فهمي هويدي's Blog, page 2

June 20, 2017

شيخ المؤرخين شهيدا

صحيفة الشروق الجديد المصريه الأربعاء 26 رمضان 1438 – 21 يونيو 2017شيخ المؤرخين شهيدا – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_20.html
يوم الأربعاء الماضى ١٤/٦ تلقيت اتصالا هاتفيا من الدكتور عادل غنيم شيخ المؤرخين المصريين أبلغنى فيه بأن جزءا جديدا من موسوعة القضية الفلسطينية قد صدر، وأنه ترك نسختى فى مقر الجمعية التاريخية كى أوفد من يتسلمها. تناقشنا فى المواعيد، ووجدت أنه لم يكن واثقا من أن موظفى الجمعية سيبقون فى مكاتبهم حتى نهاية الدوام لأن الخميس سيكون نهاية الأسبوع فضلا عن أن أجواء رمضان عادة ما تكون حافزا على الانصراف المبكر.
ولأن يومى الجمعة والسبت عطلة لأغلب العاملين، لذلك فإنه فضل أن أبعث من يتسلم نسختى يوم الأحد، على أمل أن أطالعها خلال بقية الأسبوع، ثم نلتقى قبل عيد الفطر لكى أنقل إليه انطباعاتى عما قرأت.
انشغلت فى أمور أخرى صباح الأحد، ثم فوجئت باتصال هاتفى بعد الظهر من المناضل والمؤرخ الفلسطينى عبدالقادر ياسين الذى هو صديق لكلينا، أبلغنى فيه بأن الدكتور عادل توفاه الله عند الظهر. إذ كان فى زيارة لابنته فى بيتها وفاضت روحه هناك حين كان يهم بالمغادرة. إذ لم يعد إلى بيته، لكنه غادر دنيانا كلها عن ٨٣ عاما، قضى نصفها متفرغا للبحث والكتابة فى موضوع واحد هو قضية فلسطين.
رحل الرجل فى هدوء، مثلما عاش حياة هادئة فى الظل، إذ باستثناء تكريم محدود له، ومنحه جائزة الدولة التقديرية عام ٢٠٠٩، فإنه ظل منقطعا للقضية التى نذر نفسه لها، حتى خبر وفاته.
لم تلتفت إليه وسائل الإعلام. ولم يعلم به سوى عدد قليل من أصدقائه وتلاميذه، الذين نعوه على مواقع التواصل الاجتماعى، كأنما شاءت المقادير أن يظل الشخص غائبا فى حياته ومماته، فى حين يبقى منه عطاؤه الكبير فى خدمة القضية الفلسطينية والأجيال التى تربت على يديه حين عمل أستاذا للتاريخ فى جامعة عين شمس وفى بعض الأقطار العربية الأخرى.
ذكر الدكتور غنيم فى تقديمه لموسوعة فلسطين أن هزيمة يونيو عام ١٩٦٧ هزته ودفعته إلى التفرغ للقضية الفلسطينية، وكان شغفه بها قد بدأ حين أعد رسالته للماجستير حول الحركة الوطنية الفلسطينية فى الفترة بين عامى ١٩١٧ و١٩٣٦، وقد انتهى من إعداد أطروحته فى عام ١٩٦٩. ثم واصل مشروعه فى رسالة الدكتوراه التى أعدها حول الحركة الوطنية الفلسطينية ابتداء من ثورة ١٩٣٦ وحتى الحرب العالمية الثانية التى انتهت عام ١٩٤٥،
وبعد الدكتوراه التى حصل عليها عام ١٩٧٦، استمر فى أبحاثه وكتاباته حول القضية الفلسطينية التى ألف فيها ١٦ كتابا. كما أنه تولى إصدار موسوعة مصر والقضية الفلسطينية التى كان ينوى أن يدرس فيها مسار القضية حتى عام ١٩٧٣.
من متابعتى لسيرته وجدت أنه فى سن الثمانين كان يتكلم عن القضية الفلسطينية بروح شاب ممتلئ بالحيوية والحماس. وقد أجرى معه زميلنا الأستاذ كارم يحيى حوارا نشرته جريدة «الأهرام» فى ١٥ مايو عام ٢٠١٤. ذكر فيه أنه معارض لاتفاقيات أوسلو التى أضرت كثيرا بالقضية الفلسطينية،
وقال إنه لا بديل أمام العرب والفلسطينيين سوى الكفاح المسلح، طالما فشلت كل الجهود التى بذلت لدفع إسرائيل للاستجابة لحقوق الشعب الفلسطينى. وإلى أن يتحقق ذلك فإن الانتفاضة تظل الخيار الوحيد المتاح أمام الفلسطينيين للتعبير عن رفضهم للاحتلال.
كان قد انضم إلى قسم التاريخ فى جامعة عين شمس منذ نحو أربعة عقود، لكن تخصصه فى القضية الفلسطينية فرض اسمه على كل محفل أو ندوة أو بحث يثار فيه الموضوع. حتى أزعم أنه شكل مدرسة للتنوير بالقضية وكشف مزاعم وأباطيل المشروع الصهيونى، وأدى دوره فى صمت مغلف بالتواضع النبيل.
وحين استقال من رئاسة الجمعية التاريخية بعدما تقدمت به السن وأصابه الوهن فإنه لم يتوقف عن العطاء وأعطى الموسوعة أغلب وقته. لكنه ظل يعانى من الحزن والاكتئاب وهو يتابع مجريات قضية عمره.
وربما كانت مصادفة لها دلالتها أنه فى أعقاب الإعلان عن صفقة القرن التى أريد بها تصفية القضية، وحين احتفلت إسرائيل بمرور خمسين عاما على انتصارها فى عام ٦٧ واحتلال القدس، فإننى لا استغرب أن يكون قلبه العليل لم يحتمل ما يجرى.
ذلك أنه توقف يوم الأحد ١٨ يونيو بعد ستة أيام بالضبط من نشر صحيفة هاآرتس خبرا ادعت فيه أن نتنياهو وزعيم المعارضة فى الكنيسيت إسحاق هرتسوج زارا القاهرة سرا وعقدا اجتماعا مهما فيها، وهو ما لم تنفه مصر.
هل أبالغ إذا قلت إن الدكتور عادل غنيم عاش مقاوما ومات شهيدا؟
.................................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 20, 2017 13:47

June 19, 2017

عن «التكاذب» فى تحرير أزمة الخليج – المقال الأسبوعي

صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 25 رمضان 1438 20 يونيو 2017عن «التكاذب» فى تحرير أزمة الخليج – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_19.html
من مفارقات زماننا أننا نشهد معركة شرسة بين «الأشقاء» فى الخليج، تحاط أسبابها الحقيقية بالكتمان والشكوك.
(1)
لا بد أن يدهشنا أن نعيش أجواء أزمة خليجية حادة أدت إلى حصار قطر ومحاولة خنقها اقتصاديا وسياسيا، كما أنها أصابت فى مقتل مجلس التعاون الخليجى، ومع ذلك فإننا لا نعرف شيئا عن أسبابها الحقيقية.
إذ كل ما عرفناه من الضجيج الإعلامى الذى ملأ الفضاء العربى أننا بإزاء حملة تأديب لقطر عقابا لها على مروقها وارتكابها أفعالا تعددت الاجتهادات فى تحديدها.
أحدث ما قرأت فى موضوع الأزمة ما كتبه الدكتور خالد الدخيل أستاذ العلوم السياسية والمثقف السعودى المرموق تحت عنوان «ظاهرة الدور القطرى» ــ (الحياة اللندنية ١٨ /٦).
إذ استهل مقالته بالتنويه إلى نقطتين، الأولى حديثه عن أن «التكاذب» حالة سياسية للوضع العربى منذ قرون. وقصد بالتكاذب إخفاء الحقائق وتلميعها بحيث تظهر فى صورة مطمئنة وجذابة.
وقد أورد هذه الملاحظة فى تعقيبه على ما جرى فى عام ٢٠١٤. حين وقعت أزمة بين قطر وبعض الدول الخليجية أدت إلى سحب السفراء من الدوحة. وقد أسدل الستار عليها حينذاك بدعوى أنه كان خلافا بين الأشقاء وانتهى بما أعاد إلى البيت الخليجى الوفاق والصفاء. وكان ذلك من قبيل التكاذب، لأن أسباب الأزمة ظلت قائمة بدليل أنها أطلت برأسها وعادت للانفجار على النحو الذى نشهده الآن.
النقطة الثانية التى نبه إليها هى أن الدول التى قطعت علاقتها مع قطر وأعلنت عليها الحرب الإعلامية لم تضع بعد قائمة بمطالبها من الدوحة. وكان وزير الخارجية السعودى عادل الجبير قد أعلن فى لندن يوم الجمعة الماضى (١٦/ ٦) أن الدول الأربع (السعودية ومصر والإمارات والبحرين) ستضع «قريبا» قائمة بتلك المطالب ــ وهو ما يعنى أن ما قيل حتى الآن عن أسباب الأزمة ليس بيانا كافيا أو دقيقا. لكنه ينطلق من الضيق والغضب إزاء «السياسة القطرية».
ولأن مضمون تلك السياسة ليس متفقا عليه، فبوسعنا أن نقول إن ما أثير من انتقادات لها لا يعدو أن يكون مجرد تسريبات أو اجتهادات أو تحفظات وانفعالات لم تتبلور أو تنضج بعد.
ولا يستبعد أن يكون لكل واحدة من الدول الأربع حساباتها الخاصة فضلا عما هو مشترك من أسباب الضيق والغضب. وإلى أن يتاح لنا أن نتعرف على قائمة الانتقادات والمآخذ على قطر، فإننا سنظل نتعامل مع التكهنات التى لا يستبعد أن تدور فى فلك «التكاذب» الذى يطمس الحقيقة ولا يعلنها.
(2)
ما لاحظته على مقالة الدكتور خالد الدخيل أنه لم يركز على أسباب الأزمة، لكنه فصل فيما اعتبره سيناريوهات حلها. ووعد بالحديث لاحقا عن المخرج. وهذا النهج بمثابة حديث عن حل لمشكلة لم يتم التوافق على تشخيصها.
فى رأى الكاتب أن ثمة ثلاثة حلول للمشكلة هى
(١) أن تستجيب قطر لمطالب الدول التى قطعت العلاقة معها. وهو ما شك فيه الدكتور الدخيل مستشهدا بنموذج اتفاق سابق وقع عليه أمير قطر فى سنة ٢٠١٣ (اتفاق الرياض) ولم يلتزم به. وعُدَّ ذلك دليلا على أن قطر لا تستعجل التوصل إلى حل نهائى، وهو ما فرض اللجوء إلى قطع العلاقات فى نظره.
(٢) الحل الثانى هو اللجوء إلى عمل عسكرى ضد قطر بهدف تقويم سلوكها وفرض تصويبه. وذلك خيار نظرى لم يكن مطروحا لا فى السابق ولا فى الحاضر.
ومع ذلك فإن قطر تعجلت وتحسبت له من خلال استدعاء الوجود العسكرى التركى على أراضيها. ولأن الدوحة تعلم أن الخيار العسكرى ليس واردا سواء من جانب الدول الخليجية أو من جانب تركيا التى لن تجازف بالاشتباك المسلح مع السعودية، فإن الكاتب اعتبر الإجراء القطرى قرينة على أن الدوحة «تظهر عدم جديتها فى إنهاء مسلسل الأزمات».
(٣) الحل الثالث هو بقاء الأزمة تراوح مكانها دون حل نهائى، مثلها فى ذلك مثل بقية الأزمات العربية مثل الأزمة اللبنانية وقضية الصحراء فى المغرب والأزمة العراقية.. إلخ. وقد ارتأى الكاتب أن قطر تفضل الحل الثالث أو خليطا من الخيارين الأول والثالث.
وهو يختتم مقالته أثار الكاتب نقطتين؛ فى الأولى أورد عدة ملاحظات على السلوك القطرى بخصوص التدخل فى شئون دول أخرى بما يمس سيادتها، واستضافتها شخصا متهما فى محاولة اغتيال العاهل السعودى الراحل حين كان وليا للعهد.
فى النقطة الثانية تحدث عن أن حل الأزمة ينبغى أن يحتوى على ثلاثة عناصر هى إخراج قطر من عقدة الانقلاب الأبيض الذى أتى بالشيخ حمد بن خليفة إلى الحكم عام ١٩٩٦ ــ وأن تتوقف قطر عن ممارسة الدور الذى فرضته عقدة الانقلاب الأبيض ــ وأن يكون الحل جزءا من اتفاق أشمل على إحداث تغييرات فى نظام وعمل مجلس التعاون الخليجى.
(3)
فصلت فى عرض رأى الدكتور الدخيل ليس فقط لأن الرجل له وزنه المعتبر بين المثقفين السعوديين، ولكن أيضا لأن تناوله للحدث تنزه عن المزالق التى تورط فيها غيره من المزايدين والمهرجين والمحرضين.
ولست فى موقف يسمح لى بتقييم الملاحظات التى أوردها ليثبت أن قطر دولة صغيرة تحاول ممارسة دور أكبر من حجمها وإمكاناتها. مع ذلك فإننى أجد فى ذلك التوصيف مدخلا للولوج إلى تحفظى على قراءته للمشهد.
ذلك أننى أخشى أن تكون تلك القراءة نموذجا آخر للتكاذب الذى أخذه على تقاليد الخطاب السياسى فى العالم العربى
ــ إذا سألتنى لماذا فَرَدِّى كالتالى:
إن الادعاء بأن قطر تحاول أن تلعب دورا أكبر من حجمها وإمكاناتها لا يخلو من صحة. إلا أنها ليست سمة قطرية بقدر ما أنها ظاهرة خليجية نشأت عن عاملين أساسيين،
 أولهما وأهمهما أن العالم العربى أصبح بلا قيادة، وأن قواه الكبرى إما دمرت أو أنها أنهكت وضعفت، الأمر الذى ترتب عليه ظاهرتان أولاهما معاناة العالم العربى من غياب القيادة جراء الفراغ الكبير الذى أصبح مهيمنا على ذلك الموقع المتقدم. وهو ما سوغ لى أن أقول بأن العالم العربى أصبح جسما بلا رأس، وسفينة بلا ربان، الظاهرة الثانية أن بعض الدول الخليجية ذات القدرات المالية العالية مدت أبصارها خارج حدودها، وتطلعت إلى شغل ذلك الموقع المتقدم وتنافست عليه. وبين أيدينا نماذج حية لذلك التنافس ليس فقط على صعيد الأقطار العربية، ولكننا وجدنا له شواهد داخل القطر الواحد. والحاصل فى ليبيا مثلا خير دليل على ذلك. لأن إحدى الدول العربية تقود مساندة الوضع القائم فى بنغازى. وأخرى تدعم الفريق الحاكم فى طرابلس. وذلك تطور غير مسبوق، لأننا عشنا زمنا كان الخليجيون يقصدون فيه دول المغرب العربى كسائحين أو مستثمرين. لكننا فوجئنا بهم خلال السنوات الأخيرة وقد تحولوا إلى لاعبين سياسيين يشاركون فى رسم خرائط ومستقبل تلك الدول.
فى هذا الصدد قيل لى فى تونس إن إحدى الدول الخليجية ألقت بثقلها فى الانتخابات التشريعية الأخيرة إلى جانب حزب «نداء تونس» الذى تشكل لمنافسة حركة النهضة. ووفرت لحزب النداء إمكانيات مادية كبيرة لترجيح كفته. وحين فاز الحزب وتحالف مع حركة النهضة فى سلطة الحكم، فإن الدولة سابقة الذكر عرضت على رئيس الجمهورية السيد قايد السبسى عشرة مليارات دولار ليفض ذلك التحالف.
لدى ما لا حصر له من الوقائع المشابهة الدالة على أن قطر لم تكن وحدها التى تطلعت إلى القيام بدور أكبر من حجمها وإمكاناتها. لأن تلك ظاهرة برزت فى الساحة الخليجية خلال السنوات الأخيرة. بل أزعم أن كل ما أخذ على قطر من مثالب، مارسته ووقعت فيه دول خليجية أخرى.
فإذا كانت قد آوت الإخوان مثلا فى السنوات الأخيرة. فلا ننسى أن السعودية والكويت والإمارات آوتهم فى مراحل سابقة.
وإذا كانت قد دعمت حركة حماس ــ وذلك وسام على صدرها ــ فينبغى ألا ننسى أن القادة التاريخيين لمنظمة التحرير عاشوا فى الكويت وقطر. أما فضيحة اعتبار حماس حركة إرهابية من قبل البعض فلا تفسير له سوى أنه من ثمار المدى الذى بلغه الاختراق الإسرائيلى والتماهى مع الجمهوريين الأمريكيين.
وفيما خص إيواء قطر لبعض المطلوبين فى بلادهم، فإن لهم نظائرهم لدى الدول الأخرى. ووجود محمد دحلان الخصم اللدود للرئيس محمود عباس فى الإمارات ليس الحالة الوحيدة فى هذا الصدد.
الملاحظة المثيرة فى هذا السياق أن قطر لم تنتقد لاستضافتها قاعدة العيديد الأمريكية رغم أنه انتقاد فى موضعه فى الظروف العادية، ولم يحدث ذلك لأن الجميع بيوتهم من زجاج من تلك الناحية، حيث «بلوى» القواعد الأمريكية وغير الأمريكية تلوث سجلاتهم بلا استثناء.

(4)
عندى قراءة مغايرة لخلفيات مشهد الأزمة لا تلغى ما أورده الدكتور خالد الدخيل من ملاحظات، لكنها تضيف إليها عاملا جوهريا لا ينبغى عدم إغفاله.
ذلك أن الباحث لا تفوته ملاحظة أن قطر أيدت الربيع العربى فى حين أن الدول المخاصمة والمحاصرة لها وقفت ضده وانحازت إلى الثورة المضادة. ليس ذلك فحسب وإنما أسهمت تلك الدول بإمكاناتها المادية وأبواقها الإعلامية فى إفشال الربيع العربى.
ورغم أن تاريخ تلك المرحلة لم يكتب بعد لأسباب مفهومة إلا أن لدينا كما معتبرا من القرائن والأدلة التى تثبت أن تلك الدول تدخلت فى السابق لإجهاض تجربة الربيع العربى، ولاتزال حتى الوقت الراهن تعمل جاهدة لإزالة آثاره والتمكين لعناصر الثورة المضادة. وليس سرا أن عناصر وأركان الثورة المضادة وجدوا أن أبواب تلك الدول وخزائنها مفتوحة على مصاريعها لهم.
إزاء ذلك أزعم أن الغارة الأخيرة على قطر هى إحدى حلقات انقضاض قوى الثورة المضادة على بقايا الربيع العربى. صحيح أن قطر ليست نموذجا له، لكنها لا تخفى انحيازها إليه. وذلك الانحياز لم يرض مراكز القوى الصاعدة فى مجلس التعاون الخليجى، التى اعتبرته مروقا وتغريدا خارج السرب. وهو أمر ربما بدا منطقيا، لأنها إذا كانت قد لاحقت تجليات الربيع فى المشرق والمغرب، فأولى بها أن تصفى ركائزه والقوى المساندة له فى البيت الخليجى.
وإعمالا «للتكاذب» قيل إن الهدف من الغارة هو «تغيير السياسات» فى حين أنها استهدفت تركيع وكسر إرادة النظام الذى يتبنى تلك السياسات، بحيث تضم قطر كما ذكرت سابقا، إلى «بيت الطاعة» الخليجى، الذى يسمع فيه صوت واحد ويخضع لإرادة سياسية واحدة.
..........................
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 19, 2017 13:14

June 18, 2017

هل يعيد التاريخ نفسه؟

صحيفة الشروق الجديد المصريه الاثنين 24 رمضان 1438 19 يونيو 2017هل يعيد التاريخ نفسه؟ - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_18.html
يوم الأربعاء ٤ إبريل عام ١٩٧٩ وافق مجلس الوزراء المصرى فى جلسة واحدة على اتفاق معاهدة السلام الذى وقعه الرئيس أنور السادات فى واشنطن يوم ٢٦ مارس من العام ذاته. صباح اليوم التالى ٥ إبريل ألقى السادات خطابا أمام مجلس الشعب هاجم فيه الذين انتقدوا الاتفاق.
فى مساء اليوم ذاته اجتمع مجلس الشعب واستمع إلى خطاب رئيس الوزراء الدكتور مصطفى خليل الذى قدم به المعاهدة وطلب الموافقة عليها.
فى الجلسة ذاتها ألقى رئيس مجلس الشعب الدكتور صوفى أبوطالب كلمة اقترح فيها تقديم القرار الجمهورى الذى تضمن المعاهدة مع ملحقاتها والاتفاق التكميلى الخاص بإقامة الحكم الذاتى فى غزة وكذلك بيان رئيس الوزراء ونصوص مذكرة التفاهم الأمريكى الإسرائيلى إلى لجان العلاقات الخارجية والشئون العربية والأمن القومى والتعبئة القومية لإعداد تقرير عنها وتقديمه إلى مجلس الشعب.
حينذاك ارتفعت الأصوات قائلة بأن النصوص غير موجودة، حيث لم توزع الاتفاقية على الأعضاء لا قبل المناقشة ولا بعدها. وكان رد رئيس المجلس أن النصوص جميعا أودعت أمانة المجلس وذلك يعنى أن الأعضاء الـ ٣٧٥ علموا بها.
يوم السبت ٧ مارس عقد اجتماع مشترك للجان الأربع حضره رئيس الوزراء ووزير الخارجية وعدد آخر من الوزراء المعنيين إلى جانب رئيس هيئة العمليات بوزارة الدفاع وعدد كبير من أعضاء المجلس.
فى مضبطة الجلسة أن الاجتماع المشترك اطلع على التقارير سابقة الذكر كما اطلع أعضاؤه على ١٩ وثيقة أخرى. رغم أن ذلك كان مستحيلا من الناحية العملية.
وذلك كله تم خلال جلستين عقدتا صباح ومساء يوم ٧ إبريل واستغرقتا نحو عشر ساعات. وإذ يفترض أن بحث التقارير والاطلاع على الوثائق تم خلال هاتين الجلستين، فإن اللجنة المشتركة أعدت تقريرها الذى طبع فى اليوم التالى ٨ إبريل. لذلك عقد مجلس الشعب اجتماعه يوم ٩ إبريل لمناقشة الاتفاق ووثائقه وتقرير اللجنة.
فى جلسة الصباح تحدث المهندس سيد مرعى طوال ساعتين، لم يناقش خلالهما المعاهدة، لكنه هاجم الدول العربية لأنها لم تدعم مصر، وقدمت لها ١١ مليار دولار فقط منذ عام ١٩٦٧ إلى ١٩٧٩، أى طوال ١٢ سنة.
وفى جلسة المساء تحدث الفريق السابق مدكور أبوالعز قائد السلاح الجوى الذى انتقد السوفييت لأنهم خذلوا مصر فى توريد السلاح، وخلص إلى أن خوض الحرب صار متعذرا، لذلك ينبغى تجنبها خصوصا أن الولايات المتحدة لن تسمح بهزيمة إسرائيل.
يوم ١٠ إبريل استأنف المجلس مناقشة الموضوع فى جلستين صباحية ومسائية.
وفى الجلسة المسائية تحدث الدكتور محمود القاضى وحث المجلس على عدم الموافقة على المعاهدة. ورغم أن طالبى الكلمة كان عددهم ٧٠ عضوا، إلا أنه بعدما تحدث ٣٠ منهم أغلبهم من المؤيدين تلقى رئيس المجلس اقتراحا من ٢٠ عضوا بإغلاق باب المناقشة.
وعند التصويت تمت الموافقة على الاقتراح. فعلت أصوات المعارضين الذين اعترضوا على تجاهلهم، وكان من بينهم العضو عادل عيد الذى كان أول من طلب الكلمة، لكن رئيس المجلس تجاهله، وأعلن عن بدء التصويت على المعاهدة نداء بالاسم. وكانت النتيجة أن الأغلبية وافقت (٣٢٩ عضوا) فى حين رفضها ١٥ عضوا وامتنع عضو واحد عن التصويت.
حين أعلنت النتيجة وقفت السيدة العضو فايدة كامل وهتفت باسم الرئيس السادات ثلاث مرات، كما هتفت «عاشت مصر» ثلاث مرات، وردد الأعضاء الهتاف وراءها.
وبعد ذلك ردد أعضاء المجلس نشيد بلادى بلادى لك حبى وفؤادى، أما المعارضو ن فقد رددوا نشيد والله زمان يا سلاحى، وانسحبوا من الجلسة،
وقال رئيس الجلسة بعدها إن قالت الأمة كلمتها ممثلة فيكم. أقول ونقول جميعا لأنفسنا مبروك. ورفع الجلسة على أن يعود المجلس للانعقاد يوم السبت ٢٨ إبريل، لكن المفاجأة حدثت فى اليوم التالى «١١ إبريل» حيث أصدر رئيس الجمهورية قرارا باستفتاء الشعب على حل المجلس. وكان له ما أراد.
ملحوظة: التفاصيل أعلاه تلخيص للفصل الأول من كتاب الدكتور عصمت سيف الدولة الذى صدر فى عام ١٩٨٠ «بعد تمرير اتفاقية السلام» وكان عنوانه «هذه المعاهدة».
وقد اعتمد فى ذلك على مضبطة الجلسة التى تم خلالها إخراج العملية من خلال مجلس الشعب وقد رأسه آنذاك أستاذ القانون الدكتور صوفى أبوطالب
 ــ إن التاريخ يعيد نفسه أحيانا.
.........................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 18, 2017 13:57

June 17, 2017

يوم انتصر الخوف

صحيفة الشروق الجديد المصريه الأحد 23 رمضان 1438 18 يونيو 2017يوم انتصر الخوف – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_23.html
الترجمة السياسية لعبارة «حضر الأمن وغاب المتظاهرون»، هى أن السلطة نجحت وهزم المجتمع. العبارة التى أتحدث عنها كانت العنوان الرئيسى للصفحة الأولى من عدد جريدة «الشروق» الذى صدر أمس (السبت ١٧ /٦).
والموضوع يتعلق بفكرة التظاهر الاحتجاجى الرافض لتمرير اتفاقية تيران وصنافير، الذى تم يوم الأربعاء السابق (١٤/ ٦). وكان بعض النشطاء قد دعوا إلى تلك التظاهرة للإعلان عن موقفهم إزاء ما جرى.
فى مواجهة هذه الدعوة، تم تكثيف الوجود الأمنى فى شوارع القاهرة والمدن الرئيسية، وحظرت المواقع الإلكترونية (وصل عددها إلى أكثر من ٧٠ موقعا أمس). وتمت مداهمة بيوت النشطاء وألقى القبض على عشرات منهم. أما الذين جازفوا ونزلوا إلى الشوارع، وهم قلة، فقد قدموا إلى النيابة وجرى التحقيق معهم بتهم عديدة، بينها التظاهر بغير تصريح والإساءة للنظام، وتكدير السلم العام وتعطيل عجلة التنمية... إلخ.
الصحف القومية والمواقع الأمنية تحدثت أمس عن «فشل المظاهرات»، التى دعت إليها «بعض التنظيمات السياسية وجماعة الإخوان الإرهابية».. وتحدثت عن أن الجماهير خيبت آمالهم بعدم الاستجابة لتلك الدعوات» ــ (الأهرام).
المعلومات صحيحة لكن التوصيف مغلوط. ذلك أن الذين خرجوا إلى التظاهرات كانوا من عموم الوطنيين المصريين كما كانت أعدادهم قليلة نسبيا، وذلك أمر مفهوم أولا لأن حملة الترهيب والترويع أوصلت الرسالة إلى الجميع حتى أصبح الكل مقتنعا بأن التظاهر مغامرة غير مأمونة العاقبة، ولها تكلفتها الباهظة التى يمكن أن تغيب المتظاهر وراء الشمس لأشهر أو سنوات عدة. فضلا عن أن من شأنها إدراجه ضمن القوائم السوداء، وقوائم الإرهابيين، وهو ما يعنى مداهمة بيته واعتقاله فى كل أزمة، بما يفتح الباب لتدمير حياته هو وأسرته.
ناهيك عن أن السياسات المتبعة خلال السنوات الثلاث الماضية أدت إلى تفريغ الساحة من أية قوة سياسية لها وزن فى البلد، بمثل ما أدت إلى تقزيم وتكبيل مكونات المجتمع المدنى، من أحزاب ناشئة إلى نقابات أو منظمات للمجتمع المدنى.
لا يخلو من دلالة فى هذا السياق أن عدد الذين عارضوا الاتفاقية فى جلسة مجلس النواب وصل إلى 101 شخص، فى حين أن الذى خاض معركته إلى النهاية، وقرر النجاة والاستقالة من المجلس، احتجاجا على تمريرها شخص واحد هو النائب الشجاع محمد أحمد فؤاد (دائرة العمرانية ــ حزب الوفد).
إذا وضعت هذه المعلومات بدلالاتها فى جانب، وقارنتها بنتائج الاستطلاع الذى بين أن ١١٪ فقط من المصريين يؤيدون سعودية الجزيرتين، وأضفت إلى ذلك سيل التعليقات الحادة والجارحة التى تحفل بها يوميا مواقع التواصل الاجتماعى، منذ عرض الموضوع على البرلمان، فلابد أن تثير انتباهك المفارقة.
ذلك أن البون شاسع للغاية بين أعداد الرافضين والغاضبين، وبين أعداد المتظاهرين والمستقيلين. ولا تعليل لذلك سوى أن الخوف يفسر المفارقة.
ذلك أن التكلفة الباهظة للاحتجاج دفعت كثيرين إلى الإحجام عن التظاهر كما جعلت الرافضين من أعضاء البرلمان يترددون فى تقديم استقالاتهم منه.
وهو تحليل إذا صح فإنه يصبح بمثابة إدانة للسلطة وليس إنجازا أو انتصارا لها. ذلك أن السلطة حين تقمع شعبها وتشيع فى أوساطه الترويع والخوف فإنها قد تعزز لسلطانها وتشدد من قبضتها لكنها تفقد شرعيتها. وتفقد معها الثقة والاعتبار.
إن القهر لا يضفى شرعية على أى سلطة كانت، ووحده رضى الناس وثقتهم فى النظام هو الذى يوفر تلك الشرعية.
إن ما جرى يوم الجمعة الماضى لم يكن إنجازا للشرطة ولا للسلطة لكنه كان إعلانا عن انتصار الخوف.
............................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 17, 2017 13:15

June 16, 2017

نكستان

صحيفة الشروق الجديد المصريه السبت 22 رمضان 1438 17 يونيو 2017نكستان – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_17.html
كأن يونيو صار شهر النوازل والنكسات، منذ أصبحت الهزيمة الكبرى فى عام ١٩٦٧ عنوانا له، وقد شاءت المقادير أن تضاف إليها نكستان أخريان هذه الأيام. إحداهما تمرير اتفاقية التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير فى مصر والثانية حصار قطر ومقاطعتها،
وإذا قال قائل بأن الخطب أفدح وأننا فى زمن النكسات والانكسارات فسأوافقه على الفور. إذ حين يتم تدمير سوريا والعراق ويلحق التدمير اليمن الذى تفتك به الكوليرا هذه الأيام. وحين تحاصر غزة من جيرانها ومن السلطة الفلسطينية وإسرائيل فى الوقت نفسه ويستمر ذلك عشر سنوات، فلا ينبغى أن نخص بالذكر نكسات يونيو وحدها.
لذلك ربما كان الأكثر دقة أن نتحدث عن الحلقات التى استجدت فى مسلسل النكسات التى أكثره صنعناه بأنفسنا، بما يعنى أننا الجناة فيها والمجنى عليهم.
لاتزال صدمة تمرير اتفاقية الجزيرتين تتفاعل، وكل ما نعرفه حتى الآن أن الحدث أذهل المجتمع المصرى الذى صفعه الحدث حتى ألجم كثيرين، واقترن ذلك بالدهشة البالغة إزاء إخراج عملية التمرير من البرلمان، التى مثلت إهدارا للقانون والدستور. فضلا عما تخللها من إهانة علنية للقضاء بإحالة الاتفاقية إلى البرلمان رغم صدور حكم نهائى ببطلانها وانعدام أثرها.
ثم بما عبر عنه رئيس البرلمان الذى كان أستاذا للقانون حين قال إنه ليس معنيا بحكم القضاء، الذى اعتبره أمرا يخصه وحده، وأنه والعدم سواء، وذهب إلى القول بأنه لا حجية لحكم مع مجلس النواب، وقد تم التمرير فى أجواء مليئة بالغيوم. إذ تم حجب أكثر من ٦٠ موقعا على الفيس بوك، وشنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة بين الشباب المعارضين، كما أغلق ميدان التحرير وانتشرت الشرطة فى شوارع قلب القاهرة والإسكندرية.
لم يفق كثيرون من الصدمة بعد. لذلك ليس معروفا على وجه الدقة ما الذى يمكن أن يحدث حين تتم الإفاقة. لكننى من الأجواء التى نلمسها والتعليقات الحادة والجارحة التى نطالعها أزعم أن مصر بعد التمرير ستكون مختلفة عنها قبله، وإن الحراك السياسى سوف يأخذ منحى وربما شكلا آخر،
وفى كل الأحوال فإن التمرير لن يكون نهاية المطاف، ولكنه سيكون بداية لطور آخر من النضال فى ساحة القضاء وربما غيرها من الساحات.
ولأن الجرح كبير وعميق فإن ما جرى سحب كثيرا من رصيد الثقة بين المجتمع والسلطة. ذلك أن الأخيرة حين أرادت أن «تكحلها» بعرض الموضوع على البرلمان وتوفير الغطاء القانونى للاتفاقية التى عقدتها، فإنها «أعمتها» بالممارسات التى تمت داخل البرلمان، وبالكلام الخطير الذى أطلقه رئيسه وأهان به القضاء.
نكسة الحصار المفاجئ لقطر ومحاولة خنقها بإغلاق البحر والبر والجو من حولها لا سابقة لها فى التاريخ العربى المعاصر، إذا استثنينا غزو العراق للكويت عام ١٩٩٠. وهى تكاد تعيد إلى الأذهان بعض أوجه تجربة ملوك الطوائف فى الأندلس (القرن الحادى عشر الميلادى) حين تنافس الأمراء على الزعامة والغنائم وانتهى الأمر بهزيمتهم جميعا.
الإجراء المدهش بدا غير مفهوم فى أسبابه وخلفياته. وما ذكر عن الأسباب بدا أن هدفه إدخال قطر فى «بيت الطاعة» ومطالبتها بتغيير سياستها الداخلية والخارجية لتتطابق مع معادلة مراكز القوى الجديدة فى الخليج.
 وأغرب ما قيل فى هذا الصدد كان تصريح وزير الخارجية السعودى الذى اتهم قطر بدعم حماس والإخوان، والأول مطلب إسرائيلى والثانى مطلب مصرى،
وللعلم فإن إحدى محاكم الدرجة الأولى فى مصر اعتبرت حركة حماس تنظيما إرهابيا يوما ما، ولكن الحكومة طعنت على القرار فقضت محكمة جنايات القاهرة بإلغائه فى شهر يونيو (أيضا!) عام ٢٠١٥.
الذى لا يقل خطورة عن ذلك أن الحصار وجه ضربة قاصمة لمجلس التعاون الخليجى وتجاهل الجامعة العربية التى لم تعد طرفا فى أى مشكلة عربية. كما أنه أحدث جرحا غائرا فى العلاقات القطرية والدول الخليجية التى قادت الحملة، الأمر الذى كان له أثره فى الأوساط الشعبية.
وقد بلغ اللدد فى الخصومة حدا بعيدا، أدى إلى اعتبار «التعاطف» مع قطر جريمة يستحق صاحبها السجن ما بين ٥ و١٥ عاما. لذلك أزعم أن العلاقات بين الأشقاء فى الخليج بعد الحصار ستختلف بدورها عما كانت عليه قبله.
لها حق إسرائيل أن تفرح وتعربد، لأنها تجد العرب يهزمون أنفسهم بأنفسهم كل حين ويوفرون عليها جهد مراقبتهم، بما يمكنها من التفرغ للإجهاز على ما تبقى من فلسطين.
.................................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 16, 2017 15:18

June 14, 2017

فى شبه الديمقراطية

صحيفة الشروق الجديد المصريه الخميس 20 رمضان 1438 15 يونيو 2017فى شبه الديمقراطية – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_15.html
ما الذى يعنيه أن نقرأ أن ١١٪ فقط من المصريين مقتنعون بسعودية جزيرتى تيران وصنافير؟.. ردى السريع أن الخبر مهم صحفيا وسياسيا، واستحق أن يحتل صدارة أخبار الصفحة الأولى لجريدة «الشروق» التى صدرت أمس (١٤/٦)، غير أنه لا وزن له ولا قيمة من الناحية العملية.
 أتحدث عن نتائج استطلاع الرأى العام الذى أجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة)، وبين أن ٤٧٪ من المواطنين الذين استطلعت آراؤهم مقتنعون بمصرية الجزيرتين، وأن ٤٢٪ من المصريين يرون أنه من الضرورى استفتاء الشعب حول الموضوع.
الاستطلاع تضمن بيانات تفصيلية أخرى لا مجال للخوض فيها، لكنى تخيرت أهمها وأكثرها دلالة فى الظروف التى نحن بصددها.
وما أثار انتباهى لأول وهلة فى الأرقام ليس فقط ارتفاع نسبة المعارضين وتضاؤل نسبة المؤيدين، وإنما أيضا التفاوت الكبير بين هذه الأرقام وبين نظيرها فى مجلس النواب.
أدرى أن التصويت فى الجلسة العامة للبرلمان لم يتم، فضلا عن أن الحكومة ضامنة لتمرير الاتفاقية، لكن التصويت بالموافقة على الموضوع فى اللجنة الدستورية والتشريعية له دلالاته التى استوقفتنى، ذلك أن المؤيدين كانوا ٣٥ عضوا فى حين أن معارضيه كانوا ثمانية أعضاء فقط، الأمر الذى يعنى أن نحو ٢٢٪ فقط من أعضاء اللجنة عارضوا بينما ٧٨٪ وافقوا. وهو ما يدل على أن موقف أعضاء اللجنة على النقيض تماما من موقف عينة الرأى العام المصرى، وهى نتيجة لا تفاجئنا، لكنها تؤكد ما نعرفه عن البرلمان وما يجرح شرعيته.
 أعنى أنه مما يعيد التأكيد على أنه جرى تصميمه ليكون ذراعا للحكومة وليس ممثلا للشعب. وهذا الانفصال يضع الحكومة والبرلمان فى جانب والمجتمع والرأى العام فى جانب آخر لا يخلو من تناقض فى أحيان كثيرة.
استطرادا وبالمناسبة، فثمة واقعة قريبة من ذلك شهدتها منطقة الخليج أخيرا. ذلك أن أحد الأكاديميين حاول أن يجرى استطلاعا على موقعه للتعرف على موقف الخليجيين إزاء الأزمة الراهنة التى أدت إلى مقاطعة قطر وحصارها، وحين جاءته الردود خلال ساعات تبين أن ٦٥٪ من الخليجيين يرفضون المقاطعة والحصار. ولكن لأن الموقع ينتسب إلى إحدى الدول التى اتخذت قرار المقاطعة فقد تم إغلاقه خلال ساعتين فقط، بما يدل على أن الشعب فى واد والسلطة فى واد آخر.
الحقيقة التى لا مفر من الاعتراف بها هى أن أوضاعنا العربية فى مصر وغيرها لا تحترم الرأى العام ولا تعتبره طرفا فى المعادلة السياسية، ومفاجأة المصريين باتفاقية الجزيرتين ليست الواقعة الوحيدة، لأن القائمة طويلة وتشمل العديد من العناوين التى تتصل بالسياسة الداخلية والخارجية،
ولا ينسى فى هذا الصدد أن اجتماع العقبة السرى الذى شارك فيه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو والرئيس السيسى وحضره ملك الأردن ووزير الخارجية الأمريكى السابق جون كيرى، علمنا به بعد عدة أشهر من الصحافة الإسرائيلية
 ــ كما أننا فوجئنا هذا الأسبوع بأن اجتماعا آخر عقد فى القاهرة بخصوص الموضوع وقد تم تسريبه من مكتب إسحاق هرتسوج زعيم المعارضة فى الكنيست الذى كان بصحبة نتنياهو فى ذلك الاجتماع.
ورغم أهمية الخبر فإننا لم نجد له صدى ينور الرأى العام ويجنبه الحيرة والبلبلة.
إن الرأى العام فى بلادنا تعبير لغوى متداول فى الخطب والمقالات، وهو ورقة لا تستخدم إلا عند الضرورة.
لذلك فإن الاستطلاعات التى تجرى تعد من قبيل التجمل ليس أكثر، شأنها فى ذلك شأن مستلزمات الحداثة الأخرى وإفرازاتها.
ذلك أن تلك الاستطلاعات لها قيمة فى المجتمعات التى للفرد والمجتمع فيها رأى وقيمة، وذلك لا يتحقق إلا فى ظل ديمقراطية حقيقية.

أما شبه الديمقراطية الذى نعيش فى كنفه فهو طارد لأى حضور للمجتمع، وجاذب فقط للعناوين وقصائد الغزل فى «الشعب العظيم»، المغيب دائما والحاضر فى المناسبات.
...............................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 14, 2017 15:41

June 13, 2017

ميلاد جديد لائتلاف يونيو؟

صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 19 رمضان 1438 14 يونيو 2017ميلاد جديد لائتلاف يونيو؟ - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_14.html
هل تشهد مصر ميلادا جديدا لائتلاف يونيو؟ ــ السؤال من وحى صورة وقعت عليها قبل أيام لاجتماع بعض النشطاء والشخصيات العامة الذين التقوا في مقر حزب «الدستور» يوم الأحد الماضي ١١/٦ لمناقشة تطورات موضوع جزيرتي تيران وصنافير
 ــ إذ أثار انتباهي في الصورة أن بين الجالسين في الصف الأول من الحضور بعض الشخصيات الوطنية البارزة التي تصدرت الدعوة لما سمى بائتلاف ٣٠ يونيو عام ٢٠١٣ الذي تشكل آنذاك لمواجهة حكم الإخوان. ولأنهم كانوا ضمن آخرين من النشطاء الحاليين قلت إن هذا التجمع حرى به أن يشكل نواة الميلاد الجديد للائتلاف الذي انفرط عقده.
شجعني على ذلك أن منظمي المؤتمر وجهوا الدعوة لحزب «مصر القوية» الذي يرأسه الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح للمشاركة في الاجتماع، وفهمت أنه اعتذر عن عدم الحضور بسبب ظرف صحي طارئ ألم به، لكنه أوفد من يمثل الحزب ووجه رسالة إلى المجتمعين تليت أثناء اللقاء.
أزعم أن دائرة الإجماع الوطني في ذلك اللقاء أوسع بكثير منها في عام ٢٠١٣. كما أن الظرف التاريخي اختلف تماما عنه في ذلك العام. فموضوع ائتلاف عام ٢٠١٣ كان الصراع السياسي في مصر، الذي أفضى إلى انقسام للصف الوطني لازلنا نعانى من آثاره حتى الآن.
كما أنه كان ضد نظام ارتكب أخطاء أثارت حفيظة بعض القوى الوطنية واستفزتها. أما في الوقت الراهن فالموضوع المثار ليس صراعا بين القوى الوطنية ولكنه صراع موضوعه الوطن ذاته بحدوده وأرضه. وهو أمر يتجاوز الخلافات الأيديولوجية والحسابات الذاتية والمرارات التاريخية التي مزقت الأواصر وأضعفت الجميع. ورغم الانجازات العمرانية التي تحققت خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن أحدا لا يستطيع أن يتجاهل تداعيات السياسات الاقتصادية التي ملأت البلد بالسخط والغضب أو الإجراءات القمعية التي تعرض لها النشطاء واستهدفت تقييد الحريات العامة وتقويض ركائز المجتمع المدني، إلى غير ذلك من الأخطاء التي تستحق وقفة جادة من جانب المجتمع، ولتلك الوقفة أهميتها الخاصة في الوقت الراهن الذي ثبت فيه أن المجتمع فقد الثقة في المؤسسات التي يفترض أنها تمثله.
 وحالة اتفاقية ترسيم الحدود التي يفترض أن تؤدى إلى تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية نموذجية في تجسيد الأزمة التي نحن بصددها، ذلك أن المصريين فوجئوا بالاتفاقية بقدر ما صدموا بمحتواها. إذ استيقظوا ذات صباح ليكتشفوا أن وطنهم الذي عرفوه نقص جزيرتين إستراتيجيتين تربوا على أنها جزء من تراب بلادهم.
 وحين عرض الأمر على القضاء الإداري المختص فإن حكمه النهائي الأخير قضى ببطلان الاتفاقية ومصرية الجزيرتين. لكن السلطة لم تكترث بذلك فلجأت إلى القضاء غير المختص وأحالت الأمر على البرلمان الذي ليس له أن ينظر في قضية انعدم وجودها من الناحية القانونية.
لأنه برلمان الحكومة وليس الشعب فقد تمت الإحالة في ظل الاطمئنان المسبق إلى أن المجلس لن يخذلها. وبدا واضحا أن هدف الإحالة ليس مناقشة الموضوع وإنما إخراجه على نحو يستكمل شكل وإجراءات التمرير. وتكفل رئيس البرلمان باتخاذ ما يلزم للاستجابة للرغبة الحكومية، إلا أن بعض النواب الغيورين أفسدوا السيناريو المرسوم في يومه الأول على الأقل. إذ لم يملكوا سوى إعلان الاعتراض، وانتقدوا موقف رئيس البرلمان الذي كان واسع الصدر للمؤيدين وضائقة بالنسبة للمعارضين، وحين هتفوا «مصرية.. مصرية» فإنهم أسمعوا صوتهم للجماهير، التي احتفلت بهتافهم ورددته مواقع التواصل الاجتماعي طول الوقت.
لست متفائلا وأرجح أن التربيطات المسبقة ستؤدى إلى تمرير الاتفاقية في التصويت الذي يفترض أن يتم اليوم أو غدا. وستكون الأغلبية المؤيدة كبيرة خصوصا إذا رفض رئيس المجلس التصويت العلني عبر النداء بالاسم، وإذا تحقق المراد غدا فلن يكون ذلك نهاية المطاف ذلك أن أسئلة عدة ستطرح نفسها بعد غد. بعضها يتعلق بموقف الرافضين وهل سيستمرون في عضويتهم بالمجلس أم لا؟.
 ثمة أسئلة أخرى تخص النخب القانونية الذين فهمت أنهم سيواصلون النضال القانوني من خلال المراهنة على نزاهة المحكمة الدستورية. أما الأسئلة المتعلقة بموقف الطبقة السياسية والقوى الوطنية فهي مصيرية وحارقة. ذلك أن المطروح عليها أن تكون أو لا تكون، وقد يكون ائتلاف يونيو في ثوبه الجديد طوق النجاح لها.
هناك سؤال كبير أخير عن حكم التاريخ فيما يجرى. وذلك وحده الذي نعرف الإجابة عليه.
..........................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 13, 2017 19:13

June 12, 2017

مجتمع ما بعد «التأميم»: الإدارة فى خدمة السياسة – المقال الأسبوعي

صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 18 رمضان 1438 13 يونيو 2017مجتمع ما بعد «التأميم»: الإدارة فى خدمة السياسة – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_12.html
أجواء القطيعة التى خيَّمت على علاقة مصر بقطر تعيد إلى الأذهان معضلة ضبط علاقة السلطة بالمجتمع والإدارة بالسياسة.

(1)
حين انفجرت الأزمة الخليجية وصارت مصر طرفا فيها وصعد الإعلام المصرى لهجة التحريض والهجاء، نشرت صحف الصباح الخبر التالى: قررت مديرية الأوقاف فى محافظة البحيرة شطب أسماء القطريين الذين تبرعوا ببناء ٢٤ مسجدا فى قرى مركز أبوحماد، واستبدالها بأسماء الله الحسنى.
ولم يكن لذلك من تفسير سوى أن الحملة الإعلامية اعتبرت دعوة للنفير العام من جانب السلطة، الأمر الذى دفع موظفى الأوقاف إلى محاولة تسجيل أسمائهم فى دفتر الولاء للسلطة والتجاوب معها، ليس فقط لأن من شأن ذلك أن يحسب لهم ولكن أيضا لاقتناعهم بأن معركة السلطة هى معركتهم ومن ثم فإن اصطفافهم إلى جانبها يعد واجبا لا سبيل للتحلل منه.
لذلك أشك كثيرا فى أن يكون قرار مسئولى الأوقاف جاء تنفيذا لتوجيهات الوزير المختص، الذى نعلم جيدا أنه سباق فى مضمار المزايدة على السلطة والذوبان فيها. وأرجح أن يكون تصرف مسئولى الأوقاف كان تلقائيا وتم دون توجيه.
لم أعثر على تكذيب أو تصويب للخبر، لذلك سأتعامل معه باعتباره صحيحا حتى يثبت العكس. وقد استوقفنى لدلالته وليس لذاته، أعنى أن إزالة أسماء من تبرع ببناء المساجد من القطريين إجراء عبثى لا قيمة له. لأن من أقام مسجدا لوجه الله لا يهمه ولا يعنيه أن يكتب اسمه على قطعة من الرخام معلقة فى مدخله، ولا ينتقص منه أن يمحى الاسم، لأن ثوابه رفع إلى حيث يستعصى المحو ولا تطوله معاول البشر. وإنما فيه إدانة للفاعل وليس للمفعول به،
مع ذلك فإن للأمر دلالاته التى تستحق الإثبات. إذ أزعم أننا بإزاء ظاهرة فى مصر ولسنا بصدد حادثة فردية.
وهذه الظاهرة تتمثل فى أن السلطة السياسية حين تتبنى موقفا أو تتخذ إجراء بحق أى طرف مخالف لها حتى نفاجأ بأمرين، أولهما مسارعة أجهزة الدولة ومؤسساتها والحلقات المرتبطة بها إلى التضامن معها فى ذلك من خلال تبنى الموقف والتفاعل معه والمزايدة عليه، الأمر الثانى يتمثل فى استباحة الآخر والذهاب إلى أبعد مدى فى الاشتباك معه. وهى المهمة التى تتولاها المنابر والأبواق الإعلامية، التى أصبحت ضمن أسلحة «الدمار الشامل» التى تستخدمها السلطة ضد خصومها. وأقصد بالدمار الشامل فى هذه الحالة مهمة الاغتيال الأدبى والسياسى والإبادة الثقافية.

(2)
يدلل على ما أدعيه أننا فوجئنا فى اليوم التالى لإعلان اشتراك مصر فى المعسكر المناوئ لقطر ببيان صادر عن الأزهر اقتحم المشهد وأعلن تأييده مقاطعتها وحصارها. حدث ذلك رغم أننا نعتبر الأزهر منارة وحصنا معرفيا للعالم الإسلامى غير مرتبط بالسياسة المصرية. ثم إن واجبه كمؤسسة دينية أن يظل داعيا إلى التواصل بين مكونات الجسم الإسلامى، وليس التنابز وتشجيع الخصومة والقطيعة بينها. ناهيك عن أن الأزهر لو التزم الصمت ونأى بنفسه عن المشاركة فى الخصومة، فإنه لن يحاسب على سكوته ولن يسأل أحد عن موقفه، ناهيك عن أنه سيظل محتفظا بهيبته وقامته.
 لكن الذين أصدروا بيان تأييد المقاطعة والحصار قبلوا بأن يعد ذلك خصما من رصيد الأزهر، مقابل أن يسجل ذلك نقطة لحسابهم فى دفتر السلطة.
أثار الدهشة فى هذا السياق أن الصحف المصرية نشرت أن حزبا مجهولا شكل وفدا من أعضائه للسفر إلى ميونيخ فى سويسرا حيث مقر «الفيفا» (الاتحاد الدولى لكرة القدم)، لكى يقدم طلبا عاجلا لسحب قرار تنظيم مونديال كأس العالم لسنة ٢٠٢٢ من قطر، رغم أن الحزب لا علاقة له بالرياضة فضلا عن أنه لا حضور له فى السياسة. لست متأكدا من جدية قادة الحزب، الذين أحسب أنهم يعلمون أن الفيفا لا يتعامل مع الأحزاب، لكن الذى أنت فيه أن نشر الخبر استهدف تسجيل نقطة فى دفتر الولاء تلتمس الرضا وتعلن الذوبان فى السلطة والتضامن معها فى الكيد لقطر وتجريحها.
الظاهرة ليست جديدة وإن استفحلت هذه الأيام نظرا لتعدد المعارك الصغيرة التى يخوضها النظام القائم، ولعلى رويت فى مقام سابق حكاية أجهزة السلطة مع فؤاد سراج الدين (باشا)
إذ معلوم أنه بعد ثورة عام ١٩٥٢ انقلبت السلطة على أحزاب المرحلة الملكية وفى مقدمتها حزب الوفد الذى كان فؤاد باشا من قادته. وكان مفهوما أن تطوى صفحة قادة تلك الأحزاب وأن يصبحوا ضمن المنبوذين سياسيا،
ولأن فؤاد باشا كان وزيرا للمواصلات يوما ما، فقد منحته هيئة السكك الحديدية بطاقة تخوله حق ركوب القطارات مجانا، وهو عرف كان متبعا مع كل من يشغل ذلك المنصب.
وحين أصبح الرجل منبوذا سياسيا ألغيت البطاقة فى صمت، رغم أنها لم تكن تمثل أية أهمية له،
وبعد أكثر من عشر سنوات، حين تولى الرئيس السادات السلطة وفتح الباب لشكل من أشكال التعددية السياسية سمح القضاء بعودة حزب الوفد مرة أخرى برئاسة فؤاد باشا،
حينذاك فوجئ الرجل ذات صباح بأن بطاقة الركوب المجانى للقطارات أعيدت إليه فى صمت. ما يعنى أن هيئة السكك الحديدية ضبطت نفسها على مؤشر السلطة، إذ سحبت البطاقة حين نبذته، وأعادتها إليه حين رضيت عنه. ولم يكن المعيار هو مدى قانونية التصرف، لكنه كان اتجاهات الرياح السياسية، ومدى الرضى فيها أو الغضب.

(3)
بحكم التاريخ وأمر الجغرافيا ظلت قوة السلطة المركزية حقيقة ثابتة وراسخة. إذ منذ فجر التاريخ مارس الفرعون سلطته فى ضبط النهر وضبط الناس، وهو من «استخف قومه فأطاعوه» كما يذكر القرآن الكريم، ولأن الدولة المركزية كانت ضرورة حتمية للبيئة الفيضية التى تعتمد فى مياهها ــ وفى استمرار حياتها ــ على مياه النيل، فقد كان الطغيان الفرعونى بدوره نتيجة حتمية للدولة المركزية.
وبسبب وضعها الجغرافى صارت مصر أول وحدة سياسية وأول دولة موحدة فى التاريخ، لذلك فإنها على الأرجح مثلت أول طغيان فى الأرض، تضاءل فى ظله حجم الشعب بقدر ما تضخم وزن الحكم.
ما سبق ليس كلامى، ولكنه تلخيص مركز لوجهة نظر الدكتور جمال حمدان أستاذ الجغرافيا السياسية الأشهر، عرضها باستفاضة فى الجزء الثانى من موسوعته «شخصية مصر». وكنت قد أشرت إلى بعض جوانبها فى كتابات سابقة.
ظلت قوة السلطة المركزية سمة ملازمة لمختلف مراحل التاريخ المصرى، وإن تجلت فى أشكال عدة، كان استمرار إعلان الطوارئ من بينها، وكان ضعف الحالة الديمقراطية من تداعياتها.
فى هذا الصدد يذكر المستشار طارق البشرى فى كتابه «جهاز الدولة وإدارة الحكم فى مصر المعاصرة»، أن مصر خلال ثلاثة أرباع القرن الأخير عاشت فى ظل حالة طوارئ ثابتة، اعتاد عليها جهاز الإدارة وتشكلت فى ظلها تجاربه ومهاراته وأساليب إدارته للشئون العامة وللتعامل مع المواطنين. بمعنى أنه فى «ثقافته» الإدارية وبحكم تجاربه وخبراته لم يعد يستطيع الحكم ولا ممارسة مهام عمله إلا فى ظل ما تنتجه حالة الطوارئ من سلطات وقدرات غير معتبرة، أى فى إطار سلطات طليقة من القيود.
إحدى النتائج المهمة التى أفرزتها تلك الخلفية تمثلت فى انسحاق جهاز الإدارة وذوبانه فى تضاريس القيادة السياسية، بحيث لم يعد خادما للمجتمع وإنما صار خادما للسلطان. وهو ما يفسر لنا المثل الذى ذاع ذات يوم الذى يقول: إن فاتك الميرى (عربة السلطة أو قطارها) تمرغ فى ترابه.
بمعنى أنك إذا لم تصبح جزءا من السلطة، فعليك أن تنتسب إليها بأى شكل من الأشكال، حتى إذا تم ذلك من خلال التمرغ فى ترابها.

(4)
إذا جاز ما سبق بالنسبة لموقف جهاز الإدارة فإنه لا ينطبق بالضرورة على المجتمع، ذلك أن ثمة شواهد دالة على أن قبضة السلطة السياسية على المجتمع تشتد وتضعف تبعا لمؤشر الحالة الديمقراطية فيه. وهذه الحالة لا تقاس فقط بمعيار هامش الحرية المتاحة للمجتمع وإنما تقاس أيضا بمدى احترام مبدأ الفصل بين السلطات.
آية ذلك مثلا أن موقف المجتمع فى مصر إزاء السلطة اختلف فى المراحل شبه الليبرالية التى مرت بها البلد. إذ لم ينسحق أو يذوب فيها كما حدث مع جهاز الإدارة.
فنحن نذكر مثلا أنه فى أول انتخابات أجريت بعد دستور ١٩٢٣ (لاحظ أنه صدر بعد خمس سنوات من قيام ثورة ١٩١٩) كان الملك والحكومة وقتذاك معاديين لحزب الوفد، ومع ذلك صوتت الجماهير لصالحه بحيث حصل الوفد على ٩٠٪ من مقاعد البرلمان.
ومما لا يكاد يصدق بمعايير زماننا أن رئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك (يحيى باشا إبراهيم) هزم فى الانتخابات أمام مرشح «أفندى» دفع به سعد زغلول باشا زعيم الوفد لكى ينافسه فى دائرة منيا القمح بمحافظة الشرقية.
كما نذكر أنه فى ظل دستور ١٩٢٣ أجريت ١٠ انتخابات تشريعية كانت ٦ منها حرة ونزيهة ظل حزب الوفد يفوز فيها طول الوقت، وكانت أضعف نسبة تصويت له فى انتخابات سنة ١٩٥١، التى حصل فيها الوفد على ٧٠٪ من أصوات الناخبين.
العامل المهم فى ذلك أن المجتمع كان له حزب يلتف حوله ويرفع صوته فى مواجهة السلطة، لكن مشكلة زماننا أننا نفتقد ذلك الحزب فى مصر، حيث أغلب الأحزاب إما صنعتها السلطة أو صارت ذيلا لها.
وكانت النتيجة أن السلطة انفردت بالمجتمع وتمكنت منه على نحو استعاد نمط علاقات العصر الفرعونى، مع اختلاف وحيد هو أن وسائل الإعلام أصبحت تقوم بمهمة إعادة تشكيل الوعى وتزييفه.
كما أنها تولت مهمة محو التاريخ وإعادة كتابته لتمجيد الوضع القائم، وهو الدور الذى قام به أعوان الفراعنة الذين كانوا يمحون التاريخ المكتوب على المسلات، ليكتبوا عليها تاريخ الفرعون الجديد. كانت المسلات الجرانيتية صحف الفرعون القومية!
إن المشكلة ليست فى شيوع التنافس على غلق السلطة والمزايدة عليها، فذلك عرض لمرض أكبر تمثل فى فقدان المجتمع لعافيته وحصاناته الأمر الذى أخضعه للتأميم، وأدخله فى طور الانسحاق والذوبان فى السلطة.
................................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 12, 2017 14:40

June 11, 2017

أيكون التأجيل حلًا؟

صحيفة الشروق الجديد المصريه الاثنين 17 رمضان 1438 12 يونيو 2017أيكون التأجيل حلًا؟ - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_11.html
هل نبالغ إذا قلنا إن مصر مقبلة على منعطف خطير يهدد تماسك المجتمع ووحدة صفه الوطنى؟. هذا السؤال يلح على منذ قرأت أخبار إحالة ملف جزيرتى تيران وصنافير للمناقشة فى مجلس النواب، رغم قرار المحكمة الإدارية العليا بمصرية الجزيرتين وانعدام الاتفاق الذى تم بشأنها من الناحية القانونية.
لست فى صدد الدخول فى الجانب القانونى للموضوع الذى يفترض أن يكون القضاء قد حسمه وأغلق بابه، لكنى أقول بأنه حتى لو كانت وثائق وأسانيد كل طرف لها قوتها، فإن توقيت عرضه على مجلس النواب الذى هو واجهة للحكومة، له خطورته البالغة. أما حصيلة المناقشة التى يعرف الجميع ــ والحكومة أولهم ــ نتيجتها سلفا، فأخشى ما أخشاه أن تضاعف من مؤشرات الخطر التى تلوح فى الأفق.
إن البلد الذى يعانى من الاحتقان، فى أوساط الطبقة السياسية، وتنتشر بين جنباته أصداء الغضب جراء الغلاء الذى قصم الظهور حتى أفقر طبقته المتوسطة وأذل فقراءه يتطلب سلوكا سياسيا واعيا يهدئ من روعه ويمتص غضبه لا أن يضاعفه.
أسمع تلميحات عن علاقة بين عرض اتفاقية الجزيرتين وبين موعد مباراة كرة القدم بين الفريقين المصرى والتونسى فى اليوم ذاته، وهى التى ينشغل بها ويتابعها أعداد غفيرة بين المصريين.
وتشكك آخرون فى أن تسفير ١٤ عضوا بالبرلمان فى وفد لزيارة الولايات المتحدة صبيحة المناقشة بدوره له صلة بالموضوع.
وبغض النظر عن صواب أو خطأ تلك التلميحات فإنها فى حدها الأدنى دالة على عدم الثقة فى نوايا الحكومة، التى تبين أنها مصرة على تمرير الاتفاقية ووضع الرأى العام أمام الأمر الواقع دون اكتراث بمشاعره.
إن أى مواطن غيور على استقرار البلد وأمنه إذا عجز عن وقف الاندفاع نحو تمرير الاتفاقية، فالحد الأدنى لاحترام شعوره أن يؤجل عرضها على البرلمان إلى ظرف أهدأ وأكثر احتمالا للصدمة، وربما وفر ذلك فرصة لتحقيق التوافق وامتصاص الغضب من خلال حل مبتكر.
 ورغم شعورى بالاستياء جراء إصدار قانون الجمعيات الأهلية الجائر، إلا أن كثيرين لاحظوا أنه حين أحدث عرضه على البرلمان دويه فى المجتمع الرافض له، فقد تم تأجيل إصداره مدة ستة أشهر ثم فوجئنا به يطل علينا ذات صباح. وإذا تم ذلك فى شأن يهم النشطاء والطبقة السياسية فأولى أن يحدث مع قضية تخص التراب الوطنى وتمس مشاعر المصريين باختلاف فئاتهم وأطيافهم.
إن عرض الموضوع على البرلمان تمهيدا لتمريره من شأنه أن يرتب تداعيات وآثارا جانبية لا قبل لمصر بها، فضلا عن أنه يحمل المجتمع بتبعات لا قبل لصبره عليها، وليس بوسعى أن أرصد تأثير هذه الخطوة وتفاعلاتها فى الجزء الغاطس من المجتمع، إلا أننا نستطيع أن نتحدث عن مؤشرات تلوح فى الأفق المرئى والمرصود منها ما يلى:
<
إن عرض الموضوع على البرلمان يمثل تحديا سافرا لسلطة القضاء وإهدارا لقيمة القانون.
<
هو أيضا تعبير عن الاستهانة بالرأى العام وعدم الاعتداد به، رغم رسائل الرفض التى لم تعد تخطئها عين.
<
لا يستبعد والأمر كذلك أن يستغل الموقف لإذكاء وتيرة العنف، باعتبار أن التحرك السلمى والمعالجة القانونية ما عاد لها جدوى.
<
الاحتمال كبير أن يعمق ذلك الفجوة ويضعف الثقة بين السلطة والمجتمع. وحين تكون القوات المسلحة هى القائمة على أمر السلطة، فيخشى أن تمتد الآثار السلبية إلى تلك الدائرة.
<
من شأن تمرير الاتفاقية الإجهاز على النزر البسيط من الثقة المتبقية فى البرلمان، بحيث يصبح بمثابة إشهار لموته. ناهيك عن أنه يمثل ضربة قوية للعملية الديمقراطية فى مصر.
أخيرا فإن الميزة الوحيدة لما يجرى أنه يمثل ضربة قوية للقوى الوطنية المصرية. وهذه ربما تدفعها للإفاقة وتنبهها إلى أن تشرذمها ونهج الإقصاء الذى تنحاز إليه بذرائع شتى أضعفها وهمشها على نحو أخرجها من معادلة القوة فى المجتمع.
وخسر الوطن جراء ذلك الكثير، فى قامته وترابه وأحلامه.
.........................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 11, 2017 14:22

June 10, 2017

مقارنة مسكونة بالتدليس

صيحفة السبيل الأردنيه الأحد 16 رمضان 1438 11 يونيو 2017مقارنة مسكونة بالتدليس – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_65.html
يحتاج إلى تفسير إبراز بعض صحف الخميس المصرية (٨/٦) لتصريح رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الذي أعربت فيه عن استعدادها للإطاحة بقوانين حقوق الإنسان إذا حالت دون تطبيق تشريعات مكافحة الإرهاب،
وكانت السيدة ماي قد أشارت إلى تلك النقطة في سياق إحدى خطبها الانتخابية التي سبقت التصويت الذي تم يوم الخميس، وفي أجواء القلق الذي استشعره كثيرون في بريطانيا جراء العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة.
ولأنها ليست المرة الأولى التي تحتفي فيها وسائل الإعلام المصرية بأي تصريحات تصدر في الديمقراطيات الغربية بخصوص إعلان الطوارئ أو «التساهل» في تطبيق قوانين حقوق الإنسان، بما يمرر بعض الانتهاكات، فإن الأمر بات يحتاج إلى وقفة وبعض المصارحة.
من ناحية، لأن تلك الحفاوة الإعلامية التي تكررت ليست مصادفة، ثم إنني أشك كثيرا في براءتها،
 في هذا الصدد فإنني أميل إلى أن ذلك الاهتمام والإبراز أريد به توصيل رسالة للمواطن المصري تقول: انظروا ــ ها هى الديمقراطيات الغربية لا تتردد في الإطاحة بمبادئ وقوانين حقوق الإنسان حينما يتهددها الإرهاب وتتعرض لظروف طارئة، بالتالي فإن ما يحدث في مصر ليس أمرا شاذا ولا هو استثناء في العالم المعاصر. فكفوا إذن عن انتقاداتكم وأريحونا بسكوتكم، لأن ما تأخذونه علينا تفعله أهم الدول الديمقراطية.
من ناحية ثانية لأن استخدام تلك الحجة مسكون بالتدليس والتغليط.
 أولا لأن الذين ينددون ويعارضون الانتهاكات التي تحدث لحقوق الإنسان ليسوا ضد مكافحة الإرهاب، وإنما هم يؤيدون المكافحة شريطة أن تلتزم بضوابط القانون وباحترام حقوق الناس وكراماتهم، وهم يدركون بأن الانتهاكات التي تحدث لا تكافح الإرهاب ولكنها توفر مناخا وبيئة تفرخ المزيد من الإرهابيين.
ولست أنسى في هذا الصدد ما سمعته من أحد كبار المحامين الذين يشاركون في الدفاع عن المتهمين في قضايا الإرهاب حين قال لي إن بعض الشبان المتهمين صارحوه بأنهم ينتظرون بفارغ الصبر موعد إطلاقهم، لا لكي يعودوا إلى بيوتهم، ولكن لكي ينتقموا من الذين عذبوهم في السجن.
وإذا لاحظت أن كلام رئيسة الوزراء البريطانية صدر أثناء خطبة انتخابية فستنتبه إلى أن الأمر لا يخلو من اصطياد، لأنها قالت إنها مستعدة لتمزيق قوانين حقوق الإنسان إذا حالت دون تطبيق تشريعات مكافحة الإرهاب، الأمر الذي يعني مباشرة أن تلك القوانين ستظل سارية مادامت لا تتعارض مع تلك التشريعات، وغني عن البيان أن ذلك «التمزيق» حاصل عندنا في كل الأحوال، وليس له ضابط أو كابح.
النقطة الأهم في الموضوع أن الحكومة حين تتخذ إجراءات في مواجهة الإرهاب وبوجه أخص إذا كانت تمس حقوق الإنسان من قريب أو بعيد، فإنها ليست مطلقة اليد ولا هى فوق المساءلة والحساب، لأن في البلد مؤسسات قوية مستقلة تشهر سيف القانون. ثم إن الإجراءات الاستثنائية لها أجل محدود، وتمارس تحت رقابة البرلمان والمجتمع.
لذلك فإن الناس لا يقلقهم إعلان الطوارئ ولا تزعجهم تشريعات مكافحة الإرهاب، لأنهم واثقون من أن ذلك يستهدف حماية المجتمع وليس حماية السلطة التي باتت تتذرع بالإرهاب لكي تشدد قبضتها وتقيد الحريات العامة وتقمع معارضيها، ناهيك عن أن الإرهاب هناك له تعريف منضبط ينحصر في ممارسة العنف لفرض الرأي وتقويض أسس المجتمع ولا تسأل عن تعريفه عندنا.
إن المعادلة تكون ناقصة إذا وقفنا عند مقارنة قانون بقانون، وهى لا تكتمل إذا شملت المقارنة وضع المجتمع هناك بمؤسساته وقيمه القانونية وقواه المدنية بنظيره في بلادنا.
وإذا ما أجرينا هذه المقارنة بأمانة وصدق فسوف نلتزم الصمت وقد نغرق في بحر الخجل.
.......................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 10, 2017 13:23

فهمي هويدي's Blog

فهمي هويدي
فهمي هويدي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow فهمي هويدي's blog with rss.