فهمي هويدي's Blog, page 194
May 7, 2011
فهمونا يا جماعة
صحيفة الشرق القطريه الأحد 5 جمادي الاخره 1432 – 8 مايو 2011
فهمونا يا جماعة – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/05/blog-post_08.html
إذا صح أن أطرافا داخلية وأخرى خارجية تقف وراء عمليات الانفلات الأمني والبلطجة التي تحدث في مصر الآن مستهدفة زعزعة الاستقرار وتقزيم البلد، فمن حقنا أن نعرف على وجه الدقة من تكون تلك الأطراف.
وما كان لي أن أطرح هذا السؤال لولا أن الذي نسب إليه الكلام هو عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة اللواء مختار الملا، وقد نشرته صحيفة «المصري اليوم» يوم الخميس الماضي 5/5، في تقريرها عن أولى ندوات المجلس العسكري التي أطلقت لمناقشة موضوع «مصر الديمقراطية»، وكان عنوان حلقة الحوار الذي أداره اللواء الملا هو: الأمن وآليات تحقيقه في الظروف الراهنة.
صحيح أن من تقاليد خطابنا الإعلامي الذي خبرناه في ظل النظام السابق أن ينسب كل اضطراب في البلد إلى «قلة مندسة» وإلى «أصابع خارجية»، كما أن ذلك الخطاب دأب على الادعاء في كل مناسبة بأن «مصر مستهدفة»، دون أن يقال لنا على ماذا حسدوا مصر، وقتذاك، ولا من هم أولئك الحساد في تلك المرحلة.
كانت الرسالة الموجهة إلى الملا تقول ما خلاصته إن الجبهة الداخلية مستقرة وكله تمام، إلا أن عدو الداخل الإستراتيجي هو الإخوان المسلمون أما عدو الخارج فقد كان الثلاثي: حماس وحزب الله وإيران. أما العدو الإستراتيجي المتمثل في إسرائيل فقد كان من الناحية العملية حليفا إستراتيجيا. بقدر ما أن الرئيس السابق كان كنزا إستراتيجيا لإسرائيل، كما ذكر الوزير الإسرائيلي بن أليعازر.
إذ نفترض أن الوضع اختلف الآن، بحيث أصبح النظام الجديد أكثر أمانة وشفافية. فإنه لم يعد يكفي ــ ولا يشفي ــ أن يقال لنا على لسان عضو في المجلس العسكري إن ثمة جهات داخلية تسعى لإثارة الفوضى والانفلات الأمني في البلد، وإن هناك جهات أخرى خارجية حريصة على ذلك وساعية إلى تقزيم مصر وإضعاف دورها.
وحتى لا يحال الأمر إلى مجهول، أو يحمل على الخبرة السابقة التي شهدناها في عصر مبارك. فقد بات مهما للغاية، ومفيدا أيضا، أن نعرف ما إذا كان «الأعداء» المفترضون في الأمس هم أنفسهم الأعداء المرشحون اليوم أم ماذا؟
ربما كان الشق الخاص بالداخل أكثر وضوحا من وضع الخارج. أعني أنه الأقرب إلى الأذهان الآن أن يكون الطرف المستفيد من إشاعة الفوضى في الداخل هم بالدرجة الأولى أنصار النظام السابق والمسؤولون عن جرائمه من بين ضباط أمن الدولة، والهاربون من السجون الذين ربما انضموا إلى عصابات البلطجة التي أنعشتها الأجواء الراهنة ووفرت لها فرصة لبسط النفوذ ونهب الأرض وابتزاز الأهالي. ولا يستطيع المرء أن يخفي حيرته إزاء الأسئلة التي يثيرها هذا الجانب.
وإذ يفترض أن أركان النظام السابق أصبحوا رهن الاعتقال، فإن السؤال عن دور «لفلولهم» يظل واردا، كما أن التساؤل عن هوية مواقع تلك الفلول يصبح ملحا. ثم إن هناك سيلا من الأسئلة التي تثار حول دور الشرطة وبقايا جهاز أمن الدولة السابق. صحيح أن الوضع الأمني تحسن نسبيا لكن من الصعب القول بأن الأمن مستقر تماما، في ظل ما نسمعه كل يوم عن أعمال البلطجة في أنحاء البلاد، والاضطرابات التي تحدث في السجون جراء محاولة هروب نزلائها وجرأتهم على رجال الشرطة
وهو ما يفسر بأحد احتمالات ثلاثة.
إما أن تكون وزارة الداخلية الحالية غير قادرة على حفظ الأمن. وفي هذه الحالة ينبغي أن يتولاها من هو قادر على النهوض بالمهمة.
أو أن بعض القيادات الأمنية متقاعسة عن أداء دورها لأسباب تتعلق إما بخبراتها أو ارتباطاتها السابقة، وهو ما ينبغي أن يعامل بما يستحقه من حزم.
وإما أن الإخلال بالأمن لم يقابل بالردع الكافي، رغم أن الوضع القانوني يسمح الآن بالوصول بالعقوبة في هذه الحالة إلى الإعدام. وهو ما يعني أن الأمر ينبغي أن يؤخذ على محمل الشدة والجد.
خلاصة الكلام في هذا الشق أن مصطلح «الفلول» ينبغي أن يحرر ولا يطلق هكذا في الفضاء الإعلامي والسياسي مجهلا، حتى تتضح الصورة في الأذهان، ويتعرف الرأي العام على موطن الداء ومصدر البلاء. المطلب ذاته نطرحه فيما يتعلق بالقوى الخارجية الساعية إلى تقزيم مصر، ذلك أنه لم يعد ينطلي علينا الادعاء بأن حماس وحزب الله وإيران لهم مصلحة في إشاعة الفوضى أو انهيار الوضع في مصر، لأن خصومة تلك الأطراف كانت مع النظام السابق. ومصر العفية الغيورة على كرامتها واستقلالها أقرب إليها من «مصر مبارك».
وليس سرا أن في مقدمة الأطراف التي تضررت من الوضع الجديد ولم تكن سعيدة به دولتان هما الولايات المتحدة وإسرائيل. إذ الأولى فوجئت به والثانية صدمت فيه وتوجست منه. فهل هذا ما قصده اللواء الملا في إشارته إلى الأطراف الخارجية التي تريد تقزيم مصر. وهل هناك طرف ثالث لا نعرفه ولا نراه
ــ الشعب يريد أن يفهم.
...................
May 4, 2011
ما أنكره وما التبس
ما أنكره وما التبس – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/05/blog-post_5040.html
تعليق السيد عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح على ما كتبته في هذا المكان تحت عنوان «سقط مبارك ونجحت المصالحة»، لا يفسر إلا بأحد أمرين: إما أن الرجل لم يكن جادا فيما قاله، أو أنه افترض أن القارئ بلا ذاكرة.
ففي مقاله الذي نشرته له صحيفة «الشروق» يوم الخميس الماضي (5/5) أراد أن يقنعنا بأربعة أمور:
الأول أن المصالحة لم تكن مفاجئة، وأن الجديد هو توافر إرادة إنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية.الثاني أن مصر في العهد السابق لم تكن منحازة لا للرئيس أبو مازن أو للسلطة في رام الله.الثالث أن الرئيس الفلسطيني وقع على ورقة المصالحة متحديا بذلك ضغوط الولايات المتحدة وإسرائيل.الرابع أن حركة حماس وقعت على الورقة المصرية بعد سنة ونصف السنة دون تعديل أو إضافة، وأن التفاهمات التي تم الاتفاق أخيرا لم تغيِّر شيئا فيما ورد بالورقة الأصلية.
رغم أن مجرد ذكر النقاط الأربع يكفي بحد ذاته في التدليل على عدم جديتها، ومن ثم يغنينا عن مناقشتها والرد عليها، إلا أنني سأذّكر فقط بعدة أمور غائبة عنه أو أنه حرص على تغييبها،
فهو حين يرى أن الجديد في الاتفاق الأخير هو أن الإرادة الفلسطينية توافرت، في غمز غير مباشر في الأطراف الأخرى التي تحفظت على الورقة ورفضت توقيعها في مرحلة سابقة، فإنه تجاهل أهم المتغيرات التي حدثت في المنطقة العربية، وعلى رأسها سقوط نظام الرئيس مبارك، الذي قاد معسكر «الاعتدال»، الموالي للولايات المتحدة وإسرائيل، والراعي العربي الأهم للسيد أبو مازن والسلطة الفلسطينية في رام الله،
وهو تجاهل أيضا الدوي الذي أحدثه صوت الشعوب العربية التي هتفت «الشعب يريد إسقاط النظام»، وهو ما دفع الشعب الفلسطيني إلى الخروج في تظاهرات رددت النداء «الشعب يريد إنهاء الانقسام».
السيد عزام الأحمد تجاهل أيضا أن السيد أبو مازن تخلى عن عناده وقبل بتحفظات حركة حماس، لأنه يريد لم الشمل الفلسطيني، ليس حبا في المصالحة التي تجاهلها في الاحتفال بتوقيعها، ولكن لأنه يريد الذهاب إلى نيويورك في شهر سبتمبر القادم ليطلب من الجمعية العامة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد حرص على الذهاب إلى هناك من مركز قوة نسبية، ووراءه صف فلسطيني موحد، باعتبار أن الانقسام يضعفه في هذه الحالة.
نسي صاحبنا أيضا أو تناسى أن النظام السابق وقف إلى جانب قيادة فتح والسلطة ليس في مفاوضات المصالحة فحسب، وإنما أيضا في حصار غزة وملاحقة عناصر حماس الذين كانت عناصر السلطة تتولى الإرشاد عنهم عند معبر رفح، ناهيك عن أن نظام مبارك كان يقف في مربع سياسي واحد مع السيد أبو مازن وضد حماس، والوثائق التي بثتها قناة الجزيرة قبل ثلاثة أشهر، إذ فضحت أسرار المفاوضات التي دارت خلال السنوات الأخيرة بين ممثلي السلطة وبين الإسرائيليين والأمريكيين كاشفة ليس فقط عن انحياز النظام المصري السابق لأبو مازن وجماعته، ولكن أيضا عن المدى الذي بلغه انبطاح قيادة السلطة واستسلامهما المهين لرغبات الولايات وإسرائيل، وهما الجهتان اللتان زعم السيد الأحمد أن أبو مازن تحدى الضغوط التي مارستاها، ولا أريد أن أنكأ ذلك الجرح لكنني فقط أدعوه إلى قراءة هادئة لتلك الوثائق، لكي يدرك إلى أي مدى تجني على الحقيقة وأهدر المعلومات الموثقة فيما عبر عنه في رده.
أما الغريب والمدهش حقا، فهو ادعاء السيد الأحمد أن التفاهمات التي تم الاتفاق عليها أخيرا لم تغير شيئا مما ورد في الورقة المصرية، في حين أن أي باحث جاد إذا ما أتيح له أن يطلع على نص التفاهمات، سيدرك على الفور أنها تضمنت جميع التحفظات التي أبدتها حماس على الورقة المصرية، التي سبق رفضها طوال الثمانية عشر شهرا الماضية، وهي التي قبلت بها قيادة السلطة أخيرا، وأقرت بأنها ملزمة لها عند تطبيق الورقة المصرية. وللعلم فإن موضوع تفعيل المجلس التشريعي الذي فازت حماس بأغلبيته لم يكن مذكورا في الورقة المصرية، ولكن نصت عليه التفاهمات الأخيرة.
لقد ذكر السيد الأحمد أن التفاهمات لم تغير شيئا في مضمون الورقة المصرية لأنها ركزت على كيفية تنفيذ بنودها وتلك نقطة ملتبسة ذكرت نصف الحقيقة أو ربعها. ففي الورقة حديث عن تولى رئيس السلطة إصدار القرارات الخاصة بتشكيل لجنة الانتخابات ومحكمة الانتخابات واللجنة العليا للأمن، لكن التفاهمات قيدت من سلطة الرئيس واشترطت أن يتم كل ذلك بالتوافق.
بمعنى أن أي تشكيل تعترض عليه حماس لا يتم والعكس صحيح، فكيف يدعي صاحبنا بأنه لا تغيير في الأمر، وأن 18 شهرا ضاعت على المصالحة بلا جدوى؟
...................
مصالحة أخرى مطلوبة
مصالحة أخرى مطلوبة – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/05/blog-post_05.html
بعد أن تمت المصالحة بين حركة فتح وحماس، لا أعرف من الذي يمكن أن يتوسط لإنجاز المصالحة بين الإعلام المصري والفلسطينيين.
ذلك أن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن الإعلام المصري شن حملة واسعة ضدهم في ظل النظام السابق. ونجح في تشويه إدراك قطاعات عريضة من الجماهير وإحداث وقيعة بين الشعبين عبأت كثيرين بمشاعر السخط والنفور. وهذه المشاعر السلبية لاحقت الفلسطينيين الذين يفدون إلى مصر أو يقيمون ويدرسون فيها.
ولدي رسائل عديدة من فلسطينيين اشتكوا من سوء معاملتهم في مطار القاهرة ومعبر رفح، ومنهم من كتب إليّ متمنيا أن يعاملوا في رفح بمثل معاملة الإسرائيليين في طابا. وانتابني شعور بالخزي حين سمعت من بعض الطلاب الفلسطينيين الذين يدرسون في الجامعات المصرية أنهم أصبحوا يخفون هوياتهم ولا يعلنون عن انتمائهم حتى لا يتعرضوا لما لا يحبون من تجريح وإساءة من جانب بعض زملائهم المصريين.
أما الذي لم أفهمه ولم أتخيله فهو التعذيب الذي ظل يتعرض له الفلسطينيون الذين يوقعهم حظهم العاثر في أيدي أجهزة الأمن المصرية لسبب أو لآخر. ولدي قصة رجل قد قضى 12 سنة في سجون إسرائيل ثم أمضى شهرا في أحد السجون المصرية، لكنه لا يزال يعتبر اليوم الواحد في السجن المصري أقسى عليه وأشد وطأة من كل السنوات التي قضاها في السجون الإسرائيلية.
ذلك كله ما كان له أن يحدث لولا المتغير الذي طرأ على السياسة المصرية في عهد مبارك. وبمقتضاه غضبت القاهرة على منظمات المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، ثم تحول الغضب إلى عداء بعد تولي حماس السلطة في غزة في عام 2007.
على الصعيد الإعلامي، أجج المشاعر ضد الفلسطينيين عامة وحركة حماس بوجه أخص إعلاميون مصريون يتوزعون على ثلاث فئات.
الأولى ضمت ما يمكن أن نسميه اللوبي الإسرائيلي في الصحافة المصرية، الذي ضم كتابا وصحفيين تعلقوا بفكرة السلام مع إسرائيل، وانخرطوا في أنشطة عبرت عن التعاطف مع الموقف الإسرائيلي.
الثانية ضمت أبواقا للسلطة المصرية وجهاز أمن الدولة في وسائل الإعلام المختلفة قاموا بهذه المهمة وتولوا تصفية حسابات القاهرة مع حركة حماس.
الفئة الثالثة ضمت صحفيين استخدمتهم بعض عناصر السلطة الفلسطينية وقيادة جهازها الأمني لتشويه صورة حماس والكيد لها وإشاعة الأخبار التي تشحن الرأي العام المصري ضدها، للضغط عليها وإحكام الحصار من حولها.
سواء كان موقف النظام السابق في مصر المعادي لحركة حماس امتدادا لموقفه من حركة الإخوان المسلمين في الداخل، أو أنه كان تعبيرا عن التضامن مع الموقفين الإسرائيلي والأمريكي. فالشاهد أن الإعلام قام بدوره في إيغار صدور المصريين ونفورهم من فلسطينيي غزة في كل مناسبة، وانسحب ذلك على عموم الفلسطينيين بمضي الوقت.
إذ صورهم الإعلام بحسبانهم خطرا يهدد أمن مصر القومي، فتارة يحذر من أن حماس بصدد إقامة «إمارة إسلامية» مدعومة من إيران، الأمر الذي يمدد نفوذ طهران إلى حدود مصر. وتارة يقال إنهم يسعون إلى إثارة الفوضى والأعمال التخريبية في البلاد، وفي حين ثالث يروج الإعلام للادعاء بأنهم يتطلعون إلى الزحف على سيناء والاستيطان فيها.
التعبئة الإعلامية المضادة للفلسطينيين بلغت ذروتها في ثلاث حالات بوجه أخص، هي:
حين ضاق أهل غزة بالحصار وحاولوا كسره واجتياز بوابة رفح بالقوة
ــ وحين قتلت رصاصة طائشة أحد الجنود المصريين من حراس الحدود
ــ وحين أقيم السور العازل بين سيناء والقطاع بحجة قطع الطريق على الأنفاق وإبطال مفعولها في التواصل بين الجانبين.
في هذه الحالات، وفي غيرها بطبيعة الحال، قام الإعلام بدوره في تخويف المصريين من خطر «الاجتياح» الفلسطيني وتعمد قتل المصريين وقيل في تبرير إقامة السور العازل إنه لمنع وصول «المخربين» وتهريب السلاح إلى داخل مصر.
هذه اللغة لا تزال مستمرة في الإعلام المصري وإن بدرجة أخف، حيث لا يزال «محور الشر» في خطابنا الإعلامي يضم الثلاثي: حماس وحزب الله وإيران. وهو أمر لا يخلو من منطق، ذلك أن التطبيع مع إسرائيل كان يقتضي القطيعة مع خصومها التقليديين.
لذلك فيبدو أن المعادلة كلها باتت بحاجة إلى إعادة نظر، بأكثر من حاجتها إلى وسيط لتحقيق المصالحة المرجوة.
...................
May 3, 2011
استنساخ بن لادن
صحيفة الشرق القطريه الأربعاء 1 جمادي الاخره 1432 – 4 مايو 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
استنساخ بن لادن – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/05/blog-post_04.html
من المصادفات ذات الدلالة أن يختفي أسامة بن لادن الذي كان رمزا لفكرة التغيير بالعنف المسلح في ذات الوقت الذي يتجه فيه العالم العربي إلى محاولة إحداث التغيير بالوسائل السلمية والديموقراطية ــ إذ في حين لم ينجح بن لادن في تغيير شيء في العالم العربي والإسلامي فإن الجماهير العزلاء نجحت في تحقيق ذلك التغيير في بلدين عربيين على الأقل، هما تونس ومصر، وهي مازالت «تجاهد» لبلوغ ذات الهدف في سوريا واليمن .
لست أعني أننا انتقلنا من طور إلى طور، وأن صفحة ما سمي بالإرهاب طويت
بمقتل بن لادن، لكنني أقول إن وعي الجماهير العربية نضج بصورة نسبية، بحيث
لم يعد نهج التغيير المسلح مقنعا لها، حتى الجماعات «الجهادية» التي تبنت
ذلك الفكر وانطلقت منه في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي راجعت
موقفها وأعادت النظر في سياساتها، وانحازت أخيرا إلى محاولة التغيير
السلمي والديموقراطي، إذ أدركت أنها دفعت ثمنا باهظا للغاية ولم تتقدم
خطوة واحدة باتجاه الهدف الذي كانت تنشده
.
هل يعني ذلك أن مشروع بن لادن مات بموته، وأن العالم أصبح أكثر أمانا
الآن، كما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما؟ إجابتي بالنفي لسببين
جوهريين هما: أن الرجل قتل بعد أن وجدت دعوته صداها في أكثر من منطقة في
العالم العربي والإسلامي، حيث تحولت القاعدة من فكره مرتبطة بشخصه إلى نهج
ارتضته بعض المجموعات الراديكالية، التي لم تكن لها بالضرورة صلة بالرجل
أو بتنظيمه، السبب الثاني أن المظالم التي توجه ضد الجماهير المستضعفة
كثيرا ما تمارس من خلال قمع لا سبيل إلى رده إلا بعنف مقابل
.
إننا كثيرا ما نحصر اهتمامنا بممارسات التطرف أو الإرهاب، لكننا نتجاهل في
أغلب الأحيان الظروف البيئية التي أفرزت المتطرفين أو الإرهابيين، لست
أدعو إلى غض الطرف أو تبرير تلك الممارسات بطبيعة الحال، لكني أزعم أن
تحري البيئة التي أفرزتها وعلاج ما فيها من ثغرات هو الوسيلة الأنجح في
محاصرة الإرهاب والقضاء عليه.
وأذهب في هذا الصدد إلى أن ثمة تعمدا في تجاهل عنصر «البيئة» لأن تسليط الضوء عليه يعني مباشرة كشف مظالم الأنظمة التي تسحق الناس وتحولهم إلى قنابل غاضبة تمشي على الأرض، ومرشحة للانفجار في أي لحظة .
نموذج إسرائيل يفرض نفسه مباشرة على السياق في اللحظة الراهنة، ذلك أنه من
غرائب عالم السياسة وأعاجيبه، ومن سخريات القدر أيضا، ألا تذكر جرائم
إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني ضمن العمليات الإرهابية، بل إن توصف مقاومة
الاحتلال والاغتصاب الإسرائيليين بأنها هي الإرهاب!
من المفارقات أيضا أن الأنظمة المستبدة في العالم العربي، التي لم تتوقف عن إرهاب شعوبها يوما ما، استخدمت أجواء الحرب ضد الإرهاب لتصفية معارضيها ومضاعفة قمع شعوبها، وهي ذاتها الأنظمة التي تتحدى مظاهرات شعوبها التي خرجت هذه الأيام وهي عزلاء في تظاهرات سلمية تطالب بتغيير يحفظ لها كرامتها ويوقف الإهانات والانتهاكات التي تتعرض لها .
لقد كان ظهور بن لادن استجابة لظرف تاريخي، كانت التدخلات الأمريكية
والسياسات القمعية المحلية من أبرز عناوينه، لكن الجديد في المشهد العربي
أن فكرة التغيير السلمي أصبحت نموذجا مطروحا في الساحة، لكنها لم تتجذر
بعد لسبب جوهري هو أن الأنظمة المعنية قابلت الدعوات السلمية بعنف نشهده
الآن في ليبيا واليمن وسوريا، بل إن هذه الأنظمة استخدمت ميليشيات مسلحة
لم تختلف كثيرا عن تنظيم القاعدة، في تحدي إرادة الشعوب وسحقها. وقد سميت
كتائب القذافي بليبيا، والبلاطجة في اليمن، والشبيحة في سوريا. وكلهم من
جنس واحد اختلفت مسمياته
.
إن مقتل بن لادن لن يغير كثيرا من خرائط الواقع، لأن استمرار ظلم الأنظمة
المستبدة سيرشح لنا آخرين يستنسخون الرجل، فيرفعون رايته ويسيرون على
دربه. وأخشى أن تصبح فكرة التغيير السلمي بواسطة الجماهير في تونس ومصر،
استثناء تاريخيا لا يقاس عليه، علما بأن الأصوليين يعتبرون أن الاستثناء
لا حكم له
.
إن ممارسات بعض القادة العرب الآن لا تختلف كثيرا عما فعله بن لادن، فهو
قتل الأمريكيين وهم قتلوا شعوبهم، لكن الفرق الأساسي أن بن لادن كان زاهدا
في الدنيا وعيناه معلقتان بآخرته،
أما أولئك القادة فلم يشبعوا لا من السلطة ولا من الثروة، وتملكتهم الدنيا طول الوقت .
..................
May 2, 2011
استدعاء المجتمع واجب الوقت – المقال الاسبوعي
صحيفة الشرق القطريه الثلاثاء 30 جمادي الاولى 1432 – 3 مايو 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
استدعاء المجتمع واجب الوقت – فهمي هويدي – المقال الاسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/05/blog-post_03.html
رأينا الشعب المصري مستنفرا بكل قوته لهدم نظام مبارك، لكننا لم نلمس حضوره المرتجى في إقامة النظام الجديد، لذلك فإن استبعاد مبارك إذا لم يترتب عليه استدعاء المجتمع لكي ينهض بما عليه في إقامة النظام البديل، فمعنى ذلك أن الهدف الأهم لثورة 25 يناير لم يتحقق بعد.
(1)
قرأت في صحف الأسبوع الماضي أن نحو مليون ونصف المليون شخص تطوعوا للمشاركة في حملة لتنظيف مرافق مدينة موسكو، بزيادة قدرها 280 ألفا مقارنة بحملة مماثلة نظمت في العام الماضي، زرعت فيها 2300 شجرة وعشرة آلاف شجيرة. وتم إصلاح 9 آلاف متر من القار (الزفت).
ورسمت خطوط جديدة على طرق بطول 52 كيلو مترا و251 معبر مشاة. إلى جانب غسل واجهات 21 ألف مبنى، وحملات النظافة هذه تنظم سنويا في مختلف البلاد، حيث يتم تنظيف المدن وجمع القمامة وغسل الطرق، استعدادا لأعياد الربيع.
توازى ذلك مع حدث آخر له دلالته البالغة وقع في الهند. ذلك أن ناشطا عمره 73 عاما (كان جنديا متقاعدا) اسمه غانديان انا هازاري قاد حملة لمكافحة الفساد المستشري جذبت عشرات الألوف من الهنود من جميع أنحاء البلاد.
بدأت الحملة بإضراب مفتوح عن الطعام قام به هازاري، الذي طالب الحكومة بإعداد مشروع قانون لإنشاء مكتب المظالم الاتحادية تصوغه لجنة من المواطنين والسياسيين، على أن يعرض على البرلمان الهندي في أول جلسة له. وشاركته في إضرابه عن الطعام أعداد غفيرة من المواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية، وهؤلاء وقعوا على طلبات لدعم قضيته، حيث انضم إلى الحملة 4 ملايين شخص على المواقع الإعلامية، وتم إرسال أكثر من 40 مليون رسالة نصية دعما له.
تحدى الرجل الحكومة على أعلى مستوى، واتسع نطاق مؤيديه حتى أن كبار رجال العصابات في السجون تعهدوا برفض وجبات الطعام داخل السجن حتى تستجيب الحكومة لمطالب هازاري.
كان لصاحبنا سجله الحافل في محاولة مكافحة الفساد. وقد قام في السابق بعدة إضرابات عن الطعام لذات الغرض. ويعزى إليه الفضل في استقالة أربعة وزراء في حكومة ولاية مهاراشترا مسقط رأسه، وفصل أكثر من 400 موظف مدني في الحكومة اشتبه في تورطهم بقضايا فساد.
الحملة الأخيرة التي شنها هازاري استمرت مائة ساعة ظل الرجل خلالها مضربا عن الطعام، وقد شكلت ضغطا قويا على الحكومة اضطرها إلى الإعلان عن تشكيل لجنة من عشرة من الناشطين في المجتمع المدني، كان هو أحدهم، عهد إليها بصياغة مشروع مكافحة الفساد الجديد.
هذا الذي حدث في روسيا والهند له مثيله في الدول الديمقراطية التي يسمع فيها صوت المجتمع عاليا، بما يفتح الأبواب واسعة للمشاركات والمبادرات الشعبية التي باتت في بلادنا مجرد ومضات تلمع في الأفق تشكل استثناء على حالة السكون المجتمعي المخيمة.
(2)
قبل أيام قليلة (في 14/4) كتبت في زاويتي اليومية بصحيفة «الشروق» تعليقات تحت عنوان «في أن المصريين هم الحل»، تعرضت فيه لتجربتين لجهود التنمية الذاتية في قريتين مصريتين هما ميت حوامىي في محافظة الغربية وكفر العرب بمحافظة دمياط.
الناس في الأولى قرروا أن ينهضوا بالقرية ويتحملوا مسؤولية توفير خدمات تنميتها من جانبهم، وفي الثانية نجح الخبراء في تصنيع علف الماشية من البواقي الزراعية، التي توفر احتياجاتهم بما يغنيهم عن الاعتماد على العلف المستورد. وهي الخطوة التي أنقذت اقتصاد القرية من الانهيار، حيث اضطر أصحاب الماشية إلى التخلص منها بعد ارتفاع أسعار العلف، الأمر الذي هدد إنتاج القرية من الألبان والأجبان بالتوقف.
أردت بذلك الاستعراض أن ألفت الانتباه إلى بعض نماذج التنمية الذاتية التي يتعين التعويل عليها للنهوض بالمجتمع المصري، والتي تعتمد على الخبرات والخامات والأيدي العاملة المحلية لتشغيل دورة الإنتاج وإعادة الحيوية إلى القرى المصرية.
وما دفعني إلى التنويه إلى ذلك أنني شهدت مناقشة موسعة مع عدد من رجال الاقتصاد والسياسة حول الوضع الاقتصادي في مصر، ركزت فيه أغلب التعليقات على ضرورة توجيه الاهتمام إلى تشجيع السياحة والاستثمارات الأجنبية. لكنني قلت ما خلاصته إننا يجب أن نجذب الشعب المصري ونحوله إلى طاقة إنتاجية وفاعلة، قبل أن نتوجه إلى السياح أو الاستثمارات الأجنبية، راجيا أن نتحسس مواقع أقدامنا أولا قبل أن نمد أبصارنا بعيدا، ونحاول العبور إلى الشاطئ الآخر.
بعد ذلك بأيام قليلة، (يوم الثلاثاء الماضي 26/4) كتبت مقالا تحت عنوان «في أن التقشف هو الحل»، وكان ذلك بمناسبة سفر رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف في جولته الخليجية. التي تمت عقب زيارة قام بها وزير الاقتصاد المصري الدكتور سمير رضوان إلى واشنطن لمناقشة إمكانية إعفاء مصر من بعض الديون مع ممثلي صندوق النقد الدولي،
وفيما أعلن فإن موضوع الاستثمار في مصر كان من الموضوعات التي بحثها رئيس الوزراء أثناء جولته. وكنت قد تمنيت أن يتم التفكير في التعاطي المحلي مع الأزمة الاقتصادية، قبل اللجوء إلى العون الخارجي أيا كانت نوعيته. وفي هذا الصدد دعوت أولا إلى مصارحة الرأي العام بحقائق الوضع الاقتصادي الذي كان متدهورا قبل ثورة 25 يناير، ثم ازدادت أزمته وتعمقت بعد الثورة. كما دعوت ثانيا إلى إعلان إجراءات التقشف. تتحمل فيها السلطة مسؤوليتها في ظلها، بحيث ترشد إنفاقها وتضم الصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة لكي تستعيد نحو 21 مليار دولار كانت نموذجا للمال السايب الذي يعلم الناس السرقة.
وبعد أن تقدم الحكومة النموذج وتضرب المثل في التقشف الذي تلجأ إليه أي دولة محترمة إذا ما واجهت أوضاعا اقتصادية متأزمة، كما هو الحاصل الآن في أوروبا. فلها بعد ذلك أن تدعو الجماهير لأن تحذو حذوها وتشد الأحزمة على البطون، وأشرت إلى أمرين محددين هما تعليق العمرة والحج المتكرر هذا العام (الذي يحمل الموازنة 2 مليار جنيه من العملات الصعبة سنويا) ــ وترشيد استهلاك القمح الذي تعد مصر أكبر مستورد له في العام، كما أن استهلاك المواطن المصري منه أعلى معدل في العالم أيضا (نصيب الفرد في مصر 130 كيلو جراما في العام بينما في الدول النامية يتراوح بين 60 و70 كيلو جراما).
(3)
لا أشك في أن أهل الاقتصاد والتخطيط لديهم الكثير الذي يمكن أن يطرحوه في هذا الصدد، سواء فيما خص تقشف الحكومة أو تقشف الجماهير وترشيد استهلاكها، لكن الأمر ليس سهلا، إذ تستطيع الحكومة بواسطة القرارات والإجراءات أن تتعامل مع خطتها للتقشف، لكن الأمر أكثر صعوبة فيما يتعلق بدور المجتمع لسبب جوهري يتمثل في تغييب قيمة المشاركة، وافتقاد المجتمع إلى الأوعية التي يمكن أن تستوعب طاقات الناس وتعبئها في الاتجاه الصحيح لبلوغ الهدف المنشود. وما أعنيه بالأوعية هو منظمات المجتمع المدني التي تبشر بالرسالة وتقنع الناس بجدواها، وتستنهض الهمم لصالح التنمية الذاتية أو التقشف.
جدير بالذكر في هذا الصدد أنه في غيبة السياسة ومصادرة المشاركة ــ قبل 25 يناير ــ كان جهاز أمن السلطة هو الذي يتحكم في مفاتيح العلاقة بين السلطة والمجتمع، وكان هناك كثيرون يقومون بما «يلزم» في التعامل مع أي مشكلة مجتمعية. إلى جانب أن الجهاز كان يداوم الاتصال بالأحزاب القائمة وقتذاك. وفي الوقت الراهن نلاحظ أن الشرطة العسكرية أصبحت تتحمل مسؤولية النهوض بما كان يقوم به جهاز أمن الدولة سابقا في هذا المجال.
حدث ذلك في مشكلة قنا، حيث خرج الناس للتظاهر في قلب المدينة ثم أوقفوا حركة القطارات المتجهة إلى جنوب الصعيد، الأمر الذي أصاب بالشلل حركة الاتصالات وفي جنوب الوادي. حدث ذلك أيضا في قرية «صول» بمحافظة الجيزة التي وقع فيها الاعتداء على الكنيسة. إذ في الحالتين قامت الشرطة العسكرية بالسيطرة على الموقف. كما أنها استدعت اثنين من رموز التيار السلفي لتهدئة الجماهير وامتصاص انفعالاتهم. وما كان مثيرا للانتباه أن الأحزاب الشرعية التي تشكلت في ظل النظام السابق غابت تماما عن المشهد، الأمر الذي بدا كاشفا لوزن تلك الأحزاب ومدى حضورها (غيابها إن شئت الدقة) في الشارع المصري.
لم تكن تلك هي الملاحظة الوحيدة، لأن الذين غابوا في هاتين الحالتين ظل حضورهم قويا على شاشات التلفزيون. الأمر الذي يسوغ لي أن أقول إن الأحزاب السياسية التقليدية في مصر هي في حقيقة الأمر ظاهرة تلفزيونية، أو ظاهرة صوتية كما يقال. رغم أن قادتها لا يكفون عن الصياح في كل مناسبة مطالبين بإثبات الحضور في المناسبات والوجاهات السياسية، وهذا الذي نقوله بخصوص الأحزاب السياسية يكاد يسري بذات القدر على النقابات المهنية والعمالية.
(4)
الأمر يبدو معقدا من هذه الزاوية. بمعنى أن استدعاء المجتمع وتفعيله لكي يقوم بدوره في بناء النظام الجديد يتطلب توافر حالة من التعبئة والاحتشاد تقودها مؤسسات المجتمع المدني. وتلك المؤسسات لا تشكل وتنتعش إلا في مناخ من الحرية والديمقراطية الذي، يوفر للجماهير فرصة الاجتماع والانتخاب الحرة ويكفل لها حقوق المشاركة والإبداع والمساءلة.
وهذه المؤسسات هي الرافعة التي لا غنى عنها في محاولة النهوض بالبلد وإقامة النظام الجديد على أسس راسخة وقوية. وهي الخلفية التي تقودنا إلى معادلة خلاصتها أن التنمية الاقتصادية لا تتحقق إلا في ظل تنمية سياسية ترسخ قيمة المشاركة في المجتمع.
إننا بحاجة لبذل جهد كبير لكي تحول جماهير ما بعد 25 يناير من رعايا إلى مواطنين ومن منتظرين إلى مشاركين ومبادرين
..................
April 30, 2011
ماذا يريد السلفيون؟
صحيفة الشرق القطريه الاثنين 29 جمادي الاولى 1432 – 2 مايو 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
ماذا يريد السلفيون؟ – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/05/blog-post_1.html
احترنا مع السلفيين بحيث لم نعد نعرف ماذا يريدون بالضبط، ولا ما هي نسبة الحقيقة أو الزيف والادعاء فيما ينسب إليهم؟
كما أننا لم نعد نعرف ما إذا كان الصحيح الذي ينسب إليهم يعبر عنهم في مجموعهم أم أنه ممارسات أفراد أو فصيل بينهم، وهل هم حقا تشكيل واحد أم فصائل متعددة بعضها في الإسكندرية والبعض الآخر في القاهرة، في حين أن ثمة بعضا ثالثا في صعيد مصر؟
رأيت أعدادا غفيرة منهم يوم الجمعة الماضي ترفع لافتات تتحدث عن السيدة
كاميليا شحاتة، القبطية التي أثير لغط حول تحولها إلى الإسلام ثم عودتها
إلى المسيحية ثم اختفائها بعد ذلك.
وتواترت أنباء الصحف التي تحدثت عن نزاعهم مع وزارة الأوقاف حول منبر مسجد «النور» الذي يصرون على أن يكون خطيب الجمعة فيه من جماعتهم.
كما ذكرت الصحف أن سلفيين قاموا بهدم بعض الأضرحة في محافظتين بالدلتا، بحجة أنها بِدَع يتعين إزالتها .
أما الشائعات المثارة حولهم فحدث فيها ولا حرج. فتارة هم يريدون تطبيق
الحدود الشرعية من جانبهم، واخترع الإعلام أن ثمة «حدًا» يقضي بقطع
الآذان، وأن حادث الاعتداء الذي أصيبت به أذن أحد الأقباط في قنا له
أسبابه الأخلاقية هو جزء من ظاهرة وصفها بعض المهيجين بأنها حملة لتقطيع
آذان الأقباط.
وأشيع في وقت متزامن أن السلفيين سيخطفون الفتيات غير المحجبات من الشوارع وينقلوهن إلى أماكن مجهولة لإعادة «تأهيلهن». كما أشيع أنهم هم الذين حركوا الجماهير في محافظة قنا للاحتجاج على تعيين محافظ قبطي لها... إلخ .
أدري أن مثل هذه الشائعات يروج لها المهيجون والمتصيدون والمتعصبون، لكن
الصورة التي قدمت بها ممارستهم في وسائل الإعلام أشاعت انطباعات سلبية
عنهم سمحت بتسويق ذلك الكلام. ولأنه لا دخان بغير نار، فما كان لتلك
الشائعات أن يصدقها الناس لولا أن ممارسات بعض السلفيين التي رأوها
بأعينهم على شاشات التلفزيون مثلا جاءت مشجعة على ذلك
.
لم أفهم تدخل السلفيين بالشكل الحاصل الآن في ملف كاميليا شحاتة، رغم أن
اختفاء مواطنة مصرية أمر يخص الأجهزة الأمنية ويتعلق بأعمال القانون وهيبة
الدولة.
وقد أقبل أن يقدم بلاغ إلى النائب العام بذلك سواء من السلفيين أو إحدى منظمات حقوق الإنسان للكشف عن حقيقة الأمر.
كما أفهم أن تتحرى الأجهزة الأمنية المسألة وأن تحل اللغز. لكن ما أستغربه أن تصبح القضية شاغلا أساسيا للسلفيين دون غيرهم. وأن تنطلق تظاهراتهم طوال الأسبوع لهذا الغرض، وأن يهددوا بالزحف على الكاتدرائية القبطية لأجل ذلك. إذ إن موقفهم ذاك يشكل عدوانا على حق الدولة في تأمين مواطنيها،
كما أنه يسهم في تعميق الفتنة الطائفية في المناخ الراهن، ناهيك عن أنه يربك الرأي العام ويصرفه عن تحديات أكبر تواجه الوطن في الوقت الراهن الذي يفترض أن تحشد فيه الجهود لصالح تأسيس النظام الجديد .
لم أفهم أيضا الإشكال الذي أثاروه بمطالبتهم باحتكار منبر المسجد بدعوى أن
جمعية «الهداية» هي التي بنته وأن وزارة الأوقاف استولت عليه. وهي
بالمناسبة معلومة غير دقيقة لأن الحكومة من خلال شركة المقاولين العرب هي
التي أكملت بناءه وقامت بتشطيبه وحولته إلى تحفة معمارية مميزة. فضلا عن
أنني لا أعرف أن أحدا يمكن أن يدعي أنه يملك مسجدا، حيث المساجد لله في
نهاية المطاف. ثم إنني أستغرب المشاحنة واستخدام القوة في اعتلاء منبر أي
مسجد، وتحدي وزارة الأوقاف في هذا الصدد
.
أيضا فإن موضوع هدم الأضرحة، الذي نعرف أنه يشغل غلاة السلفيين في حين أن
آخرين تجاوزوه ونسوه، دليل آخر على أن إخواننا هؤلاء غير واعين لا بواقع
المجتمع المصري المتدين بطبيعته، وغير مدركين لشيء من أولويات تأسيس
النظام الجديد في مصر
.
لقد دعوت من قبل إلى احترام حق السلفيين في الوجود، لكنهم مدعوون الآن
وبشدة إلى احترام النظام العام والقانون، وإلى النظر بعقل واع وأعين
مفتوحة إلى طبيعة واستحقاقات المرحلة التي يمر بها الوطن. وإذا كان هناك
من يتصيد لهم ويشوه صورتهم فلا مفر من الاعتراف بأنهم من يقدم لهؤلاء
«
الطُّعم» الذي يمكنهم من بلوغ مرادهم
.
إن ممارسات السلفيين قدمت لنا أسوأ ما لديهم وليس أفضله مما شوه مشروعهم
الذي التبس علينا أمره، لذلك فإنني أتمنى أن يقدموا أنفسهم بحسبانهم إضافة
إلى الوطن وليس تخويفا لأهله وخصما من رصيده وإجهاضا لحلمه
.
..................
سقط مبارك ونجحت المصالحة
صحيفة الشرق القطريه الأحد 28 جمادي الاولى 1432 – 1 مايو 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
سقط مبارك ونجحت المصالحة – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/05/blog-post.html
هل هناك علاقة بين سقوط نظام مبارك وبين الاتفاق على إنهاء الانقسام الفلسطيني بين حركة فتح وحماس؟
هذا السؤال تثيره المفاجأة التي تحققت في الأسبوع الماضي، حين التقى في القاهرة بغير ترتيب معلن وفدان يمثلان الحركتين الأكبر في الساحة الفلسطينية، لمناقشة موضوع المصالحة المعلق والمتعثر منذ نحو ثلاث سنوات.
وخلال اجتماع استمر ساعتين فقط تم التفاهم بين الجانبين حول النقاط الخلافية. واتفق على دعوة ممثلي الفصائل الفلسطينية، بمن فيهم محمود عباس وخالد مشعل لتوقيع الاتفاق في القاهرة يوم الأربعاء المقبل. بما ينهي الانقسام ويفتح الأبواب لبدء صفحة جديدة في المسيرة الفلسطينية .
السؤال الكبير الذي يستدعيه هذا الموقف هو:
ما الذي حدث حتى تم الاتفاق بهذه السرعة على التفاهمات التي ظلت محل جدل وأخذ ورد طوال السنوات الثلاث السابقة؟
في حدود معلوماتي فإن تغيير النظام المصري كان أحد العوامل التي أسهمت في تحقيق التفاهم بين الطرفين لكنه لم يكن العامل الوحيد.
إذ ليس صحيحا ما عبر عنه الخطاب السياسي والإعلامي المصري طوال السنوات التي خلت من أن القاهرة كانت تقف على مسافة واحدة بين حركة فتح وحماس.
وليس سرا أن الرئيس السابق كان منحازا بالكامل إلى جانب أبو مازن، ودائم الاستياء والامتعاض من حركة حماس.
وأن السيد عمر سليمان الذي عهد إليه بملف المصالحة كان متبنيا لموقف رئيسه بالكامل. وللرجل دوره المشهود في إحكام حصار غزة.
أما وزير الخارجية السابق السيد أحمد أبو الغيط فإن تصريحاته المستفزة تجاه الوضع في غزة بل تجاه الفلسطينيين عموما، كانت عاكسة لذلك التوجه .
أما لماذا ظل مبارك رافضا لحماس ومتحاملا عليها طوال الوقت؟
فهناك عدة أسباب تفسر ذلك.
منها موقفه الرافض والمتشكك في كل حركة إسلامية، وهو ما كان واضحا في موقفه من الإخوان في مصر. وكان لديه اقتناع بأن حماس والإخوان يمثلون خطرا أمنيا على نظامه.
وبالتالي فقد كان حريصا على ألا يكون لمصر أية جسور مع الأولى (حتى هذه اللحظة لا يزال أعضاء حركة حماس ممنوعين من الدخول عبر معبر رفح). وكل من وقع منهم في أيدي الأجهزة الأمنية في مصر تم اعتقاله وتعرض لصنوف من التعذيب، يقول الذين أفرج عنهم أخيرا إنها أقسى بكثير مما عرفوه في السجون الإسرائيلية .
وإلى جانب موقفه الشخصي فإن الرئيس السابق الذي صنف على رأس معسكر
«
الاعتدال» كان أكثر تجاوبا مع الضغوط الأمريكية والإسرائيلية الرافضة
لحركة حماس والمتوجسة من المصالحة بينها وبين حركة فتح.
وسمعت من أحد الصحفيين الذين رافقوا مبارك في بعض سفراته أنه قال أكثر من مرة إن استمرار الاشتباك بين حماس وفتح يشغلها عن الساحة المصرية ويسهم في استقرار البلد.
ولأن الأمر كذلك فإن نظام الرئيس السابق ظل طوال الوقت ضاغطا على حركة المقاومة التي تمثلها «حماس» مع الجهاد الإسلامي لصالح الرئيس أبو مازن «ومتجاوبا» مع الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما تغير بالكلية أخيرا .
وبسقوط نظام مبارك فقد أبو مازن حليفه وسنده الأكبر (ليس الأوحد بطبيعة
الحال) في ذات الوقت أدرك الرجل أن الولايات المتحدة لم تعد مشغولة به ولا
مستعدة لمساعدته، سواء بسبب دخول الرئيس أوباما في طور الإعداد لولايته
الثانية وحرصه على كسب «اللوبي» الإسرائيلي، أو بسبب انصراف اهتمام
الإدارة الأمريكية بالحاصل في العالم العربي.
وظلت إسرائيل هي الرابح الأكبر، لأنها انتهزت الفرصة وواصلت التوسع في استيطانها وتضييق الخناق على الفلسطينيين داخل أراضيها، كما أنها لم تتوقف عن قمع الفلسطينيين في الضفة والإغارة على غزة.
وإذا أضفت إلى ذلك الشقوق والتمزقات التي ظهرت في صفوف حركة فتح، وأن إنهاء الانقسام أصبح مطلبا شعبيا ملحا. فستجد أن السيد عباس لم يكن لديه خيار سوى التصالح مع حركة حماس، والقبول بالتحفظات التي سبق إبداؤها على ورقة المصالحة المصرية..
وكان ذلك سببا كافيا لنجاح اجتماع الطرفين يوم الأربعاء الماضي، وتمهيد الطريق لتوقيع الاتفاق يوم الأربعاء المقبل
ــ شكرا لثورة 25 يناير .
..................
April 27, 2011
يقمعون شعوبهم وينتحرون
صحيفة الشرق القطريه السبت 27 جمادي الاولى 1432 – 30 أبريل 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
يقمعون شعوبهم وينتحرون – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/04/blog-post_7209.html
أكان ضروريا أن يطلقوا الرصاص على الرأس والصدر، في حين أنهم لو أطلقوه على الأرجل لتسلمنا رسالتهم وفهمنا موقفهم؟
ولماذا استخدموا الرصاص الحي وكان بوسعهم أن يلجأوا إلى الرصاص المطاطي الذي يمكن احتماله، هذا إذا كان المطلوب مجرد فض التظاهرات وترويع المتظاهرين؟
ولماذا عاقبوا بعصيهم الكهربائية كل من خرج إلى الشارع في دمشق يوم الجمعة، ولو أنهم اكتفوا بضرب المتظاهرين وحدهم لحقق لهم ذلك ما يريدون، دون أن يستثيروا غضب كل سكان العاصمة؟
أدهشني منطق صاحبنا القادم لتوه من دمشق، فاضطررت إلى مقاطعته، قائلا
:
إنني أستغرب المقارنات التي أوردها. إذ في حين توقعت منه غضبا واحتجاجا على مبدأ إطلاق الرصاص على المتظاهرين، فإنني وجدته يفضِّل إطلاقه على القدمين وليس الرأس، كما أنه يفضِّل الرصاص المطاطي على العادي، ولا يمانع في ضرب المتظاهرين في دمشق، بدلا من تعميمه على كل سكانها .
أطرق الرجل لحظة ثم قال إنه وجيله أُنهك حتى تعب وفقد الأمل في تحسن
الظروف التي مازالت على حالها منذ 40 سنة. لذلك فإنهم لم يعودوا يقارنون
وضعهم السيئ بوضع أفضل، ولكنهم أصبحوا يقارنون السيئ بالأسوأ. وهو ما يضيق
من خياراتهم، بحيث يصبح السيئ مرغوبا، ليس لأنهم راضون به، وإنما لأن ما
هو أسوأ منه أشد ضررا وأتعس
.
طلبت إيضاحا فقال لي إن المذبحة التي ارتكبتها السلطة في حماة في شهر
فبراير عام 1982 كسرت قلوب السوريين وأذلتهم. ذلك أن نظام الرئيس حافظ
الأسد استخدم الطيران والدبابات في تأديب المدينة وقتل ما لا يقل عن عشرة
آلاف شخص (البعض يتحدث عن ضعف هذا العدد)، غير الألوف الذين اختطفوا
وأحيلوا إلى جحيم السجون وبشاعتها، حيث قطعت أطرافهم وقلعت أظافرهم وفقئت
أعينهم، وتم تذويب بعضهم بواسطة حامض الأسيد. وإذا قارنت ما حدث في حماة
قبل نحو ثلاثين عاما بما يجرى الآن فقد تدرك لماذا جاءت المقارنات التي
أوردتها على النحو الذي لم يعجبك. على الأقل فالطيران لم يستخدم في قمع
الناس وسحقهم. والدبابات فقط هي التي حاصرت بعض البلدات واقتحمت بعضها
.
أتيح لي أن أستكمل المناقشة مع بعض الناشطين السوريين المهاجرين الذين
لقيتهم في اسطنبول هذا الأسبوع، وكانوا قد دعوا للاجتماع فيها من جانب بعض
منظمات المجتمع المدني التركية (400 منظمة شكلت ما سموه منبر اسطنبول
للحوار السياسي).
من أهم ما قالوه في اللقاء إن أغلب المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع ينتمون إلى جيل لم يعش أحداث مذبحة حماة، من ثَمَّ فهو أكثر جرأة واستعدادا للتحدي. وإلى جانبهم هناك أعداد غير قليلة من المثقفين والناشطين الذين ضاقوا صدرا بممارسات النظام ومن تسويف قيادته في خطوات الإصلاح السياسي.
قالوا أيضا إن الرئيس بشار الأسد كانت أمامه فرصة كبيرة لتحقيق الإصلاح المنشود بعد رحيل أبيه. خصوصا أنه لم يكن مسؤولا عن شئ من ممارسات نظام الأب، ولكن بعد مضي نحو 11 سنة على حكمه فإن السلطة لم تغير من نهجها الذي يصر على مصادرة الحريات وسحق المخالفين. ورغم أن نفوذ حزب البعث تراجع إلى حد كبير، إلا أن النظام كله أصبح خاضعا لنفوذ أجهزة الأمن التي ينتسب أغلبها إلى الطائفة العلوية (أكثر قليلا من مليون نسمة في حين أن أهل السنة نحو 22 مليونا). وهذه الأجهزة مازالت تتصرف بذات الأسلوب الذي اتبع في حماة سنة 1982 .
قالوا أيضا إن المظاهرات لم تطالب في البداية بإسقاط النظام، ولكن العملية
بدأت باعتقال مجموعة من الشباب في درعا تأثروا برياح الحرية التي هبت على
العالم العربي، فقد كتبوا على الجدران عبارات طالبوا فيها بإصلاح النظام
.
وهؤلاء تم اعتقالهم وتعرضوا لتعذيب وحشي قلعت فيه أظافرهم.
ولأن بعضهم ينتمون إلى أكبر العشائر والقبائل هناك، فإن شيوخ تلك العشائر ذهبوا إلى ممثلي السلطة في درعا يسألون عن أبنائهم. لكنهم قوبلوا بإهانات جارحة مست شرفهم وكرامتهم. فخرجوا غاضبين وثار أهاليهم لكرامتهم وكرامة أبنائهم، حينئذ ردت الأجهزة الأمنية بأسلوبها القمعي الذي لا تجيد غيره.
وكانت تلك هي الشرارة التي عممت الحريق في بقية المدن التي تستشعر القهر وتختزن الحزن. إذ انتقلت الشرارة من درعا إلى بانياس واللاذقية وحمص ودوما وإلى دمشق ذاتها.
وكلما سقط قتيل جديد اشتدت النيران اشتعالا. (العدد تجاوز الآن 600 قتيل)، وحين قرر الرئيس بشار الأسد إلغاء قانون الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة، فإن ذلك جاء متأخرا جدا، فضلا عن أنه لم يغير شيئا لأن قتل المتظاهرين لم يتوقف، الأمر الذي أقنع السوريين بأن الأمل في الإصلاح مفقود، وأنه لا بديل عن المطالبة بإسقاط النظام. وهذا ما حدث
ــ إن المستبدين حين يصرون على قمع شعوبهم، فإنهم قد يسحقونهم لبعض الوقت، لكنهم يهدمون أنظمتهم وينتحرون في نهاية المطاف، سياسيا على الأقل .
..................
ليست مروءة ولا شهامة
صحيفة الشرق القطريه الخميس 25 جمادي الاولى 1432 – 28 أبريل 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
ليست مروءة ولا شهامة – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/04/blog-post_28.html
مساء يوم الأحد الماضي ٢٤/ ٤ اتصل بي هاتفيا متحدث باسم قناة النيل للأخبار . وقال بصوت غلب عليه الانفعال إنه يريد مني تعليقا حالا علی قرار النائب العام بتحويل الرئيس السابق حسني مبارك من شرم الشيخ إلى مستشفى عسكري بالقاهرة إلى أن يرتب أمر إقامته في مستشفى سجن مزرعة طرة .
وقبل أن أرد عليه طلب مني أن أنتظر لحظة لكي يحولني إلى الأستوديو
للتسجيل، لكن قاطعته وقلت إنه ليس لدي ما أقوله في التعليق على الخبر
واقترحت عليه أن يسأل غيري فربما وجد لديه بغيته، ويبدو أنه لم يتوقع
اعتذاري فسكت، ثم أغلق الخط دون أن ينطق بكلمة
.
كنت أستطيع أن أقول كلاما من قبيل إن إخضاع الرئيس السابق للمحاكمة
العادلة التي تكفل له حق الكرامة والدفاع عن نفسه بمثابة تصرف متحضر
يتناسب مع نبل الثورة السلمية التي وقعت في مصر كما أنه يقتص بحق للشهداء
الذين قتلوا في التظاهرات التي طالبت برحيله وآلاف الجرحى الذين أصابتهم
رصاصات رجاله
.
لكن لم تعجبني لهجة التشفي التي شعرت بها في كلامه، مما أعطاني انطباعا
بأنه يريد مني أن أشترك في معزوفة هجاء الرجل ومعايرته بما انتهى إليه
حاله باعتبار أنه سجن مصر وأهانها طيلة ثلاثين عاما، ثم ها هو يذوق ما
أذاقه لشعبه، إذ يتعرض بدوره للسجن والإهانة
.
صدتني طريقته في الكلام ليس فقط لأن بضاعتي قليلة في قاموس الهجاء والشتائم، وليس فقط لأنني أعتبر أن الاجتراء والتطاول على أي شخص في مثل موقف الرئيس السابق ليس من المروءة أو الشهامة في شيء، ولكن لأنني قلت ما عندي في حقه وحق نظامه ومن ثم أديت ما علي وقت أن كان هو ورجاله في كامل سلطانهم وأوج قوتهم
وفي أكثر من مناسبة اختزلت موقفي في أنه في التعبير عن الرأي، ليست الشجاعة أن يسارع المرء إلى التقدم حين يرى الضوء الأخضر، ولكن الاختبار الحقيقي للشجاعة يكون حين يتماس المرء مع الضوء الأحمر ويخترقه غير مبالٍ به، ولا بالثمن الذي يتعين عليه أن يدفعه جزاء ذلك،
قلت أيضاً إن الصحفي النزيه ليس مطالبا بأن يقوم دائما بعمليات انتحارية أو استشهادية في الكتابة، لكنه إذا لم يكن قادرا على أن يكون نصيرا للحق بقلمه فلا ينبغي له أن يصبح عونا للباطل .
ما دعاني إلى هذا الاستطراد أنني أجد كثيرين ممن ساروا في موكب السلطان
وحملوا له المباخر يتقدمون الآن صفوف «الثوار» ويبالغون كثيرا في هجاء
شخصه ونظامه ربما تكفيرا عن الذنب ومحوا للصورة المنطبعة في الأذهان عن
موقفهم السابق ومشكلة هؤلاء أنهم لطول ما تعلقت أبصارهم وأشواقهم
بالسلطان، لم يدركوا أن ثمة قارئا ذكيا وداعيا يصعب استغفاله والضحك عليه،
ويعرف لكل صاحب قلم قدره
.
من المفارقات أن الذين يسرفون هذه الأيام في التشفي والدعوة إلى الانتقام
ويزايدون على الجميع في فضح فساد النظام السابق، هم من إفرازات ذلك النظام
وأبنائه الشرعيين، لذلك فلا يحق لهم أن يدعوا أنهم يمارسون شجاعة أو أنهم
يؤدون استحقاق المهنة، بل إنهم في حقيقة الأمر يتاجرون بالماضي ويسوقون
للثرثرة والنميمة
.
إن التنافس اليومي الحاصل الآن بين الصحفيين على إغراق القراء بتفاصيل
حياة رموز النظام السابق في سجن طرة خرج من نطاق المتابعة الخبرية، وأصبح
أقرب إلى مادة «حكاوي القهاوي».
لذلك فقد صرنا بحاجة إلى التعامل بمسؤولية مهنية مع ما يجري، توفر للناس حقهم في المعرفة وتسمح للعدالة بأن تمضي في مجراها الطبيعي، لكنها لا تشوه مدارك الناس، أو تلهيهم عن استحقاقات بناء النظام الجديد والوعي بما يجري حولهم بالتوازي مع المسؤولية المهنية التي أدعو إليها فإننا بحاجة لأن نفكر بشكل جاد في كيفية طي صفحة الماضي ومداواة جراحه، كي نصرف الجهد ونشحذ الهمم لبناء المستقبل الذي قامت الثورة لأجل تصحيحه على نحو أفضل،
ذلك أن الذين يطيلون النظر إلى الوراء يعجزون عن التقدم إلى الأمام .
..................
April 25, 2011
حديث الإفك والبغض
صحيفة الشرق القطريه الأربعاء 24 جمادي الاولى 1432 – 27 أبريل 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
حديث الإفك والبغض – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/04/blog-post_5980.html
هذه نماذج من الرسائل المفخخة التي أطلقت في فضائنا الإعلامي مؤخرا :
<
اختلفت قنا كثيرا نتيجة شيوع أفكار السلفيين وغيرهم من الجماعات
الدينية، التي وصلت إلى حد المطالبة بتطبيق الحدود وقطع الأيدي والأذن
. (
وهى جماعات) تعتمد فقط معايير الكفر والإيمان، التي تجعل من كل قضية
خلافية صغرت أو كبرت اختبارا للإيمان دونه الموت. يحتكم لحد السيف.. ويسد
كل صور الحوار وهذا ما يفسر لجوء هذه الجماعات إلى (عدة إجراءات) منها
التهديد بإعلان قنا إمارة إسلامية ــ (مكرم محمد أحمد في الأهرام ــ 23/4
).
<
رفعوا العلم السعودي وطالبوا بتنصيبه أميرا للمؤمنين ــ السلفيون
يعلنون قيام جمهورية قرشي «السعودية» في قنا ــ مسيحيون يقتلون أسرة
لاعتناقها الإسلام ــ سلفيون: سنحاصر الكاتدرائية وسنمنع الأقباط من
الاحتفال بيوم القيامة ــ (من عناوين صحيفة صوت الأمة ــ عدد 25/4
).
<
بعد الذي نشر عن قيام بعض السلفيين بهدم ضريح في إحدى قرى الدقهلية
ذهب المحرر إلى شخص مجهول يدعى محمد سعيد في حي إمبابة بالجيزة، وسأله عن
رؤيتهم للأضرحة فأجاب قائلا إن «ضريح جمال عبدالناصر بكوبري القبة يجب
هدمه أيضا طالما أنه مقام داخل المسجد».
هذه الكلمات الأربع عشرة بنى عليها المحرر تقريرا ضم بعض التعليقات والأصداء،
واحتل ربع صفحة كان من بين عناوينها ما يلى: دعاوى السلفيين تشعل الفتن في مصر ــ يهددون بهدم ضريحي جمال عبدالناصر وسعد زغلول ــ (جريدة العربي الناصرية 24/4 ).
<
هل تذكر هدم وإحراق كنيسة صول بأطفيح؟
ــ هل تتذكر قطع أذن المواطن المصري أنور رمزي في قنا وحرق مسكنه وإجباره على الصلح؟
هل تذكر الاعتداء على المواطن المصري القبطي في مدينة أبوالمطامير بمحافظة البحيرة وحرق محله (متجره) إثر اتهامه بمعاكسة جارته؟
ــ هل تذكر ذبح المواطن القبطي في سوهاج وإلقاءه من الطابق الثالث من قبل الجماعات السلفية؟
هل تذكر الاعتداء على سيدة مسيحية وحرق منزلها بمدينة السادات بالمنوفية؟
هل تذكر ما حدث في أبوقرقاص من قتل وتدمير وحرق مما اضطر الجيش إلى حظر التجول؟
ــ ( شارل فؤاد ــ المصري اليوم 23/4 ).
<
لو اختار الإخوان (المسلمون) مرشدا مسيحيا لن نصدقهم
ــ هل يقبل قادة الجيش أن يكون (الدكتور) محمد بديع (مرشد الإخوان) القائد الأعلى للقوات المسلحة إذا ما وصل التيار الديني للحكم؟
ــ لن يستطيع أحد أن يفرض على المسيحيين شريعة غير شريعتهم مهما كان الثمن.
(من عناوين حوار أبرزته على صفحة كاملة «صحيفة المصري اليوم» (في 24/4) وأجراه شارل المصري مع الدكتور وليم ويصا الذي وصفه بأنه ناشط حقوقي مقيم في باريس ).
<
إذا وضعت هذه الرسائل التي توالت خلال أيام قليلة جنبا إلى جنب مع
سيل المقالات والتعليقات المنشورة والصحف، والتي تضمنت هجوما ضاريا على كل
فصائل التيار الإسلامي، استهدف الترويع والتخويف من «عفريت» الدولة
الإسلامية وشبح تطبيق الحدود،ستخرج بنتيجة خلاصتها أن هناك من يريد إشعال
حريق في البلد أو تفجيره من الداخل. الأمر الذي يعنى أن عملية التفجير لم
تعد بحاجة إلى ثورة مضادة لكي تقوم بها
.
ليس أسوأ ما في هذه الممارسات أنها تضع كل فصائل التيار الإسلامي في سلة
واحدة،
ولا أنها ذات لغة النظام السابق وخطاب جهاز أمن الدولة،
ولا أنها تصب في مجرى تجريح الإسلام وتخويف الناس منه.
لكن الأسوأ أن الخطاب المرسل مشحون بالإفك والبغض على نحو يثير الدهشة.
صحيح أن ممارسات بعض الفصائل المنسوبة إلى التيار الإسلامي لها حماقاتها التي لا تنكر،
وصحيح أيضا أن بعض المتحدثين باسم الإخوان كثيرا ما يخونهم التوفيق في التعبير عن آرائهم،
لكن من الصحيح كذلك أن هناك على الجانب الآخر من يتربص ويتصيد، ويجعل من الحبة قبة. ولا يتردد في تسويق الافتراءات والأكاذيب.
ذلك أوضح ما يكون فيما حدث في قنا، كانت وقائع ما جرى هناك نموذجا للافتراء والكذب . ومن أسف أن تلك الأكاذيب تلقفها المتصيدون وتعاملوا معها بحسبانها حقائق . ومضوا يبنون عليها التحليلات والتعليقات.
فلا أساس لمسألة تطبيق الحدود ولا أصل لحكاية الإمارة الإسلامية، ولم ير أحد العلم السعودي، والصورة التي أظهرته مشكوك فيها. خصوصا أن السلفيين لا يجرؤون على الاجتماع في مسجد الصوفية الذي يحمل اسم سيدى عبدالرحيم القنائي.
وجريمة قطع أذن المواطن القبطي وحتى الاعتراض على المحافظ القبطي من نماذج الحوادث التي لا علاقة لها أصلا بالصراع الطائفي، لكنها وظفت لصالح إشاعة الإفك وتكريس البغض
ــ لذا لزم التنويه والتحذير .
........................
فهمي هويدي's Blog
- فهمي هويدي's profile
- 1314 followers
