فهمي هويدي's Blog, page 201
February 14, 2011
مراجعات على خطاب ما بعد الثورة – المقال الأسبوعي
مراجعات على خطاب ما بعد الثورة – فهمي هويدي – المقال الأسبوعيhttp://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_15.html
بعض الأفكار المتداولة في الساحة المصرية بعد الثورة تحتاج إلى مراجعة وتصويب، لأنني أخشى أن يدفعنا الحماس إلى الوقوع في الغلط..
وفي اللحظات الراهنة فإن الغلط مشكلة، وما ينبني عليه مشكلة أكبر.
(1)
ثمة نكتة رائجة في مصر تقول إن الرئيس مبارك التقى الرئيسين جمال عبد الناصر والسادات في السماوات العلى، فسألاه: سُم أم منصَّة، فرد عليهما باقتضاب قائلا: فيس بوك،
وهو كلام إذا جاز في مقام النكتة فإنه حين يساق في ذكر الحقيقة يصبح بحاجة إلى وقفة، ذلك أن كثيرين باتوا يعتبرون ما جرى ثورة الفيس بوك، بما يعطي انطباعا بأنه لولا تلك الأداة في التواصل بين النشطاء، ومعها «تويتر»، لما انفجر غضب المصريين ولما قامت ثورة 25 يناير.
ولا أحد يستطيع أن ينكر أهمية الدور الذي لعبه الاثنان في العملية، لكننا لا ينبغي أن نبالغ في تقدير الدور الإلكتروني في تقييم الثورة.
ذلك أن فيس بوك وتويتر هما ضمن أدوات وقنوات الاتصال الحديثة، التي تساهم في النشر والبث غير المؤسسي.. بمعنى أنها لا تخضع للمعايير المهنية المتعارف عليها في وسائل الإعلام المعروفة، وتعتمد أساسا على ما ينشره المستخدمون، وذلك أهم ما يميزها..
لكنها تظل في نهاية المطاف مواضع تساهم في النشر والتواصل شأنها في ذلك شأن أي وسيلة أخرى، كالرسائل النصية للهاتف المحمول، وقنوات التلفزة وحتى الهاتف الأرضي.
أدري أن ما نشره الوسطاء والمستخدمون العاديون على الفيس بوك وتويتر أسهم بشكل رئيسي في إيصال كم كبير من المعلومات المهمة والصور ومواد الفيديو.. إلخ..
أدري أيضا أن صفحة «كلنا خالد سعيد» على الفيس بوك مثلا ضمت نحو نصف مليون مستخدم وكانت تنشر كل ما له صلة بالاحتجاجات والمظاهرات المناوئة للنظام، وحتى ما ليس له صلة بقضية خالد سعيد، مما أسهم في تشكيل وعي الكثيرين أو تحفيز آخرين للتحرك،
لكن يجب الانتباه إلى أن الملايين التي خرجت في المظاهرات المليونية في أنحاء مصر، وهي تعلم أنها ستواجه ببطش الأمن وذخيرته وهراواته أو قد تعتقل، هذه الملايين لم تجازف بأمنها وحياتها ولم تتحرك بهذا الشكل الجماعي في هذه الملحمة التي استمرت 18 يوما، لم يكن فيس بوك هو الذي دفعهم إلى الثورة التي تعارف كثيرون على وصفها بأنها «ثورة شباب الفيس بوك».
وهي المقولة الرومانسية التي تناقلتها الألسن، والتي أزعم أنها تبخس جموع الشعب العظيم حقها.. فلا كان فيس بوك مفجر الثورة ولا كان الشباب وحده رجالها ووقودها، وإنما هي ثورة الشعب المصري بكل فئاته العمرية وبكل أطيافه: الرجال والنساء، الكبار والصغار، المسلمون والأقباط، الأغنياء والفقراء..
هؤلاء جميعا انتفضوا ولم يتحركوا من فراغ، وإنما حركهم شعورهم بالمهانة ودفاعهم عن كرامتهم وكبريائهم. ولم تكن رغبتهم في التغيير ولا إدراكهم لضرورة التخلص من النظام قد تشكلا بين ليلة وضحاها.
ولكن ذلك كان ثمرة الشعور الدفين بالظلم والتعبئة المضادة التي دعت إلى التمرد ورفض الاستبداد والقبح من قبل كثيرين ممن صمدوا وأصروا على تحدي الخطوط الحمراء وتجاوزها.
وظل ذلك المخزون جاهزا للانفجار، وحين لمعت في الأفق ثورة شعب تونس، وأدرك الجميع أنهم أقوى من كل المستبدين، فإن المصريين نهضوا وقرروا أن ينتزعوا حقهم بأيديهم دون انتظار مخلص أو بطل.
(2)
لقد قيل بحق إن مما يميز الثورة المصرية أن الشعب هو الذي استدعى الجيش وليس العكس، كما قيل إن الجيش في موقفه كان وفيا للشعب، وقائما بدوره التاريخي كحارس للوطن..
ورغم أنني لا أختلف في كلمة مما سبق، فإنني أرجو أن نضع الأمر في نصابه الصحيح، لكي نحفظ للجيش مكانته ودوره ولا نحمله بأكثر مما يحتمل.
في غمرة حماسنا لدور الجيش وحفاوتنا به دأب بعضنا على القول بأن الجيش ضامن للشرعية في مصر. ولم يكن ذلك رأي نفر من المثقفين البارزين فحسب، ولكن ذلك ما قال به بعض كبار المسؤولين الجدد في البلد.
وأعترف بأنني لم أسترح لهذه المقولة، رغم تقديري لموقف الجيش المصري أثناء الثورة وسعادتي بدوره الذي أسهم في رحيل الرئيس السابق.
ذلك أنني ما إن سمعت هذا الكلام حتى قلت:
هل يمكن أن يصبح الجيش ضامنا للشرعية والحقوق في بلد كإنجلترا مثلا؟
ولماذا يكون الشعب هو الضامن والحارس في إنجلترا في حين أن الجيش هو الذي يقوم بذلك الدور في مصر؟
لم أكن بحاجة لبذل جهد لكي أخلص إلى أن الشعب يصبح الضامن والحارس لحقوقه في الدول الديمقراطية، التي للشعب فيها كلمة وهو الذي يعين قادته ويعزلهم،
أما الدول غير الديمقراطية التي يغيب فيها الشعب ولا يسمع له فيها صوت فإن الجيش يصبح هو القوة الأكبر وهو «الكفيل» الذي يرشح لحماية الشرعية التي تتمثل في النظام المهيمن الذي لا رأي للشعب في اختيار رموزه أو عزلهم.
لدينا نموذجان لدور الجيش من حولنا،
الأول في تركيا الذي ظل فيها الجيش وصيا على المجتمع والسياسة لأكثر من سبعين عاما، من ثلاثينيات القرن الماضي حتى بداية القرن الجديد، حيث ظل بمثابة الحكومة الخفية التي تدير السياسة وتراقب الحكومات وتعزلها، إلى أن وصل حزب العدالة والتنمية، إلى السلطة عام 2002، وعمل على تقليص دور الجيش ووضعه في حجمه الطبيعي ونجح في ذلك.
النموذج الثاني في الجزائر التي لا يزال الجيش فيها صاحب القرار في السياسة منذ الاستقلال بداية الستينيات وحتى هذه اللحظة.
ورغم الدور البطولي الذي قام به الجيش في كل من البلدين، إلا أن الجيش في البلد كان واحدا من حيث الدور البطولي الذي قام به في تحرير البلاد، فإن الهامش الديمقراطي النسبي الذي توافر لتركيا سمح بتقوية المجتمع وتعزيز عافيته بحيث تمكن في نهاية المطاف من تحجيم دور الجيش،
في حين أن تراجع ذلك الهامش في الجزائر أدى إلى زيادة تمكين الجيش وتعاظم دوره هناك طول الوقت.
إن السؤال الذي نحن بصدده الآن هو:
هل يصبح الجيش وصيا على المجتمع كما هي الحال في الجزائر وكما كان في تركيا الكمالية، أم يكون إحدى مؤسسات المجتمع التي تؤدي واجبها في تأمينه وليس الوصاية عليه؟
لقد قرأت مقالا نشرته صحيفة «ملِّليت» التركية في (2/7) قال فيه كاتبه قدري غورسال إن مصر في وضعها الجديد بعد الثورة ستخرج من حكم العسكر الديكتاتوري إلى وصاية العسكر على حكم برلماني متعدد الأحزاب، وبذلك فإنها تحتذي نموذجا تركيا متخلفا تم تجاوزه في ظل حكم حزب العدالة والتنمية.
سيكون رأي الكاتب التركي صائبا في حالة واحدة، هي ما إذا ما ظل سقف الحريات في مصر منخفضا وبقي المجتمع على ضعفه وقلة حيلته، ومن ثم يصبح بحاجة إلى «الكفيل» يأخذ بيده، الأمر الذي ينصب الجيش في دور الضامن والوصي.
(3)
مثلما.. يقلقني المبالغة في دور الجيش، تثير الارتياب عندي الأولوية التي تعطي في مرحلة الانتقال الحالية لفكرة تعديل الدستور، ولا يستطيع عاقل ــ فضلا عن دارسي القانون ــ أن يقلل من أهمية الدستور بأي حال. وأرجو أن تلاحظ في هذا الصدد أنني أتحدث عن الأولوية التي تعطى لذلك الملف وليس مبدأ النظر فيه.
يؤيد ذلك الارتياب أن الخطوة الوحيدة التي نالت قسطا من الاهتمام في مرحلة التردد والتسويف التي سبقت تنحية الرئيس مبارك كانت فكرة تشكيل لجنة لتعديل الدستور.. التي صدر بها قرار رسمي، وبدأت عملها بالفعل، وتحددت المواد المطلوب تعديلها، وهو ما أفاض فيه السيد عمر سليمان حين تحدث عن الإنجازات التي حققها استجابة لطلب المتظاهرين، والتي كان في مقدمتها إجراء الحوار وتشكيل لجنة تعديل الدستور،
والخطوتان كانتا من قبيل الفرقعات الإعلامية الفارغة. وقد قيل عن حق إن المراد بهما لم يكن لا إجراء حوار أو تعديل الدستور، إنما كان للعملية هدفان،
الأول هو التجمل أمام العالم الخارجي الضاغط وإيهام عوام الغرب بأن النظام شرع في الإصلاحات فعلا ولم يعد هناك مبرر لتغييره،
أما الهدف الثاني فقد كان كسب الوقت وإطالة عمر النظام لإنهاك المعتصمين والمراهنة على الوقت لإنهاكهم واستنزافهم.
هذا الكلام ليس من عندي، ولكني سمعته من أحد أعضاء لجنة الفقهاء القانونيين التي شكلت للنظر في تعديلات الدستور. وخلال المناقشة معه حاولت إقناعه بأن أي نظر في الدستور أو تعديل له ينبغي أن يسبقه إطلاق الحريات في المجتمع، بما يسمح بإلغاء الطوارئ وحرية تأسيس الأحزاب، ورفع القيود عن النقابات وحرية إصدار الصحف، وغير ذلك من الإجراءات التي تفتح الأبواب واسعة لحضور القوى السياسية وتفاعلها مع الجماهير، بما يسمح في نهاية المطاف بالاحتكام إلى رأي الجماهير في انتخابات نزيهة وشفافة.
إن تعديل الدستور، في ظل استمرار الطوارئ وتكبيل مؤسسات المجتمع بالقوانين المقيدة للحريات لن يحدث تقدما يذكر في البناء الديمقراطي، في حين أن إطلاق الحريات من شأنه أن يسمح بظهور خيارات وبدائل عدة أمام الناس، تكون أصدق تعبيرا عنهم.
إن تعديل الدستور قبل إطلاق الحريات لن يختلف في شيء عن وضع تكون فيه العربة ولست أخفي شكي وسوء ظني بمن يحاولون إشغال الناس بنصوص الدستور المرشحة للتعديل، مع عدم التطرق لملف الحريات العامة، الأمر الذي أعتبره دليلا على السعي إلى التسويف وعدم الجدية في الإصلاح.
(4)
لا أستطيع أن أحسن الظن أيضا بالذين لا يرون في الثورة الحاصلة سوى الإضرار بالوضع الاقتصادي، وتراجع عائدات السياحة ودخل قناة السويس، وعندي في هذا الصدد ملاحظات منها:
ــ أن تلك الآثار الاقتصادية جزء من الثمن الطبيعي الذي يدفعه البلد لتحقيق مكسبه الكبير المتمثل في إسقاط نظامه الاستبدادي، أملا في الانتقال إلى نظام ديمقراطي حقيقي..
وإذا كان المئات قد دفعوا حياتهم لقاء تحقيق ذلك الكسب فيتعين علينا أن نحتمل أية أضرار اقتصادية تترتب على ذلك.
ــ أن الثورة استثمار للمستقبل كما قيل بحق، ذلك أنها إذا أوقفت نهب البلد واستنزاف ثرواتها، وفتحت الأبواب للإصلاح الحقيقي، فإن ذلك سيعوض أية خسائر اقتصادية راهنة. وينبغي ألا ننسى هنا أن لبنان ظل يشهد قتالا أهليا استمر ستة عشر عاما، ثم نهض بعد ذلك واستعاد عافيته وجاذبيته.
ــ أن الجميع مشغولون بالفساد السياسي في مصر، وهو هم ثقيل لا ريب أحسب أن الثورة نجحت في إزاحة أكبر دعائمه، لكن المسكوت عليه في أزمة مصر هو الخراب الاقتصادي الذي أحدثه وخلفه النظام السابق والذي ظل يتستر عليه ويخفي معالمه ويزيف الشهادات الدالة عليه طوال السنوات الأخيرة،
وحين تعلن حقائق الواقع الاقتصادي فسوف يكتشف الناس أن الأزمة سابقة على الثورة، وأن الذين عاثوا في مصر فسادا طوال الثلاثين سنة الماضية مصوا دماءها وتركوها قاعا صفصفا.
لذلك كان لابد للنظام أن يزول بعد أن ضيع المكانة وخرّب المكان، ومن ثم ارتكب بحق مصر جريمة تاريخية مضاعفة ينبغي ألا تنسى وألا تتكرر.
..........................
February 13, 2011
أيكون الاعتصام هو الحل؟
أيكون الاعتصام هو الحل؟ – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_14.html
سؤال الوقت فى ميدان التحرير هو:
هل ينفض الاعتصام الذى دخل أسبوعه الثالث أم لا؟..
معلوماتي أن الأغلبية تؤيد فض الاعتصام، وأن لجنة النظام التى كانت تتولى أمر الدخول إلى الميدان أنهت مهمتها فعلا، إلا أن الأقلية المؤيدة للاستمرار لا يستهان بها، لأنه إذا كان عدد المقيمين فى الميدان يقدر بعشرات الألوف فى الأيام العادية، فإن تلك الأقلية السابقة الذكر تضم عدة ألوف. وبالتالى فإنها ليست من قبيل الأعداد التى يمكن تجاهل حضورها.
مما سمعته، فإن رأى كل طرف لا يخلو من وجاهة. ذلك أن رحيل الرئيس مبارك ونائبه الذى اكتشفنا أنه نسخة أخرى منه بعدما أحسنا به الظن حينا من الدهر، هذه الخطوة بالغة الأهمية، تشكل المفتاح الأساسي للتحول التاريخي الذي حدث فى مصر. أما الخطوات التى يفترض أن تتم بعد ذلك، فهى من مسئولية السلطة الجديدة والمجتمع الذى ينبغي أن يظل مفتوح الأعين لحراسة المكسب الكبير الذى حققه.
فى رأي دعاة فض الاعتصام أيضا أن إخلاء ميدان التحرير لن يعني اختفاء الغاضبين أو ذوبانهم، لأن الروح الجديدة التي سرت في مصر لن تنطفئ جذوتها بسهولة. بما يعنى أن جموع الغاضبين ستظل حاضرة ومستنفرة، بحيث يكون بمقدورها أن تعود إلى الاعتصام إذا جد ما يستدعى ذلك مرة أخرى.
من رأيهم أيضا أن استمرار الاعتصام حتى تتحقق المطالب متعذر من الناحية العملية، ليس فقط لأن المعتصمين قد تضعف همتهم وتتراجع أعدادهم إذا طال بهم الأجل فى الميدان، ولكن أيضا لأن حجم التشوهات التى خلفها النظام السابق من الجسامة بحيث إن إصلاح ما أفسده يحتاج إلى وقت لا يعلم بحدوده إلا الله.
باختصار فإن هذا الفريق يرى أن جماعات الغاضبين أدت ما عليها، حين أعادت إحياء الأمل فى ربوع مصر، وعلى المجتمع ممثلا فى فئاته ومؤسساته المختلفة أن يتحمل مسئوليته تجاه تحقيق ذلك الأمل.
معارضو فض الاعتصام يقولون إن غضبة الملايين ودماء الشهداء والجرحى التى سالت تستحق أن تستمر الوقفة فى ميدان التحرير للاطمئنان إلى أن الثمن الذى دفع لم يذهب هباء.
وفى رأيهم أن موقف قيادة القوات المسلحة كان شريفا ونبيلا حقا، لكن البيانات التى صدرت عنهم حتى الآن لجأت إلى التعميم وإطلاق الوعود، دون أية إشارة إلى آجال زمنية محددة تطمئن الناس إلى توقيت إنجاز تلك الوعود.
على صعيد آخر، فان ثمة تصرفات تقلق المعتصمين وغيرهم، منها مثلا أن بعض زملائهم يتم اعتقالهم واقتيادهم للاستجواب فى مقر المتحف المصري المطل على ميدان التحرير.
وتروج بينهم أخبار أن بعض غرف المتحف كانت قد خصصت لتعذيب المتظاهرين، على الأقل قبل تنحي الرئيس مبارك.
صحيح أن أغلب الذين يتعرضون للاستجواب يطلق سراحهم بعد ذلك، لكنهم لا يعرفون مصير زملائهم الذين يستبقون، ولا يعرفون ما هى الجهة التى تتولى استجوابهم، لأن الذين يقومون بهذه المهمة يرتدون ثيابا مدنية تخفي هويتهم الحقيقية.
فى هذا الصدد، فإنه يقلقهم أن المحققين مايزالون يسألون المتظاهرين الموقوفين عما إذا كانوا مدفوعين من أىة جهات خارجية أم لا.
ويضاعف من قلقهم إدراكهم أن الجهات التى تتولى تلك التحقيقات يبدو أنها لم تقتنع بعد بأن تلك ثورة وطنية قام بها أبناء مصر الشرفاء، وأنها كانت تعبيرا عن أشواق مصرية وليست تنفيذا لأجندات أجنبية، كما ذكر اللواء عمر سليمان فى حواره مع التليفزيون الأمريكى الذى أهان فيه الشعب المصري، حين اعتبر أنه غير مؤهل للممارسة الديمقراطية.
يقولون كذلك إن من حق مصر الغاضبة قبل أن ينهي أبناؤها اعتصامهم أن يتحققوا من اتخاذ خطوات عملية من جانب القادة الجدد، تتمثل مثلا فى
إطلاق جميع سجناء الرأى،
وفي إلغاء المحاكم العسكرية والاستثنائية،
وفى تحديد موعد لإنهاء حالة الطوارئ حتى يسترد المجتمع كرامته ويتحرر من الوصاية والذل.
وإذ رحبوا بإقالة وزير الإعلام الذى كان رمزا كريها لعصر ما قبل 25 يناير، إلا أنهم يعتبرون أن الإعلام المصري الرسمي والصحف القومية على الأقل ماتزال في قبضة رموز ذلك العصر.
من ثم فإنهم يخلصون إلى أنه ما لم يتحقق شيء من ذلك سيظل الاعتصام هو الحل.
.......................
February 12, 2011
صحوة مصر
صحوة مصر – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_13.html
أول تهنئة هاتفية تلقيتها من خارج مصر بعد الإعلان عن تنحي الرئيس مبارك كانت من موريتانيا، من صديق يعمل أستاذا للفلسفة بجامعة نواكشوط.
الثانية جاءتني من بيروت التي وجدت أنها تنافس القاهرة في الفرحة.
الثالثة كانت من صنعاء، من أحد الصحفيين الذي فوجئت به وقد انخرط في البكاء وهو يقول إنه وجيله يشعرون أنهم ولدوا من جديد.
الرابعة كانت من إسطنبول. الخامسة كانت من محام بارز في الدار البيضاء قال إنه تمنى أن يكون في ميدان التحرير ليقبل يد كل من رابط فيه.
صديقي الأردني الذي حدثني من عمان قال إن مظاهرات حاشدة كانت قد خرجت احتجاجا ضد الحكومة، وحين علم المتظاهرون أن مصر الغاضبة انتفضت ضد الرئيس مبارك، فإنهم انفضوا بسرعة وعادوا إلى بيوتهم ليتابعوا على شاشات التلفزيون وقائع ما يحدث في القاهرة.
من دمشق قال لي السيد رمضان شلح أمين حركة الجهاد الإسلامي إنه حين التقى الدكتور موسى أبو مرزوق نائب المكتب السياسي لحركة حماس فإن الأخير بدأ حديثا عن الأوضاع في غزة، فما كان من الأول (أبوعبدالله) إلا أن قال له إن مصر هي القضية الآن وليست غزة، لأن مصر إذا صحت فإن تلك ستكون الخطوة الأولى لتحرير فلسطين وليس حل مشكلة غزة وحدها.
لست أشك في أن ما جرى معي تكرر مع غيري ممن يتاح لهم التواصل مع المثقفين العرب والطواف بعواصم المشرق والمغرب في المناسبات المختلفة.
كما أنني لست أشك في أن المثقفين المصريين سمعوا مثلي حيثما ذهبوا في العالم العربي السؤال الذي ظل يتردد على الألسنة طوال الوقت حول أوان عودة مصر من تغريبتها التي طالت، فضيعتها وضيعت معها العالم العربي الذي تحول إلى فريسة توزعت على موائد اللئام.
وهو ما أشرت إليه من قبل في كتابات عدة، وما سجله آخرون ممن لمسوا كيف صغرت مصر وهانت، حتى فقدت مكانتها وهيبتها، وأصبح الغيورون والوطنيون يتحدثون عنها بمشاعر يختلط فيها الحزن مع الرثاء. وباتوا يذكرونها باعتبارها فقيدا غاليا غيَّبه الموت، أو باعتبارها عزيز قوم انكسر وذل.
لن أتحدث عن مشاعر الشرفاء والأحرار الذين أحبوا مصر واحترموها في العالم الخارجي، ولا عن بركان الفرح الذي انفجر في كل أرجاء وشاهد الجميع أصداءه على شاشات التلفزيون، ولكنني ألفت النظر إلى أن الحدث المصري الكبير الذي دوت أصداؤه في أرجاء العالم العربي، هو بمثابة صدمة أفزعت كل إسرائيل، قادتها وشعبها، ممن استعلوا واستكبروا حين تصوروا أن مصر أصبحت جثة هامدة وأماتت معها العالم العربي.
وفي عجزها وخيبتها فإنها غدت في النظر الإسرائيلي «كنزا استراتيجيا» يتعين الإشادة به والحدب عليه.
أما قيامة مصر، واستعادتها لكبريائها وكرامتها بما قد يستصحبه ذلك من أصداء في العالم العربي، فإنها تعد كارثة تهدد الإستراتيجية الإسرائيلية وتستدعي إعادة النظر في مرتكزاتها.
لم يعد سرا أن أبالسة السياسة الإسرائيلية تحوطوا لذلك الاحتمال أثناء توقيع معاهدة كامب ديفيد معهم، ومن ثم أخذوا على الرئيس السادات ونظامه الذي كان مبارك استمرارا له تعهدات وضمانات لا نعرفها، أريد بها ألا تدخل مصر مع إسرائيل في حرب أخرى، بعد الصدمة التي تلقتها بالعبور الذي تم في عام 1973.
وقد كانت تلك التعهدات حاضرة في خلفية إشارات السادات المستمرة إلى أن ما وقع بين مصر وإسرائيل هو «آخر الحروب».
ولا تفوتك في هذا السياق دلالة ما حدث أثناء ثورة الشعب المصري حين أعلنت إسرائيل أنها «سمحت» للرئيس مبارك بإدخال بضع مئات من جنود الجيش المصري إلى سيناء (التي هي جزء من التراب المصري)، وطلبت تحديد موعد لخروجهم.
وفي وقت لاحق رفضت طلبا مصريا بزيادة ذلك العدد، حيث يبدو أن حكومة الرئيس مبارك أرادت أن تحتاط لمواجهة أي تهديد فلسطيني من غزة (!!).
بذات القدر فينبغي ألا تفوتك دلالة التحليل أو التحذير الذي نشرته صحيفة هاآرتس أمس (السبت 12/2) في سياق مقالة كتبها زفاي بارئيل، وكان عنوانها «يجب على الجيش المصري أن يسير على نهج مبارك». في دعوة صريحة لضم الجيش بدوره إلى كنز إسرائيل الاستراتيجي!.
لست من الداعين إلى فتح ملف العلاقات مع إسرائيل الآن، ولكن الحاصل أنهم هم الذين يستدعونه، وكذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها، بل إننا وجدنا أن السيدة ميركل المستشارة الألمانية حين علقت على ما حدث في مصر فإنه لم يشغلها في أمر الثورة المصرية سوى مدى تأثيرها على معاهدة السلام مع إسرائيل.
إن صحوة مصر تطرد النوم من عيون كثيرين، ممن يعرفون حقيقة قدرها، وهو ما لم يعرفه أبدا نظام مبارك الذي ظل طوال ثلاثين عاما عاجزا عن أن يفهم هذا البلد أو يعرف قدره. لذلك لم يكن غريبا ألا يفهم ثورة شباب مصر وأن يعجز عن استيعاب رسالتهم.
.......................
استجابة لرغبة الإسرائيليين
استجابة لرغبة الإسرائيليين – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_12.html
لا أعرف فى أى مكان بالكرة الأرضية، ولا فى أى مرحلة من مراحل التاريخ، يمكن أن تخرج الملايين من أبناء الشعب داعية بصوت مدو إلى رحيل رأس الدولة ونظامه، ويستمر ذلك طوال أسبوعين أو ثلاثة، ثم تقابل نداءات الشعب الملحة بالعناد والتجاهل والازدراء.
ولو أن ذلك كله كان مستورا ومكتوما لفهمنا، ولكنه أصبح مشهورا ومعلنا بالصوت والصورة على الملأ فى أنحاء الكرة الأرضية.
ولأنها مصر، فإن كل الأنظار تعلقت بها، وأصبح بمقدور الجميع أن يتابعوا وقائع ما يجرى صباح مساء، الأمر الذى جعل «أم الدنيا» أم الفضائح السياسية المجلجلة.
لقد خرجت الملايين فى تظاهرات سلمية تطالب الرئيس بالرحيل، وعبرت عن موقفها بأسلوب متحضر وشديد الرقى، ولكن الرئيس تجاهل الملايين وتعامل معها بدرجة مشهودة من اللا مبالاة والاستهانة، ثم أطلق رجاله الذين حاولوا الانقضاض على المتظاهرين بالرصاص المطاطى تارة وبالرصاص الحى تارة أخرى، وبالخيول والجمال والبغال فى جولة ثالثة.
ذلك إلى جانب عمليات الاختطاف والتعذيب والترويع، وحملات البلطجية التى أثارت الذعر والفوضى.
وفى حين ظل المتظاهرون يتلقون تلك الأصداء بصدور عارية وصبر نبيل، فإن الرئيس مبارك ورجاله وأبواقه لم تكف عن التنديد بهم وتحقيرهم وإرهابهم بمختلف الأساليب والصور.
وعندما فاض بهم الكيل، بعدما واصل الرئيس عناده لهم وازدراءهم، خرج بعضهم أمس فى مسيرة غاضبة توجهت إلى أماكن رمزية عدة منها قصر الرئاسة، لوح فيها المتظاهرون بأحذيتهم فى رسالة لا يمكن أن تفسر إلا بأنهم خرجوا عن طورهم، بعدما بلغ بهم الشعور بالإهانة مبلغه.
فى لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية قال السيد عمر سليمان إن مطالبة الرئيس بالرحيل تمثل إهانة له، وإنها كلمة لا تتفق مع أخلاقيات الشعب المصرى.
وتلك قراءة جديدة فى علم السياسة، لأننا لا نعرف أن مطالبة الشعب لرئيسه بالتنحى أو الرحيل عن السلطة تمثل إهانة له، كما أننا لا نعرف أن الشعب حين يتاح له أن يعبر عن شعوره الحقيقى إزاء رئيسه الذى حكمه لمدة ثلاثين عاما، فإن ذلك ينتقص من منظومته الأخلاقية.
ولا ينبغى هنا أن نتجاهل حقيقة أن الرئيس ونظامه اختارا تكميم البلد طوال ثلاثين سنة، ولم يسمحا لأحد أن يعبر عن رضائه أو عدم رضائه عنهما بالوسائل المشروعة، فلم يبق أمام الناس سوى أن يخرجوا إلى الشارع وأن يطلقوا صيحتهم فى فضائه. وحين فعلوا ذلك بعد طول صمت وقهر، فإنهم اتهموا بانعدام الوفاء وقلة الأدب.
وإذا جاز لنا أن نتصارح فلا مفر من أن نقرر بأنه إذا كانت هناك إهانة، فإن الرئيس يكون قد أهان نفسه بنفسه، حين استسلم لعناده وأصر على ألا يسمع صوت شعبه الهادر الذى بح وهم يطالبونه بالرحيل منذ نحو عشرين يوما، وكأنهم مجموعة من الحشرات أو الدواب.
وأن رجاله هم الذين أهانوه حين نهبوا البلد وزوروا الانتخابات وداسوا على كرامات الناس وزينوا له قوانين القمع وتأبيد السلطة، وظلوا طول الوقت تحت رعايته ومحل رضاه ومصدر سعادته، الأمر الذى أفقده فى البداية هيبته وأفقده فى النهاية شرعيته.
لا أعرف من فى مصر الآن يؤيد الرئيس مبارك، إذا استثنينا رجاله والمنتفعون به وبنظامه وعناصر الأجهزة الأمنية التابعة له، ومجموعات المرتزقة والبلطجية الذين تباع حناجرهم وسواعدهم لكل من يدفع، وربما كانت هناك قلة اقتنعت به لسبب أو آخر.
ولكن لا مجال للشك فى أن الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب المصرى الذين خرجت ملايينهم فى طول البلاد وعرضها طوال الثمانية عشر يوما الماضية أعلنت انحيازها إلى دعوة الرحيل ورفضها لاستمراره.
أدرى أن بعض الأنظمة العربية أعربت عن تضامنها معه، وقيل إن منها من دعا الإدارة الأمريكية إلى عدم التخلى عنه.
وتتحدث الأوساط السياسية عن إن أحد تلك الأنظمة أرسل إليه من يبدى استعدادا لاستضافته على غرار ما فعله الرئيس السابق بن على الذى استضافته السعودية.
ولم يعد سرا أن شعوب العالم العربى أعلنت عن تضامنها مع الشعب المصرى وأطلقت مظاهرات قصدت السفارات المصرية فى مختلف العواصم لكى تعبر عن ذلك التأييد والتضامن.
ولأن الصحف العالمية تنشر على صفحاتها الأولى كل يوم صور غضب الشعب المصرى وتسجل بالنقد عناد الرئيس المصرى، فإننا نستطيع أن نقول بثقة أن سمعة الرئيس ونظامه ساءت كثيرا فى العالم الخارجى.
وحين نستعرض تلك الأصداء فإننا نكتشف أن الرئيس مبارك مطلوب وله شعبيته فى بلد واحد هو إسرائيل، التى اعتبره بعض قادتها يوما ما «كنزا استراتيجيا» للدولة العبرية.
وإذا صح ذلك فإنه يضعنا أمام مفارقة عبثية وصادمة تطرح السؤال التالى:
هل يعقل أن يكون استمرار الرئيس المصرى فى منصبه مستندا إلى تأييد شعب واحد فى الكرة الأرضية هو الشعب الإسرائيلى؟!
.......................
February 9, 2011
لنحتكم إلى الشارع
صحيفة الشرق القطريه الخميس 7 ربيع الأول 1432 – 10 فبراير 2011
لنحتكم إلى الشارع - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_10.html
لا أعرف على ماذا استند رئيس الوزراء السيد أحمد شفيق حين قال في حواره التلفزيوني إن أغلبية الشعب المصري تريد من الرئيس مبارك أن يكمل ولايته حتى شهر سبتمبر المقبل، لكن الذي أعرفه ويعرفه الكافة أن عدة ملايين في أنحاء مصر أعلنوا منذ أسبوعين على الملأ ــ بالصوت العالي والصور ــ أنهم يريدون منه الرحيل.
أعرف أيضا أن الذين خرجوا مؤيدين للرئيس كانوا عدة مئات في الإسكندرية ومدن أخرى، وأن التظاهرة التي خرجت لتأييده في القاهرة لم يزد عدد الذين انضموا إليها على ألفي شخص حشدوا في ميدان مصطفى محمود بالجيزة، أغلبهم من عمال مصانع وجهات تابعة للحكومة أو يملكها رجال الأعمال، تم حملهم إلى الميدان بأوامر عليا في حافلات تابعة لتلك الجهات
. وإلى جانب أولئك المؤيدين رأينا مئات من عناصر الأجهزة الأمنية والبلطجية وخريجي السجون، ومعهم سرب من راكبي الخيول والجمال والبغال، جميعهم تم استئجارهم لإسكات صوت المطالبين برحيل الرئيس مبارك ونظامه.
لم ينفرد السيد أحمد شفيق بما قاله، ولكننا وجدنا أن آخرين من المتحدثين باسم السلطة أو المنتفعين منها والمتعلقين بأهدابها، يؤكدون أن الذين احتشدوا في ميدان التحرير لا يمثلون رأي الشعب بالضرورة. واعتبروهم قلة في بلد تجاوز تعداد سكانه 80 مليون نسمة.
وخلصوا من ذلك إلى أن الذين لم يخرجوا إلى الميدان هم جميعا من يؤيدون الرئيس مبارك. وكأن المطلوب من كل مصري أن يوقع باسمه على بطاقة يحدد فيها ما إذا كان منحازا إلى شباب الثورة أم متضامنا مع رموز الاحتكار والثروة.
علما بأن الاستطلاعات وقياسات الرأي في العالم أجمع لها أساليبها العلمية التي تستطيع بها أخذ عينات من المجتمع تعتمد عليها في تقدير مؤشرات واتجاهات الرأي العام في أي بلد.
ورغم أن بعض الباحثين يتحدثون عن قيام بعض الجهات التي يسمونها «سيادية» في مصر بإجراء مثل هذه الاستطلاعات بصورة غير علنية، إلا أن سريتها لا تمكننا من التعويل على نتائجها. فضلا عن أنني لا أثق كثيرا في الاستطلاعات وقياسات الرأي التي تجريها جهات حكومية. ذلك أنه كما أن لدينا «ترزية» قوانين، فلدينا أيضا ترزية استطلاعات، يقومون بتفصيلها حسب الطلب. حتى أنني أستطيع أن أحدد من الآن ــ وبغير أي مجهود ــ أن أحدد من يكون رجل العام وامرأة العام، حتى شهر سبتمبر المقبل على الأقل.
وغني عن البيان أننا لا نستطيع أن نعول أو نحترم نتائج الانتخابات الأخيرة التي تم تزويرها، وادعى الذين أداروها أن الحزب الوطني اكتسحها وحصد 95٪ من مقاعد مجلس الشعب، حيث يكفي أن مقر الحزب الوطني كان أحد المباني التي تم إحراقها في بداية الثورة جنبا إلى جنب مع بعض أقسام الشرطة. ولا يزال مقره المتفحم شاهدا على الفساد السياسي الذي كان الحزب ضالعا فيه قبل ثورة 25 فبراير.
للخروج من دوامة الجدل حول ما إذا كانت الأغلبية تؤيد رحيل الرئيس أم تتمسك ببقائه، فإنني أقترح استفتاء شعب مصر حول الموضوع، بشرط واحد هو ألا يكون لوزارة الداخلية أو الحزب الوطني دور في تنظيمه، وأن يتم بالكامل تحت إشراف القضاء.
وخطر لي أن تشكل لجان التصويت والفرز من اللجان التي برزت في مختلف الأحياء لحراستها بعد الانفلات الأمني الذي حدث في يومي 27 و28 يناير، على أن تتولى القوى السياسية المختلفة مراقبة سير العمل في تلك اللجان.
أعرف مقدما أن الاقتراح لن يكون مقبولا من جانب رجال ما قبل 25 يناير القابضين على السلطة، الذين لا يزالون يكابرون حتى الآن ويرفضون الاعتراف بأن شرعية نظامهم قد أسقطتها ثورة الشباب. إضافة إلى أنهم أحاطوا ملف الرئاسة بهالة من القداسة، واعتبروه غير مطروح للمناقشة، الأمر الذي أغلق باب الحوار الجاد حول الموضوع.
إن مقام الرئاسة لابد أن يحترم حقا، وكرامة رئيس الجمهورية من كرامة البلد لا ريب، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب احترام قرار الشعب وكرامة الأمة.
كما أن العناد يظل مرغوبا إذا كان في مواجهة الذين لا يريدون للبلد خيرا من القوى المهيمنة والاستكبار في الخارج. لكن معاندة رأي الشعب تصبح رذيلة تفقد الرئيس ونظامه شرعيتهما، ولكي لا تكون تلك الشرعية محل جدل فلماذا لا تستفتي الشعب الذي نص الدستور في مادته الثالثة على أنه وحده صاحب السيادة ومصدر السلطات.
وأكرر أن إجراء الاستفتاء ينبغي أن يكون مشروطا برفع يد وزارة الداخلية والحزب الوطني عنه، ببساطة لأن اشتراكهما يعد ردة إلى عصر ما قبل 25 يناير.
..........................
February 8, 2011
مع التحرير أم لاظوغلي؟
صحيفة الشرق القطريه الأربعاء 6 ربيع الأول 1432 – 9 فبراير 2011
مع التحرير أم لاظوغلي؟ - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_09.html
التبس علينا موقف الإخوان المسلمين، فلم نعرف على وجه الدقة أين يقفون، مع ميدان التحرير أم ميدان لاظوغلي. والأول صار معقلا لثورة 25 يناير الباسلة، والثاني يعرفه الإخوان جيدا، ولابد أن أي ناشط محترم مر به، لأنه مقر وزارة الداخلية التي غدت الرمز والمقر غير المعلن لسلطة الحكم في مصر.
منذ تفجرت الثورة في 25 يناير كان الإخوان في ميدان التحرير، ضمن الجموع الهادرة التي احتشدت هناك مطالبة برحيل النظام ورئيسه.
وحينما أدرك أهل ميدان لاظوغلي أن المسألة جد ولا هزل فيها، وأن الثائرين أبدوا استعدادا لبذل أرواحهم فداء لقضيتهم تواصلت تراجعاتهم التكتيكية على النحو الذي يعرفه الجميع.
وبعد تبديل بعض الوجوه لتحسين الصورة أطلقت الدعوة إلى الحوار. وبعقلية الحوارات التقليدية التي كانت تجرى قبل 25 يناير، التي كانت السلطة تتعامل فيها مع المجتمع باستهانة وازدراء شديدين، فإن ما سمى حوارا كان بمثابة إملاءات على رموز «المعارضة» السياسية في تلك المرحلة، الذين كانت غاية طموحهم أن يحظوا برضا السلطة والسلطان، لكي يظفروا بشيء من المغانم السياسية وغير السياسية.
ذلك كان مفهوما في عصر ما قبل 25 يناير، بما شابه من خلل في موازين القوة بين السلطة والمجتمع، وفي ظله كان ميدان لاظوغلي هو الذي يتحكم في السياسة ويصنع السياسيين. وهو ما اختلف جذريا الآن بعدما أعلن المجتمع رفضه للسلطة وسحب منها شرعيتها، وبعدما انتقل القرار إلى ميدان التحرير، في حين أصبح أهل لاظوغلي محل اشتباه وفي قفص الاتهام.
في خطابه الذي أعلن فيه أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية الجديدة. دعا الرئيس مبارك إلى إجراء حوار مع مختلف القوى السياسية، وتحدث عن عدة تكليفات لمؤسسات الدولة، وحين عقد نائب الرئيس جلسة الحوار المفترض التي شارك فيها الإخوان، كما حضرها نفر من «المعارضين» الذين تربوا وكبروا على أيدي جهاز أمن الدولة، صدر بعد الجلسة بيان تضمن خلاصة الحوار، وبدا صورة مستلهمة لكل ما جاء في خطاب الرئيس. حتى أنني حين قرأت البيان قلت على الفور:
هل لا يزال خطاب الرئيس خطة عمل للحاضر والمستقبل؟
البيان كان تعبيرا عن رغبات الرئيس التي اضطر إلى إعلانها بعد الذي جرى، ولم يكن فيه شيء له صلة بالمطلب الأساسي للثورة التي انطلقت من ميدان التحرير.
بكلام آخر فإن البيان تحدث بلغة ما قبل 25 يناير وتجاهل تماما هدف الثورة، وإن غطى ذلك ببعض الكلمات التي جامل بها الشباب وببعض الوعود التي تستجيب لرغبات الناس. لكنها جميعا تالية في الترتيب للمطلب الأول المتمثل في الرحيل.
كما فعل الإسرائيليون حين تجاهلوا ملف الاحتلال، واستدرجوا الفلسطينيين إلى قضايا تفصيلية أخرى لكسب الوقت وتشتيت الانتباه، مثل الحدود والمياه والاستيطان وتبادل الأراضي، فإن البيان اتبع ذات النهج حين سكت على الموضوع الأصلي الذي من أجله خرجت الملايين، وقتل مئات الشهداء وسقط آلاف الجرحى. وكان نصيب هؤلاء من جلسة الحوار وقفة لمدة دقيقة حدادا على أرواح الراحلين.
قال لي نفر من المشاركين إنهم أبلغوا بأن موضوع تنحية الرئيس أن نقل صلاحياته إلى نائبه خط أحمر ليس مطروحا للمناقشة، الأمر الذي جاء مؤكداً أن نظام ما قبل 25 يناير يرفض الاعتراف بأن شيئا تغير في البلد، وهو ما بات الذي يستوجب مزيدا من الثبات والصمود في ميدان التحرير وتوجيه مزيد من الضغط على الذين يصرون على تجاهل حقيقة التطوير المثير الذي حدث في مصر.
مشكلة الإخوان إنهم ــ أو بعضهم ــ فرحوا بالإعلان الرسمي عن دعوتهم للحوار، وحضروا الاجتماع الذي تجاهل المطلب الأساسي لثورة 25 يناير، ثم حاولوا تدارك الموقف وتغطيته حين أعلنوا لاحقا أنهم لا يزالون يتمسكون بمطالب ثورة الشباب، وحسبوا أنهم بحضورهم كسبوا نقطة لدى الحكومة، وبإعلانهم اللاحق فإنهم ظلوا يحتفظون بموطئ قدم في ميدان التحرير.
وللأسف فإنهم خسروا الاثنين، لأن السلطة استدرجتهم واستخدمتهم في الحوار، ولن تعطيهم شيئا مما تمنوه (قياداتهم تعرف ذلك جيدا).
كما أن الذين ذهبوا إلى الحوار منهم فقدوا ثقة شباب ميدان التحرير. وما لم يعلنوا انسحابهم من الحوار ويلتحقوا بعصر ما بعد 25 يناير مؤكدين على تبني المطلب الأول الذي يصر على التنحي، فإنهم سيخسرون الكثير في الدنيا والآخرة.
..........................
مشكلة أنهم لا يريدون أن يفهموا – المقال الأسبوعي
موقع قناة الجزيرة الفضائيه الثلاثاء 4 ربيع الأول 1432 – 8 فبراير 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011..." />
مشكلة أنهم لا يريدون أن يفهموا – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_08.html
حين يستمر توجيه رسائل الغضب من ميدان التحرير صباح كل يوم على مدى الأسبوعين الماضيين، ويتلقاها أهل السياسة في أرجاء الكرة الأرضية، باستثناء أولي الأمر في مصر، فلا يعني ذلك أنهم لم يفهموا، لكنه يعني أنهم لا يريدون أن يفهموا.
ــ1ــ
لست أشك في أنهم في مصر سمعوا بالموضوع، بدليل أنهم تحركوا وأجروا بعض التغييرات التي تدل على أنهم استلموا الرسالة. ووقفوا على موضوعها، لكن التجربة أثبتت أنهم أداروا ظهورهم لها وقرروا ألا يفهموها.
على الأقل فإنهم لم يقتنعوا بعد بأن مصر بعد 25 يناير أصبحت مختلفة عن مصر قبل ذلك التاريخ، وأن المجتمع المصري ولد من جديد، حقا وصدقا. الدليل على ذلك أن الخطاب الإعلامي الرسمى، ممثلا في قنوات التلفزيون والإذاعة والصحف القومية، ما زالت تتحدث بلغة مصر ما قبل 25 يناير، إذ تعامل مع ثورة الشباب وكأنها مظاهرة قام بها طلاب إحدى المدارس الثانوية.
وظل همه وشاغله طوال الوقت هو كيف يمكن أن يقدم شبابها بأنهم أقرب إلى تلاميذ فى «مدرسة المشاغبين» في المسرحية الشهيرة.
لم يأخذهم التلفزيون الرسمي المصري على محمل الجد، وليته وقف عند حدِّ الاستخفاف بهم، ولكنه ذهب إلى تعمد تشويههم والتحريض عليهم وتضليل المشاهدين بمختلف الحيل والأساليب لقطع الطريق على أي محاولة لفهم قضية المتظاهرين أو التعاطف معهم.
وفي المرات التي قدر لي أن أتابع خلالها بعض البرامج التي بثها التلفزيون خلال الأسبوعين الماضيين وجدتها تتحدث عنهم بحقد ومرارة وازدراء، حتى بدا أشد عليهم بأكثر من شدته على الإسرائيليين.
وإذا كان بعض رجال الأمن الذين تخفوا في ثياب مدنية وأقرانهم من البلطجية قد عمدوا إلى إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين فجر يوم الأربعاء الأسود، فإن التلفزيون المصري ما برح يطلق عليهم ذات الرصاصات طول الوقت.
ولم يكن ينقص موقف التلفزيون -لكى يتطابق مع ما حدث في ميدان التحرير- سوى أن يستجلب مجموعة من الخيول والجمال والبغال، لكي يطلقها بدوره على المتظاهرين. رغم أني لاحظت أن بعض مقدمي البرامج قاموا بالمهمة بجدارة عالية.
إن النظام المصري في إصراره على عدم فهم الرسالة قرأ سطورها مستخدما منظار ما قبل 25 يناير. أو هكذا بدا في خطابه السياسي والإعلامي على الأقل. من ثم فإنه اعتبر أن الشباب الذين خرجوا إلى ميدان التحرير في ذلك اليوم في تظاهرة سلمية أطهار ومخلصون وأبرياء، وأن خروجهم يومذاك كان مشروعا ومرحبا به من جانب النظام.
وادعى بعد ذلك أن جماعات لها أجنداتها الخاصة اختطفت الثورة منهم واستولت على الميدان، وراحت توجه التظاهرة وجهة أخرى مشبوهة وغير وطنية (مسؤول كبير فى الدولة قال هذا الكلام)، وأريد بهذه الخلاصة الإيحاء بأن السلطة التى رحبت بالمتظاهرين في البداية، كان عليها أن تتصدى لعملية الاختطاف لإجهاض المخططات المشبوهة وغير الوطنية التي حملها الخاطفون الوافدون.
ــ2ــ
بهذا التصور الساذج والمبتذل تعامل النظام مع المتظاهرين، وحاول أن يبرر أمام الرأي العام حملة تشويههم . وكانت رسالته أن الحملة لا تستهدف الأبرياء والمخلصين الذين خرجوا في البداية، ولكنها موجهة ضد أولئك الأشرار الذين اختطفوا التظاهرة واستغلوا البراءة لتحقيق أهدافهم المشبوهة.
إن منظار ما قبل 25 يناير لا يرى في مصر وطنيين محبين لبلدهم وغيورين على كرامته ومتشبثين بحلمه، ولكنه يقسم الناس قسمين،
أخيارا موالين للنظام وأشرارا يعارضونه.
وهؤلاء الأخيرون ليسوا مواطنين شرفاء أصحاب قضية، ولكنهم قلة مندسة وعملاء لجهات أجنبية وكائنات غريبة يخفي كل منهم في طيات ثيابه أجندة سرية.
نفس المنظار لم يمكن أهل السلطة من رؤية الحشود المليونية التى اجتمعت تحت راية الدعوة إلى الرحيل، كما أنهم صمُّوا آذانهم عن سماع شيء من هتافات الجماهير الهادرة. ولكنهم لم يروا غير عمليات النهب والسلب والحرائق التي اشتعلت والخراب الذي حل على أيدي المليشيات المحسوبة على النظام.
بالتالي فإن شاشات التلفزيون وصفحات الصحف الحكومية حفلت بالحديث عن الذين «اختطفوا ثورة الشباب البريء» وعن «العملاء» الذين تسللوا إلى البلد لإشعال الحرائق فيه.
وصرنا نقرأ كل يوم أخبارا مسرَّبة عن إلقاء القبض على فلسطينيين تابعين لحماس وإيرانيين وعناصر من حزب الله ووجوه لها سمات أفغانية، وأجانب آخرين من أصول مختلفة. وظل هدف البث هو إقناع المصريين بأن ما حدث في ميدان التحرير ليس ثورة شعب ولكنه مؤامرة دبرها أجانب، استهدفت أمن مصر واستقرارها.
هذا السيناريو الهابط الذي ينكر على المصريين وطنيتهم ويستكثر عليهم استعادتهم لكرامتهم لجأ أيضا إلى استخدام فزاعة الإخوان، التي ما برحت تلوح بها أبواق النظام في حديثها عن واقعة «الاختطاف».
وهي ذات الفزاعة التي أصبح يتكئ عليها في تبرير استمراره رغم سوءاته، بحجة أن البديل عنه (المتمثل في الإخوان) أسوأ وأخطر.
وقد سبق له استخدام الفزاعة ذاتها في تبرير عمليات القمع التي تعرض لها المعارضون عامة والإخوان خاصة، أثناء ما سمي بالحرب على الإرهاب.
ورغم أن أعدادا غير قليلة من المراقبين والصحفيين الغربيين أدركوا أن الإخوان موجودون حقا، ولكن الوجود الأكبر ظل للجماهير العريضة الموزعة على مختلف الاتجاهات، فضلا عن أن بينهم أعدادا كبيرة من الوطنيين العاديين الذين لا يصنفون ضمن أي فصيل سياسى.
أقول رغم ذلك فإن بعض كبار المسؤولين في السلطة وإلى جوارهم عدد من كتاب النظام وما لا حصر له من البرامج والحوارات التلفزيونية. لا يملون من ترديد الموال، ويتصورون أن الجمهور بدوره لا يزال مغيب الإدراك. كما كان في ما قبل 25 يناير، استخفافا بإدراكه وتهوينا من شأنه.
إن الذين وضعوا على أعينهم منظار ما قبل 25 يناير لم يروا وعيا مصريا ناضجا في مسيرات ميدان التحرير المليونية بالقاهرة. كما لم يروا الحماس الجارف في عيون مئات الألوف الذين رفعوا لافتات الرحيل في الإسكندرية والسويس وبورسعيد والزقازيق والمحلة والمنيا وغيرها من محافظات مصر، ولا رأوا الشوق إلى الخلاص في هتافات جموع المصريين الذين تجمعوا أمام السفارات المصرية في العواصم الغربية.
ذلك كله لم يكن مرصودا من جانب رجال السلطة لسبب جوهري هو أنهم لم يعتادوا قراءة الواقع المصري إلا من خلال التقارير الأمنية والوشايات المخابراتية، التي باتت تستسهل اعتبار الإخوان المسلمين مصدرا لكل الشرور في داخل مصر وخارجها.
ــ3ــ
لا تزال عقلية ما قبل 25 يناير ترفض الاعتراف بسقوط شرعية النظام الذي هيمن قبل ذلك التاريخ.
ومن المفارقات أن أهل تلك المرحلة الذين دأبوا على العبث بالدستور والتلاعب بنصوصه حتى جعلوه محل سخرية القاصي والداني، ولم يكفوا عن الازدراء بالقانون والدوس بأحذيتهم على أحكام القضاء،
هؤلاء هم أنفسهم الذين يتحدثون الآن بجرأة مدهشة عن ضرورة احترام الشرعية الدستورية ويتعلقون بأهداب نصوص أعدها «الترزية» المشهورون لكي تكون مضبوطة على القد والقياس.
لقد لجؤوا أكثر من مرة إلى تعديل الدستور استجابة لهوى السلطان، ونجحوا في تمرير التعديل من خلال مجلس مزور، ورئاسة متواطئة، ثم قالوا لنا إن هذه الشرعية، هو ما كان من قبيل الاستغفال الذي جسد ازدراء الرأي العام والاستخفاف به.
على مدار عدة سنوات كان الدستور يتحدث عن النظام الاشتراكي وقوى الشعب العاملة. وفي ظل ذلك الدستور تم الانفتاح وجرى الانتقال إلى النظام الرأسمالي الذي توحشت فيه الرأسمالية الجديدة.
وفي ظل الدستور الذي يمنع المسؤولين من البيع والشراء والاستئجار من الدولة، تم البيع والشراء وتم نهب الدولة. وفي ظله أيضا صدرت قائمة طويلة من الأحكام واجبة النفاذ، ولكن السلطة تجاهلتها وأهدرتها طول الوقت.
إذا كان ذلك قد حدث في الماضي، فلماذا الوقوف الآن أمام المطالب الشعبية تعللا بنصوص الدستور، إلا إذا كان ذلك لغرض مشكوك في براءته.
إن نية التفاعل مع المطلب الشعبي إذا توفرت، فإن لها سندا في المادة الثالثة من الدستور ذاته الذي يجري التلويح به الآن، وهي التي تنص على أن «السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها...»
وفي المادة ما يكفي للاستجابة لتلك الإرادة الشعبية الجامعة التي عبرت عنها الجماهير في وقفاتها المليونية.
من ناحية ثانية، فإن المشكلة الحقيقية تكمن في تكييف ما جرى في 25 يناير، ذلك أننا إذا اعتبرنا ذلك ثورة فإنها بذلك تكون قد اكتسبت شرعيتها منذ أعلنت سقوط النظام الذي سعت إلى تغييره.
ولها في هذه الحالة أن تصوغ شرعيتها المؤقتة في مرحلتها الجديدة، إلى أن ترتب أوضاع الشرعية الدائمة بناء على الدستور الذي تتوافق على إصداره،
أما إذا لم تعترف بأنها ثورة فإن ذلك له ترتيب آخر يخضع للأوضاع الراهنة، ويقودنا إلى المناقشات العقيمة الجارية.
ومن الواضح أن المحتشدين في ميدان التحرير، والملايين الذين أيدوهم وتضامنوا معهم يعتبرون أن ما حققوه ثورة تسعى إلى تنحية النظام القائم وإحلال نظام جديد مكانه، يستجيب لتطلعات الشعب المصري ويعيد إليه كرامته وكبرياءه.
بالمقابل فإن النظام القائم وبعض القوى السياسية المتحالفة أو المتواطئة معه لا ترى فيما جرى سوى أن غضبة شعبية أو انتفاضة مؤقتة أحدثت بعض الضجيج وقدرا من التنفيس، وبعدما أدت غرضها فإن كل شيء ينبغي أن يعود إلى سابق عهده، بعد إطلاق بعض الوعود الجذابة واتخاذ بعض الخطوات التجميلية. ويبدو أن الجهود التي تبدل خارج ميدان التحرير الآن منصبة على تثبيت الفكرة الأخيرة.
ــ4ــ
لأن ما جرى يوم 25 يناير مبهر للغاية، فإن ميدان التحرير خطف أبصارنا بقدر ما أن قلوبنا تعلقت به. وهو حدث مستحق لا ريب. لكن أحدا لم يلاحظ الروح الجديدة التي سرت نتيجة له في أنحاء مصر، ولا أقول في العالم العربي بأسره.
ولست أبالغ إذا قلت إن المواطن المصري يومذاك لم يسترد وعيه فقط، ولكنه استرد كرامته أيضا. وقد تلقيت رسالة بهذا المعنى من أحد الباحثين المصريين المقيمين في الولايات المتحدة عبر فيها عن ملاحظته أن زملاءه الأميركيين أصبحوا ينظرون إليه باحترام أثار انتباهه.
وإذا كان قد حدث في أقصى الأرض. فلك أن تتصور وضع المصري في العالم العربي، الذي ظل ينظر إليه طوال السنوات الماضية نظرة إشفاق ورثاء، بعد أن صغر حجمه وتراجعت مكانته بذات القدر الذي صغرت به مصر وتراجعت مكانتها.
حين عادت الروح إلى الشارع المصري، أصبح الناس أكثر تماسكا وسرت في أوساطهم ريح عطرة اجتاحت المرارات والإحن، وأرست أسس المودة والمحبة بينهم.
وحين خرج الشباب في مختلف الأحياء، فإنهم اكتشفوا أنفسهم وأقاموا فيما بينهم أواصر مودة لم يعرفوها من قبل.
إذ أدركوا أنهم لا يحرسون بيوتهم وأهاليهم فقط، ولكنهم يحرسون أيضا وطنا عزيزا يستحق أن يذودوا عنه.
أدرك الجميع أنهم استعادوا وطنهم ممن خطفوه ونهبوه فنسوا كل ما فرقهم واحتضنوه.
فقد ذابت الخلافات السياسية والعصبيات الدينية وصار الحفاظ على ذلك الإنجاز الرائع هو شاغلهم الأوحد.
لم نر اشتباكا بين مسلمين وأقباط ولا بين إسلاميين وعلمانيين، ولا بين الشرطة والأهالي.
حتى التحرش الذي تحول إلى ظاهرة في شوارع القاهرة وغيرها من المدن الكبرى اختفى ولم يعد له أثر.
واكتشفنا أن كل هؤلاء اجتمعوا في ميدان التحرير في تلاحم مدهش. لم يرتبه أحد ولا فضل فيه لأحد، وإنما كان احتضان الحلم هو الذي جمعهم، وظل أملهم في الانتقال إلى عصر ما بعد 25 يناير شاغلهم الأوحد وهدفهم الأسمى.
وتلك هي الرسالة التي رفض القائمون على الأمر أن يفهموا مغزاها وعجزوا عن إدراك معناها.
لذلك كان من الضروري أن يرحل ذلك العصر بكل رموزه، لكي يتحول الحلم المستعاد إلى حقيقة.
.................
February 7, 2011
هيكل: النظام الجريح.. هدفه الانتقام - المقال الاسبوعي
صحيفة السفير اللبنانيه السبت 2 ربيع الأول 1432 – 5 فبراير 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
هيكل: النظام الجريح.. هدفه الانتقام – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_05.html
قال الأستاذ محمد حسنين هيكل إن ثورة الشباب أعادت الروح إلى الوطنية المصرية الجامعة، إلا أن أسوأ ما في مصر يحاول الآن بشراسة أن يقتل أنبل ما فيها، مضيفا أن الشعب أعلن كلمته يوم الثلاثاء العظيم في استفتاء لم يزوّر، الأمر الذي طوى صفحة النظام القائم بصورة لا رجعة فيها، رغم أننا شهدنا محاولة للالتفاف على إرادة الشعب من خلال الإيحاء بأنه خلال ستة أشهر يمكن إنجاز ما عجز النظام عن فعله خلال ثلاثين عاما .
وهو يتحدث
كان الأستاذ يتابع من شرفة بيته الأفواج التي كانت تعبر جسر الجلاء متجهة
إلى ميدان التحرير للانضمام إلى الحشد الكبير الذي اعتصم به معلنا نهاية
عصر وبداية عصر آخر، ولدت فيه مصر من جديد.
وقد لخص تعليقه على المشهد بقوله:
أخيرا قدر لمصر أن تستعيد روحها الوثابة، وأن تثبت لنفسها وللعالم أنها ما زالت تحتفظ بكبريائها، وأنها قادرة على الثورة. وإذا لم يكن لثورة شبابها الراهنة من فضل سوى إشهار تلك الرسالة على الملأ، لكان ذلك كافياً
. أضاف في هذا الصدد أن التاريخ له إملاءاته، وأن إطلاق تلك الرسالة من ميدان التحرير له رمزية عميقة الدلالة .
-
كيف رأيت الجموع المحتشدة في الميدان؟
-هم تجسيد لحلم خلاص مصر وكبريائها، وهم أنبل وأجمل ما أنجبته البلد. وسيظلون في الحقيقة وفي التاريخ رمزا لكبرياء ذلك الشعب وحلمه. وقد التف حولهم الشعب واحتفى بهم، بعدما أدركت جماهيره بعبقرية حسها الحضاري والتاريخي،
إن هؤلاء الشبان هم أبناؤه الحقيقيون والبررة. لذلك فإنهم حين دعوا المصريين إلى التعبير عن غضبهم واحتجاجهم في يوم الثلاثاء العظيم، فإن ما بين خمسة وسبعة ملايين مواطن من كل أنحاء مصر استجابوا لهم، وقالوا كلمتهم بصوت هادر وقاطع في استفتاء نادر لا مثيل له، به كتبت شهادة ميلاد مصر من جديد .
وهي الرسالة التي لم تجلجل في فضاء مصر والعالم العربي
فحسب، ولكن أصداءها ترددت بقوة فى أرجاء الكون بأسره، حتى تسلمها ووعاها
كل معني بشأن مصر. ومنذ ذلك اليوم بقي الشباب في الميدان رمزا للفكرة
وشعلة وضاءة في طول البلاد وعرضها
.
-
ما رأيك في ما جرى لأولئك الشباب بعد ذلك؟
-لنتفق أولا على أن الثورة التي أطلقها أولئك الشبان الشجعان كانت زلزالا هز أركان النظام القائم في مصر منذ ثلاثين عاما. وللأسف فإن الرد كان صادما ومعيبا. فقد حاولوا إطفاء الشعلة بالدم، ووجدنا أن أسوأ ما في مصر سعى إلى محاولة قتل أنبل ما فيها. وهو ما شاهدناه يومي الأربعاء والخميس وكان اقتحام الخيول والجمال والحمير لميدان التحرير رمزا له.
-
من تظن وراء هذه المحاولة الأخيرة؟
-الذين فعلوها صورة طبق الأصل من الأداة التي استخدموها. حيث لا أتردد فى القول إنهم أناس لا يختلفون كثيرا عن الدواب التي استجلبوها وأطلقوها.
-
هناك تخمينات تحدثت عن شخصيات بذاتها في الحزب الوطني ورجال الأعمال لها دورها في ما جرى؟
-هذا صحيح، والأسماء متداولة ومعروفة، الذي لا خلاف حوله أن العملية كان لا بد لها من تمويل، وكان هناك أشخاص جاهزون من أركان التحالف المشهود بيننا: السلطة والمال والأمن. وهؤلاء الأشخاص لا يملكون إلا ما يستطيعون به استئجار الحناجر أو شراء الأسلحة وتجنيد البلطجية وأفراد العصابات.
- إذا فهمنا من وراء مشهد الخيول والجمال التي أطلقت في الميدان، فهل هناك تفسير للغياب التام للشرطة عن ضبط الأمن في البلاد، الأمر الذي فتح الباب لعمليات الترويع والنهب والفوضى التي حدثت.
-هذا جانب من الصورة يستدعي ملاحظات.
الأولى أن مصادر الداخلية تقول إن الذين قاموا بالترويع والنهب وأثاروا الفوضى، ينتمون إلى تشكيل سري لا علاقة لهم به.
الثانية أن تعامل الأمن المركزي مع المتظاهرين في البداية اتسم بقسوة مفرطة. حتى بدا وكأنه يمثل ذراعا لقوة غاشمة في بلد احتلته، ما يشكل جريمة حرب في أي بلد يحترم القانون الإنساني.
الثالثة أن قرار سحب الشرطة لاحقا يكتنفه الغموض في الوقت الراهن. ويبدو أنه سيظل سؤالا معلقا على التاريخ والضمير المصريين سيجيب عنه مستقبل الأيام.
الرابعة أن ما حدث ليس مفاجئا تماما، لأنه تفكير مستلهم من خطط التأمين التي تتضمنها أدبيات الثورة المضادة المتداولة في العالم الغربي، خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية، وللمخابرات المركزية تحديدا إسهاماتها في هذا المجال. التي أنبنت على ما عرف بخطة أجاكسي وأسهم في وضعها خبراء بعض شركات النفط العالمية، شل وموبيل أويل وغيرها.
ومن يدقق في وقائع التعامل مع ثورة الشباب في مصر يلاحظ أن ثمة قواسم مشتركة بينها وبين ما جرى من قبل في إيران ضد ثورة مصدق وفي شيلي أيام بينوشيه، حيث برز في هاتين التجربتين دور بارز للجماعات التي تعمد إلى ترويع الناس وإشاعة الخوف بينهم، لإقناعهم بأن الثورة تهدد استقرارهم وستجعل حياتهم جحيما .
-
قلت هناك من يحاول تصوير الاشتباك الحاصل باعتباره تراشقا بين متظاهرين يعارضون نظام الرئيس مبارك وآخرين يؤيدونه
.
-هذا تزوير للواقع، فالمتظاهرون الحقيقيون هم المحتجون الذين اعتصموا في الميدان وقرروا الدفاع عن كرامة هذا البلد وحلمه، بأسلوب سلمي مشرّف. أما الآخرون فهم مستأجرون بلا قضية. سواء كانوا عناصر تابعة للأجهزة الأمنية أم مرتزقة تم شراؤهم أم موظفين وعمالا في بعض المصانع والقطاعات الحكومية، الذين حملتهم سيارات الجهات التابعين لها إلى ميدان مصطفى محمود بالدقي لافتعال تجمع يؤيد النظام القائم. وقد ذهبت محاولات الانفعال إلى حد دعا الذين أخرجوا المشهد إلى الاستعانة بالفريق القومي لكرة القوم ومدربه.
-
كيف تقوّم ما حققته ثورة الشباب حتى الآن؟
-إضافة إلى ما سبق أن ذكرته من أنهم أعادوا الروح إلى الوطنية المصرية الجامعة، وأنهم أثبتوا للعالم أن شعب مصر قادر على الانتفاضة والثورة، فإنهم نجحوا في أن يعلنوا على الملأ ما لا يريده الشعب المصري، وتركوا للعقلاء والنخبة أن يحددوا ما يريده الشعب. ذلك أن الجماهير الغاضبة بمقدورها أن تتحدى الطغيان وتسقط الطغاة، لكنها لا تطالب بأن تضع برنامجا يجيب عن أسئلة المستقبل، بما يفصل في الإجابة عن السؤال: ما العمل؟
-
هل تعتقد أن العقلاء قاموا بهذا الدور؟
-للأسف فإنهم لم يستطيعوا أن يجيبوا عن السؤال، لأن أغلبهم عجز عن قراءة الواقع والتفاعل معه بما يستحقه. إضافة إلى أن المعارضة المعترف بشرعيتها في مصر أصبحت عنوانا فضفاضا تندرج تحته فئات، بعضها لا وزن له ولا حضور، وبعضها لا يملك من مقومات الحضور، سوى مقر وجريدة، والبعض الثالث يمثل أجنحة للحزب الوطني.
-
ممثلو النظام في مصر دعوا إلى الحوار مع المعارضين والقوى السياسية الأخرى؟
-هذا الحوار لا بد منه ولكن له توقيته وأركانه وشروطه. إذ إضافة الى تثبت الظرف السياسي الملائم لإجرائه، فمن المهم للغاية شرعية الأطراف المشاركة فيه وأوزانها الحقيقية في المجتمع.
كما أن أي حوار يجب أن يكون هناك جدول أعمال متفق عليه. وبغير الاتفاق على جدول الأعمال فإن ما يسمى حوارا سيتحول إلى محاولة إملاء شروطه طرف على آخر.
وهذا هو الحاصل الآن. فشرعية تمثيل المعارضة الحقيقية مشكوك فيها، كما أنه ليس هناك جدول أعمال متفق عليه للمستقبل.
وما هو متوافر الآن لا يتجاوز مجرد وعود لامتصاص الغضب، لوح بها ممثلو السلطة، ولم يكن للمعارضة الحقيقية أي إسهام في صياغتها أو ترتيب أولوياتها .
-
الرئيس مبارك تحدث في خطبته الأخيرة عن تصور للفترة المقبلة وخطوات الإصلاح المرتقبة في المسقبل؟
-ما عبر عنه الرئيس في ذلك الخطاب لم يكن مترابطا ولا يوفر فرصة كافية للتفاؤل أو الثقة. ذلك أنه أعلن أنه الآن فى ولايته الأخيرة. وتحدث عن ترتيبات للمستقبل منوطة بمجلس تشريعي تشكل بالتزوير ومطعون في شرعيته بما يجعله غير مؤتمن لا على الحاضر أو المستقبل
ـ وكان لافتا للنظر في هذا الصدد أن الرئيس في ولايته الأخيرة أصدر تكليفات للمجلس المشكوك في شرعيته تتعلق بترتيبات المستقبل الذي يفترض ألا يكون طرفا فيه. وهو أمر غير مفهوم.
أما ما كان مثيرا حقا فهو أنه بعد ساعات قليلة من إلقاء الرئيس خطابه بدأت محاولة الهجوم على المتظاهرين في ميدان التحرير التي كانت في جوهرها محاولة قتل الرمز الذي قاد الثورة وفجر مشاعر الغضب الجماهيري. وهو ما نسف الثقة في جدوى الحوار ومقاصده.
كأن الرئيس أراد أن يغطي المرحلة الزمنية التي تسبق تركه منصبه بجريمة ترتكب بحق أنبل أبناء شعبه .
-
تحدثت وسائل الإعلام عن أن حوارا بدأ بالفعل بين السلطة وممثلي المعارضة؟
-عندي ثلاث ملاحظات على ما أذيع في هذا الصدد.
الأولى تتعلق بشرعية من قدموا باعتبارهم معارضين، والسؤال هنا منصبّ على أوزانهم الحقيقية في الواقع المصري..
الثانية أنه لا يمكن أن يدور حوار حول الوضع الراهن في غيبة ممثلين للشباب الذين أطلقوا الثورة.
الثالثة والأهم أن ذلك الحوار المفترض، يجري دون اتفاق على جدول أعمال يحدد مواضع الخلل ومقاصد الحوار .
- كيف يمكن تقدير النتائج المترتبة على ذلك الحوار؟
-المشكلة الأساسية في ذلك أننا صرنا أمام وضع لا يمكن إصلاحه وأن الخلل فيه أصبح جزءا من بنيته الأساسية. ثم إن هناك تجاهلا لحقيقة لم يعد يختلف عليها العالم أجمع، وهي أن النظام الحالي طويت صفحته، وأن الكلام في أهم عواصم العالم ينصب على مفردات الصفحة الجديدة في مصر تدل على ذلك والترتيبات الأميركية الأخيرة التي أعلن عنها مساء يوم الخميس، وتحدثت عن استقالة الرئيس مبارك، وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة نائبه عمر سليمان.
وللأسف فإننا ندفن رؤوسنا في الرمال رافضين إدراك أو رؤية ما يدور حولنا . فنحن هنا نحاول ترميم وتجميل وضع يتحدث العالم الآن، عن أنه قد سقط سياسيا وعمليا. وعناوين الصحف العالمية وافتتاحياتها تقول ذلك صراحة ودون مواربة . وإعلامنا الرسمي وحده لا يزال يعيش في ما اعتبرته الدوائر السياسية والإعلامية العالمية قد صار ماضيا يجري الآن الاستعداد بشكل حثيث وجاد للانتقال إلى غيره .
-
إلى أي مدى يمكن الحديث عن دور أميركي في تشكيل الوضع الراهن؟
-الأميركيون حاضرون في المشهد من بدايته وبصورة أبعد كثيرا مما هو مألوف في العالم العربي على الأقل. فالإدارة الأميركية لديها مجموعة عمل تتابع الموقف أولا بأول، والتصريحات الأميركية اليومية تتناول الموضوع بدرجة أو بأخرى. وهو ما لمسناه في الاتصالات التي أجراها الرئيس أوباما وفي تصريحاته الأخيرة التي شدد فيها على ضرورة الانتقال السلمي للسلطة الآن وليس بعد انتهاء ولاية الرئيس في شهر سبتمبر. وهو ما عبرت عنه أيضا تصريحات وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين.
ولرئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس «جون كيري» كلام شديد في دعوة الرئيس مبارك إلى التنحي. وقد نقلت وكالات الأنباء مساء يوم الخميس الماضي خبرا ذكرت فيه أن مشروعا قدم إلى مجلس الشيوخ يدعو إلى مطالبة الرئيس مبارك بنقل السلطة إلى حكومة انتقالية موسعة،
كما تحدثت صحيفة نيويورك تايمز عن اتصالات أميركية لهذا الغرض جارية مع نائب الرئيس المصري ووزير الدفاع ورئيس أركان القوات المسلحة. وكانت الصحيفة قد نشرت في عدد الأول من شهر فبراير الحالي تفاصيل مهمة عن رحلة المبعوث الأميركي فرانك ويزنر إلى القاهرة.
وتحدثت في تقريرها عن اجتماع للرئيس أوباما في مجلس الأمن القومي لمدة ساعتين لبحث تطورات الموقف في مصر، بعد إعلان الشعب عن رفضه لسياساته ونظامه، وأشارت إلى أن الاجتماع بحث تقريرا أعده اثنان من الخبراء حول آخر التطورات. وتم الاتفاق على أن يتوجه السفير فرانك ويزنر إلى القاهرة حاملا معه رسالة تدعو الرئيس مبارك إلى أمرين،
الأول إعلانه على الملأ أنه لن يرشح نفسه لولاية جديدة في نهاية العام الحالي،
وهو المطلب الثاني أن يعد بألا يترشح ابنه جمال إلى الرئاسة القادمة. وهو ما رفضه وامتنع الرئيس مبارك عن الاستجابة له .
-
هل الاهتمام الأميركي الشديد بالوضع في مصر نابع من
الحرص على استمرار علاقات البلدين أم أنه يضع في الاعتبار الحرص على
العلاقات الأميركية المصرية أم أوثق صلة باستمرار وتأمين العلاقات المصرية
الإسرائيلية؟
-واشنطن مدفوعة بالأمرين معا. فمصر تحتل موقعا متميزا في الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، كما أنها مهتمة باستقرار العلاقات المصرية الإسرائيلية.
يضاف إلى ذلك أن الرئيس أوباما يحتاج إلى أصوات اليهود الأميركيين في محاولته تجديد ولايته. ومن ثم فمفهوم أن يولي اهتماما خاصا بما يعتبره أمن إسرائيل ومصالحها .
-
بماذا نفسر الاهتمام الإسرائيلي الخاص بالوضع في مصر؟
-إذا تذكرنا وصف إسرائيل للرئيس مبارك بأنه «كنز استراتيجي لها» فإن ذلك يفسر لنا بدقة قلقهم في تل أبيب إزاء احتمال تغيير النظام القائم في مصر. ثم إننا في مثل هذه المواقف ينبغي أن نستعيد علامات الاستفهام الكثيرة التي تثار حول العلاقات المصرية الإسرائيلية، خصوصا تلك التي تتعلق بالتعهدات والضمانات غير المعروفة التي قدمها الرئيس السادات لإسرائيل ليس فقط لضمان أمنها.
ولكن أيضا للتأكيد على أنه لن تكون هناك حروب أخرى مستقبلا ضدها.
انتهت أسئلتي، فاستوقفني الأستاذ هيكل وقال اكتب على لساني هذه النقاط التي ينبغي أن يعيها جميع المصريين في اللحظة الراهنة
:
أولا : ان النظام الجريح سيظل شاغله الأوحد هو الانتقام. وإذا كان قد أبدى استعدادا لقتل 300 مواطن على الأقل وتشويه وجرح خمسة آلاف آخرين لكي يبقى ستة أشهر. فإن أحدا لا يستطيع أن يتصور الثمن الذي يتعين على المصريين دفعه لقاء استمراره .
ثانيا: إن أحدا لا ينبغي أن يبخس شباب مصر
الشرفاء والشجعان حقهم في صناعة حاضر مستقبل ومستقبلها، كما أن أحدا لا
ينبغي أن ينسى أن شهادة الميلاد الجديدة لمصر كتبت بدماء الثلاثمئة شهيد
الذين أراد النظام قتلهم، فحوّلهم إلى نجوم مضيئة وباهرة في سماء مصر
.
ثالثا
:
إن الأمة مدينة لأولئك الشبان الذين اعتبرهم أجمل وأنبل من أنجبتهم مصر،
لأنهم بثورتهم ردوا إلي أملا غاب وراء السحب الداكنة التي تكاثرت في سماء
مصر.
وشاءت المقادير أن أعيش لحظة انقشاع تلك السحب وبزوغ شمس ذلك الأمل الذي ملأ أرض مصر كلها بضياء ودفء افتقدته طوال العقود الأربعة الأخيرة .
............................
سياسات قديمة بوجوه جديدة
صحيفة الشروق الجديد المصريه الاثنين 4 ربيع الأول 1432 – 7 فبراير 2011
سياسات قديمة بوجوه جديدة – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_07.html
ما أفهمه أن الصيحة التى دوت فى الفضاء المصرى داعية إلى رحيل الرئيس مبارك لم تستهدفه كشخص فقط، وإنما اعتبرته أيضا رمزا لنظام استنفد أغراضه وأجمعت الجماهير الغاضبة على رفضه.
وحين أعلن مساء أمس الأول «السبت 5/2) عن استقالة القياديين فى الحزب الوطنى فإن ذلك كان خطوة مستجدة على طريق تغيير الرموز والأشخاص.
ومن الواضح أن الإجراءات التى اتخذت منذ تفجير ثورة 25 يناير وحتى الآن تصب فى ذلك الاتجاه.
تندرج تحت هذا العنوان القرارات التى صدرت بإحداث تعيينات جديدة فى قمة السلطة، وتلك التى اتخذت بحق بعض الوزراء ممن أثيرت حولهم شكوك معينة، أو بحق بعض القيادات الأمنية التى اتهمت بالتآمر لإشاعة التخريب والفوضى فى البلاد.
وتلك كلها خطوات مرحب بها إلا أنها تظل محصورة فى دائرة تغيير الوجوه، ولم تمس تغيير السياسات من قريب أو بعيد.
استطرادا من هذه النقطة، فإنه يظل مستغربا للغاية أن يشمل التغيير رئيس الحكومة وقيادات الحزب الوطنى، فى حين يبقى رئيس مجلس الشعب فى مقعده الذى يجلس عليه منذ 21 عاما، وهى السنوات العجاف التى استخدم خلالها المجلس فى إحكام قبضة الاستبداد والتلاعب بالإصلاح السياسى، والتستر على مختلف مظاهر الفساد، كما تولى رئيس المجلس قمع وإجهاض كل محاولات محاسبة الحكومة أو ممارسة أية رقابة حقيقية عليها.
من المفارقات أن المجلس الحالى الذى يتفق الجميع على أنه تشكل بالتزوير والتدليس، يراد له أن يؤتمن على المرحلة المقبلة التى يفترض أن يتم خلالها ترتيب أوضاع ما بعد رحيل الرئيس مبارك.
بما يعنى أننا حتى فى سياق تغيير الرموز والأشخاص أريد لنا أن نعول على مجلس مطعون فى شرعيته، على رأسه رمز مطعون فى استقلاله وعدالته!
من المفارقات أيضا إنه فى الوقت الذى تطلق فيه إشارات التغيير على مستوى الرموز والواجهات تتواصل عمليات اعتقال الناشطين.
وتتردد أنباء عن اختفاء أشخاص منهم وغياب أى أثر لهم. كما يجرى التضييق على الصحفيين القادمين لتغطية الأحداث. ولا أن ينسى أنه فى تلك الأجواء تم هجوم ميليشيات الأجهزة الأمنية ومعها مجموعات البلطجية على المتظاهرين فى ميدان التحرير. وقتلت ثمانية منهم فى يوم الأربعاء الأسود.
فى هذا الصدد فإننى لا أستبعد ما قيل إن هؤلاء وغيرهم من المجموعات التى أثارت الفوضى والتخريب يمثلون جهازا خاصا لا علاقة لوزارة الداخلية به، وذلك إذا صح فإنه إذا أخلى مسئولية الداخلية فإنه لا يبرئ النظام من المسئولية، لأنه هو الذى أنشأه وهو الجهة الوحيدة المستفيدة من ممارساته.
النقطة التى أريد أن أركز عليها هى أننا مازلنا بصدد إحداث تغيير محدود فى الوجوه والإجراءات، ولكن السياسات لم تتغير.
إن شئت فقل إن النظام لايزال يتبع نفس السياسات القديمة ولكن بوجوه جديدة.
وينبغى أن نلاحظ أنه حتى تلك التغييرات التى تمت فى الوجوه لم يقدم عليها النظام إلا بضغط من الجماهير الغاضبة،
بدليل أن استقالة قيادات الحزب الوطنى (الذى لا وزن له فى حقيقة الأمر) لم تتم إلا بعد عشرة أيام من انطلاق ثورة الغضب،
وأن التغييرات التى سبقتها لم تحدث دفعة واحدة، وإنما تمت على مراحل واكبت مؤشرات صمود الغاضبين المعتصمين فى ميدان التحرير، بحيث إنه كلما استمر ذلك الصمود كلما اتخذت خطوة متقدمة لاسترضاء المتظاهرين وامتصاص غضبهم.
وهذا الضغط الجماهيرى ترجم إلى ضغوط دولية عبرت عنها التصريحات التى صدرت عن المسئولين فى عدة عواصم عالمية.
الخلاصة أن ما يحدث الآن هو محاولة لكسب الوقت لإجراء جراحات تجميلية تتم بصورة تدريجية لتحسن وجه النظام وللإيهام بأنه يلبى رغبات الجموع الغاضبة، فى حين أن تلك التغييرات لا تتناول جوهر السياسات القائمة التى لم يطرأ عليها تعديل بعد.
وإذا قيل إن الوقت لايزال قصيرا لتقييم موقف الحكومة الجديدة، فردى على ذلك أن ثمة قرارات فورية تتعلق بالسياسات لا يتطلب إصدارها وقتا يذكر، مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء حالة الطوارئ وتنفيذ الأحكام القضائية النهائية واجبة النفاذ التى تسوِّف السلطة فى الالتزام بها.
إن القضية الأساسية التى يعنى بها النظام المصرى هى الاستمرار، وإذا كان قد أبدى استعدادا لقتل 300 شخص وجرح خمسة آلاف لأجل ذلك، فلا غرابة فى أن يضحى ببعض أبنائه وأعوانه لأجل بلوغ الهدف ذاته.
...................
February 5, 2011
كيف نثق في وعودهم؟
صحيفة الشرق القطريه الأحد 3 ربيع الأول 1432 – 6 فبراير 2011
كيف نثق في وعودهم؟ - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_06.html
نريد أن نصدق الوعود، ولكن الذين يطلقونها هم أنفسهم الذين يكذبونها.
نريد أن ننسى أنهم تلاعبوا بمشاعرنا وضحكوا علينا كثيرا وافترضوا فينا البلاهة والغباء، لكنهم لا يكفون عن تذكيرنا بما فات حين حدثونا عن أزهى عصور الحرية وحكمونا طول الوقت بقانون الطوارئ.
وحين وعدونا بانتخابات نزيهة ثم زوروها بغير خجل،
وحين وعودنا بالإصلاح السياسي ثم عمدوا إلى تكريس تأييد السلطة وإلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات وتوسيع نطاق المحاكم العسكرية،
وحين تباهوا بارتفاع سقف حرية التعبير ثم انقضوا على منابر الإعلام الحر وقمعوا المراسلين الصحفيين.
وحين حدثونا عن دولة المؤسسات وسيادة القانون، ثم عصفوا بهما وأصبحت مقدرات البلد حكرا على مؤسسة الرئاسة وسيادة الرئيس.. وحين وحين إلخ.
ذلك كله استمر طوال الثلاثين عاما الماضية، ويبدو أن أسلوب المراوغة والالتفاف والمراهنة على بلاهة الشعب المصري وغبائه تحول إلى طبع يصعب الخلاص منه حتى بعدما انفجرت ثورة 25 يناير التي أعادت الروح إلى مصر وجددت أملها في مستقبل تستعيد فيه كرامتها وكبرياءها وقرارها.
خلال الأيام العشرة الماضية تتابعت أمام أعيننا خمسة مشاهد تجلى فيها ذلك الطبع الرذيل على النحو التالي:
* وجه الرئيس حسنى مبارك خطابا إلى الأمة كان أهم ما فيه إعلانه عن عدم الترشح للانتخابات الرئاسية الجديدة ولغته التي مست شغاف بعض القلوب.
وظننا أنها محاولة لتحقيق الأشواق وترطيب الجوانح، لكننا لم نهنأ بذلك الشعور طويلا ذلك أنه بعد مضي ساعة فقط من ذلك الخطاب العاطفي، كانت مجموعات البلطجية وميليشيات الأجهزة الأمنية تتقدم نحو المعتصمين في ميدان التحرير، حاملة معها السيوف والجنازير وأسياخ الحديد، التي كانت مقدمة للمذبحة التي أريد لها أن تقع صبيحة اليوم التالي.
وكانت النتيجة أنهم لم يشتبكوا مع المتظاهرين فحسب، ولكنهم أيضا نسفوا في الوقت ذاته كل أثر إيجابي لكلام الرئيس.
* بعض المسؤولين في النظام ــ رئيس الحكومة ورئيس مجلس الشورى بوجه أخص ــ تحدثوا في البداية عن تأييدهم لحق الشباب في التظاهر السلمي.
وحين صدق البعض هذا الكلام وتشجعوا مما جعلهم ينضمون إلى التظاهرات في المدن المختلفة، فوجئوا بمصفحات الأمن المركزي التي قتلت منهم أكثر من 300 شخص حسب تقارير الأمم المتحدة.
* في البداية جرى امتداح الشبان المعتصمين، باعتبارهم من أبناء مصر البررة الذين ينخرطون ضمن شرائح الوطنيين الذين تعتز بهم البلاد، ولكن حين ثبت أولئك الشبان على مواقفهم ولم يستجيبوا لإغراء المديح، فإن الخطاب السياسي والإعلامي تغير بمعدل 180 درجة، فثورة ميدان التحرير تحولت إلى «مهزلة التحرير» في العنوان الرئيسي لإحدى الصحف المحسوبة على الحكومة.
ولم تكف الأبواق الإعلامية عن التشكيك فيهم وتشويه صورتهم، باعتبارهم يمثلون الإخوان المسلمين وعملاء لإيران وحزب الله وحماس.
وكان طريفا للغاية أن البعض اتهمهم بأنهم ينفذون المخططات الأمريكية وكان الذين أطلقوا تلك الاتهامات من النائمين منذ سنوات في حضن السياسة الأمريكية.
* حين حدث الهجوم على المتظاهرين بالسيوف والجنازير ولاحقا بإطلاق الرصاص الحي، واستخدمت الخيول والجمال والبغال في اقتحام ميدان التحرير، وتم ذلك في ظل الغياب التام والانسحاب المريب للشرطة، فإن جميع المسؤولين أنكروا معرفتهم بما حدث، وغسلوا أيديهم من دماء الشهداء والجرحى في تعبير آخر عن الاستهبال والاستغباء، كأن هؤلاء المهاجمين هبطوا على أرض مصر من السماء.
* في الوقت الذي تشكلت فيه عدة لجان من «الحكماء» قيل إن بعضها تم برعاية وتشجيع من السلطة، ثم نشرت الصحف أخبارا عن اجتماعات لأولئك الحكماء مع عدد من كبار المسؤولين، كانت ترتيبات الأجهزة غير المرئية تجهز لفض الاعتصام في ميدان التحرير، عن طريق رفع الحواجز وسحب الدبابات، وكانت أذرعها تمتد لاعتقال عدد من الناشطين واختفاء آخرين في ظروف غامضة، الأمر الذي أعطى انطباعا بأن ما قيل عن تفاوض وتحرك للحكماء لم يكن سوى وسيلة لتخدير المشاعر وكسب الوقت تمهيدا للانقضاض وتصفية الثورة
ــ كيف نصدقهم إذن حين ثم يدعوننا للاطمئنان إلى الوعود التي أطلقوها
وكيف بالله عليكم نثق في أن استمرارهم يشكل ضمانا للاستقرار في المستقبل؟
...........................
فهمي هويدي's Blog
- فهمي هويدي's profile
- 1314 followers
