقاما غاضبا وثأرا للشاب الذي قتله البلطجية.
لأنني من سكان مصر الجديدة، وأحد الذين اشتكوا من استفحال الظاهرة كتابة وشفاهة، فقد أتيح لي أن أطالع مشهد الغارة ونتائجها المدمرة. وأحصيت في محيط سكني عشرة مقاهٍ لحقها التدمير، وقرأت على مواقع التواصل الاجتماعي أن ٧٠ مقهى حطمت واجهاتها في مصر الجديدة ومدينة نصر (الأهرام تحدثت عن ٥٧ مقهى فقط)، وهذه كلها كانت تعمل لسنوات بدون ترخيص،
كما قرأت تعليقات وتغريدات كررت الشكوى من سكان أحياء أخرى في القاهرة، وسكان مدينة المعادي المجاورة، وكما حدث معنا في مصر الجديدة، فإن السكان ظلوا يجأرون بالشكوى، دون أن تتحرك أجهزة البلدية المعنية، إلى أن وقعت الواقعة في أعقاب مباراة كأس أفريقيا، فشمرت الأجهزة عن سواعدها، وشنت غارتها على مقاهي الحي على النحو الذي ذكرت.
إذ يثير انتباهنا اكتشاف أن ذلك العدد الكبير من المقاهي يعمل بدون ترخيص، فإن ذلك يدعونا إلى البحث عن تفسير لاستمرارها في العمل بصورة غير مشروعة وسكوت البلدية عليها لعدة سنوات.
هناك حديث متواتر وقديم عن فساد المحليات والرشاوى التي تدفع لإنجاز أي معاملة غير مشروعة.
في الوقت ذاته ثمة همس مسموع الصوت يتحدث عن أن بين أصحاب المقاهي غير المرخصة عدد غير قليل من «الباشوات» ذوي النفوذ الذين لا يرد لهم طلب.
الملاحظة الأخري تتعلق بحجم الغارة التي وقعت. ذلك أن موضوع المقاهي كان قد أثير إعلاميا في العام الماضي، فقام حي مصر الجديدة بحملة محدودة استهدفت عددا من المقاهي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، لكن تلك المقاهي «وفقت أوضاعها» وعادت إلى العمل مرة أخرى خلال أسابيع محدودة، ثم شملتها الغارة الأخيرة.
وهو ما يعني أمرين، الأول أن فساد المحليات قادر على الالتفاف على القرارات الإدارية. الثاني أن شدة الحملة الأخيرة واتساع نطاقها يدل على أن التعليمات الخاصة بها صادرة من جهات أعلى من الباشوات الذين يملكون المقاهي أو يحمون أصحابها. وهو ما لا يطمئن كثيرا لأن ذلك لم يقع إلا بعد الدوي الذي أحدثه قتل الشاب مساء يوم الأحد.
وحينما تهدأ الموجة فلا غرابة أن تعود ريمة إلى عادتها القديمة، كما يقال. الأمر الذي يجعل السؤال الذي بدأت به الكلام واردا وملحا. ................
Published on February 08, 2017 21:08
February 7, 2017
يحدث في البرلمان الآن
صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 11 جمادى أول 1438 – 8 فبراير 2017 يحدث في البرلمان الآن - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/02/blog-post_8.html
حين أفتى رئيس البرلمان المصري بأن ميزانية المجلس «أمن قومي»، فإن ذلك كان خبرا جديدا شككني في معلوماتي القانونية التي أعترف بأنها تآكلت بمضى الزمن، إلا أنني لم أجد للفكرة أصلا حين رجعت إلى ثلاثة دساتير صدرت في مصر.
وحين سألت من أعرف من أساتذة القانون في ذلك فإنني سمعت منهم تعليقات شديدة، كان أخفها أن ذلك «كلام فارغ» ينتهك الحق في تداول المعلومات الذي قرره الدستور،
ولأن رئيس البرلمان أستاذ في القانون الدستوري ويفترض أنه لا ينطق عن الهوى، فقد خطر لي أن يكون قد أعمل خلفيته القانونيــــــــة واستنبط حكما جديدا خـــوَّل له أن يطلـــق فتـــــــواه، عندئذ قلت إن الرجل الذي لابد أن يعي الدور البارز الذي قامت به الأجهزة الأمنية في تشكيل المجلس، ووجد أن ذلك مما يحتاج إلى تحصين.
وكما أنه منع إذاعة جلسات المجلس على الهواء من باب الاحتياط والشدة فإنه ارتأى أن ميزانية المجلس لابد أن تحاط بالسرية حتى لا يطلع الأعادي وأهل الشر على أوجه إنفاقها ويطلعون من خلالها على بعض أسرار الشغل.
خطر لي احتمال آخر، خلاصته أن رئيس البرلمان ليس مضطرا لأن يشرح خلفية «اجتـــــــهاده».
ذلك أنه بحكم موقعه أدرى بالمصالح العــــــليا التي تدفعه لاتخاذ إجراءات يستهجنها البـــــــــعض، لكنه لا يجد نفسه مضطرا لإيضاحها حتى للمجلــــــس ذاته،
فقد سبق للبرلمـــــــان أن صــــــوت مرتين على مناقشة موضوع المستشار هشام جنية رئيس جهاز المحاسبات الأسبق من خلال الاطلاع على تقريره عن أوجه الفساد الذي أثار ضجة في حينه، ومقابلته بتقرير اللجنة الرئاسية التي انتقدته، لكنه رغم ذلك احتفظ بنتيجة التصويت في مكتبه ولم يفعل شيئا مما قرره المجلس.
وفعل نفس الشيء بالنسبة لعضوية الدكتور عمرو الشوبكي للمجلس التي قررها له القضاء، لكنه احتفظ بالنتيجة في مكتبه ولم يمكن الدكتور الشوبكي من حلف اليمين رغم مضي خمسة أشهر على حكم محكمة النقض لصالحه،
وهو ما حدث أيضا لقرار المجلس تشكيل لجنة لتقصى الحقائق في موضوع الدواء، على غرار ما حدث في موضوع القمح، إذ احتفظ رئيس المجلس بالقرار في مكتبه واعتبره كأن لم يكن، ولم يجد نفسه مضطرا لتفسير موقفه. وهو حين يفعل ذلك، فإنه يكرر ما تفعله الحكومة مع المجلس ذاته.
ذلك أنها تتجاهله وتمارس معه «الطناش» في أمور كثيرة مهمة،
من ذلك ما جرى في موضوع قرض صندوق النقد الدولى (١٢ مليار دولار). إذ أبرمته الحكومة وقبضت الدفعة الأولى منه، ولم يخطر لها أن تعرض الأمر على البرلمان كما ينص الدستور.
بقيت عندي ملاحظتان،
الأولى أن الدكتور علي عبدالعال الذي لا يحتمل توجيه أي نقد للحكومة دأب على استخدام الإرهاب الفكري لإسكات ناقديه. بمن فيهم أعضاء البرلمان. إذ اعتبرهم أصحاب أجندات خاصة وممولين من الخارج ويستهدفون إسقاط الدولة.
الثانية أن قصة الـ١٨ مليون جنيه التي أنفقت لشراء ثلاث سيارات لرئاسة المجلس تفضح البذخ الذي تمارسه مؤسسات السلطة. وهي التي تحدثنا عن التقشف وتعاير الشعب بفقره، وتطــــــلب منه التبرع بالفكة، وتدعــــــو كل فرد لأن يصبـــــَّح على مصر بجنيه.
الأخطر من ذلك أن الملايين التي أنفقت لشراء السيارات الثلاث، تعد قطرة في محيــــــط البذخ الذي يعلن عن نفسه في أنشطة عمرانية وإعلامية عديدة، مسكوت عليها. وهــــــــو ما لا تستطيع لجنة لتقصي الحقائـــــــق أن تتصدى له، ليس فقط لأن تشكـــــــيل البرلمان للجنة من رابع المستحيلات، ولكن أيضا لأن الأطراف المعنية في هذه الحالة تعرف جيدا أنها فوق المساءلة والحساب...........................
Published on February 07, 2017 21:06
February 6, 2017
أبعاد صفقة ترامب مع العالم العربى – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 10 جمادى اول 1438 – 7 فبراير 2017أبعاد صفقة ترامب مع العالم العربى – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/02/blog-post_7.html
الصفقة الخطرة التى يريد الرئيس الأمريكى إتمامها مع العالم العربى تثير الانتباه وتستدعى أقصى درجات الحذر.
(1)
نشرة أخبار المشرق العربى أصبحت ذات طبيعة مختلفة منذ تسلم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب منصبه فى ٢٠ من شهر يناير الماضى. منها مثلا أن موضوع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس خفتت نبرة الحديث عنه، رغم أنه ظل مثيرا للغط طوال الأسابيع التى خلت، منذ أدرجه الرئيس المرشح ضمن وعوده وأولوياته.
وكانت المفاجأة أن قرار «التريث» فى الموضوع اتخذ بناء على نصيحة إسرائيلية. على الأقل فذلك ما ذكرته صحيفة «هاآرتس» فى عددها الصادر فى ٢٩/١، حين نقلت عن مارك تسيل رئيس فرع الحزب الجمهورى فى إسرائيل قوله إن تل أبيب «ضغطت» على الإدارة الأمريكية لتأجيل نقل السفارة بسبب المخاوف التى أثارتها إسرائيل بناء على التحذيرات التى تلقتها تل أبيب من مغبة اتخاذ تلك الخطوة،
وهو ما عبر عنه الجنرال آفى بنياهو الناطق الأسبق بلسان الجيش، الذى قال من شأن النقل أن يؤدى إلى تفجير الأوضاع الأمنية فى الضفة، التى قد تفضى إلى إطلاق انتفاضة ثالثة.
وذكرت «مجلة «نيوزويك» نقلا عن مصادرها أن الرئيس الأمريكى لم يستبعد عملية نقل السفارة، وإنما هو أجلها فقط. خصوصا أنه يسعى لما هو أبعد وأهم، إذ يتطلع إلى خطة أكثر طموحا تتمثل فى إحياء عملية سلام «الشرق الأوسط الكبير». ولأجل ذلك فإنه سيسعى إلى عقد اتفاق سلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وليس بالضرورة بين إسرائيل والفلسطينيين.
هذه النقطة الأخيرة استوقفتنى، لأنها ذكرتنى بما سبق أن قرأته بخصوص تقرير قدمته الرباعية العربية للرئيس الفلسطينى محمود عباس قبل انعقاد مؤتمر فتح الأخير، إذ دعته إلى إنهاء الانقسام داخل حركة فتح (بضم محمد دحلان إلى اللجنة المركزية).
وذكرت أنه إذا لم يستجب لهذه الدعوة، فستتولى كل دولة التعامل من جانبها مع الفلسطينيين ومجمل القضية طبقا لحساباتها الخاصة.
وقد وجدت صدى للفكرة ذاتها فيما نشره أخيرا أحد الباحثين المصريين المقربين من الأجهزة المعنية، حين طرح فكرة إقامة تحالف استراتيجى بين مصر والأردن وإسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة.
(2)
الرسالة التى نقرؤها فى تلك الإشارات تتلخص فى أن الأجواء الراهنة لم تؤد فقط إلى تراجع أولوية القضية الفلسطينية وغض الطرف عن مسألة الاحتلال، ولكنها أفضت إلى تواصل مباشر بين إسرائيل والدول العربية قفزا فوق القضية بمختلف عناوينها، وهو ما أصبح المسئولون الإسرائيليون يتحدثون عنه علنا بصورة مباشرة أو غير مباشرة،
فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ما برح يتباهى بأنه على تواصل مستمر مع الزعماء العرب، وأن إسرائيل أصبحت ضمن محور الاعتدال العربى، الذى أدركت دوله أن عدوها الحقيقى هو إيران والإرهاب. وهما نفس ما يؤرق إسرائيل.
ومن المفارقات فى هذا الصدد أن نتنياهو عاتب مسئولين فى الاتحاد الأوروبى الذى يتبنى موقفا ضد الاستيطان ويميز المنتجات الإسرائيلية القادمة من المستوطنات باعتبارها مستوردة من مصادر غير مشروعة لا يعترف بها القانون الدولى،
ومما قاله لأولئك المسئولين أنه يتعين عليهم أن يظهروا لإسرائيل ذات «التفهم» الذى يبديه لها جيرانها العرب، الذين كانوا أعداءها التقليديين.
يذكر فى هذا الصدد أن موشيه يعلون وزير الأمن السابق ذكر خلال مشاركته فى مؤتمر مركز أبحاث الأمن القومى أن المعسكر الأكثر أهمية الآن بالنسبة لإسرائيل هو ذلك الذى تقوده المملكة العربية السعودية، وأن العلاقة بين إسرائيل وبين دول عربية عديدة لم تعد كلاما فى الهواء، لأنه ترجم إلى أفعال على الأرض.
وردد الفكرة ذاتها نتنياهو على هامش مؤتمر دافوس الأخير حين وصف السعودية بأنها حليف وشريك. فى هذا الصدد ذكر دورى جولد مدير عام وزارة الخارجية السابق أنه بات بوسع إسرائيل الآن إجراء اتصالات مباشرة مع كل الدول العربية تقريبا.
فى هذا السياق بثت وكالة أنباء «بلومبرج» الأمريكية ذائعة الصيت تقريرا مستفيضا فى ٥/٢ عن التعاون التكنولوجى والاستخبارى بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وخاصة دول الخليج.
وذكرت فى التقرير الذى بثته الإذاعة العبرية أن ذلك التعاون يشهد ازدهارا بعيدا عن وسائل الإعلام. وضربت الوكالة مثالا على ذلك بالشركة التابعة لرجل الاستخبارات الإسرائيلى السابق شموئيل بار (٦٢ عاما) التى تساعد السلطات السعودية على اكتشاف التهديدات الإرهابية المحتملة، من خلال متابعة الشبكات الاجتماعية على الإنترنت.
وكان الرجل الذى قضى ٣٠ عاما فى المخابرات الإسرائيلية قد تخصص فى تعقب التنظيمات الإرهابية وقام بتحليل الكلمات والرموز التى تستخدمها، وأنشأ شركة لهذا الغرض قامت ببيع خدماتها إلى أجهزة الشرطة والمخابرات فى العديد من الدول.
وقد صرح للوكالة الأمريكية بأنه تلقى اتصالا من أحد أفراد الأسرة الحاكمة فى السعودية للإفادة من خدمات شركته. وتم الاتفاق على شراء البرنامج المتطور الذى أعدته بحيث أصبح قادرا على أن يراقب يوميا ٤ ملايين حساب «تويتر» و«فيسبوك»، وهو ما أقدمت عليه دول خليجية أخرى. إلا أن أغرب ما قيل فى هذا الصدد أن الوزير الإسرائيلى أيوب ألقرا (من الطائفة الدرزية ومن حزب الليكود ويعرف بأنه من أشد المقربين إلى نتنياهو)
صاحبنا هذا ادعى يوم ٥/٢ الحالى فى حديث له إلى القناة الأولى الإسرائيلية أن السعودية ستوجه دعوة رسمية إلى نتنياهو لزيارة الرياض بشكل علنى، وأن الرئيس الأمريكى هو من سيرتب الأمر.
وأضاف أن القضية الفلسطينية بالنسبة للعرب المعتدلين لم تعد مهمة، وأن السياسة الإسرائيلية الحالية تعمل على عقد مؤتمر دولى بمشاركة الدول العربية السنية المعتدلة، وهدفها الاستراتيجى فى الوقت الراهن هو عقد اتفاقيات سلام مع تلك الدول ثم التفرغ بعد ذلك لحل القضية الفلسطينية.
(3)
القرائن التى بين أيدينا الآن تشير إلى أمور عدة أهمها أن إسرائيل حققت اختراقا واسعا للساحة العربية على نحو أصبح التطبيع فى ظله أمرا واقعا، وأن مقدمات الانتقال من التطبيع إلى التحالف باتت ظاهرة للعيان،
وقد لوح بالفكرة فى كتابات نشرتها فى مصر صحيفة «الشروق» مثلا لبعض المحسوبين على الدوائر الرسمية المعنية بالموضوع.
فى الوقت ذاته ثمة توافق على تجاوز ملف القضية الفلسطينية، بحيث باتت الأولوية شبه محسومة لصالح الدعوة لمؤتمر دولى تشارك فيه إسرائيل مع ما يسمى بالدول العربية المعتدلة تؤدى إلى عقد تحالف معلن بدعوى مكافحة الإرهاب والتصدى للخطر الإيرانى.
وما ذكره فى هذا الصدد تقرير وكالة أنباء «بلومبرج» تؤيده شواهد الواقع ويسوقه الإسرائيليون فى مختلف المحافل، فضلا عن أنه يلقى تأييدا وحماسا من الإدارة الأمريكية الجديدة.
والطرح الإسرائيلى يبرر هذه الخطوة بدعوى أن التفاهم مع الفلسطينيين فشل خلال ٢٤ عاما، ولم يعد هناك حل سوى البحث عن تسوية إقليمية مع الدول المعتدلة بعيدا عن الفلسطينيين، وهو ما قد يؤدى فى نهاية المطاف إلى تسوية ثنائية مع الفلسطينيين
وقد رشح موقع «دويتشه فيله» الألمانى خمس دول عربية للمشاركة فى التسوية هى مصر والسعودية والإمارات والأردن والمغرب. وفى رأى الإسرائيليين أن الموقف لا يحتمل الانتظار بدعوى أن خطر الإرهاب ماثل للجميع كما أن الخطر الإيرانى بات يطرق أبواب السعودية، فضلا عن تمثله فى دول عربية أخرى.
هذه الخلفية تفسر الكلام الذى نشرته مجلة نيوزويك عن الخطة «الأكثر طموحا» التى تشغل بال الرئيس ترامب، ودعواه المرتقبة لإحياء عملية سلام «الشرق الأوسط الكبير». والتمهيد لذلك بعقد اتفاقيات سلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
(4)
أختم بالتنبيه إلى خمس ملاحظات:
الأولى، أن الرئيس الأمريكى الجديد الذى عرف بأنه رجل الصفقات أراد بالخطة «الطموحة» التى يتطلع إليها أن يعقد صفقة مع الدول الصديقة له بالمنطقة،بمقتضاها يلقى بثقله فى الحرب ضد الإرهاب ويتضامن معها فى اعتبار الإخوان جماعة إرهابية. كما يصطف إلى جانب التصدى لإيران، شريطة أن تتولى الدول الخليجية تغطية نفقات تلك الحرب، وإذ يقدم ذلك من جانبه، فإنه يتوقع أن توقع تلك الدول اتفاقات سلام مع إسرائيل تمهد لإغلاق ملف القضية الفلسطينية لكى تطمئن إسرائيل وتحقق انتصارها النهائى.
الملاحظة الثانية، أن إسرائيل تتصرف الآن وهى مطمئنة إلى أن ذلك «السيناريو» قادم لا محالة. يتجلى ذلك فى إطلاق حملة التوحش الاستيطانى من خلال إقامة ٦ آلاف وحدة سكنية جديدة، والكشف عن مشروع إقامة شبكة مواصلات عملاقة فى الضفة الغربية تمهيدا لضمها إلى إسرائىل.
وإعداد مخطط لمد خط للسكة الحديد يربط بين إسرائيل والأردن فى خطوة للوصول إلى دول المشرق (جيروزاليم بوست ٢٨/١) كما تم الكشف عن خط شاحنات محمل بالبضائع الإسرائيلية يتحرك يوميا من ميناء حيفا إلى الأردن، ومنها إلى الدول العربية.
الملاحظة الثالثة، أننا لا نعفى السياسة الخارجية الإيرانية من بعض المسئولية عن إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه، لأن التمدد الإيرانى فى العالم العربى أصبح الذريعة الأكبر التى استخدمت سواء لصرف الانتباه عن الخطر الإسرائيلى أو لطرح فكرة التحالف مع إسرائيل للتصدى لذلك التمدد.
الملاحظة الرابعة، أن المخططات المرسومة أسقطت فكرة حل الدولتين، كما أنها تفترض ثبات الخرائط الراهنة فى الساحة الدولية، وذلك ليس مقطوعا به. كما أنها تتجاهل رد الفعل الفلسطينى بل وتعتبر أن الشعب الفلسطينى إما أنه غير موجود وإما أن القيادة الراهنة فى رام الله قامت بإخصائه وأشركته معها فى الانبطاح والتنسيق الأمنى مع إسرائيل، رغم أن التجربة أثبتت أن ذلك وهم كبير.
الملاحظة الخامسة، أنه يراد لتلك النهاية الدرامية للقضية الفلسطينية أن تتم فى ذكرى مرور مائة عام على إطلاق وعد بلفور فى عام ١٩١٧. وتلك من مفارقات الأقدار وسخرياتها.
...........................
الصفقة الخطرة التى يريد الرئيس الأمريكى إتمامها مع العالم العربى تثير الانتباه وتستدعى أقصى درجات الحذر.
(1)
نشرة أخبار المشرق العربى أصبحت ذات طبيعة مختلفة منذ تسلم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب منصبه فى ٢٠ من شهر يناير الماضى. منها مثلا أن موضوع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس خفتت نبرة الحديث عنه، رغم أنه ظل مثيرا للغط طوال الأسابيع التى خلت، منذ أدرجه الرئيس المرشح ضمن وعوده وأولوياته.
وكانت المفاجأة أن قرار «التريث» فى الموضوع اتخذ بناء على نصيحة إسرائيلية. على الأقل فذلك ما ذكرته صحيفة «هاآرتس» فى عددها الصادر فى ٢٩/١، حين نقلت عن مارك تسيل رئيس فرع الحزب الجمهورى فى إسرائيل قوله إن تل أبيب «ضغطت» على الإدارة الأمريكية لتأجيل نقل السفارة بسبب المخاوف التى أثارتها إسرائيل بناء على التحذيرات التى تلقتها تل أبيب من مغبة اتخاذ تلك الخطوة،
وهو ما عبر عنه الجنرال آفى بنياهو الناطق الأسبق بلسان الجيش، الذى قال من شأن النقل أن يؤدى إلى تفجير الأوضاع الأمنية فى الضفة، التى قد تفضى إلى إطلاق انتفاضة ثالثة.
وذكرت «مجلة «نيوزويك» نقلا عن مصادرها أن الرئيس الأمريكى لم يستبعد عملية نقل السفارة، وإنما هو أجلها فقط. خصوصا أنه يسعى لما هو أبعد وأهم، إذ يتطلع إلى خطة أكثر طموحا تتمثل فى إحياء عملية سلام «الشرق الأوسط الكبير». ولأجل ذلك فإنه سيسعى إلى عقد اتفاق سلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وليس بالضرورة بين إسرائيل والفلسطينيين.
هذه النقطة الأخيرة استوقفتنى، لأنها ذكرتنى بما سبق أن قرأته بخصوص تقرير قدمته الرباعية العربية للرئيس الفلسطينى محمود عباس قبل انعقاد مؤتمر فتح الأخير، إذ دعته إلى إنهاء الانقسام داخل حركة فتح (بضم محمد دحلان إلى اللجنة المركزية).
وذكرت أنه إذا لم يستجب لهذه الدعوة، فستتولى كل دولة التعامل من جانبها مع الفلسطينيين ومجمل القضية طبقا لحساباتها الخاصة.
وقد وجدت صدى للفكرة ذاتها فيما نشره أخيرا أحد الباحثين المصريين المقربين من الأجهزة المعنية، حين طرح فكرة إقامة تحالف استراتيجى بين مصر والأردن وإسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة.
(2)
الرسالة التى نقرؤها فى تلك الإشارات تتلخص فى أن الأجواء الراهنة لم تؤد فقط إلى تراجع أولوية القضية الفلسطينية وغض الطرف عن مسألة الاحتلال، ولكنها أفضت إلى تواصل مباشر بين إسرائيل والدول العربية قفزا فوق القضية بمختلف عناوينها، وهو ما أصبح المسئولون الإسرائيليون يتحدثون عنه علنا بصورة مباشرة أو غير مباشرة،
فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ما برح يتباهى بأنه على تواصل مستمر مع الزعماء العرب، وأن إسرائيل أصبحت ضمن محور الاعتدال العربى، الذى أدركت دوله أن عدوها الحقيقى هو إيران والإرهاب. وهما نفس ما يؤرق إسرائيل.
ومن المفارقات فى هذا الصدد أن نتنياهو عاتب مسئولين فى الاتحاد الأوروبى الذى يتبنى موقفا ضد الاستيطان ويميز المنتجات الإسرائيلية القادمة من المستوطنات باعتبارها مستوردة من مصادر غير مشروعة لا يعترف بها القانون الدولى،
ومما قاله لأولئك المسئولين أنه يتعين عليهم أن يظهروا لإسرائيل ذات «التفهم» الذى يبديه لها جيرانها العرب، الذين كانوا أعداءها التقليديين.
يذكر فى هذا الصدد أن موشيه يعلون وزير الأمن السابق ذكر خلال مشاركته فى مؤتمر مركز أبحاث الأمن القومى أن المعسكر الأكثر أهمية الآن بالنسبة لإسرائيل هو ذلك الذى تقوده المملكة العربية السعودية، وأن العلاقة بين إسرائيل وبين دول عربية عديدة لم تعد كلاما فى الهواء، لأنه ترجم إلى أفعال على الأرض.
وردد الفكرة ذاتها نتنياهو على هامش مؤتمر دافوس الأخير حين وصف السعودية بأنها حليف وشريك. فى هذا الصدد ذكر دورى جولد مدير عام وزارة الخارجية السابق أنه بات بوسع إسرائيل الآن إجراء اتصالات مباشرة مع كل الدول العربية تقريبا.
فى هذا السياق بثت وكالة أنباء «بلومبرج» الأمريكية ذائعة الصيت تقريرا مستفيضا فى ٥/٢ عن التعاون التكنولوجى والاستخبارى بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وخاصة دول الخليج.
وذكرت فى التقرير الذى بثته الإذاعة العبرية أن ذلك التعاون يشهد ازدهارا بعيدا عن وسائل الإعلام. وضربت الوكالة مثالا على ذلك بالشركة التابعة لرجل الاستخبارات الإسرائيلى السابق شموئيل بار (٦٢ عاما) التى تساعد السلطات السعودية على اكتشاف التهديدات الإرهابية المحتملة، من خلال متابعة الشبكات الاجتماعية على الإنترنت.
وكان الرجل الذى قضى ٣٠ عاما فى المخابرات الإسرائيلية قد تخصص فى تعقب التنظيمات الإرهابية وقام بتحليل الكلمات والرموز التى تستخدمها، وأنشأ شركة لهذا الغرض قامت ببيع خدماتها إلى أجهزة الشرطة والمخابرات فى العديد من الدول.
وقد صرح للوكالة الأمريكية بأنه تلقى اتصالا من أحد أفراد الأسرة الحاكمة فى السعودية للإفادة من خدمات شركته. وتم الاتفاق على شراء البرنامج المتطور الذى أعدته بحيث أصبح قادرا على أن يراقب يوميا ٤ ملايين حساب «تويتر» و«فيسبوك»، وهو ما أقدمت عليه دول خليجية أخرى. إلا أن أغرب ما قيل فى هذا الصدد أن الوزير الإسرائيلى أيوب ألقرا (من الطائفة الدرزية ومن حزب الليكود ويعرف بأنه من أشد المقربين إلى نتنياهو)
صاحبنا هذا ادعى يوم ٥/٢ الحالى فى حديث له إلى القناة الأولى الإسرائيلية أن السعودية ستوجه دعوة رسمية إلى نتنياهو لزيارة الرياض بشكل علنى، وأن الرئيس الأمريكى هو من سيرتب الأمر.
وأضاف أن القضية الفلسطينية بالنسبة للعرب المعتدلين لم تعد مهمة، وأن السياسة الإسرائيلية الحالية تعمل على عقد مؤتمر دولى بمشاركة الدول العربية السنية المعتدلة، وهدفها الاستراتيجى فى الوقت الراهن هو عقد اتفاقيات سلام مع تلك الدول ثم التفرغ بعد ذلك لحل القضية الفلسطينية.
(3)
القرائن التى بين أيدينا الآن تشير إلى أمور عدة أهمها أن إسرائيل حققت اختراقا واسعا للساحة العربية على نحو أصبح التطبيع فى ظله أمرا واقعا، وأن مقدمات الانتقال من التطبيع إلى التحالف باتت ظاهرة للعيان،
وقد لوح بالفكرة فى كتابات نشرتها فى مصر صحيفة «الشروق» مثلا لبعض المحسوبين على الدوائر الرسمية المعنية بالموضوع.
فى الوقت ذاته ثمة توافق على تجاوز ملف القضية الفلسطينية، بحيث باتت الأولوية شبه محسومة لصالح الدعوة لمؤتمر دولى تشارك فيه إسرائيل مع ما يسمى بالدول العربية المعتدلة تؤدى إلى عقد تحالف معلن بدعوى مكافحة الإرهاب والتصدى للخطر الإيرانى.
وما ذكره فى هذا الصدد تقرير وكالة أنباء «بلومبرج» تؤيده شواهد الواقع ويسوقه الإسرائيليون فى مختلف المحافل، فضلا عن أنه يلقى تأييدا وحماسا من الإدارة الأمريكية الجديدة.
والطرح الإسرائيلى يبرر هذه الخطوة بدعوى أن التفاهم مع الفلسطينيين فشل خلال ٢٤ عاما، ولم يعد هناك حل سوى البحث عن تسوية إقليمية مع الدول المعتدلة بعيدا عن الفلسطينيين، وهو ما قد يؤدى فى نهاية المطاف إلى تسوية ثنائية مع الفلسطينيين
وقد رشح موقع «دويتشه فيله» الألمانى خمس دول عربية للمشاركة فى التسوية هى مصر والسعودية والإمارات والأردن والمغرب. وفى رأى الإسرائيليين أن الموقف لا يحتمل الانتظار بدعوى أن خطر الإرهاب ماثل للجميع كما أن الخطر الإيرانى بات يطرق أبواب السعودية، فضلا عن تمثله فى دول عربية أخرى.
هذه الخلفية تفسر الكلام الذى نشرته مجلة نيوزويك عن الخطة «الأكثر طموحا» التى تشغل بال الرئيس ترامب، ودعواه المرتقبة لإحياء عملية سلام «الشرق الأوسط الكبير». والتمهيد لذلك بعقد اتفاقيات سلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
(4)
أختم بالتنبيه إلى خمس ملاحظات:
الأولى، أن الرئيس الأمريكى الجديد الذى عرف بأنه رجل الصفقات أراد بالخطة «الطموحة» التى يتطلع إليها أن يعقد صفقة مع الدول الصديقة له بالمنطقة،بمقتضاها يلقى بثقله فى الحرب ضد الإرهاب ويتضامن معها فى اعتبار الإخوان جماعة إرهابية. كما يصطف إلى جانب التصدى لإيران، شريطة أن تتولى الدول الخليجية تغطية نفقات تلك الحرب، وإذ يقدم ذلك من جانبه، فإنه يتوقع أن توقع تلك الدول اتفاقات سلام مع إسرائيل تمهد لإغلاق ملف القضية الفلسطينية لكى تطمئن إسرائيل وتحقق انتصارها النهائى.
الملاحظة الثانية، أن إسرائيل تتصرف الآن وهى مطمئنة إلى أن ذلك «السيناريو» قادم لا محالة. يتجلى ذلك فى إطلاق حملة التوحش الاستيطانى من خلال إقامة ٦ آلاف وحدة سكنية جديدة، والكشف عن مشروع إقامة شبكة مواصلات عملاقة فى الضفة الغربية تمهيدا لضمها إلى إسرائىل.
وإعداد مخطط لمد خط للسكة الحديد يربط بين إسرائيل والأردن فى خطوة للوصول إلى دول المشرق (جيروزاليم بوست ٢٨/١) كما تم الكشف عن خط شاحنات محمل بالبضائع الإسرائيلية يتحرك يوميا من ميناء حيفا إلى الأردن، ومنها إلى الدول العربية.
الملاحظة الثالثة، أننا لا نعفى السياسة الخارجية الإيرانية من بعض المسئولية عن إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه، لأن التمدد الإيرانى فى العالم العربى أصبح الذريعة الأكبر التى استخدمت سواء لصرف الانتباه عن الخطر الإسرائيلى أو لطرح فكرة التحالف مع إسرائيل للتصدى لذلك التمدد.
الملاحظة الرابعة، أن المخططات المرسومة أسقطت فكرة حل الدولتين، كما أنها تفترض ثبات الخرائط الراهنة فى الساحة الدولية، وذلك ليس مقطوعا به. كما أنها تتجاهل رد الفعل الفلسطينى بل وتعتبر أن الشعب الفلسطينى إما أنه غير موجود وإما أن القيادة الراهنة فى رام الله قامت بإخصائه وأشركته معها فى الانبطاح والتنسيق الأمنى مع إسرائيل، رغم أن التجربة أثبتت أن ذلك وهم كبير.
الملاحظة الخامسة، أنه يراد لتلك النهاية الدرامية للقضية الفلسطينية أن تتم فى ذكرى مرور مائة عام على إطلاق وعد بلفور فى عام ١٩١٧. وتلك من مفارقات الأقدار وسخرياتها.
...........................
Published on February 06, 2017 14:07
February 5, 2017
الشامخ الحقيقي في أمريكا
صحيفة السبيل الأردنيه الاثنين 9 جمادى أول 1438 – 6 فبراير 2017الشامخ الحقيقي في أمريكا - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/02/blog-post_6.html
مسلسل عجائب الزمان مستمر خارج حدودنا المحصنة ضد أمثال تلك «الخوارق». ذلك أننا وجدنا قاضيا يوقف أمر رئيس الدولة في الولايات المتحدة، مخالفا بذلك ما نعرف من أن كلام الرئيس لا يرد، ليس فقط لأنه رئيس الكلام لكنه أيضا عصير الحكمة والفلسفة،
وفي عجيبة أخرى فوجئنا بانتفاضة المجتمع ورموزه لتحدي قرارات الرئيس من خلال جمع نحو ٣٠ مليون دولار خلال أيام معدودة لصالح الدفاع عن الحريات المدنية التي انتهكتها قراراته الأخيرة.
وحينما قال الرئيس إن على المهاجرين غير القانونيين أن يعودوا إلى بلدانهم التي جاؤوا منها، فإن أمريكيًّا من سلالة الهنود الحمر، سخر منه وقال: حسنا إلى أين أنت عائد! في إشارة إلي أصول الرئيس الألمانية، وما يشاع عن أن جده دخل إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية.
هذا الذي يحدث في أمريكا فصل آخر من فصول الانتفاضة التي عبرت عنها النخب والجماهير التي رفض نفر منها الاعتراف بشرعية الرئيس الجديد، وقال قائلهم أمام الملأ إنه لا يحترم الرئيس أو جماعته ولا أعوانه الذين شكلوا الحكومة أو هيمنوا على الكونجرس، فهؤلاء جميعا لا يمثلون أمريكا، ولكن المجتمع بتنويعاته وفئاته المختلفة هو الممثل الشرعي الوحيد لها.
ما دعاني للعودة إلى الموضوع الذي سبق أن تطرقت إليه ثلاثة أمور هي:
< حكم القاضي الفيدرالي لمحكمة سياتل (ولاية واشنطن) ــ اسمه جيمس روبارت ــ الذي قضي بتعليق قرار الرئيس دونالد ترامب منع دخول مواطني ٧ دول عربية وإسلامية من دخول الولايات المتحدة لمدة ٩٠ يوما على الأقل، وكان عدد آخر من القضاة قد تبنوا نفس الموقف، وسبقتهم إلى ذلك وزيرة العدل بالنيابة سالي بيتس التي أقالها الرئيس ترامب من وظيفتها.
وكانت السيدة بيتس قد طلبت من المدعين العامين عدم تطبيق قرار الرئيس في رسالة شككت في قانونيته وأخلاقيته. هذا الموقف للقضاء اعتبر «صفعة» لترامب، الذي لم يملك سوى الامتثال له، رغم وعده بالطعن فيه. وترتب على ذلك أن تم تجميد قرار الرئيس، وأعلنت الإدارة الأمريكية أن أبواب الولايات المتحدة عادت وفتحت أمام رعايا الدول السبع.
< إننا في مصر نعيش واقعا على النقيض مما جرى في الولايات المتحدة. ذلك أن القضاء الإداري بمختلف مراتبه أصدر سبعة أحكام أكدت مصرية جزيرتي تيران وصنافير وأبطلت الاتفاقية التي عقدت بهذا الخصوص، ورفضت الطعون التي قدمتها السلطة،
ورغم أن الحكم السابع أصدرته المحكمة الإدارية العليا التي تشكل أعلى مراتب القضاء الإداري، واعتبر الحكم أن الاتفاقية في حكم المنعدمة، إلا أننا فوجئنا بأن الحكومة لم تأبه لحكم القضاء وأحالت الاتفاقية على مجلس النواب.
ولم يكن ذلك أسوأ ما في الأمر، لأن ما هو أسوأ أن رئيس مجلس النواب انضم إلى الحكومة في موقفها من الحكم، رغم أنه أستاذ في القانون.
إذ أعلن في برنامج تليفزيوني أن المجلس صاحب الكلمة النهائية في الموضوع، متجاهلا في ذلك حكم الإدارية العليا الذي يعد نهائيا وبمقتضاه أصبحت الاتفاقية منعدمة. وهو ما فسر بحسبانه انحيازا إلى موقف الحكومة من جانب رئيس البرلمان، وإعلانا عن موقف مسبق قبل نظر الموضوع.
< الأمر الثالث الذي لا مفر من الاعتراف به يتمثل في تقدير مدى قوة المجتمع الأمريكي وعمق استقلال القضاء فيه، ولولا ابتذال كلمة الشامخ في بلادنا لقلت إنه نموذج لذلك الشموخ المنشود.
وهو ما ينبغي أن ننحني له احتراما، رغم اختلافنا وسوء ظننا بالسياسة الخارجية الأمريكية. وإذا كان تسجيلنا لهذه الحقيقة واجبا فإن اعترافنا أوجب بأن عافية المجتمع وقوة مؤسساته تعد من ثمار الممارسة الديمقراطية التي نسمع عنها في خطب أهل الحكم في بلادنا، لكننا نراها عندهم شاخصة في الشوارع والميادين.
...........
مسلسل عجائب الزمان مستمر خارج حدودنا المحصنة ضد أمثال تلك «الخوارق». ذلك أننا وجدنا قاضيا يوقف أمر رئيس الدولة في الولايات المتحدة، مخالفا بذلك ما نعرف من أن كلام الرئيس لا يرد، ليس فقط لأنه رئيس الكلام لكنه أيضا عصير الحكمة والفلسفة،
وفي عجيبة أخرى فوجئنا بانتفاضة المجتمع ورموزه لتحدي قرارات الرئيس من خلال جمع نحو ٣٠ مليون دولار خلال أيام معدودة لصالح الدفاع عن الحريات المدنية التي انتهكتها قراراته الأخيرة.
وحينما قال الرئيس إن على المهاجرين غير القانونيين أن يعودوا إلى بلدانهم التي جاؤوا منها، فإن أمريكيًّا من سلالة الهنود الحمر، سخر منه وقال: حسنا إلى أين أنت عائد! في إشارة إلي أصول الرئيس الألمانية، وما يشاع عن أن جده دخل إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية.
هذا الذي يحدث في أمريكا فصل آخر من فصول الانتفاضة التي عبرت عنها النخب والجماهير التي رفض نفر منها الاعتراف بشرعية الرئيس الجديد، وقال قائلهم أمام الملأ إنه لا يحترم الرئيس أو جماعته ولا أعوانه الذين شكلوا الحكومة أو هيمنوا على الكونجرس، فهؤلاء جميعا لا يمثلون أمريكا، ولكن المجتمع بتنويعاته وفئاته المختلفة هو الممثل الشرعي الوحيد لها.
ما دعاني للعودة إلى الموضوع الذي سبق أن تطرقت إليه ثلاثة أمور هي:
< حكم القاضي الفيدرالي لمحكمة سياتل (ولاية واشنطن) ــ اسمه جيمس روبارت ــ الذي قضي بتعليق قرار الرئيس دونالد ترامب منع دخول مواطني ٧ دول عربية وإسلامية من دخول الولايات المتحدة لمدة ٩٠ يوما على الأقل، وكان عدد آخر من القضاة قد تبنوا نفس الموقف، وسبقتهم إلى ذلك وزيرة العدل بالنيابة سالي بيتس التي أقالها الرئيس ترامب من وظيفتها.
وكانت السيدة بيتس قد طلبت من المدعين العامين عدم تطبيق قرار الرئيس في رسالة شككت في قانونيته وأخلاقيته. هذا الموقف للقضاء اعتبر «صفعة» لترامب، الذي لم يملك سوى الامتثال له، رغم وعده بالطعن فيه. وترتب على ذلك أن تم تجميد قرار الرئيس، وأعلنت الإدارة الأمريكية أن أبواب الولايات المتحدة عادت وفتحت أمام رعايا الدول السبع.
< إننا في مصر نعيش واقعا على النقيض مما جرى في الولايات المتحدة. ذلك أن القضاء الإداري بمختلف مراتبه أصدر سبعة أحكام أكدت مصرية جزيرتي تيران وصنافير وأبطلت الاتفاقية التي عقدت بهذا الخصوص، ورفضت الطعون التي قدمتها السلطة،
ورغم أن الحكم السابع أصدرته المحكمة الإدارية العليا التي تشكل أعلى مراتب القضاء الإداري، واعتبر الحكم أن الاتفاقية في حكم المنعدمة، إلا أننا فوجئنا بأن الحكومة لم تأبه لحكم القضاء وأحالت الاتفاقية على مجلس النواب.
ولم يكن ذلك أسوأ ما في الأمر، لأن ما هو أسوأ أن رئيس مجلس النواب انضم إلى الحكومة في موقفها من الحكم، رغم أنه أستاذ في القانون.
إذ أعلن في برنامج تليفزيوني أن المجلس صاحب الكلمة النهائية في الموضوع، متجاهلا في ذلك حكم الإدارية العليا الذي يعد نهائيا وبمقتضاه أصبحت الاتفاقية منعدمة. وهو ما فسر بحسبانه انحيازا إلى موقف الحكومة من جانب رئيس البرلمان، وإعلانا عن موقف مسبق قبل نظر الموضوع.
< الأمر الثالث الذي لا مفر من الاعتراف به يتمثل في تقدير مدى قوة المجتمع الأمريكي وعمق استقلال القضاء فيه، ولولا ابتذال كلمة الشامخ في بلادنا لقلت إنه نموذج لذلك الشموخ المنشود.
وهو ما ينبغي أن ننحني له احتراما، رغم اختلافنا وسوء ظننا بالسياسة الخارجية الأمريكية. وإذا كان تسجيلنا لهذه الحقيقة واجبا فإن اعترافنا أوجب بأن عافية المجتمع وقوة مؤسساته تعد من ثمار الممارسة الديمقراطية التي نسمع عنها في خطب أهل الحكم في بلادنا، لكننا نراها عندهم شاخصة في الشوارع والميادين.
...........
Published on February 05, 2017 14:38
February 4, 2017
مفاجأة غزة
صحيفة السبيل الأردنيه الأحد 8 جمادى أول 1438 –5 فبراير 2017مفاجأة غزة - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/02/blog-post_5.html
في العام العاشر لاشتراك مصر في حصار غزة، خرج الغزازوة في مسيرات فرح حاشدة، عبر المشاركون فيها عن بهجتهم لفوز المنتخب المصري على فريق بوركينا فاسو في مباراة الأربعاء الماضي، وتأهل مصر لمباراة نهائي كأس أفريقيا التي تجري اليوم،
كان ذلك آخر ما يخطر على البال، لأنني لم أتوقع أن ينسيهم الفوز في مبارة لكرة القدم كآبة ومعاناة سنوات الحصار. ولست أخفي أنني لم أصدق الخبر إلا حينما شاهدت بأم عيني تهليل جماهير القطاع وصيحاتهم حينما نجح الحضري في صد آخر ركلات الترجيح.
استغربت مشهد الترقب القلق أثناء ركلات الترجيح، وكان انفجار فرح المشاهدين عندما تأكد فوز المنتخب المصري مفاجئا.
إذ لم أجد فرقا بين صدى الفوز في غزة وبين فرحة المصريين في القاهرة والإسكندرية والمنصورة وغيرها. الأمر الذي يسوغ لي أن أقول إنه إذا كانت فرحة لاعبي المنتخب المصري هي أهم صور الأسبوع الماضي، فإن لقطات فرحة الغزازوة تأتي بعدها مباشرة في الأهمية. ولا أستغرب فرحة المصريين بطبيعة الحال، لأنها مفهومة ولا مفاجأة فيها.
دفعني الفضول إلى تتبع خلفيات ما جري في القطاع، الأمر الذي كشف لي عن مجموعة أخرى من المفاجآت. منها مثلا أنه في حين تولت المقاهي في مصر بث المباراة التي تم تشفيرها، ووجدتها فرصة للتكسب ومضاعفة الربح، فإن المجلس الأعلي للشباب والرياضة في غزة هو الذي تبني عملية البث. إذ قام بتوفير شاشات كبيرة في ميادين محافظات القطاع لتمكين الجماهير من متابعة المباراة.
منها أيضا أن الذي قام بتنسيق العملية عضو المجلس عبدالسلام هنية، الابن الأكبر للسيد إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ورئيس الوزراء السابق،
من المفاجآت أيضا أن ترتيب الأمر وتنسيق البث تم بالتفاهم بين رابطة مشجعي نادي الزمالك ورابطة محبي وعشاق النادي الأهلي. وهو ما استغربت له، لأنني تصورت أن معاناة الغزازوة وعتابهم علي مصر أصاب بالوهن أواصر كثيرة، منها التعلق بأنديتها الرياضية.
لا أبالغ إذا قلت إن الصورة التي ظهرت في مباراة الأسبوع الماضي أطلعتنا على ما لم نره أو نتوقعه في غزة.
ذلك أن صورة القطاع في الذاكرة المصرية ــ على الأقل في السنوات الأخيرة ــ لها قسمات مختلفة تماما.
إذ ظل يقدم للمواطن المصري باعتباره مصدرا لتهديد الأمن، وتهريب السلاح وملاذا للمتطرفين والإرهابيين،
ولا ينسى أن أحد وزراء الخارجية في عهد الرئيس مبارك (الأمين العام لجامعة الدول العربية الحالي) هدد بكسر رجل أي غزاوي يحاول عبور الحدود عند رفح.
وترتب على تلك التعبئة الإعلامية أن غزة لم تعد تذكر بخير في وسائل الإعلام،
أما الغزازوة فقد أصبحوا فئتين في الذاكرة المصرية، فهم إما ميليشيات عاملة تتآمر على أمن مصر أو ميليشيات أخرى منتسبة وتحت التمرين، تجهز لتلك المهمة. ثم إن الجميع طامعون في سيناء للتمدد فيها والإفلات من قبضة الاحتلال الإسرائيلي.
الصور التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي فاجأتنا بأن غزة التي في الإعلام المصري مختلفة بالكلية عن غزة التي على أرض الواقع.
وبصورة غير مباشرة فإن بهجة الغزازوة ومسيراتهم الفرحة كانت بمثابة تكذيب عملي لكل الدعايات السوداء التي جري الترويج لها عبر وسائل الإعلام المصرية، ولعب فيها الأداء التليفزيوني دورا مشينا.
قال لي أحد الأصدقاء الفلسطينيين إن الغزازوة فئتان حقا، لكنها واحدة مصرية بالنسب والأخرى مصرية الهوي، لكن حسابات السياسة تتجاهل الاثنتين. إذ لا تري سوى التقاطع المؤدي إلى الخصومة، والخصومة في العالم العربي باب يؤدي بالضرورة إلي الشيطنة التي تتولاها وسائل الإعلام.
يستحق المنتخب المصري الشكر مرتين. مرة لأنه أشاع الفرحة في ربوع مصر، ومرة ثانية لأنه أتاح لنا أن نكتشف الوجه الحقيقي لغزة، الذي رأيناه مسكونا بالمودة والمحبة الصادقة.,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
في العام العاشر لاشتراك مصر في حصار غزة، خرج الغزازوة في مسيرات فرح حاشدة، عبر المشاركون فيها عن بهجتهم لفوز المنتخب المصري على فريق بوركينا فاسو في مباراة الأربعاء الماضي، وتأهل مصر لمباراة نهائي كأس أفريقيا التي تجري اليوم،
كان ذلك آخر ما يخطر على البال، لأنني لم أتوقع أن ينسيهم الفوز في مبارة لكرة القدم كآبة ومعاناة سنوات الحصار. ولست أخفي أنني لم أصدق الخبر إلا حينما شاهدت بأم عيني تهليل جماهير القطاع وصيحاتهم حينما نجح الحضري في صد آخر ركلات الترجيح.
استغربت مشهد الترقب القلق أثناء ركلات الترجيح، وكان انفجار فرح المشاهدين عندما تأكد فوز المنتخب المصري مفاجئا.
إذ لم أجد فرقا بين صدى الفوز في غزة وبين فرحة المصريين في القاهرة والإسكندرية والمنصورة وغيرها. الأمر الذي يسوغ لي أن أقول إنه إذا كانت فرحة لاعبي المنتخب المصري هي أهم صور الأسبوع الماضي، فإن لقطات فرحة الغزازوة تأتي بعدها مباشرة في الأهمية. ولا أستغرب فرحة المصريين بطبيعة الحال، لأنها مفهومة ولا مفاجأة فيها.
دفعني الفضول إلى تتبع خلفيات ما جري في القطاع، الأمر الذي كشف لي عن مجموعة أخرى من المفاجآت. منها مثلا أنه في حين تولت المقاهي في مصر بث المباراة التي تم تشفيرها، ووجدتها فرصة للتكسب ومضاعفة الربح، فإن المجلس الأعلي للشباب والرياضة في غزة هو الذي تبني عملية البث. إذ قام بتوفير شاشات كبيرة في ميادين محافظات القطاع لتمكين الجماهير من متابعة المباراة.
منها أيضا أن الذي قام بتنسيق العملية عضو المجلس عبدالسلام هنية، الابن الأكبر للسيد إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ورئيس الوزراء السابق،
من المفاجآت أيضا أن ترتيب الأمر وتنسيق البث تم بالتفاهم بين رابطة مشجعي نادي الزمالك ورابطة محبي وعشاق النادي الأهلي. وهو ما استغربت له، لأنني تصورت أن معاناة الغزازوة وعتابهم علي مصر أصاب بالوهن أواصر كثيرة، منها التعلق بأنديتها الرياضية.
لا أبالغ إذا قلت إن الصورة التي ظهرت في مباراة الأسبوع الماضي أطلعتنا على ما لم نره أو نتوقعه في غزة.
ذلك أن صورة القطاع في الذاكرة المصرية ــ على الأقل في السنوات الأخيرة ــ لها قسمات مختلفة تماما.
إذ ظل يقدم للمواطن المصري باعتباره مصدرا لتهديد الأمن، وتهريب السلاح وملاذا للمتطرفين والإرهابيين،
ولا ينسى أن أحد وزراء الخارجية في عهد الرئيس مبارك (الأمين العام لجامعة الدول العربية الحالي) هدد بكسر رجل أي غزاوي يحاول عبور الحدود عند رفح.
وترتب على تلك التعبئة الإعلامية أن غزة لم تعد تذكر بخير في وسائل الإعلام،
أما الغزازوة فقد أصبحوا فئتين في الذاكرة المصرية، فهم إما ميليشيات عاملة تتآمر على أمن مصر أو ميليشيات أخرى منتسبة وتحت التمرين، تجهز لتلك المهمة. ثم إن الجميع طامعون في سيناء للتمدد فيها والإفلات من قبضة الاحتلال الإسرائيلي.
الصور التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي فاجأتنا بأن غزة التي في الإعلام المصري مختلفة بالكلية عن غزة التي على أرض الواقع.
وبصورة غير مباشرة فإن بهجة الغزازوة ومسيراتهم الفرحة كانت بمثابة تكذيب عملي لكل الدعايات السوداء التي جري الترويج لها عبر وسائل الإعلام المصرية، ولعب فيها الأداء التليفزيوني دورا مشينا.
قال لي أحد الأصدقاء الفلسطينيين إن الغزازوة فئتان حقا، لكنها واحدة مصرية بالنسب والأخرى مصرية الهوي، لكن حسابات السياسة تتجاهل الاثنتين. إذ لا تري سوى التقاطع المؤدي إلى الخصومة، والخصومة في العالم العربي باب يؤدي بالضرورة إلي الشيطنة التي تتولاها وسائل الإعلام.
يستحق المنتخب المصري الشكر مرتين. مرة لأنه أشاع الفرحة في ربوع مصر، ومرة ثانية لأنه أتاح لنا أن نكتشف الوجه الحقيقي لغزة، الذي رأيناه مسكونا بالمودة والمحبة الصادقة.,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
Published on February 04, 2017 14:56
فهمي هويدي's Blog
- فهمي هويدي's profile
- 1314 followers
فهمي هويدي isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.
