فهمي هويدي's Blog, page 202

February 5, 2011

كلنا ميدان التحرير

صحيفة الشروق الجديد المصريه السبت 2 ربيع الأول 1432 – 5 فبراير 2011
كلنا ميدان التحرير – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_6364.html

اكتفى الكاتب الصحفى فهمى هويدى بثلاث كلمات فى عموده الصحفى " كلنا ميدان التحرير "
.....................

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 05, 2011 10:12

February 4, 2011

هيكل: النظام الجريح.. هدفه الانتقام

صحيفة السفير اللبنانيه السبت 2 ربيع الأول 1432 – 5 فبراير 2011<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />

هيكل: النظام الجريح.. هدفه الانتقام – فهمي هويدي

قال الأستاذ محمد حسنين هيكل إن ثورة الشباب أعادت الروح إلى الوطنية المصرية الجامعة، إلا أن أسوأ ما في مصر يحاول الآن بشراسة أن يقتل أنبل ما فيها، مضيفا أن الشعب أعلن كلمته يوم الثلاثاء العظيم في استفتاء لم يزوّر، الأمر الذي طوى صفحة النظام القائم بصورة لا رجعة فيها، رغم أننا شهدنا محاولة للالتفاف على إرادة الشعب من خلال الإيحاء بأنه خلال ستة أشهر يمكن إنجاز ما عجز النظام عن فعله خلال ثلاثين عاما .


وهو يتحدث كان الأستاذ يتابع من شرفة بيته الأفواج التي كانت تعبر جسر الجلاء متجهة إلى ميدان التحرير للانضمام إلى الحشد الكبير الذي اعتصم به معلنا نهاية عصر وبداية عصر آخر، ولدت فيه مصر من جديد.

وقد لخص تعليقه على المشهد بقوله:

أخيرا قدر لمصر أن تستعيد روحها الوثابة، وأن تثبت لنفسها وللعالم أنها ما زالت تحتفظ بكبريائها، وأنها قادرة على الثورة. وإذا لم يكن لثورة شبابها الراهنة من فضل سوى إشهار تلك الرسالة على الملأ، لكان ذلك كافياً

. أضاف في هذا الصدد أن التاريخ له إملاءاته، وأن إطلاق تلك الرسالة من ميدان التحرير له رمزية عميقة الدلالة .


- كيف رأيت الجموع المحتشدة في الميدان؟


} هم تجسيد لحلم خلاص مصر وكبريائها، وهم أنبل وأجمل ما أنجبته البلد. وسيظلون في الحقيقة وفي التاريخ رمزا لكبرياء ذلك الشعب وحلمه. وقد التف حولهم الشعب واحتفى بهم، بعدما أدركت جماهيره بعبقرية حسها الحضاري والتاريخي،

إن هؤلاء الشبان هم أبناؤه الحقيقيون والبررة. لذلك فإنهم حين دعوا المصريين إلى التعبير عن غضبهم واحتجاجهم في يوم الثلاثاء العظيم، فإن ما بين خمسة وسبعة ملايين مواطن من كل أنحاء مصر استجابوا لهم، وقالوا كلمتهم بصوت هادر وقاطع في استفتاء نادر لا مثيل له، به كتبت شهادة ميلاد مصر من جديد .


وهي الرسالة التي لم تجلجل في فضاء مصر والعالم العربي فحسب، ولكن أصداءها ترددت بقوة فى أرجاء الكون بأسره، حتى تسلمها ووعاها كل معني بشأن مصر. ومنذ ذلك اليوم بقي الشباب في الميدان رمزا للفكرة وشعلة وضاءة في طول البلاد وعرضها .


- ما رأيك في ما جرى لأولئك الشباب بعد ذلك؟


} لنتفق أولا على أن الثورة التي أطلقها أولئك الشبان الشجعان كانت زلزالا هز أركان النظام القائم في مصر منذ ثلاثين عاما. وللأسف فإن الرد كان صادما ومعيبا. فقد حاولوا إطفاء الشعلة بالدم، ووجدنا أن أسوأ ما في مصر سعى إلى محاولة قتل أنبل ما فيها. وهو ما شاهدناه يومي الأربعاء والخميس وكان اقتحام الخيول والجمال والحمير لميدان التحرير رمزا له.


- من تظن وراء هذه المحاولة الأخيرة؟


} الذين فعلوها صورة طبق الأصل من الأداة التي استخدموها. حيث لا أتردد فى القول إنهم أناس لا يختلفون كثيرا عن الدواب التي استجلبوها وأطلقوها.


- هناك تخمينات تحدثت عن شخصيات بذاتها في الحزب الوطني ورجال الأعمال لها دورها في ما جرى؟


} هذا صحيح، والأسماء متداولة ومعروفة، الذي لا خلاف حوله أن العملية كان لا بد لها من تمويل، وكان هناك أشخاص جاهزون من أركان التحالف المشهود بيننا: السلطة والمال والأمن. وهؤلاء الأشخاص لا يملكون إلا ما يستطيعون به استئجار الحناجر أو شراء الأسلحة وتجنيد البلطجية وأفراد العصابات.


- إذا فهمنا من وراء مشهد الخيول والجمال التي أطلقت في الميدان، فهل هناك تفسير للغياب التام للشرطة عن ضبط الأمن في البلاد، الأمر الذي فتح الباب لعمليات الترويع والنهب والفوضى التي حدثت.


} هذا جانب من الصورة يستدعي ملاحظات.

الأولى أن مصادر الداخلية تقول إن الذين قاموا بالترويع والنهب وأثاروا الفوضى، ينتمون إلى تشكيل سري لا علاقة لهم به.

الثانية أن تعامل الأمن المركزي مع المتظاهرين في البداية اتسم بقسوة مفرطة. حتى بدا وكأنه يمثل ذراعا لقوة غاشمة في بلد احتلته، ما يشكل جريمة حرب في أي بلد يحترم القانون الإنساني.

الثالثة أن قرار سحب الشرطة لاحقا يكتنفه الغموض في الوقت الراهن. ويبدو أنه سيظل سؤالا معلقا على التاريخ والضمير المصريين سيجيب عنه مستقبل الأيام.

الرابعة أن ما حدث ليس مفاجئا تماما، لأنه تفكير مستلهم من خطط التأمين التي تتضمنها أدبيات الثورة المضادة المتداولة في العالم الغربي، خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية، وللمخابرات المركزية تحديدا إسهاماتها في هذا المجال. التي أنبنت على ما عرف بخطة أجاكسي وأسهم في وضعها خبراء بعض شركات النفط العالمية، شل وموبيل أويل وغيرها.

ومن يدقق في وقائع التعامل مع ثورة الشباب في مصر يلاحظ أن ثمة قواسم مشتركة بينها وبين ما جرى من قبل في إيران ضد ثورة مصدق وفي شيلي أيام بينوشيه، حيث برز في هاتين التجربتين دور بارز للجماعات التي تعمد إلى ترويع الناس وإشاعة الخوف بينهم، لإقناعهم بأن الثورة تهدد استقرارهم وستجعل حياتهم جحيما .


- قلت هناك من يحاول تصوير الاشتباك الحاصل باعتباره تراشقا بين متظاهرين يعارضون نظام الرئيس مبارك وآخرين يؤيدونه .


} هذا تزوير للواقع، فالمتظاهرون الحقيقيون هم المحتجون الذين اعتصموا في الميدان وقرروا الدفاع عن كرامة هذا البلد وحلمه، بأسلوب سلمي مشرّف. أما الآخرون فهم مستأجرون بلا قضية. سواء كانوا عناصر تابعة للأجهزة الأمنية أم مرتزقة تم شراؤهم أم موظفين وعمالا في بعض المصانع والقطاعات الحكومية، الذين حملتهم سيارات الجهات التابعين لها إلى ميدان مصطفى محمود بالدقي لافتعال تجمع يؤيد النظام القائم. وقد ذهبت محاولات الانفعال إلى حد دعا الذين أخرجوا المشهد إلى الاستعانة بالفريق القومي لكرة القوم ومدربه.


- كيف تقوّم ما حققته ثورة الشباب حتى الآن؟


} إضافة إلى ما سبق أن ذكرته من أنهم أعادوا الروح إلى الوطنية المصرية الجامعة، وأنهم أثبتوا للعالم أن شعب مصر قادر على الانتفاضة والثورة، فإنهم نجحوا في أن يعلنوا على الملأ ما لا يريده الشعب المصري، وتركوا للعقلاء والنخبة أن يحددوا ما يريده الشعب. ذلك أن الجماهير الغاضبة بمقدورها أن تتحدى الطغيان وتسقط الطغاة، لكنها لا تطالب بأن تضع برنامجا يجيب عن أسئلة المستقبل، بما يفصل في الإجابة عن السؤال: ما العمل؟


- هل تعتقد أن العقلاء قاموا بهذا الدور؟


} للأسف فإنهم لم يستطيعوا أن يجيبوا عن السؤال، لأن أغلبهم عجز عن قراءة الواقع والتفاعل معه بما يستحقه. إضافة إلى أن المعارضة المعترف بشرعيتها في مصر أصبحت عنوانا فضفاضا تندرج تحته فئات، بعضها لا وزن له ولا حضور، وبعضها لا يملك من مقومات الحضور، سوى مقر وجريدة، والبعض الثالث يمثل أجنحة للحزب الوطني.


- ممثلو النظام في مصر دعوا إلى الحوار مع المعارضين والقوى السياسية الأخرى؟


} هذا الحوار لا بد منه ولكن له توقيته وأركانه وشروطه. إذ إضافة الى تثبت الظرف السياسي الملائم لإجرائه، فمن المهم للغاية شرعية الأطراف المشاركة فيه وأوزانها الحقيقية في المجتمع.

كما أن أي حوار يجب أن يكون هناك جدول أعمال متفق عليه. وبغير الاتفاق على جدول الأعمال فإن ما يسمى حوارا سيتحول إلى محاولة إملاء شروطه طرف على آخر.

وهذا هو الحاصل الآن. فشرعية تمثيل المعارضة الحقيقية مشكوك فيها، كما أنه ليس هناك جدول أعمال متفق عليه للمستقبل.

وما هو متوافر الآن لا يتجاوز مجرد وعود لامتصاص الغضب، لوح بها ممثلو السلطة، ولم يكن للمعارضة الحقيقية أي إسهام في صياغتها أو ترتيب أولوياتها .


- الرئيس مبارك تحدث في خطبته الأخيرة عن تصور للفترة المقبلة وخطوات الإصلاح المرتقبة في المسقبل؟


} ما عبر عنه الرئيس في ذلك الخطاب لم يكن مترابطا ولا يوفر فرصة كافية للتفاؤل أو الثقة. ذلك أنه أعلن أنه الآن فى ولايته الأخيرة. وتحدث عن ترتيبات للمستقبل منوطة بمجلس تشريعي تشكل بالتزوير ومطعون في شرعيته بما يجعله غير مؤتمن لا على الحاضر أو المستقبل

ـ وكان لافتا للنظر في هذا الصدد أن الرئيس في ولايته الأخيرة أصدر تكليفات للمجلس المشكوك في شرعيته تتعلق بترتيبات المستقبل الذي يفترض ألا يكون طرفا فيه. وهو أمر غير مفهوم.

أما ما كان مثيرا حقا فهو أنه بعد ساعات قليلة من إلقاء الرئيس خطابه بدأت محاولة الهجوم على المتظاهرين في ميدان التحرير التي كانت في جوهرها محاولة قتل الرمز الذي قاد الثورة وفجر مشاعر الغضب الجماهيري. وهو ما نسف الثقة في جدوى الحوار ومقاصده.

كأن الرئيس أراد أن يغطي المرحلة الزمنية التي تسبق تركه منصبه بجريمة ترتكب بحق أنبل أبناء شعبه .


- تحدثت وسائل الإعلام عن أن حوارا بدأ بالفعل بين السلطة وممثلي المعارضة؟


} عندي ثلاث ملاحظات على ما أذيع في هذا الصدد.

الأولى تتعلق بشرعية من قدموا باعتبارهم معارضين، والسؤال هنا منصبّ على أوزانهم الحقيقية في الواقع المصري..

الثانية أنه لا يمكن أن يدور حوار حول الوضع الراهن في غيبة ممثلين للشباب الذين أطلقوا الثورة.

الثالثة والأهم أن ذلك الحوار المفترض، يجري دون اتفاق على جدول أعمال يحدد مواضع الخلل ومقاصد الحوار .


- كيف يمكن تقدير النتائج المترتبة على ذلك الحوار؟


} المشكلة الأساسية في ذلك أننا صرنا أمام وضع لا يمكن إصلاحه وأن الخلل فيه أصبح جزءا من بنيته الأساسية. ثم إن هناك تجاهلا لحقيقة لم يعد يختلف عليها العالم أجمع، وهي أن النظام الحالي طويت صفحته، وأن الكلام في أهم عواصم العالم ينصب على مفردات الصفحة الجديدة في مصر تدل على ذلك والترتيبات الأميركية الأخيرة التي أعلن عنها مساء يوم الخميس، وتحدثت عن استقالة الرئيس مبارك، وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة نائبه عمر سليمان.

وللأسف فإننا ندفن رؤوسنا في الرمال رافضين إدراك أو رؤية ما يدور حولنا . فنحن هنا نحاول ترميم وتجميل وضع يتحدث العالم الآن، عن أنه قد سقط سياسيا وعمليا. وعناوين الصحف العالمية وافتتاحياتها تقول ذلك صراحة ودون مواربة . وإعلامنا الرسمي وحده لا يزال يعيش في ما اعتبرته الدوائر السياسية والإعلامية العالمية قد صار ماضيا يجري الآن الاستعداد بشكل حثيث وجاد للانتقال إلى غيره .


- إلى أي مدى يمكن الحديث عن دور أميركي في تشكيل الوضع الراهن؟


} الأميركيون حاضرون في المشهد من بدايته وبصورة أبعد كثيرا مما هو مألوف في العالم العربي على الأقل. فالإدارة الأميركية لديها مجموعة عمل تتابع الموقف أولا بأول، والتصريحات الأميركية اليومية تتناول الموضوع بدرجة أو بأخرى. وهو ما لمسناه في الاتصالات التي أجراها الرئيس أوباما وفي تصريحاته الأخيرة التي شدد فيها على ضرورة الانتقال السلمي للسلطة الآن وليس بعد انتهاء ولاية الرئيس في شهر سبتمبر. وهو ما عبرت عنه أيضا تصريحات وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين.

ولرئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس «جون كيري» كلام شديد في دعوة الرئيس مبارك إلى التنحي. وقد نقلت وكالات الأنباء مساء يوم الخميس الماضي خبرا ذكرت فيه أن مشروعا قدم إلى مجلس الشيوخ يدعو إلى مطالبة الرئيس مبارك بنقل السلطة إلى حكومة انتقالية موسعة،

كما تحدثت صحيفة نيويورك تايمز عن اتصالات أميركية لهذا الغرض جارية مع نائب الرئيس المصري ووزير الدفاع ورئيس أركان القوات المسلحة. وكانت الصحيفة قد نشرت في عدد الأول من شهر فبراير الحالي تفاصيل مهمة عن رحلة المبعوث الأميركي فرانك ويزنر إلى القاهرة.

وتحدثت في تقريرها عن اجتماع للرئيس أوباما في مجلس الأمن القومي لمدة ساعتين لبحث تطورات الموقف في مصر، بعد إعلان الشعب عن رفضه لسياساته ونظامه، وأشارت إلى أن الاجتماع بحث تقريرا أعده اثنان من الخبراء حول آخر التطورات. وتم الاتفاق على أن يتوجه السفير فرانك ويزنر إلى القاهرة حاملا معه رسالة تدعو الرئيس مبارك إلى أمرين،

الأول إعلانه على الملأ أنه لن يرشح نفسه لولاية جديدة في نهاية العام الحالي،

وهو المطلب الثاني أن يعد بألا يترشح ابنه جمال إلى الرئاسة القادمة. وهو ما رفضه وامتنع الرئيس مبارك عن الاستجابة له .


- هل الاهتمام الأميركي الشديد بالوضع في مصر نابع من الحرص على استمرار علاقات البلدين أم أنه يضع في الاعتبار الحرص على العلاقات الأميركية المصرية أم أوثق صلة باستمرار وتأمين العلاقات المصرية الإسرائيلية؟


} واشنطن مدفوعة بالأمرين معا. فمصر تحتل موقعا متميزا في الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، كما أنها مهتمة باستقرار العلاقات المصرية الإسرائيلية.

يضاف إلى ذلك أن الرئيس أوباما يحتاج إلى أصوات اليهود الأميركيين في محاولته تجديد ولايته. ومن ثم فمفهوم أن يولي اهتماما خاصا بما يعتبره أمن إسرائيل ومصالحها .


- بماذا نفسر الاهتمام الإسرائيلي الخاص بالوضع في مصر؟


} إذا تذكرنا وصف إسرائيل للرئيس مبارك بأنه «كنز استراتيجي لها» فإن ذلك يفسر لنا بدقة قلقهم في تل أبيب إزاء احتمال تغيير النظام القائم في مصر. ثم إننا في مثل هذه المواقف ينبغي أن نستعيد علامات الاستفهام الكثيرة التي تثار حول العلاقات المصرية الإسرائيلية، خصوصا تلك التي تتعلق بالتعهدات والضمانات غير المعروفة التي قدمها الرئيس السادات لإسرائيل ليس فقط لضمان أمنها.
ولكن أيضا للتأكيد على أنه لن تكون هناك حروب أخرى مستقبلا ضدها.


انتهت أسئلتي، فاستوقفني الأستاذ هيكل وقال اكتب على لساني هذه النقاط التي ينبغي أن يعيها جميع المصريين في اللحظة الراهنة :

أولا : ان النظام الجريح سيظل شاغله الأوحد هو الانتقام. وإذا كان قد أبدى استعدادا لقتل 300 مواطن على الأقل وتشويه وجرح خمسة آلاف آخرين لكي يبقى ستة أشهر. فإن أحدا لا يستطيع أن يتصور الثمن الذي يتعين على المصريين دفعه لقاء استمراره .


ثانيا: إن أحدا لا ينبغي أن يبخس شباب مصر الشرفاء والشجعان حقهم في صناعة حاضر مستقبل ومستقبلها، كما أن أحدا لا ينبغي أن ينسى أن شهادة الميلاد الجديدة لمصر كتبت بدماء الثلاثمئة شهيد الذين أراد النظام قتلهم، فحوّلهم إلى نجوم مضيئة وباهرة في سماء مصر .


ثالثا : إن الأمة مدينة لأولئك الشبان الذين اعتبرهم أجمل وأنبل من أنجبتهم مصر، لأنهم بثورتهم ردوا إلي أملا غاب وراء السحب الداكنة التي تكاثرت في سماء مصر.

وشاءت المقادير أن أعيش لحظة انقشاع تلك السحب وبزوغ شمس ذلك الأمل الذي ملأ أرض مصر كلها بضياء ودفء افتقدته طوال العقود الأربعة الأخيرة .

............................

 •  1 comment  •  flag
Share on Twitter
Published on February 04, 2011 20:49

February 2, 2011

لم يفهمونا بعد

صحيفة السفير اللبنانيه الخميس 30 صفر 1432 – 3 فبراير 2011
لم يفهمونا بعد – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_03.html

لم يفهمونا بعد.
إما لأنهم صمُّوا آذانهم لكي لا يسمعوا هدير الجماهير،
وإما لأنهم تسلموا الرسالة ولم يكترثوا بها تحدياً لمرسليها واحتقاراً لشأنهم.

لا أستطيع أن أحدد على وجه الدقة، ولكن ما يمكن القطع به أن ثمة التباساً ما حدث، كان من نتيجته أن ما سمعناه في خطاب منتصف ليلة أمس من الرئيس مبارك لم تكن له علاقة برسالة الغضب التي ظل الغاضبون يرسلونها طوال الأيام السبعة التي خلت، منذ يوم 25 يناير الماضي.
فمئات الألوف الذين خرجوا منذ ذلك اليوم في أرجاء مصر، والحشد المليوني الذي تجمّع في القاهرة أمس الأول «الثلاثاء 1/2»، والـ٣٠٠ مواطن الذين قتلوا برصاص الشرطة منذئذ، والخمسة آلاف مصاب وجريح، بخلاف الـ500 الذين اختفوا ولم يعرف مصيرهم بعد،

ذلك الحدث الفريد في بابه في التاريخ المصري لم يكن الهدف منه إقالة رئيس الحكومة وتعيين نائب للرئيس، وتغيير مادتين في الدستور. فذلك ثمن بخس للغاية إما أنه يعبر عن استخفاف واحتقار للألوف التي خرجت وللتضحيات التي قدمت. أو أنه يفترض فيهم البلاهة والغباء.
وسواء كانت الرسالة لم تستقبل أصلاً، أو أنها استقبلت ولم تفهم أو أنها فهمت وتم تجاهلها عناداً واستكباراً، فيبدو أننا صرنا بحاجة لأن نوضح مضمونها، على الأقل لكي يدرك الجميع عمق الهوة بين المطلوب والمعروض، وبين الأشواق التي تعلق بها الناس، والأصداء التي صدموا بها،

ذلك أن الجماهير التي انفجر غضبها أخيراً. بعد ثلاثين سنة من الصبر والاختزان لم تفعل ما فعلته إلا لأنه فاض بها الكيل ولم تعد تحتمل مزيداً من الإهانة.
فقد عانت داخلياً من احتكار السلطة والخضوع للطوارئ وتقييد الحريات العامة وتزوير إرادتها، بقدر ما عانت من الفساد الذي بدد ثروات البلاد وبطش الشرطة الذي أهدر كرامات الناس واستخفّ بحياتهم، والإفقار الذي أذلهم وقصم ظهورهم.

أما خارجياً فقد أهينت مصر حين تم تقزيمها وإلحاقها بمعكسر التبعية للسياسة الأميركية، الذي دفعها إلى حصار غزة والإسهام في الدفاع عن أمن إسرائيل مع التفريط في أمنها القومي.

وتلك مجرد عناوين تحتمل التفصيل والإضافة. لكن أهم ما فيها أنها كانت ثمرة سياسات اتبعت خلال تلك الفترة وأوصلت البلد إلى ما وصل إليه من صغار ووهن.
حين تكون تلك أسباب انفجار غضب الجماهير، ثم يكون «التجاوب» معها على النحو الذي ذكرناه. فذلك يؤكد أنه لا توجد ثمة علاقة بين الأشواق والأصداء. ذلك أننا إذا دققنا في تلك الأصداء، خصوصاً خطاب الرئيس الأخير، فسنجد ما يلي:
- إن الرئيس لم ير غضب الناس وأسبابه في المشهد، ولم يتحدث إلا عن التخريب والتدمير الذي حدث، ولم يكن المتظاهرون مسؤولين عنه وليس لهم أي علاقة به.

كما أنه غمز ضمناً من الإخوان المسلمين وبعض الجماعات «ذات الأجندات الخاصة» معتبراً أنهم هم الذين استثاروا الجماهير وفجّروا غضبها، وذلك أيضا ليس صحيحا، لأن الجماهير الغاضبة هي التي قادت الجميع، وكان الإخوان وغيرهم ضمن الذين لبوا نداءها وتجاوبوا مع غضبها. بما يعني أنه نظر إلى الصورة من الزاوية الخطأ، وأدرك مكوناتها على نحو مغلوط.
ـ إن الرئيس لجأ إلى إحداث تغيير في الأشخاص والإجراءات ولم يغير شيئاً من السياسات، التي هي موضوع الغضب ومصدره الأساسي. إضافة إلى أنه أراد أن يكسب وقتاً وقدم وعوداً ليس بوسع أحد أن يراهن على تنفيذها في ظل الخبرات التي مررنا بها.

فالمادتان اللتان دعا إلى تغييرهما في الدستور

«الأولى تخص شروط الترشح للرئاسة والثانية تتعلق بمدة بقائه في السلطة» سبق أن قدما لنا في سياق وعده بالإصلاح السياسي،
كما وعدنا لاحقاً بانتخابات تشريعية نزيهة حول التزوير الفج إلى كارثة، وصارت فضيحة غذت الشعور بالمهانة والازدراء بالمجتمع.
ـ إن وعد الرئيس بعدم الترشح لولاية سادسة أمر طيب لا ريب، بقدر ما أنه بدا خطوة تثير القلق وتفتح الباب للهواجس والشكوك.
ذلك أنه لم يشر بكلمة إلى مسألة إلغاء الطوارئ وإطلاق الحريات العامة، وهما العقبتان اللتان لا يطمأن إلى إمكانية إجراء انتخابات في غيابهما.

بكلام آخر فإنه إذا لم يرشح الرئيس نفسه واستمر الوضع كما هو عليه الآن، فإن الحزب الوطني بتواطئه التقليدي مع جهاز الإدارة سيظل قابضاً على السلطة ومحتكراً لها، ولديه مهلة كافية لترتيب ذلك، في حين أن إطلاق الحريات وإلغاء الطوارئ إذا تما الآن، فمن شأنهما توفير مناخ يمكن المجتمع من إفراز البدائل المناسبة التي يمكن أن تنافس مرشح الحزب الوطني وتعطيه حجمه الطبيعي.
ـ إن الرئيس حين وعد بعدم الترشح للرئاسة المقبلة ولم يشر إلى أن ذلك الوعد يشمل أفراد أسرته، فإنه فتح الباب لاحتمال التلاعب بالوعي والذاكرة خلال الأشهر المقبلة، بما يجعل ترشيح ابنه جمال احتمالاً وارداً. وستكون حظوظه كبيرة في هذه الحالة، ووجود والده في السلطة سيضمن له ذلك ــ ولن أشك في أن أبالسة النظام مستعدون للقيام بهذه المهمة.

وفي هذه الحالة فإن أكبر انتفاضة شعبية في تاريخ مصر، ستتحول إلى أكبر مقلب شربه الشعب المصري فى تاريخه.
.....................

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 02, 2011 19:46

الإنهاك بعد الترويع

صحيفة السفير اللبنانيه الأربعاء 29 صفر 1432 – 2 فبراير 2011
الإنهاك بعد الترويع - فهمي هويدي

http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post_02.html


بعض الذي يحدث الآن في مصر غير مفهوم ومثير للحيرة والشك، فلغز انسحاب الشرطة من البلد، الذي أطلق عمليات النهب والتخريب والترويع لم يحل بعد.

ولم يكن مفهوماً أيضاً ظهور بعض أركان النظام على شاشات التلفــزيون مـساء يوم الأربعاء الماضي واستضافتهم في الحديث عن حق الناس في التظاهر السلمي، ثم انقضاض الشرطة عليهم في اليوم التالي حين حاولوا ممارسة ذلك الحق.

وإذا صح أن تعليمات صدرت بتقليل كميات البنزين التي يتم ضخها لمصلحة محطات الوقود في العاصمة، فإن ذلك يستدعي علامة استفهام كبيرة حول مقاصد ذلك التقييد، خصوصاً أنه أحدث ذعراً بين أصحاب السيارات، ودفعهم إلى التزاحم في طوابير طويلة لعدة ساعات أمام محطات الوقود للتزود باحتياجاتهم.
أما حكاية حظر التجول فقد ضاعفت من أسباب الحيرة والشك، ذلك أننا فهمنا أن يصدر الأمر بالحظر في اليوم الثاني الذي انفلت فيه العيار ولاحت فيه نذر الفوضى،
وفهمنا أيضاً أن يستمر الحظر من السادسة مساء وحتى الثامنة صباحاً وفي ظل ذلك الوضع أدرك الناس أن ثمة خطراً يهددهم بسبب الاختفاء المريب للشرطة، فلجأوا إلى تشكيل فرق للمقاومة الشعبية استطاعت أن تضبط الأمن نسبياً وتوقف النهب في أغلب المحافظات،

لكن الذي لم نفهمه انه بعدما استقر الأمر على ذلك النحو تمت زيادة ساعات حظر التجول بصورة تدريجية بحيث أصبحت تمتد من الساعة الثالثة بعد الظهر إلى الثامنة صبيحة اليوم التالي،

أعني أنه في حين تصورنا أن ساعات الحظر ستتراجع فإننا فوجئنا بزيادتها دون وجود مبرر لذلك، وكانت النتيجة أن أصيبت الحياة بالشلل، حيث توقف العمل بصورة نسبية في مختلف المصالح والمصانع والبنوك.
وترتب على ذلك أن توقفت الأعمال وقل الإنتاج وتعثرت المعاملات المصرفية واختفت المواصلات العامة والخاصة.

ولأن المحال العامة أصبحت تغلق أبوابها في الساعة الثالثة، فإن الأهالي تزاحموا عليها لكي يوفروا احتياجاتهم.
وفي ظل البلبلة الحاصلة حرص كثيرون على تخزين السلع تحسباً للمستقبل الغامض،
ولأن الإنتاج قليل فإن محال البقالة شحت فيها السلع التي تخاطفها الناس.
وإذا أضفت إلى ذلك أن الشهر الجديد (فبراير) بدأ أمس وأن كثيرين انتظروا ذلك اليوم لكي يتسلموا مرتباتهم وأجورهم، وتعذر عليهم ذلك بسبب إغلاق البنوك، فلك أن تتصور حجم الآثار الفادحة التي ترتبت على زيادة ساعات الحظر، ما أدى إلى إرهاق الناس وزيادة معاناتهم.
لا أعرف ما إذا كان الذين أصدروا القرار على وعي بتلك الأصداء أم لا، لكنني لا أستطيع أن أكتم شعــوراً بســوء الظن في مقاصده، خصوصاً حين يضع المرء هذه الخــطوة في السياق الذي سبقه، بدءاً بسحب الشرطة واختفاء عربات الإطفاء، ما أطلق عمليات الفوضى والتخريب
وهي الخلفية التي تستدعي السؤال التالي:

هل يمكن أن يكــون كل ذلك مرتباً ومقصوداً، بحيث تفسر تلك الممارسات بحسبانها محاولة لترويع الناس ومضاعفة معاناتهم لإقناعهم بأن البلد سيكون في خطر إذا ما تحقق التغيير الذي ينادي به المتظاهرون، وأن الاستقرار لن يتم إلا في ظل استمرار النظام القائم؟
حين يلاحظ المرء أن التظاهرات الغاضبة مستمرة في أرجاء مصر منذ أسبوع، وأن استجابة السلطة لها بطيئة وباهتة، وفيــها من الالتفاف على المطالب المرفوعة بأكثر مما فيها من التفاعل الشجاع معها،

ثم يضــيف إلى ذلك ما أسفرت عنه القــرارات التي اتخذت في ما خص الوقود وحظر التجول، فإن ذلك سيرجح عنده كفة سوء الظن،

ذلك أننا إذا سرنا وراء التفــكير غير البريء في الموضوع فسوف يوصلنا ذلك إلى أن السلطة، أو أطرافاً فيــها، راهنت في سعيها إلى إفشال الانتفاضة وإجهاضها إلى أمرين هما:
الترويع والإنهاك.

والترويع حدث بالفعل في ظل الفوضى، لكن المجتمع نجح في التصدي له وتجاوزه.
أما الإنهاك فهو الحاصل الآن، الذي يراد به زيادة المعاناة وتشديد الوطأة بما يوصل الناس إلى درجة الاستياء والسخط على الانتفاضة، وربما التمرد عليها.
وما إشغال الناس بالحياة التي أصابها الشلل وبالبحث عن الخبز وحليب الأطفال ووقود السيارات إلا ضغوط يراد لها أن تدفعهم دفعاً إلى السخط والتمرد بمضي الوقت.
أدري أن بعــض الظن أثم لكن أعترف بأن ما قادني إليه هو خبرتنا الحافلة بخيبات الأمل على مدار الثلاثين سنة الأخيرة، التي جعلتنا نستبعد إحسان الظن ونفقد الثقـة في أهل القــرار، ومن ثم نغامر بالوقوع في مــثل ذلك الإثم ونحن مطمئـنون إلى أننا ما زلنا في السليم.
......................

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 02, 2011 08:52

February 1, 2011

مصر من الفرعونية إلى الديمقراطية – المقال الأسبوعي

موقع قناة الجزيرة الفضائيه الثلاثاء 28 صفر1432 – 1 فبراير 2011
مصر من الفرعونية إلى الديمقراطية – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/02/blog-post.html


كل الذي حدث في مصر هو أننا استعدنا الحلم الذي سرق منا لعدة عقود، ومن ثم جاز لنا أن نجهر بشوقنا إلى الانتقال من الفرعونية إلى الديمقراطية

(1)

حتى لا يلتبس الأمر على أحد, فإنني أتحدث فقط عن حلم استعدناه, في حين أن واقعنا لا يزال كما هو لم يتغير فيه شيء يذكر،
وكل التغيير الذي حدث حتى كتابة هذه السطور لم يتجاوز حدود الترميم وتحسين الصورة.

أتحدث أيضاً عن الأمل في أن تنتقل من حكم الفرد إلى حكم الشعب, ومن ولاية الرئيس إلى ولاية الأمة، ومن ضيق الطوارئ إلى فضاء الحرية وآفاقها الرحبة.

قبل أي كلام في الموضوع، لابد أن نحني رؤوسنا تقديراً واحتراماً لأولئك الشبان والشابات الرائعين الذين تقدموا الصفوف ورفعوا رايات الغضب النبيل، فانتشلونا من هوة اليأس الذي تلبسنا حتى بتنا نرى المستقبل بائسا ومظلما، ونرى بلدنا عزيز قوم انكسر وذل.

إن هناك من يتعمد تشويه صورة أولئك الشجعان الرائعين بتحميلهم المسؤولية عن التخريب والتدمير وعمليات النهب التي تمت في أنحاء البلاد، وذلك ظلم بين وافتراء مفضوح.

ذلك أن ما يحسب لصالح أولئك الشبان هو تلك المظاهرات السلمية التي خرجت في أول يومين واستمرت طوال نهار الأيام التالية.

يحسب لهم أيضاً أن أقرانهم هم الذين تنادوا إلى تشكيل اللجان الشعبية التي خرجت في أنحاء مصر، تحرس الناس وتهدئ روعهم، بعدما انسحب من الساحة رجال الشرطة وتخلوا عن واجبهم في تلك اللحظات الدقيقة.

أما الذين خرجوا ودمروا وأحرقوا ونهبوا فإنهم لا يحسبون على المتظاهرين الداعين إلى التغيير واستعادة الحلم, ولكنهم يحسبون على الذين نهبوا البلد وسرقوا الحلم.

في كل مكان بالدنيا ما إن تعم الفوضى أو ينقطع التيار الكهربائي لبعض الوقت, حتى يصارع العاطلون وأرباب السوابق إلى نهب المتاجر والمحال العامة. وللولايات المتحدة الأميركية تجارب عدة من هذا النوع. لذا لا ينبغي أن نستغرب أن تتكرر تلك المشاهد في الأوقات التي يحظر فيها التجول.

ولا شك أن الغياب التام للشرطة كان إغراءً قويا شجع العاطلين والناقمين وخريجي السجون على أن يفعلوا ما فعلوه، وبسبب ذلك فإن الخلط في بعض البيانات الرسمية ومقالات كتاب السلطة بين المتظاهرين الداعين إلى التغيير وأولئك الأشرار يتعذر افتراض حسن النية فيه.

ولأن التمييز بين كل منها مما لا تخطئه عين، فلا تفسير للخلط ينهما سوى أنه يتعمد التشويه والتلويث ويستهدف الاغتيال المعنوي للظاهرة النبيلة التي حدثت.

(2)

اتهام المتظاهرين بالتخريب ليس الأكذوبة الوحيدة التي أطلقت، ولكنه العنوان الأول في سجل التشويه ومحاولة اغتيال الدعوة إلى التغيير،

لقد سمعت بأذني أحد شيوخ الحكومة يقول -في برنامج "صباح الخير يا مصر" الذي يقدمه التليفزيون المصري (في 29/1)- إن هؤلاء المتظاهرين بخروجهم إلى الشوارع يكونون قد قطعوا الطرق، مما أدى إلى إطلاق حملة الترويع والتخريب، لذلك فإنهم يستحقون أن يطبق عليهم "حد الحرابة"!.

وكان التعميم الذي وزع على خطباء المساجد يوم الجمعة الماضية (في نفس اليوم الذي بثت فيه الحلقة سابقة الذكر) يدعوهم إلى ثني الناس عن التظاهر الذي يؤدي إلى التخريب والاعتداء على خلق الله ومرافق الحكومة.

وفي الوقت ذاته روج نفر من كتاب السلطة وأبواقها لأكذوبة ادعت أن عناصر الإخوان المسلمين وراء الانتفاضة، في مسعى غير بريء لتشغيل "الفزاعة" التقليدية التي تستهدف أمرين:
إثارة قلق المسلمين، وفي الوقت ذاته تخويف الأقباط.
وهي الأكذوبة التي لم تنطل على أحد, خصوصا أن الجميع يعلمون أن كل القوى الوطنية ومعها العناصر المستقلة من أبناء مصر، هؤلاء جمعيا كانوا في قلب الحدث، ولم يكن للإخوان أي دور مميز فيما جرى.

من الأكاذيب الأخرى التي جرى الترويج لها في اليومين الأولين قول بعض أبواق السلطة إنه لولا الحرية والديمقراطية التي تتمتع بها مصر لما خرج المتظاهرون إلى الشارع ورفعوا أصواتهم التي انتقدت السلطة ودعت إلى التغيير
وهو ادعاء إذا صح, فمعناه أن تونس تتمتع بدرجة أعلى من الحرية والديمقراطية. لأن الناس هناك خرجوا إلى الشارع وأجبروا رئيس الجمهورية على الفرار من البلد كلها،

وقد نسي إخواننا هؤلاء أن الذين خرجوا للتظاهر في مصر لم يحتملوا وطأة القهر والكبت الذي خضعت له البلاد طيلة ثلاثين عاما فانفجروا غاضبين وساخطين على إهدار كرامتهم ومصادرة حرياتهم.

من تلك الأكاذيب أيضا محاولة البعض اتهام حكومة أحمد نظيف بأنها فشلت وأثارت غضب الناس لأنها لم تلتزم ببرنامج الحزب الوطني، ومحاولة التضحية بالمهندس أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني – بعد استقالته طبعا- من خلال تحميله المسؤولية الأكبر عما جرى، وهو الكلام الذي نسب إلى من وصف بأنه زعيم الأغلبية بالحزب الوطني،

وهذا الكلام ليس من قبيل الهراء الذي يتعذر تصديقه فحسب ولكنه أيضا يعد نوعا من الهروب من المسؤولية. ويعبر عن افتقاد الشجاعة أو النزاهة، حيث يعلم الجميع أن الحكومة تخضع للتوجيه المستمر من جانب رئيس الجمهورية، وأن أحمد عز لم تكن له سياسته الخاصة وإنما كان حتى آخر لحظة الذراع اليمنى لرئيس لجنة السياسات السيد جمال مبارك, ومن ثم فليس من المروءة في شيء أن يوضع الاثنان الآن في قفص الاتهام، وربما كان ما نسب إليهما سيلقى احتراما وآذانا صاغية لو أن الكلام الذي قيل بحقهما صدر أثناء وجودهما في السلطة، وليس بعد أن غادرا منصبيهما.

(3)

قلت إن الحلم استيقظ وعاد يداعب خيالاتنا، لكن واقعنا لا يزال كما هو، حيث تغيرت فيه الأجواء لكن الحقائق لم تتغير، لذلك لست أبالغ إذا قلت إن الحلم الذي استعدناه لا يزال معلقا في الهواء، والتحدي الكبير الذي يواجه الجماعة الوطنية في مصر هو كيف ومتى يمكن تنزيله على الأرض.

بكلام آخر، هم يريدون تغيير طلاء البناية، ولكننا نريد تنكيسها أو إعادة بنائها،
الأولون هم أهل السلطة الذين يريدون ترميم الوضع وتجميله،
والآخرون هم أهل مصر الذين يتطلعون إلى إدخال إصلاحات جذرية على الوضع القائم
(أهل المعمار يطلقون مصطلح "التنكيس" على البنايات التي تتخللها الشروخ فتكون مهددة بالسقوط)،
هذا إذا لم تكن هناك فرصة لإعادة بناء الوضع من جديد على أسس أكثر رسوخا وقوة.

نحن الآن في مرحلة التجميل التي تبدأ بتقبيح الانتفاضة الراهنة وتخويف الناس منها، ومن يطالع الصور والتقارير التي تنشرها الصحف القومية كل يوم يلاحظ أنها لا تتحدث إلا عن الخراب الذي حل ببعض المباني والمؤسسات العامة، في رسالة تقول:
انظروا هذا ما جناه البلد من وراء الدعوة إلى التغيير.

بعد التخويف من تغيير الوضع القائم تمارس عملية تجميلية من ناحيتين,
الأولى تمارس من خلال اللغة والوعود التي تتحدث عن الإصرار على استمرار الإصلاح السياسي، وتتشدق بعناوين الحرية والديمقراطية والمجتمع العصري والمدني، إلى غير ذلك من الكلام الذي سمعناه كثيرا حتى مللناه ولم نعد نحسن الظن به,

أما الباب الثاني للتجميل فيتمثل في تغيير الوجوه وتبديلها بأخرى أكثر قبولا وشعبية، وهذا ما حدث حين غُير رئيس الوزراء وشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، وإذ لا يستطيع أحد أن يقدح في الرجلين اللذين يحظيان بدرجة عالية من الاحترام إلا أن استدعاءهما في الظرف الراهن لا يخرج عن نطاق التجميل، الذي لا يعني شيئا إذا ما قورن بالتغيير الجذري المطلوب, الأمر الذي يعني أن السياسات التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه ما زالت كما هي لم يتغير فيها شيء يذكر.لكي نقيم جدوى وحدود التغيير الذي تم، ينبغي أن نتذكر أن ثورة المجتمع المصري انفجرت تعبيرا عن الضيق بالنظام القائم الذي احتكر السلطة وحكم البلاد بأجهزة الأمن والطوارئ، وحاصر الحريات وزور الانتخابات وترعرع في ظله الفساد، وألحق البلاد بمعسكر التحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل، في حين فشلت سياساته في تلبية احتياجات الناس في مجاليْ الخدمات والاقتصاد.

إذا فعلنا ذلك فسنكتشف أن تعيين نائب رئيس الجمهورية ورئيس جديد للوزراء لا يشبع شيئا من تطلعات المجتمع الغاضب سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي،
وإنما رسالته الوحيدة هي أن النظام قائم وسياسته ثابتة لم يطرأ عليها أي تغيير، وكل التغيير الحاصل لن يتجاوز حدود الأيدي التي ستباشر تلك السياسات، وإن شئت فقل إنه مجرد تغيير في الوجوه لا علاقة له بالأسباب التي فجرت انتفاضة الشعب في مصر.

(4)

لقد تحدث البعض عن الخروج الآمن من السلطة، ولكن لتعذر تنفيذ هذه الفكرة فإنني أدعو إلى انتقال آمن للسلطة، إلا أن مشكلة ذلك التغيير هي أنه يتطلب اتخاذ إجراءات تعبر عن الاعتراف بالخطأ، وجرأة على نقد الذات، وهذا ما يفتقده الكثير من الأنظمة المحتكرة للسلطة التي تستند في شريعتها إلى تأييد الأجهزة الأمنية التي تتولى قمع المجتمع وليس إلى رضا الناس وقبولهم.

وفي تجارب البشر فإن التغيير إما أن يتم من خلال النظام القائم أو من خارجه وعبر الانقلاب عليه،
كما أثبتت تلك التجارب أن التغيير إذا لم يتم طواعية من داخل النظام وبواسطته، فإنه يفرض بعد ذلك على النظام ويتم رغما عنه.

وإذ نفضل الانتقال الآمن من داخل النظام، فإن نقطة البدء تتمثل في ضرورة الاقتناع باستبعاد التجميل الذي هو بمثابة احتيال لاستمرار الواقع، وبضرورة اللجوء إلى التغيير الجذري المتمثل في "التنكيس".

إننا لا نتوقع ولا نتصور أن يتم تغيير كل شي دفعة واحدة، ولكني أشدد دائما على أهمية إشاعة الثقة بين الناس بإمكانية التغيير،
وهذه الثقة لا تتوافر إلا في ظل الإعلان عن إجراء تغييرات أساسية في بنية وهياكل النظام القائم (حل مجلس الشعب الذي تم تشكيله بالتزوير مثلا)،
أو في ظل الإعلان عن خطوات جوهرية مثل الوعد بإجراء انتخابات حرة ونزيهة،
أو تشكيل جمعية تأسيسية لتعديل الدستور تمهيدا لإلغاء الطوارئ ورفع سقف الحريات في المجتمع، وهي الإجراءات التي تعزز الثقة وتمنح الناس أملا في إمكانية التقدم على طريق التغيير.

أفهم أن التدرج مطلوب، لكنني أزعم أن مجرد تغيير الوجوه يبعث على القلق أكثر من الارتياح، لأنه يعني أن نية إجراء التغييرات الجذرية لم تتوافر بعد، ولا سبيل إلى دفع قيادة النظام إلى الإقدام على تلك التغييرات إلا من خلال ممارسة مزيد من الضغوط عليه، وهو ما يعني أن انتفاضة المصريين لا يزال أمامها شوط طويل لكي تحقق أهدافها، وأن بلوغ تلك الأهداف يقتضي الاستمرار في التظاهر السلمي والاعتصام,
وقد بات ذلك خيارا وحيدا لأنه في اليوم الذي سيتوقف فيه التظاهر ستنطلق عملية إعادة الطلاء والتجمل بأقصى سرعة، وستتحول دماء أكثر من مائة مواطن مصري قتلوا أثناء الانتفاضة إلى ماء يستعان به في إنجاز عملية الطلاء، وسيسرق مرة أخرى أملنا في انتقال مصر من الفرعونية إلى الديمقراطية .

إن النظام المصري إذا لم يبادر من جانبه إلى إجراء التغييرات الجذرية التي تتطلع إليها الجماهير، فإن معاندته في هذه الحالة ستوفر حجة قوية للذين لا يرون فيه أملا ويسعون إلى إحداث التغيير المنشود من خارجه.

..........................

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 01, 2011 08:48

January 30, 2011

شرعيتهم على المحك

صحيفة الشروق الجديد المصريه الخميس 23 صفر 1432 – 27 يناير 2011
شرعيتهم على المحك – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post_5976.html


خلاصات الوثائق التى بثتها الجزيرة خلال الأيام الأربعة الماضية تثير ما لا حصر له من الأسئلة التى تتعلق بمضمونها، لكنى معنى فى اللحظة الراهنة بالعثور على تسمية مناسبة للقضية التى كان يجرى الحديث عنها وللفعل الذى ظل يمارس خلالها.

ذلك أننى بعدما تتبعت محاضر الجلسات وأذهلنى المدى الذى ذهبت إليه العروض الفلسطينية، اعتبرت أن وصف ما جرى بأنه مباحثات أو مفاوضات أو تفاهمات أو تنسيق أمنى هو من قبل التغليط والتدليس.

وأقنعنى ما وقعت عليه بأن أوصافا بريئة من ذلك القبيل يضلل الجماهير ويخدع الفلسطينيين بوجه أخص، من حيث إنه يوهمهم بأن ثمة آلية تتحرك، وأن ثمة أخذا وردا من شأنه أن يأتى للفلسطينيين بشىء فى نهاية المطاف، فى حين أن ما أثبتته الوثائق أن الأمور تمضى فى اتجاه مختلف تماما، وأن محورها الحقيقى هو كيفية تصفية القضية وإجهاض الحلم الفلسطينى بأفضل إخراج سياسى ممكن.


صحيح أنهم ظلوا يقولون للإعلام كلاما آخر حماسيا وجذابا، لكننا اكتشفنا أن كلامهم فى الغرف المغلقة كان مختلفا كثيرا. إذ فى حين ظلوا يتشددون ويتشدقون برفض فكرة يهودية الدولة الإسرائيلية، فإن الوثائق نقلت على ألسنتهم ــ مثلا ــ أنهم يوافقون على أى تسمية تطلقها إسرائيل، لكنهم لا يريدون إعلان ذلك ولا صدمة الرأى العام الفلسطينى والعربى.


بسبب من ذلك، فقد اعتبرت أن تسمية الفعل من الأهمية بمكان. إذ كما يحدث فى التقاضى حين يتم التكييف القانونى للجريمة، وما إذا كانت مخالفة أو جنحة أو جناية، الأمر الذى يترتب عليه توجيه إلى محكمة معينة، ويضع سقفا للعقوبة فيها، فإننا بحاجة لأن نحدد هوية الجريمة السياسية التى كشفت عنها الوثائق لكى نبنى على ذلك التداعيات الأخرى الضرورية.


وأدعو فى ذلك الى التريث وعدم التعجل فى إطلاق التكييف المطلوب إلا بعد الاجابة عن الأسئلة التالية:


● بماذا يوصف «المفاوض» الفلسطينى حين يتنازل عن حق عودة أكثر من خمسة ملايين فلسطينى ويعرض عودة عشرة آلاف فقط خلال عشر سنوات؟


● ماذا نقول فى المفاوض المذكور حين يبدى استعدادا لتقديم تنازلات فى الحرم الشريف، ثم يقول صراحة إنه يقدم لإسرائيل أكبر أورشاليم (يقصد القدس) فى التاريخ؟


● هل يمكن أن نطلق وصف التعاون أو التنسيق بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية، حيت يتفاهم الطرفان على قتل بعض قادة المقاومة، وحين يعبر الإسرائيليون عن إعجابهم بالأداء الفلسطينى ويتحفظون فقط على قيام الأخيرين بتعذيب «أشقائهم» المقاومين، الأمر الذى يثير حفيظة الدول المانحة؟


●هل يدخل فى باب التعاون والتنسيق أن يقول صائب عريقات أننا قتلنا أبناء شعبنا للحفاظ على النظام، الذى يقصد به حماية زمن إسرائيل. وحين يعتبر رجال الأمن الفلسطينيون انهم اعتقلوا فى عام واحد 3700 من شباب المقاومة واستجوبوا 4700 آخر للاشتباه فى علاقاتهم بالمقاومة كما صادروا 1100 سلاح كان يفترض أن يوجه إلى صدر اسرائيل، بأنه نجاح؟


●هل يعقل أن يدعو سلام فياض الى تشديد الحصار على غزة ويدعو أحمد قريع إسرائيل الى احتلال معبر فيلادلفيا (صلاح الدين) لإحكام ذلك الحصار؟


●بماذا يوصف قول أبو مازن للإسرائيليين إن أى رصاصة توجه إلى إسرائيل تعد موجهة إلى الفلسطينيين أيضا؟ ومن هم هؤلاء الفلسطينيون المتوحدون مع عدوهم التاريخى؟


● كيف يوصف المشهد الذى طالبت فيه السلطة الفلسطينية بمزيد من السلاح لمواجهة حماس فى غزة،
وكيف نفهم قول وزيرة الخارجية تسيبى ليفنى لكل من عريقات وقريع إن هدف إسرائيل الاستراتيجى هو تقويتكم وإضعاف حماس؟
وبماذا نفسر اعتبار العدو الإسرائيلى تقوية السلطة هدفا استراتيجيا له؟


● بماذا نفسر أيضا قول ابو مازن إنه أقنع أحد رجال الأعمال الفلسطينيين بالتبرع بمبلغ 50 مليون دولار لتمويل إذاعة خاصة بالسيد حسين موسوى المرشح السابق للرئاسة فى إيران؟


أرجو أن تفكر معى جيدا فى العثور على تكييف مناسب للفعل الذى أقدم عليه المفاوض الفلسطينى، وأن تستتبع ذلك بالتساؤل عن شرعيته فى هذه الحالة وجدارته بالحديث عن القضية الفلسطينية وجدارته بالانتساب الى فلسطين.
................

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 30, 2011 09:14

عراة ومنبطحون

صحيفة الشروق الجديد المصريه الأربعاء 22 صفر 1432 – 26 يناير 2011
عراة ومنبطحون – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post_3992.html

بالقنبلة التى فجرتها قناة الجزيرة مساء يوم الأحد الماضى (٢٣-١) استحق شهر يناير الذى بدأت به العشرون الثانية من القرن الجديد أن يوصف بأنه شهر المفاجآت الصاعقة.

ومن المبكر الآن أن نطلق هذا الوصف على العام الجديد، لكن القدر الثابت أن جرعة المفاجآت التى توالت هذا الشهر ستكون لها تداعياتها وأصداؤها على مدار العام.
فقد بدأ الشهر ــ والعام ــ بتفجيرات الإسكندرية التى راح ضحيتها 23 شخصا.
وبعدها بأيام قليلة حسمت مسألة انفصال جنوب السودان عن شماله، وإن كانت شهادة ميلاد الدولة الجديدة لم تحرر بعد.
ولم نكد نخرج من أجواء الانفصال حتى انفجرت الثورة الشعبية فى تونس، التى خطفت الأبصار، ولايزال رنينها يدوى فى الفضاء العربى.
ونحن مشدودو الأبصار إلى تونس، فجرت قناة الجزيرة قنبلتها التى أصابتنا جميعا بالدوار، وألقت بنا فى بحر الحيرة والدهشة.

فنحن لم نكن نحسن الظن بالمفاوضين الفلسطينيين حقا، ولدينا ما لا حصر له من علامات الاستفهام والتعجب حول أداء السلطة فى رام الله، وتعاونها الأمنى مع الإسرائيليين ضد المقاومة الفلسطينية، لكننى واحد ممن لم يخطر لهم على بال أن تصدر عنهم أمثال تلك المواقف التى سجلتها محاضر جلسات المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية، والتى بثتها قناة الجزيرة هذا الأسبوع.

كانت عيننا على تونس تتابع ثورتها، وعيننا الأخرى على لبنان تلاحق تفاعلات بركانها الموشك على الانفجار، فإذا بوثائق الجزيرة تهبط علينا كصاعقة من السماء، فتلهينا على هذا وذاك، مستدعية معها عديدا من الأسئلة الملتهبة والمتفجرة.

وقبل أى حديث عن المضمون فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان سؤال حول مدى صحة هذه الوثائق ومدى دقة المعلومات الخطيرة التى أوردتها.

وقد حاولت أن أتحرى إجابة السؤال منذ شرعت القناة فى بثها مساء الأحد الماضى. وفهمت من الذين رجعت إليهم أنها فى حوزة الجزيرة منذ شهر أغسطس الماضى، وأنها منذ ذلك الحين خضعت لعمليات فحص وتدقيق من جانب مجموعة من الخبراء والمختصين، الذين كان من بينهم أوروبيون وأمريكيون وثيقى الصلة بهذه العملية.
وقد ظل هؤلاء يعملون طوال أكثر من أربعة أشهر، وخلصوا فى نهاية المطاف إلى أن المحاضر أصلية وأنه لا أثر لأى تدخل أو تلاعب فيها.

علمت أيضا أن بعض المعلومات التى يمكن أن تهدد أناسا معينين حجبت فى الوقت الراهن، حيث ارتأى مسئولو وحدة الشفافية بالقناة أن ذلك الحجب لا يؤثر على دفة المحاضر ولا جوهر المناقشات التى جرت.
هى المرة الأولى التى يتسرب فيها هذا الكم من الوثائق (1600) عن المفاوضات العربية الإسرائيلية، الأمر الذى أتاح لنا أن نتعرف على ما يجرى فى الغرفات المغلقة، والذى كان يقال لنا دائما إن السياسيين العرب يقولون فى تلك الغرفات كلاما، فى حين يخاطبون الرأى العام بكلام آخر، وهو ما تؤيده وتؤكده محاضر الجلسات التى أذيعت، والتى بدا فيها المفاوض الفلسطينى ليس عاريا فحسب، وإنما منبطح بصورة فاضحة وصاعقة.

ذلك أن الحوارات التى جرت كشفت عن أن المفاوض الفلسطينى لم تكن لديه أى خطوط حمراء. إذ أبدى استعدادا مذهلا ومروعا للتنازل عن القدس الشرقية وعن حق العودة وعن الحدود. بل أبدى استعدادا مماثلا للتعاون مع الإسرائيليين فى قتل الفلسطينيين المقاومين (إذا كان هذا هو التعاون فكيف يكون التواطؤ إذن؟).

من الملاحظات المهمة على الوثائق أنها كشفت لنا عن أن الطرف الفلسطينى هو الذى يعرض التنازلات واحدا تلو الآخر، فى حين أن المفاوض الإسرائيلى يكتفى بتسجيل النقاط لحسابه وحصد الثمار.

وحين يكون الأمر كذلك فإن مثل ذلك المفاوض الفلسطينى يصبح الوحيد المؤهل لتصفية القضية وإغلاق ملفها. وهو ما يفسر لنا الطروحات الإسرائيلية التى تتمحور حول إمكانات الحل النهائى.

ذلك أن إسرائيل لن تجد مفاوضا يستجيب لطلباتها ويؤمنها أنسب من القيادة الراهنة، التى على رأسها السيد محمود عباس (أبومازن).
وليس ذلك مجرد استنتاج، لأن الأمريكيين ما برحوا يذكرون فى كل مناسبة ــ وهذا ثابت فى المحاضر السرية ــ على أن أبومازن هو الوحيد الذى يريدون التفاوض معه. وإذا أردنا أن نترجم هذا الكلام فهو يعنى أن أبومازن هو القيادى الفلسطينى الوحيد الذى من خلال موقعه كرئيس للسلطة يمكن أن «يؤمن» على تصفية القضية الفلسطينية.

هذه الخلفية تستدعى ملفا آخر مسكوتا عليه، يتصل بملابسات اغتيال الرئيس ياسر عرفات فى عام 2004، والإتيان بالسيد محمود عباس بسرعة ليصبح خلفا له، ويواصل مع الإسرائيليين مسيرة «السلام».
وهو السيناريو الذى تشير الوثائق إلى أن تتابع وقائعه لم يكن من قبيل المصادفات. ولكنه كان ترتيبا جهنميا نلمس نتائجه بوضوح فى محاضر الجلسات المسربة.
.....................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 30, 2011 09:03

جدل الحدث التونسى وأجراسه – المقال الأسبوعي

صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 21 صفر 1432 – 25 يناير 2011
جدل الحدث التونسى وأجراسه – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post_30.html

نُعذر إذا لم نستطع أن نغادر الحدث التونسى، ليس فقط لأنه استثنائى وتاريخى فى العالم العربى، وليس فقط لأنه أحيا فينا أملا ظننا أن تحقيقه يحتاج إلى معجزة، ولكن أيضا لأن تفاعلاته المثيرة مستمرة منذ أكثر من شهر ورسائله تتدفق بغير انقطاع وأجراسه ترن طوال الوقت.

(1)

حتى الآن الشارع هو البطل الحقيقى، هو الذى أطلق الثورة، وهو الذى أجهض محاولة الالتفاف عليها، وهو الذى لايزال مصرا على تحدى الحزب الذى احتكر السلطة واختطف البلاد بعد زوال الاحتلال الفرنسى فى عام 1956.
أما كيف أطلق الثورة فقد بات ذلك معلوما لدى الكافة. أما قطعه الطريق على محاولة الالتفاف على الثورة واختطافها بدورها. فقد تبدى حين خرجت الجماهير معربة عن غضبها بعد إعلان تشكيل الحكومة، التى ظل على رأسها أحد رجال نظام بن على، فى حين استولى رجال الرئيس وأعضاء حزب التجمع الدستورى الحاكم على الوزارات السيادية فيها (الداخلية والدفاع والمالية والخارجية)، الأمر الذى جاء مؤكدا على أن الديكتاتور رحل حقا لكن نظامه ثابت القدم كما هو.
الجماهير لم تنطلِ عليها الحيلة. ولم تقتنع بأن رحيل الديكتاتور وتشكيل حكومة جديدة تضم بعض قيادات المعارضة المدجنة يعنى طى صفحة الديكتاتورية. ولم تصدق شعار القطيعة مع الماضى الذى رفعه رئيس الوزراء وآخرون من قيادات التجمع الدستورى.

وسمعنا أناسا عاديين يقولون لمراسلى الفضائيات العربية إنه لا يعقل أن يكون أعوان الطاغية وأركان الاستبداد أنفسهم دعائم الانتقال إلى المرحلة الديمقراطية، وأن القطيعة الحقيقية يجب أن تتم مع الحزب الفاشى الذى ظل ركيزة النظام الديكتاتورى طوال العقود التى خلت.
غضبت الجماهير لمجرد وجود ممثلى الحزب الدستورى فى الحكومة. وكان مطلبها صريحا فى ضرورة إخراجهم منها. وعبرت عن ذلك المطلب بطرق سلمية ومتحضرة. فبقيت فى الشارع لم تغادره. واحتل بعضهم عددا من مقار الحزب وانتزعوا لافتاته.

وفى بلدان أخرى فإن هذه الرسالة كانت توجه بأساليب أخرى، عبر إسالة الدماء والفتك برموز القمع والاستبداد. لكن ذلك لم يحدث، وإنما مارس ذلك الحضور ضغطا قويا على النقابات والقوى الوطنية، التى تبنت مطالب الجماهير الواقفة فى الشارع. وكانت استقالة أربعة من الوزراء يمثلون التيار الوطنى عنصرا ضاغطا أسهم فى إحراج الحكومة واهتزاز صورتها.

وحتى كتابة هذه السطور فإن مأزق الحكومة لايزال مستمرا. حيث الجماهير مازالت تعرب عن احتجاجها فى الشارع. والحزب الدستورى يخوض معركته الأخيرة فى الدفاع عن هيمنته وسلطانه.

(2)

إذا كنا قد رأينا مشهد الشارع كاملا، فإنه لم يتح لنا أن نتابع ما يجرى فى السراديب
لست أعنى ما يحيكه أركان نظام بن على من حيل وألاعيب للحفاظ على قبضته،
ولكن أعنى دور القوى الخارجية التى فوجئت بما جرى وأقلقها السقوط السريع للنظام، وما يمكن أن يترتب على ذلك فى المستقبل.

إذاً ليس سرا أن ثمة تنافسا صامتا بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا حول النفوذ فى دول المغرب العربى. وهذا التنافس مشهود فى جميع تلك الدول بغير استثناء. إذ لكل منهما رجاله وأدواته. خصوصا فى أوساط القوات المسلحة، التى تعد على رأس قوى التغيير والتأثير.

إذ يتحدث المتابعون للشأن الموريتانى مثلا عن أن فرنسا كانت وراء سيطرة الرئيس الحالى على السلطة، ويشيرون إلى أن بعض قوى المعارضة لجأوا إلى الولايات المتحدة لمقاومة نظامه.

وليس سرا أن الولايات المتحدة كانت وراء استيلاء « زين العابدين بن على» على السلطة فى تونس عام 1987. لكن فرنسا لم تغب مع ذلك عن الساحة.

وقد بات معروفا أن وزيرة الخارجية الفرنسية ميشيل اليومارى عرضت تدريب الشرطة التونسية فى بداية الانتفاضة لقمع المتظاهرين. وتحدثت وسائل الإعلام عن اتصالات ملحة كان يجريها أثناء الثورة النائب اليمينى الفرنسى إريك راءول بالنظام السابق للتحذير من إتاحة الفرصة للإسلاميين فى ظل الوضع المستجد.

أيضا لم تغب الولايات المتحدة عن متابعة المشهد، ففى حين أعرب الرئيس أوباما عن تقديره لشجاعة الشعب التونسى، فإن كبير مستشاريه الأمنيين سارع إلى الذهاب إلى الجزائر لكى يكون قريبا من الأحداث فى تونس، وقيل إنه نقل رسالة أيدت إجراء انتخابات حرة ونزيهة هناك، مشترطا عدم تمكين الإسلاميين من الوصول إلى السلطة.
(3)
أصبحت مشاركة الإسلاميين فى العمل السياسى أحد العناوين المثيرة للغط، محليا وإقليميا ودوليا. والإسلاميون المعنيون هم بالدرجة الأولى حركة النهضة (أول مكتب سياسى لها تشكل فى عام 1981)، ويقودها الشيخ راشد الغنوشى الذى اختار لندن منفى له.أما كوادر الحركة فقد توزعوا بين المنافى والسجون التونسية. والذين تابعوا أدبيات ومواقف الحركة منذ إنشائها أدركوا فى وقت مبكر أنها قدمت نموذجا فكريا منفتحا ومتقدما على كثير من الحركات الأخرى.

وهذا النموذج كان ملهما لحزب العدالة والتنمية الذى تشكل بالمغرب فى وقت لاحق، وهو الاسم الذى اقتبسه الفريق الذى خرج من عباءة حزب الرفاه الإسلامى فى تركيا تحت قيادة الأستاذ نجم الدين أربكان، وشكلوا فى عام 2000 حزبا بذات الاسم الذى عرف فى المغرب. وكان فى مقدمة قادته عبدالله جول رئيس الجمهورية الحالى ورجب طيب أردوغان رئيس الوزراء.فى تونس ــ كما فى مصر ــ كان هناك حزب مهيمن وأحزاب أخرى محظوظة ومرضى عنها، وظلت تستخدم فى إحكام الديكور الديمقراطى، وأحزاب أخرى محظورة ليس مرضيا عنها كان بينها حزب النهضة والحزب الشيوعى، وأحزاب معارضة أخرى.

ولأن النظام كان علمانيا قحًا، فإنه استقطب المتطرفين من العلمانيين والشيوعيين، الذين كانوا ولايزالوا فى الوقت الراهن يدعون إلى إقصاء حزب النهضة ويخوفون من العودة المرتقبة للشيخ راشد الغنوشى من لندن.هذه الدوائر عبرت عن مخاوفها حين قررت الحكومة التونسية فتح الأبواب على مصاريعها للتعددية الحزبية، كما أطلقت سراح المعتقلين والمسجونين السياسيين، وأعدت مشروعا للعفو عن المحكوم عليهم ومنهم المقيمون فى المنافى، مما يعنى إضفاء الشرعية القانونية على نشاط الأحزاب المحظورة، وفى المقدمة منها حركة النهضة والحزب الشيوعى. إلا أن حركة النهضة لاتزال الوحيدة التى تقف فى حلق الجميع. من نظام زين العابدين بن على إلى المتطرفين من العلمانيين والشيوعيين، إلى الفرنسيين والأمريكان والإسرائيليين.
دعوة استثناء «النهضة» تتعذر الاستجابة إليها من جانب الحكومة الجديدة،
أولا لأن حركة النهضة قدمت طوال الوقت نموذجا فكريا وسياسيا وسطيا ومعتدلا للغاية،
وثانيا لأنها ظلت طوال عهد بن على تتحرك فى إطار تحالف وطنى مع الأحزاب الأخرى التى اطمأنت إليها ووثقت فى مواقفها وهو ما دعا عقلاء العلمانيين والشوعيين إلى المطالبة بعدم استثنائها.
وثالثا لأنه كان من الصعب على حكومة وعدت بإطلاق الحريات والالتزام بقيم الديمقراطية أن تجيز كل الأحزاب فى حين تستمر فى حظر حركة النهضة وإقصائها.
ما يثير الانتباه فى التوافق بين تلك الأطراف على المطالبة بحظر النهضة ــ أنها فى هذا الموضوع بالذات تناست تناقضاتها، واعتبرت أن تناقضها الرئيسى مع الحركة، ولم يعرف ما إذا كان ذلك تصفية لحسابات أو دفاعا عن الذات، أو غيرة على مصالح غربية وإسرائيلية يمكن أن يتهددها وجود حزب إسلامى فى الساحة السياسية.

يثير الانتباه أيضا أن الأطراف المختلفة دأبت على التخويف من تحول النهضة إلى نموذج لطالبان و استنساخ للنظام الإيرانى. ولم يخطر على بال أحد أن يراجع سجلها ليدرك أنها أقرب فى عقلها السياسى إلى حزب العدالة والتنمية فى تركيا.

(4)
اللغط مثار أيضا حول عنوانين آخرين،
أولهما يتعلق بعبرة ما جرى فى تونس،
والثانى حول القواسم المشتركة بين الوضع التونسى وبين نظائره فى العالم العربى.
العنوان الأول أفاض فيه كثيرون ممن اجتهدوا فى قراءة الحدث واستخلاص دروسه التى يتعين على الآخرين استيعابها وليس لدىَّ ما أضيفه إلى تلك الخلاصات، إلا أننى لا أستطيع أن أقاوم التذكير بعدة رسائل تلقيناها من الحدث التونسى تتمثل فيما يلى:
● أن منظر الرئيس بن على فى آخر خطاب له يقنعنا بأن الطغاة والمستبدين ليسوا بالقوة التى نتصورها. إذ نبهنا إلى أنهم أقوياء فقط بسلاح الجند الذى يحرسهم وأجهزة القمع التى تسحق معارضيهم. فيما عدا ذلك فهم مهزومون ومتخاذلون. وإذا كان المشهد التونسى قد بين لنا أنهم أضعف مما نتصور، فإنه أيضا أكد لنا أن الشعوب أقوى مما تتصور.
● إن احتكار السلطة حين يتحول إلى هدف بحد ذاته، فإنه يدفع المستبد إلى القبول بالتلون والتقلب بين مختلف المبادئ والاتجاهات، طالما كفل له ذلك أن يبقى فى موقعه. إذ يبدى استعدادا للانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية والليبرالية ولا مانع لديه من التحول إلى الثيوقراطية، ومن القومية إلى الكونية والقطرية، ومن النقيض إلى النقيض. وليس مهما الثمن الذى يدفع أو ما يستصحبه ذلك من مهانة. لأن الأهم أن يؤدى إلى تثبيت البقاء فى المنصب واستمرار القبض على هيلمان الملك.
● إن الحديث عن الرخاء، والنمو الاقتصادى لا ينبغى الترحيب به إلا إذا عرفنا من المستفيد منه، وهل تذهب عائداته إلى الذين اختطفوا البلد وسرقوه، أم إلى أصحاب البلد وشعبه الكادح.
وما جرى فى تونس يفتح أعيننا على تلك الحقيقة، لأننا اكتشفنا أن «معجزته الاقتصادية» التى تحدث عنها الرئيس السابق جاك شيراك جنى ثمارها الأثرياء وأفراد العصابة الحاكمة، وكان الفتات هو نصيب المجتمع وحظه.
●إن أجهزة الأمن حين تتوحد مع النظام المستبد وتصبح سوطه وسجانه ويده الباطشة، تتحول من مؤسسة تحرس المجتمع وتسهر على أمنه إلى مؤسسة تسحق المجتمع وتعاديه.

وحين أحرق المتظاهرون فى تونس غطاء رأس لضابط الشرطة، وحين تظاهروا أمام وزارة الداخلية، فإنهم كانوا يعبرون عن شعور المرارة والسخط إزاء الدور القذر الذى قام به رجال الشرطة لصالح النظام.

ومن الواضح أنهم أدركوا أخيرا مدى رفض الناس لهم، حتى إنهم خرجوا فى مظاهرات بالعاصمة حملت لافتات تقول:
أبرياء أبرياء من دم الشهداء.
● إن الأنظمة السلطوية حين تمعن فى إحكام الانسداد السياسى وتغلق أفق المستقبل فى وجوه الجميع، فإن لغة الشارع وخروج الجماهير إليه تصبح الخيار الوحيد أمام الضائقين بالاستبداد، والراغبين فى تخليص المجتمع من براثنه. وأية تداعيات تترتب على ذلك يتحمل مسئوليتها الذين صنعوا الأزمة وليس ضحاياها.
الذين يرفضون الاعتبار من الحدث، ومن ثم يرفضون تسلم رسائله، هم أنفسهم الذين ما برحوا يروجون للزعم القائل بأن تونس حالة خاصة ليس لها مثيل فى العالم العربى، ليطمئنوا أنفسهم على مصيرهم، وإن ادعوا أنهم يطمئنون الناس والنظام. وهو زعم انتقدته فى موضع آخر.

ولاحظت أن كتابات الصحف القومية فى مصر هى الوحيدة التى تتبناه وتروج له، فى حين أن الإعلام الخارجى يعتبر أن التشابه مع مصر بالذات أمر مفروغ منه ومسلم به.

وحين سألنى أحد المراسلين الأمريكيين عن أوجه الشبه بين مصر وتونس والجزائر. قلت إن بينها أربعة قواسم مشتركة على الأقل هى:
استمرار احتكار السلطة
ــ انتشار الفساد
ــ التغريب وفقدان الهوية
ــ الدوران فى فلك السياسة الأمريكية.
وهى أمور يطول فيها الحديث ويضيق بها المكان.
..................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 30, 2011 08:56

January 23, 2011

الفساد قرين الاستبداد

صحيفة الشرق القطريه الاثنين 20 صفر 1432 - 24 يناير 2011
الفساد قرين الاستبداد – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post_24.html


صحف هذه الأيام تحفل بأخبار شبه يومية تتعلق بمظاهر الفساد في أسرة الرئيس زين العابدين بن على هو وزوجته وأفراد عائلتها.

ومثل تسريبات «ويكيليكس» فإنها ما برحت تصدمنا كل حين بما لم يخطر لنا على بال.

فقد قرأنا أن الرئيس التونسي السابق له أرصدة في البنوك الخارجية تقدر بخمسة مليارات دولار، وأنه يملك عقارات وفنادق في العواصم الأوروبية، علاوة على بعض شركات الطيران الخاصة.

كما قرأنا أن زوجته هربت ومعها طن ونصف الطن من الذهب، حصلت عليها من البنك المركزي.
وهي ذاتها التي وزعت أقاربها على مختلف المواقع والمناصب التي تمكنهم من نهب أموال الدولة، حتى تصرفوا في تونس باعتبارها إقطاعية أو عزبة أهديت إليهم.

إلى غير ذلك من المعلومات التي لا نعرف مدى دقتها، لكنها سوغت إطلاق وصف «المافيا» على المجموعة التي حكمت البلاد طيلة العقدين الماضين.
لا تزال التسريبات مستمرة، كاشفة عن وجه شديد القبح لممارسات الرئيس وأسرته وأصهاره، أدركنا معه أنه لم يقم نظاما مستبدا فحسب ولكنه أيضا نظام فاسد لم يتورع عن سرقة أموال البلد ونهب ثرواته، أهم ما في هذه الصورة أنها تنبهنا إلى ذلك التلازم الضروري بين الاستبداد والفساد.

ذلك أن تكميم الأفواه وحرمان المجتمع من المشاركة في القرار السياسي ومحاسبة المسؤولين على تصرفاتهم في أموال دافعي الضرائب وبقية موارد الدولة، فإنه تلقائيا يطلق يد أهل الحكم ويغريهم بالنهب والسلب، دونما حسيب أو رقيب.
لو لم تقع ثورة الجماهير التونسية لما رأينا أو سمعنا عن شئ من ذلك، في العالم العربي بوجه أخص الذي لا يزال الحكام فيه يتمتعون بحصانة وقداسة تحول دون مساءلتهم، بل تحول حتى دون الاطلاع على شئ مما ينشر عنهم في الخارج.

فالمواطن الفرنسي مثلا كان يعرف أكثر من أي مواطن عربي حقيقة فساد الرئيس وزوجته وأهلها. لأن أكثر من كتاب صدر في باريس فضح ذلك الفساد،
ولم يتح لعالمنا العربي أن يعرف شيئا عن تلك الكتب إلا بعد أن سقط النظام وهرب بن على إلى الخارج. فقط في مساء ذلك اليوم كان غلاف الكتاب الذي صدر عن زوجته (حاكمة قرطاج) يتصدر شاشات مختلف التليفزيونات العربية.
ليس الرئيس بن على حالة خاصة بين قادة الأنظمة المستبدة. لكن قاعدة التلازم بين الاستبداد والفساد تدعونا للاعتقاد بأن كل حاكم مستبد له في الفساد باع ونصيب. لا فرق في ذلك بين حاكم لدولة غنية أو فقيرة. لكن الفرق بين مستبد وآخر أن أحدهما قد يكون ممسكا بمقاليد الأمور في بلده،

ومن ثم لا يجرؤ أحد في بلادنا على الكشف عن حجم ضلوعه في الفساد،
والآخر أفلت منه الزمام وأطيح به، فسقط القناع عن وجهه وأتيح لنا أن نطالع قبح صفحته الحقيقية دونما تدليس أو تزوير.
قبل عدة سنوات حين انشق السيد عبدالحليم خدام نائب رئيس الوزراء السوري ووزير الخارجية الأسبق ولجأ إلى باريس، فضحته السلطات في دمشق فسربت بيانا بممتلكاته وأنشطته التي كان مسكوتا عليها. وقتذاك كنت واحدا ممن أدهشهم حجم تلك الممتلكات واتساع نطاق تلك الأنشطة.

ذلك أن الممتلكات شملت عقارات ومنتجعات وقصورا وشققا سكنية داخل البلاد وخارجها، كما أن الأنشطة شملت محلات للملبوسات والبقالة وتوكيلات تجارية وكل ما يخطر على بالك من مصادر لتحويل الأموال وتكديس الثروة.

عندما أذيع ذلك البيان كتبت مقالة للأهرام أشرت فيها إلى فكرة التلازم بين الاستبداد والفساد، وقلت إن كل مسؤول كبير في المجتمعات غير الديمقراطية لابد أن يكون ضالعا في الفساد بدرجة أو أخرى.

ومن ثم فله «ملفَّه» الذي يسجل وقائع فساده وخطاياه. وهو في أمان طالما ظل على ولائه للنظام،

أما إذا تمرد فإن الكشف عن ملفه بات الوسيلة التقليدية لإسقاطه سياسيا واغتياله معنويا.

لكن هذه الفقرات لم يحتملها الأهرام، وحذفت من المقالة، وقيل لي وقتذاك أن في الكلام رائحة غمز في الأوضاع القائمة في مصر، رغم أن الحدث الأصلي كان في سوريا.
في بعض دول أمريكا اللاتينية تعاملت النخب مع الظاهرة بواقعية شديدة انطلقت من الاختيارين أخف الضررين. إذ في سبيل الخلاص من الحكام المستبدين فإنها باتت تعرض عليهم صفقة بمقتضاها تغض الطرف عما نهبوه وتعفيهم من المساءلة والمحاكمة، مقابل أن يتركوا مناصبهم ويختاروا لأنفسهم ملاذا آمنا.

حيث كانت تلك النخب مخيرة بين استمرار النهب في ظل الاستبداد.
وبين الإعفاء من المسؤولية عن النهب لاسترداد الحرية،

لكن إحدى المشكلات الكبيرة التي نواجهها في هذا الصدد أن مجتمعنا المدني أضعف من أن يفرض مثل هذه الخيارات على الحكام المعنيين، الأمر الذي يطلق أيديهم في ممارسة الخطيئتين الاستبداد والنهب.
وحينئذ يطل الخيار الثالث برأسه، بحيث يصبح الانفجار هو الحل.
.......................

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 23, 2011 20:44

January 22, 2011

فتاوى فاسدة

صحيفة الشرق القطريه الأحد 19 صفر 1432 – 23 يناير 2011
فتاوى فاسدة – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/01/blog-post_23.html


بدلا من تكفير المنتحرين وتسفيههم. أليس الأجدى والأنفع أن نحاول بشكل جاد أن نجيب عن السؤال الأهم:
لماذا ينتحرون؟

ألحَّ عليَّ هذا السؤال حين وجدت بعض وسائل الإعلام عندنا مهتمة باستطلاع آراء الفقهاء في مصير هؤلاء في الآخرة وعلى أي مراتب جهنم سيتم توزيعهم،

وهناك صحافيون آخرون استطلعوا آراء بعض علماء النفس الذين لم يأخذوهم على محمل الجد، وقال أحدهم إنهم يريدون لفت الأنظار فقط، وكأنهم أرادوا أن يشتهروا قبل أن يموتوا!

الذين أفتوا في الموضوع تسرعوا فيما قالوه وأخطأوا فيما خلصوا إليه، على الأقل فيما نقلته عنهم الصحف المصرية.

وأكبر خطأ وقعوا فيه أنهم حملوا الأحاديث النبوية التي أدانت المنتحر واعتبرته كافرا بأبعد كثيرا مما تحتمل، واعتبروه كافرا بالملة في حين أن المراد هو الكفر بالنعمة التي لا تخرج المرء من الملة.
وأن المقصود هو تحذير المؤمنين حتى لا يسارعوا إلى القنوط ويفقدوا ثقتهم في رحمة الله وفرجه، فيتخلصون من حياتهم التي وهبهم الله إياها.

بالتالي فإن الأحاديث النبوية نهت عن قتل النفس وحذرت من يقدم على ذلك من أنه سيكون خالدا في نار جهنم في الآخرة.

فصل في هذا الموضوع الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم. حيث ذكر أن الأحاديث التي وردت في هذا الصدد وتحدثت عن خلود المنتحر في النار تحمل على ثلاثة أقوال.

قول يرى أن المنتحر إذا كان واعيا بحرمة الانتحار وأقدم عليه رغم ذلك فإن الكفر بالنعمة يثبت في حقه ونال عقوبته في الآخرة.

القول الثاني يرى أن المراد بالخلود طول المدة والإقامة المتطاولة لا حقيقة الدوام، كما يقال خلد الله ملك السلطان،

القول الثالث إن ذلك جزاؤه ولكن الله تعالى تكرم فأخبر (في أحاديث أخرى) أنه لا يخلد في النار من مات مسلما.
هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول إنه ليس لدينا حكم شرعي عام بتكفير المنتحر، ولكن هناك نهيا عنه وإدانة للمنتحر، إلا أن كل حالة ينبغي أن تبحث في ضوء ملابساتها، ولا ينبغي أن تصدر حكما عاما على الجميع.
يساعدنا على استيعاب هذا الموقف أن نقيس على النص القرآني الذي يقرر أنه:
لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم (النساء – 148).
ذلك أن الأصل هو النهي عن الجهر بالسوء، والمسلم اللعان مدان في أحاديث نبوية كثيرة، إلا أن المظلوم الذي يستشعر الغبن والقهر، يستثنى من الإدانة ويغفر له فعله.
لنا أن نقيس أيضا على الآيات التي وردت في أواخر سورة الشعراء التي تقول:
«والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».
إن الحكم على الشعراء ليس واحدا في هذه الآيات، ولئن كانوا ممن يتبعهم الغاوون، إلا الذين آمنوا منهم وانتصروا بعدما ظلموا مستثنون من الإدانة والعتاب.
إن غضب المظلوم تفتح له أبواب السماوات، وهو معذور في كل ما يقدم عليه، سواء جهر بالسوء أو أشعل النار في نفسه.
ولم أفهم لماذا نشغل أنفسنا بمصيره في الآخرة، الذي هو متروك لعدل الله ورحمته.

وأستغرب جدا أن نطلق حكما بتكفير الشاب التونسي مثل محمد بوعزيزي الذي أشعل النار في نفسه، لتصبح تلك الخطوة بمثابة عود الثقاب الذي فجر الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم الطاغية وتحدت جبروته.
لست أخفي أنني أتشكك في براءة مثل هذه الحملات، التي تثني الناس عن التعبير عن غضبهم بعدما فاض بهم الكيل وتحملوا مظالم لا قبل لهم بها.
فقد سبق أن قرأنا إدانة وتحذيرا من الإقدام على الإضراب عن الطعام، بدعوى أنه يتعارض مع النهي عن أن يلقى الناس بأنفسهم إلى التهلكة.
كما قرأنا تجريما للتظاهرات التي تخرج إلى الشوارع بدعوى أنها تؤدي إلى تعطيل مصالح المسلمين،

وهو ذاته التجريم الذي يدان به معارضة الأنظمة المستبدة والتمرد عليها، بزعم أن ذلك من شأنه إثارة الفرقة والفوضى في دار الإسلام.. إلى غير ذلك من الفتاوى التي تسعى في نهاية المطاف إلى حث الناس على الرضا بالقهر والظلم، وتصرفهم عن تحدى الظلم وإنكار منكراته وفواحشه.


ليت الذين ينشغلون بمصير المنتحرين في الآخرة يتركوا ما لله لله.
ولو كانوا مخلصين و"شجعان" حقا فليتهم يفسرون لنا لماذا أقدم أكثر من ١٠٠ ألف مصري على الانتحار في عام واحد، وهو الرقم الذي فاجأنا به مركز معلومات مجلس الوزراء (الأهرام 20/1).
................

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 22, 2011 21:09

فهمي هويدي's Blog

فهمي هويدي
فهمي هويدي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow فهمي هويدي's blog with rss.