فهمي هويدي's Blog, page 197
April 2, 2011
فهمناهم ولم يفهمونا
صحيفة الشرق القطريه الاحد 29 ربيع الاخر 1432 – 3 أبريل 2011 <?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
فهمناهم ولم يفهمونا – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/04/blog-post_03.html
فهمناهم وحفظناهم لكنهم لا يريدون أن يفهمونا،
إذ صار بوسع الواحد منا أن يتنبأ بكل الخطوات التي ستتخذها الأنظمة العربية لمواجهة تسونامي الغضب الذي يجتاح المنطقة من المحيط إلى الخليج،
لكن سلاطين زماننا يصرون على ألا يستقبلوا رسائلنا،
وإذا استقبلوها فإنهم يرفضون فضها وقراءة محتواها،
والذين يقرأونها منهم إما أنهم لا يصدقون أعينهم أو أنهم يعجزون عن استيعاب مضمونها .
ما يلفت النظر، والمدهش حقا، أن ردود أفعالهم واحدة في كل الأقطار. كأنهم يستلهمون قراءاتهم ومواقفهم من كتاب واحد وزع على الجميع، بحيث إن « السيناريو» الذي وقع في تونس نجده قد تكرر في مصر واليمن، وهو ذاته الذي تابعناه في البحرين والأردن، وفي سوريا أخيرا.
ولن أستغرب إذا وقعنا على المشاهد ذاتها حينما ينتفض أهل بقية الأقطار في العالم العربي، الأمر الذي يعني أنهم لا يكتفون بتجاهل رسائلنا فحسب، ولكنهم أيضا لا يتعلمون من خبرات بعضهم البعض، فيكررون نفس الأخطاء ولا يجددون في استجاباتهم .
إذ ما من بلد علا فيه صوت الناس بالتعبير عن الاحتجاج والغضب إلا وسمعنا ثلاثة ادعاءات:
أولها إن البلد مستهدف من القوى الشيطانية الخفية.
ثانيها إن ثمة عناصر مندسة ـ أصوليون بالدرجة الأولى ـ تحاول تشويه طهارة المحتجين عبر إذكاء الفتنة وإشاعة التخريب في البلاد.
وثالثها إن في الموضوع مؤامرة تحركها الأصابع الأجنبية.
وبعد إطلاق تلك القنابل الدخانية، تخرج علينا التصريحات والأبواق الرسمية محذرة من الخروج على الشرعية (التي اصطنعها النظام وصممها بحيث تخدم أغراضه).
وفي الوقت ذاته يدعي الجميع إلى وقف التظاهرات والانتقال من الشارع إلى ساحات الحوار، الذي تديره السلطة على أرضها وفي الساحة التي تحددها. ويتعزز ذلك الطلب بحجة الحيلولة دون تمكين «المندسين» من اختراق الصفوف وتهديد الاستقرار .
بالتوازي مع ذلك تطلق السلطة إشارات أخرى تتحدث عن اعتزامها اتخاذ مجموعة من الخطوات باتجاه الإصلاح، واعدة بتحقيق الانفراج السياسي، الذي يشمل إجراء الانتخابات البرلمانية وإلغاء قوانين الطوارئ وإطلاق سراح المسجونين والمعتقلين السياسيين.
وذلك جنبا إلى جنب مع التلويح بإمكانية تحسين الأحوال المعيشية وزيادة الرواتب في مسعى غير مباشر لرشوة الناس وإغوائهم .
لأن الجماهير فقدت الثقة في أنظمتها، وقد علمتها خبراتها أنها غير جادة في الإصلاح، وأن ما تريده حقا هو الالتفاف على الإصلاح من ناحية، وكسب الوقت لإضعاف وجه الغضب من ناحية ثانية. فإنها لا ترى بديلا عن استمرار التظاهر وممارسة الضغط من خلال الكتل البشرية التي تخرج إلى الشوارع والميادين .
وحينذاك يصبح الرد كالتالي:
الخطوة الأولى تتمثل في التعتيم على ما يجري، من خلال منع الصحفيين من الوصول إلى أماكن التظاهر، وقطع الاتصالات الهاتفية وتعطيل شبكة الإنترنت في البلد، مع التشويش على قناة الجزيرة
ـ في الخطوة الثانية تلجأ السلطات إلى اعتقال قادة المظاهرات.
وتأتي بعد ذلك الخطوة التي تعتبرها أجهزة إدارة الأزمة حاسمة للموقف، وتعتمد في ذلك على تحرك ثلاث فئات هي:
شرطة مكافحة الشغب
والبلطجية (في اليمن يسمونهم بلاطجة والكلمة تركية الأصل، حيث البلطجي وصف كان يطلق على حامل «البلطة » ( القريبة من الفأس) وهو من كان يتقدم صفوف الجند لإزالة الأشجار التي تحول دون تقدمهم).
أما الفئة الثالثة فهم القناصة الذين يعتلون البنايات لإطلاق النار على المتظاهرين .
إن شئت فقل إن الانتفاضات التي حدثت في العالم العربي جميعها بدأت بغضب جماهيري رافض لمهانة الظلم الاجتماعي والسياسي. وقد واجهته الأنظمة بنيران القناصة وأسلحة البلطجية وهراوات قوات مكافحة الشغب المكهربة.
الناس أرادوا إصلاحا وكرامة والأنظمة ردت بقمعهم وسحقهم، الأمر الذي ترتب عليه إسالة دماء غزيرة وسقوط مئات الشهداء. وبتلك الدماء كتبت شهادة وفاة أنظمة عدة، بعضها سقط والبعض الآخر في الطريق إلى ذلك .
إنهم لا يريدون أن يفهموا أن صبر الشعوب على المهانة له حدود، ولا يريدون أن يعترفوا بأن الناس يريدون أن يعيشوا كمواطنين لهم الحق في الكرامة والكبرياء، في حين يصرون على التعامل معهم بحسبانهم مجرد رعايا لا يمارسون سوى «واجب» الامتثال والخضوع.
ليس ذلك فحسب ولكنهم لا يريدون أيضا أن يتعلموا مما يجري حولهم الأمر الذي يوقعهم في أخطاء غيرهم. لذلك فليس بمقدورنا أن نعذرهم أو نتعاطف معهم، وعليهم أن يدفعوا ثمن اختيارهم .
.....................
April 1, 2011
اختلفت معادن الرجال
صحيفة الشرق القطريه السبت 28 ربيع الاخر 1432 – 2 أبريل 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
اختلفت معادن الرجال – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/04/blog-post.html
صدق أو لا تصدق.
قدم رئيس ديوان المحاسبة استقالته من منصبه حين أدرك أن القصر يضغط عليه للتلاعب في تقرير أعده للبرلمان، وانتقد فيه صرف خمسة آلاف جنيه لأحد رجال الحاشية بغير مستندات.
أرجوك لا تتسرع في التفاؤل أو إحسان الظن واقرأ الحكاية أولا.
فالرجل الذي فعلها هو محمود «بك» محمد محمود، والقصة كلها وقعت في سنة 1950، وقد سجلها صاحبنا بخط يده في وثيقة من أربع صفحات تحتفظ بها مكتبة الإسكندرية، وخلاصتها كالتالي:
أبلغ محمود بك بأن الملك مستاء من «تلسين» رئيس ديوان المحاسبة عليه في عدة أمور، كان من بينها علاقة القصر ببعض الأنشطة والمشروعات مثل الضريبة على الإيراد العام ويخت المحروسة (الخاص بالملك) وشركة طيران سعيدة.
نفى رئيس الديوان الادعاء . وقال لفؤاد سراج الدين باشا وزير الداخلية، الذي نقل إليه الرسالة إنه لا يجد سببا لاستياء القصر سوى أمر آخر مختلف تماما، هو أن تقرير الديوان الذي كان تحت الطبع انتقد صرف مبلغ خمسة آلاف جنيه لكريم ثابت باشا ـ المستشار الصحفي للملك. من ميزانية مستشفى المواساة.
ذلك أن ممثلي ديوان المحاسبة استكثروا صرف المبلغ الكبير (آنذاك) للدعاية، خصوصا أنه لا توجد مستندات خاصة بمفردات المبلغ أو الأوجه التي أنفق فيها. وهو ما اعتبره الديوان مخالفة ما كان له أن يسكت عليها. أضاف محمود بك أنه لا يشك في أن كريم ثابت هو الذي أوغر صدر الملك عليه فافترى ما افتراه.
حينئذ ألح عليه فؤاد باشا أن يزور رئيس ديوان الملك، حسن باشا يوسف. وفي ذلك اللقاء طلب منه حسن باشا صورة مما تضمنه تقرير الديوان بخصوص واقعة صرف الخمسة آلاف جنيه،
ثم أضاف قائلا: إذا قدمت إليك المستندات الخاصة بصرف المبلغ، هل يوضح ذلك الأمر ويصبح الموضوع منتهيا؟
عندئذ رد محمود بك قائلا: إنه أبدى رأيه بخصوص الموضوع في التقرير المقدم إلى البرلمان، ومن ثم فتبرير ما جرى ينبغي أن يكون أمام البرلمان .
في اليوم التالي أبلغه حسن باشا يوسف بأن الملك تفهم الأمر وأدرك أن موقفه سليم، فشكره محمود بك على ذلك وقال إنه قرر الاستقالة من منصبه.
لكن حسن باشا ألح عليه أن يبقى، وفعل ذلك أيضا فؤاد باشا سراج الدين، ومصطفى النحاس باشا الذي قال له إن هناك أمورا تحتاج إلى بعض السرية، وأنه لا غضاضة في حذف ما ورد بشأن مستشفى المواساة من التقرير.
لكنه ـ محمود بك ـ تمسك بقرار الاستقالة، وقال للنحاس صراحة إنه لا يستطيع أن يستمر في منصبه لأنه لم يعد مطمئنا إلى أنه لن يطلب منه تغيير أو حذف أي شيء يسجله في التقرير .
أوراق محمود بك تحدثت عما هو أبعد من ذلك. إذ ذكر أنه في لقائه مع رئيس ديوان الملك تحدث عن تجاوزات مالية في وزارة الحربية بخصوص تجهيزات حملة فلسطين،
مضيفا أن بعض كبار موظفي وزارة الحربية يحاولون تنحيته عن منصبه بسبب هذا الموضوع. وفهمنا من تلك الأوراق أن تجاوزات أولئك الكبار في وزارة الحربية كانت من بين المخالفات التي تضمنها تقرير ديوان المحاسبة .
لم تمر استقالة محمود بك، لأن مصطفى بك مرعي عضو مجلس الشيوخ قدم استجوابا للحكومة في 8/5/1950 حول أسباب استقالة رئيس ديوان المحاسبة. وهاجم الحكومة بشدة بعدما ذكر أن التجاوزات المالية التي أثبتها تقرير الديوان وراء تلك الاستقالة. وبعيد ذلك غادر مصر إلى أوروبا بدعوى الاستشفاء .
المهم أن إثارة الموضوع أحدثت ضجة كبيرة في الأوساط السياسية لأنها استدعت ملف الأسلحة الفاسدة، وكانت تلك الأجواء هي التي وفرت مناخا مواتيا لتحرك الضباط وقيامهم بثورة 23 يوليو .
لقد رويت القصة بمناسبة ما أثير عن التعديلات التي ظل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات يدخلها على تقارير الجهاز لنحو 12 عاما لاستجلاب رضا الرئيس السابق والاحتفاظ بمنصبه، مما أسهم في استفحال الفساد الذي صرنا نصدم بما ينشر عنه هذه الأيام، لست آسيا على الزمن الذي مضى، لكنني أتحسر على اختلاف معادن الرجال .
........................
March 30, 2011
أوقفوا استغباءنا رجاء
صحيفة الشرق القطريه الخميس 26 ربيع الاخر 1432 – 31 مارس 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
أوقفوا استغباءنا رجاء – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_31.html
لا يقنعنا كلام أي مسؤول طال بقاؤه في منصبه حين يقول إنه نبَّه إلى الفساد في مصر في حينه، لكن أحدا لم ينصت له.
ذلك أنه ليس لدينا ما يدل على أنه نبه فعلا ــ ولكن الثابت أنه ظل جزءا من «العصابة» الحاكمة.
واستمراره في منصبه لعدد من السنوات رغم علمه بالفساد قرينة على أحد أمرين،
إما أنه كان راضيا به وسكت عليه استجلابا لرضا السلطان، وهو ما لا يشرفه بأي حال،
أو أنه كان شريكا فيه ومستفيدا منه، وهو ما يثبت بحقه الإدانة .
أفهم أن يقول المسؤول إنه لم يكن يعلم أو إنه شم رائحة الفساد لكنه ظل بعيدا عن دائرته، الأمر الذي يخرجه من دائرة الاتهام.
أما تلك الادعاءات التي نسمعها هذه الأيام فلا يمكن أن تفسر إلا بحسبانها استعباطا واستهبالا واستغباء لنا .
الحوار الذي أجرته صحيفة «المصري اليوم» مع الدكتور فتحي سرور في الأسبوع الماضي ليس النموذج الوحيد لهذه الحالة، ذلك أنني أزعم أن حالة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار جودت الملط أفدح وأسوأ.
ذلك أن الجهاز
الذي يديره له وظيفة أساسية هي أن يظل مفتوح الأعين على كل صور الفساد
الموجودة في البلد. وحين نرى الفساد بالحجم المهول الذي تكشف هذه الأيام،
فإن المرء لا يستطيع أن يتصور أنه كان في مصر طوال هذه المدة جهاز يحاسب
أو يراقب
.
ما دفعني إلى هذا الكلام وفتح ملف الجهاز أنني قرأت في الأسابيع الماضية تصريحات للمستشار الملط تحدث فيها عن أنه كان يبعث بتقارير وملاحظات الجهاز إلى الجهات المسؤولة، لكن أحدا لم يأخذ بها.
وأمس قرأت على الصفحة الأولى من صحيفة «الدستور» أن الجهاز حذر قبل 12 عاما من فساد عقد بيع مائة ألف فدان في توشكى لشركة «المملكة» التي يمثلها الأمير الوليد بن طلال، وأرسل بيانات بمخالفات العقد وتجاوزاته إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ولكن أحدا لم يحقق في الأمر .
في الوقت ذاته، ثمة مذكرة قدمها ممثلون عن العاملين بالجهاز إلى رئاسة المجلس العسكري تحدثت عن تعليمات أصدرها المستشار الملط بمنع فحص عقود تصرف هيئة المجتمعات العمرانية في الأراضي الجديدة، التي وزعت ملايين الأمتار المربعة منها على أكابر النظام السابق.
وكذلك عدم فحص حسابات الصناديق الخاصة لبعض الوزارات وعلى رأسها وزارة الداخلية التي كانت تحصل على نحو ملياري جنيه سنويا.
كما شملت التعليمات عدم تناول مخالفات كبار الشخصيات أو حسابات بعض الجهات التي توصف بأنها «سيادية ».
في المذكرة وقائع مثيرة أخرى تحتاج إلى تحقيق، بعضها يتعلق بتقاضي بعض الوزراء أموالا بغير وجه حق والبعض الآخر يتعلق بوقائع احتكار أحمد عز للحديد أو يتعلق بإجراءات الخصخصة التي ضيعت على الدولة مليارات الجنيهات .
معلوماتي أن التقارير التي كان يرسلها الجهاز إلى الجهات المعنية كانت « تصفى» حتى لا تتجاوز الخطوط الحمراء، أو تمس الأكابر.
ومنها ما كان يحجب ( كما كان يفعل الدكتور سرور في استجوابات مجلس الشعب)
ــ وبسبب المجاملات التي روعي فيها خاطر أركان النظام السابق ورئاسته، تم نقل تبعية الجهاز من مجلس الشعب إلى رئاسة الجمهورية.
ولهذا السبب ذاته كوفئ المستشار الملط بالتمديد له نحو 12 سنة. من ثَمَّ فلم يكن غريبا أن يقول صاحبنا في التقرير الذي قدمه إلى مجلس الشعب عن السنة المالية 2008 ما نصه:
إن السيد رئيس الجمهورية يتابع مع الوزراء والمحافظين وجميع المسؤولين بالدولة ما يتعلق بحياة الناس وتوفير الحياة الكريمة لأبناء مصر، والتركيز على مشكلات المواطنين. فالشغل الشاغل للرئيس هو حياة المواطن البسيط، والرئيس يصرح ويوجه ويتابع مع المسؤولين بالدولة كل ما يتعلق بحياة البسطاء والفقراء ومحدودي الدخل وما يستحقونه من حياة كريمة... إلخ .
كان يمكن السكوت على ذلك الكلام لو أن الرجل التزم الصمت ولم يقل إنه قام بما عليه في مواجهة فساد النظام السابق، لكن أما وقد تكلم فربما كان مناسبا أن نذكره بما تناساه أو نسيه .
إن من حقنا أن نسأله هو وأمثاله:
إذا كنتم قد نبهتم حقا إلى الفساد وقوبلت رسائلكم بالتجاهل، فلماذا لم يغضب أحد منكم مرة لكرامته أو كرامة البلد الذي كان ينهب تحت أعينكم؟
.......................
March 29, 2011
رسالة من "الفلول"
صحيفة الشرق القطريه الأربعاء 25 ربيع الاخر 1432 – 30 مارس 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
رسالة من "الفلول " – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_30.html
الرسالة ليست موجهة إلى مرشد الإخوان وحده، ولكنها مبعوثة إلى الكافة، خلاصتها أن صفحة جهاز أمن الدولة لم تطو بعد، وأن يد فلول الجهاز عصية على القطع، كما أنها مازالت طويلة وقادرة على الوصول إلى البيوت وغرف النوم والأوراق الخاصة .
القصة نشرتها الصحف التي صدرت أمس، وخلاصتها أن مرشد الإخوان الدكتور محمد بديع عاد من القاهرة إلى بيته في بني سويف، فاكتشف أن مجهولين اقتحموه في غيابه. وقاموا بسرقة ما لديه من أوراق ومستندات وأقراص مدمجة وفلاشة، كما أنهم عبثوا بمحتويات المنزل، إمعانا في إيصال الرسالة.
ومن التفاصيل يلاحظ المرء ما يلي :
< أن المنزل تم اقتحامه دون عنف. فلم يكسر باب أو نافذة، الأمر الذي يعني أن الذين دخلوا إليه استخدموا تقنية عالية. لا تتوافر لدى اللصوص العاديين، ويرجح أنها من التقنيات المعقدة التي تستخدمها الأجهزة الأمنية .
< أن الذين دخلوا إلى المنزل المكون من طابقين يعرفون خريطته جيدا، بما يعني أنهم ممن دخلوا إليه من قبل، ولأنه تعرض للتفتيش أكثر من مرة، فقد كان من اليسير توجيه الاتهام إلى عناصر أمن الدولة في المسؤولية عن الاقتحام. إذ هي من راقب غيابه عن البيت ثم دخلت إليه وهي مطمئنة. ووصلت إلى أوراقه بسهولة، وأرادت من خلال العبث بمحتوياته أن تترك توقيعها على ما جرى .
< الأمر الثالث المهم للغاية أن الذين اقتحموا البيت أرادوا توصيل الرسالة من خلال سرقة «نظيفة»، فلم تمتد أيديهم إلى شيء من محتوياته، التي كان بوسعهم أن يحملوا معهم بعضا منها.
إن شئت فقل إنهم أرادوها «زيارة عمل» مما اعتادوا القيام به في الماضي، حتى لا تكون هناك أي شبهة التباس تعطي انطباعا بأنها كانت جريمة سرقة .
هو إذن سطو سياسي، الدلالة فيه أهم وأخطر من الواقعة.
وإذ أشرت إلى مضمون الرسالة في الواقع التي أرادت إبلاغنا بأن الدنيا لم تتغير كما قد نظن، وأن «الفلول» مازالت مفتوحة الأعين وقادرة على العمل، وإذا كانت المسميات قد اختلفت فإن الوظيفة لم تختلف.
(ملحوظة: الفلول في المعاجم العربية هم المهزومون والمنكسرون، ومفردها فل، وكانت العرب تقول فل السيف بمعنى انكسر طرفه، والمفلول هو المنكسر ).
هذا الذي نقوله يظل من قبيل الترجيحات التي تشي بها القرائن المتوافرة . ورغم أن مرشد الإخوان اتهم عددا من ضباط أمن الدولة في محافظة بني سويف، ونشرت الصحف أسماءهم، فإننا ونحن نرجح نسبة الواقعة إلى عناصر الجهاز السابق أو فلوله، فإن ما جرى يستدعي عديدا من الأسئلة الحائرة التي تبحث عن إجابة، منها على سبيل المثال:
هل هؤلاء تصرفوا بدوافع نابعة منهم أم أنهم نفذوا توجيها ممن هم أعلى منهم؟
وهل لهم امتدادات أخرى في بقية المحافظات؟
وهل لهؤلاء علاقة بحوادث إحراق وثائق جهاز أمن الدولة وفتح السجون وإطلاق النار على متظاهري ثورة 25 يناير؟
وهل هم فلول الجهاز سيئ السمعة فقط أم أنهم تحركوا بتنسيق مع فلول الحزب الوطني سيئ الذكر؟
قبل أيام تحدث السيد محمد فائق رئيس لجنة تقصي حقائق مقتلة ميدان التحرير التي شكلها المجلس القومي لحقوق الإنسان عن أن الحزب الوطني كان له تنظيم سري شبه عسكري، عماده مجموعات البلطجية الذين كانوا يستخدمون لترويع المعارضين والمتظاهرين.
وهو الموضوع الذي لم ينل حظه من الاهتمام والتحقيق، فيما خص وجوده وأعضاءه وأنشطته خلال الثورة وبعدها .
هذه الخلفية تذكرني بحادثة الاعتداء بالضرب التي تعرض لها زميلنا الدكتور عبدالحليم قنديل قبل عدة سنوات «حدث ذلك أيضا مع زميلنا مصطفى شردي رحمه الله ومجدي حسين».
ذلك أنني وقتذاك سألت ضابطا كبيرا في جهاز أمن الدولة عن الموضوع، فقال لي إن الجهاز لا علاقة له بالواقعة.
وتصادف أنني أتيت على ذكر الموضوع في لقاء آخر مع أحد المطلعين على ما يجري وراء الكواليس، فأيد كلام ضابط أمن الدولة ثم أضاف أن الذين قاموا بالمهمة مجموعة تابعة لزكريا عزمي رئيس ديوان الرئيس السابق .
ليس عندي ما يؤيد هذا الكلام أو ينفيه، كما أنني لا أعرف ما إذا كانت المجموعة سابقة الذكر لها علاقة بالذين بعثوا إلينا رسالة التحذير والتخويف من بيت مرشد الإخوان في بني سويف.
لكن الذي أعرفه أن الأمر لا ينبغي أن يظل معلقا في الفضاء بأسئلته الحائرة والقلقة.
أدري أن الثورة تواجه تحديات جساما منذ قامت، لكنني أزعم أن هذا الملف ينبغي أن يضم إلى قائمة تلك التحديات .
.................
March 28, 2011
دعوة لاستعادة روح الثورة – المقال الاسبوعي
صحيفة الشرق القطريه الثلاثاء 24 ربيع الاخر 1432 – 29 مارس 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
دعوة لاستعادة روح الثورة – فهمي هويدي – المقال الاسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_29.html
ليس أمامنا خيار. فنحن لا نملك ترف استمرار الانقسام الذي ضرب الإجماع الوطني في مقتل.
وإذا لم تستثمر اللحظة التاريخية بمبادرة نستعيد بها روح ثورة 25 يناير، فإننا سنجهض بأيدينا الإنجاز الكبير الذي أعاد مصر إلى التاريخ.
(1)
ليست المشكلة أننا اختلفنا حول التعديلات الدستورية، فذلك أمر طبيعي ومفهوم.
ولكن المشكلة أننا فشلنا في إدارة ذلك الاختلاف من ناحية،
وأنه من ناحية ثانية تحول إلى خصومة أفضت إلى استقطاب شق الصف الوطني حتى كاد يجعل البلد الواحد بلدين، كل منهما غريب عن الآخر ومتنمر له. وهو المشهد الذي لو تآمر أبالسة الأرض لإخراجه لما أتقنوه بالصورة التي حدثت.
لقد دخلنا مصريين إلى ميدان التحرير بالقاهرة، وفعلها الملايين الذين خرجوا في أنحاء البلاد، حين جلجل صوتهم فى السماوات السبع وهم يطالبون بإسقاط النظام.
كان الصوت واحدا والأيدي متشابكة والكتل البشرية متلاحمة، ولكن ذلك كله انفرط بعد نجاح الثورة. إن شئت فقل إننا التقينا على مطلب رفض النظام القديم، لكننا تفرقنا عندما بدأنا خطوات تأسيس النظام الجديد. بما يعني أن الخطر وحدنا والبهجة فرقتنا.
كنا في ميدان التحرير وفي بقية الساحات أمة واحدة. لكننا صرنا بعد الاختيار الأولى أمما شتى.
كنا في الميدان مشغولين بالوطن ومهجوسين بحلم استعادته والنهوض به. لكننا صرنا بعد الاستفتاء مشغولين بالقبيلة والطائفة ومهجوسين بتصفية الحسابات والمرارات.
الوطنيون الذين كانوا تغيروا، أصبحوا ثوارا ومنتحلين، وعلمانيين وإسلاميين، وأقباطا ومسلمين، و«إخوانا» وسلفيين، ومعتدلين بين كل هؤلاء ومتطرفين.. إلخ.
تركنا الحلم ونسينا الوطن. اشتبكنا وتراشقنا فيما بيننا وصار كل منا يهون من شأن الآخر، فيلطخ وجهه ويمزق ثيابه، ويتمنى لو انشقت الأرض وابتلعته.
(2)
الذي يتابع تعليقات الصحف المصرية منذ بداية الأسبوع الحالي، يلاحظ أنها جميعا اشتركت في مناقشة حادث أبرزته صحيفة الأهرام (يوم الجمعة 25/3) وجعلت منه «مانشيت» الصفحة الأولى، وكانت عناوينه كما يلي:
جريمة نكراء بصعيد مصر ــ متطرفون يقيمون الحد على أحد المواطنين بقطع إذنه، والعلماء يبرئون الشريعة.
وفي الخبر أن نيابة قنا بدأت التحقيق في «حادث مروع يهتز له الضمير الإنساني» شهدته منذ أيام مدينة قنا بصعيد مصر. إذ اقتاد مجموعة من المتطرفين أحد المواطنين الأقباط لإقامة الحد عليه بقطع أذنيه وإحراق شقته وسيارته، عقابا له على اتهامهم له بإقامة علاقة آثمة مع فتاة سيئة السمعة، تقيم بشقة استأجرتها منه.
يوم الأحد 27/3 كان العنوان الرئيسي للصفحة الأولى من جريدة روزاليوسف كالتاليي:
دعوة إخوانية لإقامة الخلافة الإسلامية في مصر.
وتحت العنوان أن نائبا سابقا من كتلة الإخوان عن مدينة الإسماعيلية حضر حفل زفاف ابنة قيادي إخواني آخر، وألقى كلمة في المناسبة ذكر فيها أن إقامة الخلافة في مصر بداية لأستاذية العالم، بعد تأسيس البيت والمجتمع المسلم على طاعة الله ثم تشكيل الحكومة المسلمة.
في اليوم ذاته ــ الأحد 27/3 ــ صدرت صحيفة العربي الناطقة باسم الحزب الناصري صفحتها الأولى بعنوان كتب بحروف كبيرة على أرضية سوداء يقول:
مخاوف من صعود جماعات التكفير،
وسؤال المصير يطرح نفسه بقوة: دولة مدنية أم دولة دينية؟
وعلى إحدى الصفحات الداخلية مقال آخر تحت عنوان يتحدث عن أن «غزوة الصناديق أصابت قطار الثورة بالشلل».
قصة غزوة الصناديق باتت معروفة بعد أن مر عليها نحو أسبوعين، وخلاصتها أن أحد الدعاة السلفيين أبدى سروره بالتصويت لصالح التعديلات الدستورية بنسبة 77٪ واعتبر ذلك انتصارا للدين عبر عنه بطريقته وكأنه بذلك كان يرد على الذين قالوا إن معارضي التعديلات يسعون إلى إلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن دين الدولة هو الإسلام ومبادئ الشريعة مرجعية القانون. (في اليوم التالى اعتذر الرجل عما صدر عنه وقال إنه كان يمزح).
ملاحظاتي على هذه الوقائع التي تتابعت خلال الأيام الأخيرة هي: أنها صدرت عن أفراد. معتوه في قنا، وحالم في الإسماعيلية، وسلفي في الجيزة.
وأن عنصر الإثارة فيها شديد الوضوح. فالحادث البشع الذي وقع في قنا اعتبر إقامة للحد، علما بأنه ليس في شريعة الإسلام حد من ذلك القبيل. ولأن الذي قام به شخص أو عدة أشخاص ملتحين فإن التصرف أخذ على الفور بعدا دينيا، ولم يحمل باعتباره من قبيل المشاحنات الخشنة التي يحفل بها صعيد مصر حين يتعلق الأمر بالشرف.
وحين لا يكون هناك مثل ذلك الحد، وحين يحتمل أن يكون الدافع إليه غيرة على الشرف بأكثر منه احتكاما إلى الدين فليس مفهوما أن تتهور صحيفة رصينة كالأهرام وتجعل منه عنوانا رئيسيا للصفحة الأولى، في حين أن مكانه الطبيعى خبر في صفحة الحوادث، ليس إقلالا من بشاعة الجريمة ولكن لإعطائه حجمه الطبيعى، ولكي لا يتحول إلى مادة للتهييج والإثارة خصوصا أن المجني عليه قبطي.
هذه الممارسات الفردية حسبت بحسن نية أو بسوئها على التيار الإسلامي في مجمله، دون تمييز بين فصائله المعتدل منها والمتطرف والسلفي والوسطي.
حتى صاحبنا الذي تحدث عن الخلافة لم ينشر كلامه منسوبا إلى شخصه، ولكن عنوان الجريدة تحدث عن أنها دعوة إخوانية لإقامة الخلافة في مصر، هكذا مرة واحدة ــ وكانت النتيجة أن التعليقات التي تناولت هذه المواقف وضعت الجميع في سلة واحدة، الصالح مع الطالح والمعتوه مع العقلاء.
لم يقف الأمر عند حد المبالغة فى نشر وتعميم المعلومات السابقة، ولكن الصحف حولت هذه الآراء والمواقف إلى قضايا للمناقشة، استفتت فيها نفرا من المثقفين والشخصيات العامة، وأكثرهم كان جاهزا للصراخ والصياح بالصوت العالي، محذرين من المصيبة التي حدثت والكارثة التي تلوح في الأفق والمصير الأسود الذي يهدد الوطن.
موضوع الدولة المدنية والاختيار بينها وبين الدولة الدينية يطرح في هذا السياق، وكأننا فرغنا من كل ما بين أيدينا من مراحل سابقة ومشاكل عاجلة، ثم تعين علينا أن نقرر من الآن ما إذا كنا نريد دولة دينية أم مدنية، دون أن نتعرف على هوية وحقيقة هذه وتلك. ودون أن نعرف من يكون الوكيل الحصري لأى منهما،
وهل ما يصدر عنه آخر كلام فى الموضوع أم أنه يحتمل المراجعة والتصويب؟
الغريب في الأمر أننا بالكاد نحاول وضع أقدامنا على بداية طريق الدولة الديمقراطية التي يتساوى فيها البشر في الحقوق والواجبات. ويحتكم الجميع إلى صندوق الانتخاب، لتكون السلطة فيها للأكثر فوزا برضا الناس.
لكن البعض يلح من الآن على وضع شروط ومواصفات للدولة التي لم تولد. استباقا وسعيا إلى حسم ما هو نهائي قبل إنجاز ما هو مرحلي.
(3)
المشهد بهذه الصورة يعيد إنتاج أجواء النظام السابق. حين كان يعبئ الرأي العام ويشيع الخوف والترويع في مختلف الأوساط قبل أي مواجهة سياسية أو معركة انتخابية.
ولأن جهاز أمن الدولة اعتبر التيار الإسلامي والإخوان بوجه أخص هو العدو الاستراتيجي، فإن التعبئة الإعلامية المضادة كانت تعمد إلى استثارة العلمانيين وتخويف الأقباط وترويع عامة الناس من خطر التصويت أو إحسان الظن بذلك التيار على جملته.
في هذا الصدد لا مفر من الاعتراف بأن عدم وجود مجتمع مدني حقيقي في مصر، نابع من الناس ومعبر عنهم، أحدث فراغا في المجال العام تولى الإعلام ملأه عبر الصحف والتليفزيون ومواقع الإنترنت.
ولابد أن يثير انتباهنا ودهشتنا في ذات الوقت أنه في الوقت الذي كانت فيه كل تلك المنابر مسخرة لحث الناس على التصويت ضد التعديلات الدستورية، إلا أنها فشلت في توجيهها صوب الهدف الذي أرادته.
ولا تفسير لذلك سوى أن المناخ الذي أحاط بعملية الاستفتاء أفرز نوعا من الاستقطاب بين أنصار تأييد التعديلات ودعاة رفضها. وهذا الاستقطاب أسهمت فيه التعبئة الإعلامية بقسط معتبر، كما كان لدور المؤسسات الدينية نصيبها الأدنى منه.
ساعد على تنامي تلك الأدوار أن التعديلات لم تقدم إلى الناس فلم يتعرفوا على موضوعها. ولكنهم حددوا مواقفهم على أساس الشائعات التي ترددت حولها.
إذ قال لي بعض الأصدقاء في الصعيد إن الناس حين علموا أن الكنيسة الأرثوذكسية دعت رعاياها إلى رفض التعديلات، فإن أعدادا غير قليلة سارعت إلى تبني الموقف المعاكس وصوتت بنعم.
وحين تردد في بعض الدوائر أن الرافضين يبغون إلغاء المادة الثانية من الدستور، فإن أعدادا كبيرة أيدت التعديلات ليس قبولا بمضمونها ولكن دفاعا عن المادة الثانية.
كما أن أعدادا لا يستهان بها أيضا صوتت لصالح التعديلات ليس انحيازا إلى أي من المعسكرين المشتبكين ولكن أملا في أن يؤدي ذلك إلى إعادة الاستقرار إلى المجتمع الذي عانى من الانفلات والفوضى.
(4)
حين تعاركنا فإننا لم ننس الثورة وأهدافها فحسب، ولكننا استهلكنا طاقة المجتمع في التراشق وصرفناه عن الانتباه إلى التحديات الجسام التي تواجهه في سعيه لبناء النظام الجديد الذي ننشده.
آية ذلك مثلا أننا في حين ندعى إلى الجدل حول الدولة المدنية أو الدولة الدينية فإننا نصرف انتباه الناس عن أحد أهم متطلبات اللحظة الراهنة، التي تتمثل في إنقاذ البلد من الشلل الاقتصادي الذي يعاني منه، وإطلاق طاقات المجتمع لتدوير آلة الإنتاج بأقصى سرعة لتجنب كارثة اقتصادية تلوح في الأفق.
إن إعلامنا الذي يعبئ الناس للاحتراب الداخلي، لم يكترث بتوقف عجلة الإنتاج، ولم ينتبه إلى أن أسعار السلع الغذائية التي نعتمد على استيرادها بنسبة تزيد على 50٪ زادت في السوق العالمية بمعدلات مخيفة (الذرة 77٪ القمح 75٪ السكر 98٪ فول الصويا 41٪ الزيوت 47٪)
ــ في الوقت ذاته تراجعت بدرجات مختلفة إيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج وإيرادات السياحة وأنشطة المستثمرين الذين لم نكف عن تخويفهم أثناء أحداث الثورة وبعد نجاحها.
وإذا تذكرنا أننا نتحدث عن بلد منهوب وخزانة خاوية. فإن مواجهة هذا الوضع بما يبعد شبح الكارثة لها حل واحد:
أن نندفع إلى زيادة الإنتاج بكل ما نملك من قوة، كي نستعيد بعضا من العافية الاقتصادية التي تمكننا من الصمود واحتمال الضغوط الاقتصادية التي نتوقعها.
إن العقلاء الذين استعلوا فوق المرارات ولم يجرفهم تيار الانفعال والرغبة في الكيد مطالبون بأن يجلسوا سويا للبحث فى كيفية رد الاعتبار لروح 25 يناير وحول أولويات مسؤوليات المرحلة الدقيقة الراهنة، و
إذا لم يفعلوا ذلك فإنهم يخلون الساحة للمجانين والحمقى والمغرضين، الذين لا يقلون خطرا علينا من الثورة المضادة.
...................
March 27, 2011
"ثائر" من جنود فرعون
صحيفة الشرق القطريه الاثنين 23 ربيع الاخر 1432 – 28 مارس 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
" ثائر" من جنود فرعون – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_28.html
اكتشفنا أخيرا أن بعض جنود فرعون كانوا ثوارا ونحن لا نعلم،
صحيح أنهم تعلقوا بأهدابه وتقلبوا في بلاطه، وتغنوا بإنجازاته واستجابوا لنزواته ومكنوا لاستبداده، وباركوا شطحاته وحماقاته، لكنهم ظلوا يكظمون غيظهم ويكتمون استياءهم، وما أن سقط فرعون عن عرشه حتى أفشوا ما أخفوه إبان عشرين عاما، وخرجوا على الملأ قائلين إنهم عاشوا طوال تلك المدة يحدثون أنفسهم بالتمرد وينكرون المنكر بقلوبهم .
ليست هذه تخيلات أو افتراضات، ولكنها معلومات قرأناها في الأسبوع الماضي على لسان الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس برلمان مبارك طوال 21 عاما متصلة، في حوار ختمه بقوله إن ثورة 25 يناير كان يجب أن تقوم «لإحداث التغيير المطلوب نحو الأفضل ولحماية مصالح الشعب»، وذكر أنه مؤيد للثورة ومبادئها .
الحوار أجرته صحيفة المصري اليوم ونشر على ثلاث حلقات (أيام 24 و25 و26 مارس الحالي) قال فيه الدكتور سرور ما يلي:
المرحلة السابقة شابها بعض العيوب التي نبهت لها المسؤولين، لكنهم لم يستمعوا ولم يرتدعوا
ــ لم أكن شخصيا راضيا عن كثير من الأداء، بالنسبة للداخلية أو الحزب الوطني في الانتخابات، وشكوت وزير الداخلية لرئيس الجمهورية، ولم يفعل شيئا
ــ كنت ساخطا ولأنني كنت في الجانب المعارض، فإنهم لم يكونوا يخبرونني بما يجري
ــ الانتخابات التشريعية الأخيرة كانت غباء سياسيا والحكومة كانت تلتف على مطالب نواب الشعب من الأغلبية ومن المعارضة، والفساد كان كثيرا
ــ الرئيس مبارك هو المسؤول عن المادة 76 (التي قصرت الترشح للرئاسة من الناحية العملية على من يقدمه الحزب الوطني)
ــ لم أكن راضيا عن مضمون المادة 76 وكان دوري مقصورا على إدارة الجلسة التي مر فيها التعديل
ــ إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات كان صادما واعتبرته من قبيل الغباء السياسي أيضا
ــ كانت لي ملاحظات على المادة 76 وعلى المادة 179 الخاصة بالإرهاب لكنهم لم يوافقوني عليها
ــ أنا «قرفت» من المجلس الأخير لأن الانتخابات كانت غير مطمئنة
ــ بعض مشروعات القوانين كنت أفاجأ بها قادمة إلينا من الخارج لأن علاقة الرئيس بالحزب كانت أقوى بعلاقته بالمؤسسة التشريعية
ــ طالبت بإلغاء حالة الطوارئ لكني فوجئت بتمديدها فارتفع ضغطي ورقدت بالمستشفى لمدة 24 ساعة
ــ حدثت أزمة في المجلس بسبب قانون الاحتكار الذي أراد أحمد عز تعديله لصالح المحتكرين وضد رغبة وزير التجارة محمد رشيد، فشكوته إلى رئيس الجمهورية الذي اتصل هاتفيا بصفوت الشريف لحل الموضوع ولكن عز أصر على موقفه ونفذ رغبته
ــ حين شكلت لجنة فرعية لترتيب الاستجوابات واستبعدوا ما كان منها موجها إلى وزير الداخلية، رفضت تحمل المسؤولية وقلت « أنا مالي»
ــ أحمد عز تدخل حتى في تشكيل لجان المجلس وقلت إنني لن أكون مثل الأطرش في الزفة، لكنه نفذ ما أراده
ــ مجلس الشعب أدى دوره كاملا
ــ أنا بطبعي من النوع المقاتل، وقد بشرت بالثورة قبل قيامها بشهر تقريبا، إذ قلت في برنامج «مصر النهارده» 7 مرات «فيه حاجة غلط» ونبهت إلى أنني لست مستريحا إلى نتيجة الانتخابات .
هذه مقتطفات من كلام الدكتور سرور «المقاتل» الذي لم تعجبه التجاوزات والانحرافات ومع ذلك ظل في منصبه طوال 21 عاما متصلة، مرر فيها كل القوانين والتعديلات الدستورية سيئة السمعة،
وحجب مقترحات المستقلين (خلال البرلمان السابق قدموا 502 اقتراح لم يسمح إلا بمناقشة خمسة منها فقط ) ،
كما حجب أغلب تقارير جهاز المحاسبات، وأغلب الاستجوابات خصوصا ما تعلق منها بممارسات الأمن ونهب الأراضي،
ودوره مشهود في الالتفاف على تقرير لجنة تقصي حقائق مأساة العبارة التي قتل فيها أكثر من ألف مصري،
أما سكوته على تغلغل جهاز أمن الدولة في لجان المجلس ومتابعة كل أنشطته فحدث فيه ولا حرج .
ظل الدكتور سرور طوال 21 عاما رجل مبارك الذي لا غنى عنه، وذراع الحزب الوطني وأداته التشريعية ومايسترو التستر على الحكومة، وعلى التجاوزات الأمنية،
وخلال تلك المدة الأسوأ في تاريخ مصر ظل متشبثا بمقعده، لم يفكر لحظة في أن يغضب لكرامته أو لكرامة المجلس أو لكرامة الشعب الذي ظل يهان على يديه في كل دورة .
لقد عبر صاحبنا عن «قرفه» من مجلس الشعب الأخير الذي ترأسه، وليسمح لنا أن نشاطره ذات الشعور الآن، لسبب آخر مختلف تماما، أزعم أن كثيرين يؤيدونني فيه .
.....................
March 26, 2011
بعض الحزم مع القتلة
صحيفة الشرق القطريه الأحد 22 ربيع الاخر 1432 – 27 مارس 2011
بعض الحزم مع القتلة – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_27.html
النتائج التي توصلت إليها لجنة تقصي الحقائق في مقتلة ميدان التحرير تدعونا بشدة إلى تشكيل لجنة أخرى لمواصلة تقصي الحقائق وفك طلاسم ما جرى،
ذلك أن صحيفة «الشروق» نشرت في عنوانها الرئيسي يوم الخميس الماضي (24/3) أن لجنة تقصي الحقائق حائرة في فك لغز القناصة (الذين أطلقوا النار على المتظاهرين وقتلوا نحو 800 منهم)، وهو عنوان حين وقعت عليه قلت إن اللجنة شكلت كي تعرفنا بما لم نعرف، ومن ثم تبدد الحيرة التي انتابتنا بهذا الخصوص.
ولكن حين تغيب عنا أسابيع ثم تقول لنا بعدها إنها بدورها «حائرة» ــ مثلنا ــ فمعنى ذلك أن رحلة التقصي لم تبلغ مرادها وأن الحقائق لم تتكشف بعد.
لا أقول إن اللجنة لم تفعل شيئا، لأنها فعلت الكثير وانتهت إلى خلاصات مهمة. ولكن يبدو أن خلفيات المقتلة لا يزال يكتنفها الغموض، الذي لابد أن الفاعلين قصدوه وأرادوا به طمس الحقائق والتستر على مدبري الجريمة من أكابر القوم.
وإذا كانت اللجنة التابعة لمجلس حقوق الإنسان لم تضع أيديها على الحقائق، حيث تطلب الأمر جهدا آخر، إلا أنها وفرت لنا بعض المفاتيح التي يمكن أن تقود الباحثين إلى التعرف عليها.
التقرير الذي نشرته «الشروق» ذكر ما يلي:
أن اللجنة التي شكلت برئاسة السيد محمد فايق لم تتمكن حقا من حل لغز القناصة الذين اعتلوا بعض المباني لإطلاق الرصاص على ثوار 25 يناير، لكنها كشفت عن أن هؤلاء كانوا يحملون أسلحة متطورة للغاية، مزودة بالليزر الذي ظهر في العديد من تسجيلات الفيديو،
وقد أكد وزير الداخلية السابق محمود وجدي أن مثل هذه الأسلحة لا وجود لها عند الشرطة، لذلك فثمة أسئلة كثيرة مطروحة حول هوية هؤلاء القناصة والجهة التي يتبعونها.
من ناحية أخرى أكد التقرير مسؤولية كل من الرئيس السابق حسني مبارك ووزير الداخلية الأسبق عن قتل الثوار، باعتبار أن الاثنين يتقاسمان المسؤولية عما جرى، علما بأن رئيس الجمهورية هو رئيس المجلس الأعلى للشرطة،
كما حمَّل التقرير قيادات الحزب الوطني مسؤولية جرائم القتل والاعتداء على الثوار في ميدان التحرير، خاصة يوم 2 فبراير، فيما عرف إعلاميا بموقعة الجمل،
من المعلومات الخطيرة التي كشف عنها التقرير أيضا أن الحزب الوطني لم يكتف بإفساد الحياة السياسية، وإنما شكل أيضا تنظيما شبه سرى للقيام بأعمال البلطجة.
في الخبر المنشور أن لجنة تقصي الحقائق الأخرى التي شكلها مجلس الوزراء، والتي لم تنته من مهمتها بعد ذكرت بدورها أن إطلاق الرصاص كان يتم من أسلحة متطورة تطلق أكثر من رصاصة في الوقت ذاته، بما يعنى أنه يستهدف القتل وليس مجرد الإصابة.
أخشى أن تتوه حقيقة الأمر، وأن تنجح عمليات الطمس والتضليل التي لا أشك في أن أصابع المسؤولين عن الجريمة ليست بعيدة عنها، وقد سمعت من أكثر من خبير أن تحديد المسؤولين عن قتل المتظاهرين ليس أمرا عسيرا، ذلك أن تحديد أماكن ضرب النار يقود إلى تحديد الضابط المسؤول عن كل موقع، ومنه يمكن التعرف على الجهة التي أصدرت الأوامر بهذا الخصوص،
وقال لي أحد المطلعين إن أمر إطلاق النار على المتظاهرين أصدره جمال مبارك بعد أخذ موافقة أبيه. وإن الأسلحة المتطورة التي جرت الإشارة إليها لا وجود لها حقا لدى قوات وزارة الداخلية، ولكنها تتوافر لدى الحرس الجمهوري،
وإذا صح ذلك فهو يعني أن تهمة القتل تقترب من الرئيس السابق وابنه، فضلا عن وزير الداخلية بطبيعة الحال، والمهم في كل الأحوال هو إدراك الحقيقة وليس التسويف فيها وتمييعها سواء جراء تلاعب الأجهزة الأمنية أو بدعوى الحرج من إخضاع رؤوس النظام للمحاكمة.
لقد تم التعامل مع المتظاهرين والمعتصمين بحزم وشِدَّة، ونحن نريد ممارسة بعض ذلك الحزم مع الذين قتلوا زملاءهم وأسقطوا أكثر من 5 آلاف جريح ومصاب،
وللعلم فإن الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كاتساف حكم عليه بالسجن سبع سنوات بعد إدانته في جريمة اغتصاب بعض الموظفات، الأمر الذي يدعوني إلى التساؤل عن عدد السنوات التي يحكم بها على الرئيس المصري إذا ثبتت مسؤوليته عن قتل نحو 800 مواطن.
.................
March 25, 2011
أكذوبة الفلول المتربصة
أكذوبة الفلول المتربصة – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_26.html
ليس جحا وحده الذي أطلق أكذوبة وصدقها. نحن فعلنا ذلك رغم أننا لا نعرف بالضبط من الفاعل.
ذلك أننا استيقظنا ذات صباح على أخبار نشرتها بعض الصحف المصرية عن أن الحزب الوطني تم إحياؤه وإخراجه من العدم، أكثر من ذلك أنه عقد صفقة مع الإخوان، ضمن استعداد الطرفين لخوض الانتخابات التشريعية القادمة،
وانتشرت الشائعة لدرجة أن كثيرين تعاملوا معها على أنها حقيقة. بل إنها انطلت على بعض زملائنا حتى كتب أحدهم أن الطرفين أصبحا «يداً واحدة»،
وردد آخرون الفكرة حتى بدا وكأن ذلك هو شعار المرحلة القادمة، الذي صار بديلاً عن الهتاف الذي تردد إبان الثورة وتحدث عن أن الشعب والجيش يد واحدة.
ولم تمض أيام قليلة حتى تحولت القصة إلى مادة لسيل من التعليقات على شبكة الإنترنت، التي حفلت بالاستهجان والتخويف والتندر.
جحا كان ساذجا وعبيطا حين صدق أكذوبته، لكن الأمر ليس كذلك بالضرورة في الحالة التي نحن بصددها.
ذلك أنني لست واثقاً من دوافع الذين أطلقوا شائعة إحياء الحزب الوطني وروجوا لها. فلست أعرف على وجه الدقة ما إذا كانوا قد توهموا شيئاً من ذلك القبيل فتحدثوا به، أم أنهم اختلقوا القصة لمضاعفة جرعة التخويف من الإخوان، الذين اعتدنا على استخدامهم كفزاعة طول السنين التي خلت.
لكن الذي أعرفه جيداً أن المعلومة خرجت إلى النور وتم تداولها، وصارت منطلقاً لمواقف الذين أرادوا التدليل على تحرك الثورة المضادة أو تصفية حسابات البعض مع الإخوان.
لست في وارد الحديث عن فزاعة الإخوان، ليس فقط لأنهم أولى بذلك الحديث، ولكن لأننا ألفنا ذلك العفريت، وعرفنا طبعه وحدوده.
لكني معني بفزاعة الحزب الوطني لأنني أزعم أن الكذب فيها أوضح وأصرح. على الأقل فالإخوان حقيقة في حين الحزب الوطني وهم.
إلى جانب أن الإخوان جماعة لها مشروع أما الحزب الوطني فهو يضم جماعة منتفعين في المقام الأول، والتمسك بالسلطة واستثمارها هو المشروع الحقيقي للذين التحقوا به فضلاً عن الذين قادوه.
لقد سقطت الشيوعية حقاً مع انهيار الاتحاد السوفييتي، لكن الأحزاب الشيوعية مازالت موجودة لأن لها أيديولوجية نتفق معها أو نختلف،
أما الحزب الوطني فليس لدى أهله ما يدافعون عنه سوى السلطة التي خرج الحزب من عباءتها. وهذه السلطة انهارت في مصر ولا سبيل إلى عودتها. خصوصا في ظل الفضائح المروعة التي نسبت إلى أركانها، ولا تزال حقائقها تتكشف ــ وتصدم الناس ــ يوماً بعد يوم.
إنهم يتحدثون عن «فلول» الحزب الوطني. وتشير الأصابع في هذا السياق إلى عدد غير قليل من رجال الأعمال الذين موّلوا أنشطة الحزب،
لكن هؤلاء أنفسهم هم الذين تسابقوا على نهب البلد وامتصاص دمائه.
وإذا استثنينا عدداً لا يجاوز أصابع اليد الواحدة ممن شاركوا في الحزب من باب الوجاهة الاجتماعية والسياسية، فإننا لا نبالغ إذا قلنا إنه في سمته الغالب كان تنظيماً عصابياً بأكثر منه تنظيم سياسي.
صحيح أن تلك «الفلول» لا تملك سوى سلاح المال، حيث لا فكر لديها ولا يحزنون، وقد يخطر على بال البعض أنهم يمكن أن يستخدموه إما لترشيح أنفسهم أو ترشيح من يمثلهم في الانتخابات القادمة.
لكن هذه الحجة مردودة من وجهين؛
الأول أن الحزب الوطني ساءت سمعته لدرجة أن أحداً لا يجرؤ أن يترشح عنه أو يوحي بأنه ينتسب إليه.
الوجه الثاني والأهم الذي ينساه كثيرون هو أن المواطن المصري تغير، فأصبح أوعى وأشد جرأة وأكثر إحساساً بعزته وكرامته.
أعني أنه لم يعد ذلك الساذج الذي ينساق وراء الكلام المعسول واللافتات البراقة. ولا بقي ذلك المنكسر والملهوف الذي يمكن شراء صوته ببضعة جنيهات.
لا أدعي أن الـ84 مليون نسمة صاروا كذلك، ولكنني أزعم مما أراه حولي أن ما أقوله ينطبق على الأغلبية الساحقة من المصريين.
إنني أتوقع أن يفضح على الفور أمر كل من يحاول أن يشتري الأصوات أو أن يتخفى وراء الشعارات البراقة ليخدع الناس. ذلك أن الأعين باتت مفتوحة للغاية على جميع الممارسات التي تسيء إلى الثورة أو تخدش نبلها ونقاءها. وأصابع الشباب التي ترصد كل شيء عبر فيس بوك وتويتر كفيلة بهذه المهمة.
إننا إذا استعدنا ثقتنا في مواطن ما بعد الثورة فلن تخيفنا فزاعة فلول الحزب الوطني، ولا حتى فزاعة الإخوان.
وليتنا نستثمر طاقاتنا وأوقاتنا فيما هو أجدى وأنفع، بحيث نشحذ الهمم ونحشد الخلق لكي نعيد إلى المجتمع عافيته ونستخرج منه أفضل ما فيه، بدلاً من أن نلوح له بالعفاريت والفزاعات التي تشيع بين جنباته البلبلة والخوف.
................
March 23, 2011
عن غزوة الصناديق
صحيفة الشرق القطريه الخميس 19 ربيع الاخر 1432 – 24 مارس 2011
عن غزوة الصناديق - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_24.html
من الآن فصاعدًا ينبغي أن نهيئ أنفسنا لاستقبال واحتمال ما لا يعجبنا من أفكار ومواقف.
حيث ينبغي أن يكون معلوما للكافة أننا طالما ارتضينا أن نفتح الأبواب لرياح الحرية والديمقراطية، فسنخطئ كثيرا إذا توقعنا أن نسمع أو نشهد فقط ما نحبه وما يعجبنا من أفكار ومواقف.
إذ أزعم أن المعيار الحقيقي للالتزام بقيم الحرية والديمقراطية لا يقاس بمقدار حفاوتنا بما يعجبنا من أفكار، ولكنه يقاس بمقدار احتمالنا لما نرفضه ونكرهه أيضا.
لقد وجدت أن استدعاء هذه الخلفية مهم قبل مناقشة الخبر الذي أبرزته الصحف أمس عن قيام أحد الدعاة السلفيين بإلقاء خطبة في حي إمبابة احتفى فيها بتأييد أغلبية المصريين للاستفتاء على تعديلات الدستور، وهو ما اعتبره صاحبنا انتصارا فيما أسماه «غزوة الصناديق».
وقد تم تسجيل ذلك المقطع من الخطبة ووضعه على «اليوتيوب». مرفقا بعبارات أخرى من قبيل قوله إن الناس قالت نعم للدين، وإن تلك كلمة الشعب المصري، ومن لا يقبل بها فهو حر. وسنقول له مع السلامة خصوصا أن أمثال هؤلاء لديهم تأشيرات للولايات المتحدة وكندا.
هذا الكلام الذي شاهده كثيرون واستفز كثيرين وأخافهم، كما أنه أثار عاصفة من التعليقات التي كان بعضها منددا والبعض الآخر ساخرا.
سئلت في الموضوع فقدمت لرأيي بما ذكرته توا من أن تلك ضريبة الانتقال إلى الحرية والديمقراطية، وقلت إن لي رأيا مسجلا في التحفظ على الفكر السلفي ورفض آرائه. وعدم الاطمئنان إلى بعضها. كما أن لدي شكوكا أعلنتها عن اختراق الأجهزة الأمنية لمثل هذه الجماعات.
قلت أيضا إن رفضنا لذلك الفكر لا ينبغي أن يدعونا إلى إقصائه، لا هو ولا غيره طالما أن ممارسات دعاته تتم في حدود القانون ـ
وإذا جاز لنا أن نحترم وجوده ومنابره، فلا سبيل إلى التصدي له إلا بفكر آخر ينازله ويصوبه. مدركين أنه لم ينتشر في مصر إلا في ظل ظروف الفراغ التي خيمت في ظل النظام السابق.
قلت كذلك إننا ينبغي في ظل مناخ الحرية السائد أن نتوقع أفكارا عديدة متنوعة، بعضها شاذ وبعضها سوي.
ومن مسؤولية المؤسسات الدينية الرسمية على الأقل أن تدافع عن الفكر السوي لتحصين الأجيال الجديدة ضد الأفكار الشاذة والمتطرفة. وينبغي ألا نصدم أو نقلق لظهور تلك الأفكار. طالما أنها تشيع في دوائر محدودة الحجم والفاعلية.
بالتالي فإن المجتمع يصبح آمنا وبخير طالما أن جسمه الأساسي منحاز إلى الوسطية ومتمسك بها.
في هذا الصدد ذكرت أن مثل تلك الأفكار الشاذة والمتطرفة موجودة في كل الدول الديمقراطية، فهي موجودة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان. وهذا الذي سمعناه من بعض الدعاة السلفيين يتردد أضعافه وما هو أكثر شذوذا منه في تلك البلدان، ولكنه لا يؤخذ على محمل الجد، إلا من جانب بعض البسطاء أو المهووسين والمتطرفين.
ما يحدث في عالم الأفكار ينبغي أن نتوقعه فيما يتعلق بالأحزاب. ذلك أن إطلاق تأسيس الأحزاب بمجرد إخطار الجهات المختصة سيؤدي إلى ظهور عشرات الأحزاب الجديدة. وهو ما لا ينبغي أن يقلقنا أيضا لأن الصورة سوف تتغير بمضي الوقت ولن يبقى من العشرات إلا ما يقبل به المجتمع ويلتف حوله.
وللعلم فإنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية تأسس في اليابان 400 حزب جرت تصفيتها بمضي الوقت بحيث لم يعد يبقى منها الآن سوى 12 حزبا فقط. والأغلبية تلتف حول حزبين رئيسيين هما: الوطني الديمقراطي والليبرالي.
إن تعدد الأفكار وكذلك تعدد الأحزاب ينبغي ألا يصدمنا في شيء. لكن أكثر ما يزعجني هو التعامل الإعلامي مع تلك الظواهر الشاذة، لأنني لاحظت أن إعلام الإثارة يسلط أضواء قوية عليها بصورة غير مسؤولة تعطيها أكثر من حجمها، الأمر الذي يشوه الصورة الحقيقية ويشيع درجات متفاوتة من الذعر والتخويف من جراء ذلك.
والطريقة التي نشر بها أمس خبر خطبة الداعية السلفي في مسجد إمبابة تشهد بذلك. بل إن إحدى الصحف نشرت رسما كاريكاتوريا أمس ظهر فيه اسم مصر ولحية تطوق حرف الميم وكأن السلفيين صبغوا البلاد بصبغتهم.
إن المشكلة ليست في خطاب السلفيين فحسب، ولكنها أيضا في الإعلام غير المسؤول وسلوك دعاة الإثارة والمتصيدين.
.....................
March 22, 2011
هل نغير الشعوب؟
صحيفة الشرق القطريه الأربعاء 18 ربيع الاخر 1432 – 23 مارس 2011
هل نغير الشعوب؟ - فهمي هويدي
لأننا حديثو عهد بالممارسة الديمقراطية فإن بعضنا تصور أن الخلاف السياسي مقدمة للقطيعة والخصومة التي تنتهي بالتكفير السياسي.
علما بأنه في السياسة ــ كما في الدين ــ فإن الاختلاف في الرأي لا يعني بالضرورة أن طرفا مخطئا والآخر مصيبا، ولكن قد يكون الاثنان على صواب ولكن بين الناس من فضل صواب على آخر.
في هذا السياق فإننا نستشهد في تعزيز هذه الفكرة بتعدد المذاهب الإسلامية، ونعتبر ذلك دليلا على أن الصواب له أكثر من باب.
ومعلوم أن المجتهد في الدين إذا أخطأ فله أجر وإذا أصاب فله أجران.
ولئن جاز كل ذلك في أمور الدين فهو أجوز في شؤون الدنيا.
أقول ذلك وفي ذهني أصداء التعليقات التي ترددت في مصر عقب إعلان نتائج الاستفتاء على تعديلات الدستور، التي كان بعضها امتدادا للتراشق الذي حدث في الأيام الأخيرة التي سبقت التصويت على التعديلات.
أعنى حين تحول الحوار حول التعديل إلى اشتباك بين أنصاره ومعارضيه. وخلال ذلك الاشتباك تم تبادل الاتهامات بين الطرفين، الذي تجاوز نقد الأفكار والمواقف إلى تجريح الأشخاص أو الفئات التي تدافع عنها. رغم أننا نفهم أن موضوع الخلاف الأساسي هو أي الطرق أفضل لبناء الدولة الديمقراطية في مصر، وهو ما وصف بأنه خلاف في الوسائل وليس في الغايات.
هذه الرؤية لم تتبلور بعد في خطاب النخبة المصرية على الأقل. ولن أتحدث عن أصداء ما جرى في أوساط بعض غلاة الناشطين، الذين اتسمت تعليقاتهم عبر الإنترنت بدرجات متفاوتة من الشطط والتجاوز التي لا تدعو فقط إلى المفاصلة والخصومة، ولكنها وصفت ما جرى بأنه تواطؤ وتجارة بدم الشهداء!
أوساط عقلاء النخبة ــ عدا استثناءات بسيطة ــ تعاملت مع نتائج الاستفتاء الذي أيدت فيه الأغلبية الكبيرة التعديلات الدستورية كالتالي:
أذاعوا أن التصويت لصالح التعديلات تم بناء على العوامل الأيديولوجية، في إشارة إلى أن الإسلاميين استخدموا الدين في اللعبة السياسية واعتبروا التصويت لصالح التعديلات «واجبا شرعيا».
وحين تبين أن نسبة المؤيدين 77٪ فإنهم سارعوا إلى إثارة الفزع بين الأقباط وأعداد غير قليلة من المسلمين بدعوى أن الأصوليين قادمون، الأمر الذى استدعى إلى الذاكرة تجارب وخبرات تقلق المواطن العادي، على رأسها نظام طالبان في أفغانستان.
في الوقت ذاته، وجه أولئك العقلاء نقدهم إلى الجماهير التي سلمت قيادها إلى الدعاة، وكانت النتيجة أنهم أساءوا الاختيار وأيدوا التعديلات التي كان يتعين عليهم أن يرفضوها.
حين يدقق المرء في هذه الرسائل يلاحظ عدة أمور.
أولها أنها عمدت إلى التغليط والتعميم اللذين يتعذر افتراض حسن النية فيهما. إذ ليس دقيقا أن الناس صوتوا لصالح التعديلات انطلاقا من العوامل الأيديولوجية. لأن ثمة قرائن كثيرة تدل على أن نسبة معتبرة من المصوتين كانوا مشغولين بقضية الاستقرار، بعدما أقلقهم استمرار الاعتصامات والاضرابات.
كما أنه ليس صحيحا أن كل الذين صوتوا لصالح التعديلات ينتمون إلى التيار الإسلامى، وإنما كان منهم ليبراليون وقوميون ويساريون انحازوا إليها لسبب أو آخر. في الوقت ذاته فإن الذين تحدثوا بين الإسلاميين عن الواجب الشرعي كانوا قلة استثنائية.
أزعم أن تأثيرها بين الناس كان أضعف من تأثير توجيهات الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية اللتين نصحتا أتباعهما برفض التعديلات.
لابد أن نلاحظ أيضا ــ وهذه نقطة ثانية ــ أن اتهام الناس بأنهم انساقوا وراء الدعاة الذين وعدوهم بالجنة إذا قالوا «نعم». يعبر عن استخفاف بأولئك الناس وتسفيه لوعيهم. وهو يتضمن رسالة مبطنة تقول:
لو كان الناس عندنا أرقى وأفضل وأذكى مما هم عليه، لاختلف موقفهم وانضموا إلى الذين قالوا لا.
وإذا أردنا أن نترجم هذه الرسالة فسنجد أنها تدعو في نهاية المطاف إلى تغيير الناس لكي يتوافقوا مع النخبة، في حين أن النخبة هي التي ينبغي أن تراجع نفسها لكي تصبح أصدق تعبيرا عن ضمير المجتمع وأشواق الناس.
من ناحية ثالثة فإن إطلاق مثل هذه الدعاوى الآن ــ بعد إعلان النتائج ــ لا يشكك فقط في ثقة النخبة في المجتمع، ولكنه يشكك أيضا في موقفهم إزاء الديمقراطية التي يقبلون بها فقط إذا ناسبت هواهم والتقت مع أفكارهم، وهي الديمقراطية الانتقائية التي تبطن شكلا آخر من أشكال الديكتاتورية.
........................
فهمي هويدي's Blog
- فهمي هويدي's profile
- 1314 followers
