فهمي هويدي's Blog, page 198
March 21, 2011
الاستفتاء كشف أزمة النخبة المصرية – المقال الاسبوعي
صحيفة الشرق القطريه الثلاثاء 17 ربيع الاخر 1432 – 22 مارس 2011
الاستفتاء كشف أزمة النخبة المصرية – فهمي هويدي – المقال الاسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_22.html
هل أبالغ إذا قلت إننا في مصر كنا قبل الاستفتاء أفضل منا بعده؟
وهل يصح القول بأن أجواء الجدل الذي ثار بين المؤيدين للتعديلات الدستورية والمعارضين لها جاءت خصما على الإجماع الوطني وليس تكريسا له أو إضافة إليه؟
ــ1ــ
لا أريد بالسؤال أن أصطف مع آخرين ممن سارعوا إلى التشاؤم والتعبير عن القلق، ولكنني أتمنى أن نفكر في الإجابة عليه بعيدا عن الصخب الذي أصبح الإعلام ساحته الرئيسية، بل صار مصدره فضلا عن منبره.
ونحن نفكر في الموضوع، ولكي لا نقسو على أنفسنا ونحول المناقشة إلى جلد للذات، أرجو أن نضع في الاعتبار ثلاثة أمور هي:
< إن الثورة لم تكمل شهرين، بما يعني أننا حديثو عهد بالتجربة كلها. إذ لم يحدث خلال نصف القرن الأخير على الأقل أن استدعى المجتمع لكي يتحمل مسؤوليته إزاء النهوض بالبلد وصناعة حلمه. فلا هم دعونا ولا نحن ذهبنا. وكانت النتيجة أنه طوال تلك المدة كانت السلطة في واد والمجتمع في واد آخر. وقد فاجأتنا ثورة 25 يناير. حين وجدنا أن المجتمع تقدم الصفوف وأسقط السلطة المستبدة، وقرر أن يسترد وطنه المخطوف وأن يأخذ الزمام بيده في إدارة شؤون البلد. < إن المفاجأة أخذتنا ونحن مشتتون وممزقون سياسيا وفكريا، بحيث أصبح المجتمع مفتقدا للبوصلة الهادية وموزعا على «قبائل شتى»، إن لم تكن متناحرة فيما بينها فهي فاقدة الثقة بين بعضها البعض. إذ في غيبة مشروع وطني يحتشد حوله الجميع، هيمنت الشراذم على الساحة السياسية. وصرنا بإزاء مفارقة جديرة بالملاحظة، هي أن لدينا وطنيين كثيرين في حين توجد لدينا جماعة وطنية حقيقية، متصالحة ويكمل بعضها بعضا.
< إن ما نلحظه من مرارات ومشاعر غير صحيحة يكاد يكون محصورا في أوساط النخب أو الطبقة السياسية، التي لها هواجسها وحساباتها الخاصة المتأثرة إما بمواقفها الأيديولوجية أو خلفياتها التاريخية ولأن تلك النخب صاحبة الصوت العالي في مختلف وسائل الإعلام، خصوصا الصحافة والتلفزيون، فإنها وظفت تلك المنابر في التسويق لتلك المرارات والمشاعر غير الصحية على نحو قدم صورة مغلوطة للمجتمع، وكانت نتائج الاستفتاء نموذجا لتلك الحالة. التي ملأت فيها عناصر النخبة الأجواء بحملة واسعة النطاق لرفض التعديلات، في حين تبين أنهم يحدثون بعضهم البعض، وأن أغلبية الرأي العام المصري لا علاقة له بالموقف الذي عبروا عنه.
ــ2ــ
إن شئت فقل إن نتيجة الاستفتاء التي أعلنت مساء الأحد الماضي (20/3) دلت على أمرين،
أولهما أن السطح في حياتنا السياسية مختلف عن القاع والوهم أكبر من الحقيقة.
وثانيهما أن بعض الذين أداروا الحوار حول التعديلات الدستورية وقعوا في أخطاء جسيمة ارتدت عليهم وأوقعت بهم أضرارا جسيمة.
ذلك أن السنوات التي استمر فيها تزوير إرادة الشعب محت من ذاكرة النخبة خرائط المجتمع المصري وتضاريسه الحقيقية. فصحفنا تتحدث مثلا عن «القوى السياسية» في مصر الراهنة. وبين الحين والآخر نقرأ أن تلك القوى اجتمعت وقررت كذا، أو أن ممثليها التقوا شخصيات من أعضاء المجلس العسكري ونقلت إليهم رغبات معينة،
كما تقرأ أحيانا أن بعض الزوار الأجانب عقدوا لقاءات مع ممثلي تلك القوى السياسية.. إلخ. لكن أحدا لا يسأل عن أوزان تلك القوى على الأرض، خصوصا أن بعضها اكتسب شرعيته وظل يعمل في النور منذ أكثر من ثلاثين عاما. دون أن يثبت حضورا يذكر.
ذكرت في وقت سابق أن نجاح الثورة التي حدثت في مصر يتطلب إجراء عدة مصالحات، بينها ما يؤدي إلى تطبيع العلاقات بين السلطة والمجتمع وبين النخبة والمجتمع. وذلك لا يتأتى إلا من خلال وضوح الرؤية الإستراتيجية الجامعة وتفعيل القيم الديمقراطية التي تجعل السلطة انتخاب المجتمع وليست قدرا مكتوبا ومفروضا عليه، وهي ذاتها التي تعزز القواسم المشتركة وتوفر الآلية التي تجعل النخبة تعبيرا عن ضمير المجتمع ومصالحه وليست بوقا للسلطة أو ظلا لمشروعات مقطوعة الصلة بالواقع المعيش.
لقد ألقى كل هؤلاء بثقلهم وراء الدعوة إلى رفض التعديلات الدستورية، وجندوا لذلك ما لا حصر له من الشخصيات العامة، واستخدموا في ذلك كل وسائل الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع، حتى الإعلانات المصورة مدفوعة الأجر أسهمت في حملة التعبئة والحشد، ولكن ذلك الجهد لم يصل إلى أقل من ربع الأصوات (22٪) التي كان أغلبها يعوم على سطح المجتمع ولا علاقة لها بعمقه.
ــ3ــ
الحوار حول التعديلات لم يكن صحيحا، فجاءت نتيجته سلبية من وجهة نظر الجماعة الوطنية. ولأنه لم تكن هناك أوضاع مؤسسية تدير الحوار، فقد ظلت ساحته الحقيقية والمعلنة وهي وسائل الإعلام (الصحف والتلفزيون) والإنترنت (فيس بوك وتويتر) وللدقة فإن الخلاف في الموضوع بدأ قبل إعلان التعديلات، أعني منذ لحظة إعلان تشكيل اللجنة التي أنيطت بها العملية.
إذ ارتفعت أصوات بعض الغلاة منتقدة ذلك التشكيل، ومتحفظة بوجه أخص على وجود أحد أعضاء جماعة الإخوان فيه رغم خلفيته القانونية وخبرته التشريعية. وقد نقل بعض الكتاب هذا النقد إلى ممثلي المجلس العسكري أثناء الاجتماع معهم. إذ في حين أن أحدهم احتج على ذلك غاضبا فإن آخر سأل بخبث عن عدد المتعاطفين مع الإخوان من بين أعضاء المجلس العسكري.
بكلام آخر، فإن أعراض ما يمكن أن يسمى الإسلاموفوبيا والإخوانوفوبيا ظهرت في الأفق بمجرد تشكيل اللجنة وقبل فتح ملف التعديلات. وهي البذرة التي نمت بعد ذلك وتحولت إلى عنصر فاعل ألقى بظلاله على مسار المناقشات والمواقف اللاحقة.
حين أعلنت التعديلات لوحظ ما يلي: لم يعن التلفزيون الرسمي بعرضها على الناس وشرح مضمونها ومراميها، أغلب الظن بسبب حالة الإرباك التي يمر بها جهازه.
وكانت النتيجة أن كثيرين شكلوا انطباعاتهم السلبية والإيجابية عنها من خلال الأصداء التي ترددت في وسائل الإعلام الأخرى. ومارس نفر من القانونيين والسياسيين حقهم في نقدها أو الدفاع عنها.
وفي تلك المرحلة المبكرة نسبيا كان النقاش محصورا في «الموضوع»، على أساس أن ثمة خلافا في الوسائل وليس الغايات، التي كانت محل اتفاق الجميع.
بمضي الوقت حدث تطوران مهمان،
الأول: إن المناقشات تحولت إلى اتهامات بين الطرفين ولعبت وسائل الإعلام دورها في تأجيج هذه المشاعر. ولأن الفيس بوك وتويتر مفتوحان للجميع فقد كان لهما الحظ الأوفر في إشاعة الاتهامات وتأجيجها التي وصلت إلى حد تبادل إطلاق صفات العمالة والتكفير والماسونية والوهابية والاتجار بدم الشهداء وغيرها بين الطرفين.
التطور الثاني: تمثل في الاصطفاف في أوساط المؤيدين والمعارضين للتعديلات. ورغم أن الجانبين ضمَّا خليطا من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، إلا أن التعبئة الإعلامية أشاعت بين الناس أن الإسلاميين يؤيدون التعديلات، وأن كل من عداهم يعارضها.
ولم تكن تلك الشائعة مقصورة على وسائل الإعلام المصرية فحسب، وإنما وجدنا لها صدى في الصحافة العربية أيضا. حتى نشرت صحيفة «الحياة» اللندنية على صفحتها الأولى (عدد 18/3) عنوانا قالت فيه:
الإسلاميون يخوضون ضد الجميع معركة الاستفتاء على تعديلات الدستور.
وذهبت تلك الحرب الباردة إلى أبعد حين روجت بعض الصحف للادعاء بأن ثمة تحالفا بين الإخوان وبين فلول الحزب الوطني. ونشرت أنهما أصبحا «يدا واحدة»
وانتشرت تلك الشائعة العبثية التي اصطنعت غراما مفاجئا بين الخصمين التاريخيين حتى تحدثت صحيفة الأهرام على صفحتها الأولى في اليوم التالي للاستفتاء عن «تنسيق غير معلن بين الإخوان وفلول الوطني». وكان ذلك التطور بمثابة منعطف خطر أضاف إلى الاستقطاب عمقا ومرارة.
(4)
وسط الجدل المحتدم والاتهامات المتبادلة ظهرت لافتة في الإسكندرية نسبت إلى أحد الدعاة (الشيخ أحمد المحلاوي) قوله إن تأييد التعديلات واجب شرعي وتبين أنها حملت توقيع الإخوان المسلمين. حينذاك قامت الدنيا ولم تقعد. واستهجنها المتحدث باسم الجماعة وطلب رفعها، لكن صورتها ظلت تنشر في الصحف يوما بعد يوم.
زاد الطين بلة أن السلفيين دخلوا على الخط بلافتاتهم الدينية وبياناتهم التي تفرق ولا تجمع.
ولست واثقا من أن التوتر ازداد بعد ظهور عبود الزمر الذي أدين في قتل الرئيس السادات بعد إطلاق سراحه ثلاث مرات في ليلة واحدة، بلحيته الكثة وآرائه المقلقة، ولكن البعض حدثني بذلك.
على الجانب الآخر تبين أن الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية أصدرتا «نصائح» لرعياهما برفض التعديلات. وسمعت رأيين في التعليق على ذلك التوجيه،
أحدهما ذكر أنه رد فعل على الاحتشاد الإسلامي وظهور الزمر على التلفزيون.
والثاني قال إن التوجهات صدرت قبل ذلك، منذ أعلن الإخوان أنهم يؤيدون التعديلات.
ما يلفت النظر في هذا الصدد أن الإعلام المصري استهول العملية وبالغ كثيرا في حجمها وفي التعويل عليها، واعتبر أن العنصر الديني لعب الدور الأساسي في حسم الاستفتاء لصالح قبول التعديلات.
والغريب في الأمر أن قطاعات غير قليلة من المثقفين تبنت هذا الرأي وتحدثت عن أن البلد انقسم وأن الاستقطاب حدث بين الإسلاميين من جانب والأقباط والوفديين والناصريين واليسار من جانب آخر.
ورغم أن تعليقات المواطنين التي سمعناها خلال بعض البرامج التلفزيونية (قناة دريم ــ برنامج العاشرة مساء ــ الأحد 20/3) نقضت ذلك الادعاء وكذبته إلا أن بعض عناصر النخبة المصرية التي سمعناها مساء اليوم ذاته على شاشة قناة الجزيرة تمسكت به.
لقد قال المتحدثون في البرنامج الأول أنهم ليسوا إسلاميين ولا علاقة لهم بالإخوان لكنهم صوتوا لصالح التعديلات لأنهم يرون أنها توفر لهم الاستقرار الذي ينشدونه.
في حين أصر المتحدثون في البرنامج الثاني أن أغلب المؤيدين تصوروا أنهم بذلك سيدخلون الجنة!
خلاصتان يخرج بهما المرء من استعراض ما جرى.
الأولى أننا خرجنا من الاستفتاء مشوهين وبأسوأ مما دخلنا فيه.
والثانية أن أغلب عناصر النخبة فاقدة الثقة في وعي الجماهير حيث تفترض فيها أنها تضم قطيعا من السذج والبلهاء الذين يسوقهم الدعاة والمحرضون فيتعلقون بأذيالهم حيثما يذهبون.
إن الحاخامات في إسرائيل يطلقون أثناء كل انتخابات دعوات توزع مساحات في الجنة على الذين يصوتون لصالح من يساندون من المرشحين، لكن أحدا لا يأخذ كلامهم على محمل الجد، ولا يتعرضون لحملات التنديد والترويع التي شهدناها في مصر.
والفرق بينهم وبيننا أنهم هناك يثقون في الناخب اليهودي ويحترمونه، أما عندنا فأغلب مثقفينا يستخفون بالناخب ويحتقرونه، رغم أنه هو الذي صنع الثورة التي يتباهون بها وليس غيره.
إنني أخشى أن يذكر لنا التاريخ أن الشعب في مصر صنع الثورة، لكن المثقفين خنقوا روحها.
.................................
March 20, 2011
اختيار بين شرَّين
اختيار بين شرَّين – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_21.html
يصدمنا ويعذبنا القصف الجوى الذي تتعرض له ليبيا والذي تشنه الطائرات الفرنسية والأمريكية.
ذلك أننا ما تمنينا أن نقف متفرجين على توجيه مثل تلك الغارات ضد أي بلد عربي. ناهيك عن أننا ظننا أن مثل تلك الحملات قد تجاوزها الزمن،
فضلا عن أن الذاكرة العربية تحفل بالشواهد الدالة على أن الدول الغربية على مدار تاريخها معنا لم تضمر لنا خيرا يوما ما.
بكلام آخر فإننا نكره التدخل العسكري الغربي في أي بلد عربي أو غير عربي، ونعتبره جريمة في حق الإنسانية. لكن المشكلة أن العقيد القذافي غير من موقفنا حين أعلنها حرب إبادة ضد الرافضين لنظامه والمطالبين برحيله.
وهو بذلك وضعنا بإزاء جرم أفدح. ذلك أن التدخل العسكري الغربي يمثل عدوانا على السيادة وعلى الحق في الحرية والكرامة، ولكن ممارسات قوات العقيد صارت عدوانا على الحق في الحياة ذاتها.
من ثَمَّ فإننا عند المقارنة نصبح بإزاء شرين، شر أدنى وآخر أكبر وأفدح. وحين كان علينا أن نختار فإننا قبلنا بالشر الأدنى وتجرعنا مرارته، لكي نتجنب كارثة الشر الأكبر.
أدري أن الدول الغربية ما كان لها أن تتدخل عسكريا في ليبيا لولا حرصها على توفير إمدادات النفط وتثبيت أسعاره. ولا تحتاج هذه المقولة إلى دليل.
إذ يكفي أن نقارن بين الحاصل في ليبيا وبين نظيره الذي يجري في اليمن، والخلاف بينهما في الدرجة وليس في النوع.
فالرئيسان مرفوضان شعبيا، لكنهما يصران على التشبث بالبقاء ويرفضان الرحيل، وفي سعيهما لقمع الرافضين لها فإنهما لم يتورعا عن استخدام السلاح ضد المدنيين وقتلهم بالرصاص الحي.
العقيد القذافي استخدم طائراته ودباباته ضد شعبه، والرئيس عبدالله صالح استخدم القناصة والقنابل اليدوية، وقتل أكثر من خمسين شخصا من أبناء شعبه. مع ذلك قامت الدنيا ولم تقعد. فيما يخص ليبيا وتقرر قصف الأهداف العسكرية لإسقاط نظام القذافي والتمكين للثائرين ضده، في حين تم غض الطرف عن ممارسات الرئيس اليمنى، ونصحته وزيرة الخارجية الأمريكية بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين.
والسبب في ذلك واضح للعيان، فليبيا تعني النفط بالنسبة للغرب، في حين أن اليمن لا تعنى الكثير من هذه الناحية.
الطريف في الأمر، المضحك والمبكي في ذات الوقت، أن العقيد القذافي بعد أن احتقر شعبه وقرر استخدام أسلحته وقواته لتحرير ليبيا من الليبيين، أعلن في مواجهة جماهير الداخل أن بلاده تتعرض لعدوان صليبي،
وفي الوقت ذاته فإنه خاطب الغربيين قائلا إنه يخوض معركته ضد تنظيم القاعدة، محاولا الإيحاء لهم بأنه إذا هزم فإن خطر القاعدة سوف يستفحل وأن الغرب سوف يصبح مهددا بشبح الإرهاب جراء ذلك.
لا نشك في أن لفرنسا أغراضها من وراء قيادة الاحتشاد الدولي ضد نظام العقيد القذافي، وهي تتراوح بين سعي الرئيس ساركوزي إلى تقديم نفسه بحسبانه الشخصية الأبرز في الساحة الأوروبية، لتعويض تدهور شعبيته في الداخل، وبين التطلعات الفرنسية إلى استعادة دورها في شمال إفريقيا، ولا تستبعد أن يكون لمصالح الشركات النفطية الفرنسية إسهاما في تبنى ذلك الموقف.
وهو ما لا تستغربه في كل الأحوال، لأننا نعرف جيدا أن قرار القيام بالقصف الجوى لا يتخذ لوجه الله أو دفاعا عن الشعب الليبي. وإنما هو خطوة لها مردودها السياسي والاقتصادي.
ذلك كله نفهمه، وربما مررناه مؤقتا انطلاقا من مبدأ القبول بالضرر الأدنى لتجنب الضرر الأكبر من ناحية، وإعمالا لفكرة احتمال التعامل مع «الشيطان» بصورة استثنائية لتحقيق هدف مرحلي، مع التأكيد على الافتراق عنه فيما خص الهدف النهائي.
إننا نحلم بيوم يستطيع فيه النظام العربي أن يكون قادرا على الدفاع عن الشعب العربي، ولكن ذلك اليوم يظل بعيد المنال، ووجود أمثال العقيد القذافي على رأس بلد عربي يظل أحد أبرز العوائق التي تحول دون ذلك، إذ حين يصبح الرجل أصل المشكلة، فلا ينبغي أن نتوسم فيه أن يصبح جزءا من الحل.
...........................
March 19, 2011
واقف في الطابور
صحيفة الشرق القطريه الأحد 15 ربيع الاخر 1432 – 20 مارس 2011
واقف في الطابور – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_20.html
ذهبت في الثامنة والنصف صباحا أملا في أن أدلي بصوتي وأنصرف قبل الزحام، لكني فوجئت بطابور بطول أكثر من كيلو متر يقف أمام مقر اللجنة.
أخذت دوري مستاء. ولم ينقذني سوى اتصال هاتفي أخبرني بأن ثمة لجنة أخرى في نفس الحي الزحام عليها أقل. أسرعت إلى المكان الذي دلوني عليه فوجدت المشهد مكررا.
سلمت أمري إلى الله ووقفت أنتظر دوري. بعد دقائق لاحظ واحد أن الشرطة لا وجود لها.
وقعت عيناي على سيدة عجوز تحاول جاهدة الصعود فوق الرصيف للاصطفاف مع الواقفين. فقال واحد إن المنظمين كان ينبغي عليهم أن يخصصوا طابورا لكبار السن.
تململ صبي كان واقفا مع أبيه وقال له بصوت مرتفع إنه تعب من الوقفة ويريد أن يرجع إلى البيت. فرد الأب قائلا إنك أنت الذي طلبت الخروج معي فتحمَّل،
ثم أضاف: اعتبره طابور المدرسة واصبر. رد الصبي المناكف قائلا: إن طابور المدرسة ليس بهذا الطول.
التفت الأب ناحيتي وقال إنه أخبر أسرته بأنه سيشارك لأول مرة في حياته في استفتاء تجريه الحكومة، فتعلق ابنه برقبته وألح على أن يذهب معه لكي يشاهد معه التجربة العجيبة.
سكت الأب لحظة ثم قال إنه شجع الابن على القدوم ليرى بعيني رأسه وهو في السابعة من العمر ما حرم هو منه طوال عمره الذي يتجاوز 40 عاما.
لم أقل له إنني منذ نصف قرن لم أدلِ بصوتي في أي استفتاءات أو انتخابات عامة، ولم أصوت إلا في انتخابات نقابة الصحافيين والنادي الذي أشارك فيه.
تدخل شخص ثالث وقال إنه بدوره لم يصوت في أي مناسبة، ثم استطرد قائلا إنه في عهد مبارك كان يترك صوته عهدة لدى الحكومة ويستريح في بيته طوال يوم الانتخابات، ولم يكن يشغل باله بالإجابة على السؤال نعم أو لا، ولكنه هذه المرة ظل يتجادل طوال أسبوع هو وأبوه وزوجته وشقيقها. بعدما انقسموا فريقين أحدهما يؤيد التعديلات والثاني يرفضها.
وحين حل يوم الاستفتاء أيقظته زوجته في السابعة صباحا لكي يصحبها إلى لجنة التصويت. ثم أردف قائلا إن ما يحيره أن زوجته لم تهتم في حياتها بالسياسة، وكانت الكلمات المتقاطعة هي الشيء الوحيد الذي تطالعه في الصحف، أما شقيقها فلم يكن يعرف شيئا في الدنيا سوى مباريات كرة القدم، ولا يتحمس لشيء إلا لنادي الزمالك.
طالت وقفتنا وطال الطابور. وبدا المنظر مدهشا. الأعداد الغفيرة من البشر التي زحفت على مقار اللجان منذ الصباح الباكر. وقد توزعت على مختلف الأعمار ومختلف طبقات المجتمع. وذلك الحماس الجارف للتصويت، والجدل الذي لم يتوقف في مختلف الأوساط حول التعديلات والمستقبل. وغير ذلك من القرائن التي تشهد بالميلاد الجديد للشعب المصري الذي أدركت جماهيره أنها استردت وطنها من غاصبيه واستردت وعيها الذي كان مغيبا. ومن ثم أصبح الجميع في قلب السياسة وأصحاب رأي فيها.
خلال الساعتين والنصف التي قضيتها منتظرا دوري في التصويت كان السؤال الذي ظل يلح علي هو:
هل من الممكن أن يخدع هؤلاء في الانتخابات المقبلة؟
ــ كانت في ذهني التصريحات والكتابات التي ما برحت تعبر عن القلق من إجراء الانتخابات التشريعية، محتجة بأن الساحة ليس فيها الآن سوى الإخوان المسلمين وفلول النظام السابق.
واستوقفني في ذلك الخطاب تجاهل هؤلاء لحقيقة الوعي والميلاد الجديدين اللذين طرآ على المجتمع المصري.
واستغربت شكهم في أن الناس يمكن أن تنساق وهي مغمضة الأعين وراء شعارات الإخوان أو إغراءات تلك الفلول المدعومة من بعض رجال الأعمال القادرين على شراء الأصوات ببعض الملايين التي نهبوها.
ذلك أن بين أيدينا ما لا حصر له من القرائن والشواهد الدالة على أن الذين يطرحون مثل هذه السيناريوهات إما أنهم لا يثقون في وعي الناس الذي بات مختلفا عن كل ما سبق، أو أنهم يدركون ذلك جيدا، لكنهم يروجون لهاتين الفزاعتين لتخويف الناس وحثهم على المطالبة بعدم إجراء الانتخابات في موعدها المفترض (شهر يونيو القادم).
لقد كان نظام مبارك في السابق يخدع الناس من خلال تسويق فزاعة الإخوان. وشاءت المقادير أن يستمر ذات النهج في ظل النظام الجديد بعد إضافة الفلول كفزاعة أخرى،
والقاسم المشترك بين العهدين هو أن الخطاب ينطلق فيها من فكرة عدم الثقة في وعي الجماهير وتقديرها.
ومن المفارقات أن نظام مبارك كان يروج لفزاعة الإخوان في غش المجتمع،
في حين قام نفر من المثقفين بمحاولة الغش ذاتها مستخدمين في ذلك فزاعتين وليس واحدة.
...................
March 18, 2011
من علامات الساعة الصغرى
من علامات الساعة الصغرى – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_19.html
من غرائب زماننا وعجائبه أن شعب مصر يتوجه اليوم للاستفتاء على رأيه في التعديلات الدستورية دون دعوة من السيد الرئيس، وأن يصبح «سيادته» مطالبا بأن يدلي بصوته باعتباره مواطنا عاديا، يقف في الطابور شأنه شأن بقية مواطني شرم الشيخ،
لكن الغريب أيضا أنه سيذهب دون أن يكون على علم مسبق بالنتيجة، ليس وحده في حقيقة الأمر، لأن الملايين الذين لم يوجه إليهم المذكور الدعوة سيذهبون إلى الاستفتاء وهم يجهلون النتيجة أيضا،
أما الأعجب والأغرب من هذا وذاك فإن السلطة التي تجري الاستفتاء وتشرف عليه ليست أفضل منا كثيرا، إذ هي بدورها لا تعرف النتيجة، وسوف تنتظر مثلنا انتهاء الفرز حتى تتعرف عليها،
حتى وزارة الداخلية التي توافر لرجالها حظ من العبقرية والقدرة على التنبؤ مكنهم طوال الثلاثين عاما الماضية من معرفة النتيجة ليس فقط قبل الفرز بل قبل أن تبدأ الانتخابات ذاتها،
ولو أن القائمين على الأمر الآن دققوا جيدا في وثائق أمن الدولة التي تكشف أمرها مؤخرا، لوجدوا فيها بيانات كافية عن نتائج كل الانتخابات والاستفتاءات المعلومة وغير المعلومة المرشحة للإجراء في مصر خلال العشرين أو الثلاثين سنة المقبلة، لكنهم سيفاجأون ــ للدهشة ــ بأن نتائج الاستفتاء الذي سيجري اليوم مفقودة، لأنها لم تكن في حسبانهم ولم تخطر لهم على بال.
لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن المشهد حافل بالأعاجيب التي تجعل الحليم حيرانا بين مصدق لما يجري ومكذب له، ذلك أن خوف الشعب من الشرطة كان من الثوابت المستقرة طوال السنين التي خلت، لكننا فوجئنا هذه الأيام بانقلاب الآية على نحو لا يكاد يصدق، بعدما وجدنا أن الشرطة أصبحت تخاف من الشعب،
بل إن رجال أمن الدولة الذين كانوا يديرون العملية الانتخابية ويتحكمون في لجان التصويت، اختفوا ولم يعد لهم أثر، وإذا وجدوا فإنهم سينضمون إلى الشرطة في «الفرجة» علينا من بعيد!
وبمناسبة الحديث عن الشرطة وغرائب أحوالها، لا تفوتنا ملاحظة أن عبود الزمر الذي اتهم بالضلوع في قتل السادات ظهر على شاشات التلفزيون، في حين أن حبيب العادلي وزير الداخلية صار في السجن وقد أخفاه الجنود حين استدعي إلى المحكمة لكي لا يراه أحد،
كما لا تفوتنا ملاحظة أن الإخوان المسلمين الذين ظل يشار إليهم بوصفهم الجماعة المحظورة أصبحوا حاضرين في قلب المشهد وفي وسائل الإعلام، في حين أن قرارات النائب العام حولت أبرز أعضاء الحكومة السابقة إما إلى جماعة محظورة أو محبوسة.
الذي لا يقل غرابة عما سبق أننا تابعنا على شاشات التلفزيون طوال الأسابيع الأخيرة نقاشات ساخنة ومستفيضة بين مؤيدي التعديلات الدستورية ومعارضيها، في حين وقفت الحكومة متفرجة ومحايدة إزاء ما يجري،
وهو ما لم نألفه لأننا اعتدنا في مثل هذه المناسبات أن يلتزم التلفزيون الرسمي بأمرين،
أولهما إجراء المناقشات المستفيضة بين المؤيدين والمؤيدين،
وثانيهما أن يتنافس المتحاورون في هجاء الإخوان الذين يشكلون المنافس الحقيقي للحزب الوطني، لتخويف الناس من ذلك العفريت «المتأسلم».
من عجائب زماننا أيضا أن أعيننا ستفتقد مشهد «البلطجية» الذين دأب الحزب الوطني وجهاز أمن الدولة على حشدهم في مثل هذه المناسبات للقيام بـ«الواجب» إزاء المعارضين،
ولست أشك في أن جموعهم الآن تتحسر على ذهاب عصرهم الذهبي، وعلى انقطاع أحد أهم مصادر تمويلهم، ولن أستبعد أن يفكر بعضهم في الطعن في سلامة إجراءات التصويت، بعدما جرى العرف على اعتبار وجودهم طوال السنوات الماضية من مستلزمات العملية الانتخابية.
أما أم العجائب، فهي أن العسكر القابضين على السلطة يريدون تسليمها إلى الشعب، ولكن نفرا من المثقفين باتوا يتمنعون ويطلبون منهم إطالة مدة بقائهم،
وأن المجتمع الذي أسقط النظام وهو في عز جبروته أصبح بعض أبنائه يتخوفون منه بعد انهياره، حيث مارسوا جرأتهم في مواجهة الطاغوت لكنهم أصبحوا يرتجفون أمام شبحه!
السؤال الذي يخطر على بال المرء حين تتراءى له هذه الصور هو:
كم واحدة منها يمكن أن ترشح للانضمام إلى علامات الساعة الصغرى؟
.........................
March 16, 2011
إطلالة الطواغيت الصغار
إطلالة الطواغيت الصغار – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_17.html
تهب علينا هذه الأيام رياح إرهاب جديد تتعدد أشكالها ومواقعها، إذ تطل في الإعلام والفيس بوك تارة، وفي دواوين الحكومة تارة ثانية، وفي قطاعات الإنتاج حينا ثالثة.
والرسالة التي نتلقاها من تجليات ذلك الإرهاب تقول ما خلاصته إن الطاغية ذهب وأخذ معه رمز الديكتاتورية الأكبر، لكن الطواغيت الصغار لا يزالون يعيشون بيننا، ويمارسون الديكتاتورية ذاتها، كل في محيطه وموقعه.
إن المرء لا يستطيع أن يخفي دهشته إزاء حملة التخويف والتخوين التي تظهر على الفيس بوك هذه الأيام، معلنة إدانة كل من أيد التعديلات الدستورية واتهامه بأنه ينتمي إلى الثورة المضادة ويشكل امتدادا لنظام مبارك.
بل إن بعض الأصوات التي عبرت عن هذا الموقف هددت باللجوء إلى العودة للاعتصام في ميدان التحرير إذا أيدت الأغلبية التعديلات، وهو موقف «فاشستي» على النقيض تماما من أي قبول ليس فقط بالرأي الآخر، ولكن أيضا برأي الأغلبية المفترضة في هذه الحالة.
لم آخذ على محمل الجد البيان الذي أصدره بعض الشبان داعين إلى كتابة الدستور من خلال مجموعات ميدان التحرير، وقولهم إن القانونيين والأكاديميين إذا ما قاموا بهذه المهمة فذلك يعد في رأيهم «سرقة للثورة».
إذ اعتبرت هذا الكلام نوعا من الرعونة والحماس المفرط الذي في ظله تختلط المعايير وتلتبس. لكن حين تردد التهديد باللجوء إلى ميدان التحرير لترهيب مؤيدي التعديلات،
تسرب إلي نوع من القلق أعاد إلى ذهني مصطلح «ديكتاتورية ميدان التحرير» التي أرجو ألا تكون استنساخا لديكتاتورية النظام السابق.
لقد أسيء فهم حفاوتنا بدور الشباب في ثورة 25 يناير، حتى أن بعضهم اعتبر الثورة ملكية حصرية لهم. وظنوا أنهم الممثل الشرعي الوحيد لها، وأنساهم ذلك أن حضور الشعب وصوته الهادر وحده الذي هز أركان النظام السابق وأسقطه.
كما أنساهم أدوار أجيال من الشرفاء سبقوهم على الدرب، وألقوا في الإدراك العام بذور الاحتجاج والغضب التي كانت ثورة الشعب ثمرة لها. لذلك بات من الضروري أن توضع الأمور في نصابها الصحيح، بحيث يعرف كل طرف قدره وحدوده، ويتعامل الجميع مع بعضهم البعض على أساس من التقدير والاحترام المتبادل. ذلك أننا ما تمنينا يوما ما أن نخرج من آثار احتكار السلطة والثروة إلى طور احتكار الحقيقة والثورة.
ثمة جو من الإرهاب تتردد أصداؤه أيضا في أوساط الدوائر الحكومية والوحدات الإنتاجية، ذلك أن بعض القيادات التنفيذية الجديدة أشاعت درجات مختلفة من الخوف في أجهزة الدولة، وبدلا من أن تنهض تلك القيادات بالدور الذي تقوم به تلك الأجهزة، فإنها تعاملت مع مسؤوليها على اعتبار أن الجميع فاسدون حتى يثبت العكس. وكانت نتيجة ذلك أنهم توقفوا عن العمل إحساسا منهم بأن هناك من يتصيد لهم ويضعهم في موضع الشك والاتهام.
لقد أثار انتباهي مثلا ما قاله وزير الصناعة والتجارة في أول مؤتمر صحفي عقده يوم الاثنين الماضي 14/3، من أن الأولوية القصوى لديه هي استئصال بؤر الفساد في الصناعة والتجارة،
وقد ركزت جريدة الأهرام على هذه النقطة وصاغت منها العنوان الرئيسي لتقريرها عن المؤتمر الصحفي، الأمر الذي يجعل خطابه نموذجا للفكرة التي أتحدث عنها. ذلك أن الوزير الجديد في ضوء تلك الأولوية ذهب إلى الوزارة محاربا وعينه على الماضي، ولم يذهب مستنهضا همة العاملين ومتطلعا إلى المستقبل.
أعني أنه ذهب لكي يستأصل لا لكي يبني. وحين يحدث ذلك في مرفق حساس يمس التجارة والصناعة في بلد يواجه ظروفا اقتصادية صعبة للغاية، ويمثل هذان المجالان طوق النجاة بالنسبة له. فهو يعني أن الوزير جاء ليفاقم المشكلة لا ليحلها.
الترهيب حاصل كذلك في العديد من المصانع، التي لجأ فيها العمال إلى الإضراب عن العمل والاعتصام، ومنهم من هدد بإحراق بعض المصانع، ومنهم من منع أصحابها من دخولها. وكانت النتيجة أن توقف العمل في تلك المصانع،
كما أن بعضها أصبح يعمل بنصف أو ربع طاقته. وأعرف أشخاصا قرروا إغلاق مصانعهم وقعدوا في بيوتهم حتى إشعار آخر.
ولم تكن المشكلة فقط أن بعض طلبات العمال مقبولة والبعض الآخر غير معقول، وإنما أيضا أنه لا توجد مرجعية عمالية موثوق فيها يمكن أن تتحدث باسم العمال المضربين وتتوصل إلى حلول منصفة مع أصحاب الأعمال.
أدري أن هذه الفوضى تحدث عادة في أعقاب الثورات على الأوضاع الفاسدة سياسية واقتصادية. لذلك فإنني لا أستغرب حدوثها، لكنني فقط أدعو إلى الانتباه إلى خطورة استمرارها وإلى أهمية وضع حد لها، بحيث تصبح الثورة انطلاقة إلى الأمام وليست انتكاسة إلى الوراء.
.....................
March 15, 2011
في التأجيل مصلحة أمريكية
صحيفة الشرق القطريه الأربعاء 11 ربيع الاخر 1432 – 16 مارس 2011
في التأجيل مصلحة أمريكية – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_16.html
كل إطالة للفترة الانتقالية تصبح سحبا من رصيد الثورة، وفرصة مواتية للثورة المضادة.
هذه العبارة سمعتها من الدكتور المنصف المرزوقى الزعيم التونسى الذى عاد إلى بلاده من منفاه فى فرنسا بعد سقوط نظام بن على. إذ التقيته قبل يومين فى الدوحة، حيث اشتركنا معا مع عشرات من أنحاء العالم. قدموا لمناقشة عنوان صاغه مسؤولو شبكة الجزيرة كالتالى:
هل بدأ المستقبل (فى العالم العربى) الآن؟
أيدته فيما ذهب إليه، ووجدت أن اختبار هذه الفكرة فى الحالة المصرية يؤيد مقولته، من حيث إنه يقودنا إلى مجموعة من القرائن هى:
ـ إن التمديد يطيل من أجل الفراغ الدستورى، ومن ثم يدخل البلاد فى دوامة الفوضى التى تغيب فيها المرجعية التى يحتكم إليها فى ضبط مسيرة الانتقال إلى الوضع الديمقراطى الذى تنشده الجماعة الوطنية.
ويتأكد ذلك الفراغ بشدة إذا ما نجحت الحملة الإعلامية واسعة النطاق الجارية الآن، داعية إلى رفض التعديلات الدستورية التى تفتح الباب للتقدم على طريق إقامة ذلك الوضع المنشود.
ـ من شأن ذلك أيضا إضعاف قوى الثورة وتآكل الحماس لها فى المجتمع بمضي الوقت. ذلك أن أحدا لا يشك فى أن الالتفاف حول أهداف الثورة وطموحاتها هو الآن أفضل منه بكثير بعد عام أو أكثر.
أتحدث هنا عن الجماهير العريضة التى بدأت تعبر عن بعض الاستياء والقلق، خصوصا فى ظل توقف عجلة الإنتاج وتعطل المصالح بسبب إضرابات العاملين واعتصاماتهم. وإذا كان ذلك حاصلا الآن. ووقائع الثورة وهديرها لايزال حاضرا فى الأذهان، فما بالك به بعد عام أو أكثر.
ـ إن فلول النظام السابق المنحازة بحكم تركيبتها ومصالحها إلى الثورة المضادة، سيتوافر لها مزيد من الوقت لترتيب أوراقها وتجميع صفوفها وتحسس الصيغ والمداخل التى تمكنها من أن تجد لها مكانا فى ظل الوضع المستجد تحت عناوين مغايرة. وربما أيضا تحت لافتات تزايد على الجميع فى مساندة الثورة وتبنى مطالبها.
ـ صحيح أن أعضاء المجلس العسكرى أعلنوا عزمهم على تسليم السلطة إلى المدنيين فى أسرع وقت. وقد عبرت عن ذلك التوقيتات قصيرة الأجل نسبيا التى أعلنت للانتقال إلى صلب العملية الديمقراطية.
لكن إذا طالت المدة استجابة لرغبات البعض ممن أصبحوا يتعلقون بحكم العسكر ويفضلونه على التقدم التدريجى نحو الديمقراطية، فكيف نضمن ألا يطيب لهم البقاء فى السلطة، التى نعلم جيدا ما فيها من إغراءات تصعب مقاومتها. ناهيك عن أن استمرار اشغال قيادات الجيش بمشاكل الداخل يصرفه عن مهماته الأساسية بما يعنى أن تظل حدود مصر كلها مكشوفة إلى أجل غير معلوم.
ــ إطالة الفترة الانتقالية توفر فرصة كافية للقوى الخارجية لكى تجد لها موطئ قدم فى الساحة المصرية يمكنها من التأثير على الوضع الداخلى والمستقبل المنشود. إذ لم يعد سرا أن تلك القوى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية (إسرائيل وراءها وربما قبلها) قد فوجئت تماما بأحداث الثورة. ولأنه من الطبيعى فى هذه الحالة أن تحرص تلك الدوائر على عدم تكرار المفاجأة، فلن نستغرب أن تبذل جهدا مضاعفا لاستثمار الوضع المستجد ومحاولة الحضور فى الساحة بأى صورة.
فى هذا السياق لابد أن تلفِت أنظارنا مسارعة الإدارة الأمريكية إلى زيادة المعونة لمصر بمقدار 60 مليون دولار، وتخصيص 150 مليون دولار لدعم التحرك الديمقراطى المصري فى الموازنة الجديدة. وهو الخبر الذى نشرته جريدة الأهرام أمس (15/3).
ولأننا ندرك جيدا أن واشنطن ليست جهة خيرية تتوخى وجه الله فى توزيع المعونات أو الدفاع عن الديمقراطية، فإن ذلك ينبهنا إلى أن القرار الأمريكى بزيادة الدعم إلى مصر بعد الثورة ليس بريئا تماما، ولكن يراد به فى أحسن فروضه دعم الجماعات والمنظمات التى تتوافق مع المصالح الأمريكية.
وإذا صح ذلك فإنه يؤيد ما ذهبت إليه فى بداية هذه الفقرة حين ادعيت أن إطالة أمد الفترة الانتقالية توفر متسعا من الوقت للقوى الخارجية لكى تحاول التأثير على مسار العملية الديمقراطية من خلال المنابر الداخلية ذات الصلة بالأمريكيين أو المرحبة بالتمويل الخارجى.
لا أريد أن أسيء الظن بكل الناقدين والمعارضين، ولكننى فقط ألفت النظر إلى الدور الذى قد تكون المعارضة فيه لغير الله والوطن.
......................
March 14, 2011
أساطير نظام هوى – المقال الأسبوعي
أساطير نظام هوى – فهمي هويدي – المقال الأسبوعيhttp://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_15.html
نريد لمصر «الجديدة» أن تتطهر ليس فقط من شخوص وقيم النظام السابق، ولكن أيضا من مراراته التي مزقت الأواصر، ومن أساطيره التي شوهت الإدراك.
(1)
ليس يكفى أن يستعيد المجتمع روحه المغيبة وكرامته المهدرة وحرياته المنتهكة، لكننا نريد للمجتمع أن يستعيد عافيته وأن يستنهض عناصر القوة والمنعة فيه، والخطوة الأولى في هذا الاتجاه أن يتصالح المجتمع مع ذاته ومع تاريخه وجغرافيته.
ذلك أن بلدا كبيرا مثل مصر لا يستطيع أن يستقر أو أن ينهض بمسؤولياته دون أن يجري مثل هذه المصالحة التي سبقتنا إليها دولة أخرى كبيرة ومهمة في المنطقة هي تركيا.
ذلك أنها لم تثبت حضورها ولم تنل حظها المشهود من التقدير والاحترام والفاعلية، إلا بعد أن قطعت أشواطا بعيدة في المصالحة سواء مع ذاتها من خلال استدعاء المجتمع وتذويب مراراته أو مع محيطها الاستراتيجي من خلال رفع شعار «زيرو مشاكل»، الذي كان يعني تسوية كل المشاكل العالقة بينها وبين جيرانها الأقربين والأبعدين.
المصالحة المنشودة يفترض أن تسبقها إرادة مستقلة ورؤية إستراتيجية واضحة تحدد من نحن وماذا نريد؟ وإذا كانت معطيات ثورة 25 يناير قد ردت للشعب المصري اعتباره، وأعادت إليه ثقته في ذاته وفي دوره، فإن نجاح التقدم على ذلك الطريق يقتضي إجراء المصالحات التي أتحدث عنها، وفي مقدمتها ما يلي:
مصالحة أساسية تصحح العلاقة بين السلطة والمجتمع، وهو ما يتكفل به التمسك بقيم الممارسة الديمقراطية التي تجعل السلطة اختيار المجتمع وليس قدره. بما يعني أنها في خدمة الناس وليس العكس.
وإذا تم ذلك على الصعيد السياسي، فإن المصالحة هنا لا تعني فقط أن يصبح الشعب «سيد قراره»، إذا جاز التعبير، ولكنها تستصحب أيضا ثقة في قدرة المجتمع على أن يضع مصيره بسواعد أبنائه وإبداعهم، وليس بتبرعات المانحين وهباتهم.
رجال القانون الذين أعرفهم يعتبرون أن قيمة القانون تراجعت وأهدرت في ظل النظام السابق، بحيث أن الفيصل في الأمور لم يعد ما إذا كان المرء صاحب حق أو معتدى عليه، وإنما ما إذا كان قويا أم ضعيفا. فإذا كان قويا فله كل ما يريد، أما إذا كان ضعيفا فليشرب من البحر.
لذلك فإنهم يقولون إنه إذا كانت الثورة قد أعادت إلى الشعب حلمه، فإن رد الاعتبار للقانون في مصر يظل أحد الأبواب التي تسهم في تحويل الحلم إلى واقع.
إلى جانب المصالحة المنشودة بين السلطة والمجتمع، فإن مصالحة المجتمع على بعضه البعض هي الساق الثانية التي ينبغي أن تعتمد عليها المسيرة. لذلك فإن التفكير يظل واجبا في ردم وتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وفي المصالحة بين القوى السياسية ذاتها، خصوصا بين الإسلاميين من جانب وبين العلمانيين والقوميين من جانب آخر. وهي إن كانت واجبة بين السياسيين فهي أوجب بين المسلمين والأقباط.
أدري أن العناوين التي ذكرتها تحتمل كلاما كثيرا ونقاشا موسعا، لكنني أردت أن أنبه إلى موضوعها، وإلى كونها مما ينبغي أن تنشغل به النخبة، التي يفترض أن تكف عن الاحتراب الأهلي الذي ظل مستمرا ومستعرا خلال العقود التي مضت.
وإذا كان ذلك الإضراب محتملا أو مفهوما حين كان المواطن مخطوفا ومخصوبا، فإنه الآن لا ينبغي له أن يستمر، بعد أن استعاد المصريون وطنهم، وأصبحوا شركاء فيه وليس مجرد ضيوف عليه.
(2)
هذا الذي ذكرته يمكن أن يشكل مدخلا للمصالحة مع الذات. أما المصالحة الأخرى المهمة فهي مع التاريخ والجغرافيا،
والأولى تتصل بهوية مصر التي ترتكز على انتمائها العربي والإسلامي،
والثانية تتعلق بمسؤولية مصر عن أمنها الوطني ودفاعها عن محيطها الاستراتيجي.
وللأسف فإن المسألتين ظلتا محل لغط والتباس في ظل النظام السابق، وصلا إلى حد المنازعة في مقومات الهوية والمفاصلة بين مصر والعالم العربي والتشكيك في طبيعة التهديد الاستراتيجي، وما إذا كان يتجسد في إسرائيل حقا، أم أن إيران أصبحت تمثل ذلك التهديد.
وهذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول إن الوهن والتشتت الذي عاشت مصر في ظله طوال الثلاثين سنة الأخيرة على الأقل أحدث خللا جسيما في الرؤية الإستراتيجية أوصل العطب ليس فقط إلى مقومات استقرار الوطن ومسيرته، وإنما أيضا إلى ثوابته التي بها أو من دونها يقوم الوطن أو لا يقوم.
لقد آن للذين يتأففون من ذكر الانتماء العربي لمصر وأولئك الذين ينفرون من انتمائها الإسلامي أن يراجعوا أنفسهم، ذلك أن هوية مصر لا ينبغي أن تخضع للمساواة أو الخصم.
بالتالي فلا ينبغي أن نتساءل أو نتحفظ على مقومات هذه الهوية، وإنما التساؤل ينبغي أن ينصب على كيفية استثمار تلك المقومات بحيث تصبح مصدرا للقوة والمتعة وليس عنصرا سلبيا يخصم من رصيد الوطن ولا يضيف إليه.
وإذا كانت تركيا قد نجحت في توظيف المصالحة مع التاريخ والجغرافيا لصالح مشروع النهضة الذي تتقدم على طريقه الآن، فما الذي يمنع مصر أن تتنكب الطريق ذاته، خصوصا أن نهوضها سيعني في حقيقة الأمر صحوة الأمة العربية كلها، بما يعيدها إلى مجرى التاريخ الذي خرجت مصر منذ انكسرت مصر وانكفأت، وتنكرت للتاريخ والجغرافيا في فترة مظلمة من تاريخها.
(3)
التصالح الذي أدعو إليه له وجه آخر، إذ يقتضي مراجعة جادة للعديد من الأساطير التي جرى الترويج لها في ظل العهد السابق. ويحضرني في هذا الصدد موقف تعرضت له خلال الأسابيع الأخيرة. فقد استقبلت شابا جاءني لكي يجري حوارا ضمن مشروع دراسي يعده. وكان أول سؤال وجهه إلىَّ هو:
هل تعتقد أن قطر تقف وراء المظاهرات التي خرجت إلى ميدان التحرير؟.
فوجئت بالسؤال الذي لم أتوقعه، ولم أنشغل بالإجابة عنه بقدر انشغالي بمعرفة الخلفية التي جعلته يفكر فيه ويستهل به الحوار، وحين ناقشته في ذلك أدهشني أنني وجدته مقتنعا بأن قطر تتآمر على مصر وأن قناة الجزيرة أداتها في ذلك بالتالي.
لم يكن تفكير الشاب استثنائيا، لأن الانطباع الذي عبر عنه له أنصاره في بعض الأوساط المصرية. وكان الجديد فقط أن ظنونه ذهبت في ذلك إلى أبعد مما ينبغي.
إذا أدركت أنه ليست هناك مشكلة من أي نوع بين مصر وقطر، وأن المشكلة الحقيقية أن الجهات الإعلامية والأمنية في النظام السابق أرادت أن تعامل قناة الجزيرة كما تعامل التلفزيون الرسمي المصري، وأن ما كانت تبثه القناة عن مصر أقل بكثير مما كانت تنشره الصحف المصرية المستقلة والمعارضة، فسوف تكتشف أن الأبواق الدعائية المصرية في دفاعها عن النظام السابق، لم ينل بتشويه الإدراك المصري وإحداث الوقيعة بين الشعبين.
الذي حدث مع قطر تكرر بصورة أقسى مع الفلسطينيين الذين صورهم الإعلام المصري الموجه باعتبارهم خطرا يهدد أمن مصر ويسعى إلى ضرب اقتصادها، خصوصا حين رفضت حركة حماس الوصاية المصرية وتمسكت بالدفاع عن ثوابت القضية في مواجهة حملة تصفيتها الجارية على قدم وساق.
وقد اشتدت تلك الحملة بعدما حاول فلسطينيو غزة تجاوز بوابة رفح، احتجاجا على الحصار الذي شاركت فيه مصر. وكانت نتيجة التعبئة المضادة التي تنافست وسائل الإعلام المصرية في إطلاقها آنذاك أن تصور البعض أن العدو الاستراتيجي هو فلسطينيو غزة وحركة حماس تحديدا وليست إسرائيل.
هذا المنطق المختل أدى أيضا إلى تخريب العلاقات بين مصر وسوريا. وفي ظل ذلك التخريب سكت الجميع على مفارقة مفجعة، أدت إلى أن أصبح الطريق مفتوحا وممهدا بين القاهرة وتل أبيب، في حين صار ذلك الطريق مقطوعا بين القاهرة ودمشق.
كما أن أحدا لا يستطيع أن ينسى الأزمة المخجلة التي ثارت مع الجزائر بسبب مباراة لكرة القدم. وكانت نموذجا للخبل السياسي الذي أصاب الإعلام يلوثه، حتى أعلنتها أبواقه حربا شرسة وقبيحة أوصلت العلاقات بين البلدين إلى الحضيض.
(4)
من الأساطير التي شاعت أيضا في ظل النظام السابق أن إيران عدوة لمصر، وأن حزب الله يسعى إلى تخريبها وضرب اقتصادها.
والأسطورة الأولى كانت وراء القطيعة المستمرة بين البلدين منذ قامت الثورة الإسلامية في عام 1979، وحتى اللحظة الراهنة. ولأنني واحد ممن تابعوا مسار العلاقات بين القاهرة وطهران منذ السنة الأولى للثورة، فإنني لم أجد سببا مقنعا لا للقطيعة بين البلدين، ولا لتصنيف إيران بأنها عدو لمصر، فهمت أن ثمة عداء له ما يبرره بين إيران الثورة وبين الأمريكيين، وأن العداء الأكبر قائم بينها وبين إسرائيل. لذلك فإنه في غياب أي أسباب جوهرية لاستمرار القطيعة والخصومة بين القاهرة وطهران، فإن انحياز مصر إلى موقف القطيعة لم يكن يفسر إلا بأنه يتم بالوكالة عن الأعداء الحقيقيين.
أدرى أن ثمة خلافات سياسية بين البلدين، وأن هناك ملفات عالقة بعضها عربي والبعض الآخر أمني مصري، لكن من قال إن العلاقات الدبلوماسية لا تقوم بين الدول إلا في حالة الاتفاق بينها في كل شيء.
علما بأن الدول الأشد خلافا مع إيران، مثل السعودية ودولة الإمارات، تحتفظ بعلاقات دبلوماسية طبيعية مع طهران.
ومن المفارقات المثيرة للدهشة في هذا الصدد أن التناقضات الإستراتيجية بين مصر وإسرائيل، التي هي أكثر عمقا وجذرية أمكن تجاوزها بصورة نسبية، في حين أن التناقضات الثانوية والفرعية بين مصر وإيران تعذر حلها.
تهديد حزب الله في لبنان لمصر أسطورة أخرى جرى الترويج لها بعد اكتشاف دخول عناصر من الحزب إلى مصر للبحث عن وسيلة لمساعدة الفلسطينيين المحاصرين في غزة. وقد جرى التهويل في هذه العملية التي كان يمكن احتواؤها بسهولة، خصوصا أنه لم يكن فيها أي شيء ضد مصر.
وبعدما تولت الأجهزة الأمنية نسج الأكاذيب التي حولت العملية إلى مؤامرة، قام الإعلام المصري بدوره في تشويه حزب الله وهجائه بصورة مُسِفَّة ومقذعة. وانتهى الأمر بمصر الكبيرة التي كانت لاعبا رئيسا في الساحة اللبنانية أن أصبحت طرفا صغيرا فاقد الاحترام والاعتبار في الصراع السياسي والطائفي هناك.
الأسوأ من ذلك أن اصطفافها جاء إلى جانب الطرف المؤيد أمريكيا وإسرائيليا وأوروبيا.
اختم بأسطورة محور «الاعتدال» الذي قادته مصر أو انتسبت إليه. إذ يكفي لتكذيبها وإسقاطها أنه لم يحتف بذلك الاعتدال المريب سوى الولايات المتحدة وإسرائيل. بل يكفي لإدانة الموقف المصري في هذا الصدد أن رئيسها اعتبر كنزا استراتيجيا لإسرائيل.
وهي قرائن تدل دلالة صارخة على أننا بصدد عنوان مغشوش وضع فوق تجمع مشبوه. إذ أن ذلك التجمع كان نموذجا لحلف جديد تورطت فيه بعض الدول العربية لموالاة الدولتين الراعيتين (الولايات المتحدة وإسرائيل).
الذي لا يقل خطرا عن ذلك أن الاصطفاف إلى جانب ذلك «الاعتدال» المريب، كان يعني مباشرة إدانة للمقاومة واستهجانا للممانعة وازدراء للصمود، وتمهيدا للطريق أمام الانبطاح الكامل في نهاية المطاف.
إن إزالة آثار العدوان «الوطني» على مصر مهمة أصعب بكثير من إزالة آثار العدوان الإسرائيلي »عليها.
..................
March 13, 2011
جدل في الاتجاه الغلط
جدل في الاتجاه الغلط - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_14.html
العسكر يريدون اختصار الزمن وتسليم السلطة للمدنيين، لكن المدنيين يدعونهم إلى التريث ويطالبونهم بإطالة مدة بقائهم في السلطة. هذه خلاصة لما يجري في مصر هذه الأيام، كما عبرت عنه الأصوات العالية في الصحافة والحوارات التليفزيونية على الأقل.
وهو ما يضعنا بإزاء موقف غير مألوف. إذ في حين أن الشعب هو الذي تقدم وصنع ثورة 25 يناير، ثم تدخل الجيش ولعب دورا حاسما في إنجاحها، فإن بعض عناصر النخبة انحازت إلى فكرة إبطاء حركة الجيش، حين أدركت أنه يركض باتجاه تحقيق أهداف الثورة! وهو ما عبر عنه العنوان الذي نشر صبيحة الاثنين الماضي 7/3 وتحدث عن أن رؤساء 25 حزبا طالبوا المجلس العسكري بمد الفترة الانتقالية.
ليس رؤساء الأحزاب وحدهم الذين دعوا إلى هذه الفكرة، لأن مصر تعج هذه الأيام بمناقشات محورها التعديلات الدستورية التي أنجزتها اللجنة المشكلة برئاسة المستشار طارق البشرى.
وهناك ضغوط قوية من أطراف عدة تبنت ذات المطلب. والمتابع لأصداء تلك الخطوة يلاحظ أولا أن الإعلام الرسمي تجاهلها، فلم يقدمها للناس ولم يشرحها لهم.
كما يلاحظ ثانيا أن المواقف تباينت إزاءها. فالبعض قالوا إنها غير كافية، وإن مصر بحاجة إلى دستور جديد تماما. أما الأغلبية فلم تنتقد التعديلات المقترحة، وإنما ذكرت أن مهلة الأشهر الستة التي يفترض أن تجرى في نهايتها الانتخابات التشريعية ليست كافية، لأن الأحزاب تحتاج إلى وقت أطول لكي تتواصل مع المجتمع وتقدم برامجها إلى جماهيره، وهؤلاء اعتبروا أن الانتخابات إذا أجريت في هذه الحالة فإنها ستدور بين الإخوان المسلمين الأكثر تنظيما وبين فلول الحزب الوطني الأوفر حظا من المال.
الذين يرفضون التعديلات ويتطلعون إلى إصدار دستور يناسب النظام الجديد، فإن وجهة نظرهم لا تخلو من وجاهة، لأننا فعلا بحاجة إلى دستور جديد، وما أفهمه أن التعديلات التي تمت تقود إلى ذلك، لأنها تغطي المرحلة الانتقالية فقط، وتوفر مناخا صحيا للتقدم صوب الوضع الدائم. وأهم ما فيها أنها تزيح العقبات التي تحول دون نزاهة الانتخابات وصدقية تعبيرها عن ضمير المجتمع وأشواقه.
بكلام آخر فإن الدعوة إلى إعداد دستور جديد تنشد الأكمل والحد الأقصى، أما التعديلات التي أدخلت على الدستور القائم والتي جعلته أقرب ما يكون إلى الإعلان الدستوري المؤقت فهي تتعامل مع الممكن الذي يفتح الطريق لبلوغ الأكمل.
بقى السؤال حول المهلة الزمنية والمخاوف المثارة بخصوصها. إذ قيل إن مهلة الأشهر الستة تلك لن تسمح للقوى السياسية بأن تتواصل مع المجتمع وتقدم برامجها إلى جماهيره ونحن إذا دققنا في الساحة السياسية فسنجد أن بها أربع قوى هي الأحزاب التقليدية التي اكتسبت الشرعية قبل 25 يناير ــ الإخوان المسلمون ــ جماهير الثورة والقوى التي يمكن أن تخرج من رحمها أو في أجوائها ــ المستقلون.
ولا أظن أن الأحزاب التقليدية تحتاج إلى مهلة خصوصا أن بعضها له وجوده منذ ثلاثين عاما أو أكثر ــ كما أنني لا أظن أن ثمة قلقا من فلول الحزب الوطني لأن أحدا لا يستطيع أن يترشح ممثلا له. ولذلك فإنني أزعم أن المنافسة الحقيقية ستكون بين الإخوان وبين القوى التي تستلهم روح الثورة،
والأولون ليسوا بحاجة إلى مهلة، والآخرون يملكون رصيدا كافيا من الشعبية يمكن أن يتفوق على الإخوان. وهذا الرصيد قد يتراجع إذا تم تمديد المهلة.
أما المستقلون فإنهم يستندون إلى رصيدهم المحلى في دوائرهم، خدميا كان أم عائليا وتاريخيا، وهم أيضا ليسوا بحاجة إلى مهلة.
أخشى أن تكون «فزاعة الإخوان» هي التي تكمن وراء الإلحاح على تمديد المهلة، رغم أن وقائع الثورة أثبتت أن حضورهم ليس بالقدر المفزع الذي صورته الدعايات الأمنية، وهو ما أدركته الدوائر الغربية التي راقبت المشهد. وهي مفارقة أن يتوجس البعض من شبح مشكوك في وجوده يتمثل في تقدم الإخوان، في حين يتجاهلون مخاطر حقيقية يمكن أن تترتب على بقاء العسكر في السلطة لمدة أطول.
وتلك ليست المفارقة الوحيدة، لأن أولئك النفر من المثقفين أصبحوا يفضلون استمرار المجلس العسكري أو تشكيل مجلس رئاسي يختاره العسكر على قيام المجتمع باختيار ممثليه في المجلس التشريعي، حتى بدا أن ثقتهم في العسكر أكبر من ثقتهم في أنفسهم.
.............................
دفاع عن الوسطية المصرية
صحيفة الشروق الجديد المصريه الاثنين 8 ربيع الاخر 1432 – 13 مارس 2011
دفاع عن الوسطية المصرية – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_13.html
عندما ألقى أحد رموز الفكر السلفى بمصر خطبة الجمعة قبل الماضية فى أحد المساجد الكبرى التى تشرف عليها وزارة الأوقاف، انتابنى شعور بالدهشة والحيرة.
وحين نشر قبل أيام قليلة أن القيادى السلفى بصدد إلقاء خطبة الجمعة فى مسجد عمرو بن العاص الأكبر والأقدم فى أفريقيا وليس فى مصر وحدها (وهو ما تم التراجع عنه فى اللحظة الأخيرة) كان السؤال الذى خطر لى هو:
هل قررت وزارة الأوقاف أن تسلم بعض المساجد الكبيرة التى تخضع لإشراف الدولة لكى تسخر منابرها للترويج للفكر السلفى، متنازلة بذلك عن تمسكها بالفكر الأزهرى الوسطى الذى عرفت به مصر على مر العصور؟ثمة إيضاحات ضرورية أسجلها قبل مناقشة القضية هى:●إن مصطلح الفكر السلفى فى الخبرة المعاصرة ينصرف إلى تيار متشدد فى فهم التعاليم، ويعد امتدادا للمدرسة الوهابية التى تستلهم فكر شيخ الإسلام ابن تيمية، ويستمد مشروعيته الفقهية من مذهب الإمام أحمد بن حنبل. وبعد ان كانت السلفية فى المفهوم الأصولى تصف القرون الثلاثة الأولى من التاريخ الإسلامى، فإنها أصبحت لاحقا وصفا لجماعة بذاتها اعتنقت فكر محمد بن عبدالوهاب، ونسبت إليه. ورغم أن الجزيرة العربية ظلت مهد الحركة ومعقلها، إلا أن ظروفا عدة يطول شرحها ساعدت على عبورها الحدود ووصولها إلى العديد من أقطار العالم العربى والإسلامى.● لم يعد السلفيون شيئا واحدا. ولكن فى داخلهم تيارات متعددة وبينهم عقلاء ومتطرفون. ففى الكويت مثلا فريق من الحركة السلفية يؤمن بالديمقراطية، فى حين أنهم فى السعودية ينفرون منها، وقد حرَّمها أحدهم فى مصر مؤخرا.
وأيا كان رأينا فى تشددهم إزاء مختلف مظاهر السلوك الاجتماعى وتعصبهم إزاء الآخرين المغايرين، المسلمون منهم وغير المسلمين، فإن حقهم فى الدفاع عن مشروعهم الفكرى يظل مشروعا، على الأقل فيما لا يتعارض مع القانون والدستور.● الحركة السلفية من هذه الزاوية تتبنى موقفا مختلفا وبعيدا عن مسار الوسطية التى عرف بها الأزهر فى مصر ودافع عنها على مدار تاريخه، وإذاكانت قد انتعشت بصورة نسبية خلال السنوات التى تم فيها حظر نشاط الإخوان المسلمين، إلا أنه تظل فصيلا ينبغى الاعتراف به وجزءا من ظاهرة التنوع والتعددية فى الساحة الإسلامية، شأنهم فى ذلك شأن تجمعات أخرى مثل الإخوان والمتصوفة وجماعة التبليغ والجمعية الشرعية وغيرهم.هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول ان تحفظنا على الفكر السلفى ورفضنا له ينبغى ألا يحولا دون اعترافنا بحقه فى الوجود. لكننا أيضا نصر على التمسك بحقنا فى الدفاع عن الوسطية الأزهرية المصرية، وعن اعتبارها الأصل الذى نتشبث به، والذى ينبغى أن يكون الصوت العالى الذى ينطلق من فوق منابر المساجد التى تشرف عليها الدولة.إذا حاولنا تنزيل هذه الفكرة على أرض الواقع، فسنقول إن للسلفيين مساجدهم التى ينبغى أن تحترم، وأن يرفع جهاز أمن الدولة يده عنها، وليس هناك منطق ولا مصلحة فى تقديم منابر إضافية أخرى كمساجد الدولة لكى يعتلوها ويبشروا بأفكارهم من فوقها.
ذلك ان خطوة من ذلك القبيل تفتح الباب لتأويلات عدة، من بينها ان هناك من يشجع التيار السلفى غير المسيَّس بطبيعته لمنافسة الإخوان، أو يحاول توظيف بعض أفكاره لإثارة المسلمين واستفزاز الأقباط، ومن ثم للمساهمة فى إذكاء الفتنة والفوضى فى مصر.على صعيد آخر، فليس مفهوما ما سمعته من أن السلفيين يستولون بالقوة على بعض المنابر، وهو ما قيل فى تفسير صعود أحد قيادييهم على منبر مسجد «النور» بحى العباسية.
إذ لا أفهم ما هى القوة التى يملكونها لتحقيق هدف من هذا القبيل، وحتى إذا صح أن وزارة الأوقاف استولت على المسجد بعد بنائه وتولت الإشراف عليه، فإن لاسترداده من الوزارة أساليب أخرى لا ينبغى أن تكون القوة بينها.
إن الوسطية الأزهرية المصرية عصمت البلاد من مزالق كثيرة، فضلا عن أنها جعلت مصر منارة يهتدى بها العالم الإسلامى، ونحن نريد أن نحافظ على اعتدال فكرنا ووسطيته، وعلى وهج تلك المنارة وإشعاعها الوضاء .. أرجوكم.
.................
March 12, 2011
كى لا تبتذل الثورة
لا تبتذل الثورة – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_12.html
موضوع التظاهر فى قلب القاهرة أصبح يحتاج إلى مراجعة وضبط، حتى لا يتحول ميدان التحرير من ساحة ورمز للثورة إلى بؤرة لتشويه الثورة وابتذالها.
لست ضد مبدأ التظاهر فى الميدان ولكن دعوتى تستهدف مجرد مراجعة وضبط العملية.
ولعل البعض يذكرون اننى كنت قد دعوت إلى استمرار التظاهر كل يوم جمعة فيما نشر لى فى هذا المكان يوم 2/3 تحت عنوان «استمرار التظاهر واجب الوقت». وهذه الدعوة اطلقتها أثناء وجود السيد أحمد شفيق رجل مبارك على رأس الحكومة. التى ضمت بعض وجوه النظام السابق. وكان هدف الدعوة هو التضامن مع المطالبة الشعبية باقالة رئيس الحكومة واستبعاد تلك الوجوه، لإعلان القطيعة مع ذلك النظام.
وقد كان التظاهر ــ ولايزال ــ هو الصيغة الوحيدة المتاحة للتعبير عن رأى الشارع ومخاطبة السلطة.
كما أن الميدان أصبح المنبر الوحيد المتوفر لإعلان صوت الشارع. إذ لم يعد سرا ان النظام السابق دمر أغلب مؤسسات المجتمع المدنى بحيث لم تعد لدينا أحزاب حقيقية ولا نقابات مهنية أو اتحادات عمالية، رغم أن لدينا ما لا حصر له من اللافتات التى تحمل تلك المسميات.
بعد ازاحة حكومة مبارك واستبعاد رجاله تحقق أحد المطالب الأساسية للثورة، خصوصا حين رأس الحكومة شخصية موثوقة اكتسبت شرعيتها من انتمائها إلى المتظاهرين فى ميدان التحرير، وهو ما يطرح سؤالين هما: كيف يمكن الاسهام فى انجاح مهمة تلك الحكومة؟ ثم كيف يمكن أن يظل الشارع حاضرا ومساهما فى الضغط على السلطة لتحقيق بقية المطالب المشروعة؟
اقتراحى المحدد كالتالى: ان يتوافق ممثلو جماهير 25 يناير على مجموعة من المطالب الأساسية للمرحلة المقبلة (حبذا لو أدرجها رئيس الوزراء فى برنامج حكومته) منها مثلا: اطلاق الحريات العامة بما فى ذلك حرية تشكيل الأحزاب لاستعادة الحيوية السياسية قبل الانتخابات التشريعية القادمة ــ إلغاء قانون الطوارئ واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ــ محاسبة المسئولين عن قتل المتظاهرين وتطهير جهاز أمن الدولة..
الخ.
وفى حالة الاتفاق على هذه العناوين أو غيرها وعلى آجال تنفيذها، تتوقف المظاهرات تماما، فى حين تستمر الجهات التى تمثل جماهير الميدان (مجلس أمناء الثورة والائتلاف مثلا) فى متابعة الموقف ومراقبة التنفيذ. ولها ان تدعو الشعب إلى التظاهر مجددا إذا تبين أن هناك اخلالا بما اتفق عليه، ويستمر الأمر كذلك إلى حين يتم انتخاب مجلس نيابى جديد يمثل إرادة الشعب.
إن التزام الحكومة بتنفيذ مطالب الشعب، ينبغى أن يستتبعه انفضاض الجمع المرابط فى ميدان التحرير تمهيدا لإعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية فى العاصمة وفى غيرها من مدن الثورة.
وسيساعد على ذلك كثيرا لا ريب ان تظهر الشرطة لكى تؤدى واجبها فى إعادة الانضباط إلى الشارع ووقف الانفلات الأمنى الذى أصبح عبئا على المجتمع وعلى الثورة.
أدرى ان ثمة مجموعات ظلت مصرة على البقاء فى ميدان التحرير، تتراوح أعدادها ما بين 300 و500 شخص، وهذه المجموعات تنقسم إلى فريقين، فريق الشبان المتحمسين الذين يعتبرون ان بقاءهم فى الميدان هو الضمان الوحيد لتنفيذ مطالب الثورة، الفريق الآخر يضم أعدادا من العاطلين عن العمل الذين اعتبروا أن انتظامهم فى الميدان بمثابة وظيفة بديلة لهم. وإلى جانبهم آخرون تعاملوا مع الميدان بحسبانه سوقا يروجون فيها بضاعتهم ويرتزقون منها. وأغلب الظن أن هؤلاء وهؤلاء لم يكونوا من ثوار الميدان لا فى 25 ولا فى 28 يناير، وانما التحقوا به بعد ذلك، إما بدافع من الحماس أو الرغبة فى الانتفاع.
إذا اعتبرنا أن وجود المتحمسين فى الميدان من قبيل ممارستهم لحقهم القانونى فى التظاهر السلمى الذى يمكن أن يستمر لبعض الوقت، فإن وجود غيرهم من البلطجية والباعة الجائلين يعد نوعا من ابتذال الميدان الذى ينبغى التعامل معه بحزم. ولا أجد سببا للتسامح معه من جانب جهات الاختصاص فى السلطة.
لقد سارع البعض إلى إعلان ضيقهم واستيائهم من المشهد الراهن فى ميدان التحرير، فظلموا الثورة بذلك التسرع، لأن الثوار الحقيقيين هم الذين حافظوا على الميدان، وغيرهم هم الذين قصفوه حينا وابتذلوه فى أحيان أخرى.
تنويه : تمت كتابة هذا المقال قبل صدور قرار فض الاعتصام فى ميدان التحرير
...................
فهمي هويدي's Blog
- فهمي هويدي's profile
- 1314 followers
