فهمي هويدي's Blog, page 3

June 9, 2017

أزهى عصور الكراهية

صحيفة الشروق الجديد المصريه السبت 15 رمضان 1438 – 10 يونيو 2017أزهى عصور الكراهية – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_10.html
حين ينشر على الملأ أن التعاطف مع قطر بالقول أو الكتابة يعرض صاحبه للسجن ٥ سنوات فى بلد «شقيق»، كما أن العقوبة تصل إلى ١٥ سنة فى بلد «شقيق» آخر، ذلك غير غرامة تصل إلى نحو ١٠ آلاف دولار. فمعنى ذلك ان المشاعر باتت تخضع للمحاكمة، وأن الكراهية وحدها صار مسموحا بها ومطلوبة.
هذا الكلام ليس افتراضا من وحى الخيال، لأنه صار بمثابة أخبار جرى تعميمها عبر القنوات والمنابر الإعلامية الرسمية، ونسبت إلى مسئولين يعبرون عن وجهة نظر السلطة.
المناسبة معروفة. ذلك أن الصراع الحاصل بين بعض الدول الخليجية وقطر بلغ درجة غير مسبوقة من الحدة والشراسة، وصلت لحد حصار قطر من البر والبحر والجو. وإلى حظر التعامل الإنسانى واعتبار التعاطف معها بأى شكل جريمة تعرِّض صاحبها للسجن مع الغرامة الباهظة.
لا أعرف صدى ذلك الإعلان فى أوساط الناس العاديين، لكنى قرأت أن مواطنا سعوديا آثر السلامة وسارع إلى تغيير اسم ابنه من تميم إلى سلمان (العاهل السعودى). وهو معذور فى ذلك لا ريب، ذلك لأن تسمية طفل على اسم أمير قطر دليل دامغ يدينه فى ارتكاب جريمة التعاطف التى تضيع صاحبها وتخرب بيته.
وكنت قد وقعت فى أعقاب اعلان قرار قطع العلاقات على تعليق لأحد الظرفاء تساءل فيه عن انعكاس الأزمة على أسرة المطربة الإماراتية أحلام المتزوجة من قطرى، وكيف ستنفذ قرار المقاطعة. لكن ما بدا تندرًا تبين أنه مشكلة حقيقية واجهت أسرًا عديدة طلب من الزوجات أو الأزواج القطريين فيها مغادرة البلاد «الشقيقة» المنخرطة فى المقاطعة على الفور. وهو ما سبق أن حدث فى العراق الذى كان الزواج فيه بين السنة والشيعة أمرا عاديا إلى أن هبت رياح الكراهية على البلد، فقطعت الأواصر وعصفت المرارات بتلك العائلات المختلطة.
إلى عهد قريب كانت للمجتمعات الخليجية خصوصيتها، التى تمثلت فى تداخل القبائل والعشائر واستمرار التجانس بين مكوناتها، واختفاء الصراعات والخصومات فى محيطها. وهى عوامل ساعدت على احتواء وتسكين الخلافات بما حفظ للبيت الخليجى تسامحه وتماسكه، إلا أن عوامل عدة عصفت بكل ذلك فيما يبدو.
وهو ما يحتاج إلى دراسة وتحليل يرصد تأثير العوامل الداخلية، ومنها الوفرة المالية التى عززت الشعور بالقوة وأيقظت طموحات التمدد وتطلعات الزعامة التى تجاوزت الحدود.
ساعد على ذلك وشجعه الفراغ المخيم على الساحة العربية، جراء تدمير بعض دولها الكبرى أو الأزمات الاقتصادية التى عانت منها دول أخرى جار عليها الزمن، فتحولت من موقع المسئول إلى موضع السائل.
إذا وسعنا زاوية النظر فسنجد أن تدهور العلاقات البينية فى الخليج بمثابة امتداد للحاصل فى العالم العربى الذى ما عاد الخلاف يحتمل فى أهم دوله. إذ نتيجة الغياب الطويل للممارسة الديمقراطية التى تترعرع فى ظلها ثقافة التعايش، فإن الاختلاف لم يعد من علامات التنوع والثراء لكنه صار مصدرا للشقاق والكراهية. إذ ضاقت الصدور بحيث أصبح الآخر مرفوضا، وصار الشعار المرفوع هو «إما نحن أو هم»، الأمر الذى روج لثقافة إبادة الآخر أو إخضاعه فى أحسن الفروض.
وغدا ذلك ميسورا فى الأجواء الراهنة التى تكفل فيها مصطلح الإرهاب بحل المشكلة. إذ جرى التوسع التدريجى فى تعريفه بحيث أصبح الإرهابى هو «كل من خالفنا»، الأمر الذى يفتح الطريق أمام تقدم كتائب الإبادة السياسية والثقافية، والتصفية الجسدية فى حالات أخرى. وتلك مهمة تكفلت بها وسائل الإعلام التى لم تقصر فى القيام باللازم من خلال الشيطنة التى تجيدها.
يحفظ تراثنا الأدبى لشاعر أندلسى قوله لمحبوبته: إن قلت ما أذنبت قلت مجيبة ــ وجودك ذنب لا يقاس له ذنب. إذ إنها تأبَّت عليه ونفرت منه، فلم ترد أن تناقشه فيما إذا كان قد أخطأ أو أصاب، لأنها اعتبرت أن المشكلة تكمن فى وجوده على وجه الأرض
ــ هل أصبح الأمر كذلك بالنسبة لقطر التى صار وجودها بما تمثله فى الخليج ذنبا غير مغفور؟
...................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 09, 2017 15:50

June 7, 2017

ليس باسمنا

صحيفة الشروق الجديد المصريه الخميس 13 رمضان 1438 8 يونيو 2017ليس باسمنا – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_43.html
حين أبرزت صحيفة «الحياة» اللندنية على رأس صفحتها الأولى أمس (الأربعاء ٧/٦) تصريح وزير الخارجية السعودى عادل الجبير فى باريس الذى قال فيه إن «على قطر وقف دعم حماس والإخوان»، فإن ذلك زاد الأمر غموضا، ذلك أننا فهمنا حين انفجرت الأزمة الخليجية أن سبب الانقلاب على قطر راجع إلى التصريح الذى نسب إليها ودعا إلى عدم التصعيد ضد إيران، خروجا على ما دعا إليه بيان قمة الرياض، الأمر الذى دفع بعض الصحف السعودية إلى وصف قطر بأنها «جاسوسة إيران»،
وهذا التفاوت فى تحديد سبب الأزمة، تزامن مع ما بثته الـ«سى. إن. إن» الأمريكية من أن خبراء المباحث الفيدرالية (إف. بى. آى) رجحوا أن يكون التسريب الذى كذبته الدوحة، وراءه قرصنة روسية. وكان القطريون قد طلبوا فى وقت سابق من الأمريكيين والأتراك أن يتحروا مصدر القرصنة التى تمت وأطلقت شرارة الأزمة.
إزاء ذلك فأغلب الظن أننا سنحتاج إلى وقت أطول لكى نفهم سبب الأزمة الخطيرة. لكن ما يدهشنا أن القصف الإعلامى والحصار شبه الكامل لقطر وشعبها مستمران بوتيرة متزايدة، فى حين أننا لا نعرف بالضبط هل عوقبت قطر لأنها دعت إلى عدم التصعيد ضد إيران، أو لأنها تدعم حماس والإخوان، أم أن هناك أسبابا أخرى لا نعرفها فجرت الخلاف واستدعت إعلان الحرب السياسية والاقتصادية ضدها.
وإذا كانت الوقائع غير ثابتة وغير واضحة، كما أن نتائج الحرب الدائرة فى علم الغيب، فإن فى لغة التراشق الحاصل وأسلحته ما يستحق الملاحظة، إذ إلى جانب الحصار غير المسبوق الذى فرض على قطر وشعبها، فإن الغطاء الإعلامى له كشف عن أن وسائل الإعلام المرئى منها والمكتوب تخلت عن وظائفها المهنية، وتحولت إلى «أبواق» للأنظمة وظفت لكسب المعركة السياسية.
وإذا كان ذلك الوضع قد أصبح مألوفا فى العالم العربى، فإن لغة التراشق بدت صادمة على نحو مذهل. إذ حتى إذا صحت حكاية الدعوة إلى عدم التصعيد ضد إيران، فإننى لا أتصور أن يعد ذلك جريمة. خصوصا أن ذلك رأى له وجاهته يعبر عنه البعض، وأنا منهم، وهم الذين يختلفون مع السياسة الإيرانية ويحملونها بعض المسئولية عما يجرى، خصوصا فى اليمن، كما أنهم يحذرون من التصعيد السياسى العسكرى ضدها. ويعتبرون التحالف مع إسرائيل ضد طهران من الكبائر السياسية التى لا تغتفر.
وإذا فهمنا أن إسرائيل تعتبر حركة حماس إرهابية، ويتضامن معها فى ذلك الرئيس الأمريكى، فإننا لم نتوقعه من وزير الخارجية السعودى، بل أزعم أن وقوف قطر مع المقاومة الفلسطينية يحسب لها وليس عليها، أما دعم قطر للإخوان فهو قضية خلافية، علما بأن الإخوان المصريين فى أزماتهم السابقة كان يلجأ أكثرهم إلى السعودية والكويت وبعضهم إلى أبوظبى (أحدهم هو الدكتور عز الدين إبراهيم عمل مستشار للشيخ زايد رحمه الله لسنوات طويلة). وبالمناسبة فإن الموجودين منهم فى لندن أهم وأكثر ممن بقوا فى الدوحة التى أبعدت عددا منهم استقر أغلبهم فى تركيا.
بدا مدهشا أيضا ذلك الجدل الذى أثير حول وضع قاعدة «العديد» العسكرية الأمريكية فى قطر ــ وتضمن التشكيك فى تعاونها «الاستراتيجى» مع الولايات المتحدة. وفى حين أن جيلى كان يعتبر القواعد العسكرية «وصمة» يجب الخلاص منها، فإن التواجد الأجنبى على الأرض العربية صار فى زماننا وساما على الصدر تتنافس بعض الدول على الفوز به.
لا تغادرنا الدهشة حين نلاحظ أن زمن الصراع ضد هيمنة الدول الكبرى انتهى، وصار الصراع قائما حول الاحتماء بتلك الدول والتقرب إليها، كما أنه صار صراعا بين الأشقاء فى البيت العربى الذى تهدمت أركانه وغاب عنه الكبار، بحيث صارت مصائره مرتهنة للعبث والطيش. ألا يسوغ لنا ذلك أن نرفع أصواتنا مستنكرين ذلك العبث وهاتفين: لا تفعلوه باسمنا رجاء.
.................................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 07, 2017 13:01

June 6, 2017

إطفاء الحريق أولا

صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 12 رمضان 1438 – 7 يونيو 2017إطفاء الحريق أولا – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_7.html
أكثر ما استوقفني في عناوين الصحف المصرية التي صدرت أمس (السادس من يونيو يوم النكسة الكبرى) عنوانان أحدهما «قطر تحت الحصار»، وقد نشر بحروف كبيرة وباللون الأحمر تعبيرا عن الحفاوة والبهجة التي بدت في بقية العناوين ذات الصلة التي غطت كامل الصفحة الأولى للأهرام. العنوان الثاني نشرته صحيفة «المصري اليوم» على صفحة داخلية وكان كالتالي «نتنياهو أمام قمة دول غرب إفريقيا: حققت حلمي بالمشاركة» ــ وتحت العنوان صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي وقف مبتسما ومنشرحا وسط رؤساء دول غرب إفريقيا الذين عقدوا اجتماعهم في ليبيريا.
جيلي أو بعضه على الأقل تشكل وعيه بحيث توقع أو تمنى أن تكون "إسرائيل" هي التي تحت الحصار في حين أن الرئيس المصري الذي يمثل أكبر وأهم دولة عربية هو الذي يقف وسط القادة الأفارقة.
لذلك لك أن تتصور الصدمة التي أصابتني حين وقعت على الوضع مقلوبا. ولعلك تعذرني إذا لم أصدق لأول وهلة ما وقعت عليه عيناي، واضطررت إلى قراءة الكلام المنشور أكثر من مرة متمنيا أن أجد خطأ ما في مضمون العناوين.
وحين تأكدت من أن العناوين لم تخطئ خطرت لي على الفور العبارات التي استخدمها ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ»، الذي استعظم ما فعله المغول في بغداد (القرن الثالث عشر الميلادى) فوصفه بالحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها، وصدم من هول ما جرى حتى قال: يا ليت أمي لم تلدني ويا ليتني مت من قبل هذا وكنت نسيا منسيا.
كنا نظن إلى عهد قريب أن منطقة الخليج هي الوحيدة المستقرة والمتماسكة في المشرق العربي. وأن مجلس التعاون الخليجي نجح في احتواء الخلافات والحيلولة دون انفراط عقد الدول الخليجية طوال العقود الثلاثة الماضية، إلا أننا اكتشفنا أن ذلك كان تقديرا مبالغا فيه، وانه في لحظة الغضب المسكون بالطيش صار كل ذلك في مهب الريح، وأن الانفعال تجاوز الحدود بحيث أصبح حصار قطر واقعا يحظى بتهليل وسائل الإعلام ومباركتها.
 وبدلا من أن تسارع المؤسسات القائمة إلى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو يتداعى العقلاء إلى حوار حول إجابة السؤال ما العمل. فإننا وجدنا أن قرع طبول الحرب وهتافات الغاضبين والمحاكمات السياسية والتراشق الإعلامي، ذلك كله طغى على ما عداه. فلا فهمنا شيئا مما جرى، ولا رأينا ضوءا يطمئننا في النفق المظلم الذي دخلنا فيه.
يهدئ من روعنا ويخفف من الصدمة الجهد الذي بذلته بعض القيادات الخليجية منذ انفجرت قنبلة الغضب وغاب صوت العقل. وإذا صح أن سلطنة عمان لها دورها الهادئ في محاولات إطفاء الحريق، فإن ذلك الدور يستحق التقدير والحفاوة.
وفي كل الأحوال لابد أن يذكر للسلطنة أنها نأت بنفسها عن الانخراط في الصراع الحاصل عملا بالقول المأثور، إذا لم تكن عونا على الإصلاح فلا تكن شريكا في الإفساد.
إن المشهد المقلوب الذي وجدنا فيه قطر تحت الحصار العربي في حين أن "إسرائيل" يغازلها بعض العرب وتتمدد وتختال في محيطنا الإفريقي هو تعبير عن الانقلاب الحاصل في الخرائط السياسية العربية التي تشوهت وانقلبت فيها الموازين والمعايير، وهو ما أوصلنا إلى المشهد العبثي الذي أصبحنا نعاني منه، نكاد لا نصدق أحداثه وعناوينه.
ليس لدي ما أقول فيما ينبغي عمله للخروج من المأزق، لكنني أزعم بأننا يجب أن نتفق على ما لا ينبغي فعله. كما أنني لست في موقف يسمح لي بتحديد المخطئ والمصيب، لكن ما أفهمه أنه عندما يشب أي حريق، فإن إطفاءه يصبح المهمة الأولى،
وذلك واجب الوقت الذي ينبغي أن ينشغل به العقلاء على ندرتهم في زماننا. صلوا من أجل أن تنجح الوساطة الكويتية في تحقيق مهمة الإطفاء.
.................................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 06, 2017 17:12

June 5, 2017

رسالة غضب ريف المغرب لمن يهمه الأمر – المقال الأسبوعي

صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 11 رمضان 1438 – 6 يونيو 2017رسالة غضب ريف المغرب لمن يهمه الأمر – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_5.html
صار الاحتجاج مغاربيا فيما يبدو. إذ مثلما هبت علينا رياح الربيع السياسى من تونس قبل ستة أعوام، فإن إرهاصات الربيع الاجتماعى تطل علينا من المملكة المغربية هذه الأيام.
(1)
نحتاج إلى دراسة معمقة لكى نتعرف على خلفية تلك المصادفة. التى جعلت رياح الاحتجاج فى المغرب أقوى منها فى المشرق. ولست متأكدا من دقة ذلك التباين. لكنه إذا صح، فإن مصدره يحتاج إلى بحث، سواء فيما خص التركيبة السكانية للمغرب التى يمثل الأمازيغ عنصرا حيويا فيها، أو ارتفاع منسوب الحيوية السياسية فى الأقطار المغاربية، أو طبيعة الموقع الجغرافى المتمثل فى مواجهة الساحل الأوروبى، ولا ننسى أن «الأمازيغ» (معناها الأحرار) هم السكان الأصليون لشمال إفريقيا الذين سكنوا المنطقة الممتدة من واحة سيوة شرقا إلى المحيط الأطلسى غربا. ولهم تاريخهم فى التمرد والدفاع عن الكبرياء.
(سكان منطقة الريف التى تشهد الانتفاضة الراهنة من الأمازيغ وكانت لهم جمهوريتهم التى أسسها الزعيم الوطنى عبدالكريم الخطابى بين عامى ١٩٢٢ و١٩٢٦ وعلاقتهم بالمخزن (القصر الملكى) ظلت متوترة فى أغلب الأوقات).
ثمة مصادفة أخرى جديرة بالذكر فى هذا السياق، ذلك أن ربيع عام ٢٠١١ انطلقت شرارته من تونس، إذ انفجرت فيها موجة الغضب بعد حادث إضرام الشاب الطيب محمد البوعزيزى المولود عام ١٩٨٤ النار فى نفسه احتجاجا على مصادرة سلطات البلدية عربة الخضار التى يملكها. وهو ما استفز الرأى العام المشحون بالسخط، وأطلق موجة الاحتجاجات العارمة التى هزت أركان النظام وأسطقته
ــ أما الاحتجاجات المغربية فقد أطلقتها حادثة الشاب محسن فكرى المولود عام ١٩٨٥، الذى صادر رجال الشرطة أسماكا اصطادها بحجة أن بيعها ممنوع، وحين ألقوا بالسمك فى شاحنة النفايات فإنه ألقى بنفسه وراءها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن مسئول الشرطة طلب تشغيل ماكينة السيارة مما أدى إلى طحنه وفرمه مع أسماكه. وحين حدث ذلك فى أواخر شهر أكتوبر من العام الماضى انفجر مخزون الغضب فى المجتمع، وخرجت الجماهير إلى الشوارع منددة بما جرى ومطالبة بحقها فى الحياة الكريمة.
وظل القاسم المشترك بين جماهير الغاضبين فى سيدى أبوزيد التونسية ونظائرهم فى إقليم الحسيمة المغربى الذى يسكنه نحو نصف مليون مواطن أن هؤلاء وهؤلاء بين شرائح المهمشين والمستضعفين فى البلدين.
سقط النظام فى تونس، لكنه استمر فى المغرب. وحين انطلق حراك الريف تولى الجهاز الأمنى التعامل معه، وكان ذلك سببا فى تصعيد الموقف. إذ انتهزت الأجهزة فرصة انتقاد أبرز رموز الحراك، ناصر الزفزافى، خطيب الجمعة فى أحد المساجد فألقت القبض عليه بتهمة تعطيل طقس دينى، الذى يجرمه القانون المغربى. وهو ما وسع من دائرة الغضب فى الريف وأغلب المدن المغربية.
(2)
الصحفى المغربى توفيق أبوعشرين عرض القضية وسجل المشهد فى تخيله لمحاكمة الزفزافى الذى جاء على النحو التالى (الذى تدخلت فيه باختصار اقتضته مساحة النشر).
القاضى: ما اسمك وعمرك وماذا تفعل؟
الزفزافى: اسمى ناصر الزفزافى وعمرى ٣٩ سنة، ولدت فى حى شعبى اسمه الميناء بالحسيمة. لم أكمل تعليمى وخرجت من السنة الثانية بالثانوى لأبحث عن الرزق الذى لم أعثر عليه إلى الآن. عملت فى مهن كثيرة بأجور بسيطة. وأنا الآن حارس حراك الريف المقدس وحارس أحلام الريفيين.
القاضى: متى بدأت تخرج فى تظاهرات واحتجاجات الحسيمة؟
الزفزافى: منذ فتحت عينى على التهميش والحكرة (الذل) والعزلة التى عاش فيها أهلى جميعا، كنت أصور فيديوهات على اليوتيوب قبل استشهاد محسن فكرى (بائع السمك) أدعو فيها الريفيين للخروج إلى الشارع ولرفض الظلم والفساد وألاعيب الدكاكين السياسية. ولكن بعد الحدث الكبير الذى هزم الحسيمة يوم ٢٨ أكتوبر ٢٠١٦ (بعد طحن محسن فكرى) تفرغت للنضال السلمى إلى أن قررت الدولة المخزنية اعتقالى.
القاضى: هل أنت قائد ما يسمى بحراك الريف؟
الزفزافى: الحراك ليس له قائد. الحراك وعى شعبى تلقائى نبت فى الريف على ضفاف سياسية عمرها أكثر من ٦٠ سنة. ولم تنتبه له الدولة، ولا أعارته اهتماما. وأمام هذا الوضع الذى لم يعد يطاق خرج المواطنون إلى الشارع لإسماع صوتهم إلى الدولة سلميا وحضاريا. ولو رجعتم إلى أشرطة الفيديو على اليوتيوب ستجدون شباب الريف وهم يحرسون الممتلكات العمومية، ويشكلون سلاسل بشرية لحماية سيارات الشرطة التى جاءت لقمع الحراك منذ اليوم الأول. أما بعد اعتقال رموز الحراك فنحن لسنا مسئولين عما يجرى.
القاضى: فى الخطب التى ألقيتها على عامة الناس كنت تهاجم مسئولى الدولة وتنعتهم بأوصاف سلبية هل تعتبر ذلك جزءا من مطالبكم الاجتماعية؟
الزفزافى: أنا حملت شعار مولاى محند (محمد عبدالكريم الخطابى) الذى قال لحكومة عصره: هل أنتم حكومة أم عصابة؟ ــ هذا جزء من حرية التعبير. ثم ماذا تسمى يا سيدى القاضى النهب الذى طال عدة مشاريع فى الحسيمة دشنت أمام الملك ولم تر النور بعد ذلك. وماذا تسمى مستشفى السرطان الذى أقفل بعد تدشينه فى منطقة تسجل أعلى نسبة إصابة بالمرض الملعون؟ وماذا تسمى السياسات الاجتماعية التى تنتج البطالة والفقر والتهميش.
القاضى: ما هى مطالبكم من وراء هذا الحراك؟
الزفزافى: مطالبنا بسيطة جدا، نريد طريقا يعبر فوقه الأمل. ومستشفى يصلنا بالعلاج والدواء، وجامعة تنير عقول أبنائنا. وعمل يشغل السواعد العاطلة، وكرامة تنجينا من الذل أمام أبواب الإدارة. وعدالة تتعامل بالقسط والميزان، ومساكن تقينا حر الصيف وبرد الشتاء، نريد حصتنا من الوطن وخيراته. نريد كيلو سردين بسبعة دراهم ــ هل هذا كثير علينا.
القاضى: أنت متهم بتعطيل العبادات فى المسجد والتسبب فى إحداث اضطراب أخل بهدوء العبادة ووقارها.
الزفزافى: الذى أخل بالوقار والهدوء هو الخطيب الذى استفز المصلين حين ربط حراك الريف بالفتنة واعتبر نضال المواطنين السلمى خروجا على طاعة الإمام. لقد قضيت سبعة أشهر فى وسط الحراك، ولم يحدث أن نقلنا معركتنا إلى المساجد طيلة هذه المدة.
القاضى: أنت قمت خطيبا فى المسجد وهاجمت الخطيب ونعته بالضلال وفقيه السلطان، وهو ما منع الناس من إتمام الصلاة.
الزفزافى: الذى منع الناس من إتمام الصلاة هو الذى ألقى خطبة الفتنة من على المنبر، واستغل المشاعر الدينية للمؤمنين لتمرير رسالة الحكومة، التى اتهمت الحراك بالسعى للانفصال والعمالة للخارج، واعتبرت ذلك من قبيل الفتنة والخروج على الإمام، ونحن خرجنا بسبب الفقر والتهميش والحكرة والبطالة ولم نخرج على الإمام.
(3)
حين اعتبر ملف الريف قضية أمنية، فإن وزير الداخلية رأس المجموعة الوزارية التى زارت الحسيمة لتفقد الوضع. وقامت الأجهزة باعتقال قادة الحراك الذين بلغ عددهم نحو ٥٠ شخصا. وتعرض هؤلاء للإهانة والتعذيب،
وإزاء ذلك التصعيد فإن أصداء القمع ترددت فى أنحاء المغرب، وانتقلت المظاهرات من شمال البلد إلى وسطها. وتضامنت ٣٠ مدينة مع الحسيمة فى مطالبتها التى انضافت إليها المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين،
ومما يثير الانتباه فى هذا الصدد أن الأجهزة حاولت تنظيم مظاهرات مضادة من فئات تسمى «شباب الملك» هتفت له ورفعت أعلام الدولة فى تعبير عن الولاء للسلطة.
بالتوازى مع ذلك، استخدمت الشرطة أبواقها ومنابرها لتشويه صورة الحراك، فوصف قادته بأنهم انفصاليون (غمزا فى هويتهم الأمازيغية) وقيل إنهم موالون للبوليساريو، وتردد أنهم من الشيعة ويريدون تكرار تجربة الحشد الشعبى فى العراق، ونشرت بعض القنوات التليفزيونية صورا مفبركة ادعت أن عناصر الحراك قاموا بتخريب الممتلكات العامة، وسربت معلومات تحدثت عن العثور على مبالغ مالية كبيرة لدى قادة الحراك، للإيحاء بأنهم ممولون من الخارج.
(سئل الزفزافى فى التحقيقات عن ذلك فقال إن أعدادا كبيرة من أبناء منطقة الريف هاجرت إلى الخارج بسبب الفقر المخيم، وهؤلاء المهاجرون يقومون بإعاشة وتمويل أسرهم المقيمة بالوطن).
فاقم الموقف أن شرارة الغضب التى انطلقت فى أعقاب طحن الشاب محسن فكرى فى شهر أكتوبر عام ٢٠١٦ لم يكن لها صدى يذكر لدى المخزن،
وفى التعليقات التى تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعى أنه فى حين كانت الحسيمة تغلى من الغضب، فإن السلطة فى الرباط كانت طوال خمسة أشهر مشغولة بعرقلة تشكيل حكومة عبدالإله بن كيران تمهيدا لإقصائه، وقد تحقق لها ما أرادت، وتم تشكيل حكومة أخرى عبرت عن مراكز القوى وشبكة المصالح ولم تعبر عن خيار الشعب المغربى.
وقرأت تعليقا لأحد النشطاء قال فيه إن المخزن أراد أن يعاقب الشعب على تصويته لصالح حزب العدالة والتنمية، فنزل الناس إلى الشارع ليذكروا المخزن بأنهم هناك ولن يسكتوا على إهانة المجتمع وازدراء اختياره.
(4)
الملحوظة الأهم فى المشهد أن حراك الريف تم فى توقيت استعاد فيه المخزن قوته فى ظل انكسار موجة الربيع العربى. من ثم فإنه أصبح أكثر جرأة فى تحدى إرادة الأغلبية وفى التعويل على المقاربات الأمنية. ومعروف أن المخزن أقدم على بعض التراجعات الشكلية إبان الربيع العربى، لتمرير انتفاضة ٢٠ فبراير عام ٢٠١١، لكنه عدل عن ذلك حين نجحت قوى الثورة المضادة فى إفشال أو إجهاض تجربة الربيع فى أقطار عدة.

صحيح أن تصعيد الحراك والتضامن معه فى العديد من مدن المغرب دفع المخزن إلى محاولة التدخل والتعامل سياسيا مع الحدث (قادة الأحزاب دعوا إلى القصر للتشاور وهناك حديث عن تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة). إلا أن ذلك كان بهدف تجنب الانفجار الكبير، وهو لا يغير كثيرا من جوهر التغيير الذى طرأ على المعادلة التى استجدت فى علاقة السلطة بالمجتمع.
أما الرسالة الأهم التى يوجهها حراك الريف المغربى فتتلخص فى أن صبر الفقراء له حدود واحتمالهم له آخر، وأنهم ليسوا ضعفاء كما يبدو لأول وهلة، وتتبدى قوتهم فى قوة لحظة الانفجار التى يقدمون عليها وهم مدركون أنهم لن يخسروا شيئا، بعدما خسروا كل شىء.
للرسالة شق آخر يتمثل فى أنه فى غيبة السياسة فإن التعويل على قوة الأمن بمثابة مراهنة خاسرة، لأن البطش يخيف حقا لكنه يجعل المجتمع أشد عنفا وأكثر شراسة، وتلك لعمرى رسالة جديرة بالقراءة والاعتبار، فى داخل المغرب وخارجه.
...........................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 05, 2017 13:59

June 4, 2017

الربيع المفترى عليه

صحيفة الشروق الجديد المصريه الاثنين 10 رمضان 1438 5 يونيو 2017الربيع المفترى عليه – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_33.html
حين مالت فى الأسبوع الماضى بناية الإسكندرية ذات الأربعة عشر طابقا، ووسط الفزع الذى أصاب كثيرين جراء ذلك، كتب أحدهم «تغريدة» قال فيها: رخصة البناية صدرت فى عام ٢٠٠٢ بطابقين فقط فوق الأرضى، منهم لله الذين خرجوا فى يناير، خربوا البلد!
أغلب الظن أن التعليق لأحد الظرفاء، إذ أراد أن يوجه إشارة ذكية إلى الأجواء الراهنة التى أصبح اللوم فيها عن أى خطأ أو كارثة يوجه إلى ثورة يناير، التى تمت استباحتها وصار هجاؤها مجانيا وبمقدور أى أحد.
فبناية الإسكندرية صدر ترخيصها فى عام ٢٠٠٢، وعلمنا مما نشرته الصحف أن مديرية الإسكان طلبت إزالتها فى عام ٢٠٠٤، بما يعنى أن المخالفة فيها مبكرة، ثم وقعت الواقعة فى عام ٢٠١٧ بعدما ارتفعت إلى ١٤ طابقا ثم مالت وهددت البنايات المجاورة.
وصاحبنا الذى كتب التعليق وجه الاتهام إلى ثوار ٢٥ يناير الذين خرجوا عام ٢٠١١، ونسب إليهم ما حل بالبلد من فوضى وخراب، رغم أن البناية أقيمت قبل الثورة بتسع سنوات وطلبت البلدية إزالتها قبل سبع سنوات من الثورة.
سواء أراد الكاتب أن يفضح أو يسفه الذين يسارعون إلى سب ثورة يناير بمناسبة وبغير مناسبة، فالشاهد أن ملاحظته وإن بدت مزحة، تعبر عن ظاهرة سلبية حاصلة فى مصر.
بل لها وجودها فى العالم العربى، الذى باتت الفوضى التى حلت به والصراعات والفتن التى شاعت فى أرجائه تلصق بالربيع العربى المفترى عليه،
بل إن بعض المسئولين والمعلقين أصبحوا يشيرون إليه بمصطلح «الخراب» العربى، ولأن الموجة شديدة والحملة واسعة فإنها نجحت نسبيا فى تشويه حلم الأمة فى التغيير، بحيث ذاعت الفكرة السلبية وجرى تشويه الوعى، إلى أن استقرت صفة «الخراب» وأصبحت لصيقة بالربيع العربى، حتى بت أخشى أن يصبح الانتماء إليه سبة أو تهمة. إذا استمر الحال كما هو عليه.
وثمة مؤشرات دالة على ذلك، منها مثلا ما ذكرته بعض المواقع المستقلة فى مصر عن إلقاء القبض على بعض الشباب خلال الأسابيع الأخيرة. واتهام نفر منهم بأنهم يحاولون «إحياء الروح الثورية» فى المجتمع.
لدى ملاحظتان على هذا الطرح أوجزهما فيما يلى:
<<<<
إن مسئولية الربيع العربى عن الخراب الحاصل أكذوبة كبرى روجتها قوى الثورة المضادة التى مازالت تصر على اغتيال الحلم وإزالة آثاره. ذلك أنه من الثابت أن الثورات التى حدثت بدءا من تونس وانطلقت فى مصر وسوريا واليمن كانت كلها سلمية وبعضها ما كان يطمح لأكثر من تحقيق الإصلاح السياسى، لكن العنف انطلق حين تصدت لها الأنظمة وقمعتها بالشبيحة والسلاح، فكان الرد من جنس العمل. وتحولت المطالب السلمية إلى دعوات إلى إسقاط النظم المستبدة. خصوصا أن قوى الثورة المضادة الممثلة فى الأجهزة الأمنية وشبكات المصالح، هى التى تملك القوة المادية والمنابر الإعلامية والسلاح، فى حين أن المواطنين العزل لم يكونوا يملكون سوى حلم التغيير المستند إلى القوة الحقوقية والأخلاقية فقط. وما عاد سرا أن تجليات الربيع تعرضت فى ذات الوقت لحرب شرسة من تحالف الثورة المضادة فى العالم العربى الذى لا يزال حتى هذه اللحظة يسعى جاهدا لملاحقة دعاة التغيير والإصلاح. (الدور الإسرائيلى ليس واضحا بعد).
<<<<
الملحوظة الثانية أن الادعاء بانفلات الأوضاع فى النظم الجمهورية واستقرارها فى ظل النظم الملكية، ثبت أنه غير صحيح. لأن الربيع العربى كان له صداه المعلن فى المملكة المغربية، الذى لايزال مستمرا حتى الآن وله شواهده فى منطقة الريف هذه الأيام. وكذلك له صداه غير المعلن والمحسوس فى مختلف أرجاء العالم العربى دون استثناء.
إن الذين يحاولون إقناعنا بأن حلم الناس بالحرية والكرامة والعيش الكريم مؤد إلى الفوضى والخراب وخطيئة ينبغى ألا تتكدر، لا يحاربون قوى التغيير فقط، ولكنهم يحاربون النواميس وسنن الكون الحاكمة للتقدم والرقى.
لكن المشكلة أن الحلم الكبير باهظ التكلفة فى حين أن مجتمعاتنا أضعفت وأنهكت بحيث أصبح الثمن المطلوب يفوق طاقتها على الاحتمال.
..............................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 04, 2017 13:53

June 3, 2017

مراجعات البيت الأبيض

صحيفة السبيل الأردنيه الأحد 9 رمضان 1438 4 يونيو 2017مراجعات البيت الأبيض – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post_4.html
أخطأنا في استقبال قرار الرئيس دونالد ترامب تأجيل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. إذ ليس صحيحا أن ذلك دليل على نجاح الدبلوماسية العربية ولا هو دليل على جدية الرئيس الأمريكي في سعيه نحو السلام، فلا الدبلوماسية العربية تتمتع بقوة ضغط تمكنها من التأثير على القرار الأمريكي، ولا الرئيس ترامب راغب في تحقيق السلام الذي يتمناه العرب، خصوصا أن الرجل حرص أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة على أن يبدو مؤيدا لكل ما يتطلع إليه الإسرائيليون.
الخطأ الذي أدعيه نابع من أننا لم نستوعب بعد حقيقة الصراع الحاصل في الإدارة الأمريكية بين طرفين أحدهما يعبر عن المؤسسة المستقرة الممثل في جهاز الدولة بتقاليده الراسخة، وبين الأيديولوجيين الشعوبيين الذين جاء بهم الرئيس الأمريكي إلى البيت الأبيض (بعضهم من العسكريين السابقين الذين لا تتوافر لهم الخبرة السياسية).
بطبيعة الحال فإنهما لا يختلفان حول التزامهما بالمصالح العليا للولايات المتحدة، لكنهما يختلفان حول قراءة تلك المصالح وكيفية تحقيقها،
فالانحياز لإسرائيل مثلا يعد جزءا من ثوابت السياسة الأمريكية، لكن رجال المؤسسة رأوا أن نقل السفارة الأمريكية في الوقت الراهن لا يخدم الاستقرار في المنطقة وينذر بتفجير الوضع الفلسطيني بما قد يضيف إلى أجوائها المضطربة مصدرا آخر للتوتر والتصعيد، فضلا عن أنه يزيد من موجة العداء للولايات المتحدة التي تقدم لإسرائيل الدعم بصورة أخرى.
أما ترامب الذي كرر التزامه بنقل السفارة أثناء حملته الانتخابية، وأيده في ذلك أركان حملته، فقد كان مدفوعا بعواطفه الخاصة تجاه إسرائيل، ومتأثرا بموقف الغلاة المحيطين به، إلى جانب أن عينه كانت على أصوات اليهود الأمريكيين.
نبهني على ذلك أحد الخبراء الأمريكيين، كنت قد التقيته في مؤتمر شهدته أخيرا. وفهمت منه أن الخارجية الأمريكية تستشيره ضمن آخرين من ذوي الصلة في بعض الأمور المتعلقة بالمنطقة. وأثار انتباهي في حديثه قوله إن بعض رجال المؤسسة لم يحتملوا وصول الرئيس ترامب إلي البيت الأبيض فنأوا بأنفسهم عنه، ومنهم من استقال من وظيفته. إلا أن آخرين قرروا أن يصمدوا وأن يحاولوا كبح جماح الرئيس وفريقه من خلال محاولة تطويقه وترشيد قراراته. وكانت المؤسسة الأمنية في المقدمة من هؤلاء، بما يعني أن «الدولة العميقة» وقفت في ذلك الجانب. واصطف إلى جانبها القضاء والإعلام. وقد تكفل القضاء بتحدي الرئيس ووقف بعض قراراته علنا مثلما حدث في قرار منع دخول رعايا الدول الإسلامية الست للولايات المتحدة. أما الإعلام، في أغلب منابره، فقد تكفل بتعرية سياساته وفضحها، وساعدته على ذلك التقارير والمعلومات التي سربتها الدولة العميقة.
استوقفني فيما ذكره محدثي قوله إن الدولة العميقة عارضت فكرة اعتبار الإخوان جماعة إرهابية. وهي الفكرة التي دعت إليها مصر وبعض الدول الخليجية، وتحمس لها وتبناها بعض الجمهوريين في الكونجرس،
والحجة التي أثيرت في هذا الصدد اعتمدت على أمرين. الأول أن شروط التصنيف الأمريكية للإرهاب لا تنطبق على الإخوان. والثاني أن هذه الخطوة لا تخدم الاستقرار في الشرق الأوسط، خصوصا أن جماعات الإسلام السياسي أصبحت جزءا من السلطة والعملية السياسية في بعض دوله (تونس والمغرب والجزائر والأردن ولبنان).
أضاف صاحبنا أن أحد القادة العرب البارزين أثار الموضوع في لقائه مع الرئيس ترامب في واشنطن، لكن الرئيس الأمريكي لم يبلغه باستبعاد الفكرة في الوقت الراهن، لكنه أبلغه بأن الموضوع لايزال تحت الدراسة من جانب الجهات المعنية.
إن الرئيس عندهم هو صاحب المنصب الأهم في الدولة، لكنه ليس الشخص الأهم. لذلك فهو قابل للمراجعة والاحتواء. ولئن كان صاحب الصوت الأعلى، لكنه ليس صاحب الصوت الوحيد ولا هو فوق المساءلة ــ عجبي!
.....................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 03, 2017 15:00

June 2, 2017

في الخوف من القانون

صحيفة السبيل الأردنيه السبت 8 رمضان 1438 3 يونيو 2017في الخوف من القانون – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/06/blog-post.html
حين يصبح القانون مصدرا للخوف والقلق فإنه يفقد شرعيته ويجهض المراد منه. ذلك أننا نفهم أن القانون وسيلة غايتها تحقيق العدل، لكنه حين يكون غطاء لتكريس الظلم والعسف فإنه يصبح عبئا على المجتمع مشوبا بالفساد والبطلان.
أتحدث عن قانون الجمعيات الأهلية الذي صدم الجميع حين أقر مجلس النواب مشروعه. ثم استراحوا حين تأجل إصداره شهرا بعد شهر، ثم فوجئنا بأن التأجيل كان بمثابة انحناءة مؤقتة أمام عاصفة الاحتجاج والغضب، وما إن هدأت العاصفة حتى صدر القانون وأصبح جزءا من المنظومة التشريعية المعمول بها.
رغم أن العملية ما بين الإقرار والإصدار استغرقت ستة أشهر، إلا أننا لم ننس تفصيلاته التي نسجت محاولة تأميم العمل الأهلي وإلحاقه بالسلطة، وإخضاعه لإشراف وتوجيه الأجهزة الأمنية في نهاية المطاف.
 صحيح أن ذلك التوجه أصبح معلوما للكافة، لأن حملة الإخضاع والإلحاق تتم بخطى حثيثية طول الوقت. كما أن إجراءات تشديد القبضة وبسط هيمنة السلطة على مختلف أنشطة المجتمع ومؤسسات السلطة أصبحت تتم علانية تحت مسميات مختلفة. إلا أننا ظننا أن الجمعيات الأهلية التي كانت المتنفس الوحيد الذي يدافع المجتمع من خلاله عن حقوق الناس السياسية والاجتماعية سينجو من الاجتياح.
على الأقل من باب تخفيف الضغط والإيهام بالتسامح وسعة الصدر، لكن الإصرار على إحكام إغلاق المجال العام كان أقوى من حسابات العقل والروية. كأنما أريد تجريد المجتمع من كل دفاعاته، لتنفرد السلطة وحدها بإدارة كل الشأن العام. إذ لم تعد مكتفية بإدارة الشأن السياسي والاقتصادي والأمني، لكنها أيضا أرادت أن تدير الشأن الأهلي وتتحكم في مساره.
ومن المفارقات ذات الدلالة أن الخطاب الرسمي في مصر ما برح يندد بقرائن انهيار الدولة وانفراط عقدها، حتى جرى الحديث عن «شبه الدولة»، واتهمت بعض الأطراف والجماعات بأنها تستهدف إسقاط الدولة، في حين أن الجهد المبذول الآن لا يخدم سوى تقوية السلطة وإضعاف الدولة.
ذلك أن قوة الدولة لها مقومات متعددة سياسية واقتصادية وعسكرية، في حين تحتل قوة مؤسسات المجتمع موقع الصدارة منها. وحين يتم العصف بتلك المؤسسات الرسمية منها أو الأهلية بتجريدها من استقلالها أو بإخضاعها لسلطان الأجهزة الأمنية، فإن ذلك يعني إضعاف المجتمع الذي يفضي على الفور إلى إضعاف الدولة وإدخالها عمليا وتلقائيا في طور شبه الدولة.
لا يحتاج المرء إلى تعمق في الفقه الدستوري لكي يدرك أن الدولة الحديثة هي دولة مؤسسات بالدرجة الأولى، وإلغاء المؤسسات بمثابة إلغاء لمكونات الدولة الحديثة، وتمهيد للعودة إلى مرحلة ما قبل الدولة. حيث تختزل «الدولة» في شخص الزعيم أو في مؤسسة واحدة.
لقد تطور فقه الاستبداد بحيث ما عاد ينكر الديمقراطية أو يرفضها، وإنما صار يرفع لواءها ويهتف عاليا لها، وفي الوقت ذاته يعمد إلى تزويرها. فما عاد يرفض المؤسسات ولا القانون، لكنه أصبح يشكل المؤسسات بما يناسب الهوى والمراد، كما أصبح يصمم الدستور ليغدو على القد والقياس ثم يطلق الأعوان ليصوغوا القوانين التي تثبت قواعد الطغيان وتزينه.
وبذلك يصبح كل شيء في البلد يدار حسب الدستور والقانون. وتشهر الحجة في وجوه الجميع، دون أن يسمح لأحد بأن يتساءل عن «الماكينة» التي أدارت المشهد وأخرجته في ثوبه الديمقراطي المزيف.
أحيانا أقول أن اللاقانون أفضل من القانون المزور والمغشوش، أقله لأن الوضع الأول أكثر صراحة ووضوحا في إهانته للمجتمع، بحيث يمكن الغيورين من التعامل المباشر معه بلا عناء. أما القانون المغشوش فإنه قد يخدع البعض ويتطلب جهدا لإقناع الرأي العام بالعوار الكامن فيه، وقد يتهم الغيورون في هذه الحالة بإهانة السلطة. وقانون الجمعيات الأهلية من ذلك الصنف الأخير.
...........................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 02, 2017 16:09

May 31, 2017

فصل فى عجائب الفرنجة

صحيفة الشروق الجديد المصريه الخميس 6 رمضان 1438 1 يونيو 2017فصل فى عجائب الفرنجة – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/05/blog-post_31.html
بعد ستة أيام من التفجير الإرهابى الذى شهدته «مانشستر» وقتل فيه ٢٢ شخصا وأصيب ١٢٠، أعلن فى لندن أن تحقيقا يجرى لتحديد الثغرات الأمنية التى مكنت الإرهابى الليبى الأصل من بلوغ هدفه. كما وصل عدد الموقوفين الذين يتم استجوابهم بخصوص صلتهم بالحادث إلى عشرة أشخاص. فى ذات الوقت أعلنت رئيسة الوزراء أن درجة الطوارئ التى حددتها الدوائر الأمنية انخفضت من «حرج» إلى «قوى».
هذه المعلومات تبدو غريبة على أسماعنا فى العالم العربى. فلم نعرف أن تحقيقا أجرى يوما ما مع رجال الأمن لتحديد مواقع القصور فى أدائهم الذى أدى إلى إنجاح العمليات الإرهابية، ولم يحدث أن اعترفت جهة أمنية رسمية بأن بعض رجالها قصروا أو أخطأوا فى تعاملهم مع الإرهاب.
صحيح أن الجهات الأمنية يمكن أن تحاسب بعض من تنسب إليهم شبهة التقصير، كما حدث فى نقل مدير أمن المنيا بعد الجريمة التى تعرض لها زوار الدير إلى ديوان عام الوزارة، لكن ذلك تم فى صمت، ولم يقل أحد إن تحقيقا جرى فى مدى مسئولية الأجهزة الأمنية عما جرى، حتى بدا وكأن الإجراء اتخذ من باب إرضاء الأقباط والرأى العام لا أكثر.
وفى كل الأحوال فالقاعدة أن الإرهاب مستباح وأن الشرطة عندنا لا تخطئ، وإذ أثبت القضاء الخطأ فهناك ألف وسيلة لتدارك الموقف واحتوائه فى مراحله المختلفة، بحيث تتحقق البراءة فى نهاية المطاف.
 وأحسب أننى لست بحاجة للتذكير بالحالات العديدة التى تمت فيها تلك البراءة، ولا ننسى أننى أتحدث عن القاعدة التى تحتمل استثناءات نادرة. علما بأن ما يهمنى ليس إنزال العقاب برجل الأمن، وإنما إخضاع ملابسات العمليات الإرهابية للتحقيق الذى من شأنه تدارك الأخطاء وقطع الطريق على الإرهابيين فى محاولتهم استثمار الثغرات الأمنية لبلوغ أهدافهم.
لاحظت أيضا فى البيانات التى أعلنت أن الأجهزة الأمنية تحرت سيرة إرهابى مانشستر سلمان العبيدى الذى فجر نفسه وبذلت جهدا لايزال مستمرا للتعرف على شركائه، ولم يزد عدد المقبوض عليهم بعد أسبوع من الجريمة على عشرة أشخاص، ووجدت أنهم يحققون ويستكملون التحريات أولا ثم يلقون القبض على المشتبهين.
فى حين أن العكس يحدث عندنا، حيث تسارع الأجهزة فى بلادنا إلى إلقاء القبض على أكبر عدد من المشتبهين فيما يسمى بالتمشيط، ثم بعد ذلك يبدأ التحقيق والتحرى. وأحيانا يوجه الاتهام إلى الأعداد الكبيرة من البشر ــ العشرات وأحيانا المئات ــ ثم يترك الأمر للقضاء بعد ذلك.
أما الذى أثار دهشتى فهو إعلان رئيسة الوزراء على الرأى العام عن درجة الطوارئ ومرتبتها. إذ مبلغ علمى أن الطوارئ واحدة لا تقبل القسمة، وإننا قضينا أعمارنا كلها فى ظل الطوارئ دون أن نعرف شيئا عن نوعيتها، أدرى أن المعلومات المتعلقة بذلك الجانب متداولة فى حدود المؤسسات العسكرية والأمنية، ولكن الرأى العام لا يعلم عنها شيئا.
دفعنى الفضول إلى محاولة التعرف على مراتب الطوارئ فى بريطانيا، ووجدت على موقع وزارة الداخلية أن درجات التعامل مع الإرهاب عددها خمس. الأولى وأدناها الطوارئ «المحتملة» لكن الشواهد قد ترفع منها بحيث تصبح العمليات الإرهابية «واردة» أى أكثر من محتملة. إذا تزايدت الشبهات فإن الطوارئ تصبح «حقيقية»، بعد ذلك يتطور العمل الإرهابى بحيث يصبح «احتماله كبيرا»، أما إذا وقعت الواقعة فإن الموقف يصبح «حرجا».
فى ضوء ذلك التمييز فإن الموقف كان حرجا حين وقع العمل الإرهابى، وبعد ستة أيام ولأن التحقيقات المتعلقة بالشركاء لم تكتمل فقد أصبح الأمر مجرد احتمال قوى أو كبير. وذلك تقدير يضعه الخبراء المختصون فى ضوء ما يتوفر من معلومات لذلك فإن التقدير يختلف من حين إلى آخر، بما يجعل المجتمع والرأى العام فى الصورة دائما.
أتحدى أن يجيب أحد عن السؤال: فى ظل أى طوارئ تعيش مصر الآن؟
..................................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 31, 2017 14:08

May 30, 2017

حجبوك فقالوا

صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 5 رمضان 1438 31 مايو 2017حجبوك فقالوا – فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/05/blog-post_84.html
إذا صح أن في مصر 21 موقعا إلكترونيا تدعم الإرهاب والتطرف وتدعو إلى العنف إلى جانب تعمد نشر الأخبار الكاذبة، فذلك يعني أحد أمرين، إما أنها بلا قيمة ولا وزن بدليل أنها لم تحرك شيئا في المجتمع المصري، أو أن مصر بسببها في الطريق إلى استنساخ النموذج الصومالي أو الأفغاني، وهو ما تستبعده وتنفيه شواهد الواقع. وإذا صح ذلك فمعناه أن ثمة أسبابا أخرى لإصدار القرار الذي نشرته الصحف المصرية يوم الجمعة ٢٦ مايو منسوبا إلى مصدر أمني بوزارة الداخلية.
تساعدنا عدة قرائن في تحري تلك الأسباب الأخرى.
من ذلك مثلا أن المواقع التي تم حجبها ليست ذات طبيعة واحدة. فبعضها مواقع لصحف قطرية حجبت من باب الكيد السياسي، والبعض الآخر مواقع لقنوات وعناصر إخوانية معارضة مقيمة بالخارج. البعض الثالث والأهم لصحف مرخصة تصدر في مصر، أو لشركات صحفية تنشط في الداخل بشكل قانوني. مشكلتها أنها مواقع مستقلة ليست لها صلة بالكيانات السياسية المصرية. كما ظهر في قائمة الممنوعين اسم الموقع الرسمي لاتحاد الإذاعة والتليفزيون الحكومي ــ (إي جي نيوز)، الأمر الذي يعني أن الأمر لم يدرس جيدا.
إذا فهمنا الدوافع السياسية التي أدت إلى حجب مواقع الصحف القطرية والمواقع الإخوانية، فإننا لا نفهم سببا منطقيا لإدراج المواقع المصرية المستقلة أو المواقع الاقتصادية المتخصصة. وهو ما يدعونا إلى القول بأن الزوبعة الأخيرة التي شهدتها منطقة الخليج دفعت السلطات المصرية إلى التعبير عن التضامن مع بعض أطرافها من خلال حجب مواقع الدولة المشتبكة معها.
في الوقت ذاته فإنها انتهزت الفرصة لكي تضم إلى القائمة المواقع المصرية غير المرضى عنها، لا لشيء سوى أنها مواقع مهنية ومستقلة، لا تتلقى التعليمات وخارجة على سيطرة أجهزة التوجيه المعنوي.
على صعيد آخر فإن السياق الذي تم فيه الحجب يوفر قرائن إضافية. إذ إلى جانب حملة التحريض التي تحركها الأجهزة الأمنية وتقودها الصحف القومية ضد المواقع المستقلة (الحملة لها صداها داخل أروقة مجلس النواب)، فإننا نلاحظ مؤشرات عدة تدل على تزايد سيطرة السلطة على المجال العام. تبدى ذلك في بسط تلك السيطرة على القنوات التليفزيونية، وفى تشكيلات القطاع الإعلامي وتعديل قانون السلطة القضائية وأخيرا في إصدار قانون الجمعيات الأهلية الذي يجعل مصيرها مشروطا بإجازة الأجهزة الأمنية.
وحين يتزامن ذلك مع حملة اعتقال النشطاء وإجراءات قمع العمال المضربين، فإن حجب المواقع المذكورة يغدو حلقة في السلسلة التي يبدو تقييد الحريات العامة قاسما مشتركا بينها، والصلة بينها وبين ترتيب الأوضاع قبل الانتخابات الرئاسية القادمة أمرا غير مستبعد في نظر البعض.
إذا صح ذلك التحليل فمعناه أن ما قيل عن دعم المواقع التي تم حجبها للإرهاب ودعوتها للعنف يبدو غطاء للحقيقة، يستلهم خطاب المرحلة الذي يتذرع بمكافحة الإرهاب لقمع المستقلين وتصفية المعارضين وتبرير انتهاكات حقوق الإنسان.
 أما الحقيقة فتتمثل في سياسة استكمال تشديد القبضة وتقييد الحريات العامة، ومنها حرية التعبير، بحيث لا يسمع إلا الصوت المرضى عنه، وهو ما يدخلها في مرحلة «لا صوت يعلو فوق صوت الأجهزة».
لا أستغرب موقف أبواق الأجهزة التي احتفت بالحجب وبررته وانتقدت تأخير تقريره، لكنني استغرب موقف نقابة الصحفيين التي يفترض أن تكون حاملة لواء الدعوة إلى حرية التعبير ورفض الحجب والمصادرة وكل صور تكميم الأفواه.
ولا تسأل عن العناصر «الليبرالية» واليسارية التي نسيت قيمها ومبادئها وانضمت إلى مواكب التصفيق والتهليل.
........................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 30, 2017 14:09

May 29, 2017

صفقة القرن تبرم بالتقسيط غير المريح – المقال الأسبوعي

صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 4 رمضان 1438 30 مايو 2017صفقة القرن تبرم بالتقسيط غير المريح – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/05/blog-post_30.html
العمل مستمر بكل جدية لإبرام صفقة القرن من خلال التقسيط غير المريح!

(1)
كشف تحقيق أجراه موقع «مكور ريشون» الإسرائيلى عن توجه خليجى واسع النطاق لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، من خلال عدد من النشاطات التطبيعية السرية، التى ينفذها أمراء وأميرات ورجال أعمال خليجيون فى الأراضى الفلسطينية المحتلة منذ عام ١٩٤٨.
وبين التحقيق أن عشرات الخليجيين من الأسر الحاكمة ورجال الأعمال ينظمون رحلات إلى إسرائيل فى ظاهرها سياحية علاجية، لكنها فى باطنها خطط لمشاريع استثمارية بمليارات الدولارات إلى جانب عقد صفقات التبادل التجارى.
مما ذكره الموقع أن هؤلاء الخليجيين يصلون إلى تل أبيب عبر قبرص بحجة العلاج، بالاتفاق مع جهات إسرائيلية متخصصة. وهذه الجهات تتولى نقل الأمراء ورجال الأعمال الخليجيين من مطار بن جوريون إلى المشافى الإسرائيلية ومراكز العلاج.
فى هذا الصدد ذكر الموقع أن مستشفى «رمبام» فى مدينة حيفا استقبل أخيرا عبر مطار بن جوريون أميرة خليجية تبلغ من العمر ٥٠ عاما. أجريت لها عملية جراحية وغادرت المشفى بعد التأكد من شفائها،
وفى سياق متصل كشف التحقيق عن وجود تسهيلات تمنحها العديد من دول الخليج للشركات الإسرائيلية من أجل جذبها للعمل فى أسواقها، وهو ما يتم من خلال شركات وهمية تابعة للعديد من سلاسل الشركات الأمريكية الناشطة فى الخليج، وأكد التقرير أن الجهات المعنية فى دول الخليج على علم بتفاصيل تلك الشركات، غير أنها تغض الطرف عنها.
هذا التقرير بثته فى ٢٨ مايو الحالى وكالة «قدس» الإخبارية مترجما عن العبرية، ولا جديد فيه من الناحية المعلوماتية، إذ إنه أذاع فى العلن ما يتم تداوله همسا وفى السر بخصوص الاختراق الإسرائيلى لمنطقة الخليج الذى تعددت صوره ومنافذه، وتزايد اللغط حوله خلال السنوات الأخيرة.
ومعروف أن وثائق «ويكيليكس» التى أعلنت فى عام ٢٠١٥ كشفت عن عمق العلاقات بين السعودية وإسرائيل، التى توثقت بعد نجاح الثورة الإسلامية فى إيران (عام ١٩٧٩)، وأشارت إلى أن تلك العلاقات تكمن وراء تساهل المملكة فى مسألة مقاطعة إسرائيل، كما أنها كانت حاضرة فى خلفية «مبادرة السلام» التى أعلنتها المملكة وتبنتها القمة العربية فى عام ٢٠٠٢.
وقد جرى التشكيك فى صدقية تلك التسريبات حينذاك، مثلما حدث فى أعقاب زيارة رجل المخابرات السعودى اللواء أنور عشقى لإسرائيل فى العام الماضى (٢٠١٦) وقيل وقتذاك إنها شخصية من جانبه ولا تمثل الموقف الرسمى السعودى.

(2)
حتى إذا كانت تلك مصادفة، أن يظهر تقرير الموقع الإسرائيلى فى أعقاب زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للسعودية وإسرائيل، فإنه يظل للمصادفة دلالتها.
ذلك أن الصحف الإسرائيلية أجمعت على أن الزيارة رفعت «منسوب الدفء» فى العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، الخليجية من ناحية ومصر والأردن من ناحية ثانية،
وإذا تذكرت أن مصطلح العلاقات «الدافئة» مع إسرائيل ورد فى بعض التصريحات الرسمية العربية، فذلك يعنى أن حالة الجاهزية للدفء ــ وهو وصف دبلوماسى للتطبيع ــ كانت قائمة فى أهم العواصم العربية، ولم يكن الخليج وحده المتورط فيها.
صحيفة هاآرتس ذكرت فى عددها الصادر يوم ٢٥ مايو أن رؤية الرئيس ترامب التى نقلها إلى القادة الذين التقاهم فى الرياض تقوم على أن «التقريب» بين إسرائيل والدول العربية مدخل ضرورى للتوصل إلى السلام فى المنطقة.
وفى اليوم ذاته ذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم» أنه خلال اللقاء الذى تم فى «بيت لحم» أبلغ الرئيس الأمريكى أبومازن بأن جوهر مبادرته هو وضع خطة إقليمية شاملة تقوم على «التفاعل» بين إسرائيل وجيرانها العرب فى إطار مبادرة السلام العربية أولا، بما يفتح الطريق إلى التسوية المرجوة للقضية الفلسطينية،
وفى هذا اللقاء وفى غيره ظل الرئيس الأمريكى يردد أن الرياض متحمسة لذلك «التفاعل» الذى يدعو إليه وكذلك مصر والأردن.
تعليقا على فكرة التفاعل على أساس المبادرة العربية، قال لى قيادى فلسطينى إن الرئيس محمود عباس أعرب عن موافقته على الالتزام بمبادرة السلام التى تدعو إلى البدء بالانسحاب الكامل من الأراضى العربية المحتلة، مقابل التطبيع الكامل مع الدول العربية.
وقال إنه يوافق على المبادرة من الألف إلى الياء، لكن نتنياهو يريد أن يقلب الآية بحيث يبدأ بالياء (أى التطبيع أولا) ليصل إلى الألف فى زمن لا يعلمه إلا الله!

(3)
حين ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» قبل أسبوع أن الحكام العرب تنازلوا عن الشروط التى تضمنتها المبادرة العربية فإن ذلك لم يكن خبرا مفاجئا، إذ بات معلوما أن موضوع الانسحاب من الأراضى المحتلة لم يعد واردا فى الطروحات الجارية، وكذلك مسألة وقف الاستيطان، وإن قيل إن المطروح لا يتجاوز حدود تجميد الاستيطان بصفة مؤقتة فى المستوطنات النائية فقط، التى تقع خارج التجمعات الاستيطانية الكبرى. وهو يعنى أن المستوطنات الأخيرة التى تستوعب أكثر من ٨٠٪ من المستوطنين، ستظل لها حريتها المطلقة فى التمدد والتوسع.
الخلاصة أنه حتى المبادرة العربية فرغت من مضمونها، وتحولت إلى مجرد غطاء لتسويغ التطبيع والتنازل عن أهم الاستحقاقات الفلسطينية، بالتالى فإن البند الوحيد الذى سيتم تفعيله فيها وأخذه على محمل الجد هو استعداد الدول العربية للتطبيع الكامل مع إسرائيل.
وهذه الفكرة أصبحت من مسلمات الحوار الدائر الآن حول التسوية، عبر عن ذلك السفير الأمريكى الجديد لدى إسرائيل (اليهودى الليكودى) ديفيد فريدمان، الذى احتفت الدوائر الإسرائيلية بتصريحه الذى قال فيه إن إسرائيل لن تكون مطالبة بأن تقدم أى مقابل للفلسطينيين.
وهو ذات المعنى الذى عبر عنه الرئيس ترامب حين قال أن الإدارة الأمريكية لن تمارس أى ضغط على إسرائيل فى المشاورات الدائرة حول المستقبل.
وهى الرسالة التى أنعشت آمال اليمين الإسرائيلى ودفعت رموزه إلى رفع سقف التوقعات والإصرار على استمرار خطوات التهويد والتمكين والتمادى فى التوسع الاستيطانى، بل إن تلك الأجواء شجعت نائب رئيس البرلمان بتسللا سمورطيش على الدعوة إلى طرد الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وذبح نسائهم وأطفالهم إعمالا لفتوى الحاخام موشيه بن ميمون الذى عاش فى القرن الثالث عشر (هاآرتس ١٦/٥).

(4)
حين سئلت عن مصير «صفقة القرن» التى ذاع خبرها طوال الأسابيع الماضية، وتوقع كثيرون الإعلان عنها خلال زيارة الرئيس ترامب للرياض، كان ردى أننا فى مرحلة «التسخين» التى تسبق الإعلان الرسمى.
ذلك أن التمهيد لها يتم على مستويين، الأول الاطمئنان إلى موافقة القيادات العربية على المبادرة بعد التعديل، بما يستجيب للطلبات الإسرائيلية. والثانى الترويج لفكرة التحالف السنى الإسرائيلى الذى يقام تحت الرعاية الأمريكية لمواجهة خطر الإرهاب، الذى يعد التمدد الإيرانى من تجلياته. (نشر أن الأطراف المتحالفة ستقيم «غرفة طوارئ» بمشاركة إسرائيلية لذلك الغرض)
صحيح أن بعض دول الخليج استبقت ومارست التطبيع الحذر كما أسلفنا، إلا أن ذلك يدخل فى إطار التمهيد للصفقة الكبرى والتسخين الذى يسبق الدخول فى طور التطبيع الرسمى والعلنى، الذى يشمل مد خطوط الطيران وتوسيع نطاق التبادل التجارى والثقافى، وتبادل الفرق الفنية والرياضية...إلخ.
إن شئت الدقة فقل إن الرئيس الأمريكى جاء إلى المنطقة وفى ذهنه صفقتان وليس صفقة واحدة، الأولى تم التوقيع عليها وجرى الدفع فيها فورا، وهى التى تعلقت بعقود التسليح التى تجاوزت قيمتها أكثر من مائة مليار دولار. وقد تباهى بها عند عودته إلى واشنطن قائلا إن هذه المليارات تعنى تشغيل المصانع كما تعنى توفير آلاف الوظائف للأمريكيين. كما أنه أبرم تعاقدات أخرى تجاوزت ٣٠٠ مليار دولار ستنفذ فى المستقبل، وفى الزيارة ذاتها حصلت ٢٣ شركة أمريكية كبرى على تصاريح عمل للعمل بالسعودية.
الصفقة الثانية ــ الكبرى ــ ستتم بالتقسيط غير المريح، (بالمفرق كما يقول إخواننا العرب) وهى التى تستهدف الدمج التدريجى لإسرائيل مع العالم العربى وإغلاق ملف القضية الفلسطينية، والذريعة المعلنة لذلك هى مكافحة إرهاب داعش والقاعدة وصد الخطر الإيرانى.
رغم أن مستقبل الصفقة الثانية مرهون باستمرار الإدارة الأمريكية الحالية (الذى ليس مقطوعا به)، إلا أن إتمامها مرهون أيضا ببقاء الأوضاع العربية كما هى عليه.
ذلك أن التنازلات التى تمت حتى الآن يصعب التنبؤ بصداها لدى الشعب الفلسطينى، فضلا عن أن أغلب دول المشرق العربى وكل المنطقة المغاربية ليست طرفا فيها. وثمة قرائن عدة دالة على أن منطقة الخليج هى المحرك لها. وذلك وضع لا تعرف تداعياته ويصعب التنبؤ بنتائجه.
ولأن الوضع كذلك، فلسنا نبالغ إذا قلنا إن العالم العربى مقبل على مرحلة خطرة يكتنفها الغموض ومفتوحة على كل الاحتمالات.
...............................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 29, 2017 23:09

فهمي هويدي's Blog

فهمي هويدي
فهمي هويدي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow فهمي هويدي's blog with rss.