فهمي هويدي's Blog, page 204
January 9, 2011
أجراس المحبة وأقراصها
صحيفة السبيل الأردنيه الاثنين 6 صفر 1432 – 10 يناير 2011
أجراس المحبة وأقراصها – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post_10.html
لا تطمئننا كثيرا أجراس المحبة التي يتردد رنينها في الفضاء المصري منذ وقعت
فاجعة الإسكندرية
منذ عشرة أيام،
ذلك أن أخشى ما أخشاه أن نكتفي بالرنين، معتبرين أننا أدينا ما علينا لينصرف بعد ذلك كل إلى حال سبيله.
بطبيعة الحال فليس لدى أي اعتراض على مشاعر المودة التي أبديت، ولدي استعداد لأن اعتبرها صادقة ونابعة من القلب،
لكن اعتراضي ينصب على أمرين،
أولهما أن نكتفي بإطلاق تلك المشاعر، بحيث لا يختلف موقفنا عن أولئك الذين توافدوا على سرادق العزاء ذات مساء لكي يقوموا بالواجب لبعض الوقت، ثم ينفضون بعد ذلك لينشغل كل واحد بأمره الخاص،
الأمر الثاني أن تظل أبصارنا متجهة نحو قضايا التعصب والتطرف والمطالب القبطية، ولا نتطرق إلى شيء من المناخ أو التربة التي أفرزت هذه الأمور وعقَّدتها.
لم أفهم مثلا، لماذا لم ننتبه إلى الجهد الذي بذل طوال السنوات الماضية لتفكيك مصر وإضعاف وشائجها وحصاناتها، ومن ثم تجريدها من المناعة التي تمكنها من الصمود أمام تغول السموم الفكرية والثقافية.
إن بعض الجهابذة ما برحوا يلحون على فكرة "الدولة المدنية" كحل للإشكال، وكان توظيفهم للفكرة واضحا في وضع ما هو مدني مقابل ما هو ديني. بمعنى أن مرادهم بات محصورا في تحدي الديني بالمدني، ووضعهم موضع التضاد الذي يراد له أن ينتهي بإقصاء الديني وهزيمته. وهي فكرة خائبة ومغلوطة علميا وسياسيا.
فليس صحيحا أن المدني نقيض للديني، ولا علاقة لما هو مدني بحضور الدين أو العقيدة، ولكن فكرة المجتمع المدني نشأت أصلا لتحدى سلطة الكنيسة مستهدفة الخلاص من استبدادها، وإدارة المجتمع من خلال منابره الأصلية والمؤسسات التي تمثل الناس ولا تمثل سلطة الكنيسة أو حتى سلطة الملك.
وفي تعريفات علماء الاجتماع، فليست وظيفة المدني إقصاء الديني، وإنما استثمار قيمه الإيجابية لخدمة الناس والنهوض بالمجتمع.
تمثل خيبة الفكرة والتغليظ أيضا في أن المتحدثين عن المجتمع المدني تجاهلوا حقيقة أنه لا تقوم له قائمة إلا في مجتمع ديمقراطي يرتفع فيه سقف الحرية، ويكون للناس فيه حضورهم الفاعل، متمثلا في النقابات والأحزاب والمنظمات الأهلية، إلى جانب المؤسسات المستقلة الأخرى كالقضاء والمجالس النيابية والبلدية،
لم يملك أحد من أولئك الجهابذة شجاعة الإعلان عن أن قضية الديمقراطية ضرورية لقيام المجتمع المدني، لأن ذلك المطلب موجه إلى النظام القائم.
وهذا الإغفال ليس بريئا ويتعذر افتراض السهو فيه، لأن الذين استحضروا فكرة "المدني" لم يشغلوا أنفسهم بالديمقراطية أو بمشاركة المجتمع في صياغة حاضرة ومستقبلة، ولكنهم ظلوا مهجوسين بفكرة إقصاء الديني بالدرجة الأولى. إن شئت فقل إنهم شغلوا بمراراتهم وتصفية حساباتهم بأكثر من انشغالهم بعافية المجتمع أو مستقبله.
لقد ظلت "أجراس المحبة" تلح كثيرا على فكرة التسامح، الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل عن حضور تلك القيمة في الواقع، خصوصا في سلوك الحكومة والنموذج الذي تقدمه، ولأن نموذج الانتخابات التشريعية لا يزال ماثلا في أذهاننا، فإننا إذا استحضرنا تفاصيله ونتائجه فسنكتشف أن الحكومة والحزب الحاكم من ورائها قدما لنا في الانتخابات درسا في اللاتسامح والقمع، بحيث صودر "الآخر" وسحق تماما بمنتهي القسوة والفظاظة.
ومن حق أي أحد في هذه الحالة، وفي حالات أخرى مماثلة وكثيرة، أن يتساءل:
لماذا نطالب بالتسامح من جانبنا. في حين أن ممارسات الحكومة -خصوصا أجهزتها الأمنية- لا أثر فيها لأي تسامح مع المواطنين.
بل إنها في بعض الأحيان تبدى تسامحا مع الأجانب والغرباء، ولا يخطر على بالها أن تعبر عنه مع المواطنين
(هل تذكر حادثة زميلنا مجدي حسين الذي ذهب ليتضامن مع غزة عبر أحد الأنفاق، فسجن ثلاث سنوات، وحين فعلها صحفي إسرائيلي وجاء إلى سيناء، فإنه سلم إلى حكومة بلاده في ذات الأسبوع).
الذي حدث مع التسامح تكرر مع قيمة المواطنة، التي ذكرت أمس أن السلطة حين أرادت تعطي انطباعا بالدفاع عنها فإنها أضافت المصطلح إلى نص المادة الأولى من الدستور، مكررة معنى مذكورا بطريقة أفضل في المادة 40 منه. وبعد ذلك التدخل اللغوي ظلت المواطنة شعارا معلقا في الهواء، ولم نر له أثرا على أرض الواقع.
إن أجراس المحبة تحولت في حقيقة الأمر إلى أقراص للمحبة مهمتها مقصورة على التسكين وامتصاص الغضب،
وما لم نفتح الملفات الكبيرة، ونملك شجاعة التصدى لأصل الداء الذي ضرب مصر كلها، متمثلا في تغييب الديمقراطية وإهدار قيم القانون والتسامح والمواطنة وغيرها من أعمدة العيش المشترك. فإن صوت الأجراس سيذوي بمضي الوقت، ولن يكون له صدى يذكر، وسنخرج من الفاجعة بمثل ما دخلنا فيها بالضبط.
.....................
January 8, 2011
وقعنا في المحظور
وقعنا في المحظور – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post_09.html
إذا صح أن محافظ كفر الشيخ أصدر قرارا بمنع تحفيظ القرآن في البيوت إلا إذا كان القائم على الحفظ إما مرخصا له من وزارة الأوقاف أو مندوبا عن إحدى الجمعيات الأهلية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، فذلك يعد تعبيرا عن حالة التخبط والارتباك التي وقع فيها البعض بعدما وقعت الواقعة في الإسكندرية
ــ ذلك أنه بمقتضى هذا القرار فإن حفظ القرآن أصبح غير مسموح به في البيوت إلا إذا تم تحت إشراف الحكومة أو من يمثلها.
وليت الأمر وقف عند ذلك الحد، لأن ذلك التخبط عبرت عنه مختلف وسائل الإعلام المصرية، التي امتلأت بكتابات حين حاولت أن تتعاطف مع الأقباط وتنصفهم، فإنها لجأت إلى اتهام المسلمين ومحاولة تحميلهم المسؤولية عن جرم لم يرتكبوه.
بل ظن البعض أن إضعاف الإسلام في البلد وطمس هويته الإسلامية مما يقطع الطريق أمام احتمالات الفتنة التي بدأت تلوح في الأفق.
وبدا في كتابات هؤلاء أنهم اتخذوا موقفا معاكسا تماما لمن قالوا بأن الإسلام هو الحل، فحاولوا إقناع الرأي العام بأن الإسلام هو المشكلة.
لقد اقترح أحد كبار الصحفيين إلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام دين الدولة الرسمي، وطالب بنص آخر يقرر أن مصر مجتمع مدني تسكنه أغلبية من المسلمين. في تبسيط ساذج للمسألة، وطرح حل معيب لها.
أما التبسيط فيكمن في التعامل اللغوي مع الملف. بمعنى اللجوء إلى تغيير الصياغات اللغوية دون تفكير في تغيير شيء من معطيات الواقع.
وهو ما يذكرنا بمعالجة مسألة «المواطنة» التي تحمسنا يوما ما للدفاع عنها، وكل ما فعلناه أننا أضفنا الكلمة إلى تعديل تم في صلب المادة الأولى من الدستور، فاعتبرنا أن نظام مصر «ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة»، ولم نكن بحاجة لذلك، لأن النص الأصلي للدستور تضمن في المادة 40 نصا أوضح وأوفى قرر أن «المواطنون لدى القانون سواء. وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».
وظننا أننا حللنا المشكلة بالنص على المواطنة في المادة الأولى، وأراح ذلك ضمائر المعنيين بالأمر، لكن ذلك لم يغير شيئا من الواقع، وظلت المشكلة كما هي.
لقد ظن البعض أن طمس الهوية الإسلامية للمجتمع يمكن أن يحل الإشكال، في تعبير لا أعرف إن كان يعبر عن شعور بالنقص وازدراء الذات أو شعور بالنفور والمرارة.
إن المادة الأولى من الدستور اليوناني تنص على أن الأرثوذكسية الشرقية هي المذهب الرسمي للبلد.
والملك في كل من الدنمارك والسويد يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الإنجيلية،
وفي إسبانيا يجب أن يكون رئيس الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية،
وذلك حاصل أيضا في بعض دول أمريكا اللاتينية.
وفي نيبال وتايلاند تعد البوذية دينا رسميا لكل منهما.
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يستشعر هؤلاء عارا من اعتبار الإسلام دينا للدولة المصرية؟
ولماذا الإلحاح على تلك المعادلة البائسة التي تريد إقناع الرأي العام بأن إنصاف الأقباط لا يكون إلا بملاحقة الإسلام وحصاره في المجال العام.
وهل يكون الحل في منع تدريس مادة الدين في المدارس، كما طالب البعض، بحيث يجمع بين الإسلام والمسيحية واليهودية في منهج دراسي واحد، رغم ما بينهما من اختلافات في الضوابط والخصائص؟
ولا أعرف ما هي «الأسلمة» الحاصلة في مصر التي وجه إليها البعض سهامهم واعتبروها مسؤولة عن تدهور ثقافة المجتمع وتمزيق روابطه؟
إن ثمة هرجا شديدا في الساحة الإعلامية، تخللته رسائل أخطأت الوسيلة والهدف، حين أرادت أن تهدئ من خاطر الأقباط فاستفزت المسلمين،
وحاولت أن تتصدى للتعصب فضربت التدين وأهانته،
من ثَمَّ فإنها جرحت بأكثر مما عالجت وأفسدت بأكثر مما أصلحت.
ولم يسلم بعض العقلاء من الانزلاق والشطط، فاعتبر بعضهم أن مواجهة الحقائق والدفاع عن الدولة المصرية يعد مساسا بالوحدة الوطنية، وفوجئنا بأن رجلا مثل الدكتور محمد سليم العوا، الذي يعد أحد أبرز رموز الوسطية وأحد أهم أركان استمرار الحوار الإسلامي المسيحي، موضوع في تصنيف واحد مع بن لادن والظواهري.
لقد تحدث الدكتور حسن نافعة، وهو من العقلاء القليلين الذين تعاملوا مع الموضوع في كتاباتهم، عن الاستغلال السياسي لحادث الإسكندرية، وكيف أن البعض يحاول استثماره واستخدامه في الابتزاز وتعظيم المكاسب، وهو محق في ذلك لا ريب.
لكني أضيف أن الحكومة أصبحت المستفيد الأول مما يجرى، لأن الناس توقفوا عن الحديث عن فضائح الانتخابات وقضايا الفساد في البلد، كما أن ما جرى بدا ذريعة قوية لمد قانون الطوارئ والدفاع عن استمراره.
إن مصائب قوم عند قوم فوائد.
..........................
January 5, 2011
نهاية الإصلاح السياسي
نهاية الإصلاح السياسي – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post_06.html
تحتاج إلى تفسير ظاهرة اختفاء الحديث عن الإصلاح السياسي في مصر سواء في الخطاب الرسمي أو الخطاب الآخر المعبر عنه في الصحف القومية.
ذلك أن التركيز صار منهجا الآن صوب الإصلاح الاقتصادي فقط، بين قائل إننا مقبلون على مرحلته الثانية وقائل إننا على أبواب المرحلة الثالثة، وكأننا حققنا «إنجازات» في هذه وتلك. ومن ثم سننتقل في العام الجديد إلى مرحلة أكثر تقدما.
وفي هذا الصدد يغرقنا المتحدثون عن «الإنجاز» في بحر من الأرقام التي لا نعرف مدى صحتها. حتى راحوا يستدلون على التقدم الذي تحقق بزيادة الكميات المشتراة من مكيفات الهواء ومشتركي الإنترنت، وزيادة أعداد الحاجزين للمساكن في المنتجعات والمدن الجديدة.... إلخ. ناسين أن المعيار الحقيقي للإصلاح الاقتصادي يقاس بمقدار انعكاس «إنجازاته» على الطبقات الفقيرة، التي تسكن في الخرائب والمقابر، ولا تقاس بحظوظ الذين يتطلعون إلى مساكن أفضل في المدن الجديدة أو الذين يرغبون في الالتحاق بالمصايف التي تتسابق الصحف في الإعلان عنها.
لا يشك أحد في أن القادرين تحسنت أحوالهم، وبعض أصحاب الملايين انتقلوا إلى شرائح أعلى، وأصبحوا يتحدثون عن المليارات، لكني أزعم أن ذلك مما لا يستهدفه جوهر الإصلاح الاقتصادي، ناهيك عن أنه مما يمكن الاستشهاد به في إثبات فشل خطة الإصلاح، أو التدليل على أن ما جرى كان أقرب إلى الإفساد منه إلى الإصلاح.
مع ذلك فإن الذي يحتاج إلى تفسير حقا هو تواتر الإشارات إلى الإصلاح الاقتصادي في خطابات المسؤولين وكتابات مثقفي السلطة. مع التجاهل التام للإصلاح السياسي واستحقاقاته.
صحيح أن رجال الأعمال أصبحوا الآن ركنا مهما في بنيان النظام القائم في مصر، وأننا تجاوزنا مرحلة تحالف قوى الشعب العامل، وصرنا في ظل تحالف السلطة وذراعها الأمنية مع رجال الأعمال، إلا أن ذلك لا يلغي حقنا في التساؤل عن أملنا في الإصلاح السياسي، خصوصا أنهم حققوا مآربهم في الإصلاح الاقتصادي، وفرحوا بما أوتوا، لكن حظنا من الإصلاح السياسي لا يزال مسكوتا عليه.
هذا التجاهل يطرح السؤال التالي:
هل هو تعبير عن الاكتفاء أم أنه راجع إلى الحياء؟
أعني هل اعتبر أولو الأمر أن الإصلاح السياسي قد تحقق بالتعديلات الدستورية التي تمت خلال عامي 2005 و2007، وبمقتضاها تم ترتيب أمر انتخابات رئيس الجمهورية وإغلاق الأبواب في وجه مشاركة الإخوان في الحياة السياسية وتوسيع نطاق القضاء العسكري وإلغاء إشراف القضاء على الانتخابات... إلى آخر تلك التعديلات التي أسهمت فيما أسميته «تقفيل مصر» لصالح القائمين على السلطة الآن.
إذا كانت تلك التعديلات التي أريد بها تأييد النظام وقطع الطريق على المعارضين هي غاية المراد من الإصلاح الذي أرادوه، فإنهم بذلك يكونون على حق إذا اعتبروا أن الإصلاح حققه لهم التمكين المنشود، ومن ثم فلا حاجة لهم إلى مزيد منه ــ وهو ما عنيته بالتعبير عن الاكتفاء،
أما الاحتمال الآخر الذي يتمثل في الحياء، فإنني أوردته من باب حسن الظن وتخيل أن الذين أشرفوا على الانتخابات الأخيرة، بعد الذي شابها من تزوير وتسويد للأوراق وبلطجة، أدركوا أن الفضيحة ذاع أمرها، وعورة النظام انكشفت بصورة أساءت إليه كثيرا.
ولذلك فإنهم استحوا من مواصلة اللعبة وآثروا أن يلتزموا الصمت، حتى ينسى الناس ما جرى، ومن ثم يصبح بمقدورهم أن يظهروا مرة أخرى أمام الملأ وتواتيهم جرأة مواصلة الحديث عن الإصلاح السياسي.
لست أميل إلى هذا الرأي الأخير، ولا أخفي شعورا بأن الأمل في تحقيق الإصلاح الذي نتطلع إليه لم يعد قائما. بل أذهب إلى أننا أصبحنا نسيء الظن بأي إصلاح يصدر عن إخواننا هؤلاء. بعد التجارب المرة التي مررنا بها، بعد الإصلاح سابق الذكر (سيئ الذكر إن شئت الدقة) الذي عانينا منه وقاسينا الكثير من مرارته.
إن الذين يزورون الانتخابات لم يكن عصيا عليهم أن يزوروا الإصلاح السياسي، لكني أزعم أن هذه البضاعة المغشوشة لم تعد تنطلي على أحد. لأن أي إصلاح من ذاك القبيل يفقد معناه إذا لم يؤد إلى رفع سقف الحريات وضمان حق الناس في المشاركة والمساءلة وتداول السلطة. وكل دعوة للإصلاح تصب خارج هذه الدائرة تصبح فرقعة تلفزيونية يريد بها الاستمرار في تزييف الحياة السياسية، والتستر على الاستبداد لضمان استمراره تحت عناوين أخرى.
لست قلقا على الكف عن الحديث عن الإصلاح السياسي، بل أزعم أن هذا السكوت هو لحظة الصدق الوحيدة في المشهد السياسي، لأننا اقتنعنا بأن أي كلام لن يختلف في شيء عن سابقه، حيث الصمت أفضل كثيرا من الكلام الزائف. والأول تعبير عن الحقيقة، أما الثاني، فهو تسويق للوهم.
........................
January 4, 2011
ترزية القوانين في اليمن
صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 1 صفر 1432 – 5 يناير 2011
ترزية القوانين في اليمن – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post_05.html
هذا فيلم سياسي أنتجته مصر، وتم استنساخه في اليمن، وتناقلت الصحف ووكالات الأنباء أخباره في اليوم الأول من العام الحالي.
قصته معروفة. الرئيس يتولى السلطة، ويطلق وعودا تدغدغ مشاعر الناس وتستثير حماسهم، ويؤكد لهم التزامه بالديمقراطية واحترامه للدستور والقانون، ثم ما أن يتمكن حتى ينشغل بتثبيت أقدامه وضمان احتكار السلطة لشخصه ولسلالته من بعده. وهو لا يعلن ذلك صراحة، ولكنه يستعين بمن يخرجون له المشهد، ويتقنون ابتداع الأساليب التي تحقق له المراد من خلال هياكل الديمقراطية وأدواتها.
والسيناريو في هذه الحالة محفوظ، ونقطة البداية والانطلاق فيه هي الجماهير التي تزور إرادتها ويتم العبث بأصواتها، فتشكل مجالس نيابية تدعي تمثيلها، وهذه المجالس تستخدم في إصدار القوانين والتشريعات التي تمهد الطريق لتعزيز التمكين وإدامة الاحتكار. وهذه القوانين التي يعدها من يسمونهم في مصر "ترزية" (الكلمة تركية الأصل) تتحول بمضي الوقت إلى الشرعية التي يتم الاهتداء بها والاحتكام إليها.
هكذا، فإن تزييف إرادة الجماهير يؤدي إلى تزييف الديمقراطية، ثم تزييف الشرعية.
الطريف أن ذلك يتم بحسبانه "إصلاحا دستوريا"، وكثيرا ما يجري تزيينه ببعض اللمسات المغرية التي تخفي مقاصدها الحقيقية أو تخفف من وقعها.
يذكر كثيرون أن الرئيس أنور السادات حين أراد أن يلغي نص الدستور على تحديد مدة الرئاسة بولايتين فقط، ويطلقها لكي تصبح ست ولايات، فإنه مرر ذلك التعديل المهم إلى جانب تعديل آخر متواضع تحدث عن تطبيق الشريعة، إذ كانت المادة الثانية من الدستور تتحدث عن أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للدستور، فأضاف إليها "الترزية" حرفين، بحيث أصبحت المصدر الأساسي، الأمر الذي أريد به الإيحاء بتعزيز دور الشريعة في المرجعية القانونية.
ومشهورة قصة تعديل المادة 76 من الدستور التي تمت في عهد الرئيس مبارك، واعتبرت نقلة مهمة، لأنها فتحت باب الترشيح لرئاسة الجمهورية لعدة متنافسين، بدلا من الاستفتاء على شخص واحد يرشحه مجلس الشعب، لكن ذلك "الفخ" قيد بعدة شروط تعجيزية حصرت العملية في يد الحزب الوطني الذي لن يرشح أحدا غير الرئيس أو ابنه.
الذي حدث في اليمن أن ولاية الرئيس علي عبدالله صالح أوشكت على الانتهاء، وفي ظل الدستور الحالي فإنه لا يجوز له أن يترشح لولاية ثالثة، ولحل ذلك الإشكال لجأ "الترزية" إلى الحيلة التقليدية، فتقدم أعضاء الكتلة البرلمانية التابعة لحزب المؤتمر الحاكم (يمثلون الأغلبية في البرلمان) باقتراح لتعديل بعض مواد الدستور قضت بما يلي:
خفض مدة ولاية الرئيس من سبع إلى خمس سنوات مع عدم تحديد عدد الولايات باثنتين،
وإنشاء غرفتين للبرلمان (مجلس شورى ومجلس نواب) بدلا من غرفة واحدة،
وتحديد حصة للمرأة (44 مقعدا) مع زيادة عدد النواب من 301 إلى 345.
لم يكن خافيا على أحد أن المقصود الحقيقي هو إتاحة الفرصة للرئيس الحالي لأن يبقى في السلطة مدى الحياة. وهذا الهدف أحيط ببعض التعديلات التي تبدو إيجابية للإيحاء بأن حزمة التعديلات بمثابة خطوة إلى الأمام، وليس انتكاسة إلى الوراء.
الطريف أن ممثلي الحزب الحاكم برروا التعديل الأهم والأخطر بقولهم مدة السنوات السبع المحددة حاليا تعتبر طويلة نسبيا قياسا على ما هو سائد في معظم البلدان الديمقراطية (كان في اليمن ديمقراطية حقيقية تحاول أن تلحق بنظيراتها في الغرب!).
قالوا أيضا إن التعديل يحقق فرصة أوسع لتداول السلطة سلميا، واعتبروا أن تحديد دورات لتداول رئاسة الجمهورية في بلد نام مثل اليمن يعد قفزا على الواقع، في تبرير مضحك لا يخلو من مفارقة. لأنهم حين أقدموا على تخفيض مدة الولاية من سبع إلى خمس سنوات أرادوا أن يكونوا على قدم المساواة مع معظم الديمقراطيات الغربية، لكنهم حين أطلقوا مدة بقاء الرئيس في السلطة وانحازوا إلى تأييدها فإنهم برروا ذلك بأن اليمن بلد نام له وضعه الخاص الذي لا يبنغي القفز عليه.
ينتاب المرء خليط من مشاعر الحزن والخزي إزاء ما يحدث في صنعاء.
الحزن لأن مساعي تأييد الحكم هناك تعيد اليمن إلى عصر الإمامة مرة أخرى، الذي دفع الوطنيون هناك ثمنا باهظا للخلاص منه،
والخزي لأن مصر التي ساندت الثورة اليمنية ودفعت الكثير من دماء أبنائها لقاء ذلك، هي ذاتها التي أصبحت تصدر إليه خبرات احتكار السلطة وتوريثها وابتذال الشرعية والديمقراطية.
.......................................
January 3, 2011
أسئلة الفاجعة – المقال الأسبوعي
أسئلة الفاجعة – فهمي هويدي – المقال الأسبوعيhttp://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post_5733.html
تستدعي فاجعة الإسكندرية عدداً من الأسئلة التي ينبغي أن نفكر في الإجابة عليها، لكي نواجه عواقب ما جرى فضلاً عن أن نفهمه.
لكن قبل أي كلام في الموضوع لابد أن نقرر أنه أياً كانت الخلفيات والذرائع. فإن رفض الحدث الإجرامي واستهجانه يظل فرض عين على كل مواطن في مصر، بل على كل عربي خصوصاً إذا كان مسلماً.
(1)
أدري أن التطرق الى الموضوع قبل اتضاح معالمه لا يخلو من مغامرة. على الأقل بالنسبة لي. لأن هذا المقال يسلم مساء الأحد أو صباح الاثنين على أبعد الفروض، ولأنني أكتب هذه السطور يوم الأحد، فلم يكن معروفاً على وجه الدقة من هم الفاعلون، ولا ما اذا كانت الجريمة قد ارتكبت بواسطة سيارة مفخخة كما تقول بعض المصادر، أو عن طريق حزام ناسف تمنطق به انتحاري كما ذكرت بعض المصادر الأمنية.
مع ذلك فالذي لاشك فيه أن هذا الأسلوب في ارتكاب الجرائم جديد على مصر بصورة نسبية. أعني أنه اذا كانت قد جرت في السابق (عام 1993) محاولة اغتيال بواسطة سيارة ملغومة لرئيس الوزراء الأسبق الدكتور عاطف صدقي، فإن تلك المحاولة لم تنجح إلا في قتل طفلة صغيرة (شيماء)،
لكن الأمر اختلف تماماً هذه المرة. فترتيب الجريمة بدا محكماً، وضحاياها كثر، أما مقاصدها فالشر فيها مضاعف. ذلك أن محاولة اغتيال رئيس الوزراء اذا كانت قد استهدفت تصفية بعض الحسابات مع النظام، فإن الجريمة الأخيرة تصب في وعاء شق الوطن.
في هذا الصدد ثمة تشابه يخطر على البال، اذا صح أن وراء جريمة الإسكندرية عناصر تنتمي الى تنظيم القاعدة أو تستخدم أساليبها. ذلك أن محاولة اغتيال الدكتور عاطف صدقي التسعينيات اتهم فيها تنظيم «طلائع الفتح»، الذي يتبنى فكراً أقرب ما يكون الى فكر القاعدة، الذي يخاصم الجميع ويعلن الحرب عليهم.
ذلك لا ينفي أن الحادث الذي وقع في مصر جديد واستثنائي، فيه أصداء لما يحدث في العراق بين الفئات المتصارعة، أو ما يحدث في باكستان بين متطرفي الشيعة والسنّة،
أعني أنه يعبر عن استهانة شديدة بحياة البشر، بقدر ما يعبر عن نزوع إجرامي ليس مألوفاً عندنا،
واذا فهمنا ان حادثة الأقصر التي وقعت في عام 1997 وقتل الإرهابيون فيها 59 سائحاً أريد بها ضرب السياحة في البلد، إلا أن ما جرى في الإسكندرية بدا أبعد أثراً، من حيث انه يفتح الباب واسعاً لإشعال حريق في الوطن، اذا تكررت أمثال تلك الحوادث لا قدر الله.
(2)
ثمة محاذير يتعين الانتباه إليها في تناول الموضوع كي لا نقع في الغلط. فنخطئ في تقييم الفاجعة، بما يجعلنا نعالج المنكر فنتورط فيما هو أشد إنكاراً. من تلك المحاذير ما يلي:
< اننا ينبغي أن نضع الوطن نصب أعيننا، بحيث لا نتعامل مع ما جرى من منظور طائفي. فاستهداف الأقباط هو بالدرجة الأولى عدوان على الوطن ينبغي أن يرد بمنتهى الحزم والشدة، ذلك أن كل إنسان في هذا البلد له حقوقه وكرامته التي تعد صيانتها من أوجب الواجبات. ليس لأنه قبطي أو مسلم، ولكن لأنه مواطن يتساوى مع غيره من المواطنين في الحقوق والواجبات. < اننا ينبغي أن نقاوم بكل قوة قسمة البلد الى مسلمين وأقباط، بحيث تكون ملة المرء أمامه وليست في قلبه. وهو المحظور الذي أصاب العراق فقسمه بين الشيعة والسنّة، وضرب لبنان يوما ما حين اقتتل المسلمون والموارنة في الثمانينيات، ثم أطلت الفتنة المذهبية برأسها هناك حتى نجح الدساسون في غرس بذور الشقاق بين السنة والشيعة. ولئن ظللنا نقول ان مصر بلد مختلف في تاريخه وجغرافيته الأمر الذي صهر المصريين وذوب تبايناتهم في مجرى النيل ودلتاه، فإن الحفاظ على النسيج الواحد ينبغي أن يصبح الشغل الشاغل لكل من يهمه أمر الواطن. < اننا ينبغي أن نعطي الجريمة حجمها الحقيقي. فهي ليست عدوانا من المسلمين على الأقباط، ولكنها جريمة اتهم فيها نفر من المسلمين. والذين يوجهون الاتهام الى عموم المسلمين بسبب ما جرى في الاسكندرية، يغذون الفتنة ويؤججون نارها. وهم لا يختلفون كثيراً عن الإدارة الأمريكية التي وضعت كل المسلمين في قفص الاتهام بعد أحداث 11 سبتمبر، وكانت النتيجة كما نرى. اذ أعلنت الحرب على الإرهاب فجرى تعميم الإرهاب وانتشرت منظماته. وهو ما يسوغ لنا ان نعمم الإدانة والاستنكار على أولئك النفر من الغاضبين الأقباط، الذين انفعلوا بما جرى فرشقوا مسجداً قريباً وخرجوا في مظاهرات ضد المسلمين في الإسكندرية. < اننا ينبغي ألا نستدرج للوقوع في فخ الكارهين والمتعصبين، الذين ينتهزون كل فرصة للتنديد بالمسلمين والتحريض على الإسلام. وهم الذين سبق أن استثمروا أجواء ما سمي بـ«الحملة ضد الإرهاب» لتحقيق مرادهم ومطاردة التدين في كافة مظاهره ومظانه. ولست أشك في أن الذين ارتكبوا جريمة الاسكندرية وفروا لهؤلاء ذريعة قوية للاستمرار في مسعاهم. وهو الجهد الذي اثبتت التجربة انه يشوه صورة الإسلام حقاً، لكنه يستفز جماهير المتدينين، ويغذي تيارات المتطرفين بما يجعلهم أكثر نقمة على المجتمع وأشد خصومة له. < ان الغمز في تنامي الظاهرة الدينية بين المسلمين، وتحميلها المسؤولية عن وقوع أمثال الفاجعة التي نحن بصددها، يعد نوعاً من الابتزاز الخبيث الذي يدعوهم الى التخلي عن عقائدهم، وهو ما شهدناه أخيراً في تنديد آخرين بمظاهر التدين المنتشرة، وفي الإلحاح على تقديم فكرة الدولة المدنية، بحسبانها نقيضا للتدين ودعوة الى الخلاص من تبعاته والتحلل من التزاماته. ذلك ان معالجة الانحراف بالتدين أو إساءة استخدام الدين، لا تكون بالانتقاص من التدين أو الطعن في التعاليم، فالانحراف وارد بكل قيمه، واذا سرنا وراء منطق هؤلاء فسوف ننتهي الى انهيار منظومة القيم كلها، بما يقودنا الى جحيم لا قبل لنا به. (3)
الأسئلة التي تستدعيها الفاجعة بعضها يتعلق بوقائع وتفاصيل الحدث، والبعض الآخر ينصب على المناخ العام الذي وقع فيه الحدث.
في الشق الأول نلاحظ أن البيانات الرسمية تحدثت عن دور للخارج في ارتكاب الجريمة، وذلك استنتاج مفهوم نظراً لطبيعتها الاستثنائية ولتشابهها مع نمط من الجرائم يرتكب في العراق بوجه أخص، لكنه يثير ثلاثة أسئلة
أحدها يتعلق بحجم الدور الذي أسهم به الخارج فيما جرى، وهل هو في حدود استلهام الأفكار أم التمويل والتدريب والتنظيم.
الثاني يتعلق بقابلية الداخل للاختراق والتجاوب مع مخططات الخارج،
أما السؤال الثالث فهو حقيقة الجهة الخارجية التي أسهمت في المشهد، وما إذا كان لتلك الجهة أو الجهات أذرع أو أصابع في مصر.
وهل تلك الأصابع مقصورة على الإسكندرية وحدها، أم أنها واصلة الى مناطق أخرى في داخل البلد؟
ثم إننا ينبغي أن نعطي لدور الجهات الخارجية حجمه الحقيقي، ونفرق بين مخططات الاختراق التي تدبر في الخارج، ومدى قابلية الداخل للاختراق، والخارج بعيد عنا وليس في متناول أيدينا فضلاً عن أن سعي البعض لإثارة الفتنة في مصر أمر مفهوم،
لكن الذي ينبغي أن نعنى به هو توفير الحصانات الممكنة للداخل لكي يستعصي على الاختراق، وهو ما يثير أسئلة أخرى عديدة حول الجهد الذي يبذل لتوفير تلك الحصانات، وحول هوية الفاعلين، وكيف تشكل إدراكهم وأين؟
وهل أتحنا لهم خيارات وفرصاً أفضل، فاختاروا الأسوأ والأتعس؟،
أم أننا أوصدنا الأبواب في وجوههم فانزلقت أقدامهم في ذلك الخيار الأتعس؟
من ناحية أخرى، فإن ما جرى في الاسكندرية يذكرنا برسالة الكترونية وجهها الى مصر في مستهل شهر نوفمبر الماضي، من يسمون أنفسهم دولة العراق الإسلامية، ودعت الرسالة الى إطلاق سراح سيدتين مصريتين تردد انهما تحولتا الى الإسلام ثم احتجزتهما الكنيسة في أحد الأديرة ولم يظهر لهما أثر بعد ذلك.
وهددت الرسالة باستهداف المسيحيين في مصر وفي دول أخرى في المنطقة، اذا لم يستجب للطلب خلال ٤٨ ساعة، كانت الرسالة مفاجئة خصوصاً انها الأولى من نوعها، وأعلن في مصر أن الأجهزة الأمنية المعنية سوف تضعها في الاعتبار.
ورغم أن الاحتياطات الأمنية لا تحول بالضرورة دون ارتكاب الجرائم أو القيام بعمليات إرهابية، إلا أن ثمة تساؤلاً عن مدى توفر تلك الاحتياطات في احتفالات عيد الميلاد بوجه أخص،
وهذا التساؤل يثيره مفصل نشرته جريدة «الشروق» في عدد أول يناير تحدث عن «استعدادات مكثفة لتأمين احتفالات عيد الميلاد». وفي الخبر تفاصيل عن قيام الأجهزة الأمنية بتكثيف استعداداتها في منطقتين أساسيتين هما محافظات الصعيد التي تعاني من التوتر بين الأقباط والمسلمين، والمناطق السياحية في جنوب سيناء.
ولا ذكر لأي استعدادات مماثلة في الاسكندرية، التي لها تاريخ في التوتر الطائفي، ثم انها تعد أحد معاقل الحركة السلفية في مصر. ناهيك عن انها ظلت تشهد خلال الأسابيع الأخيرة مظاهرات بعد صلاة الجمعة رفعت خلالها شعارات ونداءات بخصوص السيدتين المذكورتين.
إذا صح خبر جريدة «الشروق» فهو يعني أن ثغرة أمنية تخللت ترتيبات تأمين احتفالات عيد الميلاد في الاسكندرية، الأمر الذي يثير السؤال التالي:
هل كان يمكن أن يختلف الأمر لو تم تداركها؟
لقد قرأت أن عشرة آلاف جندي استنفروا لتأمين احتفال اليهود الإسرائيليين بما يعتبرونه مولد «أبوحصيرة» في محافظة البحيرة بدلتا مصر، الأمر الذي يستدعي السؤال ذاته مجدداً.
(4)
ما الذي سلح أولئك القتلة بالجرأة التي جعلتهم يقدمون على جريمتهم البشعة في مصر؟
يلح عليّ هذا السؤال طول الوقت، ضمن اسئلة «المناخ» الذي وقعت فيه الواقعة.
هل كان يمكن ان يفعلوها لو أنهم وجدوا المجتمع المصري عفياً ومتماسكاً ومستنفراً طاقاته وقواه لبناء حاضره ومستقبله.
أم أنهم رأوه مفككاً ومغيباً وفاقداً الأمل في الحاضر والمستقبل؟
طوال الأشهر الماضية كان بوسع الراصد أن يرى كيف كان الوطن مغيباً في ادراك النخبة، في حين ظل المجتمع مغيباً عن الوطن.
كان همُّ القائمين على الأمر منصبا على كيفية الاستئثار بالسلطة وإقصاء الناقدين والمعارضين، والانتصار عليهم في حرب أهلية عبثية كان الوطن هو المهزوم الأول فيها.
نجح الحزب الوطني في إقصاء الآخر من مجلسي الشعب والشورى، ونجحت السلطة في تأديب الإعلاميين وتخويف المراسلين وغواية وتدجين المثقفين،
ونجحت الشرطة في قمع المعارضة وملاحقة المدونين.
وفقد الناس ما تبقى لهم من ثقة في الأحزاب التي عانى بعضها من الاحتراب الداخلي، كما حدث مع التجمع والناصري وأصاب رذاذه الوفد والإخوان المسلمين. ولم تسلم من الداء الحركة الوطنية للتغيير.
(أضف الى ذلك عوامل أخرى مثل العبث بالدستور وإهدار قيمة القانون، وتبني السلطة للتزوير وتحول البلطجة الى قيمة اجتماعية معترف بها عملياً، ثم الجرأة على الدولة من جانب بعض الرموز الى حد الجهر بتحديها وابتزازها).
وحين يعاني البلد من الفراغ السياسي الذي يصادر مشاركة المواطن في المجال العام. كما يعاني من فراغ فكري وثقافي تهان في ظله الثوابت الوطنية والدينية،
وحين تتقطع القواسم المشتركة بين الناس بحيث يضيق صدر الوطن بأهله. الذين يفتقدون الأمل في إصلاح الحاضر ولا يرون فيما بينهم حلماً مشتركاً يتطلعون اليه.
حين يحدث ذلك كله فهل يمكن اعتباره مناخاً جاذباً ومغرياً للمغامرين من دعاة الفتنة وأمراء الدم؟
لست ضد التعبير عن مشاعر الحزن والتضامن والمواساة، لكن ينبغي أن يكون واضحاً في أذهان الجميع أن الجرح أكبر من الجريح، وأن الذي يحتاج الى حماية وإنقاذ حقاً هو الوطن الذي أصابه الوهن، بعدما انفرط عقده وفقد عافيته. ففقد معها حلمه ودوره.
..................
January 2, 2011
لماذا فشلنا؟
صحيفة الشرق القطريه الاثنين 28 المحرم 1432 – 3 يناير 2011
لماذا فشلنا؟ – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post_03.html
حين صدر لي منذ 25 عاما كتاب «مواطنون لا ذميون» فوجئت بالحفاوة التي استقبل بها بين أقباط مصر.
وكانت فكرة الكتاب قد نشأت عندي بعد أحداث «الزاوية الحمراء» المؤسفة التي كانت من مقدمات الاشتباك بين المسلمين والأقباط.
شجعني على ذلك أن بعض محتوياته نشرت كمقالات متفرقة في مجلة «العربي» الكويتية التي التحقت بها بعدما منعت من الكتابة في أواخر عهد الرئيس السادات، وأبلغني زميلي الأستاذ شفيق مرقس رحمه الله، أن بعضا من تلك المقالات كانت تعلق في كنائس القاهرة لكي يطالعها من لم يتابعها من الأقباط.
موضوع الكتاب الأساسي كان يدافع عن فكرة مواطنة غير المسلمين ويعتبرها جزءا من التفكير الإسلامي الأصولي، في حين أن مسألة الذمة كانت نظاما معمولا به قبل الإسلام ولا أصل له في التعاليم القرآنية.
أما المواطنة التي تحفظ للإنسان كرامته في المجتمع الذي ينتمي إليه، فتستند إلى النص القرآني الذي يقر الكرامة لكل إنسان. بصرف النظر عن دينه أو جنسه.
عارضت في الكتاب أيضا استخدام مصطلح «التسامح» كعنوان للعلاقة مع غير المسلمين، معتبرا أن ممارستهم لمواطنتهم بمثابة حق لهم، وليست تبرعا أو منحة من المسلمين، لهم أن يتطوعوا بها أو يحجبوها عنهم، الأمر الذي ينتقص من كرامتهم ويجعلهم رهينة لأهواء وحسابات الأغلبية.
مثل هذه الأفكار كانت محل حفاوة آنذاك، الأمر الذي جعلني أتصور أنني أضفت شيئا إلى إسهامات غيري من الباحثين المهجوسين بعافية الأمة وتلاحم عناصر الجماعة الوطنية فيها.
حين أستعيد هذه الخلفية الآن، أكتشف كم كنت بريئا وحسن الظن آنذاك، وكيف أن الكتابات التي سعت إلى مد الجسور وتحقيق الوفاق بين المسلمين والأقباط ذهبت أدراج الرياح وأن الغرس الذي زرعناه وقتذاك لم يطرح الثمار التي تمنيناها.
ولا أقول ذلك تأثرا بحدث التفجير الذي استهدف رواد كنيسة القديسين في الإسكندرية، ولكنى لاحظت مناخ ولغة المرارات في مشاعر وخطاب كثيرين من الدوائر المحيطة، الأمر الذي يجعلني أجزم بأن العالم الذي علقنا عليه الآمال قبل ربع قرن اختلف تماما، حتى صرنا الآن بإزاء مشهد آخر لم تخطر لنا قسماته على بال، أقل ما يمكن أن يقال في حقه أن شرخا حدث في العلاقات بين المسلمين والأقباط تحول بمضي الوقت إلى فجوة تزداد عمقا واتساعا حينا بعد حين.
وللأسف فإن جهود ترميم الشرخ أو ردم الفجوة حققت فشلا ذريعا، بحيث إن فكرة العيش المشترك تراجعت، وكدنا نصل إلى حالة «المساكنة»، التي يمكن أن تتطور إلى أسوأ إذا لم تتداركها العناية الإلهية، وإذا لم ينتبه الجميع إلى خطورة الآثار الناجمة عن تراكم المرارات وتكريس المفاصلة.
السؤال الذي يستحق أن نفكر فيه جيدا هو:
لماذا فشلت جهود تأسيس العيش المشترك؟
إذا استبعدنا العامل الخارجي أيا كان دوره، فعندي عدة ردود على السؤال.
أحدها أننا لم ننجح في التوصل إلى تشخيص صحيح للمشكلة، واختزلناها في بضع طلبات تتعلق ببناء الكنائس وشغل الوظائف وحصص التمثيل في المجالس المنتخبة والمناصب العليا. كأن المرارات سوف تختفي والنفوس سوف تصفو إذا تمت الاستجابة لتلك الطلبات.
هناك إجابة أخرى تقول إن سقف الطلبات يرتفع حينا بعد حين، وإن مطلب المساواة في الحقوق والواجبات لم يعد كافيا ولا مطلب التعايش بات مثيرا للحماس. وإنما استشعر أحد الطرفين أنه في مركز قوة يشجعه على أن يطلب من الطرف الآخر أن يتنازل عن بعض تكاليفه وتعاليمه. شجعته على ذلك حالة الضعف والوهن التي أصابت الدولة.
ثمة إجابة ثالثة تقول إن جسور الحوار الحقيقي لم تعد قائمة، وإن المؤسسات التي يمكن أن تنهض بهذه المهمة جرى تغييبها أو اختطافها، فصغر شأنها واختزلت في أشخاص آثروا استخدام الضغوط وممارسة لي الأذرع بديلا عن الحوار.
في إجابة رابعة إن هزال مظلة الدولة وهشاشتها دفعا البعض إلى الاحتماء بمظلة الطائفة وتعاملت المظلة الأخيرة مع الأولى باعتبارها ندا يقارعها وليس جزءا من مكونات الدولة.
الإجابة الخامسة تقول إن مناخ التعصب والحساسية أصاب الجميع، فظهرت أعراضه على الرأس والجسم عند طرف، في حين ظل الرأس محتفظا بتوازنه عند الطرف الآخر، وظهرت أعراض التعصب على الجسم لدى ذلك الطرف الآخر. وأحدث ذلك خللا في قنوات الاتصال أصبح خارجا عن السيطرة.
الإجابة السادسة تقول إن جوهر المفاصلة الحقيقية ليس بين المسلمين والأقباط ولكنه بين السلطة والمجتمع، وإن الطرفين الأخيرين إذا تصالحا فإن ذلك يمهد الطريق للمصالحة المنشودة بين المسلمين والأقباط
ــ هل لك رأي آخر؟.
.......................................
January 1, 2011
غسل مجلس الشعب
صحيفة الشرق القطريه الأحد 27 المحرم 1432 – 2 يناير 2011
غسل مجلس الشعب – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post_02.html
في الصحف القومية المصرية جهد ملحوظ لغسل مجلس الشعب وتبييضه، لا يختلف كثيرا عن عمليات غسل الأموال وتبييضها. عن طريق محاولة إيداعها في البنوك لإكسابها الشرعية وتنظيفها من مصادرها غير المشروعة التي تتراوح بين السرقة والاحتيال والاتجار في المخدرات.
ذلك أنه بعد تزوير الانتخابات واللعب في الدوائر. مما شوه كثيرا صورة مجلس الشعب الذي تم اختطافه لصالح الحزب الوطني الحاكم. فإن المهمة التالية كانت البحث في كيفية تحسين صورته لكي يبلعه الناس، ويقتنعوا بأنه مجلس حقيقي ومحترم شأنه شأن المجالس النيابية المتعارف عليها.
لا أستبعد أن يكون الذين أداروا العملية قد عقدوا اجتماعا بعدما تحقق مرادهم وأعلنت النتائج على النحو المرسوم. إذ اطمأنوا إلى تمام انفراد الحزب الوطني بالمجلس، وإقصاء كل الذين رفعوا أصواتهم وشاغبوا في المجلس السابق، واستبدالهم بنماذج مدجنة تجيد تنفيذ التعليمات.
وحينئذ طرح عليهم السؤال التالي:
بعد تجريد المجلس من الصوت العالي، وتطهيره من المعارضة، وبعدما استراح الحزب والحكومة من الصداع والإحراجات التي سببته لها، كيف يمكن إنقاذ سمعة المجلس من ناحية، وكيف يمكن تسخين جلساته لكي يصدق الناس أنه يختلف عما توقعوه أو تصوروه؟
حينئذ انبرى كبيرهم قائلا،
لا تقلقوا على سمعة المجلس، فأمامنا خمس سنوات نستطيع أن نعالج فيها التشوهات التي لحقت به.
ولا تنسوا أنه «سيد قراره» وأن الطعون التي تقدم فيه يمكن احتواؤها. ورئاسة المجلس لديها خبرة كافية في لفلفة هذه الأمور وتقفيل ملفاتها. ثم إن لدينا تفاهما مع بعض القضاة لاتخاذ اللازم في وقت الحاجة. ولأن الشق القانوني مقدور عليه، فإن الأداء خلال السنوات الخمس القادمة هو المعول عليه.
وإذا كانت العناصر المعارضة قد غابت عن المجلس، فلماذا لا يقوم الحزب الوطني بهذا الدور. صحيح إنه حزب الحكومة كما أنها حكومة الحزب، ولكن ذلك لا يمنع من أن يتولى بعض الأعضاء المضمونين مهمة المعارضة، لإضفاء الحيوية المطلوبة على الجلسات. وتلك هي الوسيلة الأنجح في تحسين الصورة. ولا غضاضة في ذلك لأن الجميع عند التصويت سيكونون ملتزمين بتعليمات الحزب.
رغم أن هذا الذي قلته من وحى الخيال، إلا أنني دهشت حين قرأت الصحف القومية التي صدرت بعد بدء الدورة البرلمانية، وكدت اقتنع بأن ذلك ما حدث فعلا. فقد عقد مجلس الشعب أولى جلساته يوم الثلاثاء الماضي 28 ديسمبر
. وكانت الجلسة عادية للغاية، أبرز ما فيها أن أحد الأعضاء، السيد زكريا عزمي وجه انتقادا لسياسة وزير الصحة فى بعض الأمور. ولكن جريدة الأهرام خرجت بعنوان رئيسي «مانشيت» في اليوم التالي مباشرة يقول:
أول مواجهة ساخنة بين نواب الشعب والحكومة.
وفي الخبر المنشور تحت العنوان أن نواب الشعب (لاحظ التعميم الذي لم يذكر أنهم نواب الحزب) وجهوا في أول مواجهة بين المجلس الجديد والحكومة «انتقادات عنيفة» لوزير الصحة... الخ.
جريدة «روزاليوسف» رفعت سقف التسخين عاليا فذكرت على صفحتها الأولى أنه:
من أول جلسة «معارضة الوطني» تلهب مجلس الشعب.
وأشارت في الخبر إلى أن «معارضة الحزب الوطني» ألهبت جلسات مجلس الشعب خلال مناقشة 44 طلب إحاطة و9 أسئلة حول مشكلات العلاج على نفقة الدولة والخدمات الصحية، منها 42 طلب إحاطة قدمها نواب الوطني.
إذا دققت في الكلام ستكتشف أن الجريدة ابتدعت مصطلح «معارضة الوطني»، بما يوحى بأن الحزب الوطني «حماه الله» أصبح يقوم بالدورين معا، فهو يحكم ويعارض في نفس الوقت.
ثم إنها نفخت في الجلسة وزايدت على وصف ما جرى بأنه «انتقادات عنيفة»، كما ذكرت الأهرام، قائلة إن الجلسة كانت «ملتهبة»، لمجرد أن أحد الأعضاء انتقد وزير الصحة.
(ماذا يمكن أن يحدث لو أنه انتقد رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية).
إذا لاحظت أيضا الإشارة إلى أن نواب الوطني قدموا 42 من 44 طلب إحاطة إلى رئيس المجلس، فربما أقنعك ذلك بأن الحزب الوطني «اكتسح» المعارضة، تماما كما اكتسح الانتخابات.
أما ما كان طريفا حقا فهو العنوان الذي احتل قلب الصفحة الأولى لجريدة «المصري اليوم» في أعقاب الجلسة الثانية، وذكرت فيه إن زكريا عزمي يتزعم المعارضة في البرلمان. وهو عنوان واسع حبتين، لأنه السيد عزمي رغم أنه نائب محترم، إلا أنه في النهاية رئيس ديوان رئيس الجمهورية.
وإذا صح العنوان المذكور فإنه يعنى أن رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب الحاكم الذي يعين رئيس الحكومة، أما زعيم المعارضة فهو رئيس ديوان رئيس الجمهورية!
لقد تواضعت أهدافنا، بحيث لم تعد تعترض على تبييض وغسل مجلس الشعب وتجميل وجهه، وإنما صرنا نسأل
ألا يوجد خبراء يستطيعون أداء المهمة بأسلوب أكثر ذكاء وحيل أفضل إتقانا؟.
.......................................
تونس تحذركم
صحيفة الشروق الجديد المصريه السبت 26 المحرم 1432 – 1 يناير 2011
تونس تحذركم – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post.html
ثورة المحرومين فى تونس لم يعد ممكنا تجاهلها، بعدما فرضت نفسها على نشرات الأخبار والصفحات الأولى فى الصحف العربية، وأعادت إلى الأذهان مشاهد انتفاضة الخبز التى شهدتها البلاد فى عام 1984. وانتفاضة أهالى مدينة «قفصة» فى الجنوب فى مطلع عام 2008، وإذا كانت السلطة قد نجحت فى تطويق الانتفاضتين وسحق المشاركين فيهما، فإن الوضع مختلف هذه المرة من أكثر من وجه.
من ناحية لأن رياح الغضب والسخط لم تقف عند حدود الوسط والجنوب وهى المناطق الأكثر تخلفا والأشد معاناة من الفقر والبطالة، لبعدها عن مدن الساحل فى الشمال التى حظى بقسط أوفر من الاهتمام لأنها مقصد السياح ومراتع الأغنياء، وذوى النفوذ.
فقد خرجت المظاهرات فى مختلف أنحاء البلاد، ووصلت إلى العاصمة ذاتها حيث التحقت بها نقابات عدة شملت قطاعات التعليم والبريد والأطباء وغيرها.
واحتل المتظاهرون مقر الاتحاد التونسى للشغل وأضرموا النار فى مقار الحزب الدستورى الحاكم،
من ناحية ثانية، لأن اتساع موجة الغضب فاجأ الأجهزة الأمنية التى عجزت عن قمعها. الدليل على ذلك أنها مستمرة فى ولاية سيدى ابوزيد منذ 14 يوما تقريبا. ولاتزال شرارتها تنتقل من ولاية إلى أخرى.
من ناحية ثالثة، فإن الذى أطلق شرارة الانتفاضة لم تكن القوى السياسية ولكنها الجماهير التى فاض بها الكيل، فخرجت إلى الشوارع معربة عن السخط والغضب، ومتحدية قوات الأمن الذى قتلت منها أربعة أشخاص حتى الآن، وغنى عن البيان أن الغاضبين لم يخرجوا إلى الشوارع إلا بعد أن طحنهم البؤس واستبد بهم اليأس. الأمر الذى دفع شابا إلى الانتحار بإلقاء نفسه فى بئر. وانتحر آخر بأن تسلق عمود كهرباء وصعق نفسه لكى يضع حدا لمأساته.
طوال السنوات التى خلت سمعنا فى تونس عن أزمة النظام مع منظمات حقوق الإنسان، ومع القضاة والمحامين، ومع الناشطين السياسيين، ومع الإعلاميين، لكن الذين خرجوا إلى الشوارع هذه المرة لم تكن لهم صلة بكل هؤلاء، وإذا كانوا من عامة الناس الذين لا يجمع بينهم أى لون سياسى، بل ليسوا منخرطين فى السياسة أصلا. وإنما جمع بينهم الفقر المدقع واليأس من المستقبل، فى ظل استشراء الفساد فى البلاد واستئثار فئة قليلة من المحيطين بالرئيس والمنتفعين من وجوده.
وهم الذين انقضوا على ثروة البلاد ونهبوا خيراتها منذ تولى السلطة فى عام 1987، وقد تحدث عن ذلك الملف بالتفصيل كتاب صدر مؤخرا فى باريس، وتطرق إلى أمور عائلية لا نستطيع الحديث عنها فى الصحافة العربية.
انتفاضة الفقراء والمحرومين أسقطت القناع عن الوضع القائم هناك، ولفتت الانظار إلى حقيقة «المعجزة التونسية» وحالة البؤس والقمع التى يعيش فى ظلها الناس هناك، الأمر الذى أشاع بينهم اليأس بتداعياته الخطرة التى استصحبت زيادة فى معدلات الجريمة وانتشارا للعنف وتفككا اجتماعيا تعددت مظاهره. وهى الصورة التى نجحت حملات إغواء بعض الإعلاميين فى إخفاء معالمها عن العالم الغربى على الأقل.
فى حين أن حقائق الوضع فى تونس معلومة للجميع فى العالم الغربى، حيث لم تتردد الصحف الفرنسية فى متابعة ورصد ما يجرى هناك لأسباب تاريخية معروفة. ساعد على ذلك أن المعارضين التونسيين الذين افلتوا من القبضة الحديدية الممسكة بمقاليد الأمور فى بلدهم أصبحوا يجدون فى باريس ملاذا لهم وهناك تكلموا وأطلعوا الرأى العام على الحقائق المسكوت عنها هناك، وكتاب «مواطنون تحت الحصار» من نماذج توثيق بشاعة القمع وأساليب تدمير الحياة التى يتعرض لها الناشطون السياسيون.
ما حدث فى تونس لا يهمنا فقط لأنه حاصل فى قطر عربى شقيق يحزننا أى بلاء ينزل به، ولكنه يعنينا أيضا لأنه يبعث إلى عناوين عربية عدة برسالة ينبغى أن تقرأ بعناية.
خلاصة الرسالة أن الاستبداد إذا كان قد أريد به حماية أى نظام، فإنه قد يطيل من عمره لكنه لا يضمن له البقاء والاستمرار مهما طال أجله. وهو فى كل أحواله يعتبر الأجهزة الأمنية سنده وركيزته الأساسية
(لا تنس أن العمل العربى المشترك الوحيد الذى تحمست له تونس هو احتضان اجتماعات وزراء الداخلية العرب).
والاستبداد والاحتماء بالأمن يوفران التربة لاستشراء الفساد. الذى تصبح الجماهير ضحية له فى نهاية المطاف.
وكلما استمر الاحتكار وتمكن الفساد ازدادت معاناة الناس وتضاعف بؤسهم
ــ وتلك مقدمات لاحتمالات الانفجار والفوضى، التى تصبح خيارا قويا مطروحا فى ظل مناخات القمع ومصادرة الحريات.
لئن كان ذلك حاصلا فى تونس الآن، إلا أن الأزمة لها نظائرها فى الأقطار العربية الأخرى التى يعرفها الجميع، وهى التى مازالت تئن تحت وطأة تحالف الاستبداد مع الفساد، الذى يتخفى تحت قناع ادعاء التزاوج بين السلطة والثروة،
لست واثقا من أن أهل ذلك التحالف قد استلموا الرسالة، لكن الذى لا شك فيه أنها أشهرت وعممت على مختلف الصحف، لعل المعنيين بها يقرأونها ويعون درسها.
.......................................
December 30, 2010
متى تغضب مصر؟
متى تغضب مصر؟ - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2010/12/blog-post_30.html لا أريد أن أصدق أن بنيامين نتنياهو سيزور مصر خلال الأيام القليلة المقبلة. صحيح أننى واحد ممن تمنوا ألا يشاهدوا صورته فى القاهرة فى أى وقت، هو وأمثاله من مجرمى الحرب الإسرائيليين، إلا أننى لم أتخيل أن نستقبله فى الظروف الراهنة بوجه أخص.
أعنى بعد أيام معدودة من الإعلان عن ضبط شبكة تجسس إسرائيلية فى مصر، اتهم فيها أحد المصريين، وفى الوقت الذى يصر فيه الرجل على تدمير المستقبل الفلسطينى بانطلاقه المجنون فى سياسة الاستيطان والتهويد، ضمن سعيه الحثيث لتصفية القضية الفلسطينية، إلى جانب تنصله حتى من الاتفاقات التى وقعها سابقوه لتسوية القضية. ومن ثم فضح الفلسطينيين وأذل العرب أجمعين. إذ لم يعد اتفاق أوسلو يعنى له شيئا، كما أن «المبادرة العربية» عوملت بدرجة عالية من الاحتقار والازدراء.
هل بعد كل ذلك يستقبل الرجل فى مصر، ويمد كبار المسئولين فى الدولة أيديهم لمصافحته، ثم يجالسونه ويبتسمون فى وجهه ويتضاحكون معه على مائدة الطعام؟
ــ ذلك واحد من الأسئلة التى عنت لى حين صفعت عينى فى ذلك الصباح الأخبار التى ناقلتها الإذاعات ووكالات الأنباء حول زيارة للقاهرة يفترض أن يقوم بها مستشار الأمن القومى الإسرائيلى عوزى آراد يوم الأحد المقبل (2 يناير) لمناقشة ترتيبات زيارة السيد نتنياهو.
وكانت جريدة «الحياة» اللندنية قد نشرت فى 26/12 الخبر منسوبا إلى «مصدر مصرى رفيع»، ونقلت عنه قوله «سنحدد مع آراد موعد الزيارة»، وقد استفزنى فى الخبر المنشور قول المصدر المذكور إن الزيارة ستتناول المسار السلمى وضرورة تحريك العملية السلمية (التى فشل فيها أوباما؟!) وسنبلغ الإسرائيليين استياءنا من عدم الالتزام باستحقاقات العملية السلمية، وعلى رأسها تجميد الاستيطان. وهذا «الاستياء» الذى عبر عنه المصدر المصرى تكرر فى عبارة أخرى بالخبر المنشور.
قبل أى استطراد أنبه إلى أمرين،
الأول أننا نتحدث عن أخبار صحفية متداولة.
والثانى ان الجهات الرسمية فى مصر لم تنفها أو تصحح مضمونها، رغم اهميتها وعمق دلالتها. وهو ما يسوغ لنا ان نرجح تصديقها، والتعامل معها باعتبارها معلومات سليمة، حتى إشعار آخر على الأقل.
سواء كانت كلمة «الاستياء» الواردة فى الخبر من عند من حرره، أو انها وردت على لسان المصدر المصرى الرفيع، فإنها تظل تعبيرا مستفزا للغاية. ذلك ان من حق المرء أن يتساءل إذا كان مجرد الاستياء هو كل ما يمكن أن تستشعره السلطة فى مصر، كرد فعل على جرائم السيد نتنياهو وحكومته، فإن ذلك يعد تسامحا أقرب إلى التفريط فى حق المروءة والكرامة.
ليس التعبير جديدا فى حقيقة الأمر، إذ لا أشك فى أن مصر أبلغت إسرائيل فى بعض المواقف الحرجة المماثلة باستيائها وربما عتابها أيضا، لكن القدر الثابت ان مصر لم تغضب فى أى وقت، أو بالدقة فإنها لم تعلن غضبها. حتى بالوسائل الدبلوماسية التى تتمثل فى تقليص التمثيل الدبلوماسى أو سحب السفير أو التلويح بورقة العلاقات الاقتصادية.
حتى إذا ذهبنا إلى مدى أبعد ونفضنا أيدينا من الملف الفلسطينى التزاما بروح اتفاقيات كامب ديفيد، ونظرنا إلى المصالح المصرية المباشرة. فسنجد أن إسرائيل ارتكبت قائمة من الجرائم بحق مصر منها ما يلى:
اختراق المجال الجوى وقصف منطقة الحدود مع غزة بحجة تدمير الأنفاق
ــ قتل ما لا يقل عن 12 شخصا من الجنود المصريين الذين يحرسون الحدود مع القطاع
(محكمة استئناف القاهرة أصدرت فى 16/9/2009 حكما بإلزام السفير الإسرائيلى بدفع عشرة ملايين دولار تعويضا لورثة أحد الجنود المصريين (عامر أبوبكر أبوسعدة) وهو أحد ثلاثة تعمد الإسرائيليون قتلهم فى 17/11/2004، ولم يكترث أحد بالحكم لا فى مصر ولا فى إسرائيل
ــ تكرار عمليات التجسس على الأوضاع الداخلية فى مصر
ــ الإسهام فى دفع عملية فصل جنوب السودان لتكثيف الضغط على مصر
ـــ اختراق دول أعالى النيل (إثيوبيا بوجه أخص) وتحريضها ضد القاهرة.
هذه الخلفية تستدعى عدة أسئلة منها مثلا: إذا لم تغضب مصر الرسمية لكرامة ابنائها ولا لأمنها القومى، وإذا لم تغضب لإذلال الفلسطينيين ومحاولة تركيعهم وتصفية قضيتهم، فمتى تغضب إذن؟
ــ ولماذا تستأسد مصر على المقاومة الفلسطينية وتشتد فى قطيعتها مع سوريا، وخصومتها مع إيران، فى حين تخاطب إسرائيل بلغة الحملان؟
ــ ثم لو أن إسرائيل تصرفت على ذلك النحو مع تركيا، فهل كان يمكن ان يستقبل رئيس وزرائها فى أنقرة، قبل أن يعتذر عما اقترفته حكومته، ويعد بألا يعود إلى ذات الأفعال مرة أخرى؟
إن استقبال نتنياهو فى القاهرة فى أى وقت إهانة لمصر وشعبها؟
أما قدومه إليها فى الوقت الراهن على وجه التحديد فهو العار بعينه.
ولم أفهم بعد ما الذى يضطر مصر إلى القبول بالإهانة أو احتمال وصمة العار.
....................
December 28, 2010
فرصة نادرة للتسلية
فرصة نادرة للتسلية – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2010/12/blog-post_29.html
حين قال الرئيس حسني مبارك في تعليقه على فكرة البرلمان الموازي الذي تحدثت عنه أحزاب المعارضة «دعوهم يتسلَّوا»، فإنني ظللت أتدبر كلامه طوال الأيام الماضية، إلى أن فهمته أخيرا على نحو يختلف عن ذلك الذي شاع في أوساط المثقفين والسياسيين المصريين.
ذلك أنني ثقة في حكمة الرئيس وخبرته رفضت أن آخذ الكلام بظاهره، واستبعدت اعتباره نوعا من الاستخفاف بالأحزاب الشرعية التي ذكر الرئيس في أكثر من مرة أنها جزء مقدر من النظام.
وقد تحقق حدسي حين تابعت جلسات مؤتمر الحزب الوطني، واستمعت إلى كلمات قادته. وحين وجدت أنها تحولت إلى منافسة في البلاغة اللغوية واللعب بالألفاظ والأفكار، أدركت كم هي مسلية أيضا. الأمر الذي دعاني إلى إعادة النظر في الانطباع المسطح والشائع عن تعليق الرئيس،
ونبهني إلى أنه لم يقصد الغمز في مبادرة أحزاب المعارضة والإقلال من شأنها، وإنما قصد بلباقته المعهودة أن يقول إن الحزب الوطني لن ينفرد وحده بتسلية الجمهور، ولكن هناك فرصة مواتية لإشراك أحزاب المعارضة في تلك المهمة الوطنية. بما يعني أنه سيتم توزيع الأدوار بحيث يقوم الحزب الوطني بعروض التسلية الخاصة به في قاعة المؤتمرات، في حين تؤدى أحزاب المعارضة «واجبها» في الشارع.
إذا لم تصدقني فحاول أن تتابع جلسات المؤتمر على شاشات التليفزيون ومن خلال الصفحات التي تخصصها لها الصحف القومية كل صباح، إذ ستجد أن قيادات الحزب الوطني بذلت جهدا مشكورا في تسلية الجمهور، وأنه أتقن العملية بحيث قدم عروضه بصورة متقنة اتسمت بالاحتشام والرصانة، بحيث يبدو لك الكلام جادا للغاية، لكنك إذا أعدت قراءته، وتأملت رسالته ومعانيه جيدا ستستلقي على قفاك من شدة الضحك، وستسارع إلى دعوة من تعرف للانضمام إليك للاستمتاع معك بفقرات التسلية والترويح.
لدى الكثير من النماذج التي تدلل على ما أقول، لكنني سأكتفي بإيراد بعض الفقرات التي وردت في كلمات قيادات الحزب الحاكم يوم الأحد الماضي، التي كشفت عن وجه آخر غير معهود في نمط القيادات السياسية، اتسم بقدر كبير من سعة الخيال وخفة الظل والقدرة على المرح المحتشم، من تلك الفقرات ما يلي:
< إننا نعد أنفسنا ونؤهل كوادرنا لعام الحسم الوطني القادم، واثقين في قدرة حزبنا وثقة شعبنا، فخورين بإنجاز وحكمة وقيادة زعيمنا في الحاضر والمستقبل. < إن هناك تطورا كبيرا حدث وغيَّر من وجه الحياة على أرض مصر. وأن هناك تحسنا واضحا في الخدمات العامة والرعاية الاجتماعية والصحية. فضلا عن حدوث طفرة اقتصادية كبيرة أتاحت للملايين فرص العمل، كما وفرت مساحة غير مسبوقة لحرية الرأي والتعبير. < إن الحزب الوطني يتصدى بكل قوة وحسم لأي جرائم تتعلق بسوء استخدام السلطة أو التعدي على المال العام، وإنه يصر على محاسبة مرتكبيها وعدم التهاون معهم حتى لو كانوا بين صفوف الحزب. < إن ضعف تمثيل المعارضة تحت القبة في البرلمان الحالي لا يعني ضعف المساءلة ــ وسوف يقدم الحزب نموذجا جديدا للرقابة السديدة في البرلمان الجديد. < إن أمامنا مرحلة جديدة لتوسيع دائرة المشاركة السياسية لتشجيع الشباب والشابات على الانخراط في النشاط السياسي والمشاركة في أنشطة المجتمع المدني. < سيظل الحزب الوطني متابعا ويقظا وملاحقا لأي خروج على التعددية الحزبية ومبادئ الدولة المرئية التي حددها الدستور ونظمها القانون. وأمامنا عام من العمل الجاد، نبصر الناس بالحقائق ونكشف زيف المدعين وحملة الأجندات الأجنبية وفلول الخاسرين في الانتخابات البرلمانية. < كنا ننتظر أول انتخابات برلمانية للفوز بثقة القوة الصامتة المتابعة من أبناء مصر الواعين لما يجري على أرض الوطن من إنجاز. وكنا نعد أنفسنا على مدى خمس سنوات للفوز بثقة الغالبية من الطبقات والفئات والعمال والفلاحين.. كنا ننتظر ونستعد ليوم الاختبار والمواجهة. كتابنا في يميننا. صفحاته تشهد بالوفاء بما تعهدنا به.. وتحققت ثقة الشعب في الحزب الوطني في انتخابات 2010. وحصوله على أغلبية تمثل في حقيقتها توكيلا شرعيا دستوريا لمواصلة المسيرة للوفاء بتعهداتنا ومواصلة إنجازاتنا لسنوات خمس مقبلة. < لقد التزمنا بمبدأ مهم في الانتخابات. وهو خسارة مقعد بشرف أفضل من الفوز به بغير حق. وليس منا من يعبث بصندوق أو يفسد ورقة اقتراع. < إن الحزب الوطني بدأ من الآن في الإعداد لانتخابات مجلس الشعب عام 2015 وتسبقها انتخابات الشورى في 2013. بينما تفصلنا عشرة أشهر عن انتخابات الرئاسة. ويتوقع الوطني عودة المعارضة لمجلس الشعب عام 2015. أراهن على أن أحزاب المعارضة تستطيع أن تقدم عرضا مماثلا للتسلية، وأثق في أن الحزب الوطني سوف يكتسحها عن جدارة في هذا المضمار. .......................................
فهمي هويدي's Blog
- فهمي هويدي's profile
- 1314 followers
