فهمي هويدي's Blog, page 16

January 10, 2017

لا كرامة لمخالف

صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 13 ربيع آخر 1438 11يناير 2017لا كرامة لمخالف - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/01/blog-post_11.html
غاية ما يمكن أن يقال عن الدكتور محمد البرادعي أنه اختلف فاستقال ثم غادر واعتكف. وظل نشاطه «السياسي» طوال السنوات الثلاث الماضية مقصورا على التغريدات التي كان يدونها بين الحين والآخر، ثم قرر أخيرا أن يتكلم مستعرضا مسيرته وعارضا تجربته.
في تغريداته، فإن الرجل كان ناقدا ومتحفظا حقا، لكنه ظل مهذبا وعف اللسان، إذ احترم نفسه وغيره فلم يتعرض لأشخاص ولم يحرج أحدا ولم يوجه اتهاما. في حين ظل ملتزما بدق الأجراس والتحذير من مواضع الذلل. ولأن تلك كانت حدوده طول الوقت، فلا أحد يستطيع أن يدعي أنه انخرط في أي تجمع معارض رغم أن الفضاء الخارجي يتحمل ذلك ويحميه، ولا يجرؤ أحد أن يزعم أنه صار خائنا أو عميلا أو إرهابيا.
 
لأن الأمر كذلك، فإن المرء لابد أن يستغرب الحملة الإعلامية الشرسة التي شنت ضده في مصر حين تكلم أخيرا، (يوم السبت الماضي ٧/١) في أولى حلقات الحوار الذي أجرته معه قناة «العربي» اللندنية،
ولم يكن هناك من تفسير لتلك الحملة إلا أن جهة ما أفزعها ظهوره في السنة السابقة على الانتخابات الرئاسية، فقررت اغتياله أدبيا وسياسيا.
وبدا الفزع مثيرا للدهشة كما أن التعبير عنه بدا أكثر إدهاشا. إذ كان مستغربا أن تهتز أركان الدولة لمجرد ظهور الرجل على شاشة التليفزيون رغم أن سقف كلامه معروف وحدوده متواضعة، فضلا عن أن لغته في التعبير تتسم بالرصانة والمسؤولية، وهو ما يفترض أن يقابل بهدوء وثقة من جانب أجهزة الدولة على الأقل.
 
تضاعفت الدهشة حين لاحظنا أن السلطة لم تكن مضطرة للرد عليه، خصوصا في الحلقات التي يتحدث فيها عن سيرته الشخصية. ثم إنها حين تسرعت في الرد من خلال أبواقها التليفزيونية فإنها لم تسع إلى هدم أفكاره أو نقضها، وإنما استهدفت هدم الشخص وتجريحه، من خلال «الردح» الذي لا يليق لا بدولة محترمة ولا بإعلام محترم، حتى إن بعض المحسوبين على السلطة اتهموه بالخيانة، وطالبوا بإسقاط الجنسية عنه، وسحب قلادة النيل التي منحت له بعد فوزه بجائزة «نوبل».
 
لازمتنا الدهشة المضاعفة حين وجدنا أن وسيلة التصدي تمثلت في بث تسجيلات له، تضمنت خليطا من الثرثرة السياسية، والغمز من جانبه في الأشخاص المحيطين به. وهو ما اعتبر محاولة لفضحه والوقيعة بينه وبين أولئك الأشخاص،
وحكاية التسجيلات هذه تحتمل كلاما كثيرا يسيء إلى السلطة بأكثر مما يسيء إلى الدكتور البرادعي. وإذا لاحظت أن أحدها كان لحوار مع رئيس الأركان بالقوات المسلحة، فستدرك أن العملية كانت تصرفا غير مشروع، أريد به تحقيق هدف غير مشروع. ناهيك عن أن العملية جاءت إعلانا عن أن كل مشتغل بالشأن العام مهما كان مقامه، يجري التسجيل له لاستخدام الأشرطة ضده عند اللزوم. وهذا التسجيل هو سلاح لفضح الشخص، واستباحة خصوصياته وعرضه إذا رفع عنه الرضا لأي سبب.
 
لا أبالغ إذا قلت إن الحلقة الأولى كانت لصالح الدكتور البرادعي، وليست ضده. ذلك أن الرد التليفزيوني المصري أعاده إلى الواجهة مرة أخرى، بعدما كاد الناس ينسونه،
ثم إنها كشفت هشاشة وضعف الأجهزة المصرية التي ارتعشت لمجرد ظهور الرجل مجددا على شاشة التليفزيون. ولا سبيل لإنكار دور تلك الأجهزة فيما جرى. فوحدها هي التي تستطيع تسجيل الاتصالات الهاتفية، ولا أحد غيرها سلم الأشرطة وقرر عرضها على الرأي العام. إلى جانب ذلك فإن البث وجه في مستهل السنة الجديدة رسالة تهديد للناقدين والمعارضين في الداخل، خلاصتها أنه لا كرامة لأي مختلف ولا حدود لتصفية الحساب معه حيث يمثل الاغتيال المعنوي والسياسي حدها الأدنى. وأرجوك لا تسألني عن الحد الأقصى.................

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 10, 2017 20:30

January 9, 2017

مصر من «الضيعة» إلى الشخصنة – المقال الأسبوعي

صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 12 ربيع آخر 1438 – 10 يناير 2017مصر من «الضيعة» إلى الشخصنة – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/01/blog-post_10.html
نحتاج إلى مراجعة ضرورية تنقذ مصر من ذكرى ضيعة الحاكم وتجنبها مصير «شخصنة» الحكم.

(1)
حين قال رئيس لجنة القوى العاملة بالبرلمان إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يعمل وحده وإننا ينبغى أن ندعو الله لأن يعينه، فإن كلامه لم يكن تعبيرا عن رأى خاص به، وإنما كان ترديدا لمقولة شائعة تبثها وسائل الإعلام بصياغات مختلفة. فتلك هى الرسالة التى توجهها وسائل الإعلام فى مواجهة كل أزمة تتعلق بقصور أداء السلطة.
وأحيانا يعبر عن الموقف ذاته بالإشارة إلى أن الرئيس يتحرك بسرعة الصاروخ فى حين أن الحكومة تلاحقه بسرعة السلحفاة، وهو ما لا يستغربه المرء حين يجد أنه لا شىء يتحرك فى بر مصر إلا بتوجيهات من الرئيس.
وقد صار ذلك معلنا على الملأ، حتى عبرت عنه صحيفة الأهرام (عدد ٦ يناير) حين أبرزت فى عناوين صفحتها الأولى ما ذكره الرئيس فى حفل افتتاح مشروعى تطوير ميناء سفاجة ودمياط أن طلب «عدم التعاقد مع شركات أو مستثمرين لتنفيذ مشروعات إلا بعد العرض عليه».
وكان وزير الأوقاف سريع التجاوب مع هذه الرسالة، حتى قرأنا فى اليوم التالى بيانا أصدرته الوزارة ذكرت فيه أنه تم إعداد قوائم خطب الجمعة للسنوات الخمس المقبلة، وأن اللجنة المختصة بالأمر سترفع هذه الخطة إلى رئيس الجمهورية.
القرائن التى تؤيد هذه الفكرة تتزايد حينا بعد حين، الأمر الذى ربط مقدرات البلد ومصيرها بشخص رئيس الجمهورية،
وهى الخلفية التى دعت وكيل لجنة الخطة والموازنة إلى القول فى تصريحات منشورة بأنه إذا لم يترشح الرئيس السيسى لانتخابات الرئاسة المقبلة «فإننا سننتحر».

(2)
كنت قد تطرقت فى الأسبوع الماضى إلى موضوع التوجيهات الرئاسية التى باتت تنقلها إلينا وسائل الإعلام كل صباح، وأرجعت ذلك إلى اهتمام الرئيس بالتفاصيل،
وذكرت أن الحضور المكثف للرئيس فى الفضاء العام له جذور فى دستور عام ٢٠١٤ الذى أضعف سلطات رئيس الوزراء فى حين أنه وسع من سلطات رئيس الجمهورية،
 استشهدت فى ذلك بأن دستور ٢٠١٢ نص على اشتراك الحكومة مع رئيس الجمهورية فى وضع السياسة العامة للدولة والإشراف على تنفيذها (المادة ١٦٧)، وهو ما تم إلغاؤه فى دستور عام ٢٠١٤.
وكان ذلك استدلالا خاطئا نبهنى إليه بعض المختصين، الذين ذكروا أن المادة التى أشرت إليها فى دستور ٢٠١٢ لم تلغ فى الدستور الجديد.
وحين رجعت إلى مؤلف المستشار ماجد شبيطة الذى رجعت إليه تأكدت من صحة خطأ التدليل الذى وقعت فيه.
ذلك أن الذى ألغى نص آخر أهم وأبعد أثرا أوردته المادة ١٢٢ فى دستور عام ٢٠١٢ قضت بأن «يتولى رئيس الجمهورية مهامه من خلال رئيس الوزراء»، وبمقتضى ذلك لا يحق لرئيس الجمهورية أن يباشر مهامه التنفيذية، باستثناء عدد قليل من الاختصاصات المحددة حصرا إلا بواسطة رئيس مجلس الوزراء، وذلك إعمالا لقاعدة «التوقيع المجاور»، التى فى ظلها يصبح الأصل ألا ينفرد الرئيس بالقرار، وإنما يتعين أن يكون القرار ثنائيا بحضور رئيس الحكومة.
ذكر المستشار شبيطة فى مؤلفه حول سلطات رئيس الجمهورية أنه حين ألغيت المادة ١٢٢ فى اجتماعات لجنة الخمسين التى بحثت تعديلات دستور ٢٠١٢، فإن عضو اللجنة الدكتور خيرى عبدالدايم، علق على ذلك قائلا إن الإلغاء يعنى أنه أصبح بمقدور رئيس الجمهورية تنفيذ ما يريد قفزا فوق رئيس الوزراء والوزراء، كما أن بوسعه تعيين الموظفين العموميين وإقالتهم دون إخطار أو تشاور، الأمر الذى يعنى أن تركيز السلطة فى يد الرئيس له جذوره فى الدستور الحالى.

(3)
فى ٩ يوليو عام ٢٠١٥ أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قرارا بقانون أجاز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم. وكانت تلك إشارة إلى أن استمرار رؤساء تلك الأجهزة فى مناصبهم بات معلقا على رضا رئيس الجمهورية رغم أن الدستور نص على استقلالها، وبقية القصة معروفة، لأن ضحية هذا التعديل التشريعى كان المستشار هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات الذى عزل لأنه لم يكن مرضيا عنه.
الذى لا يقل خطورة عن ذلك أن جهدا موازيا بذل من جانب السلطة التنفيذية لإضعاف المجتمع وإخضاع منظماته المدنية لسلطاتها، بحيث لا تبقى فى البلد مؤسسة لها استقلالها الحقيقى ولا مجتمع له بعض العافية التى تمكنه من أن يصبح ندا معبرا عن الرأى العام فى مختلف القطاعات.
ألفت الانتباه فى هذا الصدد إلى نماذج ثلاثة ماثلة بين أيدينا كاشفة لمحاولات إخضاع مؤسسات المجتمع وإلحاقها بإرادة السلطة السياسية.
هذه النماذج تتمثل فيما يلى:
<
المشروع الذى قدم إلى البرلمان لتعديل قانون السلطة القضائية بحيث يصبح تعيين رؤساء الهيئات القضائية (المستقلة؟!) بقرار جمهورى وليس بقرار من مجلس القضاء الأعلى أو الجمعيات العمومية للقضاة. صحيح أن المشروع الذى قدم للبرلمان ينص على أن يصدر الرئيس قراره لاختيار واحد من ثلاثة ترشحهم الجمعيات العمومية، إلا أن ذلك يعنى أن الاختيار النهائى سيكون بيد رئيس الجمهورية وليس بيد الجمعيات العمومية للقضاة. فضلا عن أنه يفتح الباب للتنافس على استجلاب رضا الرئاسة للفوز بتلك المناصب. وهو ما يخل باستقلال القضاء ويلحقه عمليا بالسلطة التنفيذية.
<
التنظيم الجديد للصحافة والإعلام، وقصته طويلة خلاصتها أن دستور عام ٢٠١٤ أنشأ ثلاث كيانات للإعلام كل واحد منها تديره هيئة وطنية «مستقلة»، ولتنزيل هذه النصوص على أرض الواقع، تولى المجلس الأعلى للصحافة بالتعاون مع نقابة الصحفيين المصريين إعداد مشروع قانون موحد للإعلام، اشترك فيه خبراء ومسئولون من الجهات المعنية،
وبعد الاتفاق على المشروع مع حكومتين متعاقبتين (للمهندس إبراهيم محلب والمهندس شريف إسماعيل)، حدثت مفاجأتان الأولى أن القانون الموحد أصبح اثنين، والثانية أن أصابع خفية تلاعبت بالنصوص الأصلية، بحيث أدت عمليا إلى إخضاع الكيانات الثلاثة لنفوذ الأجهزة التنفيذية، وقيدت من حرية الإعلاميين إلى الحد الذى أعاد إحياء فكرة الحبس فى قضايا النشر،
وثمة ملاحظات كثيرة فى هذا الصدد يهمنا منها أن تعيين رؤساء الكيانات الثلاثة أصبح يتم بقرار من رئيس الجمهورية، الذى يختص فضلا عن ذلك بتعيين ثلاثة آخرين من أعضاء مجلس إدارة كل كيان مستقل(!).
صحيح أن ذلك يفترض أن يتم باختيار كل واحد من بين اثنين يرشحهم الإعلاميون والصحفيون، إلا أن الأهم أن رئيس الجمهورية أصبح حاضرا من خلال قراره على رأس كل كيان. ويثير الانتباه فى هذا الصدد أن تدخل الرئيس لم يكن واردا فى البداية، وأن الأمر كله كان متروكا للجماعة الصحفية، إلا أن ممثل وزير العدل اقترح أن يكون تعيين رئيس كل كيان بقرار من الرئيس، ثم تطور الأمر بحيث أصبح الرئيس يختار واحدا من ثلاثة مرشحين، الأمر الذى انتهى إلى صيغة بسطت سلطة الرئاسة والأجهزة التنفيذية على مصير المؤسسات الصحفية والإعلامية.
<
النموذج الثالث الذى لا يقل فداحة ويتمثل فى مشروع قانون الجمعيات الأهلية، الذى كان قد أعد بتوافق وتفاهم مع وزارة التضامن الاجتماعى، ولكن الأجهزة الخفية تجاهلته وأعدت مشروعا آخر أجازه مجلس النواب، نزع استقلال المنظمات الأهلية، وأخضعها لسلطة الأجهزة الأمنية، الأمر الذى أدى إلى تأميم المجتمع الأهلى، وألغى أى دور حقيقى لمنظمات المجتمع المدنى، ولن أفصل فى الموضوع، لأنه نال حقه من التشريح والنقد فى وسائل الإعلام المصرية.

(4)
المشهد الذى نحن بصدده ليس جديدا تماما، ولكن له جذوره فى التاريخ الفرعونى، وقد وفى الدكتور جمال حمدان الموضوع حقه فى الجزء الأول من موسوعته «شخصية مصر» إذ أرجع الأمر إلى طبيعة المجتمع الحقيقى الذى حول الفرعون إلى الملك الإله الذى صار ضابطا للنهر وضابطا للناس، وهو ما ضاعف من قوة السلطة المركزية فى مصر.
الأمر الذى دفع رفاعة الطهطاوى إلى القول فى «مناهج الألباب» بأنه: «ليس فى ممالك الدنيا لصاحبها النفوذ الحقيقى الذى لصاحب مصر».
واعتبر الدكتور حمدان فى تحليله لأصل الطغيان فى مصر أنها أصبحت منذ تلك العهود السحيقة بمثابة «ضيعة كبرى للحاكم».
المستشار طارق البشرى قدم قراءة معاصرة للظاهرة فى كتابه «مصر بين العصيان والتفكك»، إذ أرجع الأمر إلى ما وصفه بشخصنة الدولة التى هى غير الحاكم المطلق أو المستبد.
وفى رأيه أن القائم على الدولة المتشخصنة لا تربطه عائلة أو قبيلة ولا نقابة أو جماعة دينية ولا حزب سياسى أو طبقة اجتماعية. إذ هو يسيطر بذاته على مفاتيح السلطة، وتصير آلة الحكم وأجهزته كلها تحت إمرته. ولا يقيده إلا الإمكانات المادية للدولة وأجهزتها فى الحركة والنفوذ.
وهو يتغلب على ضغط عمال الدولة عليه بأن يشخصن الفئة المحيطة به بإبقائهم فى وظائفهم لأطول مدة، بحيث تحل العلاقات الشخصية محل علاقات العمل الموضوعية.
الأمر الذى يجعله نظاما منغلقا، لا ينفتح على خارج ذاته، ولا تقوم آلية ما لإجراء أى تعديل فيه أو تجديد. لذلك كان صفة لازمة للدولة المتشخصنة هى أن تسعى دائما إلى تثبيت الأمر الواقع ومقاومة التغيير حتى وإن ادعته.
إذ كانت فكرة الضيعة الكبرى للحاكم قد صارت تاريخا، وأن شخصنة الدولة باتت واقعا، فلا نجاة لمصر إلا فى الدولة الديمقراطية التى تنسخ ما فات وتوفر لشعبها طوق النجاة فى الحاضر والمستقبل.
................................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 09, 2017 21:03

January 8, 2017

هل القناة مهددة؟

صحيفة الشروق الجديد المصريه الاثنين 11 ربيع آخر 1438 – 9 يناير 2017هل القناة مهددة؟ - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/01/blog-post_9.html
هذا خبر مفرح حقا لكنه لا يسرنا فى مصر كثيرا. ذلك أننى حين قرأت أن الصين أطلقت فى الأسبوع الماضى، ولأول مرة فى التاريخ، أول قطارات شحن البضائع إلى لندن،
وضعت يدى على قلبى وقلت: هل يؤثر ذلك على قناة السويس؟
 وكاد التشاؤم يعصف بى حين تذكرت الأحلام الكبار التى علقناها على شق تفريعة قناة السويس، ثم كيف تراجعت تلك الأحلام وتراجع معها دخل قناة السويس حين أصاب الركود حركة التجارة العالمية.
وإذ حدث ذلك فى العام الماضى، فإن مؤشرات العام الجديد تفتح الأبواب للقلق على مصير القناة بعد تشغيل القطار الصينى لكى يحمل كل بضائعها إلى الأسواق الأوروبية.
معلومات الموضوع تضمنها تقرير نشرته فى ٧/١ صحيفة «الشرق الأوسط» لمراسلة الجريدة فى بكين ذكرت التفاصيل التالية عن أطول رحلات القطارات الصينية فى العالم:
<
الرحلة سوف تستغرق ١٨ يوما للوصول إلى بريطانيا حيث يفترض أن تقطع القطارات مسافة ١٢ ألف كيلومتر.
<
ليست هذه هى الرحلة الأولى لقطارات البضائع الصينية إلى أوروبا، ولكن لندن هى المدينة رقم ١٥ التى تصل إليها القطارات محملة بمختلف البضائع والمنتجات.
 وهى إحدى مراحل خطة صينية طموحة تتكون من شبكة بنية أساسية وتجارة تربط آسيا مع أوروبا وأفريقيا على طول الطريق التجارية القديمة.
<
القطار سينطلق من محطة السكك الحديدية الغربية فى مدينة أيوو الواقعة فى مقاطعة شينجيانج شرق الصين. وهى المقاطعة ذات الأغلبية المسلمة التى تعرف تاريخيا بأنها تركستان الشرقية، وكانت الصين قد استولت عليها وضمتها إلى أراضيها فى عام ١٩٥٥، وسكانها الأصليون يعرفون باسم الويغور أو الأويغور، وهم مختلفون عن الصينيين الذين ينتمون إلى عرق «الهان».
<
مدينة أيوو تعد من أكبر المراكز التجارية على مستوى العالم. إذ يقصدها كثيرون من جميع أنحاء العالم لشراء السلع لإعادة بيعها، وأطلق عليها أيضا اسم وشعار الاقتصاد الصينى لوجود الكثير من أصناف السلع وبسعر رخيص مقارنة بالأسواق الأخرى، حتى أصبحت سوق أيوو بمثابة الجنة لكل محبى التسوق.
<
سيمر القطار عبر كازاخستان وروسيا وبيلاروسيا وبولندا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا قبل وصوله إلى لندن، حاملا بضائع رئيسية من بينها مستلزمات منزلية وملابس وأقمشة وحقائب.
الإنجاز الصينى الكبير من ثمار جهود استمرت طوال السنوات الخمس الأخيرة، كان من بينها الزيارة التى قام بها إلى لندن الرئيس الصينى شى جينبينج التى التقى فيها الملكة إليزابيث الثانية فى عام ٢٠١٥. الأمر الذى كان تتويجا للتبادل التجارى الذى وصل حجمه فى العام ذاته إلى ٧٨.٥٤ مليار دولار.
وقد تعززت العلاقات التجارية بين البلدين بعد إعلان نتائج استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، حيث وجدت فى الصين حليفا تجاريا جديرا بالمراهنة عليه.
سألت الدكتور أحمد درويش رئيس الهيئة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس عن رأيه فى مدى تأثير عائدات القناة بعد تشغيل قطارات الشحن بين الصين وأوروبا، فكان رده أن الأمر يستحق الدراسة، للتعرف على تكلفة النقل وأسعار الوقود اللازم له، وسعة تلك القطارات، وفى ضوء نتائج تلك الدراسة يمكن التعرف على الإجابة الصحيحة على السؤال،
وأنا أتابع الموضوع خطر لى السؤال التالى: ألم تكن مثل هذه الدراسة واجبة قبل إنفاق المليارات على شق تفريعة القناة، خصوصا أن المشروع الصينى كان تحت التنفيذ حين صدر القرار المصرى بخصوص التفريعة؟
وإذ أتمنى ألا يؤثر المشروع على دخل القناة، إلا أنه إذا حدث العكس فمن يكون المسئول فى هذه الحالة، وكيف نحاسبه؟
..............................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 08, 2017 20:24

January 7, 2017

عن جريمة الإسكندرية

صحيفة السبيل الأردنيه الأحد 10 ربيع آخر 1438 – 8 يناير 2017عن جريمة الإسكندرية - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/01/blog-post_8.html
الذي لا يقل خطرا عن ذبح المواطن السكندري في الأسبوع الماضي، أن نستخف بما جرى ونغمض أعيننا عن ملابساته ودلالته،
صحيح أن القتل لم يعد خبرا مثيرا في الزمن العربي الغارق في الدماء، إلا أن التفاصيل تقدم لنا سردية أخرى للأحداث،
فجرأة الأنظمة على ممارسة القتل باتت بغير حدود، والرئيس السوري قتل أكثر من ٤٠٠ ألف مواطن بدعوى أن معارضيه إرهابيون. وهو العنوان الذي صار بمثابة رخصة رسمية مفتوحة للقتل.
ناهيك عن أن قتل المخالفين بات مقبولا في أقطار عدة، حتى من جانب النخب التي شوهت الأجواء الملوثة ضمائرها.
 الشاهد أننا ما عدنا نستنكر القتل من حيث المبدأ، لكن الأمر بات يختلف باختلاف هوية القاتل أو المقتول، أو طريقة القتل، فنحن نستهجن وحشية داعش حين تقتل مخالفيها حرقا، لكننا نلتزم الصمت إذا قتلت الشرطة مواطنا تحت التعذيب أو قامت بتصفية بريء برصاصها قبل أي تحقيق أو محاكمة.
 
قتل صاحب المحل السكندري فظيع لا ريب. لكنه لم يكن الأول من نوعه.
ففي العام قبل الماضي (٢٠١٥) قتل في القاهرة شيخ الطريقة الرفاعية أحمد الرفاعي بـ١٤ طعنة سددها إليه شخص قيل إنه وهابي، ولم يعرف مصيره بعد.
 وقبل ذلك (في عام ٢٠١٣) قتل وسحل آخر، حسن شحاتة الذي وصف بأنه زعيم الشيعة في مصر، حين هوجم ببيته في زاوية أبوالنمرس بالجيزة، وقيل إن الذين نفذوا القتل والسحل سلفيون وهابيون اعتبروه «زنديقا».
 أما قتل صاحب محل الإسكندرية فله خلفية مغايرة، فالقاتل شخص منفرد لم يثبت انتماؤه إلى تنظيم أو توجه من أي نوع. ثم إنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، وقد قرر من جانبه أن الرجل المسيحي مفسد في الأرض لأنه يبيع الخمور، وأنه بقتله يقيم عليه الحد الشرعي.
أما طريقة القتل فهي الأبشع لأنها تمت ذبحا، مستلهمة في ذلك أسلوب تنظيم داعش الذي أجرى التنظير له مؤلف كتاب «إدارة التوحش» الذي نسب إلى شخص يدعي أبو بكر ناجي.
 
لا نعرف حقيقة ما جرى، خصوصا أن القاتل (اسمه عادل عسلية) ولسنا على ثقة من سلامة قواه العقلية. مع ذلك فإن بعض تفاصيل القصة تثير انتباهنا.
من ذلك أن الرجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، فضلا عن جهله المطبق بالأمور الشرعية، ومما يستحق التحقيق أيضا كيف اقتنع بحكاية الإفساد في الأرض التي أوصلته إلى مسألة تغيير المنكر وإقامة الحد. ولم يجد لذلك سبيلا سوى احتذاء أسلوب داعش التي زعمت إقامة الخلافة الإسلامية، ومن ثم فعل فعلته النكراء. وهي أمور لا يعرف ما إذا كان قد التقطها من خلال البث التليفزيوني أو أن أحدا ملأ رأسه بها.
 
هذه التفاصيل تعيد إلى أذهاننا فكرة «الذئاب المنفردة»، التي بمقتضاها يقوم بعض الأشخاص من جانبهم بعدوان أو هجوم دون أن تربطهم علاقات واضحة بتنظيم ما.
(فعلها يميني متطرف في النرويج عام ٢٠١١ اسمه أندريه بريفيك، أراد أن يحتج على سياسة الحكومة إزاء المهاجرين، فألقي قنبلة على مخيم للشباب ثم فتح النار على من فيه وقتل ٧٧ شخصا).
 
هذه الخلفية تطرح عدة أسئلة منها مثلا: هل نحن بصدد الدخول في محيط تلك الظاهرة؟ وهل أجواؤنا تسمح بذلك؟ وما الذي يتعين علينا أن نفعله لكي نجهض هذا النوع من السلوك والتفكير؟
 أما السؤال الأهم في نظري فهو: ما هو الوعاء الذي يربي الشباب المسلم هذه الأيام لكي يصوب إدراكه ويصحح فكره بحيث يحصن ضد مثل هذه المنزلقات؟
 
إذا جاز لي أن أستبق وأعلق على السؤال الأخير فإنني لا أتردد في القول بأننا انشغلنا جميعا بمحاربة التطرف والإرهاب، وجنينا كثيرا على الاعتدال، الأمر الذي سيكلفنا الكثير في الحاضر والمستقبل.
................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 07, 2017 14:38

January 6, 2017

انتحار صحيفه

صحيفة الشروق الجديد المصريه السبت ٩ربيع آخر ١٤٣٨  - ٧ يناير ٢٠١٧
انتحار صحيفة - فهمي هويدي
حينما ماتت السياسة وانطفأ الحلم فى الفضاء العربى، قررت جريدة «السفير» اللبنانية الانتحار. إذ توقفت عن الصدور كليا ابتداء من اليوم الأول فى شهر يناير الحالى، بعد نضال استمر طيلة ٤٣ عاما، كنت أحد شهود ميلادها فى ربيع عام ١٩٧٤، حين كانت الأحلام مازالت ممكنة، وشاءت المقادير أن تقرر الصحيفة الاختفاء فى صقيع عام ٢٠١٧، حين اجهضت الأحلام ونافشتها الكوابيس فى مختلف أرجاء العالم العربى.
يومذاك ــ فى ١٤/٤/١٩٧٤ ــ قدم رئيس تحرير الجريدة ومؤسسها الزميل طلال سلمان مشروعه باعتباره إطلالة على عصر جديد تلوح فيه معادلة الحلم الذى تمتزح فيه الوطنية والعروبة والكفاءة المهنية. ووصف «السفير» بأنها «جريدة مقاتلة» تصطف إلى جانب جنود الأمة المجيدة فى معركتها الكبرى ضد الثالوث القوى، المتمثل فى الصهيونية والامبرالية والرجعية.
طوال العقود الأربعة اللاحقة ظلت الجريدة «المقاتلة تخوض» معاركها على مختلف الجبهات واحدة تلو الأخرى، حتى غدت منارة مضيئة فى فضاء الحلم العربى، وكتيبة متقدمة فى مواجهة جيوش الظلام ودعاة التشرذم والهزيمة، إلا أن فريقها أدرك فى نهاية المطاف أنهم يحاربون ضد التيار السائد فى المنطقة، وان الرياح السوداء ما برحت تهب على العالم العربى مستهدفة الانقضاض بقوة وشراسة على الأحلام التى تعلقت بها الجماهير وتصدت الجريدة طول الوقت للدفاع عنها. صحيح أن ثورة الاتصال أضعفت إلى حد كبير دور ووجود الصحافة الورقية. كما أن الصراعات المخيمة على العالم العربى أثرت سلبا دور الإعلام فى أقطاره. إلا أن ثمة عاملا أهم قوى من كل ذلك كان له دوره فى قرار الانتحار، وفى شهادته الأخيرة التى نشرتها جريدة «الشروق» يوم الأربعاء الماضى (٤/١) ذكر طلال سلمان «أن السبب الحقيقى لانطفاء الصحافة العربية وتلاشى دورها وإنعدام تأثيرها يعود إلى أن الدول العربية بمجموعها تعيش فى قلب الصمت وغياب الحوار وسيطرة السلطة على الهواء والورق وتكميم الأفواه بالقمع أو بالإغواء. وبكليهما بالتناوب. بالتالى فقد تمت السيطرة للصوت الواحد الذى يعبر عن موقف السلطة. وتم ــ بالأمر ــ تغييب الأفكار والاجتهادات والآراء المختلفة والمتباينة، حتى لو كانت فى جوهرها تتوخى مصلحة الشعب ولا تكون بالضرورة معادية للنظام».
تطرق طلال سلمان إلى زمن كانت فيه مصر هى القائدة وصحافتها هى الرائدة، الأمر الذى أنعش القوى والطاقات القومية التى عبرت عن نفسها فى ساحات عدة، كانت بيروت فى مقدمتها، إلا أن الهزائم التى توالت بعد ذلك قلبت الموازين بحيث صرنا «نعيش فى زمن آخر، مختلف أشد الاختلاف عن الخمسينيات والستينيات، مرحلة النهوض والتوجه نحو التكامل والتوحد، (إذ) صارت كل دولة مخاصمة للدولة العربية الأخرى، وغرقت بعض الدول العربية فى دماء أبنائها، وانتعشت الطوائف والمذاهب، واكتملت الهزيمة بتعاظم المنظمات المتطرفة ذات الشعار الإسلامى التى تريد إرجاع التاريخ قرونا إلى الوراء».
فى ختام شهادته قال ما خلاصته أن موت السياسة سلمنا إلى عصر الظلام. «ففرض الرأى الواحد هو تعميم للجهل. والفوضى المسلحة التى فرضتها التنظيمات ذات الشعار الإسلامى خلقت جوا من الإرهاب، كان منطقيا أن يلعب دور الحليف لأنظمة القمع ضد حرية التفكير والعمل والسعى إلى غد أفضل».
إزاء التقدم الذى أحرزته جيوش الظلام المدججة بأسلحة الفتك والغواية، والساعية إلى قطع الفريق على نهوض العالم العربى ؤتقدمه، وبعد نزال ومقارعة استمرت ٤٣ عاما، انهكت السفير وظلت رافضة للاستسلام والركوع، وإزاء إنسداد الأفق فإنها اختارت أن تسلك طريق «الساموراى» الذى عرفته اليابان فى تاريخها، ففضلت الانتحار على الاستسلام والسقوط فى أوحال الهزيمة. واختارت اليوم الأول من شهر يناير موعد الغياب الذى يؤكد استدامة الحضور كما يقول المتصوفة.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 06, 2017 12:48

January 4, 2017

أجراس أزمة الثقة

صحيفة الشروق الجديد المصريه الخميس 7 ربيع آخر 1438 – 5 يناير 2017أجراس أزمة الثقة – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/01/blog-post_98.html
حظر النشر فى قضية انتحار مستشار مجلس الدولة لم يوقف سيل التعليقات التى حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعى فى بر مصر، البعض شكك فى صحة الرواية مثيرا السؤال: نحر أم انتحر؟.
البعض الآخر سخر من القصة منطلقا من عدم تصديق وقائعها التى ذكرت وشكك فى الهدف من إطلاقها. فمن قائل أن المراد تشويه مجلس الدولة لتمرير التعديل المريب المقترح على قانون السلطة القضائية، وقائل بأن المستهدف صرف الانتباه عن التطورات المثيرة الحاصلة فى قضية جزيرتى تيران وصنافير.
لست فى وارد إبداء رأى فى الموضوع لأن ملاحظتى الأساسية تتمثل فى اتساع نطاق الشك فى التصريحات والبيانات الرسمية، ذلك أن صوت الشك كان عاليا فيما أعلن، وفيما سوف يعلنه الطب الشرعى الذى يفترض أن يحسم الأمر ويجيب عن السؤال: نحر أم انتحر؟.
وهذه الشكوك ليست من فراغ لأن ثمة اقتناعا شائعا خلاصته أن الحسابات والملاءمات السياسية هى التى ستحسم المسألة. وليس تحقيقات النيابة أو تحريات الأمن أو تقارير الطب الشرعى.
ذلك أن خبرات أهلنا فى مصر أقنعتهم بأن السلطة مهيمنة وممسكة بمفاتيح وخيوط كل تلك الجهات. والتوصيف الرائج فى هذا الصدد ينبه إلى أن السلطة تملك الأوراق والشهادات وبيدها الأحراز، كما أنها تملك أختام التصديق على كل شىء.
إذا دققنا فى خلفيات المشهد جيدا فسنجد أن عنصر الثقة فيما يصدر عن السلطة تراجع إلى حد كبير، ولئن تواترت الشهادات التى أيدت تراجع شعبية السلطة،
وتحدث فى ذلك كثيرون، فلا نستطيع أن نتجاهل أن تراجع الثقة يعد أحد العوامل التى أسهمت فى تراجع الشعبية فنحن نعيش هذه الأيام أصداء الزلزال الذى ضرب المجتمع المصرى بعد رفع الأسعار وتعويم الجنيه، الذى قيل لنا أنه لن يؤثر على محدودى الدخل، فى حين ثبت أنهم على رأس الضحايا الذين قصمت الإجراءات الأخيرة ظهورهم.
كما أن كثيرين لم يفهموا حكاية المشروعات العملاقة التى تنفق عليها المليارات فى حين أن سكان القبور فى مصر يتراوح عددهم بين مليون ومليونى مواطن، كما أن ثمة انهيارات مشهودة فى الخدمات الأساسية،
فى الوقت ذاته فإننا نفهم أن تشيع البلبلة بين الناس حين يجدون التصريحات الرسمية تنفى التعذيب والاختفاء القسرى، فى حين أن التقارير الحقوقية المستقلة المحلية والدولية وثقت ما لا حصر له من حالات التعذيب والاختفاء.
 وتتضاعف البلبلة حين تتعدد المخالفات الدستورية فى قانون التظاهر والجمعيات الأهلية، وحين يصدم المجتمع بعبث السلطة بالحكم الإدارى الصادر بإبطال اتفاقية تيران وصنافير، من خلال إحالته إلى البرلمان رغم انعدامه من الناحية القانونية.
 الأمر الذى يعد إهدارا للقانون والدستور فى الوقت نفسه. وإذ يتصور الناس أنهم انتخبوا برلمانا يمثلهم ويحاسب الحكومة، فإذا هم يكتشفون أنه يمثل السلطة ويرفض رئيسه أى نقد للحكومة...إلخ.
مفارقات التناقض بين الأقوال والأفعال كثيرة. وأزمة حرية التعبير التى نشهدها الآن فى مصر جاءت لتنبه الجميع بأن الإصلاح فى مصر أصبح ينصرف فقط إلى المحاولات الجارية فى مجال الاقتصاد. وأن الإصلاح السياسى ليس مدرجا على القائمة، وأن حلم الدولة المدنية والديمقراطية كان انفعالا عارضا من أصداء ثورة يناير 2011، التى صار البعض يعتبرها غلطة ومؤامرة، جرى تصحيحها بإلغاء شعاراتها التى تمثلت فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
إن طريق استعادة الثقة لا سر فيه ولا سحر، والمشكلة ليست فى الاستدلال عليه، ولكنها تكمن فى توفر الاستعداد للمضى فيه والوفاء باستحقاقاته. وذلك الاستعداد لم تؤيده شواهد الواقع بعد، رغم أننا نقرأ عنه كثيرا فى صحف الصباح.
................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 04, 2017 12:11

January 3, 2017

درس فى الشفافية!

صحيفة الشروق الجديد المصريه الأربعاء 6 ربيع آخر 1438 – 4 يناير 2017درس فى الشفافية! – فهمي هويدي  http://fahmyhoweidy.blogspot.com.eg/2017/01/blog-post_4.html
ماذا يفعل القارئ حين يطالع خبرا على الصفحة الأولى للجريدة، ثم يجد نفيا وتكذيبا له على الصفحة الأخيرة؟
 ــ حدث ذلك معى يوم الإثنين الماضى (2 يناير) حين قرأت على الصفحة الأولى لجريدة «المصرى اليوم» خبرا ذكر أن الإعلامى إبراهيم عيسى «قرر الاعتذار عن عدم الاستمرار فى تقديم برنامجه»، للتفرغ والتركيز على مشروعاته الكتابية والإبداعية فى الفترة المقبلة.
 وهو موقف مقدر ومفهوم، يحدث فى أوساط أكبر العائلات الإعلامية، إلا أن الحيرة أطلت برأسها حين وصلت إلى الصفحة الأخيرة من الجريدة، حيث وجدت رسما كاريكاتوريا للزميل عمرو سليم ظهر فيه رأس إبراهيم عيسى طائرا فى الهواء فى حين جلس صحفى معارض إلى مكتبه ينظر إليه ذاهلا. وفى جانب من الصورة ظهر خبر إيقاف برنامج إبراهيم عيسى.
لم يكن الرسم مجرد صياغة أخرى للخبر وإنما كان محملا برسالة لكل أصحاب الرأى الآخر حتى إذا كانوا يؤدون مهمتهم من داخل النظام وليس من خارجه. علما بأن الرجل لم يكن معارضا ولكنه كان ناقدا. والأول يرفض كل شىء، أما الثانى فإنه يشجع ما هو إيجابى وينتقد ما هو سلبى، كما أنه لم يكن دائما صاحب رأى آخر، لكنه كان دائما ضد سياسة الرأى الواحد. لذلك فإن الإجراء الذى اتخذ بحقه يبدو مفاجئا وعميق الدلالة.
وقبل أن استطرد فى شرح هذا المنطوق فإننى أزعم أن الذى كتب عن سبب اختفائه مختلف عما كتبه هو.
فبيان القناة التى كانت تقدم برنامجه جاء ركيكا ومرتبكا. ذلك أنها اعتبرت ما أصدرته من قبيل الحرص على مبادئ الشفافية والمصارحة والمهنية فى حين أن البيان كان نموذجا لعدم الشفافية،
 كما أن المدير التنفيذى لغرفة الإعلام المرئى والمسموع ذكر أن القناة هى التى أوقفت البرنامج، بما يعنى أن الأمر لم يكن تطوعا واختيارا لإبراهيم عيسى. وهو ما عبر عنه عنوان الخبر المنشور، الذى تحدث عن وقف البرنامج وليس اعتذار صاحبه.
الطريف فى الأمر أن تصريح مدير غرفة الإعلام ذكر أن وقف البرنامج شأن داخلى للقناة يخصها وحدها، إذ هى أدرى بسياستها التحريرية وما يحقق المصلحة العامة ومصلحتها. وكانت تلك حدود «الشفافية» التى عبر عنها،
ومن المفارقات أن صاحبنا صرح لصحيفة «المصرى اليوم» بأنهم حصلوا على تأكيدات واضحة بعدم المساس بحرية الإعلام، وعدم التدخل فى وقف برنامج أو إغلاق قنوات.
 كما أن لديهم تأكيدات واضحة من مجلس النواب بأنه ليس طرفا فيما جرى، الأمر الذى كان إشارة غير مباشرة إلى أن الأمر له علاقة بحرية التعبير.
بيان إبراهيم عيسى جاء أكثر وضوحا، «ذلك أنه تحدث عن أن برنامجه ألقى عليه الأعباء وتعرض معه لأنواء وأحيط بالضغوط. ففى الوقت الذى ساهم فيه فى اتساع عقول، فإنه تسبب أيضا فى ضيق صدور» ثم تحدث فى بيان عن اعتزازه «برأى من وضع البرنامج موضع التقدير»، وعن «تفهمه لمن أثقل البرنامج قلبه بالغضب والكراهية».
لا تدع تلك الخلفية مجالا للشك فى أن جهة ما خارج القناة وخارج غرفة الإعلام المرئى هى التى قررت وقف البرنامج وإقصاء إبراهيم عيسى. وتلك الجهة لها من النفوذ ما يمكنها من أن تسكت أى صوت بجرة قلم. ورغم أننا لا نعرف شيئا عنها إلا أن ذلك ينبغى أن يقلقنا. ليس فقط للغموض الذى يكتنف جهة القرار، وإنما أيضا للمدى الذى بلغه ضيق الصدر بحيث شمل الأعوان أيضا، فضلا عن مضمون الرسالة التى يوجهها القرار إلى جميع الإعلاميين وغيرهم من نشطاء المجال العام. لكى لا يتوقعوا انفراجا أو يرفعوا سقف توقعاتهم. وإنما عليهم أن يلتزموا جانب الحذر، وأن يتحسس كل منهم رقبته فى العام الجديد. ورأس إبراهيم عيسى التى وضعها رسام الجريدة طائرة فى الهواء عبرة لمن لا يعتبر.
لقد قرأت فى صحف الثلاثاء تقريظا مستحقا وتضامنا واسعا مع المجنى عليه فى القضية، لكن أحدا لم يتطرق إلى الجانى الذى تم تجاهله فلم ينل ما يستحقه.
................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 03, 2017 14:57

لو أن ترمب فعلها

صحيفة السبيل الأردنيه الاثنين 4 ربيع آخر 1438 – 2 يناير 2017لو أن ترمب فعلها - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/01/blog-post_3.html
ماذا سيكون رد الفعل العربي إذا ما نفذ الرئيس الأمريكي المنتخب تعهده بنقل سفارة بلاده إلى القدس؟ صحيح أنه ما تزال أمامنا نحو ثلاثة أسابيع قبل أن يتسلم الرئيس الجديد منصبه في ٢٠ يناير. صحيح أيضا أن الوعد ذاته سبق أن أطلقه أكثر من رئيس أمريكي أثناء حملته الانتخابية إلا أن الأمر اختلف بعد تبوء المنصب. إلا أننا الآن أمام مشهد مختلف تماما.
 فالعمل جار على قدم وساق لتجهيز مقر القنصلية الأمريكية في القدس لتكون مقرا للسفارة، فضلا عن أن فريقا إسرائيليا زار واشنطن لبحث ترتيبات الانتقال.
غير أن الأهم من ذلك أننا بصدد رئيس أمريكي ليكودي الهوى، اختار سفيرا جديدا لبلاده لدى إسرائيل ينافسه في انحيازه إلى غلاة اليمين من الصهاينة. وهو ما يشير بقوة إلى أن الأمر مأخوذ على محمل الجد، وإن الذكرى الخمسين لاحتلال القدس (في عام ١٩٦٧) ستشهد تطورا مثيرا في مصير القضية، فضلا عن العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وتل أبيب، حيث لم تجرؤ أي دولة أخرى في العالم على الإقدام عليه، في تحدى قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية. وهو ما عبر عنه الرئيس المنتخب بصراحة حين قال إن تاريخ المنطقة سيتغير بعد استلامه السلطة في ٢٠ يناير.
لقد اهتز العالم الإسلامي بأسره وانتفض حين قام أحد الصهاينة في عام ١٩٦٩ بإشعال حريق المسجد الأقصى. إذ تداعى الرؤساء إلى عقد القمة الإسلامية لأول مرة في الرباط وشكلت لجنة القدس التي رأسها ملك المغرب. وظهرت إلى الوجود منظمة المؤتمر الإسلامي (التعاون الإسلامي حاليا). وهى خلفية تستدعى التساؤل عن رد الفعل المنتظر حين تقدم الولايات المتحدة على العصف بكل القرارات التي صدرت عن جميع المنابر الدولية مؤكدة أن القدس مدينة تحت الاحتلال ولا يحق لإسرائيل أن تتخذها عاصمة لها.
 
ونحن نحاول التفكير في الأمر ينبغي أن نضع في الاعتبار المتغيرات ذات الصلة التي حدثت خلال العقود الأربعة التي تلت حريق المسجد الأقصى، وفى مقدمتها ما يلي:
 -
تراجع أهمية القضية الفلسطينية ضمن أولويات الأنظمة العربية التي صارت غارقة في مشاكلها وأولوياتها الداخلية التي صارت المعركة ضد الإرهاب على رأسها.
 -
تراجع وزن العالم العربي في المعادلة الدولية سواء بسبب غياب قيادتها وانفراط عقده مع تباين سياسات دول المنطقة فضلا عن إعادة رسم حدودها وخرائطها.
 -
اتساع نطاق الاختراق الإسرائيلي للدول العربية بصورة علنية أو غير علنية، إلى الحد الذي دفع إسرائيل إلى الادعاء بأنها صارت جزءا من معسكر الاعتدال العربي والسني، مع الترويج للزعم بأن عدو العالم العربي أصبح إيران وليس إسرائيل.
 -
حفاوة أغلب الأنظمة العربية بالرئيس الأمريكي المنتخب بسبب تركيزه على مكافحة الإرهاب وتغاضيه عن ملف الحريات وقضايا حقوق الإنسان، إلى جانب إعلان عدائه لإيران، الأمر الذي غفر له في نظر البعض كراهيته للإسلام والمسلمين.
 -
العجرفة الإسرائيلية المفرطة التي جعلتها تندفع في مشروعها الاستيطاني وترفض قرار مجلس الأمن وتتحداه. الأمر الذي دفع رئيس وزرائها إلى الإعلان عن توبيخ الدول التي أيدت قرار مجلس الأمن ومعاقبة الأمم المتحدة (عبر وقف تمويل خمس من منظماتها)، فضلا عن معاقبة الدول التي تمسكت بمناقشة القرار الأممي بعدما سحبته مصر.
 
لأول وهلة تبدو الصورة كئيبة ومحبطة خصوصا أن أغلب الأنظمة العربية التي لن تلجأ إلى أي إجراء حقيق بعد نقل السفارة الأمريكية (دعك من بيانات الشجب والتنديد) لسبب جوهري هو أن تلك الدول باتت حريصة على استرضاء الرئيس الجديد وعدم إغضاب إسرائيل المنتفخة والمتعجرفة. إلا أن الصورة قد تختلف نسبيا إذا وضعنا في الاعتبار ضعف وزن الولايات المتحدة وتراجع هيبتها.
وإذا راهنا على استقلال قرار بعض الدول الأوروبية والأمريكية اللاتينية لا تزال تحترم المبادئ ولم يمت فيها الضمير بعد. ومما له دلالته في هذا الصدد أن الذين تمسكوا بمناقشة قرار إدانة المستوطنات كانوا يمثلون أربع دول غير عربية في حين أن قرار سحبه كان عربيا.
ومن المفارقات أيضا أنه في حين تراجعت أولوية القضية الفلسطينية في المحيط العربي الرسمي، فإن حملة مقاطعة إسرائيل تتزايد في العالم الغربي.
 
ثمة عنصر آخر لا يمكن تجاهله يتمثل في موقف الشباب الفلسطيني وفصائل المقاومة التي لم تستسلم لليأس بعد، وبودي أن أراهن على الجماهير العربية إلا أنني ترددت في ذلك نظرا لشدة القمع الذي تتعرض له تلك الجماهير. مع ذلك فإنني لا أستبعد زيادة في مؤشرات العنف الذي قد يفجره الغضب والشعور بالمهانة والذل.
 
أشدد على أنني لا أستطيع أن أراهن على رد فعل عربي له قيمة، لأن أغلب الأنظمة العربية القائمة ليست مؤهلة لذلك، إذ ليس صحيحا أن العرب ظاهرة صوتية كما قيل، وإنما أنظمتهم هي التي بمثابة خطيئة سياسية.
............................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 03, 2017 10:07

January 2, 2017

«سيناريو» ما بعد نقل السفارة للقدس – المقال الأسبوعي

صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 5 ربيع آخر 1438 – 3 يناير 2017«سيناريو» ما بعد نقل السفارة للقدس – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/01/blog-post_2.html
من مفارقات الأقدار وسخرياتها أن الرئيس الأمريكى الجديد إذا تراجع عن تعهده بنقل سفارة بلاده إلى القدس فسيكون ذلك راجعا لأسباب عدة، ليس بينها قلقه من الصدى المتوقع فى العالم العربى.

(1)
ألقيت السؤال على أكثر من خبير ودبلوماسى فى أربعة أقطار عربية، ولم أفاجأ بالإجابة قدر مفاجأتى بالإجماع عليها.
 كان السؤال كالتالى: ما الذى يمكن أن يحدث فى العالم العربى إذا ما أقدم الرئيس الجديد على تنفيذ وعده؟
ــ نبهت إلى أن وعود الحملة الانتخابية ليست كلها قرارات ما بعد استلام السلطة. وإن مسألة نقل السفارة إلى القدس عادة ما تتردد فى انتخابات الرئاسة الأمريكية لضمان أصوات اليهود، ولكن أحدا من الرؤساء الذين تم انتخابهم لم يستطع الإقدام على تقلك الخطوة لسببين رئيسيين، أولهما أن ثمة قرارا لمجلس الأمن صدر فى عام ١٩٨٠ اعتبر أن نقل السفارة إلى القدس بمثابة خرق للقانون الدولى، كما اعتبر «قانون القدس» الذى أصدره الكنيسيت باطلا ويتعين إلغاؤه. ودعا المجلس ١٣ دولة (أغلبها من دول أمريكا اللاتينية) كانت قد أقامت سفاراتها فى المدينة المقدسة إلى إخراجها منها، وحين نجح اللوبى اليهودى بالولايات المتحدة فى استصدار قانون من الكونجرس عام ١٩٩٥ نص على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ودعا الرئيس الأمريكى إلى نقل السفارة إليها، فإن صيغة القرار تضمنت ثغرة سمحت للرئيس بتأجيل تطبيقه كل ستة أشهر، وقد استمر ذلك التأجيل طوال العشرين سنة التالية، حيث لجأ إليه كل رئيس تم انتخابه لكى يتحلل مما وعد به.
 السبب الثانى لعدم نقل السفارة طوال تلك الفترة راجع إلى أن العالم العربى كان له وزن مختلف، كما أن العداء العربى لإسرائيل كان متماسكا إلى حد ما، رغم توقيع الرئيس السادات لاتفاقية «السلام» فى عام ١٩٧٩ (الأردن وقع اتفاقية وادى عربة فى عام ١٩٩٤).
الشاهد أن الرؤساء الأمريكيين الذين ساندوا إسرائيل طول الوقت، حرصوا على ألا تكون واشنطن نموذجا للإطاحة بقرارات مجلس الأمن، ثم إنهم وضعوا فى الاعتبار حماية مصالحهم فى العالم العربى والإسلامى.

(2)
الأمر اختلف هذه المرة أمريكيا وعربيا، الأمر الذى لا يستبعد معه أن يصدر الرئيس الأمريكى قراره الصادم لنا. تؤيد ذلك الشواهد التالية:
<
إن الرجل قادم من خارج السياسة، وليس معنيا كثيرا بمختلف الحسابات والاعتبارات والسياسة التى أثرت على مواقف الرؤساء السابقين، ومن ثم فهو على استعداد للإطاحة بتلك الاعتبارات، خصوصا أنه ليكودى الهوى، بمعنى أنه منحاز إلى القوى الأكثر تطرفا فى إسرائيل،
وكان ذلك أوضح ما يكون فى اختياره لسفير بلاده لدى الدولة العبرية. وفى حملته على مجلس الأمن بعد إصداره قرار إدانة المستوطنات، وفى دعوته إلى حجب إسهام واشنطن فى ميزانية الأمم المتحدة.
وقد تحدثت وسائل الإعلام عن أن الرجل ماض فى الوفاء بما وعد به، وأن واشنطن استقبلت فريقا إسرائيليا قدم لترتيب الأمر مع نظرائهم الأمريكيين، وأشارت إلى أن مقر القنصلية الأمريكية فى القدس سيكون مقرا للسفارة بشكل مؤقت إلى حين تهيئة المكان لكى يكون لائقا «للمقام».
<
حفاوة أغلب الأنظمة العربية بالرئيس الجديد وحرصها على استرضائه. وذلك واضح فى الترحيب الرسمى به والحرص الرسمى على التعامل معه لسببين أولهما عدم اكتراثه بموضوعات الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، مع إعطاء الأولوية لملف الإرهاب. وهو ما اعتبر تأييدا لممارسات تلك الأنظمة ومساندة لها، أما ثانيهما فيتمثل فى عدائه لإيران وسعيه لإلغاء الاتفاق النووى معها، وهما عاملان غفرا له فى نظر البعض كراهيته للإسلام والمسلمين.
<
تراجع أهمية القضية الفلسطينية ضمن أولويات أغلب الأنظمة العربية التى أصبحت غارقة فى مشكلاتها الداخلية، إلى جانب انشغال بعضها بالمعركة ضد الإرهاب، وتركيز البعض الآخر بمواجهة إيران وما تمثله من أخطار تهددها.
<
اتساع نطاق الاختراق الإسرائيلى للدول العربية، بصورة علنية أو غير علنية إلى الحد الذى دفع إسرائيل إلى الادعاء بأنها صارت جزءا مما سمى معسكر الاعتدال العربى السُّنى فى مواجهة العدو الإيرانى والخطر الشيعى.

(3)
كان العالم الإسلامى قد اهتز حين أشعل أحد الصهاينة النيران فى المسجد الأقصى عام ١٩٦٩، الأمر الذى أدى إلى عقد مؤتمر للقمة الإسلامية بالعاصمة المغربية الرباط فى العام ذاته، وأسفر الاجتماع عن إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامى (التعاون الإسلامى لاحقا) للدفاع «عن شرف وكرامة المسلمين المتمثلة فى القدس وقبة الصخرة». إلا أن عالم تلك المرحلة اختلف تماما عن الزمن الراهن، وهى الخلفية التى يتعين استدعاؤها للتعرف على الصدى المحتمل لقرار الرئيس الأمريكى الجديد فى حال صدوره.
ذلك أننا ينبغى أن نعترف بأن العالم العربى الذى هو قلب العالم الإسلامى تراجع وزنه كثيرا فى المعادلة الدولية، سواء بسبب غياب قيادته وانفراط عقده وخرائطه فضلا عن تعدد محاوره وتباين سياساته، إذ استهلكت طاقته إما فى الحروب الأهلية الداخلية التى تجرى فى إطار القطر الواحد، وإما فى الحروب الإقليمية داخل المحاور المختلفة.
للأسف فإن الوهن والضعف الحاصلين فى الجانب العربى يقابلان بعجرفة واستكبار من جانب الإسرائيليين الذين تحدوا الجميع فأقروا تقنين المستوطنات المقامة فوق الأراضى المحتلة فى يوم صدور قرار إدانة الاستيطان، وقرر رئيس وزرائهم «توبيخ» الدول التى أيدت قرار مجلس الأمن، ومعاقبة الدول الأربع التى تمسكت بمناقشة القرار بعد قيام المندوب المصرى بسحبه.
 وشمل التوبيخ والعقاب وقف المساعدات المقدمة لدولة كالسنغال وإلغاء الزيارات الرسمية التى كان مقررا أن يقوم بها لإسرائيل ممثلون لدول مجلس الأمن، إضافة إلى معاقبة الأمم المتحدة ذاتها من خلال حجب إسهام إسرائيل فى موازنات بعض منظماتها.

يزداد الموقف تعقيدا إذا ما تصورنا تداعيات الموقف الأمريكى الذى وعد الرئيس الجديد بأنه سيكون «علامة فارقة» فى تاريخ المنطقة، وأيا كان قدر المبالغة فى تصريحه، فإننا لا نستطيع أن نهون من شأن سياساته إذا مضى فى نقل السفارة، ذلك أن هذا الموقف ربما أصبح بمثابة مقدمة تشجع دولا أخرى على أن تحذو حذو الإدارة الأمريكية.
وهو ما لاحظنا مقدماته فى انتقاد رئيسة الوزراء البريطانية لخطاب وزير الخارجية الأمريكى بخصوص المستوطنات، التى كانت بريطانيا قد أيدت قرار إدانتها فى مجلس الأمن.
 وفى ظل الود الذى يلوح فى الأفق بين الرئيس الأمريكى الجديد والرئيس الروسى فليس مستبعدا أن يتوافق الطرفان على تصفية القضية بمختلف عناوينها، خصوصا أن اللاعبين الدوليين باتوا يتصرفون وحدهم فى مصائر المنطقة مستثمرين حالة الفراغ فيها، يشهد بذلك الاتفاق الأخير بين روسيا وتركيا وإيران بخصوص وقف القتال فى سوريا.

(4)
لأول وهلة تبدو الصورة كئيبة ومحبطة خصوصا أن أغلب الأنظمة العربية لن تلجأ إلى أى إجراء حقيقى إذا ما تم نقل السفارة الأمريكية (دعك من بيانات الشجب والتنديد) لسبب جوهرى هو أن تلك الدول باتت حريصة على استرضاء الرئيس الجديد وعدم إغضاب إسرائيل المنتفخة والمتعجرفة.
 إلا أن الصورة قد تختلف نسبيا إذا وضعنا فى الاعتبار ضعف وزن الولايات المتحدة وتراجع هيبتها بصورة نسبية. وإذا ما راهنا على استقلال قرار بعض الدول الأوربية والأمريكية اللاتينية التى لاتزال تحترم المبادئ ولم يمت لديها الضمير بعد.
ومما له دلالته فى هذا الصدد أن الذين تمسكوا بمناقشة قرار إدانة المستوطنات كانوا يمثلون أربع دول غير عربية فى حين أن قرار سحبه كان عربيا.
ومن المفارقات أيضا أنه فى حين تراجعت أولوية القضية الفلسطينية فى المحيط العربى الرسمى، فإن حملة مقاطعة إسرائيل تتزايد فى العالم الغربى،
ثمة عنصر آخر لا يمكن تجاهله يتمثل فى موقف الشباب الفلسطينى وفصائل المقاومة التى لم تستسلم لليأس بعد، وبودى أن أراهن على الجماهير العربية إلا أننى ترددت فى ذلك نظرا لشدة القمع الذى تتعرض له تلك الجماهير. مع ذلك فإننى لا أستبعد زيادة فى مؤشرات العنف الذى قد يفجره الغضب والشعور بالمهانة والذل.

فى كل الأحوال فإننى لا أستطيع المراهنة على رد فعل له قيمة من جانب الأنظمة العربية. وأضع خطا تحت قيمة رد الفعل، لأننا شبعنا شجبا وتنديدا.
صحيح أن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط اعتبر أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بمثابة «انتكاسة كبيرة». كما أن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات قال إنه من شأن تلك الخطوة أن تدمر عملية السلام، ودعا عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية إلى ضرورة الاستعداد للتعامل مع القرار الأمريكى المنتظر، محذرا مما هو أسوأ، حيث لم يستبعد أن يتجه الرئيس الأمريكى الجديد للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
لكن ذلك كله يظل ضمن الضجيج الذى لا طحن له والنفخ فى «القربة» العربية المقطوعة. وليس ذلك رأيى الشخصى فقط، ولكنه جماع رأى الذين سألتهم من الخبراء والدبلوماسيين فى الدول العربية الأربع.
<
إن المشكلة ليست فقط فى تبجح الآخرين واستخفافهم بالعالم العربى، لكنها تكمن أولا فى الوهن والاستخذاء اللذين يفضحان الحقيقة فى العالم العربى، الأمر الذى يقدم دليلا جديدا على أن تحرير فلسطين لن يتحقق إلا إذا تم تحرير العالم العربى أولا.
وإذا بدا ذلك أمرا عصيا فى الوقت الراهن، فإننا إذا لم نملكه فلا أقل من أن نفهمه على وجهه الصحيح................

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 02, 2017 12:41

January 1, 2017

عن التطبيع مع حماس

صحيفة الشروق الجديد المصريه الاثنين 4 ربيع آخر 1438 – 2 يناير 2017عن التطبيع مع حماس – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/01/blog-post.html
إذا صحت الإشارات والقرائن التى تلوح فى الفضاء السياسى المصرى، فإنها تعطى انطباعا خلاصته أن ثمة اتجاها لتطبيع العلاقات مع غزة. أدرى أنه من غير اللائق أن يطلق على ما يجرى وصف سيئ السمعة مثل «التطبيع»، لكن التدهور بعيد المدى الذى وصلت إليه العلاقات مع القطاع، جعلنا نتمنى أن يرأب الصدع بأية وسيلة، حتى إذا وصفت بأنها تطبيع،
 مع ذلك فإننى أزعم بأن الكلمة لا تخلو من مبالغة لأن ما يجرى هو أقرب إلى هدنة تمهد للمصالحة التى يفترض أن توصل إلى عودة الثقة التى تفتح الأبواب للتطبيع المنشود.
معلوماتى أن العلاقات مع قطاع غزة خضعت لمراجعة شاملة فى الجانب المصرى، تخللتها مناقشات مطولة تواصلت خلال الشهرين الماضيين مع ممثلى حركة حماس فى القطاع.
 كان أحدثها فى نهاية الأسبوع الماضى. ومثل حماس فيها الدكتور موسى أبومرزوق نائب رئيس المكتب السياسى للحركة. وكان يفترض أن يأتى معه السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء السابق ونائب رئيس المكتب إلا أن السلطات المصرية نصحته بتأجيل الزيارة لاعتبارات أمنية.
 ذلك أن تهديدات استهدفته أطلقتها العناصر المتشددة التى تنسب نفسها إلى السلفية الجهادية فى غزة، التى تخوض ضدها سلطات القطاع صراعا أدى إلى اعتقال بعض عناصرها وهروب البعض الآخر إلى سيناء. الأمر الذى اقتضى تأمين عودته إلى غزة عبر معبر رفح.
المراجعات التى أجراها الجانبان المصرى والحمساوى تطرقت إلى خبرات الماضى ومسئوليات الحاضر والمستقبل المنظور. وكان ما تعلق بتبديد غيوم الماضى وتوضيح التباساته ضروريا لتوفير جو الثقة المفترض للتفاهم حول الأمور العالقة. وذلك ما كان له أن يتحقق إلا فى ظل تفهم الماضى، خصوصا ما تعلق منه بشيطنة حماس والزج بها فى العديد من القضايا المتعلقة بالأمن المصرى.
تقييم الدكتور موسى أبومرزوق (أبوعمر) أن التفاهمات مستمرة فى جو إيجابى مشجع، أسفر حتى الآن عن عدد من النتائج فى مقدمتها ما يلى:
<
تيسير حركة المرور من خلال معبر رفح فى الاتجاهين، وهو ما بدأ وأحدث انفراجا مشهودا طوال الأسابيع الأخيرة.
<
تشجيع حركة التبادل التجارى بين مصر والقطاع التى كانت تقدر بنحو ٣ مليارات دولار سنويا. وقد أدى إغلاق المعبر إلى تنشيط التبادل التجارى بين القطاع وإسرائيل، التى استأثرت بالمبلغ الذى كان يمثل حصة مصر.
<
وقف الحملات الإعلامية التى شوهت العلاقة بين الطرفين، وأساءت كثيرا إلى الشعبين المصرى والفلسطينى.
<
قيام السلطات المعنية فى القطاع بواجبها فى ضبط الحدود والحيلولة دون إساءة استخدام الاتفاق بما يضر بالأمن المصرى أو يخل بالأمن فى القطاع.
<
احتفاظ القاهرة بمسافة واحدة إزاء مختلف الفصائل الفلسطينية، والنأى بنفسها عن صراعاتها الداخلية، خصوصا أن بعض الأطراف حرصت فى الآونة الأخيرة على أن تعطى انطباعا باصطفاف مصر إلى جانبها فى مواجهة الأطراف الأخرى.
لا أستطيع القول بأن صفحة الخلافات قد طويت تماما، لأن ثمة ملفات لاتزال عالقة وخاضعة للبحث، لكن أهم ما تم حتى الآن يمكن أن يوصف بأنه «فض اشتباك» أو هدنة كما ذكرت،
 الأمر الذى أسهم فى إزالة أغلب الغيوم التى اعترضت سبيل العلاقات. وهو ما أقنع الطرفين بأن لهما مصالح مباشرة فى تجاوز الماضى، والتفاعل الإيجابى الذى يحتاج إليه كل طرف،
 أما السؤال عما إذا كان ذلك التحول مرحليا أم كليا وجذريا ــ تاكتيكيا أم استراتيجيا ــ فهذا ما تجيب عنه الأيام المقبلة، الأمر الذى أرجو أن يضم إلى بشارات العام الجديد.
..................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 01, 2017 11:33

فهمي هويدي's Blog

فهمي هويدي
فهمي هويدي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow فهمي هويدي's blog with rss.