فهمي هويدي's Blog, page 199
March 9, 2011
المتآمرون يتحركون
صحيفة الشرق القطريه الخميس 5 ربيع الاخر 1432 – 10 مارس 2011
المتآمرون يتحركون - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_10.html
منذ انفجر بركان الغضب الشعبي في وجه نظام الرئيس السابق تتابعت مجموعة من الأحداث تحتاج منا إلى انتباه، وإلى تحليل لسياقها ومراميها، هذه الأحداث هي:
> الاختفاء المفاجئ للشرطة، الأمر الذي صدم المصريين وروعهم، من حيث إنه أفقدهم الشعور بالأمان، حتى وهم في داخل بيوتهم. ليس ذلك فحسب، وإنما أدى إلى إثارة الفوضى في البلاد، وإلى إطلاق العصابات التي شرعت في السلب والنهب في مشهد مخيف، لم يعرفه المصريون من قبل.
> فتح عدد كبير من السجون وإخراج من فيها أو هروبهم، وانضمام أعداد كبيرة من أولئك المحكومين إلى الفئات التي أسهمت في السلب والنهب وترويع المواطنين، الأمر الذي أسهم في توسيع دائرة الفوضى بحيث لم تعد تقتصر على المدن والضواحي، وإنما أصابت سكان المناطق النائية التي يضعف فيها حضور الدولة، وفي غياب الشرطة فإنه أريد إقناع قطاعات كبيرة من الأهالي بأنه لم تعد هناك دولة من الأساس.
> الانتشار المفاجئ للإضرابات والمطالبات الفئوية في توقيت متزامن، بحيث استدعت كل فئة مشكلاتها في وقت واحد وخرجت رافعة لواء العصيان، بين من يطالبون برفع أجورهم إلى المطالبين بتثبيتهم في وظائف الحكومة، إلى المطالبين بتوفير المسكن أو المرافق، إلى المطالبين بإقصاء رؤسائهم في الأجهزة الحكومية والوحدات الإنتاجية المختلفة..الخ.
> إصابة القطاع الصناعي بالشلل سواء بسبب الإضرابات أو بسبب غياب الأمن الذي حال دون وصول العاملين إلى مقار عملهم.
> الظهور المفاجئ لمجموعات من السلفيين خصوصا في القاهرة والإسكندرية، الذين خرجوا في مسيرات خاصة لم تر من قبل طوال أيام الغضب الجماهيري الحاشد. وهذه المسيرات رفعت لافتات مختلفة عن تلك التي توافق عليها المتظاهرون، والتي كانت ذات طابع وطني بالدرجة الأولى. في حين أن لافتات ونداءات تلك المسيرات اتسمت بطابع ديني زايد على الجميع. ولم تكن اللافتات وحدها التي أثارت الانتباه، ولكن توقيت خروج المسيرات واشتباك المشاركين فيها مع فئات المجتمع الأخرى كان بدوره مثيرا للتساؤل والارتياب.
> لاحت بوادر لمحاولة الوقيعة سواء بين الجيش والشرطة أو الجيش والشعب. إذ تناقل كثيرون تعليقات لبعض رجال الشرطة غمزت في دور الجيش وقللت من شأن قدرته على الحفاظ على الأمن.
وقال لي شخص إنه اتصل هاتفيا بأحد أقسام الشرطة شاكيا من أمر اعترضه فرد عليه الضابط الذي تلقى المكالمة قائلا: لماذا لا ترجع إلى الجيش الذي احتميتم به، ثم أضاف: ليته ينفعكم. أما محاولات الوقيعة بين الجيش والشعب فقد تكفل بها نفر من البلطجية الذين تكررت محاولات تحرشهم بالشرطة العسكرية في ميدان التحرير.
> فتحت مقار جهاز أمن الدولة أو تم اقتحامها في توقيت واحد تقريبا، بعد أن قطعت عمليات إحراق وإبادة ما فيها من تقارير وملفات شوطا بعيدا. وتمت استباحة كميات أخرى من التقارير التي أثارت طنينا ولغطا في طول مصر وعرضها. وحين أصبحت تلك التقارير بين أيدي الذين دخلوا إلى المقار في مختلف أنحاء مصر، شغل الناس بسيل الأخبار والأسرار التي تضمنتها مما أشاع درجات مختلفة من البلبلة بينهم.
> أطلت الفتنة الطائفية برأسها، بعد الاعتداء على إحدى الكنائس، وخرج المئات من الأقباط في تظاهرات احتجاجية غاضبة، الأمر الذي تطور إلى اشتباك بين بعضهم وآخرين من المسلمين، وجرى تصعيد الاشتباك إلى ما هو، حيث دمرت سيارات كثيرين وهرب البعض من بيوتهم وأحرقت بيوت آخرين.
هل يمكن أن تكون هذه كلها مصادفات؟ وهل نبالغ إذا ما قلنا إن ثمة أيادي خفية لم تتوقف عن إفساد الإجماع الوطني وتأليب وتحريض فئات المجتمع على بعضها البعض، ومن ثم إشغال الوضع المستجد وإرباكه بما لا يسمح لسلطة الثورة بأن تتقدم في مسيرتها، وبما يشيع البلبلة والترويع والفوضى في البلاد، لإقناع المصريين بأنهم انتقلوا إلى وضع أسوأ، وأن الوضع السابق رغم سوءاته كان أفضل لهم
ـ وهل نبالغ إذا قلنا إن عناصر جهاز أمن الدولة التي تآمرت على المجتمع بأسره في السابق مازالت تواصل تآمرها لإجهاض الثورة؟ وألا يعني ذلك أنه لا يزال في البلد طابور خامس يتربص بنا لا يتوقف عن إشعال الحرائق في ربوع البلاد مستهدفا استنزاف الثورة وإفشالها؟..
ليس هذا بلاغا إلى النائب العام، ولكنه بلاغ إلى عموم أهل مصر.
...........................
March 8, 2011
عملاء لا متعاونون
عملاء لا متعاونون - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_09.html
أفهم أن يطلق جهاز أمن الدولة على رجاله وأذرعه في الجهات المختلفة وصف «المتعاونين» من باب التمويه والتدليس وإعطاء الانطباع بأنهم يقومون بعمل شريف،
لكنني لا أفهم أن نوافقهم على ذلك فنُنسي الناس أن هؤلاء لم يكونوا سوى عملاء يؤدون دورا لا علاقة له بالنزاهة أو الشرف.
ولذلك فإنني أدعو إلى أن نستخدم الوصف الحقيقي على كل من تجسس على زملائه أو رؤسائه في أي موقع، وتطوع بكتابة تقارير عن أنشطتهم واتصالاتهم لقاء حظوة ينالها أو أجر معلوم في جهاز أمن الدولة.
كنت قد عبرت عن الفكرة ذاتها قبل عدة سنوات، حين عادت السلطة الفلسطينية إلى الضفة وغزة، وأدركت أن ثمة عددا كبيرا من الجواسيس زرعتهم إسرائيل في أوساط الفلسطينيين في سعيها لتتبع عناصر المقاومة وإجهاض عملياتهم، وأطلقت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على هؤلاء العملاء وصف المتعاونين. وحاولت أن توفر الحماية لهم داخل الأراضي الفلسطينية، ولكن ذلك كان مستحيلا، فجمعتهم في إحدى القرى،
وحين ظلت وسائل الإعلام تشير إليهم باعتبارهم متعاونين، رفعت صوتي بالاعتراض وطالبت بإسقاط ذلك القناع من على وجوههم، وإطلاق الاسم الحقيقي عليهم، ومن ثم اعتبارهم جواسيس لصالح العدو، ثم تجنيدهم ضد أهلهم ووطنهم وقضيتهم.
لست في وارد المساواة بين الإسرائيليين وجهاز أمن الدولة، ولا أريد أن أخوض في التدليل على الفرق بينهما، ولكنني أناقش قضية المصطلح، محذرا من استخدامه في التمويه وطمس معالم الجريمة التي ترتكب بحق المجتمع، حين تجند الأجهزة الأمنية المواطنين للتجسس على زملائهم وقيادات مؤسساتهم ولاختراق كل مجالات التأثير على الرأي العام. وهو ما حدث في الحالة المصرية تحديدا، حيث لم يكتف فيها جهاز أمن الدولة بذلك الجيش الجرار من المخبرين الذي بثته في أرجاء مصر، وإنما جندت في كل موقع من يتصنت ويسجل ما يجري فيه.
قبل عدة سنوات حدثني صديق كان مديرا لمستشفى قصر العيني أنه حين بلغ سن التقاعد وكان عليه أن يترك مكتبه، فإن سكرتيره دخل عليه في آخر يوم واعترف له بأنه كان مطالبا بالتنصت على مكالماته الهاتفية وإبلاغ ضابط أمن الدولة أولا بأول بما يدور في تلك الاتصالات، وبجميع تحركاته ومكاتباته، وكان يتقاضى راتبا شهريا قدره 60 جنيها.
لم يكن لصديقي الطبيب أي نشاط عام من أي نوع، باستثناء أنه كان يبعث إلى بريد الأهرام بتعليقات وملاحظات حول بعض القضايا المثارة.
القصة ذاتها سمعتها من مسؤول بدار الكتب، حيث لم يكتف الجهاز بتعيين أحد ضباط أمن الدولة لمراقبة ما يجري في الدار، وإنما أوكل لأحد الموظفين الصغار مهمة مراقبة المدير ورصد تحركاته.
ما حدث في جميع مؤسسات الدولة وأنشطة المجتمع كان له حضوره الأكبر في وسائل الإعلام والأحزاب السياسية والجامعات، وكان معروفا أن أحد مساعدي الوزير كان مسؤولا عن الإعلام.
أما أذرع جهاز أمن الدولة في الصحف القومية والخاصة وفي المكاتب التي تمثل الصحف العربية في مصر، وفي دوائر البث التلفزيوني والإذاعي، فقد كانت بلا حصر، ولعلي لا أبالغ إذا قلت إنه ما من مؤسسة إعلامية في مصر إلا وتم اختراقها سواء على مستوى رؤساء التحرير أو المحررين. ذلك أن الجهاز اعتبر أن وسائل الإعلام هي «أسلحة الدمار الشامل» التي يستخدمها لتصفية حساباته ضد المعارضين السياسيين والإخوان المسلمين على رأسهم.
وربما يذكر كثيرون أن جهاز أمن الدولة استخدم إحدى الصحف الخاصة لنشر صورة كبيرة مرتين على يومين متتاليين ــ بالمخالفة لتقاليد المهنة ــ لما سمي آنذاك بميليشيا الإخوان في جامعة الأزهر، وكان ذلك تمهيدا لأكبر عملية انقضاض وقمع لعناصر الجماعة.
وكنت أحد الذين تحدثوا كثيرا عن ممارسات الإعلام الأمني، وكيف كانت بعض التقارير الأمنية الموزعة تنشر كما هي، بأسلوبها الركيك وأخطائها اللغوية، بأسماء زملاء احتلوا مواقع مهمة في الصحف.
ما حدث في الإعلام تكرر مع الأحزاب التي كان بعض قادتها يأخذون توجيهاتهم من ضباط أمن الدولة. كما أن أولئك الضباط كانوا يوجهون الأغلبية الساحقة من عمداء الكليات الجامعية ووكلائها، فضلا عن بعض الأساتذة «المتعاونين».
في حدود علمي فإن قوائم عملاء أمن الدولة في المجالات المختلفة تسربت بعد اقتحام مقار الجهاز، وقد تلقيت صورة مستنسخة لقائمة ضمت 38 اسما لبعض أولئك العملاء الذين كانوا يتجسسون على الجماعات السياسية، بينهم 20 شخصا جندوا في داخل حركة الإخوان وحدها.
أليس من حق الرأي العام أن يتعرف على قوائم أولئك الجواسيس، على الأقل من كان منهم يسهم في تضليل الناس في وسائل الإعلام أو يعوق الحياة السياسية من خلال اختراق الأحزاب وتخريبها من الداخل، وهي التي أريد لها أن تظل عاجزة ومشوهة، إننا لا ندعو إلى محاسبتهم، ولكن فقط أن نعرفهم، ليس فقط لكشف أدوارهم، وإنما أيضا لردع غيرهم من الذين يتورطون في مثل تلك المهام القذرة.
...........................
March 7, 2011
إرهاصات الثورة المضادة – المقال الأسبوعي
صحيفة الشرق القطريه الثلاثاء 3 ربيع الاخر 1432 – 8 مارس 2011
إرهاصات الثورة المضادة - فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_08.html
لم نفهم حتى الآن من الذي أمر الشرطة بالاختفاء أثناء الثورة، ولا من الذي أمر بفتح السجون وإطلاق نزلائها لترويع الخلق، ولا من الذي أمر بإطلاق الرصاص على الجماهير الغاضبة،
كما أننا لم نفهم من الذي أمر ورتب الهجوم على مقار جهاز أمن الدولة خلال الأيام القليلة الماضية، ومن الذي أمر بإتلاف وإحراق ملفات الجهاز في أهم المدن المصرية.
(1)
سيظل السؤال «من» معلقا في الفضاء بغير إجابة حاسمة، ومن ثم سيظل باب الاجتهاد مفتوحا في صدد الجهات التي حرضت وتلك التي نفذت وصاحبة المصلحة في هذا وذاك، لكن بوسعنا أن نعرف الإجابة على السؤال «لماذا»؟
ذلك أن أحدا لا يشك لحظة في أن الأطراف التي سعت إلى ترويع الناس في مصر بعد الثورة، لا تزال نشطة ولم يهدأ لها بال، وأن هذه الأطراف ذاتها هي التي أمرت بالتخلص من وثائق جهاز أمن الدولة، التي تبين أنها ترصد كل شيء في البلد، بما في ذلك ما يحدث في غرف نوم رجال السلطة والشخصيات العامة، إلى جانب رصد اتصالاتهم وأنشطتهم في مختلف المجالات السياسية والثقافية والرياضية،
وليس ذلك غريبا من وجهة نظر مسؤولي الجهاز، لأنه إذا كان هو الحاكم الحقيقي لمصر، فربما كان منطقيا أن يكون ممسكا بكل خيوط المشهد.
ليس ذلك فحسب، ولكن هناك قرائن تدل على أن الرئيس السابق كان يحب النميمة ويحرص على أن يعرف الأسرار العامة والخاصة لكل المحيطين به ولغيرهم من الشخصيات العامة.
وقد سمعت من وزير داخلية سابق لا يزال على قيد الحياة أن وزارة الداخلية كانت تتنصت على كل هؤلاء طول الوقت، وأن مجموعة من الخبراء كانت تتولى تفريغ أشرطة التسجيل للحصول على أهم المعلومات التي تضمنتها، وأن تقريرا بخلاصة تلك المعلومات كان يعد كل صباح، وتطبع منه ثلاث نسخ واحدة للرئيس والثانية للهانم والثالثة للابن الوريث،
ولم أكن وحدي الذي سمع هذه القصة، ولكن كان يجلس معنا على طاولة العشاء في إحدى المناسبات خمسة أشخاص لا يزالون بدورهم أحياء، ومما ذكره الوزير الأسبق أنه حين رفض القيام بهذه المهمة، فإن رفضه أخذ عليه، وكان من بين الأسباب التي أدت إلى إخراجه من المنصب.
(2)
عملية إتلاف وثائق وتقارير أمن الدولة تمت في ظل ظروف مريبة، فقد حدثت أثناء استمرار الغياب الأمني ــ وخلال الأربع والعشرين ساعة التي أعقبت خروج وزارة السيد أحمد شفيق ــ وقبل يوم من محاكمة السيد حبيب العادلي وزير الداخلية السابق ــ وتمت كلها في وقت واحد وبأسلوب يكاد يكون واحدا، الأمر الذي يثير سؤالا كبيرا هو:
إذا كانت تلك الوثائق تتعلق حقا بأمن الدولة، فلماذا تمت إبادتها؟
الإجابة التي تخطر على بال أي مراقب هي أن الوثائق، التي حاولوا إبادتها تدين جهاز أمن الدولة وتكشف ممارساته البشعة وجرائمه بحق المجتمع عبر العقود الأخيرة على الأقل، هي شهادات إدانة للجهاز وللنظام تفضح أسراره وتقدم أدلة تعريته،
ليس ذلك فحسب وإنما تبين تلك الوثائق مدى تغلغل عملاء، وأصابع ذلك الجهاز الإخطبوطي في نسيج المجتمع المصري، وقد رأت قيادة الجهاز أن التخلص من تلك الوثائق ضروري لطمس معالم الجريمة التي ارتكبوها.
في هذا الصدد استوقفتني وثيقتان ضمن ما نجا من الحريق، الأولى موجهة إلى مفتشي المباحث في جميع المحافظات، وموقعة باسم اللواء حسن عبد الرحمن رئيس جهاز أمن الدولة ومساعد أول وزير الداخلية نصها كما يلي:
نظرا لما تشهده البلاد في الوقت الراهن من حراك سياسي وتصاعد الوقفات الاحتجاجية واستغلال بعض العناصر المناهضة لتلك الوقفات، واحتمال مهاجمة بعض المقرات الشرطية، ومنها بعض الفروع والمكاتب فقد ووفق على ما يلي:
ــ إلغاء جميع أرشيفات المكاتب الفرعية التابعة للإدارات والفروع الجغرافية والتخلص من محتوياتها عن طريق الفرم وليس الحرق، مع نقل المعلومات غير المتوافرة بالإدارة أو الفرع إلى أرشيف الإدارة أو الفرع.
ــ تسيير أمور العمل بالمكاتب في حالة طلب الكشف عن أسماء من خلال الاتصال بالإدارة أو الفرع بمعرفة أحد السادة الضباط لتحقيق المطلوب.
ــ إلغاء أرشيف «سري للغاية» بأرشيف الإدارات والفروع الجغرافية أو إعدام محتوياته عن طريق الفرم، والتنسيق مع أرشيف سري للغاية بالجهاز في حالة طلب معلومات.
ــ قصر تحرير مكاتبات «سري للغاية» مستقبلا على الأصل فقط دون الاحتفاظ بصور.
برجاء تنفيذ ذلك تحت إشراف سيادتكم، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام، «التاريخ في شهر فبراير الماضي ولكن اليوم ليس واضحا في الصورة المستنسخة».
الوثيقة الثانية تتضمن مذكرة قدمت إلى رئيس أمن الدولة خلال شهر فبراير أيضا (اليوم ليس واضحا)، تعلقت بالتعامل مع الدعوات التي أطلقت لحل الجهاز بعدما ساءت سمعته، وأشارت إلى أن أصواتا لها توجهاتها الخاصة سعت إلى النيل من الجهاز «دون اعتبار لمقتضيات المصلحة القومية العليا والأمن القومي المصري».
أضافت المذكرة أن هناك رؤية يمكن طرحها في إطار السعي من جانب الدولة لاستيعاب المطالب «الإثارية» المطروحة عبر أبواق الدعاية الإعلامية، سواء المناهضة أو ذات الأغراض، التي توظف معالجاتها لطرح مطالب المتظاهرين، وتتبلور هذه الرؤية فيما يلي:
ــ الإعلان عن حل مباحث أمن الدولة بشكل صوري وإعلامي، والإعلان عن أن ذلك يتم في إطار تغييره، وكذلك السعي إلى امتصاص الدعاوى الإثارية والمناهضة في هذا الشأن.
ــ تغيير مسمى الجهاز إلى جهاز الأمن الداخلي ــ جهاز المعلومات الأمنية ــ جهاز الأمن الوطني، إلخ «بقية الوثيقة مفقود، ولكن الفكرة فيها واضحة، وهي تدعو إلى إحداث تغيير في اسم الجهاز فقط مع الإبقاء على وظيفته كما هي».
(3)
هل بوسعنا أن نقول إن جهاز أمن الدولة الذي سبقت الإشارة إلى أنه كان واعيا باحتمال تعرض مقرات الشرطة للاقتحام من جانب المتظاهرين قد تخلص فعلا من الوثائق الأخطر، وأنه قصد أن يترك بقية الوثائق لكي تتسرب بصورة أو أخرى، ومن ثم تصبح عرضة للتداول بما يفتح الباب لاحتمالات البلبلة وإثارة الفتنة،
علما بأن الوثائق المتروكة خلت من أي إشارة إلى أركان النظام السابق، الذين كان أغلبهم ضالعين في مختلف صور الفساد.
يؤيد هذه الفكرة أن بعضا من تلك الوثائق تتحدث عن العلاقات الشخصية والأمور شديدة الخصوصية، ومضمونها يصلح مادة للنميمة والثرثرة ولا علاقة له بالشأن العام أو بالسياسة.
من الوثائق التي تثير البلبلة وتبعث على الحيرة واحدة صدرت عن مكتب وزير الداخلية منسوبة إلى «التنظيم السياسي السري»، وتحدثت عن تكليف القيادة رقم 77 بتاريخ 2/12/2010 الخاص ببحث إمكانية «تكتيف الأقباط وإخماد احتجاجاتهم المتتالية، وتهدئة نبرة البابا شنودة في خطابه مع النظام»،
واقترحت الوثيقة أن يتم تنفيذ عمل تخريبي ضد إحدى الكنائس الكبرى بالقاهرة بمعرفتنا، ثم تقوم بإلصاق تلك التهمة أثناء التحقيقات في أحد القيادات الدينية المسيحية التابعة للكنيسة عن طريق جعل جميع تحريات المعمل الجنائي والنيابة العامة تتجه نحو القيادة القبطية، ثم نطلع البابا شنودة على نتيجة التحقيقات السرية، ونفاوضه بين إخماد الاحتجاجات القبطية المتتالية على أتفه الأسباب وتخفيف حدة نبرة حديثه على القيادة السياسية، وعدم تحريض رعاياه الأقباط للتظاهر بالاحتجاج، ودفعه نحو تهدئة الأقباط للتأقلم مع النظام العام بالدولة، وإما إعلان قيام القيادة الكنسية بتدبير الحادث وإظهار الأدلة على الملأ أمام الرأي العام الداخلي والخارجي لتنقلب جميعها على الكنيسة،
وذكرت الوثيقة أنه إزاء ذلك «من المؤكد أن البابا شنودة سوف يمتثل للتهديد، وسوف يتحول موقفه إلى النقيض، بما يضمن تهدئة الأوضاع تماما».
ما يثير الدهشة أن تلك لم تكن فكرة مجنونة خطرت للمسؤولين في مكتب الوزير ممن ينتسبون إلى «التنظيم السياسي السري»، وهو جهة لم نسمع بها من قبل، ولكنها نفذت بالفعل في كنيسة «القديسين» بالإسكندرية، حيث حدث تفجير كبير أثناء خروج المصلين في احتفالهم في الكنيسة برأس السنة الميلادية الجديدة، مما أدى إلى مقتل 21 شخصا، وليس ذلك مجرد استنتاج،
ولكن إحدى الوثائق التي عثر عليها فضحت السر العجيب، تاريخ الوثيقة 11/12/2010، وهي منسوبة إلى مكتب الوزير، وعنوانها، خطوات تنفيذ التكليف 77 بتاريخ 2/12 تحت إشراف الرائد فتحي عبد الواحد، وورد في النص ما يلي:
تنفيذا للتكليف رقم 77 بتاريخ 2/12/2010 اجتمعنا مساء أمس الساعة 20، 20 لمدة ساعة ونصف الساعة بكل من المدعو محمد عبد الهادى والمدعو أحمد خالد والمدعو عبد الرحمن علي، واتفقنا على جميع بنود الخطة الموضوعة لتنفيذ المهمة، كما اتفقنا على أن يتم تسلم المتفجرات المتفق بشأنها جاهزة وفي انتظار ساعة الصفر، وقد وجهنا المدعو أحمد خالد وعبد الرحمن علي بعدم مغادرة محل الإقامة المحدد لدينا إلا بإخطار مسبق لنا، كما وجهنا المدعو محمد عبد الهادى بإخطارنا بجميع تحركاته وما ينوي القيام به من أعمال خلال الفترة المقبلة لحين تنفيذ العملية، أما مسرح العملية فقد وجهنا عناصر الشرطة السرية المكلفة بمراقبته وإعداد تقارير يومية وموافاتنا بها يوميا!
(4)
مساء يوم الخميس الماضي ظهر ضابط شرطة سابق اشتغل بالصحافة على شاشة إحدى القنوات الخاصة، وظل يندد بالفوضى ضاربة الأطناب في البلاد، واتهم الإخوان المسلمون بأنهم ضالعون في تلك الفوضى،
كما تعددت الكتابات التي لوحت بفزاعة الإخوان، وحذرت من إجراء الانتخابات بعد ستة أشهر سيوقع البلد بين أيديهم، لأن المنافسة ستكون بينهم وبين مرشحي الحزب الوطني،
وأثارت كتابات أخرى مسألة الفوضى الحاصلة في البلد، والأضرار الاقتصادية التي ترتبت عليها، كما أثارت قضية انتشار الجرائم في الأقاليم (غياب الشرطة سبب لها)،
وقرأنا لمن قال إن الثورة أصبحت بحاجة إلى ثورة أخرى، ولمن قال إنه أصبح يكره الثورة لأنها فتحت الباب لشرور لا يعلم مداها إلا الله.
كأن المطلوب أن يندم الشعب المصري على الثورة التي أطلقها وأيدها، وأن يتحسر على حكم مبارك ونظامه، بسبب من ذلك فإنني أشك كثيرا في ملابسات اقتحام مقار أمن الدولة وفي براءة، الذين يثيرون مخاوف الناس من المرحلة المقبلة،
ولا أتردد في القول بأنهم يروجون له يقدمون أكبر خدمة للثورة المضادة، إن لم يكونوا جزءا منها، علموا بذلك أم لم يعلموا.
..........................
March 6, 2011
شهادة من الإسكندرية
صحيفة الشرق القطريه الاثنين 2 ربيع الاخر 1432 – 7 مارس 2011
شهادة من الإسكندرية - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_07.html
أمس الأول تلقيت على هاتفي المحمول رسالة ممن لا أعرف هذا نصها:
اليوم هو الأهم في تاريخ الثورة بعد الذي جرى في 28 فبراير، سحقنا أمن الدولة وأنقذنا المستندات،
في الوقت ذاته وقعت في موقع «فيس بوك» على شهادة واحد من الذين اقتحموا مبنى مباحث أمن الدولة في الإسكندرية، وصف فيها وقائع الحدث منذ لحظاته الأولى وحتى نهايته كما يلي:
كان صاحب الشهادة اسمه محمود حسان ومعه آخرون يمرون أمام مبنى أمن الدولة، فلاحظوا أن أجولة من الورق المفروم تخرج من المبنى وتوضع في عربات للقمامة، شكُّوا في الأمر، فسألوا المخبرين الذين يحملون الأجولة عن محتوياتها، فنهروهم وطاردوهم.
جرى الشباب صوب موقع قريب للجيش وأبلغوهم بما حدث، فكان رد أحد الضابط أن ذلك ورق قديم يتم التخلص منه، لم يبدد ذلك شكوكهم فقرروا أن يأخذوا الأمر بأيديهم، تنادوا فيما بينهم وتجمعوا مع آخرين من زملائهم عند مسجد القائد إبراهيم،
اتصلوا ببعض الإخوان للانضمام إليهم، لكنهم اعتذروا بأنهم مرتبطون بحفل في إستاد الجامعة، مع ذلك قرروا التوجه إلى مبنى أمن الدولة، في الطريق لحق بهم بعض أهالي الشهداء وعدد من السلفيين، وانضم إليهم كل من عرف وجهتهم، حتى إذا ما وصلوا قريبا من الجهاز، كان عددهم قد ناهز ألفى شخص.
الطريق كان مغلقا بالكتل الأسمنتية والأسلاك الشائكة. والمبنى كان محروسا بقوات الصاعقة. لكن ذلك لم يمنعهم من ترديد الهتافات ضد الجهاز. زاد عدد المتظاهرين الذين أحاطوا بالمبنى من كل صوب.
لمحوا بعض ضباط أمن الدولة وهم يحاولون الهروب، ذكر منهم الرائد محمد فاروق والضباط محمد البرعي ومحمد عبد العزيز وهشام الخطيب. لاحقهم المتظاهرون بالصياح وذكروهم بأنهم كانوا يقومون بتعذيبهم،
أحدهم ظل يصرخ قائلا:
أنا رقم 24، هل تذكرونني. أنا من كبلتم يداي وراء ظهري طوال أربعة أيام دون طعام. هل تذكرون حين صعقتموني بالكهرباء؟
ظل الغاضبون يهتفون في حين طلب منهم رجال الجيش عدم عبور الحواجز، فكانوا يردون عليهم بهتاف «سلمية.. سلمية»، وهم كذلك خرج أحد عناصر الجهاز وألقى قنبلة مولوتوف على مجموعة من الواقفين فأصابت واحدا نقلوه إلى المستشفى،
اشتدت الهتافات الغاضبة، وإذا بالرصاصات تنهال عليهم من داخل المبنى، تلفتوا حولهم فلم يعثروا على أثر لجنود الجيش، فلم يجد المتظاهرون بدا من الرد بإلقاء الحجارة عليهم،
في الوقت ذاته بدؤوا في عبور الحواجز لاقتحام المبنى في حين كانت طلقات الرصاص تلاحقهم، وقنابل المولوتوف تلقى عليهم من فوق سطوح المبنى التي كانت من الكثرة بحيث سقط بعضها في شرفات البنايات المجاورة، الغريب أن الناس تصرفت بجسارة وإصرار شديدين، فلم يكترثوا بما يلقى عليهم، وكان البعض ينادي عليهم قائلين، استمروا، لو كنتم رجالا حقا لخرجتم من مخابئكم. اقترب المتظاهرون أكثر وحاولوا اقتحام المبنى من باب خلفي، ولم تثنهم النيران التي ظلت تطلق عليهم، لكنهم نجحوا في الدخول.
أول ما لاحظوه بعد الدخول أنهم شاهدوا أكواما كبيرة من الورق المفروم في بهو المكان، ووجدوا في حديقة المبنى قاعة لممارسة الرياضة لم يكترث من فيها بما يجرى وظلوا يمارسون تمارينهم الرياضية! ــ حاولوا صعود الدرج ولكن عناصر الصاعقة اعترضتهم، في الوقت الذي كانت فيه النار الكثيفة تتصاعد من الطوابق العليا.
أصر المتظاهرون على الصعود ولم يستطع جنود الجيش إيقافهم، حينما شاهدهم من تبقى من ضباط أمن الدولة وهم يصعدون شرعوا في إطلاق الرصاص عليهم، مما أدى إلى إصابة ستة من جنود الجيش في ظهورهم، صعد المتظاهرون إلى الطابقين الأول والثاني، ففر الضباط واختبأوا بإحدى الغرف.
تدخل ضباط الجيش لإخراجهم وتأمينهم، لكن الجماهير لم تتركهم ينزلون بسلام، فانهالوا عليهم بالضرب حتى غطت الدماء وجوه بعضهم وفقد آخرون وعيهم، أحد الذين أخرجوا من الحبس أحضر من الداخل بعض أدوات التعذيب التي كان بينها صواعق كهربائية «ومنجلة» من الصلب كانوا يضعون أصابعهم فيها ويضغطون بشدة حتى يفقد الواحد وعيه.
انتقد صاحب المدونة شهادة الإخوان الذين غابوا عن المشهد وانضموا إلى المتظاهرين في نهاية المطاف لكي يحصلوا على بعض المستندات من الجهاز،
وامتدح وقفة السلفيين الذين ظلوا يرددون أنهم تعرضوا لتعذيب يفوق طاقة البشر،
وحيا شجاعة فتاة اسمها ماهينور المصري لأنها تقدمت الجميع للحاق بأحد الضباط الذين حاولوا الهرب،
وختم مدونته قائلا: لم نعد نخاف الرصاص ولا أمن الدولة، لأننا ولدنا من جديد.
..........................
March 5, 2011
جرأة المنافقين والكذابين
صحيفة الشرق القطريه الأحد 1 ربيع الاخر 1432 – 6 مارس 2011
جرأة المنافقين والكذابين - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_06.html
لو توافر لمصر ربع عدد المنافقين من المثقفين والإعلاميين الذين تقرأ لهم وعنهم هذه الأيام لنصلح حالها ولما كنا بحاجة إلى ثورة.
أقول ذلك بعد متابعة ادعاءات بعضهم أنهم لم يغادروا ميدان التحرير طول الوقت، وحديث البعض الآخر أنهم كانوا ممن تنبئوا بالثورة وظلوا يرصدون مؤشراتها (سرا طبعا) منذ سنين طويلة.
في حين تباهى آخرون أنهم كانوا بين الآباء الذين تعبوا وأجهدوا أنفسهم كثيرا لكي يتحقق الحلم الذي غاب طويلا وراء الحجب. هذه الظاهرة سجلها بعض الزملاء وانتقدها في كتابات عدة.
ظللت متفرجا على المشهد، الذي آثار انتباهي فيه أمران،
أولهما سرعة التحول لدى البعض من النقيض إلى النقيض،
وثانيها مراهنة زملائنا هؤلاء على ضعف ذاكرة القارئ أو المشاهد المصري، وافتراض البلاهة والغباء فيه،
مع ذلك فقد آثرت أن أبقى متفرجا ومتعجبا مما يحدث، لكنني لاحظت أخيرا أن المسألة زادت على حدها، وأن المنافقين ازدادوا جرأة، فلم يكتفوا بهجاء ولي نعمتهم، وزايدوا على الجميع في إهانته وتجريحه، ولم يكتفوا بادعاء الشجاعة والبطولة، وإنما أيضا اعتلوا المنصات وراحوا يوجهون إلينا النصائح لكي يبصروننا بما علينا أن نفعله.
إذ بدلا من أن يعتذروا إلينا ثم يختفون من المشهد مؤثرين الصمت، وشاكرين لله أن أحدا لم يحاسبهم على ما اقترفوه بحق الشعب من تضليل ومناصرة للطغيان وترويج للكذب والبهتان، بدلا من ذلك، فإنهم تقدموا الصفوف بكل جرأة وصفاقة ـ مرتدين مسوح الثوار والمناضلين، وشرعوا في وعظنا وتوجيهنا.
في عام 2004 اكتشف المسؤولون عن صحيفة نيويورك تايمز أن التعليقات والأخبار التي نشروها عن العراق دست عليهم ولم تكن صحيحة، واعتبروا أن جريدتهم أسهمت في تضليل القراء وتبرير الغزو، حينذاك نشرت الصحيفة اعتذارا مطولا لقرائها سجلت فيه الخطأ الذي تورطت فيه ثم قدمت إلى قرائها اعتذارا أكدت فيه أنها ما كانت لتقدم عليه إلا لأنها حريصة على أمرين؛ شرف المهنة وثقة القارئ.
في مصر ظل الإعلام الرسمي الذي يمارس الكذب والتضليل والخداع طوال ثلاثين عاما على الأقل، وحين انفجر غضب الشعب وأطار بالنظام الذي لأجله مورست كل تلك الخطايا. فإن كل الأبواق التي استخدمت في الكذب والتضليل قلبت موجة الإرسال واتجهت إلى الحفاوة بالثورة.
لقد احترمت اثنين من المحافظين قدما استقالتهما بعد الثورة، لأن المحافظ هو ممثل رئيس الجمهورية في محافظته. وأي إنسان لديه قدر من الكرامة أو النزاهة لا يستطيع أن يمثل رئيسا ثبت فساد عهده، ثم يمثل رئاسة النظام الذي انقلب على ذلك الفساد وأطاح به.
الكذابون الكبار في وسائل الإعلام لم يفعلوا شيئا من هذا القبيل. وقيل لنا إن اثنين منهما قدما استقالتيهما على استحياء، لكنهما لا يزالان يؤديان عملهما إلى الآن. أما أقرانهما من جنود فرعون فإنهم لا يكفون عن إقناعنا بأنهم كانوا مضطهدين،
ومنهم من كتب قائلا إنه قال كلمة الحق لكن أحدا لم يستمع إليه،
واستشهد ثالث بفقرات من كتابات سابقة تضمنت عبارات مبهمة وفضفاضة أراد إقناعنا بأنه كان ثائرا ومتمردا طوال الوقت ولكن بصورة سرية لم يلحظها أحد.
قرأنا أيضا لمن خلع ثياب أمن الدولة وارتدى زي واعظ الثورة، فراح يحذرنا ليس من الضغوط الأمريكية أو الإرهاب الإسرائيلي الذي يتربص بالثورة، ولكن من الإرهاب «المتأسلم» ومن أنفاق سيناء، ومن التشيع الذي يهدد الأمن المصري ويفتح الباب لنفوذ المراجع والملالي (!!)
إن المنافقين الذين صار بعضهم يحذر من اختطاف الثورة لا يستحون، ولديهم قدرة هائلة على التلون، ولكن لأن أبصارهم معلقة دائما بالسلطان، فإنهم لا يعرفون أن الناس ليسوا بالبلاهة والغباء الذي يظنون.
وإذا تابعت انهيار أرقام توزيع الصحف القومية بعد الثورة، فستدرك أن الجماهير صبرت عليهم حقا ولكنها لم تنس ولم تغفر لهم ضلوعهم في الكذب والتضليل.
..........................
March 4, 2011
الديمقراطية لها ثمن
صحيفة الشرق القطريه السبت 30 ربيع الأول 1432 – 5 مارس 2011
الديمقراطية لها ثمن - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_05.html
حين سألتني إحدى الصحفيات عن رأيي في إلغاء وزارة الإعلام، قلت إنها خطوة جيدة من حيث الشكل، إلا أن المشكلة ليست في وجود الوزارة وإنما هي الوصاية التي تمارسها على الإعلام وتنطلق من الموقف الأبوي والاستعلائي الذي تمارسه السلطة إزاء المجتمع.
وتمنيت أن يكون إلغاء الوزارة خطوة باتجاه تحرير التلفزيون من تلك الوصاية، التي أفقدته ثقة الناس واحترامهم.
هذه النقطة أصبحت محل تساؤل خلال الأسبوع الأخير، حيث بدا أن الوصاية تكاد تطل برأسها. وإن تراجعت نسبتها بشكل ملحوظ، حيث لابد أن نعترف بأنه ثمة جرأة مشهودة في التعبير عن الآراء، وإلغاء نسبيا لفكرة التعتيم التي فرضها التلفزيون في السابق على أسماء بعض المثقفين والسياسيين،
وإذ بدا سقف التعبير مرتفعا خلال الأيام التي أعقبت رحيل الرئيس السابق، إلا أن ثمة إشارات توحي بأنه انخفض في الأسبوع الأخير، حيث بدأت تلوح في الأفق مقدمات للحساسية وضيق الصدر بهامش حرية التعبير الذي ظهر في بعض البرامج.
أتحدث عن وقائع محددة منها على سبيل المثال:
* إن رئيس الوزراء السابق غضب من الانتقادات التي وجهها إليه زميلنا الأستاذ إبراهيم عيسى أثناء الحوار الذي أجراه معه عمرو الليثي في برنامجه «واحد من الناس»
إذ حين شاهد الحلقة عند إعادتها في اليوم التالي، فإنه أجرى اتصالا هاتفيا مع الدكتور أحمد بهجت صاحب قناة «دريم» التي تبث البرنامج، ولابد أنه أسمعه كلام شديد وضاغط، لأن الرجل سارع إلى الاتصال بالمسؤولين في القناة وطلب قطع الإرسال على الفور، وتم له ما أراد، ومن «المصادفات» أن النائب العام تلقى في اليوم التالي مباشرة أول بلاغ ضد الدكتور بهجت اتهمه فيه بإهدار المال العام (!).
* إن زميلنا الأستاذ محمود سعد، النجم التلفزيوني المعروف حين سجل حوارا مع إبراهيم عيسى، طلب منه إرسال نسخة من الحوار لمراجعته لدى إدارة التوجيه المعنوي التابعة للقوات المسلحة، واستغرقت عملية المراجعة نحو أسبوع، ثم بث الشريط بعده دون أن يتعرض للحذف.
وفهمت أن ذلك الإجراء اتخذ إزاء حوارات أخرى مع بعض الشخصيات على رأسها الأستاذ محمد حسنين هيكل والقيادي الإخواني الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح.
* إن محمود سعد كان قد أعد حلقة برنامج «مصر النهاردة» ليوم السبت الماضي 26/2 بحيث يتحدث فيها كل من الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور أسامة الغزالي حرب. ولكنه فوجئ بعد ظهر ذلك اليوم باتصال هاتفي يبلغه بأن ضيف الحلقة سيكون السيد أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق، مما أثار استياءه واعتبر أن ذلك بمثابة تدخل في البرنامج يعيد إلى الأذهان ممارسات زمن التعليمات الفوقية الذي ولى.
وإزاء ذلك أصر محمود سعد على رفض تقديم الحلقة وأبلغ من حدثه من التلفزيون بأنه لن يتنازل عن موقفه ولن يقبل إملاء من أحد، ولذلك فإنه سيعتبر نفسه مستقيلا، ولن يظهر على شاشة تلفزيون الحكومة بعد ذلك.
الواقعة تحدثت عنها السيدة منى الشاذلي في برنامج «العاشرة مساء» الذي تبثه قناة «دريم». واستضافت محمود سعد الذي روى للمشاهدين ما جرى.
وإذا بالسيد أحمد شفيق يتصل هاتفيا في البرنامج لكي يقول إن محمود سعد امتنع عن تقديم الحلقة لأنهم كانوا يبحثون عن تخفيض أجره من تسعة ملايين جنيه في السنة إلى مليون ونصف المليون. مثيرا بذلك مسألة تتعلق بعقده المبرم مع الشركة المنتجة للبرنامج، الأمر الذي صرف الانتباه عن الموضوع الأساسي المتعلق بالموقف المبدئي الرافض للوصاية الذي تبناه محمود سعد، وبسببه ضحى بالمبلغ الذي كان يتقاضاه.
قد تبدو مثل هذه التصرفات وكأنها ممارسات استثنائية لا ينبغي القياس عليها أو تعميمها، وهو ما أتمناه، لكنني أخشى من أمرين،
أولهما أن تؤدي تلك الممارسات إلى الإساءة إلى موقف الجيش الذي نعلم أنه يخوض هذه الأيام معركة شرسة لملاحقة مظاهر وأركان الفساد في مصر.
الأمر الثاني أن يستمر البعض بمضي الوقت فكرة الوصاية على المجتمع بما يؤدي إلى اتساع نطاق الرقابة ويعيدنا إلى الوضع الأسوأ الذي كنا عليه.
إن الذين ينتقدون رئيس الوزراء (الذي استقال الخميس) أو من هو أعلى منه هم الأكثر إخلاصا وغيرة على الحلم الذي استدعته الثورة. فضلا عن أن ارتفاع صوت النقد هو الثمن الذي يتعين دفعه للتحول نحو الديمقراطية الحقة،
وللعلم فإن الثورة ستظل بخير طالما كان ذلك الصوت الناقد مسموعا. كما أنها ستصبح في خطر أكيد إذا ما كثر المداحون والمهللون، وقد أصبح بعضهم يطلون برءوسهم الآن في الصحف القومية التي لا يزال يتحصن فيها جنود فرعون.
..........................
March 2, 2011
تكذيب رواية شائعة
صحيفة الشرق القطريه الخميس 28 ربيع الأول 1432 – 3 مارس 2011
تكذيب رواية شائعة – فهمي هويدي
اختطف الشيخ يوسف القرضاوي ثورة شعب مصر بالخطبة التي ألقاها في ميدان التحرير يوم جمعة النصر (18/2)، وأعاد إلى الأذهان صورة الإمام الخميني حين عاد إلى طهران بعد سقوط الشاه. ومن ثم نصب نفسه مرشدا أعلى للثمانين مليون مصري،
ولم يحتمل حراسه أن يظهر إلى جانبه أحد الشبان الذين أسهموا في تفجير الثورة، إذ منعوه من الصعود إلى المنصة لمخاطبة الجموع المحتشدة. وبفعلته الشنعاء تلك فإن خطرا داهما بات يهدد ثورة الشعب، لذلك فإن الجميع ينبغي استنفارهم للحيلولة دون تكرارها.
كانت تلك هي الصورة التي أبرزتها أغلب المنابر الإعلامية في مصر، والتي كادت تستقر في الوجدان العام. ومن ثم صارت موضوعا للتنديد والنقد من جانب بعض الرموز المحترمة، ولا تسأل عن أصدائها لدى غير المحترمين من المتربصين والصائدين والهجائين.
إلا أنني فوجئت بحوار يرسم صورة مغايرة للمشهد، جاءت على النقيض تماما مما روجته تلك المنابر، هذا الحوار نشرته مجلة المصور (عدد 23 فبراير)، وأجرته الزميلة مروة سنبل مع الشاب سيد أبوالعلا، أحد المنظمين الذي قيل إنه منع وائل غنيم أحد رموز الثورة من الحديث إلى الجماهير.
الحوار المنشور دار كما يلي:
< ما هو انتماؤك السياسي؟?
ـ مؤمن بالأفكار اليسارية وغير منتم لأي حزب سياسي.
< ومن كان يقود تنظيم المليونية يوم الجمعة؟ـ اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة وتضم ستة ائتلافات شبابية تمثل شبابا من جميع الانتماءات والتيارات السياسية بمن فيهم شباب الإخوان بالإضافة لمجموعات كبيرة من الشباب غير المسيس إطلاقا. وتتولى هذه اللجنة التنسيقية تنظيم «مليونيات» ميدان التحرير.
< لماذا منعت وائل غنيم من الصعود إلى منصة الاحتفال؟
ـ كان لدينا برنامج محدد مسبقا لستة متحدثين عن الائتلافات الستة. ووائل لا يشارك في أي ائتلاف شبابي في مصر الآن بالإضافة إلى أنه دعا إلى عدم تنظيم «مليونية» فلماذا جاء إلى الميدان؟
ـ غنيم أخطأ في حق نفسه والآخرين من شباب الثورة عندما طلب من الناس مغادرة الميدان. لذلك هناك انقسام حوله بسبب تصريحاته وآرائه المختلفة والمتناقضة.
< ما هي تفاصيل الحوار الذي دار بينك وبين غنيم؟?
ـ كان حوارا مقتضبا، حيث حضر غنيم للميدان في حوالي الثانية ظهرا وأراد اعتلاء المنصة فقامت مجموعة من الشباب الذين يتولون تنظيم سلم المنصة ـ وهم متطوعون غير مسيسين ـ بمنعه، فذهبت وقلت له أنت دعوت لعدم التظاهر.. فلماذا أتيت، كما أنك لست ضمن البرنامج المقرر لهذا اليوم.
< وماذا كان رد فعله؟
ـ انصرف وانتهى الموقف عند هذا الحد. ولم يكن هناك دور فعلي للإخوان في هذا الأمر.
< من الذي اختار القرضاوي ليؤم الصلاة والخطبة في الميدان؟
ـ الشيخ يوسف القرضاوي طلب من الشباب المنظمين أن يحضر للصلاة في الجمعتين السابقتين على جمعة النصر وكان ردنا هو تأجيل هذا الأمر لأن الثورة مازالت مستمرة ولم تحقق مطلبها الأول بعد وهو التنحي، وقد استشرنا وقتئذ مجموعة من العلماء المقربين من القرضاوي فأيدوا رأينا. وحين كرر الفكرة في الجمعة التالية وكانت بعض المطالب قد تحققت بالفعل فكان قرار اللجنة التنسيقية بالموافقة.
< وماذا عن دور الإخوان في ذلك؟?
ـ الإخوان أبدوا تحفظا على حضور القرضاوي حتى لا تحسب الثورة للتيار الديني ولكن كان القرار النهائي للجنة التنسيقية.
< البعض يعتبر أن منع غنيم من المنصة يوم الجمعة تم بأمر الإخوان الذين تصدروا المشهد؟ـ لم يحدث هذا.. الإخوان كغيرهم من التيارات المشاركة إلا أنه لا يستطيع أحد أن ينكر أنهم من أكثر القوى تنظيما وقد شاركت في الثورة بشكل كبير. وأؤكد على أنهم لا يقودون أي عمل من الأعمال الثورية.
< ماذا تعنى بذلك؟
ـ أقصد أن النسبة الأكبر من المشاركين في الثورة من المستقلين وشباب غير مسيس وهى النسبة الأكبر والأهم في ميدان التحرير وغيرها من ميادين مصر، ولكنهم غير منظمين، لذلك ظهر في المشهد الإخوان، لأنهم الأكثر تنظيما.
عندي ملاحظتان على هذه الشهادة.
الأولى أنه كانت هناك مسارعة إلى التأويل والتنديد والاتهام. تكاد تصب في محاولات التخويف والترويع حتى من خطبة شديدة التوازن ألقاها واحد من أكبر علماء المسلمين في يوم الجمعة. وقليلون هم الذين وقفوا عند مضمونها الإيجابي، في حين أن الأكثرية ظلت تحت تأثير ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التي روجت لها أبواق أمن الدولة ورحب بها الناقمون والكارهون.
ملاحظتي الثانية أن تلك الصورة الشائهة لما جرى يوم جمعة النصر صدقها بعض المسؤولين في الدولة، مثل رئيس الوزراء وبعض أعضاء مجلس الدفاع، ودعوا في أحاديثهم إلى الحذر من تكرارها.
في حين يفترض أن هؤلاء يستقون معلوماتهم من مصادرهم التي تتحرى حقائق ما يجرى، وليس من الصحف السيارة أو البرامج التلفزيونية التي مازالت تعيش أجواء مسلسل «الجماعة»!
ولو أنهم يتخذون قراراتهم بناء على معلومات مصادرها من ذلك النوع الأخير لأصبحنا بصدد مشكلة كبيرة!
......................
March 1, 2011
استمرار التظاهر واجب الوقت
صحيفة الشرق القطريه الأربعاء 27 ربيع الأول 1432 – 2 مارس 2011
استمرار التظاهر واجب الوقت – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post.html
تدعونا كتابات عدة هذه الأيام إلى ضرورة التحلي بالمسؤولية والكف عن النظر إلى الماضي، وعدم المبالغة في اتهام المسؤولين ورجال الأعمال، لتخلص إلى المطالبة بأن ينصرف كل واحد إلى عمله وأن تنفض المظاهرات والاعتصامات، حتى يعود الهدوء والاستقرار إلى ربوع مصر، ويتم تشغيل حالها الواقف، ويبدي أصحاب تلك الكتابات قلقا شديدا على السياحة والاستثمار الأجنبي، كما يبدون تحذيرا مما وصفه أحدهم بالوقوع في مستنقع الفوضى.
لأول وهلة، لا يستطيع أحد أن يعترض على شيء من هذا الكلام الذي يبدو بريئا في ظاهره، لكنك إذا دققت في مقاصده، ولاحظت أسماء كاتبيه فستكتشف أنه من قبيل الحق الذي يراد به باطل، حيث الدفاع عن الذات فيه مقدم على الدفاع عن الوطن أو المستقبل، كما أن رائحة النفاق فيه تفوح بوضوح.
لا أريد أن أسمى حتى لا أحرج أحدا، فضلا عن أنني واثق من أن أي قارئ بات يعرف جيدا من الذي يدافع حقا عن الوطن وحلمه، ومن الذي يدافع عن ثروته وأسياده،
لكنني أريد أن أقول إنه كما أن بعض الشرفاء رفعوا في العهد السابق شعار «كفاية» لحكم الطغيان، فإن أصحابنا هؤلاء باتوا يرفعون في طيات كلامهم الشعار ذاته لهدف آخر تماما هو «كفاية» للثورة ونداءاتها.
التركيز المستمر على وقف التظاهرات لا يراد به وقف الفوضى، وإنما يستهدف إسكات صوت الجماهير، الذي يخوف هؤلاء ويثير فزعهم استحضار الصوت وترديده في الفضاء المصري.
ولهذا السبب بالذات فإنني أدعو إلى استمرار التظاهرات وعدم إيقافها تحت أي ذريعة، وللدقة فإنني لست معنيا بإزعاج فلول النظام السابق بقدر عنايتي باستمرار ارتفاع ذلك الصوت لكي يصل إلى كل الأطراف، فإلى جانب أنه يبعث بتحذير إلى تلك الفلول لكي تلزم حدودها، أو جحورها، فإنه يوجه رسالة أخرى إلى القابضين على الزمام الآن تنبههم إلى أن جماهير الثورة ستظل مستنفرة ومفتوحة الأعين، حتى يتحقق مطلبها الأساسي المتمثل في إسقاط نظام مبارك وطي صفحته.
الرسالة الثانية هي الأهم، لأنني أزعم أنه لا تتوافر في مصر وسيلة لإعلان التمسك بالمطالب والضغط لتحقيقها سوى التظاهرات التي تخرج إلى الشارع، الذي أصبح المنبر الوحيد للجهر بالرأي وتوجيه المطالب إلى قادة الجيش،
إذ بعد تجفيف الحياة السياسية عبر سد قنواتها وإماتة خلاياها صار الشارع هو الحل، وما حدث في ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر في طول البلاد وعرضها يؤكد هذه الحقيقة،
إذ لولا ذلك الخروج الكبير لما تحرك شيء في مصر ولما تزلزلت أركان دولة الفساد والظلم.
في ضوء هذه الخلفية فإن السؤال الذي ينبغي أن يطرح ليس ما إذا كانت التظاهرات تستمر أم لا، وإنما هو كيف يمكن لها أن تستمر بما يخدم أهداف الثورة ولا يثير الفوضى ولا يصيب الحركة في البلد بالشلل،
أتحدث هنا عن مطالب الثورة وليس عن التظاهرات الفئوية، التي أحسب أنها ينبغي أن تعالج في إطار كل قطاع، إما برفع المظالم الواقعة على العاملين، أو الوعد بتحقيق المطالب الاجتماعية في آجال معلومة، علما بأنه لو كانت لدينا نقابات عمالية محترمة، مختلفة عن تلك التي أدارتها أجهزة أمن الدولة في السابق، لصار التعامل مع تلك المطالب أيسر ولكانت خسائر الإضرابات أقل بكثير.
إنني إذ أدعو إلى استمرار التظاهرات التي تتعامل مع الشأن السياسي العام، فإنني اشترط لذلك ثلاثة شروط.
أولها أن يتم التوافق حول مطالب أساسية محددة تتعلق بأهداف الثورة.
وثانيها أن يتم التظاهر يوم الجمعة فقط من كل أسبوع، الذي تتعطل فيه المصالح الحكومية وتتوافر فيه الحشود الجماهيرية بشكل طبيعي، وهو ما يعني الامتناع عن خروج أي تظاهرات خلال الأسبوع.
الأمر الثالث أن تشرف المجموعات التي تمثل القطاع الأكبر من جماهير الثورة على تنظيم التظاهرات والتدقيق في هويات المشاركين فيها كما كان يحدث من قبل، للحفاظ على سلميتها واستبعاد العناصر، التي تحاول استغلالها لأي أهداف غير مشروعة.
أذكر أخيرا أن عمر الثورة لا يتجاوز خمسة أسابيع، أن اقتلاعها لنظام جمد الحياة في مصر طيلة ثلاثين عاما ليس بالأمر الهين، كما أنه لا يمكن أن يتم بالمجان.
......................
February 28, 2011
هل يصبح الجيش عبئًا على الثورة؟ – المقال الأسبوعي
صحيفة الوطن الكويتيه الثلاثاء 26 ربيع الأول 1432 – 1 مارس 2011
هل يصبح الجيش عبئًا على الثورة؟ - فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_4753.html
أخشى ان تفلت من أيدينا اللحظة التاريخية الرائعة التي تعيشها مصر هذه الأيام، فنفوِّت فرصة لا تعوض لاستدعاء الحلم الى أرض الواقع، ويصبح الجيش عبئا على الثورة ليس عونا لها.
(1)
في الأسبوع الماضي تلقى مدير فرع أحد المصارف في مصر الجديدة اتصالا هاتفيا من سيدة أبلغته فيه بأن في حسابها الشخصي أربعة آلاف دولار أمريكي وترغب في تحويلها الى جنيهات مصرية،
أثار الطلب دهشة الرجل الذي كان يعرفها جيدا، فقال لها ان كثيرين من الظروف الراهنة يحولون مدخراتهم من الجنيه المصري الى الدولار تحسبا للطوارئ.
ولكنها ردت عليه قائلة انها لهذا السبب تحديدا تريد ان تفعل العكس.اذ تريد ان تقوي الجنيه المصري ولا تضعفه.فوجئ الرجل بما سمعه فلم يتمالك نفسه، وجفف دمعة سقطت من احدى عينيه.
تلك واحدة من القصص الكثيرة التي صرنا نسمع عنها هذه الأيام، في سياق التدليل على ان ثمة روحا جديدة أصبحت تسري بين المصريين بعد الثورة، أيقظت فيهم ما كان كامنا أو خامدا من مشاعر الانتماء للوطن والاعتزاز به،
والذين أنصتوا للغة المصريين واهتموا برصد سلوكهم منذ قامت الثورة يدركون ان ثمة تحولا مثيرا في ذلك السلوك تبدى فيما لا حصر له من الشواهد والوقائع، التي تبعث برسالة خلاصتها ان المصريين أدركوا ان الثورة ردت اليهم وطنهم من خاطفيه، وانه صار وديعة يتعين عليهم ان يحتشدوا للحفاظ عليها والدفاع عنها بكل السبل.
قبل أيام تلقيت على هاتفي المحمول رسالة ممن لا أعرف هذا نصها:
من اليوم هذه بلدك انت.لا تلق القمامة في أي مكان.لا تتجاوز اشارة المرور.لا تدفع رشوة لكائن من كان.لا تلجأ الى تزوير أي محرر.لا تسكت على تقصير تجده في أي مكان.وفي ختام الرسالة دعوة الى تعميمها على أوسع نطاق ممكن.
لم أكن وحدي الذي تلقيت الرسالة، لأنني صادفت كثيرين استقبلوها وتحمسوا لها.كما أني صرت أتلقى اتصالات من أناس لا أعرفهم يسألونني عما يمكن ان يفعلوه لأجل البلد،
وسمعت عن مناقشات جارية بين مجموعات من الشباب في القاهرة والاسكندرية والسويس تدور حول كيفية المساهمة في تغيير الواقع وعلاج مظاهر التردي فيه.
وبعث اليّ آخرون بأوراق تحدثت عن استراتيجيات المستقبل وخيارات النهوض به.ولست أشك في ان ما حدث معي تكرر مع غيري ممن هم أهم وأخبر مني.
ما أريد ان أقوله ان ثورة الشعب على النظام حين استدعت المجتمع وردت اليه روحه المغيبة، فانها أطلقت في ذات الوقت ثورة في التوقعات.كأن الجماهير التي غيبت طويلا أصبحت متلهفة على تعويض ما فاتها وراغبة في اسراع الخطى صوب تحقيق أحلامها، وهو ما يبعث على التفاؤل والثقة لا ريب، لكنه يفتح الأبواب للقلق أيضا - سأقول لك لماذا.
(2)
شواهد الواقع تدل على ان ثمة مسافة ملحوظة بين التوقعات والممارسات.ذلك ان الثورة في مفهومها المبسط تعني ازاحة نظام وطي صفحته.واقامة نظام جديد مختلف عنه.الا ان ما حدث في مصر حتى الآن ليس كذلك بالضبط.
وعند الحد الأدنى فان القائمين على أمر البلد بعد نجاح الثورة تعاملوا مع ما جرى من منظور مختلف، حيث لم ينطلقوا من فكرة قطع الصلة بالنظام السابق واقامة نظام جديد مكانه.
آية ذلك ان رئيس الحكومة وثلاثة من الوزراء المرفوضين شعبيا يشكلون امتدادا للنظام السابق.وكذلك كل المحافظين ورؤساء الجامعات والقيادات الاعلامية والأمنية.
وهو ما يعني أننا فيما خص السلطة صرنا بصدد صورة معدلة للنظام القديم.كما أنه يعني ان الوضع المستجد لا يعد تجسيدا حقيقيا لفكرة «الثورة»، وأن اطلاق ذلك الوصف عليها هو من قبيل التعبير المجازي أو الحماسي.الأمر الذي يضعها في سياق ثورات أخرى جرى الحديث عنها، مثل ثورة المعلومات والثروة الادارية أو الزراعية..الخ.
كأن الملايين التي خرجت معلنة رفضها لنظام ما قبل 25 يناير، وكذلك مئات الشهداء ونظراؤهم الذين اختطفوا وعذبوا أو اختفوا، غير الآلاف الذين تعرضوا للاصابات والعاهات كانت هذه التضحيات كلها قدمت لكي تكتب بالدم شهادة ترميم النظام السابق، وادخال بعض التعديلات على شخوصه وسياساته.
هذا الاختلاف في قراءة ما جرى في 25 يناير (رئيس الحكومة وصفه بأنه حركة وليس ثورة) أحدث فجوة بين التوقعات والممارسات.وبدا ان سقف الأولى أعلى بكثير من الثانية.ذلك أننا يجب ان نعترف بأن سقف التوقعات كان عاليا.لأن الاحساس بالمهانة والظلم كان كبيرا، الأمر الذي جعل شوق الناس شديدا للتخلص من كل ما هو صلة بذلك الماضي الكئيب، وحين سقط رأس النظام تصور الناس ان بقية الأركان المحمولة عليه سقطت بدورها.وظنوا أنهم أوشكوا ان يلمسوا حلمهم بأيديهم ويرونه قائما على الأرض.
من ناحية أخرى، فان القادة العسكريين وجدوا أنفسهم بصدد حمل ثقيل وتركة تنوء بحملها الجبال.وفوجئوا بتراكمات ثلاثين عاما من الجمود السياسي والفساد الاقتصادي قد وضعت بين أيديهم.ناهيك عما لا نراه من ضغوط خارجية، وما لا نعرفه من التزامات وتعهدات قدمها السابقون للأبعدين والأقربين.
واذا أضفنا الى ما سبق ان أولئك العسكريين لم يكونوا طرفا في اللعبة السياسية، وأن تحملهم للمسؤولية لم تمض عليه سوى أسابيع محدودة، فستدرك أنهم في موقف لا يحسدون عليه.
هذه الخلفية تسوغ لنا ان نقول ان ارتفاع سقف توقعات الجماهير له ما يبرره، وأن ثمة أسبابا ان تساق لتفهم موقف القادة العسكريين واعذارهم.لكن ذلك لا ينفي حقيقة وجود الفجوة بين التطلعات والممارسات.
(3)
اذا جاز لنا ان نلخص ما سبق فسنقول ان ثمة سببا جوهريا للفجوة الراهنة يتمثل في الاختلاف في قراءة الحدث الكبير،
وهل هو ثورة على النظام الذي سبق ذلك التاريخ، تؤدي الى طي صفحته،
أم أنه ترميم لذلك النظام من شأنه اسقاط رأسه وادخال بعض التعديلات على جسمه.
الى جانب هذه النقطة المفصلية فهناك عناصر أخرى فرعية تتمثل في تراكم المشاكل وتعددها وفي قصر الفترة الزمنية وخبرة القادة العسكريين والتزامات مصر تجاه الأطراف الخارجية خصوصا الولايات المتحدة واسرائيل..الخ.
هذه الخلفية تستدعي السؤال التالي:
ازاء الاختلاف في قراءة الحدث الكبير، كيف يمكن الترجيح بين الكفتين، كفة بناء نظام جديد ينطلق من كونها ثورة حقيقية، أم ترميم النظام القديم بما يقرب الحدث من الثورة الادارية؟
لا نستطيع ان نجيب عن السؤال قبل ان نتفق على تحديد من الذي صنع الثورة ودفع ثمنها، هل هو الجيش الذي قادها انتصارا للشعب، أم أنه الشعب الذي فجرها وتدخل فيها الجيش تضامنا مع الشعب؟
ان غاية مرادنا في تحرير هذه النقطة ان نتعرف على طبيعة الأدوار، وبالتالي حدود وحقوق كل طرف، بما يسمح لنا بأن نحسم عملية الترجيح بين الكفتين.
وهي عملية ليست صعبة لأن وقائع الحدث الفريد تمت تحت أعين الجميع في مصر وفي العالم أجمع.
من ثم فليس هناك خلاف على ان الشعب هو الذي تقدم الصف حين قام بالمغامرة ودفع الثمن، وأن الجيش تدخل لاحقا وأدى واجبه الوطني في الدفاع عن الشعب.
ان شئت فقل ان الشعب هو الذي صنع الثورة وان الجيش هو الذي تولي حراستها.وذلك الدور العظيم الذي قام به الشعب هو المفاجأة الكبرى، وهو الذي أضفى على الثورة فرادتها وأدخلها التاريخ من أوسع أبوابه، اذ العكس هو المألوف، حيث اعتدنا على ان يتولى الجيش قيادة الثورة، ثم يستدعي بعد ذلك المجتمع لكي يلحق به.
في ضوء هذا التحليل يصح لنا ان نتساءل:
اذا أعلن الشعب أنه يريد اسقاط النظام ودعا الى القطيعة معه بعد سقوطه، ومن ثم أرادها ثورة حقيقية تنقل البلد من عهد الى آخر،
واذا جاء الجيش وسماها ثورة أيضا، لكنه أرادها امتدادا محسنا لنظام مبارك، فالى أي طرف ننحاز؟
ردي المباشر ان الشعب هو صاحب الثورة، وان الجيش الذي أعلن تضامنه مع الشعب ينبغي ان يواصل أداء واجب حمايته، من خلال الاصغاء الى مطالبه التي اعترف بمشروعيتها منذ اللحظة الأولى لتحركه..
واذا ما حدثت الفجوة بين مطلب الشعب وبين موقف الجيش، الذي يرعى الحكومة، فان ذلك قد يحمل على محمل الحيرة والارتباك والتقصير في مرحلة.
أما اذا استمرت الفجوة أو اتسعت، فلن نجد لذلك تفسيرا سوى ان الجيش تراجع عن موقفه، وبدل ان يكون رافعا وحاميا للثورة، فانه يغدو عائقا أمام تحقيق أهدافها.وهو ظن أرجو ان يخيب وأن تكذبه الأيام المقبلة.
(4)
في هذا السياق لا أخفي مخاوف لا تستند فقط الى تحليل لمعطيات الواقع وتقدير احتمالاته، وانما لا أستبعد تأثري أيضا بما هو كامن ومخزون في الذاكرة التاريخية، التي تحتل فيها فكرة «الطغيان الفرعوني» موقعا بارزا.
ولست صاحب الفكرة أو المصطلح، التي عني بتحقيقها الدكتور جمال حمدان، عالم الجغرافيا السياسية المبرر، في الجزء الثاني من مؤلفه الموسوعي «شخصية مصر».اذ ذهب الى ان مصر بطبيعتها بيئة صانعة للفراعنة.ذلك أنها كدولة زراعية تعتمد اعتمادا كليا على فيضان النيل.
ولأن الفرعون كان مالك الأرض، وهو الذي يتحكم في توزيع مياهه التي هي شريان الحياة، فقد اعتبر المصريون القدماء الفرعون واهب الحياة والموت.حتى صارت مصر في حقيقة الأمر «ضيعة الحاكم» والتعبير للدكتور حمدان الذي شرحه على الوجه التالي:
ان الطغيان الفرعوني نتيجة حتمية للدولة المركزية، وكانت الدولة المركزية ضرورة حتمية للبيئة الفيضية.وكما كان لهذه المعادلة مزاياها الواضحة، فقد كان لها عيوبها الأوضح.
اذ كانت مصر أول وحدة سياسية أو أول دولة موحدة في التاريخ، لكنها أيضا صارت بها على الأرجح أول طغيان في الأرض وأقدم وأعرق حكومة مركزية في العالم.بالتالي فانها أصبحت تمثل أقدم وأعرض استبداد أيضا..
فقد دفع المصري منذ البداية ثمن وحدته السياسية المبكرة من حريته السياسية.واشترى الأمن الاجتماعي بالحرية الاجتماعية.
وفي النتيجة أصبحت العلاقة عكسية بين المواطن والدولة، فتضاءل وزن الشعب بقدر ما تضخم وزن الحكم.وكلما كبرت الحكومة صغر الشعب.
اقتبس نصا عن نصيحة وجهها الملك خيتي لابنه مر يكارع (حوالي 2000 سنة قبل الميلاد) قال فيه:
«اذا وجدت في المدينة رجلا خطرا يتكلم أكثر من اللازم ومثيرا للاضطراب، فاقض عليه واقتله وأمح اسمه وأزل جنسه وذكراه وكذلك أنصاره الذين يحبونه..فان رجلا يتكلم أكثر من اللازم لهو كارثة على المدينة».
وخلص الدكتور حمدان من ذلك الى أنه منذ ذلك الأمد البعيد فان المصريين كانوا مطالبين بالصمت.وهي قيمة فسرها بعض الباحثين بحسبانها دعوة الى الهدوء والسلبية والسكون، والى الخضوع والمذلة والانكسار.
لست واثقا من صحة ذلك التحليل، لاقتناعي بأن الخبرة المصرية على مدار التاريخ يتعذر اختزالها في دور البيئة الفيضية في صناعة التاريخ، لكني لا أخفي ان الخوف من هاجس صناعة الفراعنة يلح عليّ طول الوقت.
....................
February 27, 2011
زيارة غير بريئة
زيارة غير بريئة - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_28.html
إذا صحت الأنباء التي تحدثت عن وصول وفد يمثل الأمم المتحدة إلى القاهرة لتقييم الأوضاع المستجدة فيها، فإن الأمر يستحق الانتباه والحذر، لسبب جوهري هو أن الأمم المتحد أصبحت أحد العناوين التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية غطاء لتحقيق مآربها،
الأمر الذي يعني أن الزيارة المرتقبة ليست بريئة تماما، وأن الهدف منها هو إجراء مسح للساحة السياسية المصرية بعد ثورة 25 يناير، تمهيدا لاختيار مبعوث للأمم المتحدة إلى القاهرة يسهم في التعاطي مع الواقع المستجد.
الخبر بثته قناة الجزيرة، يوم الخميس الماضي، وذكرت فيه أن الوفد سيكون برئاسة لين باسكوا وكيل الأمين العام المسؤول عن قسم الشؤون السياسية، ورغم أن الهدف المعلن للوفد هو دراسة الأوضاع الاقتصادية وبحث إمكانية إسهام الأمم المتحدة في مشروعات التنمية، إلا أن المعلومات التي تسربت عن برنامج زيارته شملت لقاءات عدة منها على سبيل المثال:
الاجتماع مع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة
ــ الالتقاء مع وزير الخارجية المصري
ــ لقاءان حول مائدة مستديرة أحدهما مع ممثلين عن الشباب الذين اعتصموا في الميدان، والثاني مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني قد يكون بينهم من يمثل الإخوان المسلمين
ــ لقاءات أخرى مع رئيس الوزراء السيد أحمد شفيق والدكتور محمد البرادعي والسيد عمرو موسى والسيد محمد فايق.
كما رأيت فإن أهداف هذا البرنامج ــ إذا صحت معلوماته ــ تتجاوز بكثير حدود المهمة التي أعلن عنها، وترجح فكرة إجراء مسح للواقع السياسي المستجد في مصر.
يؤيد ذلك أن الخبر الذي جرى بثه تحدث أيضا عن توجيه وفد مماثل إلى تونس، التي بدورها شهدت ثورة أطاحت برئيسها وقلبت نظامها السياسي.
يساعدنا على فهم الصورة أكثر أن نستحضر خبرة المنطقة مع مبعوث الأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة، فالمبعوث الذي أرسل إلى لبنان ــ بيري لارسن ــ تم إيفاده لمتابعة تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1559 الذي دعا إلى انسحاب القوات الأجنبية من لبنان، وإلى تجريد الفصائل اللبنانية من السلاح (المقصود حزب الله).
وطوال فترة وجوده في لبنان فإنه كان يعمل بالتنسيق مع السفير الأمريكي فيلتمان. الذي أصبح لاحقا مساعدا لوزير الخارجية، أما المبعوث الذي تم إيفاده إلى فلسطين فإنه كان ظلا للسفير الأمريكي، وبالتالي فإنه كان يقف بالكامل مع الجانب الإسرائيلي.
هذه الخلفية تدعونا إلى القول بأن الهدف الأساسي للوفد القادم إلى القاهرة هو دراسة الأوضاع وتقييم الأشخاص وانتقاء عناصر بذاتها يمكنها المساهمة في الالتفاف على الثورة وتحسس الطريق نحو ضمان المصالح الأمريكية، وبوجه أخص كل ما تعلق بالالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل، حتى فيما خص مشروعات التنمية الاقتصادية، فإن تسييسها بحيث تتحرك في ذلك الإطار سيكون الاحتمال الأرجح.
الوفود التي تزور القاهرة هذه الأيام، التي مثلت الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وإيطاليا، ليست بعيدة عن محاولات جس النبض والتجسس لاحتمالات التعامل مع الوضع الذي نشأ بعد الثورة، وقد كان مثيرا للدهشة والضحك في الوقت ذاته أن يذكر في أحد البرامج الحوارية المسائية في مصر أن تلك الوفود جاءت «تدعم الثورة»!
لا تثريب ولا لوم على هؤلاء القادمين، لأنهم في النهاية يؤدون عملهم ويتحرون مصالحهم، لكننا نقع في الخطأ ونستحق اللوم إذا ما افترضنا فيهم البراءة، وتصورنا أنهم قادمون تعبيرا عن حبهم لمصر أو تأييدهم للثورة.
ذلك أنه لم يعد سرا أن ما حدث في مصر فاجأ الجميع وأقلقهم. لأن الدول الغربية بوجه عام والولايات المتحدة وإسرائيل بوجه خاص، كانت تعتبر وجود الرئيس السابق ونظامه بمثابة ضمانة تأمين لمصالحها، حتى إن إسرائيل التي اعتبرت الرئيس السابق كنزا إستراتيجيا كانت تعربد في المنطقة وهي مطمئنة إلى أن مبارك ونظامه يوفران الحماية لظهرها،
ولست صاحب هذا الكلام، لأن أحد كبار المحللين الإسرائيليين «الوف بن» قالها صراحة في مقالة نشرتها هاآرتس (عدد 13/2) حيث قرر أن قادة إسرائيل كانوا يعرفون أن خاصرتها اليسرى مؤمنة حين يذهبون إلى الحرب أو يبنون المستوطنات أو يفاوضون على السلام على الجبهات الأخرى ــ
أضاف أنه حتى خطة نتنياهو التي استهدفت الهجوم على إيران فإنها انبنت على افتراض ضمان تأييد مبارك لتلك الخطوة، ولذلك فقد تم تأجيلها وإعادة النظر فيها الآن.
إننا مشغولون كثيرا بتفاعلات الداخل، وذلك مبرر لا ريب، لكننا ينبغي ألا نغفل عن ترتيبات الخارج، الذي لن يتوقف عن محاولة توظيف ثورة الشعب لصالحه. وهو التحدي الذي ينبغي أن ينال حظه من الانتباه والحذر.
..................
فهمي هويدي's Blog
- فهمي هويدي's profile
- 1314 followers
