فهمي هويدي's Blog, page 17
December 31, 2016
إذ نستقبل ولا نرسل
صحيفة الشروق الجديد المصريه الأحد 3 ربيع آخر 1438 – 1 يناير 2017إذ نستقبل ولا نرسل – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2016/12/blog-post_68.html
هل هناك علاقة بين الزيارة السرية التى قام بها الموفد السعودى للقاهرة فى بداية الأسبوع الماضى وبين إحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة إلى مجلس النواب قبل نهاية الأسبوع ذاته؟
ذلك أن موضوع الاتفاقية التى تنازلت مصر بمقتضاها للسعودية عن جزيرتى تيران وصنافير كان لايزال معروضا على القضاء بعد أن حسم القضاء الإدارى الأمر من جانبه حين قرر بطلان التوقيع عليها مؤيدا مصرية الجزيرتين، وكان مثيرا للدهشة والانتباه أن تحيل الحكومة الأمر إلى البرلمان رغم أن قرار القضاء حسمه بحكم واجب النفاذ.
كما كان مفاجئا أن تقدم الحكومة على تلك الخطوة بعد مضى ثمانية أشهر على توقيع الاتفاقية، ناهيك عن عرضها على مجلس الوزراء كان بمثابة مخالفة دستورية لأن المجلس لم يكن مخولا بنظر الموضوع من أساسه.
لست فى وارد إبداء رأى فى القضية لكن تساؤلى منصب على العلاقة بين زيارة بها الموفد السعودى الذى قيل إنه ممثل للديوان الملكى وبين إحالة الاتفاقية إلى البرلمان بعد خمسة أيام،
علما بأن الزيارة كانت سرية بالأساس وأغلب الظن أنها استهدفت رأب الصدع الذى لاح أخيرا فى علاقة البلدين. ولكن تعطل الطائرة الخاصة التى أقلت المبعوث السعودى وهو فى طريق عودته إلى الرياض، هو ما أفشى الخبر الذى تناقلته وكالات الأبناء يوم الأحد ٢٥ ديسمبر الحالى.
ليس لدى إجابة عن ذلك التساؤل، كما أننى لم أجد فى وسائل الإعلام المصرية أية إشارة تطرقت إلى الربط بين الحدثين، الأمر الذى يضم القصة إلى قائمة الألغاز السياسية التى بات الفضاء المصرى يحفل بها، ويسكت الجميع عن محاولة فك طلاسمها.
قل مثل ذلك عن الانقلاب الذى حدث فى نهاية الأسبوع داخل حزب المصريين الأحرار الذى فاز بالمرتبة الأولى بين الأحزاب الممثلة فى البرلمان (له ٦٥ مقعدا).
ذلك أن اجتماعا للحزب عقد يوم الجمعة (أمس الأول ٣٠/١٢) أسفر عن الإطاحة بمجلس أمناء الحزب الذى قيل إنه مشكل من قبل رجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس، مؤسس الحزب ومموله الرئيسى،
ذلك أننا لم نفهم الأسباب الحقيقية وراء الانقلاب، إلا أننا لا نستطيع أن نفصل بينه وبين الآراء السلبية التى عبر عنها نجيب ساويرس فى الأسبوع الأخير من العام، حيث اعتبره عاما سيئا وأن المقبل أسوأ، كما أننا لا نستطيع أن نتجاهل دلالة عقد المؤتمر العام الذى أطاح بساويرس ورجاله فى فندق الماسة والذى رتبته إحدى الجهات، علما بأن رئيس اللجنة البرلمانية للحزب الذى كان أبرز دعاة الانقلاب هو ضابط شرطة سابق انتخب رئيسا للجنة حقوق الإنسان بالبرلمان فى ظروف أثارت لغطا واسعا.
أيضا ليس لى رأى فيما جرى، لكنى فقط أردت أن ألفت الانتباه إلى الغموض الذى أحاط بالعملية والشكوك التى تثيرها بعض الشواهد التى توحى بأن أيدى من خارج الحزب لها يد فيما جرى. إذ لم نفهم أيضا لماذا أوقف البرنامج التليفزيونى الذى يقدمه الزميل إبراهيم عيسى على قناة يملكها رجل الأعمال الذى أقام معرضا للأثاث منعته وزارة الداخلية، وبعد وقت قصير عاد برنامج إبراهيم عيسى للظهور وتحدد موعد جديد لافتتاح المعرض.
كذلك فإننا لم نفهم أن يزحف رجال الأعمال الموالون للنظام ويبسطون سيطرتهم على أبرز القنوات التليفزيونية، ثم يلجأ النظام إلى إطلاق مجموعة جديدة من القنوات لكى تنافس الأولى، وهو ما فتح الباب للغط تحدث عن صراعات تليفزيونية دخلت إلى الساحة معبرة عن الصراعات السياسية.
ما سبق قليل من كثير يتفاعل تحت السطح وفوقه فى الأجواء المصرية، يجمع بينها الغموض ونشم منها روائح غير عادية، وكوننا جميعا مشاهدين نستقبل ولا نرسل، ونستمع إلى الهمهمات والهمسات والشائعات، ثم نهز الرءوس ونمصمص الشفاه، ثم ندير الرءوس لنركض بحثا عن كيس سكر أو أنبوبة بوتاجاز أو سعيا وراء مورد رزق إضافى يغطى نفقات الدواء والدروس الخصوصية وفواتير المياه والكهرباء.
...............
هل هناك علاقة بين الزيارة السرية التى قام بها الموفد السعودى للقاهرة فى بداية الأسبوع الماضى وبين إحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة إلى مجلس النواب قبل نهاية الأسبوع ذاته؟
ذلك أن موضوع الاتفاقية التى تنازلت مصر بمقتضاها للسعودية عن جزيرتى تيران وصنافير كان لايزال معروضا على القضاء بعد أن حسم القضاء الإدارى الأمر من جانبه حين قرر بطلان التوقيع عليها مؤيدا مصرية الجزيرتين، وكان مثيرا للدهشة والانتباه أن تحيل الحكومة الأمر إلى البرلمان رغم أن قرار القضاء حسمه بحكم واجب النفاذ.
كما كان مفاجئا أن تقدم الحكومة على تلك الخطوة بعد مضى ثمانية أشهر على توقيع الاتفاقية، ناهيك عن عرضها على مجلس الوزراء كان بمثابة مخالفة دستورية لأن المجلس لم يكن مخولا بنظر الموضوع من أساسه.
لست فى وارد إبداء رأى فى القضية لكن تساؤلى منصب على العلاقة بين زيارة بها الموفد السعودى الذى قيل إنه ممثل للديوان الملكى وبين إحالة الاتفاقية إلى البرلمان بعد خمسة أيام،
علما بأن الزيارة كانت سرية بالأساس وأغلب الظن أنها استهدفت رأب الصدع الذى لاح أخيرا فى علاقة البلدين. ولكن تعطل الطائرة الخاصة التى أقلت المبعوث السعودى وهو فى طريق عودته إلى الرياض، هو ما أفشى الخبر الذى تناقلته وكالات الأبناء يوم الأحد ٢٥ ديسمبر الحالى.
ليس لدى إجابة عن ذلك التساؤل، كما أننى لم أجد فى وسائل الإعلام المصرية أية إشارة تطرقت إلى الربط بين الحدثين، الأمر الذى يضم القصة إلى قائمة الألغاز السياسية التى بات الفضاء المصرى يحفل بها، ويسكت الجميع عن محاولة فك طلاسمها.
قل مثل ذلك عن الانقلاب الذى حدث فى نهاية الأسبوع داخل حزب المصريين الأحرار الذى فاز بالمرتبة الأولى بين الأحزاب الممثلة فى البرلمان (له ٦٥ مقعدا).
ذلك أن اجتماعا للحزب عقد يوم الجمعة (أمس الأول ٣٠/١٢) أسفر عن الإطاحة بمجلس أمناء الحزب الذى قيل إنه مشكل من قبل رجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس، مؤسس الحزب ومموله الرئيسى،
ذلك أننا لم نفهم الأسباب الحقيقية وراء الانقلاب، إلا أننا لا نستطيع أن نفصل بينه وبين الآراء السلبية التى عبر عنها نجيب ساويرس فى الأسبوع الأخير من العام، حيث اعتبره عاما سيئا وأن المقبل أسوأ، كما أننا لا نستطيع أن نتجاهل دلالة عقد المؤتمر العام الذى أطاح بساويرس ورجاله فى فندق الماسة والذى رتبته إحدى الجهات، علما بأن رئيس اللجنة البرلمانية للحزب الذى كان أبرز دعاة الانقلاب هو ضابط شرطة سابق انتخب رئيسا للجنة حقوق الإنسان بالبرلمان فى ظروف أثارت لغطا واسعا.
أيضا ليس لى رأى فيما جرى، لكنى فقط أردت أن ألفت الانتباه إلى الغموض الذى أحاط بالعملية والشكوك التى تثيرها بعض الشواهد التى توحى بأن أيدى من خارج الحزب لها يد فيما جرى. إذ لم نفهم أيضا لماذا أوقف البرنامج التليفزيونى الذى يقدمه الزميل إبراهيم عيسى على قناة يملكها رجل الأعمال الذى أقام معرضا للأثاث منعته وزارة الداخلية، وبعد وقت قصير عاد برنامج إبراهيم عيسى للظهور وتحدد موعد جديد لافتتاح المعرض.
كذلك فإننا لم نفهم أن يزحف رجال الأعمال الموالون للنظام ويبسطون سيطرتهم على أبرز القنوات التليفزيونية، ثم يلجأ النظام إلى إطلاق مجموعة جديدة من القنوات لكى تنافس الأولى، وهو ما فتح الباب للغط تحدث عن صراعات تليفزيونية دخلت إلى الساحة معبرة عن الصراعات السياسية.
ما سبق قليل من كثير يتفاعل تحت السطح وفوقه فى الأجواء المصرية، يجمع بينها الغموض ونشم منها روائح غير عادية، وكوننا جميعا مشاهدين نستقبل ولا نرسل، ونستمع إلى الهمهمات والهمسات والشائعات، ثم نهز الرءوس ونمصمص الشفاه، ثم ندير الرءوس لنركض بحثا عن كيس سكر أو أنبوبة بوتاجاز أو سعيا وراء مورد رزق إضافى يغطى نفقات الدواء والدروس الخصوصية وفواتير المياه والكهرباء.
...............
Published on December 31, 2016 13:05
December 30, 2016
الصبر له حدود وشروط
صحيفة السبيل الأردنيه السبت 2 ربيع آخر 1438 – 31 ديسمبر 2016الصبر له حدود وشروط - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2016/12/blog-post_31.html
نتلقى في مصر هذه الأيام دروسا يومية في وجوب الصبر وفضائله، وسواء كان ذلك استجابة للتوجيه التعبوي الذي يقتضيه الحال، أو أنه اجتهاد من جانب وعاظ هذا الزمان، الذين يعتلون منابر المساجد أو يطلون علينا من خلال شاشات التليفزيون، فالشاهد أن الصبر مسكن مطلوب بشدة هذه الأيام، حتى أزعم أنه صار واجب الوقت، وهو ما يدعونا لأن نغفر مؤقتا للوعاظ المذكورين تشددهم فيه وحماسهم له، الذي يصل أحيانا إلى حد توبيخنا وتقريعنا والتشكيك في ولائنا واتهامنا بالكفر بالنعمة.
ذلك كله أفهمه، ومستعد لافتراض حسن النية فيه والتفرقة بين التصبير والتخدير، إلا أنني أنبه إلى أن الصبر له شروط كما أن له حدودا.
وقبل أن أشرح ما عندي في هذا الصدد أستشهد برأى الصحابي أبى ميمون، الذي تقول المراجع التاريخية إنه كردي وأنه نسب إلى ابنه ميمون، وقد نقل عنه قوله «إن من شروط الصبر أن تعرف كيف تصبر؟ ولمن تصبر؟ وماذا تريد بصبرك؟ وتحتسب في ذلك وتحسن النية فيه لعله أن يخلص لك صبرك. وإلا فإنما أنت بمنزلة البهيمة نزل بها البلاء فاضطربت لذلك ثم هدأ فهدأت. فلا هي نقلت ما نزل بها فاحتسبت وصبرت. ولا هي صبرت، ولا هي عرفت النعمة حين هدأ ما بها، فحمدت الله على ذلك وشكرت».
إذا جاز لي أن أصوغ ذلك الرأي بلغة زماننا فلعلي أقول بأن الصبر المجاني الذي يغيب عنه الفهم وتنعدم فيه الرؤية وتفتقد العبرة هو صبر البهائم التي تمتثل للكرب فلا تعي منه شيئا إذا نزل، ولا تعتبر منه إذ انقشعت سحابته ورحل، ولئن قيل إن للصبر حدودا، فإن له أيضا شروطا، وهو يطمئن النفوس ويرطب الجوانح إذا اقترن بعاملين هما الثقة والأمل.
إذا صح ذلك التعريف فإنه يدعونا إلى طرح السؤال حوال حظوظنا من الثقة والأمل، وما إذا كانت تعيننا على الصبر راضين، أو تلجؤنا إليه مرغمين وكارهين،
وللأسف فإنه بعد تأميم المجال العام في مصر، وفي ظل الشعار التقليدي الذي يعلن على الدوام أن «كله تمام» فإنه لم تعد لدينا إحصاءات ولا بيانات محايدة يُطمأن إليها بشأن وضع الثقة ونسبة الأمل لدى شرائح المجتمع، لكن المتواتر أن ثمة تراجعا مشهودا في مؤشرات الحريات العامة والممارسات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وتلك شهادة ذائعة في تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة في مصر، وكذلك المنظمات الدولية.
وهو ما ينسحب على الحرب التي أعلنت على منظمات المجتمع المدني أو إساءة استخدام القانون بالتوسع في الاعتقال بدعوى الحبس الاحتياطي، ثم العصف بأحكام القضاء ونصوص الدستور الذي تجلى في موافقة الحكومة على إحالة اتفاقية تيران وصنافير إلى البرلمان رغم صدور حكم المحكمة الإدارية ببطلان التوقيع على الاتفاقية واعتبارها في حكم المنعدمة.
أضف إلى ذلك الصدمات التي تلقاها المجتمع جراء مفاجأته بمضاعفة الأسعار وتعويم الجنيه، وهي عوامل بددت حلم الدولة المدنية والديمقراطية الذي راود الجميع منذ ثورة ٢٠١١ وتجدد مع هبة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وكذلك فإنه بدد حلم الرخاء الموعود الذي قيل إنه سيتم بعد سنتين، ثم تجدد الوعد بظهور ثماره بعد ستة أشهر أخرى وحين يبدو الأفق مسدودا أمام احتمالات الإصلاح السياسي تارة والإصلاح الاجتماعي تارة أخرى، فإن التعبير في هذه الحالة يبدو نداء فارغ المضمون أقرب إلى التخدير.
إن المجتمع المصري إذا أريد لصبره أن يكون صحيا وفي الحدود الآمنة، فينبغي أن تستعاد له الثقة في الحاضر والأمل في المستقبل، أما إذا لم يحدث ذلك فإن الأمر يصبح مغامرة غير مأمونة العاقبة، وعلى من شبكنا أن يخلصنا كما يقول مقطع الأغنية الشهيرة..................
نتلقى في مصر هذه الأيام دروسا يومية في وجوب الصبر وفضائله، وسواء كان ذلك استجابة للتوجيه التعبوي الذي يقتضيه الحال، أو أنه اجتهاد من جانب وعاظ هذا الزمان، الذين يعتلون منابر المساجد أو يطلون علينا من خلال شاشات التليفزيون، فالشاهد أن الصبر مسكن مطلوب بشدة هذه الأيام، حتى أزعم أنه صار واجب الوقت، وهو ما يدعونا لأن نغفر مؤقتا للوعاظ المذكورين تشددهم فيه وحماسهم له، الذي يصل أحيانا إلى حد توبيخنا وتقريعنا والتشكيك في ولائنا واتهامنا بالكفر بالنعمة.
ذلك كله أفهمه، ومستعد لافتراض حسن النية فيه والتفرقة بين التصبير والتخدير، إلا أنني أنبه إلى أن الصبر له شروط كما أن له حدودا.
وقبل أن أشرح ما عندي في هذا الصدد أستشهد برأى الصحابي أبى ميمون، الذي تقول المراجع التاريخية إنه كردي وأنه نسب إلى ابنه ميمون، وقد نقل عنه قوله «إن من شروط الصبر أن تعرف كيف تصبر؟ ولمن تصبر؟ وماذا تريد بصبرك؟ وتحتسب في ذلك وتحسن النية فيه لعله أن يخلص لك صبرك. وإلا فإنما أنت بمنزلة البهيمة نزل بها البلاء فاضطربت لذلك ثم هدأ فهدأت. فلا هي نقلت ما نزل بها فاحتسبت وصبرت. ولا هي صبرت، ولا هي عرفت النعمة حين هدأ ما بها، فحمدت الله على ذلك وشكرت».
إذا جاز لي أن أصوغ ذلك الرأي بلغة زماننا فلعلي أقول بأن الصبر المجاني الذي يغيب عنه الفهم وتنعدم فيه الرؤية وتفتقد العبرة هو صبر البهائم التي تمتثل للكرب فلا تعي منه شيئا إذا نزل، ولا تعتبر منه إذ انقشعت سحابته ورحل، ولئن قيل إن للصبر حدودا، فإن له أيضا شروطا، وهو يطمئن النفوس ويرطب الجوانح إذا اقترن بعاملين هما الثقة والأمل.
إذا صح ذلك التعريف فإنه يدعونا إلى طرح السؤال حوال حظوظنا من الثقة والأمل، وما إذا كانت تعيننا على الصبر راضين، أو تلجؤنا إليه مرغمين وكارهين،
وللأسف فإنه بعد تأميم المجال العام في مصر، وفي ظل الشعار التقليدي الذي يعلن على الدوام أن «كله تمام» فإنه لم تعد لدينا إحصاءات ولا بيانات محايدة يُطمأن إليها بشأن وضع الثقة ونسبة الأمل لدى شرائح المجتمع، لكن المتواتر أن ثمة تراجعا مشهودا في مؤشرات الحريات العامة والممارسات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وتلك شهادة ذائعة في تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة في مصر، وكذلك المنظمات الدولية.
وهو ما ينسحب على الحرب التي أعلنت على منظمات المجتمع المدني أو إساءة استخدام القانون بالتوسع في الاعتقال بدعوى الحبس الاحتياطي، ثم العصف بأحكام القضاء ونصوص الدستور الذي تجلى في موافقة الحكومة على إحالة اتفاقية تيران وصنافير إلى البرلمان رغم صدور حكم المحكمة الإدارية ببطلان التوقيع على الاتفاقية واعتبارها في حكم المنعدمة.
أضف إلى ذلك الصدمات التي تلقاها المجتمع جراء مفاجأته بمضاعفة الأسعار وتعويم الجنيه، وهي عوامل بددت حلم الدولة المدنية والديمقراطية الذي راود الجميع منذ ثورة ٢٠١١ وتجدد مع هبة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وكذلك فإنه بدد حلم الرخاء الموعود الذي قيل إنه سيتم بعد سنتين، ثم تجدد الوعد بظهور ثماره بعد ستة أشهر أخرى وحين يبدو الأفق مسدودا أمام احتمالات الإصلاح السياسي تارة والإصلاح الاجتماعي تارة أخرى، فإن التعبير في هذه الحالة يبدو نداء فارغ المضمون أقرب إلى التخدير.
إن المجتمع المصري إذا أريد لصبره أن يكون صحيا وفي الحدود الآمنة، فينبغي أن تستعاد له الثقة في الحاضر والأمل في المستقبل، أما إذا لم يحدث ذلك فإن الأمر يصبح مغامرة غير مأمونة العاقبة، وعلى من شبكنا أن يخلصنا كما يقول مقطع الأغنية الشهيرة..................
Published on December 30, 2016 16:06
December 28, 2016
عمران وكيم فوك
صحيفة الشروق الجديد المصريه الخميس 30 ربيع أول 1438 – 29 ديسمبر 2016عمران وكيم فوك – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2016/12/blog-post_51.html
صورتان أبرزتهما صحف نهاية العام، الأولى للطفل عمران دقنيش أحد ضحايا مذبحة حلب. والثانية لفتاة النابالم كيم فوك التى كانت ضمن ضحايا العدوان الأمريكى على فيتام.
منظر عمران الذى غرق وجهة فى الدماء فى حين جلس ذاهلا وفاقدا للنطق فى عربة إسعاف بعد إخراجه من تحت أنقاض منزله الذى دمر تم استعادته ورشح ليكون صورة العام.
أما كيم فوك فإن قصتها لاتزال شاغلة للأذهان رغم مضى أكثر من أربعين عاما على الجريمة التى ارتكبت بحقها عام 1972.
ذلك أنها بعدما أجرت 17 عملية سمحت لها بالعودة إلى الحياة، فإنها ظلت تعانى من الآلام المبرحة التى لم تتخلص منها، حتى بدأت أخيرا علاجا بالليزر فى ميامى، وعدت بأنه سينهى معاناتها.
صورة كيم الباكية وهى تركض عارية تماما بعدما أهلكت النابالم ثيابها وأحرقت جلدها روعت العالم آنذاك اعتبرت عملا أسهم فى تشكيل التاريخ، وفاز صاحبها المصور نيك أوت بعديد من الجوائز الدولية.
ورغم أن الفتاة هاجرت إلى كندا وتزوجت وأصبحت أما لولدين إلا أنها مازالت تحظى بالاهتمام فى العالم الغربى، إذ بعدما أنشئت مؤسسة باسمها لمعالجة ضحايا الحروب، فإنها عينت سفيرة للنوايا الحسنة لليونسكو فى عام 1979 وكانت قد زارت الولايات المتحدة فى العام الذى سبقه واستقبلت هناك بحفاوة كبيرة.
والتقت هناك الطيار الأمريكى الذى قصف بلدتها «تراج بانج»، (اسمه جون بلامار) وقد اعتذر لها وطلب منها أن تسامحه، فردت أنها ما زالت تعانى من آثار النابالم لكن قلبها صار صافيا.
النابالم الذى فجر غضب العالم وجعل الصورة تسهم فى إنهاء حرب فيتنام فى السبعينيات، صار يعبأ فى براميل تلقى يوما بعد يوم على العديد من المدن السورية.
أما صورة كيم فوك فقد غدت محفورة فى الذاكرة الغربية وحية لدى مؤسسات الضمير وحقوق الإنسان فى العالم الخارجى.
إذا جاز لنا أن نتخير صورة للعام الحالى فسوف يحيرنا كم الصور المروعة التى تستحق كل واحدة منها أن تعلق على جدار العام فاضحة أهوال الجحيم الذى يعانى منه السوريون منذ خمس سنوات، وفاضحة بنفس القدر وحشية نظام دمشق وحلفائه، وفداحة جريمة الصمت الذى قابل كل ذلك.
أمثال عمران دقنيش كثيرون، بعضهم صار أشلاء تحت الركام وبعضهم أفقده الهول الذاكرة والقدرة على النطق. وهناك آخرون فقدوا حياتهم تحت الأنقاض أو فى أعماق البحار.
وصورة الطفل إيلان الكردى ابن الأعوام الثلاثة الذى ألقت الأمواج جثته على الشواطئ الليبية رمز لهؤلاء. وكلنا نذكر كيف تناقلت وسائل الإعلام صورته المفجعة والصادمة فى العام الماضى، لكن بشاعة الصورة لم تحرك شيئا فى العالم المحيط.
منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة أعلنت فى الأسبوع الماضى أن ضحايا الحرب السورية يتراوحون بين ٤ وثمانية ملايين طفل، وأن 80% من الأطفال السوريين تأثروا بسبب الحرب بدرجة أو أخرى. وهى أرقام لو كانت عن حيوانات برية أو طيور معرضة للانقراض لأثارت عاصفة من التضامن واستنهضت همم عديد من الجهات المعنية بالتنوع والحفاظ على البيئة.
لم ينس أحد قصة كيم فوك طوال الأربعين سنة الماضية، لكن أرتال الأطفال السوريين الذين كانوا ضحايا النابالم فى حلب وداريا وريف دمشق لم تحرك شيئا فى العالم العربى أو الخارجى،
ذلك أن إبادة البشر فى بلادنا صارت عرفا أمات الضمائر وشوهها
ــ ترى كم عربيا ينبغى أن يباد حتى تتخلص أمتنا من الظلم الجاثم على صدورها؟
......................
صورتان أبرزتهما صحف نهاية العام، الأولى للطفل عمران دقنيش أحد ضحايا مذبحة حلب. والثانية لفتاة النابالم كيم فوك التى كانت ضمن ضحايا العدوان الأمريكى على فيتام.
منظر عمران الذى غرق وجهة فى الدماء فى حين جلس ذاهلا وفاقدا للنطق فى عربة إسعاف بعد إخراجه من تحت أنقاض منزله الذى دمر تم استعادته ورشح ليكون صورة العام.
أما كيم فوك فإن قصتها لاتزال شاغلة للأذهان رغم مضى أكثر من أربعين عاما على الجريمة التى ارتكبت بحقها عام 1972.
ذلك أنها بعدما أجرت 17 عملية سمحت لها بالعودة إلى الحياة، فإنها ظلت تعانى من الآلام المبرحة التى لم تتخلص منها، حتى بدأت أخيرا علاجا بالليزر فى ميامى، وعدت بأنه سينهى معاناتها.
صورة كيم الباكية وهى تركض عارية تماما بعدما أهلكت النابالم ثيابها وأحرقت جلدها روعت العالم آنذاك اعتبرت عملا أسهم فى تشكيل التاريخ، وفاز صاحبها المصور نيك أوت بعديد من الجوائز الدولية.
ورغم أن الفتاة هاجرت إلى كندا وتزوجت وأصبحت أما لولدين إلا أنها مازالت تحظى بالاهتمام فى العالم الغربى، إذ بعدما أنشئت مؤسسة باسمها لمعالجة ضحايا الحروب، فإنها عينت سفيرة للنوايا الحسنة لليونسكو فى عام 1979 وكانت قد زارت الولايات المتحدة فى العام الذى سبقه واستقبلت هناك بحفاوة كبيرة.
والتقت هناك الطيار الأمريكى الذى قصف بلدتها «تراج بانج»، (اسمه جون بلامار) وقد اعتذر لها وطلب منها أن تسامحه، فردت أنها ما زالت تعانى من آثار النابالم لكن قلبها صار صافيا.
النابالم الذى فجر غضب العالم وجعل الصورة تسهم فى إنهاء حرب فيتنام فى السبعينيات، صار يعبأ فى براميل تلقى يوما بعد يوم على العديد من المدن السورية.
أما صورة كيم فوك فقد غدت محفورة فى الذاكرة الغربية وحية لدى مؤسسات الضمير وحقوق الإنسان فى العالم الخارجى.
إذا جاز لنا أن نتخير صورة للعام الحالى فسوف يحيرنا كم الصور المروعة التى تستحق كل واحدة منها أن تعلق على جدار العام فاضحة أهوال الجحيم الذى يعانى منه السوريون منذ خمس سنوات، وفاضحة بنفس القدر وحشية نظام دمشق وحلفائه، وفداحة جريمة الصمت الذى قابل كل ذلك.
أمثال عمران دقنيش كثيرون، بعضهم صار أشلاء تحت الركام وبعضهم أفقده الهول الذاكرة والقدرة على النطق. وهناك آخرون فقدوا حياتهم تحت الأنقاض أو فى أعماق البحار.
وصورة الطفل إيلان الكردى ابن الأعوام الثلاثة الذى ألقت الأمواج جثته على الشواطئ الليبية رمز لهؤلاء. وكلنا نذكر كيف تناقلت وسائل الإعلام صورته المفجعة والصادمة فى العام الماضى، لكن بشاعة الصورة لم تحرك شيئا فى العالم المحيط.
منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة أعلنت فى الأسبوع الماضى أن ضحايا الحرب السورية يتراوحون بين ٤ وثمانية ملايين طفل، وأن 80% من الأطفال السوريين تأثروا بسبب الحرب بدرجة أو أخرى. وهى أرقام لو كانت عن حيوانات برية أو طيور معرضة للانقراض لأثارت عاصفة من التضامن واستنهضت همم عديد من الجهات المعنية بالتنوع والحفاظ على البيئة.
لم ينس أحد قصة كيم فوك طوال الأربعين سنة الماضية، لكن أرتال الأطفال السوريين الذين كانوا ضحايا النابالم فى حلب وداريا وريف دمشق لم تحرك شيئا فى العالم العربى أو الخارجى،
ذلك أن إبادة البشر فى بلادنا صارت عرفا أمات الضمائر وشوهها
ــ ترى كم عربيا ينبغى أن يباد حتى تتخلص أمتنا من الظلم الجاثم على صدورها؟
......................
Published on December 28, 2016 12:42
December 27, 2016
توجيهات الرئيس
صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 29 ربيع أول 1438 – 28 ديسمبر 2016توجيهات الرئيس - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2016/12/blog-post_28.html
من عناوين الصحف المصرية التي صدرت خلال الأسبوعين الأخيرين ما يلي: أقصى درجات الاستعداد والحذر ــ الرئيس يوجه بتكثيف الوجود الأمني بالأماكن العامة ــ مشروعات عملاقة لإنتاج السلع الغذائية بأسعار مناسبة ــ الرئيس: تسهيلات للتوسع في صناعة الدواجن بأسعار مناسبة ــ الرئيس يوجه الحكومة بالتوسع في شبكات الحماية الاجتماعية لمحدودي الدخل ــ الرئيس يوجه باحتواء تداعيات القرارات الاقتصادية الأخيرة وارتفاع أسعار بعض السلع ــ الرئيس يوجه بضرورة الإسراع في إنشاء التجمعات الصناعية من أجل دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير كل التراخيص اللازمة لها...إلخ.
لو أنني استرسلت في ذكر عناوين الصفحات الأولى للصحف فإن ذلك سيملأ صفحات وصفحات تندرج كلها تحت عنوان من كلمتين هو: توجيهات الرئيس،
الأمر الذي يستدعي السؤال التالي: ما الذي يمكن أن يحدث إذا انشغل الرئيس لأي سبب ولم يوجه؟..
خذ مثلا مسألة تكثيف الوجود الأمني بالأماكن العامة. ذلك أنه في أجواء التهديدات الإرهابية التي تلوح في الأفق، فضلا عن المناسبات المتعددة التي تحل في نهاية العام، سواء ما تعلق منها بأعياد المسيحيين أو باحتفالات رأس السنة، فإن من بديهيات مهام وزارة الداخلية أن تتحسب لكل ذلك. وهو ما يجعل ضرورة تكثيف الوجود الأمني في الأماكن العامة أمرا مفروغا منه ولا يحتاج لأي توجيه.
قل مثل ذلك بالنسبة للأمور الأخري سواء التي تتعلق بتوفير الدواجن بأسعار مناسبة أو بحماية محدودي الدخل أو احتواء تداعيات القرارات الاقتصادية الأخيرة أو دعم المشروعات الصغيرة وتوفير التراخيص اللازمة لها...إلخ.
القاسم المشترك بين تلك العناوين وأمثالها هو أنها ــ كلها ــ تفاصيل تصنف ضمن المهام الطبيعية التي ينبغي أن تقوم بها الجهات التنفيذية باختلاف تخصصاتها. إذ كما أن وزارة الداخلية يتعين عليها أن تفتح أعينها وتكثف وجودها في الأماكن العامة دون حاجة إلى تنبيه أو توجيه، فإن الأمور الأخرى يتطبق عليها نفس الشيء. ذلك أن بعضها يدخل ضمن مسؤوليات وزارات الزراعة والصناعة والاقتصاد والضمان الاجتماعي وغيرها. وإذا ما صح ذلك فإنه يستدعي سؤالا آخر: هو هل بات كل مسؤول بحاجة إلى توجيه رئاسي لكي يؤدي عمله الطبيعي؟
قد يكون السؤال ظالما للبعض، لأن المشكلة ليست في أنهم بحاجة إلى توجيهات، ولكنها تكمن في أن الرئيس لديه اهتمام خاص بالتفاصيل كما يقول بعض المشاركين في الاجتماعات الرئاسية.
ثم إننا نستبعد أن يكون المكتب الإعلامي حريصا على تسليط الأضواء بصورة يومية على تحركات الرئيس لإثبات حضوره في أوسع دائرة من المجال العام.
ولا أستبعد أن يكون لمسؤولي الصحف دورهم في النفخ في كل ما يقوم به الرئيس من أنشطة، حتى ما لا يعد منها أخبارا تهم الرأي العام.. لكنها مع ذلك يتم إبرازها على الصفحات الأولي، تطبيقا للمثل الذي يتردد في أروقة المهنة، معتبرا أن «كلام الرئيس رئيس الكلام».
إذا تعمقنا في بحث الموضوع أكثر فستكتشف أن ذلك الحضور القوي للرئيس في المجال العام له جذوره في دستور ٢٠١٤ الذي أضعف سلطات رئيس الوزراء، ووسع كثيرا من سلطات رئيس الجمهورية.
إذ كان دستور ٢٠١٢ ينص على اشتراك الحكومة مع رئيس الجمهورية في وضع السياسة العامة للدولة والإشراف علي تنفيذها (المادة ١٦٧) وفي ظل ذلك النص لم يكن بمقدور الرئيس أن يمارس مهامه التنفيذية إلا بواسطة رئيس مجلس الوزراء. إلا أن النص ألغي في دستور ٢٠١٤ بحيث أصبح الرئيس يمارس صلاحياته الدستورية والقانونية بمعزل عن رئيس الوزراء.
لذلك ذكر المستشار الدكتور ماجد شبيطة في مؤلفه عن «سلطات رئيس الجمهورية في الدساتير المصرية»، أنه لم يعد لرئيس الوزراء أن يعترض أو يتبني وجة نظر مغايرة للرئيس بعدما أطلقت يده في قرارات السلطة التنفيذية وتعييناتها، الأمر الذي جعل الحكومة بعد التعديل الدستوري أقرب إلى سكرتارية الرئيس الملحقة بمكتبه (ص ٣٤٨). فكسب ترزية الدساتير نقطة، وخسرنا نحن كثيرا.
....................
من عناوين الصحف المصرية التي صدرت خلال الأسبوعين الأخيرين ما يلي: أقصى درجات الاستعداد والحذر ــ الرئيس يوجه بتكثيف الوجود الأمني بالأماكن العامة ــ مشروعات عملاقة لإنتاج السلع الغذائية بأسعار مناسبة ــ الرئيس: تسهيلات للتوسع في صناعة الدواجن بأسعار مناسبة ــ الرئيس يوجه الحكومة بالتوسع في شبكات الحماية الاجتماعية لمحدودي الدخل ــ الرئيس يوجه باحتواء تداعيات القرارات الاقتصادية الأخيرة وارتفاع أسعار بعض السلع ــ الرئيس يوجه بضرورة الإسراع في إنشاء التجمعات الصناعية من أجل دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير كل التراخيص اللازمة لها...إلخ.
لو أنني استرسلت في ذكر عناوين الصفحات الأولى للصحف فإن ذلك سيملأ صفحات وصفحات تندرج كلها تحت عنوان من كلمتين هو: توجيهات الرئيس،
الأمر الذي يستدعي السؤال التالي: ما الذي يمكن أن يحدث إذا انشغل الرئيس لأي سبب ولم يوجه؟..
خذ مثلا مسألة تكثيف الوجود الأمني بالأماكن العامة. ذلك أنه في أجواء التهديدات الإرهابية التي تلوح في الأفق، فضلا عن المناسبات المتعددة التي تحل في نهاية العام، سواء ما تعلق منها بأعياد المسيحيين أو باحتفالات رأس السنة، فإن من بديهيات مهام وزارة الداخلية أن تتحسب لكل ذلك. وهو ما يجعل ضرورة تكثيف الوجود الأمني في الأماكن العامة أمرا مفروغا منه ولا يحتاج لأي توجيه.
قل مثل ذلك بالنسبة للأمور الأخري سواء التي تتعلق بتوفير الدواجن بأسعار مناسبة أو بحماية محدودي الدخل أو احتواء تداعيات القرارات الاقتصادية الأخيرة أو دعم المشروعات الصغيرة وتوفير التراخيص اللازمة لها...إلخ.
القاسم المشترك بين تلك العناوين وأمثالها هو أنها ــ كلها ــ تفاصيل تصنف ضمن المهام الطبيعية التي ينبغي أن تقوم بها الجهات التنفيذية باختلاف تخصصاتها. إذ كما أن وزارة الداخلية يتعين عليها أن تفتح أعينها وتكثف وجودها في الأماكن العامة دون حاجة إلى تنبيه أو توجيه، فإن الأمور الأخرى يتطبق عليها نفس الشيء. ذلك أن بعضها يدخل ضمن مسؤوليات وزارات الزراعة والصناعة والاقتصاد والضمان الاجتماعي وغيرها. وإذا ما صح ذلك فإنه يستدعي سؤالا آخر: هو هل بات كل مسؤول بحاجة إلى توجيه رئاسي لكي يؤدي عمله الطبيعي؟
قد يكون السؤال ظالما للبعض، لأن المشكلة ليست في أنهم بحاجة إلى توجيهات، ولكنها تكمن في أن الرئيس لديه اهتمام خاص بالتفاصيل كما يقول بعض المشاركين في الاجتماعات الرئاسية.
ثم إننا نستبعد أن يكون المكتب الإعلامي حريصا على تسليط الأضواء بصورة يومية على تحركات الرئيس لإثبات حضوره في أوسع دائرة من المجال العام.
ولا أستبعد أن يكون لمسؤولي الصحف دورهم في النفخ في كل ما يقوم به الرئيس من أنشطة، حتى ما لا يعد منها أخبارا تهم الرأي العام.. لكنها مع ذلك يتم إبرازها على الصفحات الأولي، تطبيقا للمثل الذي يتردد في أروقة المهنة، معتبرا أن «كلام الرئيس رئيس الكلام».
إذا تعمقنا في بحث الموضوع أكثر فستكتشف أن ذلك الحضور القوي للرئيس في المجال العام له جذوره في دستور ٢٠١٤ الذي أضعف سلطات رئيس الوزراء، ووسع كثيرا من سلطات رئيس الجمهورية.
إذ كان دستور ٢٠١٢ ينص على اشتراك الحكومة مع رئيس الجمهورية في وضع السياسة العامة للدولة والإشراف علي تنفيذها (المادة ١٦٧) وفي ظل ذلك النص لم يكن بمقدور الرئيس أن يمارس مهامه التنفيذية إلا بواسطة رئيس مجلس الوزراء. إلا أن النص ألغي في دستور ٢٠١٤ بحيث أصبح الرئيس يمارس صلاحياته الدستورية والقانونية بمعزل عن رئيس الوزراء.
لذلك ذكر المستشار الدكتور ماجد شبيطة في مؤلفه عن «سلطات رئيس الجمهورية في الدساتير المصرية»، أنه لم يعد لرئيس الوزراء أن يعترض أو يتبني وجة نظر مغايرة للرئيس بعدما أطلقت يده في قرارات السلطة التنفيذية وتعييناتها، الأمر الذي جعل الحكومة بعد التعديل الدستوري أقرب إلى سكرتارية الرئيس الملحقة بمكتبه (ص ٣٤٨). فكسب ترزية الدساتير نقطة، وخسرنا نحن كثيرا.
....................
Published on December 27, 2016 20:14
December 26, 2016
«هدم الدولة» كلمة عام ٢٠١٦ فى مصر – المقال الأسبوعي
صحيفة الشروق الجديد الثلاثاء 28 ربيع أول 1438 – 27 ديسمبر 2016«هدم الدولة» كلمة عام ٢٠١٦ فى مصر – فهمي هويدي – المقال الأسبوعي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2016/12/blog-post_26.html
الأساطير الرائجة فى فضائنا عديدة، لكننى أرشح منها مصطلح «هدم الدولة» ليكون كلمة عام ٢٠١٦ فى مصر.
(1)
يوم الإثنين ١٩ ديسمبر جرت مناقشة فى مجلس النواب حول انتقاد الأستاذ إبراهيم عيسى فى برنامجه التليفزيونى لأدائه. وخلال المناقشة قال الدكتور على عبدالعال رئيس المجلس إن الإعلام يحاول إضعاف مؤسسات النظام وهدم الدولة المصرية.
لم أستغرب التعليق لأننى لاحظت أن مصطلح هدم الدولة تردد فى تفسير الهجوم الإرهابى الذى استهدف الكنيسة البطرسية قبل أيام. كما أن بعض الإعلاميين ذوى الصلة بالمؤسسة الأمنية دأبوا على الدفاع عن مشروع قانون الجمعيات المريب الذى أقره البرلمان بدعوى أنه قانون «مفصلى» يقطع الطريق على محاولات «هدم الدولة». كذلك فأن المصطلح ذاته استخدم فى إدانة واستهجان الفرقعة التى ترددت فى الفضاء المصرى داعية إلى مظاهرات ١١/١١، حيث اعتبرت آنذاك ضمن المساعى الخبيثة لهدم الدولة.
ولست أنسى أن أحد الإعلاميين التليفزيونيين استضاف ذات مرة بعض المتحدثين فى حلقة حول العنف، وقدم أحد المشاركين باعتباره العقيد فلان الفلانى الباحث فى مخطط هدم الدولة المصرية.
معلوم أن الرئيس عبدالفتاح السيسى هو من أطلق المصطلح وردده أكثر من مرة فى خطبه وأحاديثه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كان آخرها حديثه فى لقائه مع الشباب فى العاشر من شهر ديسمبر الحالى.
وبمضى الوقت شاع استعماله بحيث أصبح يطلق على كل ما لا يعجب السلطة من قول (كما حدث مع برنامج إبراهيم عيسى) أو فعل (كما حدث فى حالة تفجير الكنيسة).
حين انتبهت إلى تواتر استخدام المصطلح على الصعيدين السياسى والإعلامى قررت أن أجرى بحثا حوله على محرك «جوجل». وحين فعلتها أثارت دهشتى كثافة استخدامه وتنوع المجالات والمواقف التى يجرى تنزيله عليها. وهو ما شجعنى على ترشيحه ليكون كلمة عام ٢٠١٦ فى مصر.
ذلك أن التقليد الذى ابتدع الفكرة فى المجتمعات الغربية يتخير كلمة العام من بين مفردات أو مصطلحات عدة تختزل ظاهرة أو تعبر عن حالة فى المجتمع لها حظ من الشيوع، ودرجة مميزة من الحضور والتأثير،
وهو ما حدث مع قاموس أوكسفورد فى شهر نوفمبر الماضى حين تخيرت اللجنة المشرفة عليه عبارة «ما بعد الحقيقة» لتكون كلمة عام ٢٠١٦، وهى تعبر عن النزوع إلى تصديق الأضاليل والأكاذيب دون الحقائق الموضوعية. الأمر الذى تحلى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حين تم انتخاب رئيس من خارج السياسة، برعت حملته فى التضليل والترويج للأكاذيب. كما ظهر فى حملات اليمين الأوروبى.
(2)
أدرى أن كلمة العام فى المجتمعات الغربية تتولاها لجنة من الخبراء والمتخصصين، لذلك اعتبرت أن ترشيحى لمقولة «هدم الدولة» لتكون كلمة العام فى مصر هو مجازفة تعبر عن انطباع شخصى يمكن أن يكذبه البحث الموضوعى لكن خبرتى المتواضعة اقنعتنى بأن أجواءنا لا توفر فرصة كافية للبحث الموضوعى.
فمن تقاليدنا أن يكون كلام الرئيس هو خير الكلام ثم أنه لابد أن يكون شخصية العام. كما أن أفكاره هى حكمة العام ومشروعاته على رأس إنجازات العام. أما رحلاته إلى الخارج فهى فتوحات العام.. إلخ.
هذه الخلفية شجعتنى على المغامرة بالإقدام على عملية الترشيح. فإن أصبت فربما حققت مرادى فى التنبيه، وإن أخطأت فربما سترنى مصطلح النقاد الرياضيين الذين يبررون ضياع الأهداف فى مباريات كرة القدم حين ينوهون إلى الاكتفاء بـ«شرف المحاولة».
لكى أتشجع فيما اعتزمته، فإننى لجأت إلى صحفى نابه تخصص فى تكنولوجيا المعلومات وصار من خبرائها، هو زميلى السابق فى مؤسسة الأهرام الأستاذ جمال غيطاس الذى أسس مجلة «لغة العصر».
إذ طلبت منه أن يساعدنى فى تقييم وضع مصطلح «هدم الدولة»، وما إذا كان جديرا بأن يصبح كلمة العام أم لا.
غاب جمال غيطاس يوما ثم زودنى بما طلبت. اعتبرت أن ما فعله نوعا من السحر الذى يحفظ أسراره، إلا أنه أجابنى حين سألته بأنه استخدم ما أسماه «البحث المتقدم لجوجل».
ولجأ إلى تحليل المادة التى بثها ١٣١ موقعا للتواصل الاجتماعى فى الفترة من أول يناير عام ٢٠١٦ وحتى مساء يوم ٢٢ ديسمبر. وحين تتبع ما ذكرته تلك المواقع بخصوص هدم الدولة أو ١١ مصطلحا آخر يدل عليه (مثل إسقاط الدولة أو إضعافها) فإنه توصل إلى النتائج التالية:
> فى الفترة الزمنية التى سبقت الإشارة إليها استخدم المصطلح بمختلف مترادفاته فى تلك المواقع ٥٩٣ مرة.
> ظل الاستخدام عاديا ولا يثير الانتباه طوال العام، لكنه أصبح كثيفا وملحوظا خلال الأشهر الأخيرة من العام (أكتوبر ونوفمبر وديسمبر)، فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام كان معدل ظهور المصطلح يتراوح بين ١٤ و٢٢ و٣٦ مرة، لكن المؤشر ارتفع كثيرا فى الأشهر الثلاثة الأخيرة، حين ظهر «هدم الدولة»، ٦٨ مرة فى شهر أكتوبر و١٠٤ مرات فى شهر نوفمبر و١٧٩ مرة حتى مساء ٢٢ ديسمبر.
> معدل ظهور المصطلح فى مواقع الصحف اليومية خلال الفترة ذاتها كان كالتالى: المصرى اليوم ٨١ مرة ــ الوطن ٤٩ مرة ــ اليوم السابع ٤٩ مرة ــ البوابة ٣٤ مرة ــ الأهرام ٢٥ مرة.
(3)
أنبه إلى أن تلك النتائج أولية وتقريبية، ومع ذلك نستطيع أن نستخلص منها إذا تأكدت عدة ملاحظات هى:
< إن مصطلح هدم الدولة أخذ مكانه فى لغة الخطاب الإعلامى بحيث أصبح يستخدم فى سياق التنديد والاتهام تارة أو التنبيه والتخويف تارة أخرى. وفى الحالتين فإنه يراد به تعبئة الرأى العام واستنفاره لكى يحتشد حول الدولة ويهب دفاعا عنها.
< إن كثافة استخدام المصطلح كانت محدودة فى بدايات العام، ولكنها تضاعفت فى الأشهر الأخيرة من العام. وهذا التفاوت فى مؤشرات الاستخدام راجع إلى ارتفاع نبرة التململ والغضب فى الأشهر الأخيرة لأسباب عديدة منها التوسع فى انتهاكات حقوق الإنسان وتعدد حالات القتل خارج القانون إضافة إلى الحرب التى أعلنت على منظمات المجتمع المدنى،
وكذلك التململ والضيق الذى عبر عنه الرأى العام بسبب صدمة التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير.
أما العنصر الأكثر أهمية فى إشاعة الغضب فقد تمثل فى الغلاء الذى عانى منه الجميع وتعويم الجنيه الذى زاد الطين بلة.
وتلك عوامل أضعفت كثيرا من موقف السلطة التى حملت بالمسئولية عن كل ذلك.لذلك فإن القائمين على الأمر حاولوا امتصاص ذلك الغضب من خلال التلويح بأن خطر هدم الدولة يلوح فى الأفق، الأمر الذى يستدعى التفافا حولها وليس انتقادها أو الغضب منها.
آية ذلك أن البحث الذى أجرى بيَّن أن معدل النشر اليومى لمصطلح هدم الدولة ظل يتزايد طرديا مع تنامى مؤشرات الغلاء وتدهور قيمة الجنيه المصرى عقب تعويمه، ففى حين أن المعدل فى بداية العام وحتى منتصفه تراوح بين ٠.٥ و١.٢٪ فإنه فى الأشهر الثلاثة الأخيرة بدأ بـ٢.٣٪ مع رفع الدعم عن السلع فى شهر أكتوبر، ثم ارتفع إلى ٣.٥٪ فى شهر نوفمبر الذى تم فيه تعويم الجنيه ووصل فى شهر ديسمبر إلى ٦٪ بعدما اقترب سعر الدولار من ٢٠ جنيها، بما يعنى أنه كلما استحكمت الأزمة، تعالت الأصوات المحذرة من خطر هدم الدولة.
< إضافة إلى رسائل التحذير من الخطر المفترض التى توجهنا أجهزة التوجيه المعنوى عبر قنوات التليفزيون فإن الصحف الخاصة تؤدى دورا موازيا فى ذات الاتجاه.
وهى فى ذلك تتقدم على الصحف القومية التى تراجعت مصداقيتها لارتباطها المباشر بالسلطة، فضلا عن تراجع توزيعها، لذلك فإن التحذير من هدم الدولة كان أشد وضوحا فى جريدة «المصرى اليوم» وبعدها صحيفتا «الوطن» و«اليوم السابع» ثم البوابة تليها الترتيب جريدة «الأهرام»، وقد لاحظت أن صحيفة «الشروق» لم تذكر فى تلك القائمة.
(4)
المفارقة التى ينبغى أن تستوقفتا فى الموضوع أننا نتعامل مع مصطلح لا أصل له فى العلوم السياسية، وإنما هو بمثابة قنبلة صوتية ليس أكثر. أعنى أن له دويّه حقا، لكنه بلا مضمون حقيقى.
ذلك أن الدولة فى بديهيات العلوم السياسية لها مقومات ثلاثة هى الإقليم والشعب والنظام السياسى الذى يقوم عليه. وهدم الدولة إذا أخذ على محمل الجد لا يتحقق إلا باختفاء العوامل الثلاثة، وهو أمر مستحيل من الناحية العملية. وجيلنا عايش تغير خمسة أنظمة تتابعت على مصر ولم يقل أحد أن الدولة هدمت.
أتحدث عن النظام الملكى ثم الجمهورى الذى بدأ بالمرحلة الناصرية ثم الساداتية والمباركية، وفى أعقاب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ شهدنا حكم الإخوان الذى جرى إسقاطه فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣. وخلال تلك الرحلة ألغى النظام الملكى وهزم الجيش فى عام ٦٧ وقتل السادات وخلع مبارك وأقصى الإخوان عن السلطة، وظلت الدولة كما هى.
مشكلة المصطلح تكمن فى أنه ثمرة تغليط خلط بين الدولة والنظام، فى حين أن الأولى كل والنظام جزء. وذلك تغليط شائع فى الدول غير الديمقراطية، حيث تختزل الدولة فى النظام الذى يديرها، وأحيانا فى شخص القائد الذى يحكمها. وهو اختزال غير برىء يعمد إلى تحصين النظام أو الزعيم ضد أى نقد. إذ يصبح النقد أو المعارضة فى هذه الحالة جريمة ضد الدولة تستحق العقاب المشدد. وبسبب ذلك الخلط فإن دور أمن الدولة أصبح محصورا فى أمن النظام والقائمين عليه.
بسبب ذلك الاختزال فإن مصطلح هدم الدولة صار تعبيرا مراوغا وفضفاضا يفتح الباب لملاحقة كل من لا يرضى عنه النظام ويصورهم بحسبانهم متآمرين على الدولة. كما أنه يوهم الرأى العام بأن الوطن كله فى خطر، الأمر الذى يستنفر الناس ويدفعهم إلى الاصطفاف وراء الحكومة وتأييد قمع «المتآمرين».
ليس مصطلح هدم الدولة الأسطورة الوحيدة التى تلوح فى الفضاء المصرى، لأن لدينا أساطير عدة أطلقتها أجهزة التوجيه المعنوى فى ظروف سابقة وكان لها دورها فى تشكيل الإدراك وتشويهه.
وحكاية الحرب الأهلية الموشكة فى مصر، وحروب الجيل الرابع التى تتعرض لها البلاد وتآمر أجهزة مخابرات الدول الكبرى عليها، من نماذج تلك الأساطير.
سأكون مسرورا لو ثبت خطأ ما ذكرت، لكن أرجو ألا تحرمنى من قبول «شرف المحاولة».
..............
الأساطير الرائجة فى فضائنا عديدة، لكننى أرشح منها مصطلح «هدم الدولة» ليكون كلمة عام ٢٠١٦ فى مصر.
(1)
يوم الإثنين ١٩ ديسمبر جرت مناقشة فى مجلس النواب حول انتقاد الأستاذ إبراهيم عيسى فى برنامجه التليفزيونى لأدائه. وخلال المناقشة قال الدكتور على عبدالعال رئيس المجلس إن الإعلام يحاول إضعاف مؤسسات النظام وهدم الدولة المصرية.
لم أستغرب التعليق لأننى لاحظت أن مصطلح هدم الدولة تردد فى تفسير الهجوم الإرهابى الذى استهدف الكنيسة البطرسية قبل أيام. كما أن بعض الإعلاميين ذوى الصلة بالمؤسسة الأمنية دأبوا على الدفاع عن مشروع قانون الجمعيات المريب الذى أقره البرلمان بدعوى أنه قانون «مفصلى» يقطع الطريق على محاولات «هدم الدولة». كذلك فأن المصطلح ذاته استخدم فى إدانة واستهجان الفرقعة التى ترددت فى الفضاء المصرى داعية إلى مظاهرات ١١/١١، حيث اعتبرت آنذاك ضمن المساعى الخبيثة لهدم الدولة.
ولست أنسى أن أحد الإعلاميين التليفزيونيين استضاف ذات مرة بعض المتحدثين فى حلقة حول العنف، وقدم أحد المشاركين باعتباره العقيد فلان الفلانى الباحث فى مخطط هدم الدولة المصرية.
معلوم أن الرئيس عبدالفتاح السيسى هو من أطلق المصطلح وردده أكثر من مرة فى خطبه وأحاديثه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كان آخرها حديثه فى لقائه مع الشباب فى العاشر من شهر ديسمبر الحالى.
وبمضى الوقت شاع استعماله بحيث أصبح يطلق على كل ما لا يعجب السلطة من قول (كما حدث مع برنامج إبراهيم عيسى) أو فعل (كما حدث فى حالة تفجير الكنيسة).
حين انتبهت إلى تواتر استخدام المصطلح على الصعيدين السياسى والإعلامى قررت أن أجرى بحثا حوله على محرك «جوجل». وحين فعلتها أثارت دهشتى كثافة استخدامه وتنوع المجالات والمواقف التى يجرى تنزيله عليها. وهو ما شجعنى على ترشيحه ليكون كلمة عام ٢٠١٦ فى مصر.
ذلك أن التقليد الذى ابتدع الفكرة فى المجتمعات الغربية يتخير كلمة العام من بين مفردات أو مصطلحات عدة تختزل ظاهرة أو تعبر عن حالة فى المجتمع لها حظ من الشيوع، ودرجة مميزة من الحضور والتأثير،
وهو ما حدث مع قاموس أوكسفورد فى شهر نوفمبر الماضى حين تخيرت اللجنة المشرفة عليه عبارة «ما بعد الحقيقة» لتكون كلمة عام ٢٠١٦، وهى تعبر عن النزوع إلى تصديق الأضاليل والأكاذيب دون الحقائق الموضوعية. الأمر الذى تحلى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حين تم انتخاب رئيس من خارج السياسة، برعت حملته فى التضليل والترويج للأكاذيب. كما ظهر فى حملات اليمين الأوروبى.
(2)
أدرى أن كلمة العام فى المجتمعات الغربية تتولاها لجنة من الخبراء والمتخصصين، لذلك اعتبرت أن ترشيحى لمقولة «هدم الدولة» لتكون كلمة العام فى مصر هو مجازفة تعبر عن انطباع شخصى يمكن أن يكذبه البحث الموضوعى لكن خبرتى المتواضعة اقنعتنى بأن أجواءنا لا توفر فرصة كافية للبحث الموضوعى.
فمن تقاليدنا أن يكون كلام الرئيس هو خير الكلام ثم أنه لابد أن يكون شخصية العام. كما أن أفكاره هى حكمة العام ومشروعاته على رأس إنجازات العام. أما رحلاته إلى الخارج فهى فتوحات العام.. إلخ.
هذه الخلفية شجعتنى على المغامرة بالإقدام على عملية الترشيح. فإن أصبت فربما حققت مرادى فى التنبيه، وإن أخطأت فربما سترنى مصطلح النقاد الرياضيين الذين يبررون ضياع الأهداف فى مباريات كرة القدم حين ينوهون إلى الاكتفاء بـ«شرف المحاولة».
لكى أتشجع فيما اعتزمته، فإننى لجأت إلى صحفى نابه تخصص فى تكنولوجيا المعلومات وصار من خبرائها، هو زميلى السابق فى مؤسسة الأهرام الأستاذ جمال غيطاس الذى أسس مجلة «لغة العصر».
إذ طلبت منه أن يساعدنى فى تقييم وضع مصطلح «هدم الدولة»، وما إذا كان جديرا بأن يصبح كلمة العام أم لا.
غاب جمال غيطاس يوما ثم زودنى بما طلبت. اعتبرت أن ما فعله نوعا من السحر الذى يحفظ أسراره، إلا أنه أجابنى حين سألته بأنه استخدم ما أسماه «البحث المتقدم لجوجل».
ولجأ إلى تحليل المادة التى بثها ١٣١ موقعا للتواصل الاجتماعى فى الفترة من أول يناير عام ٢٠١٦ وحتى مساء يوم ٢٢ ديسمبر. وحين تتبع ما ذكرته تلك المواقع بخصوص هدم الدولة أو ١١ مصطلحا آخر يدل عليه (مثل إسقاط الدولة أو إضعافها) فإنه توصل إلى النتائج التالية:
> فى الفترة الزمنية التى سبقت الإشارة إليها استخدم المصطلح بمختلف مترادفاته فى تلك المواقع ٥٩٣ مرة.
> ظل الاستخدام عاديا ولا يثير الانتباه طوال العام، لكنه أصبح كثيفا وملحوظا خلال الأشهر الأخيرة من العام (أكتوبر ونوفمبر وديسمبر)، فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام كان معدل ظهور المصطلح يتراوح بين ١٤ و٢٢ و٣٦ مرة، لكن المؤشر ارتفع كثيرا فى الأشهر الثلاثة الأخيرة، حين ظهر «هدم الدولة»، ٦٨ مرة فى شهر أكتوبر و١٠٤ مرات فى شهر نوفمبر و١٧٩ مرة حتى مساء ٢٢ ديسمبر.
> معدل ظهور المصطلح فى مواقع الصحف اليومية خلال الفترة ذاتها كان كالتالى: المصرى اليوم ٨١ مرة ــ الوطن ٤٩ مرة ــ اليوم السابع ٤٩ مرة ــ البوابة ٣٤ مرة ــ الأهرام ٢٥ مرة.
(3)
أنبه إلى أن تلك النتائج أولية وتقريبية، ومع ذلك نستطيع أن نستخلص منها إذا تأكدت عدة ملاحظات هى:
< إن مصطلح هدم الدولة أخذ مكانه فى لغة الخطاب الإعلامى بحيث أصبح يستخدم فى سياق التنديد والاتهام تارة أو التنبيه والتخويف تارة أخرى. وفى الحالتين فإنه يراد به تعبئة الرأى العام واستنفاره لكى يحتشد حول الدولة ويهب دفاعا عنها.
< إن كثافة استخدام المصطلح كانت محدودة فى بدايات العام، ولكنها تضاعفت فى الأشهر الأخيرة من العام. وهذا التفاوت فى مؤشرات الاستخدام راجع إلى ارتفاع نبرة التململ والغضب فى الأشهر الأخيرة لأسباب عديدة منها التوسع فى انتهاكات حقوق الإنسان وتعدد حالات القتل خارج القانون إضافة إلى الحرب التى أعلنت على منظمات المجتمع المدنى،
وكذلك التململ والضيق الذى عبر عنه الرأى العام بسبب صدمة التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير.
أما العنصر الأكثر أهمية فى إشاعة الغضب فقد تمثل فى الغلاء الذى عانى منه الجميع وتعويم الجنيه الذى زاد الطين بلة.
وتلك عوامل أضعفت كثيرا من موقف السلطة التى حملت بالمسئولية عن كل ذلك.لذلك فإن القائمين على الأمر حاولوا امتصاص ذلك الغضب من خلال التلويح بأن خطر هدم الدولة يلوح فى الأفق، الأمر الذى يستدعى التفافا حولها وليس انتقادها أو الغضب منها.
آية ذلك أن البحث الذى أجرى بيَّن أن معدل النشر اليومى لمصطلح هدم الدولة ظل يتزايد طرديا مع تنامى مؤشرات الغلاء وتدهور قيمة الجنيه المصرى عقب تعويمه، ففى حين أن المعدل فى بداية العام وحتى منتصفه تراوح بين ٠.٥ و١.٢٪ فإنه فى الأشهر الثلاثة الأخيرة بدأ بـ٢.٣٪ مع رفع الدعم عن السلع فى شهر أكتوبر، ثم ارتفع إلى ٣.٥٪ فى شهر نوفمبر الذى تم فيه تعويم الجنيه ووصل فى شهر ديسمبر إلى ٦٪ بعدما اقترب سعر الدولار من ٢٠ جنيها، بما يعنى أنه كلما استحكمت الأزمة، تعالت الأصوات المحذرة من خطر هدم الدولة.
< إضافة إلى رسائل التحذير من الخطر المفترض التى توجهنا أجهزة التوجيه المعنوى عبر قنوات التليفزيون فإن الصحف الخاصة تؤدى دورا موازيا فى ذات الاتجاه.
وهى فى ذلك تتقدم على الصحف القومية التى تراجعت مصداقيتها لارتباطها المباشر بالسلطة، فضلا عن تراجع توزيعها، لذلك فإن التحذير من هدم الدولة كان أشد وضوحا فى جريدة «المصرى اليوم» وبعدها صحيفتا «الوطن» و«اليوم السابع» ثم البوابة تليها الترتيب جريدة «الأهرام»، وقد لاحظت أن صحيفة «الشروق» لم تذكر فى تلك القائمة.
(4)
المفارقة التى ينبغى أن تستوقفتا فى الموضوع أننا نتعامل مع مصطلح لا أصل له فى العلوم السياسية، وإنما هو بمثابة قنبلة صوتية ليس أكثر. أعنى أن له دويّه حقا، لكنه بلا مضمون حقيقى.
ذلك أن الدولة فى بديهيات العلوم السياسية لها مقومات ثلاثة هى الإقليم والشعب والنظام السياسى الذى يقوم عليه. وهدم الدولة إذا أخذ على محمل الجد لا يتحقق إلا باختفاء العوامل الثلاثة، وهو أمر مستحيل من الناحية العملية. وجيلنا عايش تغير خمسة أنظمة تتابعت على مصر ولم يقل أحد أن الدولة هدمت.
أتحدث عن النظام الملكى ثم الجمهورى الذى بدأ بالمرحلة الناصرية ثم الساداتية والمباركية، وفى أعقاب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ شهدنا حكم الإخوان الذى جرى إسقاطه فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣. وخلال تلك الرحلة ألغى النظام الملكى وهزم الجيش فى عام ٦٧ وقتل السادات وخلع مبارك وأقصى الإخوان عن السلطة، وظلت الدولة كما هى.
مشكلة المصطلح تكمن فى أنه ثمرة تغليط خلط بين الدولة والنظام، فى حين أن الأولى كل والنظام جزء. وذلك تغليط شائع فى الدول غير الديمقراطية، حيث تختزل الدولة فى النظام الذى يديرها، وأحيانا فى شخص القائد الذى يحكمها. وهو اختزال غير برىء يعمد إلى تحصين النظام أو الزعيم ضد أى نقد. إذ يصبح النقد أو المعارضة فى هذه الحالة جريمة ضد الدولة تستحق العقاب المشدد. وبسبب ذلك الخلط فإن دور أمن الدولة أصبح محصورا فى أمن النظام والقائمين عليه.
بسبب ذلك الاختزال فإن مصطلح هدم الدولة صار تعبيرا مراوغا وفضفاضا يفتح الباب لملاحقة كل من لا يرضى عنه النظام ويصورهم بحسبانهم متآمرين على الدولة. كما أنه يوهم الرأى العام بأن الوطن كله فى خطر، الأمر الذى يستنفر الناس ويدفعهم إلى الاصطفاف وراء الحكومة وتأييد قمع «المتآمرين».
ليس مصطلح هدم الدولة الأسطورة الوحيدة التى تلوح فى الفضاء المصرى، لأن لدينا أساطير عدة أطلقتها أجهزة التوجيه المعنوى فى ظروف سابقة وكان لها دورها فى تشكيل الإدراك وتشويهه.
وحكاية الحرب الأهلية الموشكة فى مصر، وحروب الجيل الرابع التى تتعرض لها البلاد وتآمر أجهزة مخابرات الدول الكبرى عليها، من نماذج تلك الأساطير.
سأكون مسرورا لو ثبت خطأ ما ذكرت، لكن أرجو ألا تحرمنى من قبول «شرف المحاولة».
..............
Published on December 26, 2016 13:03
December 25, 2016
مصر صححت الخطأ
صحيفة الشروق الجديد الاثنين 27 ربيع أول 1438 – 26 ديسمبر 2016مصر صححت الخطأ – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2016/12/blog-post_25.html
ينبغى أن نعترف بأن تأييد مصر لقرار مجلس الأمن إدانة المستوطنات الإسرائيلية وحظرها كان تصحيحا لخطأ كبير وقعت فيه. ذلك أنها حين سحبت المشروع الذى سبق أن قدمته باسم المجموعة العربية فإن ذلك أساء إليها كثيرا، كما أنه كان بمثابة ضربة موجهة إلى القضية الفلسطينية تنسخ وتمحو كل ما قدمته مصر للقضية على مدى تاريخها.
ولا مفر من الاعتراف أيضا بأن تمسك الدول الأربع غير العربية التى ساندت المشروع بالتصويت عليه كان موقفا أخلاقيا نزيها أنقذ القرار، الأمر الذى يجعله جديرا بالإكبار والتقدير، ولا نشك فى أن ذلك الموقف وضع مصر فى موقف دقيق وحرج. إذ باتت حينئذ مخيرة بين خيارات ثلاثة. إما الموافقة على القرار أو الاعتراض عليه أو الامتناع عن التصويت. والأول يصحح الخطأ بما يحفظ لمصر ماء وجهها، أما الموقفان الآخران فهما يمثلان فضيحة سياسية لها، لأن ذلك لن يفسر إلا بحسبانه تأييدا للاستيطان، الأمر الذى يشكل سبة فى جبين مصر تلاحقها إلى الأبد.
أدرى أن ثمة انتقادا لمصر وغمزا فى موقفها الذى انتقل من الدعوة لتأجيل المشروع إلى الموافقة عليه، إلا أننا ينبغى أن نقدر تلك الخطوة ونشجعها، لأن تصويب الخطأ أفضل كثيرا من الاستمرار فيه.
أدرى أيضا أننا انتقلنا من التعلق بأمل تحرير فلسطين من الاحتلال، وصرنا «نجاهد» لوقف الاستيطان وكبح جماح السعى لابتلاع مزيد من الأرض والإجهاز على ما تبقى من فلسطين. إلا أن ذلك فى الأجواء الراهنة أضعف الإيمان كما يقال، وهو نوع من المقاومة السياسية التى تحاول تثبيت الحقوق، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى لا تتحول الهزيمة إلى استسلام وانبطاح كاملين.
أدرى كذلك أن إسرائيل تمارس العربدة والغطرسة وهى مطمئنة إلى أنها فوق القانون وفوق أى حساب. فقد أعلن نتنياهو رفض قرار مجلس الأمن، وفى نفس يوم صدور القرار أقر الكنيست مبدأ تبييض المستوطنات التى بنيت فى الضفة الغربية، تمهيدا لإصدار قانون يضفى الشرعية عليها رغم أنها بنيت على أراض بدعوى أن الفلسطينيين تخلوا عنها، فى حين أن ملاكها الأصليين يطالبون بها، إلا أن أهمية قرار مجلس الأمن تكمن فى أنه يبطل كل تلك التصرفات من الناحيتين القانونية والسياسية.
ثمة رسالة أخرى لقرار مجلس الأمن، تتمثل فى أنه لفت الأنظار إلى بعض جوانب القضية الفلسطينية التى شغل العالم عنها بحيث تراجعت أولوياتها وكاد يطويها النسيان.
وقد دللت على ذلك صحيفة «لوموند» الفرنسية أخيرا عندما نبهت إلى أن الرئيس أوباما حين خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 2010 فإنه تطرق إلى القضية الفلسطينية فى 1083 كلمة، لكنه حين خاطب الجمعية العامة فى شهر يناير عام 2016 فإنه تحدث عن الموضوع ذاته فى 31 كلمة فقط.
توقيت قرار إدانة وحظر المستوطنات الذى أصدره مجلس الأمن له أهمية خاصة. ذلك أنه صدر فى حين تسعى إسرائيل إلى ضم المنطقة «جيم» فى الضفة الغربية الواقعة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلى بالكامل، وهى تشكل 60% من أراضى الضفة وتحفل بالمناطق الزراعية والموارد الطبيعية. وقد صادر الإسرائيليون 70% من جملة أراضى المنطقة، واحتكروا استثمارها والإفادة منها وسعوا جاهدين لتغيير الحقائق على الأرض.
وفى التقارير الإسرائيلية أن 650 ألف مستوطن يعيشون الآن فى الضفة الغربية الآن يمثلون 22% من سكانها، ويدعو نتنياهو إلى زيادة عددهم إلى مليون فى عام 2020، ليرسى بذلك حل دولتين فى الضفة (إلى جانب إسرائيل)، واحدة للمستوطنين وأخرى للفلسطينيين، صحيح أن قرار مجلس الأمن لن يوقف ذلك الطموح الإسرائيلى، لكنه يبطل تلك المخططات من الناحية القانونية، ويوفر سندا قويا لتجريمها أمام العدالة الدولية، إذا توفرت الإرادة العربية بطبيعة الحال.
.......................
ينبغى أن نعترف بأن تأييد مصر لقرار مجلس الأمن إدانة المستوطنات الإسرائيلية وحظرها كان تصحيحا لخطأ كبير وقعت فيه. ذلك أنها حين سحبت المشروع الذى سبق أن قدمته باسم المجموعة العربية فإن ذلك أساء إليها كثيرا، كما أنه كان بمثابة ضربة موجهة إلى القضية الفلسطينية تنسخ وتمحو كل ما قدمته مصر للقضية على مدى تاريخها.
ولا مفر من الاعتراف أيضا بأن تمسك الدول الأربع غير العربية التى ساندت المشروع بالتصويت عليه كان موقفا أخلاقيا نزيها أنقذ القرار، الأمر الذى يجعله جديرا بالإكبار والتقدير، ولا نشك فى أن ذلك الموقف وضع مصر فى موقف دقيق وحرج. إذ باتت حينئذ مخيرة بين خيارات ثلاثة. إما الموافقة على القرار أو الاعتراض عليه أو الامتناع عن التصويت. والأول يصحح الخطأ بما يحفظ لمصر ماء وجهها، أما الموقفان الآخران فهما يمثلان فضيحة سياسية لها، لأن ذلك لن يفسر إلا بحسبانه تأييدا للاستيطان، الأمر الذى يشكل سبة فى جبين مصر تلاحقها إلى الأبد.
أدرى أن ثمة انتقادا لمصر وغمزا فى موقفها الذى انتقل من الدعوة لتأجيل المشروع إلى الموافقة عليه، إلا أننا ينبغى أن نقدر تلك الخطوة ونشجعها، لأن تصويب الخطأ أفضل كثيرا من الاستمرار فيه.
أدرى أيضا أننا انتقلنا من التعلق بأمل تحرير فلسطين من الاحتلال، وصرنا «نجاهد» لوقف الاستيطان وكبح جماح السعى لابتلاع مزيد من الأرض والإجهاز على ما تبقى من فلسطين. إلا أن ذلك فى الأجواء الراهنة أضعف الإيمان كما يقال، وهو نوع من المقاومة السياسية التى تحاول تثبيت الحقوق، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى لا تتحول الهزيمة إلى استسلام وانبطاح كاملين.
أدرى كذلك أن إسرائيل تمارس العربدة والغطرسة وهى مطمئنة إلى أنها فوق القانون وفوق أى حساب. فقد أعلن نتنياهو رفض قرار مجلس الأمن، وفى نفس يوم صدور القرار أقر الكنيست مبدأ تبييض المستوطنات التى بنيت فى الضفة الغربية، تمهيدا لإصدار قانون يضفى الشرعية عليها رغم أنها بنيت على أراض بدعوى أن الفلسطينيين تخلوا عنها، فى حين أن ملاكها الأصليين يطالبون بها، إلا أن أهمية قرار مجلس الأمن تكمن فى أنه يبطل كل تلك التصرفات من الناحيتين القانونية والسياسية.
ثمة رسالة أخرى لقرار مجلس الأمن، تتمثل فى أنه لفت الأنظار إلى بعض جوانب القضية الفلسطينية التى شغل العالم عنها بحيث تراجعت أولوياتها وكاد يطويها النسيان.
وقد دللت على ذلك صحيفة «لوموند» الفرنسية أخيرا عندما نبهت إلى أن الرئيس أوباما حين خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 2010 فإنه تطرق إلى القضية الفلسطينية فى 1083 كلمة، لكنه حين خاطب الجمعية العامة فى شهر يناير عام 2016 فإنه تحدث عن الموضوع ذاته فى 31 كلمة فقط.
توقيت قرار إدانة وحظر المستوطنات الذى أصدره مجلس الأمن له أهمية خاصة. ذلك أنه صدر فى حين تسعى إسرائيل إلى ضم المنطقة «جيم» فى الضفة الغربية الواقعة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلى بالكامل، وهى تشكل 60% من أراضى الضفة وتحفل بالمناطق الزراعية والموارد الطبيعية. وقد صادر الإسرائيليون 70% من جملة أراضى المنطقة، واحتكروا استثمارها والإفادة منها وسعوا جاهدين لتغيير الحقائق على الأرض.
وفى التقارير الإسرائيلية أن 650 ألف مستوطن يعيشون الآن فى الضفة الغربية الآن يمثلون 22% من سكانها، ويدعو نتنياهو إلى زيادة عددهم إلى مليون فى عام 2020، ليرسى بذلك حل دولتين فى الضفة (إلى جانب إسرائيل)، واحدة للمستوطنين وأخرى للفلسطينيين، صحيح أن قرار مجلس الأمن لن يوقف ذلك الطموح الإسرائيلى، لكنه يبطل تلك المخططات من الناحية القانونية، ويوفر سندا قويا لتجريمها أمام العدالة الدولية، إذا توفرت الإرادة العربية بطبيعة الحال.
.......................
Published on December 25, 2016 12:28
December 24, 2016
أعصابنا التي احترقت
صحيفة السبيل الأردنيه الأحد 26 ربيع أول 1438 – 25 ديسمبر 2016أعصابنا التي احترقت - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2016/12/blog-post_24.html
احترقت أعصابنا في مصر مرتين ونحن نتابع عملية التصويت ضد الاستيطان في مجلس الأمن.
الأولى بسبب صدمة يوم الخميس، والثانية بسبب الخزي والحرج الذي استشعرناه يوم الجمعة.
يوم الخميس ٢٢/١٢ كان الموعد الذي حددته مصر لعرض المشروع الذي قدمته باسم المجموعة العربية لوقف تغول الاستيطان الإسرائيلي، كانت الولايات المتحدة قد أشهرت سلاح «الفيتو» لمنع إصدار قرار بهذا المعني في عام ٢٠١١ بحجة أنه يشكل عقبة أمام مفاوضات السلام. لكن الموقف اختلف الآن من نواح عديدة.
الأمر الذي شجع الإدارة الأمريكية على حجب «الفيتو» وعدم الاعتراض على القرار الذي عرض مع نهاية ولاية الرئيس أوباما. كما أن الرباعية الأوروبية وروسيا أعلنتا تأييدهما القرار. في الوقت ذاته فإن مشروع القرار يلقي تأييدا من دول عدة أعضاء في مجلس الأمن، لها تعاطفها مع القضية الفلسطينية.
الخلاصة أن كل الظروف كانت مهيأة لتمرير القرار الذي يشكل صفعة لإسرائيل، ويعد سابقة تفتح الباب لتوقيع العقوبات الدولية عليها إذا ما استمرت في توسعاتها الاستيطانية.
كان موعد جلسة مجلس الأمن في الساعة الثالثة بعد ظهر الخميس (العاشرة مساء بتوقيت القاهرة). ولأنني كنت متابعا للحدث، فإنني لم أطمئن إلى عقد الجلسة إلا بعدما أعلن رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني أن المشاورات مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن جري استكمالها، وأن المشروع جري إيداعه باللون الأزرق لدى رئاسة مجلس الأمن التي تتولاها إسبانيا.
ما حدث بعد ذلك لم يخطر على بال أحد، ذلك أن وكالات الأنباء دقت أجراسها مشيرة إلى خبر عاجل خلاصته أن مصر التي قدمت المشروع سحبته وطلبت إرجاءه إلى موعد غير محدد، وقالت بعض الوكالات إنها قررت إلغاء الطلب.
كان للخبر وقع الصاعقة، لأنه كان يعني تفويت فرصة تاريخية لإعلان التوافق الدولي لأول مرة على إدانة الاستيطان ويفترض أن تكبح جماح التوحش الإسرائيلي في ابتلاع الأراضي الفلسطينية فيما وراء حدود عام ١٩٦٧.
وأثار الدهشة في هذا السياق أن وزير الخارجية الفلسطيني أعلن أن مصر التي قدمت المشروع نيابة عن المجموعة العربية لم تتشاور مع الفلسطينيين في سحبه.
المفاجأة الصادمة استدعت سؤالا كبيرا حول السبب الذي أدى إلى سحب القرار. وأجمعت أغلب الآراء على أن ذلك تم بعدما تعرضت القاهرة لضغوط إسرائيلية وأمريكية. وهو ما لم تختلف عليه الصحف الغربية والإسرائيلية التي صدر بعضها بعناوين مختلفة عبرت عن الشكر للقيادة المصرية.
استهولت الخبر الذي أصباني بالغم والنكد، حتى إنني رفضت الرد على الاتصالات الهاتفية التي تلقيتها من بعض الصحفيين الفلسطينيين في الضفة وغزة. إذ عقدت الدهشة لساني ولم يكن لدي ما أقوله. خصوصا أن المتحدث باسم الخارجية المصرية برر ما جرى بكلام غير مقنع حين صرح بأن لجنة إنهاء الاحتلال بالجامعة العربية كانت قد قررت قبل ثلاثة أيام معاودة تقييم الموقف بشأن مشروع القرار.
أمس (السبت) ذكرت صحيفة «الأهرام» وبقية الصحف المصرية سببا آخر خلاصته أن اتصالا جري بين الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب والرئيس السيسي تطرق إلى مشروع القرار المعروض على مجلس الأمن بخصوص الاستيطان وتم الاتفاق فيه على أهمية إتاحة الفرصة للإدارة الأمريكية الجديدة للتعامل بشكل متكامل مع جميع أبعاد القضية الفلسطينية. وأشارت صراحة إلى أن الاتصال تم في ليلة التصويت المفترض (الأربعاء ٢١/١٢).
شاء ربك أن يتبنى القرار أربع دول غير عربية أكثر إنصافا وشجاعة (ماليزيا والسنغال ونيوزيلندا وفنزويلا). إذ طلبت من مجلس الأمن مناقشته، وحدث ما كان متوقعا، حيث وافقت عليه ١٤ دولة من ١٥ (واشنطن لم تعارضه وامتنعت من التصويت).
وكان لما جرى صداه القوي في أوساط الوطنيين المصريين (لا تسأل عن الصدى في العالم العربي) ونقلت «المصري اليوم» أمس آراء بعضهم، فعبر أحدهم عن «صدمته» إزاء موقف مصر، ووصف آخر الموقف بأنه «مخز ومهين إلى حد العار» وذلك توصيف دقيق وصادق أضم صوتي إليه، وأزعم أنه يتحدث عن مصر أخرى غير التي نعتز بها ونعرفها.
..............................
احترقت أعصابنا في مصر مرتين ونحن نتابع عملية التصويت ضد الاستيطان في مجلس الأمن.
الأولى بسبب صدمة يوم الخميس، والثانية بسبب الخزي والحرج الذي استشعرناه يوم الجمعة.
يوم الخميس ٢٢/١٢ كان الموعد الذي حددته مصر لعرض المشروع الذي قدمته باسم المجموعة العربية لوقف تغول الاستيطان الإسرائيلي، كانت الولايات المتحدة قد أشهرت سلاح «الفيتو» لمنع إصدار قرار بهذا المعني في عام ٢٠١١ بحجة أنه يشكل عقبة أمام مفاوضات السلام. لكن الموقف اختلف الآن من نواح عديدة.
الأمر الذي شجع الإدارة الأمريكية على حجب «الفيتو» وعدم الاعتراض على القرار الذي عرض مع نهاية ولاية الرئيس أوباما. كما أن الرباعية الأوروبية وروسيا أعلنتا تأييدهما القرار. في الوقت ذاته فإن مشروع القرار يلقي تأييدا من دول عدة أعضاء في مجلس الأمن، لها تعاطفها مع القضية الفلسطينية.
الخلاصة أن كل الظروف كانت مهيأة لتمرير القرار الذي يشكل صفعة لإسرائيل، ويعد سابقة تفتح الباب لتوقيع العقوبات الدولية عليها إذا ما استمرت في توسعاتها الاستيطانية.
كان موعد جلسة مجلس الأمن في الساعة الثالثة بعد ظهر الخميس (العاشرة مساء بتوقيت القاهرة). ولأنني كنت متابعا للحدث، فإنني لم أطمئن إلى عقد الجلسة إلا بعدما أعلن رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني أن المشاورات مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن جري استكمالها، وأن المشروع جري إيداعه باللون الأزرق لدى رئاسة مجلس الأمن التي تتولاها إسبانيا.
ما حدث بعد ذلك لم يخطر على بال أحد، ذلك أن وكالات الأنباء دقت أجراسها مشيرة إلى خبر عاجل خلاصته أن مصر التي قدمت المشروع سحبته وطلبت إرجاءه إلى موعد غير محدد، وقالت بعض الوكالات إنها قررت إلغاء الطلب.
كان للخبر وقع الصاعقة، لأنه كان يعني تفويت فرصة تاريخية لإعلان التوافق الدولي لأول مرة على إدانة الاستيطان ويفترض أن تكبح جماح التوحش الإسرائيلي في ابتلاع الأراضي الفلسطينية فيما وراء حدود عام ١٩٦٧.
وأثار الدهشة في هذا السياق أن وزير الخارجية الفلسطيني أعلن أن مصر التي قدمت المشروع نيابة عن المجموعة العربية لم تتشاور مع الفلسطينيين في سحبه.
المفاجأة الصادمة استدعت سؤالا كبيرا حول السبب الذي أدى إلى سحب القرار. وأجمعت أغلب الآراء على أن ذلك تم بعدما تعرضت القاهرة لضغوط إسرائيلية وأمريكية. وهو ما لم تختلف عليه الصحف الغربية والإسرائيلية التي صدر بعضها بعناوين مختلفة عبرت عن الشكر للقيادة المصرية.
استهولت الخبر الذي أصباني بالغم والنكد، حتى إنني رفضت الرد على الاتصالات الهاتفية التي تلقيتها من بعض الصحفيين الفلسطينيين في الضفة وغزة. إذ عقدت الدهشة لساني ولم يكن لدي ما أقوله. خصوصا أن المتحدث باسم الخارجية المصرية برر ما جرى بكلام غير مقنع حين صرح بأن لجنة إنهاء الاحتلال بالجامعة العربية كانت قد قررت قبل ثلاثة أيام معاودة تقييم الموقف بشأن مشروع القرار.
أمس (السبت) ذكرت صحيفة «الأهرام» وبقية الصحف المصرية سببا آخر خلاصته أن اتصالا جري بين الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب والرئيس السيسي تطرق إلى مشروع القرار المعروض على مجلس الأمن بخصوص الاستيطان وتم الاتفاق فيه على أهمية إتاحة الفرصة للإدارة الأمريكية الجديدة للتعامل بشكل متكامل مع جميع أبعاد القضية الفلسطينية. وأشارت صراحة إلى أن الاتصال تم في ليلة التصويت المفترض (الأربعاء ٢١/١٢).
شاء ربك أن يتبنى القرار أربع دول غير عربية أكثر إنصافا وشجاعة (ماليزيا والسنغال ونيوزيلندا وفنزويلا). إذ طلبت من مجلس الأمن مناقشته، وحدث ما كان متوقعا، حيث وافقت عليه ١٤ دولة من ١٥ (واشنطن لم تعارضه وامتنعت من التصويت).
وكان لما جرى صداه القوي في أوساط الوطنيين المصريين (لا تسأل عن الصدى في العالم العربي) ونقلت «المصري اليوم» أمس آراء بعضهم، فعبر أحدهم عن «صدمته» إزاء موقف مصر، ووصف آخر الموقف بأنه «مخز ومهين إلى حد العار» وذلك توصيف دقيق وصادق أضم صوتي إليه، وأزعم أنه يتحدث عن مصر أخرى غير التي نعتز بها ونعرفها.
..............................
Published on December 24, 2016 13:55
December 23, 2016
ضحية السياسات الغلط
صحيفة الشروق الجديد المصريه السبت 25 ربيع أول 1438 – 24 ديسمبر 2016ضحية السياسات الغلط – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2016/12/blog-post_23.html
فى زمن الشدة الذى تمر به مصر، دأب المسئولون على تذكير الناس بين الحين والآخر بالدعم الذى تتحمله الحكومة لتوفير بعض السلع لهم بأسعارها الحالية. ولا يخلو الأمر من تلميح إلى جحود المجتمع ونفاد صبره وعدم تقديره لذلك العطاء، ذلك إلى جانب اللوم الصريح والمبطن الذى أخذ على الناس التراخى والتقاعس عن الإنتاج، مع الإصرار على الاستمرار فى الإنجاب الذى يثقل كاهل الحكومة بمزيد من الأعباء.
وهو خطاب يحاول رسم معالم المظلومية التى تعانى منها السلطة ويصور المجتمع باعتباره همَّا تورطت فيه وهى تستحق التعاطف والصبر بأكثر مما تحتاج من الغضب والاحتجاج.
إلا أن للمسألة جانبا آخر مسكوتا عليه. ذلك إن السلطة وهى تقوم بما عليها وتمارس واجباتها ومسئولياتها الطبيعية تتجاهل أن المجتمع يتحمل منها أضعاف ما تتحمله هى.
والحاصل أنها من خلال أبواقها ومنابرها تستطيع أن ترفع صوتها وتتحدث عما تتحمله من أعباء وهموم. فى حين أن المجتمع لا يستطيع أن ينافسها فى الشكوى أو علو الصوت ــ ولسوء حظه فإن الناس حين انتخبوا برلمانا يرفع صوتهم فى مواجهة الحكومة، خاب ظنهم عندما اكتشفوا أنه خاضع لائتلاف دعم الدولة، الذى هو فى حقيقة الأمر اصطفاف إلى جانب السلطة فى مواجهة المجتمع.
لا أريد أن أقلل من جهد الحكومة، لكننى أدعو إلى إنصاف المجتمع والتنبيه إلى مظلوميته، لكى يعطى لكل ذى حق حقه. ذلك أننى لاحظت أن تململ المجتمع بعد الزيادات الموجعة فى الأسعار قوبل باستياء واستخفاف من جانب الأبواق المعبرة عن السلطة إلى حد كيل الاتهامات للمجتمع واعتباره ناكرا للجميل حتى قيل أنه «الشعب الغلط» فى حين أنه كان الشعب العظيم حين رحب بالحكومة وصفق لها.
إن الحكومة هى المسئولة عن شقاء المواطن المصرى الذى يعانى منه بصفة يومية، لا أتحدث عن حكومة بذاتها ولكننى أعنى السياسات التى تتبعها الحكومات المصرية المتعاقبة، فى مجالات الإنتاج والخدمات والأمن،
ذلك أن الوزارات التى تعمل فى تلك المجالات اتبعت سياسات هى المسئولة عما يعانى منه المجتمع المصرى فى مأكله ومشربه ومسكنه ومواصلاته وتعليم أبنائه أو علاج مرضاه.
بكلام آخر فإن الشعب ليس مسئولا عن فساد المحليات أو فشل التعليم والصحة أو تعثر الإنتاج أو ارتفاع فاتورة الاستيراد من الخارج، لكنه ضحية لقصور السياسات التى اتبعت فى تلك المجالات أو تخبطها.
ربما كان لنا أن نتحدث عن مسئولية الشعب إذا كان هو من يراقب ويقرر وبمقدوره أن يحاسب. ولكن إذا كان الشعب لا يعرف كيف يصدر القرار، فى حين أن السلطة مطلقة اليد فى رسم السياسات وتحديد الأولويات دون مراقبة سابقة أو لاحقة، فإن الشعب فى هذه الحالة يصبح ضحية خطأ السياسات أو قصورها. بل يغدو تقريعه تجنبا وهروبا من المسئولية.
وجنون الأسعار الحاصل فى مصر الآن، الذى أدى إلى إفقار ٨٠٪ على الأقل من الشعب المصرى الصابر والحمول، يدفعنا إلى التساؤل: هل نحن إزاء الشعب الغلط أم السياسات الغلط؟
إن التفاعل بين المجتمع والسلطة فى اتجاه واحد. فالشعب لا يؤثر فى طبيعة السلطة وإنما تؤثر السلطة فى خصائص الشعب وأخلاقه.
لذلك فإن السلطة تظل مسئولة عن مساوئ الشعب كما أنها مسئولة عن محاسنه.
هذه العبارة قالها الفيلسوف الفرنسى كلود هلفيتيوس فى القرن الثامن عشر.
لكن هذا الكلام لم يعجب قساوسة الكنيسة المتحالفين مع السلطة الذين هم من دعاة «الشعب الغلط»، فاتهموه بالهرطقة وقاموا بإحراقه فى شوارع باريس!
.....................
فى زمن الشدة الذى تمر به مصر، دأب المسئولون على تذكير الناس بين الحين والآخر بالدعم الذى تتحمله الحكومة لتوفير بعض السلع لهم بأسعارها الحالية. ولا يخلو الأمر من تلميح إلى جحود المجتمع ونفاد صبره وعدم تقديره لذلك العطاء، ذلك إلى جانب اللوم الصريح والمبطن الذى أخذ على الناس التراخى والتقاعس عن الإنتاج، مع الإصرار على الاستمرار فى الإنجاب الذى يثقل كاهل الحكومة بمزيد من الأعباء.
وهو خطاب يحاول رسم معالم المظلومية التى تعانى منها السلطة ويصور المجتمع باعتباره همَّا تورطت فيه وهى تستحق التعاطف والصبر بأكثر مما تحتاج من الغضب والاحتجاج.
إلا أن للمسألة جانبا آخر مسكوتا عليه. ذلك إن السلطة وهى تقوم بما عليها وتمارس واجباتها ومسئولياتها الطبيعية تتجاهل أن المجتمع يتحمل منها أضعاف ما تتحمله هى.
والحاصل أنها من خلال أبواقها ومنابرها تستطيع أن ترفع صوتها وتتحدث عما تتحمله من أعباء وهموم. فى حين أن المجتمع لا يستطيع أن ينافسها فى الشكوى أو علو الصوت ــ ولسوء حظه فإن الناس حين انتخبوا برلمانا يرفع صوتهم فى مواجهة الحكومة، خاب ظنهم عندما اكتشفوا أنه خاضع لائتلاف دعم الدولة، الذى هو فى حقيقة الأمر اصطفاف إلى جانب السلطة فى مواجهة المجتمع.
لا أريد أن أقلل من جهد الحكومة، لكننى أدعو إلى إنصاف المجتمع والتنبيه إلى مظلوميته، لكى يعطى لكل ذى حق حقه. ذلك أننى لاحظت أن تململ المجتمع بعد الزيادات الموجعة فى الأسعار قوبل باستياء واستخفاف من جانب الأبواق المعبرة عن السلطة إلى حد كيل الاتهامات للمجتمع واعتباره ناكرا للجميل حتى قيل أنه «الشعب الغلط» فى حين أنه كان الشعب العظيم حين رحب بالحكومة وصفق لها.
إن الحكومة هى المسئولة عن شقاء المواطن المصرى الذى يعانى منه بصفة يومية، لا أتحدث عن حكومة بذاتها ولكننى أعنى السياسات التى تتبعها الحكومات المصرية المتعاقبة، فى مجالات الإنتاج والخدمات والأمن،
ذلك أن الوزارات التى تعمل فى تلك المجالات اتبعت سياسات هى المسئولة عما يعانى منه المجتمع المصرى فى مأكله ومشربه ومسكنه ومواصلاته وتعليم أبنائه أو علاج مرضاه.
بكلام آخر فإن الشعب ليس مسئولا عن فساد المحليات أو فشل التعليم والصحة أو تعثر الإنتاج أو ارتفاع فاتورة الاستيراد من الخارج، لكنه ضحية لقصور السياسات التى اتبعت فى تلك المجالات أو تخبطها.
ربما كان لنا أن نتحدث عن مسئولية الشعب إذا كان هو من يراقب ويقرر وبمقدوره أن يحاسب. ولكن إذا كان الشعب لا يعرف كيف يصدر القرار، فى حين أن السلطة مطلقة اليد فى رسم السياسات وتحديد الأولويات دون مراقبة سابقة أو لاحقة، فإن الشعب فى هذه الحالة يصبح ضحية خطأ السياسات أو قصورها. بل يغدو تقريعه تجنبا وهروبا من المسئولية.
وجنون الأسعار الحاصل فى مصر الآن، الذى أدى إلى إفقار ٨٠٪ على الأقل من الشعب المصرى الصابر والحمول، يدفعنا إلى التساؤل: هل نحن إزاء الشعب الغلط أم السياسات الغلط؟
إن التفاعل بين المجتمع والسلطة فى اتجاه واحد. فالشعب لا يؤثر فى طبيعة السلطة وإنما تؤثر السلطة فى خصائص الشعب وأخلاقه.
لذلك فإن السلطة تظل مسئولة عن مساوئ الشعب كما أنها مسئولة عن محاسنه.
هذه العبارة قالها الفيلسوف الفرنسى كلود هلفيتيوس فى القرن الثامن عشر.
لكن هذا الكلام لم يعجب قساوسة الكنيسة المتحالفين مع السلطة الذين هم من دعاة «الشعب الغلط»، فاتهموه بالهرطقة وقاموا بإحراقه فى شوارع باريس!
.....................
Published on December 23, 2016 11:39
December 21, 2016
اختراق مسكوت عنه
صحيفة السبيل الأردنيه الخميس 23 ربيع أول 1438 – 22 ديسمبر 2016اختراق مسكوت عنه - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2016/12/blog-post_22.html
الاختراقات الإسرائيلية لعالمنا العربي أكبر كثيرا مما نظن، ذلك أن الأمر لم يعد مقصورا على تطبيع معلن أو غير معلن مع بعض العواصم العربية ولا شركات تتخفى وراء عناوين مختلفة، لكنه تجاوزه إلى محاولة التطبيع مع الأجيال الجديدة في المجتمعات العربية من خلال «الفيسبوك» و«تويتر».
وهو ما يمكن وصفه بأنه غزوة سرية تتم وراء ظهرانينا، وهو ما لم تنتبه إليه الأغلبية، بمن فيهم أجهزة التنصت والتتبع التي احتلت الفضاء العربي وانشغلت بمراقبة النشطاء والمعارضين الوطنيين، وتجاهلت تخريب الأعداء لوعي وعقول الأجيال الجديدة من الشباب العربي.
كنت قد سمعت عن محاولة إسرائيل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لاختراق المجتمعات العربية، لكنني قرأت تقريرا مفصلا للعملية نشره موقع رأي اليوم للباحث زهير أندراوس والذي بعث به من الناصرة (في الضفة الغربية يوم ٧/١٢)
تحدث الكاتب عن مبنى كبير في وزارة الخارجية الإسرائيلية خصص لفريق من الشبان يضم عشرة أشخاص، كلفوا بالتواصل مع الشباب العربي في مختلف أنحاء العالم.
ويتولون تزويدهم بالصور والنشرات والمعلومات والتعليقات المترجمة من العبرية إلى العربية. وهؤلاء يشكلون قسم الدبلوماسية الرقمية في وزارة الخارجية الذي يخاطب الجميع من موقع «المصدر» شبه الرسمي الذي يعتبر الذراع التنفيذية للوزارة في تل أبيب.
إذ يقوم بشكل أساسي وناعم بتمرير الرسائل الإسرائيلية إلى الوطن العربي على مدى الساعة. والهدف الأساسي هو تحسين صورة دولة الاحتلال وتقديم المبررات التي تحاول تبرير مختلف الممارسات الإسرائيلية.
يوناتان غونين رئيس قسم الدبلوماسية الرقمية قال للموقع المذكور إنه في منطقة الشرق الأوسط يعيش نحو ٤٠٠ مليون عربي من بينهم ١٤٥ مليونا يستخدمون الإنترنت و٨٠ مليونا منهم يستخدمون الفيسبوك،
«وقد أدركنا منذ أسسنا القسم في عام ٢٠١١ أن أفضل وسيلة للتواصل مع الشباب العربي هي الفيسبوك، الذي أصبح الوسيلة الأقوي تأثيرا على الرأي العام».
ووفقا للإحصائيات الرسمية للوزارة يبلغ عدد متابعي صفحة الفيسبوك التي يديرها قسم الدبلوماسية الرقمية أكثر من ٩١٠ آلاف متابع.. أكثرهم في سن ١٨ حتى ٢٤ عاما.
ويعيش معظم المتابعين في مصر، لكن هناك آخرين في العراق والمغرب والأردن وفلسطين، ويشاركون في التعليقات على صفحاتهم.
إضافة إلى ذلك فثمة صفحة لوزارة الخارجية الإسرائيلية تتعامل مع ٨٣٣ ألف متابع، أغلبهم صحفيون ودبلوماسيون وقادة للرأي العام، ومشاركة أمثال هؤلاء في التغريدات الإسرائيلية تعني في رأيهم أن رسالة وزارة الخارجية تصل إلى عدد كبير من الأشخاص الفاعلين في العالم العربي.
ما يثير الانتباه أن صفحات الفيسبوك المذكورة تسمح لممثلي وزارة الخارجية بالتوجه مباشرة إلي القراء، الأمر الذي يسمح لإسرائيل بتجاوز الحكومات والتفاعل مع العرب من خلال الدبلوماسية الرقمية التي تنقل إليهم مختلف الرسائل التي تتناول الموضوعات الحساسة والجادة، إلى جانب مقاطع فيديو وأغان لمطربين إسرائيليين.
وتشكل ممارسات الديمقراطية الإسرائيلية المقصورة على الإسرائيليين نقطة جذب للقراء العرب، إذ أعرب كثيرون من الشبان المتابعين عن احترامهم لها وإعجابهم بها حين علموا بمحاكمة الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كتساف وسجنه بتهمة الاغتصاب وسجن رئيس الوزراء إيهود أولمرت بتهمة تلقي رشوة.
إلى جانب مخاطبة العرب من خلال الإنترنت، فإن إسرائيل عمدت إلى دعوة وفود صحفية عربية لزيارتها، الأمر الذي يشكل مساحة أخرى للتفاعل الذي يخاطب القراء العرب ويحاول تجميل صورة دولة الاحتلال. وحتى الآن زارت إسرائيل وفود من العراق ومصر والمغرب والأردن وتونس إضافة إلى صحفيين من أكراد سوريا.
السؤال الذي يثيره كل ذلك هو: هل يعقل أن تقف حكوماتنا ومؤسساتنا الأمنية متفرجة على كل ذلك؟
...................
الاختراقات الإسرائيلية لعالمنا العربي أكبر كثيرا مما نظن، ذلك أن الأمر لم يعد مقصورا على تطبيع معلن أو غير معلن مع بعض العواصم العربية ولا شركات تتخفى وراء عناوين مختلفة، لكنه تجاوزه إلى محاولة التطبيع مع الأجيال الجديدة في المجتمعات العربية من خلال «الفيسبوك» و«تويتر».
وهو ما يمكن وصفه بأنه غزوة سرية تتم وراء ظهرانينا، وهو ما لم تنتبه إليه الأغلبية، بمن فيهم أجهزة التنصت والتتبع التي احتلت الفضاء العربي وانشغلت بمراقبة النشطاء والمعارضين الوطنيين، وتجاهلت تخريب الأعداء لوعي وعقول الأجيال الجديدة من الشباب العربي.
كنت قد سمعت عن محاولة إسرائيل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لاختراق المجتمعات العربية، لكنني قرأت تقريرا مفصلا للعملية نشره موقع رأي اليوم للباحث زهير أندراوس والذي بعث به من الناصرة (في الضفة الغربية يوم ٧/١٢)
تحدث الكاتب عن مبنى كبير في وزارة الخارجية الإسرائيلية خصص لفريق من الشبان يضم عشرة أشخاص، كلفوا بالتواصل مع الشباب العربي في مختلف أنحاء العالم.
ويتولون تزويدهم بالصور والنشرات والمعلومات والتعليقات المترجمة من العبرية إلى العربية. وهؤلاء يشكلون قسم الدبلوماسية الرقمية في وزارة الخارجية الذي يخاطب الجميع من موقع «المصدر» شبه الرسمي الذي يعتبر الذراع التنفيذية للوزارة في تل أبيب.
إذ يقوم بشكل أساسي وناعم بتمرير الرسائل الإسرائيلية إلى الوطن العربي على مدى الساعة. والهدف الأساسي هو تحسين صورة دولة الاحتلال وتقديم المبررات التي تحاول تبرير مختلف الممارسات الإسرائيلية.
يوناتان غونين رئيس قسم الدبلوماسية الرقمية قال للموقع المذكور إنه في منطقة الشرق الأوسط يعيش نحو ٤٠٠ مليون عربي من بينهم ١٤٥ مليونا يستخدمون الإنترنت و٨٠ مليونا منهم يستخدمون الفيسبوك،
«وقد أدركنا منذ أسسنا القسم في عام ٢٠١١ أن أفضل وسيلة للتواصل مع الشباب العربي هي الفيسبوك، الذي أصبح الوسيلة الأقوي تأثيرا على الرأي العام».
ووفقا للإحصائيات الرسمية للوزارة يبلغ عدد متابعي صفحة الفيسبوك التي يديرها قسم الدبلوماسية الرقمية أكثر من ٩١٠ آلاف متابع.. أكثرهم في سن ١٨ حتى ٢٤ عاما.
ويعيش معظم المتابعين في مصر، لكن هناك آخرين في العراق والمغرب والأردن وفلسطين، ويشاركون في التعليقات على صفحاتهم.
إضافة إلى ذلك فثمة صفحة لوزارة الخارجية الإسرائيلية تتعامل مع ٨٣٣ ألف متابع، أغلبهم صحفيون ودبلوماسيون وقادة للرأي العام، ومشاركة أمثال هؤلاء في التغريدات الإسرائيلية تعني في رأيهم أن رسالة وزارة الخارجية تصل إلى عدد كبير من الأشخاص الفاعلين في العالم العربي.
ما يثير الانتباه أن صفحات الفيسبوك المذكورة تسمح لممثلي وزارة الخارجية بالتوجه مباشرة إلي القراء، الأمر الذي يسمح لإسرائيل بتجاوز الحكومات والتفاعل مع العرب من خلال الدبلوماسية الرقمية التي تنقل إليهم مختلف الرسائل التي تتناول الموضوعات الحساسة والجادة، إلى جانب مقاطع فيديو وأغان لمطربين إسرائيليين.
وتشكل ممارسات الديمقراطية الإسرائيلية المقصورة على الإسرائيليين نقطة جذب للقراء العرب، إذ أعرب كثيرون من الشبان المتابعين عن احترامهم لها وإعجابهم بها حين علموا بمحاكمة الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كتساف وسجنه بتهمة الاغتصاب وسجن رئيس الوزراء إيهود أولمرت بتهمة تلقي رشوة.
إلى جانب مخاطبة العرب من خلال الإنترنت، فإن إسرائيل عمدت إلى دعوة وفود صحفية عربية لزيارتها، الأمر الذي يشكل مساحة أخرى للتفاعل الذي يخاطب القراء العرب ويحاول تجميل صورة دولة الاحتلال. وحتى الآن زارت إسرائيل وفود من العراق ومصر والمغرب والأردن وتونس إضافة إلى صحفيين من أكراد سوريا.
السؤال الذي يثيره كل ذلك هو: هل يعقل أن تقف حكوماتنا ومؤسساتنا الأمنية متفرجة على كل ذلك؟
...................
Published on December 21, 2016 15:09
December 20, 2016
قولوا خيرا أو اصمتوا
صحيفة السبيل الأردنيه الأربعاء 22 ربيع أول 1438 – 21 ديسمبر 2016قولوا خيرا أو اصمتوا - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2016/12/blog-post_21.html
ما عاد سرا أن العلاقات المصرية السعودية تمر بحالة من التوتر الذي لم تعلن أسبابه، وإن تعددت الاجتهادات والاستنتاجات بشأنها. وقد ظهر ذلك التوتر بشكل أوضح عقب زيارة المبعوث السعودي لسد النهضة في إثيوبيا.
وهو الخبر الذي أبرزته الصحف المصرية بلا تعليق على صفحاتها الأولى، في حين أن تعليقات الحوارات التليفزيونية المسائية على الزيارة حفلت بالتنديد والغمز (أحدهم وجه تهديدا لوح فيه بنفاد صبر مصر)
الأمر الذي أعطي انطباعا بأن ثمة اتجاها نحو التصعيد الذي يحول الخلاف في الرأي إلى اشتباك إعلامي أو غير إعلامي، لا يعرف إلا الله مداه.
وقبل أن نقع في محظور التجاذب والتنابذ فإنني أنبه على عدة أمور هي:
< أن الرسميين في البلدين تعاملوا مع الموقف بدرجات متفاوتة من الرصانة والحذر، في حين تصدي الإعلاميون للاشتباك وقاموا بدورهم في التصعيد والتسخين والمزايدة.
< أن الخلافات في الاجتهادات والمواقف واردة بين الأشقاء، لذلك لا ينبغي أن تصدمنا أو تزعجنا لأن لكل بلد حساباته التي يتعين احترامها. فضلا عن أنني لا أعرف في العلاقات الدولية ــ حتى بين غير الأشقاء ــ دولا التقت مع بعضها البعض في كل شيء.
< في الحالة السعودية نحن لا نحتاج لمرافعة تثبت أن مواضع اتفاقها مع مصر أكبر بكثير من مواضع الخلاف. لذلك فقد بات معلوما أن الاختلاف أجله قصير، وأن الوئام لابد أن يحل يوما ما محل الاختلاف والخصام.
< أن مصر بحاجة إلى السعودية كما أن السعودية بحاجة إلى مصر فضلا عن أن استمرار الاشتباك يضعف الاثنين. لذلك فإن الخلاف لابد أن يكون له سقف لا يتجاوزه. وعلى العقلاء أن يحافظوا على ذلك السقف بحيث لا يتحول الخلاف إلى عراك يتم فيه تجاوز الخطوط الحمراء.
< أن العالم العربي فيه ما فيه من شقوق وتمزقات، وحين تصل العدوى إلى بلدين مهمين في المنطقة مثل مصر والسعودية، فإن ذلك لن يؤدي إلى إضعافهما فحسب، ولكنه يؤدي كذلك إلى إضعاف العالم العربي الذي صرنا في أمس الحاجة إلى رأب صدوعه ووقف مسلسل انفراطه.
لا أدعي إحاطة بمواضع الاختلاف. لذلك فليس لدي ما أقوله لاستعادة الوئام المنشود.
لكن ما أتمناه في الوقت الراهن أن تتضافر الجهود لوقف تدهور العلاقات وتعميق الفجوة بين البلدين، يدفعني إلي ذلك أن تعليقات بعض الإعلاميين أثناء الحوارات التليفزيونية التي جري بثها في اليومين الماضيين اتسمت بغمزات ومطاعن لامست الخطوط الحمراء.
الأمر الذي يوحي بأننا على شفا منزلف قد يدفع الأمور إلى ما هو أسوأ وأبعد. وهو ما لا يتمناه أي مواطن عربي سوي.
ولأن الإعلام المصري له سمعته المشهودة في الانفعال والتصعيد الذي يتجاوز الحدود المتعارف عليها في بعض الأحيان، فقد تمنيت أن يخفف المنفعلون والمنددون من غلوائهم، بحيث يتعاملون مع المخالفين بقدر من الاحتشام والحذر الذي يحترم حدود وقواعد الخلاف.
بمعنى أن يظل اشتباك مع أي طرف ــ إذا كان لابد منه ــ تحت سقف الخطوط الحمراء، فلا يوغل الناقدون في التنديد والتجريح، وأن يظل الانتقاد في حدود الموضوعات وليس الأشخاص والرموز.
وإذا عن لأحد أن يقيس علي استباحة المخالفين في الداخل فلن اختلف معه، وإنما سأضم صوتي إليه منبها فقط إلى أن العلاقات مع الأشقاء لها خصوصية تجعلها أكثر تعقيدا، لأنها وثيقة الصلة ليس فقط بالمصالح الوطنية وإنما أيضا بالمصالح العليا للأمة.
أما إذا قال قائل بأن التجاوز والتصعيد حاصل بدوره في جانب الأطراف الأخرى، الأمر الذي يبرر تصدي الإعلام المصري له، فردي على ذلك أن الكبار يحاسبون بأقدارهم، ولا ينبغي أن يصبح سلوكهم رد فعل لتجاوزات غيرهم.
في الحديث النبوي أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت.. وهو توجيه سديد وصفه الحافظ ابن حجر بأنه من جوامع الكلم. والخير المراد ليس المديح بطبيعة الحال، لكنه كل ما ينفع ولا يضر.
ولو اهتدى به الإعلاميون، الأعلى صوتا في زماننا، بعد حكامنا بطبيعة الحال، لجنينا من وراء ذلك خيرا كثيرا.
.........................
ما عاد سرا أن العلاقات المصرية السعودية تمر بحالة من التوتر الذي لم تعلن أسبابه، وإن تعددت الاجتهادات والاستنتاجات بشأنها. وقد ظهر ذلك التوتر بشكل أوضح عقب زيارة المبعوث السعودي لسد النهضة في إثيوبيا.
وهو الخبر الذي أبرزته الصحف المصرية بلا تعليق على صفحاتها الأولى، في حين أن تعليقات الحوارات التليفزيونية المسائية على الزيارة حفلت بالتنديد والغمز (أحدهم وجه تهديدا لوح فيه بنفاد صبر مصر)
الأمر الذي أعطي انطباعا بأن ثمة اتجاها نحو التصعيد الذي يحول الخلاف في الرأي إلى اشتباك إعلامي أو غير إعلامي، لا يعرف إلا الله مداه.
وقبل أن نقع في محظور التجاذب والتنابذ فإنني أنبه على عدة أمور هي:
< أن الرسميين في البلدين تعاملوا مع الموقف بدرجات متفاوتة من الرصانة والحذر، في حين تصدي الإعلاميون للاشتباك وقاموا بدورهم في التصعيد والتسخين والمزايدة.
< أن الخلافات في الاجتهادات والمواقف واردة بين الأشقاء، لذلك لا ينبغي أن تصدمنا أو تزعجنا لأن لكل بلد حساباته التي يتعين احترامها. فضلا عن أنني لا أعرف في العلاقات الدولية ــ حتى بين غير الأشقاء ــ دولا التقت مع بعضها البعض في كل شيء.
< في الحالة السعودية نحن لا نحتاج لمرافعة تثبت أن مواضع اتفاقها مع مصر أكبر بكثير من مواضع الخلاف. لذلك فقد بات معلوما أن الاختلاف أجله قصير، وأن الوئام لابد أن يحل يوما ما محل الاختلاف والخصام.
< أن مصر بحاجة إلى السعودية كما أن السعودية بحاجة إلى مصر فضلا عن أن استمرار الاشتباك يضعف الاثنين. لذلك فإن الخلاف لابد أن يكون له سقف لا يتجاوزه. وعلى العقلاء أن يحافظوا على ذلك السقف بحيث لا يتحول الخلاف إلى عراك يتم فيه تجاوز الخطوط الحمراء.
< أن العالم العربي فيه ما فيه من شقوق وتمزقات، وحين تصل العدوى إلى بلدين مهمين في المنطقة مثل مصر والسعودية، فإن ذلك لن يؤدي إلى إضعافهما فحسب، ولكنه يؤدي كذلك إلى إضعاف العالم العربي الذي صرنا في أمس الحاجة إلى رأب صدوعه ووقف مسلسل انفراطه.
لا أدعي إحاطة بمواضع الاختلاف. لذلك فليس لدي ما أقوله لاستعادة الوئام المنشود.
لكن ما أتمناه في الوقت الراهن أن تتضافر الجهود لوقف تدهور العلاقات وتعميق الفجوة بين البلدين، يدفعني إلي ذلك أن تعليقات بعض الإعلاميين أثناء الحوارات التليفزيونية التي جري بثها في اليومين الماضيين اتسمت بغمزات ومطاعن لامست الخطوط الحمراء.
الأمر الذي يوحي بأننا على شفا منزلف قد يدفع الأمور إلى ما هو أسوأ وأبعد. وهو ما لا يتمناه أي مواطن عربي سوي.
ولأن الإعلام المصري له سمعته المشهودة في الانفعال والتصعيد الذي يتجاوز الحدود المتعارف عليها في بعض الأحيان، فقد تمنيت أن يخفف المنفعلون والمنددون من غلوائهم، بحيث يتعاملون مع المخالفين بقدر من الاحتشام والحذر الذي يحترم حدود وقواعد الخلاف.
بمعنى أن يظل اشتباك مع أي طرف ــ إذا كان لابد منه ــ تحت سقف الخطوط الحمراء، فلا يوغل الناقدون في التنديد والتجريح، وأن يظل الانتقاد في حدود الموضوعات وليس الأشخاص والرموز.
وإذا عن لأحد أن يقيس علي استباحة المخالفين في الداخل فلن اختلف معه، وإنما سأضم صوتي إليه منبها فقط إلى أن العلاقات مع الأشقاء لها خصوصية تجعلها أكثر تعقيدا، لأنها وثيقة الصلة ليس فقط بالمصالح الوطنية وإنما أيضا بالمصالح العليا للأمة.
أما إذا قال قائل بأن التجاوز والتصعيد حاصل بدوره في جانب الأطراف الأخرى، الأمر الذي يبرر تصدي الإعلام المصري له، فردي على ذلك أن الكبار يحاسبون بأقدارهم، ولا ينبغي أن يصبح سلوكهم رد فعل لتجاوزات غيرهم.
في الحديث النبوي أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت.. وهو توجيه سديد وصفه الحافظ ابن حجر بأنه من جوامع الكلم. والخير المراد ليس المديح بطبيعة الحال، لكنه كل ما ينفع ولا يضر.
ولو اهتدى به الإعلاميون، الأعلى صوتا في زماننا، بعد حكامنا بطبيعة الحال، لجنينا من وراء ذلك خيرا كثيرا.
.........................
Published on December 20, 2016 22:00
فهمي هويدي's Blog
- فهمي هويدي's profile
- 1314 followers
فهمي هويدي isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.
