إلياس بلكا's Blog, page 4
July 12, 2016
عن التنبؤات الغيبية: بقلم الأستاذ علي الصوفي الشاذلي
عن التنبؤات الغيبية: الأستاذ علي الصوفي الشاذلي
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين،
وبعد،
هناك ظاهرة مُسْتشرِية منذ عقود -خصوصا في العقدين الأخيرين-، وهي ظاهرة استقراء النُبوّات القديمة ومحاولة استكشاف الغيب المستقبلي فيما يتعلّق بأحداث آخر الزمان، فاختلط في هذا المجال الحابِلُ بالنَّابل. وهؤلاء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : - القسم الأوّل: علماء ينقلون ويُـفسرون ويَجمعون ويجتهدون في استنباط مَدلولات الآثار والأحاديثِ المُتعلقة بأحداثِ آخر الزمان وعلامات الساعة الصغرى والكبرى. ومن هؤلاء كِبار الحُفاظ والمُحدّثين وعلماء الإسلام، وكلُّ من سار على أقدامهم من أهل التقوى والمعرفة والعلم بالدين فروعا وأصولا، كالحافظ المحدّث المجتهد أحمد بن حجر الهيثمي رحمه الله تعالى الذي ألّف كتاب ( القول المختصر في علامات المهدي المنتظر )، والحافظ المحدّث الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى صاحب رسالة ( العرف الوردي في أخبار المهدي ) وغيرهما .. - القسم الثاني : كُـتّاب يكتبون وتُجارُ كتبٍ يطبعون ويسوِّقون وينشرون كلّ ما له صلة بهذا الموضوع بحق وبباطل، غايتُهم جمعُ المال لِما يجدونه في هذا المجال من رَواج هائل لبِضاعتهم المُزْجاة. فهؤلاء من أكثر الأقسام نشاطا ورواجا بين عوامِّ المسلمين. وممّا يَلحقُهم في هذا القسم -بعد هذه الثورة المعلوماتية التي نَشهدها، وانتشار وسائل الاتصال عبر قنوات اليوتيوب وصفحات الفايسبوك والتويتر..-: كثيرٌ من الأفراد، كلٌّ يُحلّـِّل ويُقرّر بحسب انتمائه المَذهبي أو الطائِفي فيُفسّر أحاديثَ الفتن وأحداث آخر الزمان بحسب هواه وسوء أدبه مع ربّه القائل سبحانه: ( قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ )، وقوله تعالى: ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا )، وقوله جلّ جلاله: ( قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ).. وغيرها من الآيات التي تبيّن مقامَ العبد عند الحديث عن الغيبيات بصفة عامّة، ومنها علم المستقبليات ..- القسم الثالث : رجال المخابرات المُوكَّلون والمكلّفون بتَوجيه عقول الشعوب وقلوبهم نحو الرُّضوخ لحُكّام الجَبر مِمّن يُؤسسون لمَمالكِهم من طغيانٍ وظلم باسم الدين، فدخلوا من هذا الباب إلى نَشر خُزَعبلاتهم وكذبهم على الله تعالى ورسولِه عليه الصلاة والسلام. وعندما نذكر رجال المخابرات فقد نَجد فيهم بعضَ علماء السلاطين وبعض الكُـتّاب والأقلام المتميزة الحاذقة وكثيرا من الإعْلاميين، فقد أوْشكتْ دُور الإعلام بأَسرها -في حقيقتها- أن تكون مطابخَ مخابراتٍ تُوجّه العقول إلى مختلف المناهج من السياسات، وهؤلاء الرَّعايا من العوام لن تكون لهم حجّةٌ بين يدي الله تعالى لقوله سبحانه: ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا )، وقوله تعالى: ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ )، وقوله تعالى: ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ). قلتُ :موضوع الحديث عن أحداث آخر الزمان ليس في مُتناول الجميع، خصوصا علماء الرسوم أو المُفكّرين، إذْ هذه العلوم من اختصاص أهل النبوّة خاصّة:بما يُوحيه الله تعالى إليهم مِن وَحي يتعلّق بالغيوب، ومن هذا الباب ذَكر عليه الصلاة والسلام الكثيرَ من هذا الصِّنف من الغيوب، ثمّ لِما عليهم رُؤياهم الصالحة مِن صدقٍ، إذ لا يرون رؤيا إلا وتأتي كفَـلَق الصُّبح، كما أخبرت عائشة عن رؤى النبيّ عليه الصلاة والسلام قبل الوحي.ثمّ يأتي بعد أهل النبوّة أهلُ الوِلاية من أهل العِرفان، ونعني هنا الأولياء الكاملين مِمّن جمَع بين الشريعة والطريقة والحقيقة، من أصحاب الكشْف الكامل الذي لا يَعتريه نُـقصان أو رُؤى المنام التي لا يعتَريها بُهتان أو إلهامٍ لا يُفسده شيطان. ثمّ من سار على خطاهم من أصحابهم الصادقين وأتباعهم الوارثين. ثمّ بعد هذا يكون خَواصُّ أهل الإيمان من العلماء العاملين، ثمّ عوام أهل الإيمان بما في ذلك رؤى الملوك والرؤساء. فالأمر مُتدرّج كما ورد في الحديث: " أصْدقكم رؤيا أصدَقكم حديثا". فالمَنزلة التي لا يتسَرّب إليها الظنُّ أو يلحقُها الشكّ ما جاء على لسان أهل النبوّة من الأخبار الصحيحة الصادقة، أما غيرُهم فمَهما بلغَ صدقهم، فهمْ ليسوا مَعصومين عن الخطأ مهما صدقوا، لأنّه في هذا الباب تدخلُ علومٌ كثيرة: من حيث التَّجليات الإلهية في الوجود، ومن حيث تعدّدُ درجات الكشف واختلاف مراتب الفاهِمين عن الله تعالى، إذ ليس فهم أهل النبوّة هو بنفس درجة فهم أهل الولاية، فضْلا عمّن نزل دونهم في الرُّتبة والدرجة، كالمُستعجلين ممّن لبسوا عِباءة الدين وعباءةَ الفكر والعلم، وهم غير مؤَهّلين مهْما أُسدِيت إليهم مِن شهادات أو اتَّخذهُم الأغْمارُ وِجْهات...
كتبه: علي الصوفي الشاذلي
Published on July 12, 2016 15:42
June 30, 2016
رسالة الأستاذ علي الصوفي الشاذلي لملوك ورؤساء العالم ولكل مسؤول وللشعوب أيضا. رســــــــــــــالة النصيحـــــــــــة:
رسالة الأستاذ علي الصوفي الشاذلي لملوك ورؤساء العالم ولكل مسؤول وللشعوب أيضا.رســــــــــــــالة النصيحـــــــــــة:بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه، وعلى جميع ساداتنا الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم أجمعين." هذه رسالة أولى أكتب بها إلى رؤساء وملوك العالم وشعوبهم كافّة، تليها إن شاء الله تعالى رسالة ثانية أكتب بها إلى المسلمين كافة حُكّاما ومحكومين. "أمّا بعد:اعلموا - بَصّركم الله تعالى ببصائر الإيمان وفتَح على قلوبكم أبوابَ الهداية بِمَدد الإيقان وروح الإحسان قبل حُلول سنن الله تعالى في الخَلق كلّما ظلموا، القائل سبحانه: ( وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا ): أنّ العالَم أمْسى اليوم في مُفترق طرقٍ على جرف هار يكاد يخِرّ بالخلق أجمعين، حيث هوَتْ دَركات الباطل وظُـلمته إلى مستوى تَزاحَم فيه وتَناطَح نور الحقّ في مراتبه.. حتّى أوْشك العالَم في الآونة الأخيرة على الاجتماع على الباطل واستبدال الحقّ به، بما يحدث مِن تحريف وتضليل للعباد في مختلف البلاد عبر وسائل إعلام جبّارة تـَبثّ السّموم الشيطانية بين مختلف أجناس وأعراق شعوب العالم، حتّى كره الإنسان أخاه الإنسان، وحَقد الإنسان على أخيه الإنسان، وسفك الإنسان دم أخيه الإنسان، وأكل الإنسان ظلما رِزق أخيه الإنسان، واعتدى الإنسان على أملاك أخيه الإنسان، واغتصب الإنسان أراضي وبلاد أخيه الإنسان، وشَرّد الإنسان أهالي وذراري أخيه الإنسان.. حيث لا تَملّ تلك الوسائل الإعلامية -في خِضمّ هذه الثورة المعلوماتية- ولا تَكلّ في نشر الأكاذيب والأراجيف والعمل على إدْخال الفوضى والفتن والتضليل والتلبيسات.. تُـرَوّجها بين العباد في مختلف أنحاء البلاد مُلبّسة عليهم كونها حقّا وعدلا ..تلك الوسائل الإعلامية الضخمة والتي تُموّلها أموال هائلة.. دخلتْ كلّ بيت وخرّبت في كلّ عقل، فوجّهت قلوب العباد ضدّ بعضهم بعضا، فزَرعت العداوات الحاقِدة والخصومات المريرة، ودفعتْ بالعالم نحو الدمار والحروب والصدام الظاهر والباطن.. حيث يتخفّى وراء ذلك الغول الإعلامي الرهيب أقنعةٌ، لو فتّشتم وبحثتم فحَتما ستعرفونها، ويمكنكم عندئذ رصْد دائرة أفراد نواتِها، فأين العقلاء في حكوماتكم وبِطاناتكم وبين شعوبكم ؟اعلموا أنّ الله تعالى خلق الخلـْق كلّهم مُعترفين بألوهيته شاهِدين على توحيده، وجَعلهم خلائِف الأرض ليعبدوا الله وحده لا إله إلا هو، بعد أن وَحّدوه في عالم الأرواح وشهِدوا على أنفسهم في ذلك العالم بألوهيته، كما قال تعالى في القرآن الكريم: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ).وأنّ الله تعالى أمَر بالإصلاح في الأرض لا بالإفْساد فيها، كما قال تعالى في قرآنه الكريم الذي هو جِماع ما في الكتب السماوية السابقة التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه ورسله عليهم السلام: ( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا).إنّ من الإفساد في الأرض نشر الكفر والشرك والإلحاد المتطرّف واللادينية بين العباد في مختلف البلاد.. والسكوت عن الظلم والرضى به، واستبدال الطاعات بالمعاصي، وعدم استقامة النفوس وترهيبها من عذاب الآخرة ويومِ القيامة بِترك مُساعفتِها لأهوائها والحرص على شهواتها الدنيوية ورغباتها العاجلة الفانية التي لا تسوى شيئا عند العقلاء والحكماء، ما يَستوجِب الخروجَ عن منهج الله تعالى -خالق الكون: الربُّ المعبود-، وذلك بترك لِجام مجاهَدتها بلا أي رادع ولا زاجر، كما قال تعالى: ( وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ )، وقال تعالى: ( قَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ).وأنّ الله تعالى جعل العدلَ أساس الاستخلاف في الأرض، فلا استمرار للحياة من دون عدل، فمتى فُقدتْ معانيه بَطُـلت بذلك أحقيّة الاستخلاف في الأرض، وحَلّ العذاب ظاهرا وباطنا، فإنّه لا شيء يَستوجب العقوبةَ والهلاك والعذاب والبَوار أكثر من الظلم، كما قال تعالى: ( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا).اعلموا أنّكم اليوم أمام مسؤولية عظيمة ومَسار تاريخي خطير، لم يشهد العالم له مثيلا بكلّ المقاييس، وذلك بعد أن امْتلك بعضُ بلدانكم -تحت إشراف خُبرائكم وباحِثيكم مِمّن لا يخشى الله تعالى ولا يَخافه- تِرسانات من الأسلحة الرهيبة التي لم يَشهد لها تاريخ الإنسانية من عهد آدم عليه السلام مثيلا، ولا شَهدتها الأرض قبل هذا اليوم منذ خلقها الله تعالى، لهذا هابَتكم بلدان وخافتكم أخرى وسايَركم غيرها.. حتى رضي بعضهم بسياسات صنّاع القرار منكم في مختلف الأصعدة ومجالات الحياة ، من السياسة والاقتصاد.. الخ.. وصولا إلى مستوى الدين والثقافة والاجتماع...اعلموا أنّ غرض إبليس لعنه الله تعالى -وهو أبو الشياطين الذي تَوعّد آدم وذُريته بالإغْواء ونشر العداوة بينهم وإشعال الحروب وارتكاب المظالم- قد أخبر عنه الله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء .. .. الآية).وقال تعالى مُخاطبا جميعَ خلقه ومُختلف شعوب العالم: ( يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).وقد أخبرنا نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلّم أنّ جَميع الخَلق إخوة، وأنّه لا فرق بين عربي ولا عجميّ إلا بالتقوى، وأنّنا كلّنا من آدم، وآدم من تراب. وقد نصّ القرآن -الذي نزل على نبيّنا صلى الله عليه وسلّم- على أنّ الخلق أجمعون إنّما جَعلهم الله تعالى شعوبا ليتعارفوا، كما قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).وأنّ جميع المؤمنين من جميع الأمم هم إخوة، كما قال تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ).وأنّ تَعدّدَنا واختلافَ ألسنتنا وألواننا من آيات الله تعالى، كما قال تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ). وأنّ الأرض تسَعُـنا جميعا، فهي أرضُ الله تعالى الذي خلقها مُستقرّا للبشر إلى حين؛ فكلّ كائنٍ حيّ -من إنسان وحيوان- جَعل له فيها رزقه وقُوتَه الذي رزقه الله تعالى إياه، كما قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ).. كما أنّ الإسلام -دين الله تعالى- يَسعُ البشرية جمعاء على اختلاف فروق الألسنة والألوان والعادات والطبائع والأعراق والأجناس والطبقات ...وأنّه في الحقيقة يُوجد من الثـّراء الإنساني في مختلف الميادين وفنون ومجالات الحياة الدنيوية والدينية ما يجمع شملَ جميع تلك الشعوب لتتعارف وتتحابّ وتتسالم.. أكثر بكثير ممّا يظهر أنّه يُـفرّقها ويَبثّ بينها العداوة والبغضاء والأحقاد والثأر ..قال تعالى: ( كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين).ثمّ اعلموا أنّ أكبر كِذبة صَدّعت مَسامع الخلق وغزتْ قلوبَهم كالسِّهام الفاتكة، تنشرها وتُغذيها ألسنة خبيثة وسليطة ماكرة وشريرة في وسائل الإعلام العالمية في مختلف أنحاء الدنيا، هي كذبة وجودُ الحرب الدينية بين مختلف طوائِف أهل الاعتقاد من البشر. فقد بيّن لنا نبيّنا عليه الصلاة والسلام -فيما تلقّاه عن ربّه من القرآن- قوله تعالى: ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ).حيث إنّ هذه الآية نصّ صريح في عدم وجود شيء اسمُه الحربُ الدينيّة العقائدية في الإسلام، وإنّ الحربَ العقائدية القائمة والخُصومة الدائمة لم يبدأ بِها المسلمون، إذ دينهم ينْهاهم عن ذلك، بل بدأ بها خُصومهم ممّن يُعادونهم، كما قال تعالى: ( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ )؛ فالحربُ الدينية صادِرةٌ منهم نحو المسلمين، وكذلك كان الأمر منذ عهد نبيّهم محمّد صلى الله عليه وسلّم، لمّا همّتْ طائفة من طوائف بني إسرائيل بقتل نبيّ الله تعالى ورسوله العربي الأمّي عليه الصلاة والسلام، بعد أن خانوه ونقضوا عهدهم معه، بيد أنّه عقد معهم معاهدة سلام تَحفظ كِيانهم ووجودهم وحقوقَهم في بلدهم حيث يعيشون بين العباد ويأكلون من خيرات الله تعالى في البلاد ..أما اليوم فمعاداتُهم قائمة أيضا، كما نراه ونشاهده من تشويهٍ لصورة هذا النبيّ العربي الأمّي المبعوث بالقرآن كلامِ الله تعالى رحمةً للعالمين عليه الصلاة والسلام، وذلك بنشر صور مشينة وكاريكاتير لا يَـليق بمقامات الأنبياء والمرسلين، أصحاب النفوس المطهرة والأرواح القدسية والقلوب الطاهرة النقيّة، إذ إن الاستهزاء بالرسل هو استهزاء بالله تعالى، لذلك قال تعالى في كتابه الكريم: ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)... فإنّ ذلك يَبثّ الأحقادَ في القلوب ويُفسد الوُد وروح التسامح، لما فيه من اعتداء على مشاعر وأحاسيس الآخرين، ويدفع البشر نحو التقاتل والتصادم، إذ لا يُعقل في دين الإسلام أبدا أن تُمسّ صورة نبيّ من الأنبياء، أو يُشان دينُه، بل هو من الكفر الصريح عند المسلمين كافّة، كما قال تعالى في قرآنه الذي أنزله على رسوله عليه الصلاة والسلام: ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون).ثمّ إنّ المشاكلَ التي يعانيها الاقتصاد العالمي وتَفشّي الفقر والجريمة، لم يكن سببها الديانات ولا الثقافات المتعدّدة -بما فيها دين الإسلام المظلوم-، وإنّما أسبابها الواضحة عند كل ذي عينين من العقلاء في مختلف حكوماتكم هي الأنظمة المالية الفاسدة المُسيطرة على أرزاق العباد التي امتلأتْ بطونُها وتَضخّمت أوْداجُها من الجشع والطمع والإرهاب الاقتصادي، واستعباد شعوب وبلدانٍ بحالها واتخاذها رهائن وودائع من حيث الديون بعد أن زاوجْتم بين السياسة والمال، فحَكم العالمَ أصحابُ رؤوس الأموال، ولو كان هذا الحاكم أو ذاك أرعنا صغيرا تافها لا قيمة له، فاحتكرتُم التجارة والصناعات، وقسّمتم العالم إلى مجموعات غنيّة محتكِرة للسياسة والمال، وأخرى فقيرة رعيّة محكومة بالحديد والنار، فلم تقسّم الثروات الأرضية من المعادن والبترول والزراعة بالعدل على مختلف العباد في كافة البلاد.هذا رغم أنّ الله تعالى أرْشد عبادَه إلى أنّ حمْل أعباءِ وظائفِ الحكم والتسيير وامتلاك روح المسؤولية: يكون بصِفةٍ أوْلى لصاحب العقل الراجح والعلم والثوابت من مكارم الأخلاق والحكمة البالغة والفطانة النافذة والاستقامة والعدل والرحمة الغالبة.. كما قال تعالى لمّا احتجّ بنو إسرائيل على أحقّيتهم بالحكم واستئثارهم به دون طالوت بكثرة المال: ( وقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ )، فاحتجّوا على أحقيّة المُلك والحكم بكثرة الأموال وسِعتها.ثمّ إن الله تعالى خلق العباد وأعْلَـمهم أنّه تكفّل بأرزاقهم كما كتب آجالهم وقدّر أقواتهم، وأنّ رزقه جعله في حكمة أسبابه وضِمْنَ النهوض إلى السعي والكدّ والعمل، إذ لا تُخالف الحقائقُ الإلهية الشرائعَ الحياتية في الظاهر والباطن، كما قال تعالى في كتابه الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلّم: ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).ثمّ اعلموا أنّ هذا الكون بأسْره -بما فيه كوكب الأرض الذي يعيش فيه البشر- هو مِلكٌ لله تعالى وليس ملكا لأحد غيره، وهو المُتصرّف فيه بداية ونهايةً، وما الخلق بأسرهم إلا عبيد له كما قال تعالى: ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا )، وهم جميعهُم فقراء إليه ظاهرا وباطنا، كما قال تعالى مخاطبا جميع خلقه مؤمنهم وكافرهم: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).ثمّ اعلموا أنّ الإسلام هو دين الله تعالى، كلّ الخلق فيه سواسِية، لا يختصّ بعربي ولا أعجمي، لا مكان للحزبية ولا الطائفية ولا العَصبية المَقيتة فيه، فلا يُمثـّله " داعش " ولا القاعدة " ولا الإرهابيون من كلّ فصيل في كلّ زمان ومكان، إِذ راية هلال الهداية الرَّحَموتية الإسلامية عالية، في سماء النور خفّاقة، فمحاربته تحت أي مسمّى وتبرير-فضلا عن التلبيس والتضليل- هي محاربة لله تعالى ورسله وأنبيائه وملائكته جميعا، كما قال تعالى: ( مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ).وإنّ ما قدّمه المسلمون للعالم عبر تاريخهم -من حضارة وتقدّم ورُقِي وعلوم وفُهوم- كان حجرا أساسا لما وصل إليه التقدّم التكنولوجي في عالم اليوم، وإن غَمط حقّ التعريف بعلومهم ومعارفهم وحضارتهم الواسعة وثقافتهم الباهرة والتّجْهيل بعلمائهم وقادتهم العظام عبر تاريخهم الحافل وإِظهارهم بمَظهر التخلف والجهل والجريمة والفوضى والتأخّر وإخْفاء حقائق علومهم وتجاربهم وآدابهم وابتكاراتهم عن أنظار وعقول وقلوب البشرية في مختلف المحافل العلمية الدولية والمجالس الثقافية والجامعات الأكاديمية... إن هذا الغمط ظلم وإفساد كبير، والله تعالى لا يرضى بذلك ولا يُحبّه كما قال تعالى في كتابه الكريم: ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون َ ).كذلك اعلموا أنّ الدعوة إلى دين الإسلام هي دعوةٌ إلى الاجتماع على كلمة سواء التي هي كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله )، متى علِمنا أنّ الله تعالى هو إلهُ الجميع، كما قال تعالى داعيا أهل الكتاب إلى الأخوّة الإيمانية والخِلّة الإحسانية: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ).حيث كتب بهذه الآية نبيّنُا عليه الصلاة والسلام -في رسالته إلى هرقّل عظيم الروم- يدعوه فيه إلى الإسلام، كما دعا مَلك فارس كسرى وبقيةَ الملوك والأمراء، فمنهم من آمن ومنهم من أبى؛ وليس هي دعوة جهل أو حِقد أو تسَلّط على الرقاب وسلبٍ للحريات أو اعتداء على النفوس والأموال أو إجبار وإرغام قاهر على العقول والقلوب، بل هي دعوة للسلم والتعايش والتعارف والتّحابُب والبرّ والأخلاق والقسط ونشر الفضيلة والمودة ..ثمّ اعلموا أنّ نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم هو خاتم الأنبياء فلا نبيّ بعده، وأنّ الله تعالى أرسله للخلق كافّة أجمعين بلا تمييز ولا عصبية ولا أعراق ولا حزبية ولا طائفية، كما قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ).فهو رحمة مُهداة لجميع الخلق، فليس العرب أولى به من غيرهم متى أسلم هذا الغير، إذ يلاحظ المُستقرئ لتاريخ المسلمين أنّ هناك مِن قادتهم وعلمائهم ونُبغائِهم من كانوا من العَجم، لذلك يتعيّنُ الإيمان به لأنّ دينه هو نفس دين موسى وعيسى وجميعِ رسل الله وأنبيائه، فدين الإسلام هو دينُ جميع الرسل والأنبياء، وهو دين إبراهيم الداعي ربّه بقوله: ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ). وقال تعالى: ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ).ثمّ اعلموا أنّ الموت حقّ، وأن البشر جميعُهم سيرجعون إلى ربّهم بعد موتهم، وأن الله تعالى سيَبعث مَن في القبور، فيُرَدّون إلى عالم الغيب والشهادة، وأنّ يوم القيامة حقّ لا ريب فيه، وأن جميعَ ما أخبر الله عنه في قرآنه -وفي كتبه السابقة كالتوراة والإنجيل والزبور حول البعث والنشور- حقّ لا مِرية فيه، وأنّ أهوال يوم القيامة شيء مُهوِل عظيم، كما قال تعالى: ( مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ). وقال تعالى: ( فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ). وقال تعالى: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ). وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ).ثمّ اعلموا أنّ العالمَ اليوم أشدُّ ما يكون حاجة للصّلح والسِّلم العالمي، رغم أن شرار حكوماتكم وأنظمتكم الجليّة والخفيّة وبِطاناتكم -التي قد تعمل لغير حسابكم وتَنتهج غيرَ سبيل آرائكم وتُخالف قراراتكم- يدفعون بشعوبكم والعالم نحو الحروب والدمار والخراب، ويَدفعون نحو الفتك بالمسلمين الآمِنين في بلدانهم ومُحاربتهم وقتالهم وسَلب أرزاقهم وسرقة ثرواتهم على كافّة الأصعدة وفي كلّ الاتجاهات، ويعملون ليلا ونهارا، علـَنا وفي الخفاء، على محاربة الإسلام دين الله تعالى وتشويه صورته في نظر الخَلق.إنّ عدوَّنا وعدوّكم وعدوّ البشرية جمعاء هو إبليس لعنه الله تعالى، أبو الشياطين، وهو من الجنّ المَخفي عن أنظار البشر المُتشكّل في كثير من الصور، يقود حَملته التي توعّدنا بها منذ آلاف السنين كما قال تعالى: ( قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِين).وإنّ الذي يُصاحبه في هذا الإغْواء من الإنس طاغيةُ البشريّة من بني آدم ( المسيح الدجّال ) الذي تنتظرُه كثير من شعوبكم الذين وقع تضليلُهم من طرف المُضلّلين من أحْباركم ورهبانكم، بداية بـ"الشعب اليهودي" من بني إسرائيل.. تنتظره على كونه المُنقذ المصلح، الذي صَوّر لهم المسلمين في أذهانهم على أنهم شياطين، ليسْتعديكم عليهم بعد أن وعدكم بالقضاء عليهم وإفنائِهم في خِضمّ حروبكم عليهم بالوكالة عنه، وهم الآمنون في بلدانهم.فهذا الرجل هو أيضا عدوّنا وعدوّكم، سواء بسواء، إذْ ما بعث الله نبيّا إلا وحذّر أمته وقومَه منه، فلهذا الرجل من خوارق العادات الظاهرة الملموسة والمحسوسة ما سيُضلّل أغلب الخلق عن طريقها، فهو زعيم التدجيل وقائد التضليل، يدّعي الصلاح والنبوّة، ثمّ يدّعي الألوهية والرُّبوبية.لهذا تعيّن على جميع البشر -المسلم والمسيحي واليهودي سواء بسواء كافّة- الاحتماءُ بعلوم الأولياء العارفين في الأمة المحمّدية الشريفة التي هي خير أمّة أخرجت للنّاس، إذ هُم بمثابة أنبياء في هذه الأمّة الإسلامية حيث إنهم ورِثوا من أحوالهم وعلومهم وأسرارهم ومعارفهم وحقائقهم، فليس هناك اليوم سَند يستند إليه ويُحتمى به من تضليل الدجال وغواية إبليس لعنهما الله تعالى أمْتنُ من التمسك بكتاب الله تعالى وهدْي نبيّه خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام، بفهم الأولياء العارفين وشرحهم وتفسيرهم، لكوْنهم السند الروحي القلبي الحقيقي المتّصل بحضرة النبوّة المطهرة الذين هم ساداتُ أهل زمانهم في المنظومة البشرية، إذ همْ على هدي خاتم الأنبياء والرسل عليه صلاة الله وسلامه؛ كما قال تعالى في حقّه: ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ).وختاما أتلو قول الله تعالى ذاكرا منهج كتابه وعنوان قرآنه الكريم: ( هَٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).
والله تعالى يقول الحقّ وهو يهدي السبيل.
Published on June 30, 2016 14:08
June 28, 2016
نزيف الأمة بسبب الطب والهندسة
نزيف الأمة بسبب الطب والهندسة
إلياس بلكاتحتاج الأمة الإسلامية إلى جميع العلوم والفنون، سواء منها الطبيعية أم الرياضية أم الإنسانية. كل هذه العلوم ضرورية ضرورة قصوى، ولا يمكن أن نضحي ببعضها في سبيل بعضها الآخر. لذلك يعتبر فقهاؤنا أن العلوم كلها من فروض الكفاية، بمعنى إذا قام بها بعض الناس في الأمة يكون الجميع في مأمن من الإثم والمحاسبة، بل لهم أجورهم إذا تواصوا بها وتعاونوا على توفيرها. وإذا بقيت علوم بدون اهتمام ودراسة، فإن الجميع في الأمة يكون آثما ويُسأل عن تقصيره في الآخرة. وأول من يسأل الحاكم، ثم الوزراء والموظفون المتنفذون في الدولة.. ثم الشباب أنفسهم، فأي شاب رأى من نفسه قدرة على علم معين ينبغي أن يتفرغ له ويكفي الأمة شأنه.. ثم مسؤولية الآباء أن يوجهوا ويساعدوا أبناءهم.. لكنني أزعم أن حاجتنا اليوم أكثر إلى العلوم الإنسانية واللغوية والشرعية، وأنها أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، وأنها تستحق أن تُعطى لها أولوية في التخطيط للمستقبل. وهذا لجملة أسباب:1- لأنه يوجد عدد كبير من المتخصصين في الرياضيات والهندسة والطب.. وغيرها، بينما لا توجد عندنا أعداد كافية من المتخصصين في العلوم الإنسانية.2- لأن قسما مهما من الذين يختارون علوم الطب والهندسة هم من الأذكياء المجتهدين، وفيهم نسبة دون ذلك.. بينما قسم كبير ممن يختار العلوم الإسلامية والإنسانية هم من المتوسطين في قدراتهم، ويفتقدون إلى الحافز وإلى الاهتمام الكافي.. وفيهم نسبة أفضل من ذلك. إذ يوجد بينهم نبهاء ومجدّون.. لكن الحكم للأكثر. وهذا ما يفسر قلة الإبداع في طلابنا الشرعيين والإنسانيين، وكثرته في طلاب الطب والصيدلة والهندسة والرياضيات.. فالإبداع في العلوم الإسلامية والإنسانية والقانونية يحتاج لطاقات عقلية رفيعة.3- لأن قيادة العالم والتأثير فيه أمر يحتكره الخبراء في العلوم الإنسانية والقانونية، وليس الطبيعية.. فقادة الدول والوزراء ومدراء الشركات ووسائل الإعلام وصناعات الرأي.. كلهم من العلوم الإنسانية والاستراتيجية والعسكرية.. لا الطبيعية والرياضية. لذلك صارت في كثير من بلداننا معادلةٌ مقلوبة، فالأقل ذكاء هم من يتحكم في جموع الأذكياء التي انشغلت بدراسات هندسية وطبية صعبة.. ثم إذا تخرجت غرقت في العمل المهني التقني الصّرف.وقد استشعر بعضهم ذلك، فحاول أن يدرس دراسة موازية أحد التخصصات الإنسانية أو الإسلامية.. وهذا لم ينجح لأن العلوم بحار واسعة، والطاقة والعمر لا يتّسعان لإتقان علم واحد إلاّ بالكاد وبشقّ الأنفس، فكيف بإتقان مجالين علميين مختلفين.لقد اقترحتُ في هذه السلسلة على صفحات الأخبار أكثر من سبعين قضية مهمة للدراسة والبحث. لكن من يبحثها ويدرسها إذا كانت أفضل الطاقات منهمكة في دراسات تقنية، ربما ليس لها نفس الأولوية كما كان الأمر من عقود؟لذلك إلى الآن لم نتقدّم كثيرا في الاجتهاد والتجديد: لم نصل إلى تصور واضح لشكل الدولة في الإسلام في عصرنا، ولم نطوّر الفكر السياسي في إدارة الدولة والخلافات.. ولم ننجز دراسات عميقة في قضايا الديموقراطية والعلمانية والمواطنة والأقليات ونظريات السيادة ومشكلات الحرية وحقوق الأفراد والجماعات.. ولم نطوّر من نظرية الإسلام في الاقتصاد وإدارة الثروات والاستثمار وحقيقة الربا.. أما علم الاجتماع، فتكاد مساهماتنا فيه اليوم تكون صفرا.. ولم نحلّ كثيرا من مشكلات التاريخ.. حتى أصبحت عندنا عشرات المشاريع المعلقة التي تنتظر طاقات الشباب "المهدورة" في العيادات والمعامل والمصانع.. وهذا من أهم أسباب تعثر الصحوة الدينية الحديثة، لاحظ مثلا تخصصات رواد التيارات الإسلامية في العالم العربي:المغـــــــــرب: السيد بنكيران إجازة كيمياء. المرحوم بها مهندس دولة. العثماني طبيب.. ولا تحضرني الأسماء الأخرى، لكنها نفس الشيء في غالب ظني. مصـــــــــــر: محمد بديع بيطري. البلتاجي أظن طبيب. الكتاتني علم النبات. محمد مرسي مهندس. عصام العريان طبيب. مخيون السلفي طبيب أسنان. ياسر البرهامي طبيب...تونـــــــــــس: العريض رئيس الحكومة السابق مهندس.لو تتبعت الموضوع ستجد أن معظم القيادات الدينية أطباء ومهندسون.. وهم يريدون أن يغيّروا عالما لا يعرفونه ولا يفهمونه، لأنهم لم يدرسوه بل أفنوا أعمارهم في علوم تقنية في عمقها ومحدودة في آفاقها.. وهذا من أسباب تعثـّرهم، لا يعرفون العلوم الإنسانية والقانونية والاقتصادية والإدارية واللغوية والإسلامية.. أي لا يعرفون العالم جيدا. لا يعرفون التاريخ والدستور ومقاصد الشريعة والعلاقات الدولية وعلوم الإدارة وخبرات علم النفس والاستراتيجيا..الخلاصة أن جميع العلوم مطلوبة، وأن الطب والهندسة على الرأس والعين، لكن عندنا تضخم في جانب وضمور في جانب آخر.. فنحتاج إلى التوازن في توزيع طاقاتنا العلمية توزيعا جيدا. وإلاّ سيستمر الزيف، ويستمر معه التعثر والتخبّط.. لابد من أبطال يكونون أقوى من المجتمع الذي تعجبه المظاهر، وأقوى من المال وإغراءاته، وأقوى من أنفسهم وأهوائهم.. فيثوروا على هذا كله، ويضحّون لأجل أمتهم.... وسيعوضهم الله سبحانه خيرا مما يظنون وبأفضل مما يتوقعون بحقّ الله العظيم.
Published on June 28, 2016 13:59
June 8, 2016
حسابي على الفايسبوك:
وفيه سلسلة علي الشاذلي الرمضانية، ومنشورات أخرى متنوعة.
Published on June 08, 2016 16:13
June 4, 2016
أئمة القمامة بالأنترنت (4): تقويم عام للظاهرة
أئمة القمامة بالأنترنت (4):
تقويم عام للظاهرةإلياس بلكا
هذا آخر مقال في السلسلة، وقد كتبت أربعة مقالات في هذه الظاهرة، لكن الحقيقة أنها تحتاج لدراسة مستقلة. بعض خصائص أئمة القمامة: أول ما يلفت النظر في الجماعة هو الأنا، طبعا لا أتحدث عن الجميع لكن عن الأكثر. يوجد تضخّم كبير للأنا. ويظهر ذلك في أسمائهم: الأستاذ، المجدد، المعتزلي، نبي كذا..كذلك يتمتع هؤلاء بصفة التعالي، فهم واثقون جدا من أنفسهم، ومن ذكائهم وتفوقهم على الآخرين.. لذلك يحرصون على نشر صورهم: ها هو البطل في المقهى. ها هو قائم. ها هو نائم. ها هو يأكل. ها هو مع صديقه. ها هو بلحية. ها هو بدونها. ها هو بشارب. ها هو يشرب.. إنها الطلعات البهيّة لأصحاب الفخامة.. منقذي الأمة، وأنبياء البشرية.. ثم تتقاطر الإعجابات من جمهور مغفل في أكثره يرى في "أنا" هؤلاء انعكاسا لـ"أناه" هو. لكن هذا الغرور سرعان ما ينكسر إذا تعرّضوا للنقد الذي يعتبرونه حجْرا على الرأي والفكر. هم يشتمون ويسبّون من شاءوا، لكنهم لا يطيقون أن ينتقدهم أحد، سواء بأدب أو بغير أدب. وهم رغم تدنّي مستوى أخلاق أكثرهم، فإنهم لا يتذكرون أخلاق الإسلام وآداب الحوار والاحترام.. إلاّ حين يهاجمهم أحدٌ ما.من خصائصهم أيضا الضعف العلمي والقصور المعرفي. وهذه بليّة عامة فيهم وفي جمهورهم: إنهم لا يقرؤون ولا يدرسون، ومن الكتب يعرفون في الغالب بعض العناوين، لأنه ليس لهم صبر على البحث، فهم في عجلة من أمرهم، ويهمّهم كتابة خاطرة أو منشور ثم الانتقال لغيره.. فليس لهم وقت "يضيّعونه" في الدراسة الطويلة والعميقة.الحالة غير الطبيعية لبعض أئمة القمامة:وهي كما شرحت في مقال سابق أنهم لا يرون إلاّ ما يبدو لهم سلبيا، سواء من حاضرنا أو من تاريخنا. ووالله إني لأعجب من قدرة هؤلاء على التقاط القمامة لوحدها، وعدم رؤية الأشياء الجميلة.. لم يتركوا شيئا له صلة بنا إلاّ وقبّحوه وذمّـوه، بحيث لا أعرف كيف يمكن التواصل معهم ولا الحديث معهم.. مثلا تصوّر أن العالم كلّه متفق على العطاء الإيجابي للحضارة الإسلامية في كلّ من الأندلس والهند، حتى المؤرخون والمفكرون الكبار الإسبان والهنود يعترفون بهذا ويسجلونه فيما يكتبون.. لكن أصحابنا هؤلاء لا يرون في تاريخ المسلمين بالأندلس والهند إلاّ مجموعة من الأخطاء والاعتداءات والكوارث.. فيتبرؤون من هذا التاريخ. أهل القمامة يرون كل شيء في حضارتنا سيئا.. حتى "تاج محل" انتقدوه، وهو الصرح العظيم والجميل.. أحد عجائب الدنيا السبع، والذي بناه السلطان المسلم لذكرى زوجته ممتاز محل.يتساءل أحدهم: ماذا قدم المسلمون للحضارة والانسانية؟وقد تتبعتُ بعض ما يكتب أئمة القمامة زمانا، فرأيت أنهم يفرحون بكل سيئة تصيبنا وينشرونها ويتبادلونها ويتشاركونها ويتخذونها مادة للسخرية.. لكن إذا جاءهم خبر طيب لا يعيرونه اهتماما، ويتجاهلونه. مثلا لن تجدهم يذكرون خبر فوز "صادق خان" الباكستاني المسلم بعمدة لندن. ولن تجد في إعلام أئمة القمامة خبر أن تركيا تعتبر أكثر دول العالم في التطوع والإنفاق الخيري (بحساب قدر الإنفاق من الدخل الخام).. لكن بالمقابل لو أحدا في أمريكا ربّتَ على قطة أو لاعب كلبا فإنهم يذكرون الخبر بالصورة ويعلقون على رحمة الغربيين وكم أن قلوبهم رقيقة عكس العرب والمسلمين... وما هي إلا دقائق حتى تتقاطر عشرات التعاليق والإعجابات.وقد لاحظت أن بعض أصحابنا حين "يعمل" توازنا، فيذكر مثلا شيئا من مساوئ الحضارة الغربية الحديثة ، أو يشير إلى إنجاز عربي أو إسلامي، قديم أو حديث.. فإن ذلك يمرّ مرور الكرام، وأحيانا لا يحظى حتى بتعليق واحد أو إعجاب واحد من جمهور القمامة.إنها حالة مَرَضية بحاجة لتحليل من خبراء علم النفس، لا أدري أهي السادية أم المازوشية، أم هي الرغبة في الانتقام من المجتمع.. بداخل أصحابها غضب ينفجر في وجه بيئتهم التي يعيشون في أحضانها.. من جهة أخرى ربما لا يمكن الفصل بين هؤلاء وبين حياتهم، يبدو أحيانا أن هذا الهدم الذي يمارسونه في حقّ أمتهم ودينهم تجلّ غريزي لفشل ما في الحياة الشخصية أو المهنية. من أساليب مجتهدي القمامة: الأسلوب الأبرز هو التسفيه والتشكيك والتحطيم مع توابل من السخرية والاستهزاء.. وهنا لا يهمّ العلم ولا تهم الحقيقة، بل الغاية هي صنع انطباع معيّن لدى القارئ بحيث تسقط في عينيه تماما الحضارة أو الثقافةُ التي ينتمي إليها.. إنه منهج إعلامي بالأساس، كذات المنهج الذي حطّـم صورة الرئيس المصري السابق مرسي حين جعله الإعلامُ مادة كاريكاتورية للسخرية.. ومع التكرار والإصرار، نجح الإعلام في ذلك إلى حدّ كبير.وهذا الأسلوب يستغلّ حقيقة معروفة في علوم الإعلام، وهي أن الانطباع الأول هو الأقوى والأبقى، حتى لو صُحح. لذلك بعض أهل العلم الصادقين حين حاولوا محاورة أئمة القمامة تعبوا وفشلوا، لأن هؤلاء لا يهتمون بالمعرفة بحسب أصولها الأكاديمية والموضوعية، بل هم يصنعون الانطباع ويلقون بـ"الفكرة"، ثم يمرون إلى ثانية وثالثة.. وهكذا في دائرة جهنمية لا تتوقف، ولا يمكن لأحد مجاراتها بالنقاش العلمي الهادئ. ولأئمة القمامة، أو لمن يحرّكهم، خبرة اجتماعية لا بأس بها، فهم مثلا يضبطون هندامهم بشكل مدروس. ويعرفون أثر الصورة، فيحرصون على إلحاق الصورة بالكتابة، وقليلا ما يكتبون شيئا بدون صورة مرفقة. وقد تكون الصورة حقيقية، وقد تكون مزيفة (الفوطوشوب) ككثير من الصور المستهزئة بالإنسان الخليجي. لذلك من الأساليب أحيانا اختلاق القصص.كذلك من أساليب منهج القمامة أنه يتصيّد نقدا لعالم من العلماء المعتبرين، إما نقدا لسندِ حديث أو لمسألة فقهية أو فرع في العقيدة.. فيجمع نقدا من هذا ونقدا من ذاك.. ويبني من هذه الجزئيات نتيجةً هي نسف هذه العلوم كلها..ومن أساليبهم أيضا كراهية العلماء قاطبة، حتى إنهم لم يتفقوا على احترام عالم واحد، ولم يرعوا حرمة لأحد. وعلى عادتهم في التقاط النفايات دون غيرها، تجدهم أحيانا ينبشون في سير بعضهم ممّن له حظ من الغنى المادي أو القرب من السلطان مثلا.. لكن أبدا لا يذكرون الزهاد الفقراء من علماء العصر، وما أكثرهم، ولا العشرات من الشهداء والمسجونين من علمائنا اليوم.ومن الطرق أيضا ما ذكره المرحوم بكر أبو زيد في كتابه عن ظاهرة التعالم أن بعض من هذه حالُـه، من مبتدئ في الطلب، أو من عفى على معلوماته الزمنُ، تجده يلتقط المسألة والمسألتين، ويحبّر النظر فيها، فيتنمّر بها في المجالس، وفي مواجهة من لا تمييز عنده.على مستوى اللغة، يلجأ هؤلاء إلى كتابة فقرات قصيرة، أو في أحسن الحالات صفحة أو أقل، ويستعملون الجملة القصيرة المعبرة، كما أن العامية أو الدارجة حاضرة بقوة. من الآليات أيضا التبسيط. كل شيء يُفسر ببساطة ولا محلّ للتركيب والتعقيد. أين نجح أئمة القمامة وأين فشلوا: 1-نجحوا في هدم صورة الإسلام وحضارته في أوساط واسعة من الشباب، خاصة الشباب غير المتديّن الذي لا يذهب للمسجد ولا ينصِت للعلماء.. فمصدره الأول في الثقافة الدينية هو الأنترنت، وأحيانا الفايسبوك أو التويتر حصرا. هؤلاء كوّنوا عن ديننا وتفاسيرنا وحديثنا ورجالنا وتاريخنا أسوأ صورة لأنهم جمّعوا من أئمة القمامة نفايات كثيرة، فأضلّـوهم.2- فشلوا في تقديم البديل: إذا مناهجُ المحدثين خطأ ما هو المنهج عندك أنت؟ إذا الفقه غير محترم ما الفقه الذي تقترحه أنت؟ إذا تفاسير الأمة للقرآن مرفوضة، فسِّر لنا أنت الكتاب العزيز؟ لذا عجزوا عن التحوّل إلى تيّار فكري صاحب مدرسة.. إن من الممكن أن يُشكلوا نهرا كبيرا من القمامات لأن كل واحد يَمدُّ هذا النهر العظيم بساقيته الصغيرة التي يملؤها بالقاذورات.. لكن هذا لوحده لا يشكل مدرسة. وهذا ما فهمه بعضهم، فاعتنق الاعتزال لأنه تاريخيا كان مدرسة.. فيما أصبح آخرون قرآنيين. ختامــــــــــــــا: توجد عشرات القرائن على تخطيط معين لهذه الظاهرة، إضافة للجانب العفوي منها، كما شرحت ذلك بالمقال السابق.إن ظاهرة هؤلاء الشباب –تابعين أم متبوعين- هي الوجه الآخر للضياع الذي تعيشه الأمة. هم ضحايا لمأزقنا العام، وإن ظنوا أنهم أقوياء فاعلون، لكن الحقيقة أنهم أدوات في أيدي غيرهم.. إنهم يهدرون طاقاتهم ويشغلون جمهورهم بما يضر ولا يفيد.. ما أكثر القضايا الملحة التي تحتاج لاجتهاد حقيقي: اجتهدوا فيها لو استطعتم.. لكن أحدهم عوض أن يجتهد في الفقه السياسي والاقتصادي ومشكلات العولمة والحداثة والحياة المعاصرة.. كتب بحثا أجْهدَ فيه نفسَه أن يثبت أن عليا أشجع من خالد بن الوليد!لقد غدت صفحات مجتهدي القمامة مرتعا خصبا للملحدين واللادينيين، يحبونها ويأنسون بها ويشجعونها، ويبدون سرورهم بـ"الاجتهاد العميق" لأئمة القمامة، وينقلون إلى صفحاتهم الخاصة بعض درر النفايات.كذلك يحب أصحاب التشيع الصفوي "اجتهادات" أهل القمامة، ويفرحون بها، وهم واهمون، يظنون أنه بتحطيم تديّن معظم الأمة، سيكون التشيع الصفوي هو البديل، ولا يدرون أن تشيعهم موغل في الخرافة، وأن الذي لا يقبل التسنّن –وهو أكثر عقلانية- لن يقبل غيره. وبالمناسبة أسجل هذه الملاحظة: لماذا لم تظهر ظاهرة أئمة القمامة عند الشيعة؟ لا أعرف الجواب.من جهة أخرى نحن نحصد بعض ثمار ظاهرة نزيف الأمة بسبب الطب والهندسة، وقد كتبت عنها هنا سابقا.. إن خيرة شبابنا خُـلقا وعقلا دفنوا أنفسهم في دراسة الطب والهندسة، فأضاعوا أنفسهم وضيّعونا معهم، وتركوا المجال فارغا للرويبضات يصولون ويجولون.. يريدون أن يقرروا للأمة بماذا تؤمن وكيف تؤمن، وكيف تتعامل مع كتاب ربّها وسنّة نبيها، وكيف تتواصل مع العالم والعصر.إن خلاصة خطاب أئمة القمامة هو التالي: إن هذه الأجيال المتتابعة من العلماء والفقهاء والمحدثين والصوفية هم عبارة عن جماعات من الجهلة ومن المتآمرين مع الحكام لإلهاء الناس، فهم لم يفهموا الدين، بل زوّروا الأحاديث ، ولا ثقة فيهم... لذلك ندعوكم أيها المسلمون لترك هؤلاء العلماء والاستماع إلينا نحن، فنحن سنهديكم سواء السبيل وستنجحون في دنياكم وأخراكم إذا اتبعتمونا.. ذلك لأننا نفهم الدين فهما صحيحا، ونعرف مراد الله من قرآنه، كما أن وعينا بالعصر عميق لا يضاهيه أيّ وعي آخر، أضف إلى ذلك أننا ثقات طيبون زاهدون في الدنيا ولا مصلحة لنا إلا راحتكم وخدمة مستقبلكم. بالمختصر: دَعوا دينكم الذي تعرفون، لأننا نحن أئمتكم الجدد الذين سيضعون لكم الدينَ الذي لا تعرفون.
Published on June 04, 2016 04:09
May 29, 2016
أئمة القمامة بالأنترنت (3): من وراء الظــــــاهرة؟
أئمة القمامة بالأنترنت
(3)
من وراء الظاهرة؟
إلياس بلكا
تعرّفنا في الحلقتين الماضيتين على ظاهرة جديدة نسبيا بالشبكة العنكبوتية، ومعقدة، وهي اجتماعية- ثقافية- دينية- سياسية في آن. وعندي رأي خاص حولها، ولا ألزم به أحدا. وأريد أن يعرف القراء أنه ليس لي مشكلة مع الأشخاص بتاتا، وأنني بهذه المقالات لا أقصد شخصا بعينه، بل والله لا يهمني الأفراد: لا فلان ولا علان.. أنا باحث متابع للساحة الثقافية، واهتمامي يتعلق بالظاهرة في كُـليتها وعمومها.. أما الأشخاص فأمرهم وأمرنا جميعا بيد الله سبحانه، ولا أحد يعرف خاتمة أحد.إذن نعود إلى سؤال محوري في موضوعنا هذا: هل ظاهرة أئمة القمامة عفوية أم مخطط لها؟ والجواب أنها الأمران معا. أولا- الناحية العفوية في الظاهرة:
كثير ممّن تورّط في هذه الظاهرة حسن النية، بمعنى أن بعض الكُـتاب والمدونين في النت صادقون في غيرتهم على الأمة وألمهم من أوضاعها السيئة، فظنوا أنهم مجتهدون، وأن علاج ما يحسبونه الأوضاع الخطأ في التعامل مع الدين يكون بالصدمة وبالنقد العنيف، بل بالهدم الأعمى. لكن صدق ابن حزم حين قال: "لا آفة على العلوم وأهلها أضرّ من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدّرون أنهم يصلحون".وتوجد بعض الأسباب الموضوعية ذات الصلة بانفجار وسائل الإعلام وبحر المعلومات التي تتدفق من كل مكان وفي كل اتجاه.. أضف لذلك الفردانية وطغيانها على الإنسان المعاصر، مع انتشار ثقافة الحرية، بما فيها حرية الفكر والاعتقاد.. كل هذا زاده سياق ما بعد الحداثة قوة على قوة، لأن من أهم سمات ما بعد الحداثة تدنيسُ كل مقدّس وانهيار المعنى وعدم احترامه.. فهذا كله صنع جوّا عاما من الفوضى الفكرية والعلمية. ثانيا- الناحية المخطَّط لها في الظاهرة:
وهذا ظني، والعلم لله سبحانه، أن جزءا كبيرا من الظاهرة غير طبيعي، بل مُصطنع تقف وراءه جهاتٌ تُغذيه وتشجعه وتخطط لانتشاره. 1- الهدف:
أحيانا حين أتأمل في الحرب الفكرية الجارية في عالمنا يبدو لي كأن مصدر التخطيط واحد، وأن الهدف أيضا واحد، إنه: تحطيم المُـقدّس عند المسلمين كيفما كان: - تحطيمه في علومنا: فكتب بعضهم في التشكيك في القرآن الكريم، وتمّ إحياء جميع الشبهات القديمة حول جمعه وحفظه، وزادوا شبهات جديدة زعموا أنها مقتضى اللسانيات واللغويات الحديثة. أما حديث رسول الله فأخذ القسط الأوفر من التحطيم، واختاروا صحيح البخاري، لأنه إذا سقط سقطت معه جميع دواوين السنّة وعلومها، ومن الرواة اختاروا أبا هريرة رضي الله عنه، لأنه الراوي الأول للسنن. كذلك جرى "تدمير الفقه".. كل هذه الثروة العظيمة من علومنا الفقهية، والتي اعترف بقيمتها القانونيون الغربيون والمستشرقون المحايدون.. كل هذه الثروة حاول بعض أئمة القمامة تسفيهَها وإلغاءَها بناء على بضعة فروع، أو في أحسن الأحوال بضع عشرات من اجتهادات بعض الفقهاء. - تحطيمه في التاريخ: عبر التشكيك في قيمة الفتوحات وشرعيتها، والغضّ من الدول الإسلامية التاريخية الكبيرة، كالأمويين والعباسيين والموحدين والعثمانيين.. حتى تجربتنا الرائعة بالأندلس هاجموها. - تحطيمه في عظمائنا ورجالنا: مثلا وقع منذ سنين قليلة هجوم مُركز على ابن خلدون وأنه سارق أفكار. ونبش بعضهم سيرة صلاح الدين الأيوبي فنعتوه بأقبح الأوصاف. وقام آخرون بالتهجّم على علمائنا الكبار، كأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، والغزالي، والجويني، والفخر الرازي، وابن تيمية.. 2- الأسلوب:
أما الأساليب فكثيرة بدأتُ في رصدها وترتيبها، وبحول الله سأشرحها مستقبلا.. لكن يمكن اختصارها هنا في كلمة واحدة هي: صناعة الاهتمامات الفكرية.كان مالك بن نبي المفكر الجزائري الرائع أحد الذين وصفوا هذه الظاهرة، في كتاب "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" وغيره.. فهو المراقب للتدافع الفكري بين الاستعمار الفرنسي والواقع الجزائري خصوصا، والإسلامي عموما.. لاحَظ كيف يعمد الغرب إلى إشغال المسلمين بالأفكار السيئة، كيف يحاول توجيههم فكريا مُستغلا في ذلك حتى أفضل الأفكار، كما استغل الإنجليز فكرة الجامعة العربية لضرب الوحدة الإسلامية نفسها.فكما للغرب مصانع لإنتاج الأسلحة، يوجد لديه أيضا مصانع لإنتاج الأفكار، وصنع الاهتمامات، وتوجيه المناقشات.يحكي المرحوم محمد الغزالي عن شعوره بوجود هذا التخطيط المركزي لإلهاء المسلمين بالتوافه من الأمور.. فقد خطب الجمعة في مصر، فسُئل عن حكم الخلّ في الإسلام، وأراد السائل أن يعمل من المسألة قضية كبيرة.. ثم سافر في بحر الأسبوع نفسه إلى أندونيسيا، فكان من أوائل الأسئلة التي أُلقِيت عليه: ما حكم الخلّ في الدين؟ وتوجد طرق عديدة لتوجيه الجمهور الذي يظن نفسه حرّ التفكير، لكنه في الواقع يُساق سوقا إلى أفكار معينة واهتمامات محددة. من تجاربي الشخصية أنني كنت أتوصّل بشكل دوري برسائل لشخصية باسم مستعار.. ماذا تكتب هذه الشخصية؟ في كل مرّة يكون موضوع الرسالة، والتي لا تتجاوز صفحة واحدة، إما قضية خلافية معروفة في تراثنا، لكنها هامشية ليست مهمة، وإما قضية مختلقـَة، أعني كأن الخلاف القائم لا يكفي فعمَد هذا "الرجل"، أو جهاز التخطيط الفكري، لصنع خلافات جديدة ونشرها بين الناس. مثلا يوجد خلاف معروف عن الخضر عليه السلام، هل هو حيّ أم ميّت؟ هذا معروف وكتَب فيه الناس كتبا مستقلة، والمسألة أصلا غير مهمة. لكن هذا "الجهاز" أرسل لي مرة رسالة يدافع فيها عن أن يحيى عليه السلام حيّ يرزق.. وذكر "أدلة" ودعاني للنقاش والحوار.. ومرّة كان الموضوع أن "وضع الخميرة في العجين يجعله مُسكِراً".. وأمثال هذه الفروع التي الغرض منها إشغال الناس وهدر أوقاتهم وطاقاتهم وصرفهم عن التفكير الحقّ. ثالثا- أهم الجهات المسؤولة عن ظاهرة مجتهدي القمامة:
وهذا بحسب رأيي والله تعالى أعلم. وهذه الجهات بعضها تُخطط بوعي، وبعضها تحرث بلا عقل. أ- دوائر التخطيط الغربي للحرب الفكرية:
لا أستبعد أن يكون للغرب، وأقصد الغرب المعادي لنا لأنه توجد به تيارات وشخصيات كثيرة لا تعادينا بل قد تتعاطف مع قضايانا.. دور في بروز ظاهرة القمامة، خاصة بالأنترنت.منذ استعمرت أوربا معظم العالم العربي والإسلامي دخلتْ في حرب فكرية، إذ أرادت استئصال الثقافة الإسلامية من هذا العالم لأنها جوهره المقاوم. فقامت القوى الاستعمارية بتجريف شديد لهذه الثقافة، فهمّشت التعليم الديني وحاصرت اللغة العربية ونفتْ العلماء وقام الاستشراق بمحاولة "علمية" لتفكيك التراث الإسلامي في سبيل نزع أي قيمة حقيقية وغيبية له، كما بيّن ذلك المفكر الفلسطيني البروتستانتي إدوارد سعيد في دراسته الشهيرة عن الاستشراق.. وهذه الظاهرة الجديدة وجه جديد لهذه الحرب. ب- بعض أجهزة المخابرات العربية؟
توجد دعوة لما يسمى بـ"الإصلاح الديني" في بعض بلداننا العربية والإسلامية، وهي حقّ أحيانا يُراد به باطل. وليس مُستبعدا أن تتورّط بعض الدول، من خلال أجهزتها بما فيها المخابرات، في ظاهرة أئمة القمامة، بتشجيع بعضهم أو الترويج لهم أو مَدّهم بالنفايات الجديدة لينشروها في أوساط الشباب خاصة.. وقد يكون بعضهم على وعي من هذا التدخل، فيما آخرون غير واعين به.. أو قد يكون الشعار هو الوقوف في وجه "الإرهاب" والإسلام "المتشدد". ج- دور السلفية الغالية (من الغلوّ):
للفكر السلفي الغالي، من الغلوّ، بعض المسؤولية في نظري عن ظهور أئمة ومجتهدي القمامة. ذلك أن هذا الاتجاه المتشدد في السلفية لم يترك عالما ولا فقيها، لا قديما ولا حديثا.. إلاّ وذمّه، بل بدّعه أو كفّـره، فساهمت السلفية الغالية في تحطيم صورة علمائنا وتراثنا لدى كثير من أوساط الشباب. كما أن التطرف الذي خرج من عباءة السلفية، والذي اتخذ أشكالا عنيفة دموية، نفّر الناس من الدين، فعمد بعضهم إلى إصلاح الإسلام بزعمهم، وهذا ما يُـفسّر بعض الإقبال على اجتهادات أئمة القمامة. د- دور التشيع الصفوي:
كان للتشيع الصفوي، وليس العلوي المحترم، دور كبير في بروز ظاهرة أئمة القمامة، وهم الوجه المقابل للسلفية الغالية، فهم مثلهم حرصوا بمختلف الوسائل على تسفيه علومنا وتراثنا وتاريخنا.. لذلك يحبّ كثير من هؤلاء الشيعة صفحات ومنتديات مجتهدي القمامة، ويشجعونها وينفخون في أصحابها. و- دور بعض الشخصيات الفكرية والإعلامية:
لبعض هؤلاء أثر كبير في انتشار الظاهرة، كمحمد شحرور وعدنان إبراهيم وحسن فرحان.. وأثر هؤلاء أكبر من أثر سابقيهم كنصر حامد وسعيد العشماوي مثلا. لا أتحدث هنا عن نيّات هؤلاء وصدقهم ورغبتهم العميقة في الإصلاح.. لكنني أتحدث عن الأثر الذي تركوه في مئات الآلاف من الشباب.. وهو أثر إيجابي أحيانا، لكنه سلبي وهدّام أحيانا أخرى.. فساهم بقوة في رفض قطاع من المتعلمين لتفاسيرنا "التقليدية" للقرآن، ولأكثر السنّة النبوية، وإعراضهم عن علومنا في العقائد والأصول والفقه، وكراهيتهم للعلماء، وتبرّئهم من تاريخنا، حتى "الذهبي" منه.. فحدث ما تراه بوضوح في كتابات أئمة القمامة من رؤية كل شيء له صلة بالإسلام والمسلمين بمنظور أسود قاتم وساخر ولا علاقة له بالعلم والموضوعية. يتبع..
إلياس بلكا
تعرّفنا في الحلقتين الماضيتين على ظاهرة جديدة نسبيا بالشبكة العنكبوتية، ومعقدة، وهي اجتماعية- ثقافية- دينية- سياسية في آن. وعندي رأي خاص حولها، ولا ألزم به أحدا. وأريد أن يعرف القراء أنه ليس لي مشكلة مع الأشخاص بتاتا، وأنني بهذه المقالات لا أقصد شخصا بعينه، بل والله لا يهمني الأفراد: لا فلان ولا علان.. أنا باحث متابع للساحة الثقافية، واهتمامي يتعلق بالظاهرة في كُـليتها وعمومها.. أما الأشخاص فأمرهم وأمرنا جميعا بيد الله سبحانه، ولا أحد يعرف خاتمة أحد.إذن نعود إلى سؤال محوري في موضوعنا هذا: هل ظاهرة أئمة القمامة عفوية أم مخطط لها؟ والجواب أنها الأمران معا. أولا- الناحية العفوية في الظاهرة:
كثير ممّن تورّط في هذه الظاهرة حسن النية، بمعنى أن بعض الكُـتاب والمدونين في النت صادقون في غيرتهم على الأمة وألمهم من أوضاعها السيئة، فظنوا أنهم مجتهدون، وأن علاج ما يحسبونه الأوضاع الخطأ في التعامل مع الدين يكون بالصدمة وبالنقد العنيف، بل بالهدم الأعمى. لكن صدق ابن حزم حين قال: "لا آفة على العلوم وأهلها أضرّ من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدّرون أنهم يصلحون".وتوجد بعض الأسباب الموضوعية ذات الصلة بانفجار وسائل الإعلام وبحر المعلومات التي تتدفق من كل مكان وفي كل اتجاه.. أضف لذلك الفردانية وطغيانها على الإنسان المعاصر، مع انتشار ثقافة الحرية، بما فيها حرية الفكر والاعتقاد.. كل هذا زاده سياق ما بعد الحداثة قوة على قوة، لأن من أهم سمات ما بعد الحداثة تدنيسُ كل مقدّس وانهيار المعنى وعدم احترامه.. فهذا كله صنع جوّا عاما من الفوضى الفكرية والعلمية. ثانيا- الناحية المخطَّط لها في الظاهرة:
وهذا ظني، والعلم لله سبحانه، أن جزءا كبيرا من الظاهرة غير طبيعي، بل مُصطنع تقف وراءه جهاتٌ تُغذيه وتشجعه وتخطط لانتشاره. 1- الهدف:
أحيانا حين أتأمل في الحرب الفكرية الجارية في عالمنا يبدو لي كأن مصدر التخطيط واحد، وأن الهدف أيضا واحد، إنه: تحطيم المُـقدّس عند المسلمين كيفما كان: - تحطيمه في علومنا: فكتب بعضهم في التشكيك في القرآن الكريم، وتمّ إحياء جميع الشبهات القديمة حول جمعه وحفظه، وزادوا شبهات جديدة زعموا أنها مقتضى اللسانيات واللغويات الحديثة. أما حديث رسول الله فأخذ القسط الأوفر من التحطيم، واختاروا صحيح البخاري، لأنه إذا سقط سقطت معه جميع دواوين السنّة وعلومها، ومن الرواة اختاروا أبا هريرة رضي الله عنه، لأنه الراوي الأول للسنن. كذلك جرى "تدمير الفقه".. كل هذه الثروة العظيمة من علومنا الفقهية، والتي اعترف بقيمتها القانونيون الغربيون والمستشرقون المحايدون.. كل هذه الثروة حاول بعض أئمة القمامة تسفيهَها وإلغاءَها بناء على بضعة فروع، أو في أحسن الأحوال بضع عشرات من اجتهادات بعض الفقهاء. - تحطيمه في التاريخ: عبر التشكيك في قيمة الفتوحات وشرعيتها، والغضّ من الدول الإسلامية التاريخية الكبيرة، كالأمويين والعباسيين والموحدين والعثمانيين.. حتى تجربتنا الرائعة بالأندلس هاجموها. - تحطيمه في عظمائنا ورجالنا: مثلا وقع منذ سنين قليلة هجوم مُركز على ابن خلدون وأنه سارق أفكار. ونبش بعضهم سيرة صلاح الدين الأيوبي فنعتوه بأقبح الأوصاف. وقام آخرون بالتهجّم على علمائنا الكبار، كأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، والغزالي، والجويني، والفخر الرازي، وابن تيمية.. 2- الأسلوب:
أما الأساليب فكثيرة بدأتُ في رصدها وترتيبها، وبحول الله سأشرحها مستقبلا.. لكن يمكن اختصارها هنا في كلمة واحدة هي: صناعة الاهتمامات الفكرية.كان مالك بن نبي المفكر الجزائري الرائع أحد الذين وصفوا هذه الظاهرة، في كتاب "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" وغيره.. فهو المراقب للتدافع الفكري بين الاستعمار الفرنسي والواقع الجزائري خصوصا، والإسلامي عموما.. لاحَظ كيف يعمد الغرب إلى إشغال المسلمين بالأفكار السيئة، كيف يحاول توجيههم فكريا مُستغلا في ذلك حتى أفضل الأفكار، كما استغل الإنجليز فكرة الجامعة العربية لضرب الوحدة الإسلامية نفسها.فكما للغرب مصانع لإنتاج الأسلحة، يوجد لديه أيضا مصانع لإنتاج الأفكار، وصنع الاهتمامات، وتوجيه المناقشات.يحكي المرحوم محمد الغزالي عن شعوره بوجود هذا التخطيط المركزي لإلهاء المسلمين بالتوافه من الأمور.. فقد خطب الجمعة في مصر، فسُئل عن حكم الخلّ في الإسلام، وأراد السائل أن يعمل من المسألة قضية كبيرة.. ثم سافر في بحر الأسبوع نفسه إلى أندونيسيا، فكان من أوائل الأسئلة التي أُلقِيت عليه: ما حكم الخلّ في الدين؟ وتوجد طرق عديدة لتوجيه الجمهور الذي يظن نفسه حرّ التفكير، لكنه في الواقع يُساق سوقا إلى أفكار معينة واهتمامات محددة. من تجاربي الشخصية أنني كنت أتوصّل بشكل دوري برسائل لشخصية باسم مستعار.. ماذا تكتب هذه الشخصية؟ في كل مرّة يكون موضوع الرسالة، والتي لا تتجاوز صفحة واحدة، إما قضية خلافية معروفة في تراثنا، لكنها هامشية ليست مهمة، وإما قضية مختلقـَة، أعني كأن الخلاف القائم لا يكفي فعمَد هذا "الرجل"، أو جهاز التخطيط الفكري، لصنع خلافات جديدة ونشرها بين الناس. مثلا يوجد خلاف معروف عن الخضر عليه السلام، هل هو حيّ أم ميّت؟ هذا معروف وكتَب فيه الناس كتبا مستقلة، والمسألة أصلا غير مهمة. لكن هذا "الجهاز" أرسل لي مرة رسالة يدافع فيها عن أن يحيى عليه السلام حيّ يرزق.. وذكر "أدلة" ودعاني للنقاش والحوار.. ومرّة كان الموضوع أن "وضع الخميرة في العجين يجعله مُسكِراً".. وأمثال هذه الفروع التي الغرض منها إشغال الناس وهدر أوقاتهم وطاقاتهم وصرفهم عن التفكير الحقّ. ثالثا- أهم الجهات المسؤولة عن ظاهرة مجتهدي القمامة:
وهذا بحسب رأيي والله تعالى أعلم. وهذه الجهات بعضها تُخطط بوعي، وبعضها تحرث بلا عقل. أ- دوائر التخطيط الغربي للحرب الفكرية:
لا أستبعد أن يكون للغرب، وأقصد الغرب المعادي لنا لأنه توجد به تيارات وشخصيات كثيرة لا تعادينا بل قد تتعاطف مع قضايانا.. دور في بروز ظاهرة القمامة، خاصة بالأنترنت.منذ استعمرت أوربا معظم العالم العربي والإسلامي دخلتْ في حرب فكرية، إذ أرادت استئصال الثقافة الإسلامية من هذا العالم لأنها جوهره المقاوم. فقامت القوى الاستعمارية بتجريف شديد لهذه الثقافة، فهمّشت التعليم الديني وحاصرت اللغة العربية ونفتْ العلماء وقام الاستشراق بمحاولة "علمية" لتفكيك التراث الإسلامي في سبيل نزع أي قيمة حقيقية وغيبية له، كما بيّن ذلك المفكر الفلسطيني البروتستانتي إدوارد سعيد في دراسته الشهيرة عن الاستشراق.. وهذه الظاهرة الجديدة وجه جديد لهذه الحرب. ب- بعض أجهزة المخابرات العربية؟
توجد دعوة لما يسمى بـ"الإصلاح الديني" في بعض بلداننا العربية والإسلامية، وهي حقّ أحيانا يُراد به باطل. وليس مُستبعدا أن تتورّط بعض الدول، من خلال أجهزتها بما فيها المخابرات، في ظاهرة أئمة القمامة، بتشجيع بعضهم أو الترويج لهم أو مَدّهم بالنفايات الجديدة لينشروها في أوساط الشباب خاصة.. وقد يكون بعضهم على وعي من هذا التدخل، فيما آخرون غير واعين به.. أو قد يكون الشعار هو الوقوف في وجه "الإرهاب" والإسلام "المتشدد". ج- دور السلفية الغالية (من الغلوّ):
للفكر السلفي الغالي، من الغلوّ، بعض المسؤولية في نظري عن ظهور أئمة ومجتهدي القمامة. ذلك أن هذا الاتجاه المتشدد في السلفية لم يترك عالما ولا فقيها، لا قديما ولا حديثا.. إلاّ وذمّه، بل بدّعه أو كفّـره، فساهمت السلفية الغالية في تحطيم صورة علمائنا وتراثنا لدى كثير من أوساط الشباب. كما أن التطرف الذي خرج من عباءة السلفية، والذي اتخذ أشكالا عنيفة دموية، نفّر الناس من الدين، فعمد بعضهم إلى إصلاح الإسلام بزعمهم، وهذا ما يُـفسّر بعض الإقبال على اجتهادات أئمة القمامة. د- دور التشيع الصفوي:
كان للتشيع الصفوي، وليس العلوي المحترم، دور كبير في بروز ظاهرة أئمة القمامة، وهم الوجه المقابل للسلفية الغالية، فهم مثلهم حرصوا بمختلف الوسائل على تسفيه علومنا وتراثنا وتاريخنا.. لذلك يحبّ كثير من هؤلاء الشيعة صفحات ومنتديات مجتهدي القمامة، ويشجعونها وينفخون في أصحابها. و- دور بعض الشخصيات الفكرية والإعلامية:
لبعض هؤلاء أثر كبير في انتشار الظاهرة، كمحمد شحرور وعدنان إبراهيم وحسن فرحان.. وأثر هؤلاء أكبر من أثر سابقيهم كنصر حامد وسعيد العشماوي مثلا. لا أتحدث هنا عن نيّات هؤلاء وصدقهم ورغبتهم العميقة في الإصلاح.. لكنني أتحدث عن الأثر الذي تركوه في مئات الآلاف من الشباب.. وهو أثر إيجابي أحيانا، لكنه سلبي وهدّام أحيانا أخرى.. فساهم بقوة في رفض قطاع من المتعلمين لتفاسيرنا "التقليدية" للقرآن، ولأكثر السنّة النبوية، وإعراضهم عن علومنا في العقائد والأصول والفقه، وكراهيتهم للعلماء، وتبرّئهم من تاريخنا، حتى "الذهبي" منه.. فحدث ما تراه بوضوح في كتابات أئمة القمامة من رؤية كل شيء له صلة بالإسلام والمسلمين بمنظور أسود قاتم وساخر ولا علاقة له بالعلم والموضوعية. يتبع..
Published on May 29, 2016 14:07
May 24, 2016
المفكر الإسلامي المعروف إلياس بلكا في حوار مع ناظورسيتي حول نشأته بالريف ومشروعه الفكري .
المفكر الإسلامي المعروف إلياس بلكا في حوار مع ناظورسيتي حول نشأته بالريف ومشروعه الفكري .
انظر الحوار في هذا الرابط:
http://www.nadorcity.com/المفكر-الإسلامي-المعروف-إلياس-بلكا-في-حوار-مع-ناظورسيتي-حول-نشأته_a39337.html
Published on May 24, 2016 14:43
May 21, 2016
أئمة القمامة بالفايسبوك والتويتر (2): نماذج وأمثلة
أئمة القمامة بالفايسبوك والتويتر
(2):
نماذج وأمثلة
إلياس بلكا تعرّفنا في الحلقة الماضية على ظاهرة أئمة القمامة، وأظنها المقصودة للأستاذ مصطفى شنديد، وهو ممّن احتكّ بهذه الظاهرة، خاصة بالفايسبوك، قال: من أغبى القراءات، قراءة التراث بطريقة البحث عن القمامات والوساخات التي توسخ الحاضر. واليوم نتعرّف على بعض الأمثلة، مجرد أمثلة معدودة لبحر متلاطم موجُه، إذ هؤلاء الأئمة نشيطون جدا بالنت، يكتبون أكثر ممّا يقرؤون، وليس شرطا عندهم أن يفهموا ما ينشرون ولا أن يتأكدوا منه:
العقــــــــــــــيدة:
أحد هؤلاء أراد أن يتدخل في باب الإلهيات من علم الكلام، وأشار لموضوع الصفات واختلاف المسلمين في بعض مسائل الموضوع، فاقترح حلاّ عجيبا، بكل ثقة نفس وقوة: دَعوا الناس ترسم لله صورة الكمال في أنفسهم على حسب صورة الكمال التي لديهم.. فاقترح أن يؤمن كل واحد بالله كما يظن هو، وبحسب تطور العلوم التجريبية (كذا قال) في كل زمان. هكذا جعل من الإيمان الواحد تفكيرا لا أدريا ينتهي بصاحبه إلى عدم الإيمان بشيء، أو يكون عندنا أنواع من الإيمان بعدد المؤمنين اليوم. لذلك فتح أئمة القمامة الباب ليُركّب كلّ من شاء دينا خاصا به، كهذا الشاب الآخر الذي جمع آيات قرآنية، ولم يذكر حديثا واحدا، وفسّرها كما شاء، ثم قال: هذه هي خلاصة الإسلام الذي استخلصته واستطعت فهمه من كتاب الله عز وجل .
الحديـــــــــــــث
: أحدهم نصّب نفسه مجتهدا عالميا للمُهمة المقدسة التي سمّاها " تبرئة الرسول من أساطير المحدثين." إنها تخريفات تنقض النبوة، وتمنع من تشغيل العقل، وتخالف العلم، والأدهى والأمرّ أنها أساطير بالمئات، بعضها قواعد كأسطورة أن "صحيحيْ البخاري ومسلم هما أصحّ الكتب بعد كتاب الله". (ولستُ أدري ما الكتاب الأصحّ بعد القرآن، إن لم يكن جامع البخاري فما هو؟ "العقد الفريد" لابن عبد ربّه؟). وبعض أساطير أهل الحديث وتخاريفهم (كذا قال) هي الأحاديث المخالفة للقرآن وللعقل، أي عند صاحبنا. وهذا إمام آخر جهِد جهده أن يُثبت ضعف حديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله.. فعلقتُ عليه: "يا شيخ ما تشوف دراسة تُضعّف بها حديث: بُني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت.. فهذا الحديث سبّب للأمة كوارث وأثقل حركتها ومنعها من الشغل النافع في المصانع والمزارع في سبيل التقدم والتطور.. وإنما الدين في القلب." لذلك وضع أحد العباقرة قاعدة جديدة، وهي أنه يمكن ردّ أيّ حديث، لأننا عندما نقرأ سيرة النبي محمد نجد أن الصحابي يعترض على قول النبي، ليس من باب التكذيب ولكن من باب التصويب والاستبصار.. واحد محامي قرأ حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بما معناه: إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله، فإنّ ذاك يردّ ما في نفسه، وفي رواية: فإن معها مثل ما لأهله. وهكذا عوض أن يتريّث هذا العبقريّ ويسأل الرجال، وعوض أن يبحث في كتب علم النفس والتربية الجنسية ويسائل الدراسات النفسية التي ذهبت بعيدا في هذا المجال وغيره، وهي دراسات علم نفس الجنس.. فربما كان جاهلا بخلفيات الموضوع.. فإنه أبطل الخبر وحوّل المقال إلى استهزاء وسخرية من السنة الشريفة وأهلها.. ليست مشكلة هؤلاء مع جزء من الأحاديث، بل مع معظمها، ولا تتصور كمْ من الأحاديث النبوية يردّون.. حتى خبر أن بعض الأمة تشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شربة لا ظمأ بعدها أبدا.. هذا مردود. تحوّل بعضهم إلى عقول مريضة ترى في كل حديث مشكلة ومنقصة.
الفقـــــــــــــه:
طريقة مجتهدي النفايات –وهم الذين لم يدرسوا الفقه دراسة حقيقية، ولو لمدة سنة واحدة- هي التركيز على بعض الأحكام والفتاوى، خاصة الشاذة منها.. ثم الانطلاق منها لهدم الفقه كله. والطريقة الثانية هي تسفيه الفقه والفقهاء، ومن أنواع السبّ للفقه: فقه الصحراء.. فقه الأعراب.. فقه إرضاع الكبير وشرب بول البعير.. ولا يفوتهم طبعا أن يؤكدوا على أن الدولة الأموية والعباسية تدخلتا في صياغة الفقه لصالحهما. لكن: لماذا، وأين، ومتى، وكيف، وما هي الدراسات والأدلة؟ لا جواب. بعد هذا تأت جماعة من أئمة القمامة، فيعرضوا علينا الفقه الصحيح. قال أحدهم: لا حاجه لنا هنا بأقوال الفقهاء حيث اخترعوا دينا جديدا وتقوّلوا على الله ما لم يَقله. فاجتهد فاكتشف مثلا: الحيض ليس من مبطلات الصيام. والإفطار في الصيام لا يكون مع آذان المغرب، بل يجب أن يكون مع دخول الليل.
التاريــــــــــــــــــخ:
التاريخ مجال مفضل عند أصحابنا هؤلاء. هذا مثلا يُفسر لنا حركة الفتوحات ويعللها: "حكام مسلمون ظلمة اشتهوا أن يكونوا أباطرة إمبراطوريات. فرَشَوْا من وضعوا لهم نصوص الإكراه المنسوبة كذبا إلى النبي، وتأويلات الإكراه المنسوبة كذبا إلى القرآن. فكانت غزوات جيوش هؤلاء الحكام المسلمين الظلمة على الدول المجاورة. فكانت الحروب الصليبية التي انتهت باحتلال بلاد المسلمين وتنحية الإسلام حتى عن حكم المسلمين ردّا على ذلك." قلتُ: يا سلام على عبقرية التحليل. لو عرضتَه على أيّ مؤرخ محترم سيقول لك: هذا يسمى أيّ كلام. والثاني يتأسف على الحضارة الإسلامية بالأندلس ويتمنى لو ما كانت، يقول: تخيّلوا لو الأندلس بقيت في يد المسلمين؛ كيف سيكون حالها؟! كنتم ستسمعون يومياً تفجيرا في مسجد قرطبة، في مسجد غرناطة.. ماذا أقول، والمؤرخون الإسبان أنفسهم يعترفون بأن الوجود الإسلامي بإسبانيا أنقذها ممّا يسمى في أوربا بـ: العصور المظلمة؟ هل قرأ هذا الإمام ما يقوله المستشرقون والمؤرخون الإسبان، هل سألهم؟ لكن صاحبنا مصرّ على أن حركة الفتوحات مصيبة تاريخية، قال بعد كلام:"... هذا الفقه القديم الذي أصرت دول المظالم على استبعاده لتُلهي الشعوب بالفتوح عن الإصلاح الداخلي وتطبيق الشورى .. فأضاعوا الإسلام وأهله بفتوح كانت تخدم المستبدين فقط.. مع توقّـفنا في الفتوحات الأولى، فقد كان العرب في العراق والشام مضطهدين من الفرس والروم، إلا أن ما سواها لا شرعية له، وكان ضرره على الفكر والإصلاح الداخلي أكثر من فوائده المادية." أقول له: نحن أهل المغرب نقول لمن فتحوا شمال إفريقيا: جزاكم الله خيرا عنا، فلولاكم لكنّا اليوم إما وثنيين أو مسيحيين، والاحتمال الثاني أغلب.. كان أجدادنا الأمازيغ يقدسون الشمس.. فجزى الله كلّ خير من أوْصل الإسلام إلى أجدادنا، ومن أخطأ من الفاتحين في حقّ أسلافنا غفرنا له ذلك لأن الإسلام وصلنا في النهاية فخرجنا من الظلمات إلى النور. وقدّم واحد آخر بثقة تامة قراءة غريبة لتاريخنا لم يُسمع بها قبله، فقال: عندما كان ملوك وسلاطين المسلمين، عبر التاريخ، يسرقون أرزاق الناس، فيبنون القصور، ويتمتعون بأجود الجواري، ويأكلون أشهى الأطعمة، كانوا يرسلون الفقهاء وخطباء المساجد، ليخبروا الشعب المقهور، أن الدنيا فانية، وأن أشراط الساعة قد ظهرت، ولم يبق وقت طويل للقيامة، وأن الحياة الحقيقية في الجنة.. الخ. ومن هنا نفهم حرصهم على أن تكون المساجد، والشأن الديني، خاضعا لسيطرتهم. ولجماعتنا هؤلاء كلمة أثيرة على قلوبهم، ويذكرونها كثيرا، وهي: تاريخنا مزيف. الحاضر يُزيّف فكيف بالماضي. وعلقتُ عليهم مرة فكتبت: برافو على المؤرخين الكبار! الذين لو تولّوا المسؤولية لحذفوا جميع كليات التاريخ من العالم العربي، لأن الأشرار زيّفوا تاريخنا كله.
أخلاقــــــــــــــهم:
ومن السمات البارزة لأئمة القمامة: سوء الأخلاق، حتى إن الباحث لو جمع شتائمهم وسخرياتهم لحصل على "قاموس الشتائم للمجتهدين الجدد". من ذلك: كتب أحدهم: عندما أكون مع إنسان يُظهر التديّن أشعر أنه جسم إنسان مع رأس بهيمة. وأغلب الظن أنه رأس بعير أو معزة أو أي حيوان صحراوي. لذا تحسّسوا رؤوسكم أيها المتأسلمون. وكتب آخر: "صحيح طفيح المجاري" المُتعارف عليه إعلاميا بـ: صحيح البخاري. أما جمهور الأمة في الماضي والحاضر، وهم أهل السنة والجماعة، فهم: الغوغاء، الجاهلون، المغفلون، المنافقون، أتباع كلّ ناعق.. في الحلقات القادمة سنتعرّف بعمق على أسباب هذه الظاهرة وتفسيرها، وهل تشكّل تحدّيا حقيقيا أم لا. يتبع..
Published on May 21, 2016 04:34
May 20, 2016
قصة السيد علي الصوفي الشاذلي التونسي.. وقصة أصدقائه... بالنت.
فبدأ الرجل ينشر بعض علمه في المنتديات، ويشرح للناس بعض الحقائق العرفانية الرفيعات. فأتى بما أبهر العقول، وشرح لهم طريقة الوصول. فأحبّه الأكثرون، وحسده الأقلّون.
فأما الأولون، فقد استفادوا منه ما شاء الله لهم ذلك، لكن كثيرا منهم أخطأ، فأحيانا تكون الخاطرة أو المنشور في الشرق، ويجيء ال...تعليق في الغرب.. وأحيانا يعمد أحدهم فيتعلق في المنشور بكلمة أو فاصلة فيبني بها قضية، ويحوّر بها المناقشة، فتضيع الفائدة..
وكان لبعضهم معارك شخصية صغيرة، فعمدوا إلى تصفيتها في صفحة هذا الوليّ العليّ.
من هذا وغيره يتكدّر خاطر صاحبنا، وهو لا يلقي علمه إلاّ بشرط الصفاء: من نفسه ومن مُستمعيه.. وحتى من زمانه الذي هو في الغالب ليلٌ بسكونه ورحماته.
لكن هؤلاء المحبين أكثرهم (ذرية ضعافا )، قلّ أن ردّوا عنه هجوما أو أخذتهم الحمية للدفع عنه.. فآثروا السلامة، و"حفظ" الكرامة.
وهنا نأتي إلى الآخرين. هؤلاء أكثرهم حسده، وقالوا: من هذا الذي فضّله الله علينا بهذا الفيض البديع؟ كيف، وهو لا يحمل لقب أستاذ أو دكتور، لا يعرفه منا أحد، ولا يُرى عليه أثر الكبر، ولا يضع على رأسه عمامة فخمة عالية، ولا يحيط به الأتباع والتلامذة، (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم!؟).
هؤلاء إن أحسن صاحبنا ألف مرة لا يقولون له أحسنت، وإن ظنوا أنه زلّ مرة، كشّروا عن أنيابهم وأخرجوا ضغائنهم. لا يعجبهم منشور، ولا يشاركونه لنفع الجمهور.. فهم عن بعد يقرؤون، كأنهم بليل يسرقون.
وابتلى الله الجميع بحِدّة موسوية تعتري صاحبنا، حدّة بدَت لبعضهم نفسية، وهي في حقيقتها تربوية، كالدرة العمرية.. فلم يصبروا، بل لأنفسهم انتصروا، ولكبريائهم غضبوا.
سلموا له أقواله وما سلموا له أحواله، وهما من مشكاة واحدة.
كان صاحبنا لبعض الناس فتنة، فكأنه طالوت هذا العالم الافتراضي: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا.. الآية)
فأرسل الله إليهم طالوتا: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا. قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ؟ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ، وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)..
حُجبوا ببشريته عن رؤية فضْل الله عليه.. رأوا صورته، وما رأوا مَن مِن مرقده بعثه؟
فسبحان الجليل الحكيم كم يلوّن في الابتلاء، وكم يُنوع في الاختبار، والناس لا يبصرون.
فجرت على القوم سنّة الله الماضية أن الكفر بالنعمة موجب لزوالها: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ .) كذلك قال نبينا: إن العبد ليُحرَم الرزق بالذنب يصيبه.
وليست الأرزاق فقط أموالا وأعراضا.. بل أيضا علوما وأنوارا وأذواقا.
لكن ما ذنب الطيبين؟ هذا سؤال أم المؤمنين: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نَعم إذا كثر الخبث.
الخلاصة :
كان صاحبنا هدية من السماء، ومائدة نورانية من الرحمن، تلقّـاها بالشكر أقوام فربحوا، وبغيره تلقاها آخرون فخسروا ، لا أدري أيشعرون بهذا أم لم يشعروا..
فأوحى ربك إلى عبده -عليّ العَلي- ما أوحى.. ألاّ تحزن إنك أنت الأعلى.. وأن اتْرك النت وما حوى، وعُد أيها الفتى إلى الكهف مرة أخرى، ولن ترجع إلاّ أن يشاء ربك ويرضى.
هذا موجز قصة السيد علي الصوفي الشاذلي التونسي.. وقصة أصدقائه.
http://ilyassbelga.blogspot.com/2015/06/blog-post.html
Published on May 20, 2016 15:32
May 13, 2016
أئمة القمامة بالأنترنت(1): وصف الظاهرة.
أئمة القمامة بالأنترنت (1):وصف الظاهـــــــــــــرة
توضـــــــيح:
المـــــــــــــــــقال الأول:
توجد ظاهرة جديدة نسبيا بالشبكة العنكبوتية، وهي اجتماعية-ثقافية-دينية-سياسية في آن. وعندي رأي خاص حولها، ولا ألزم به أحدا. إنها ظاهرة "التعالم" و"ادعاء الاجتهاد من غير أهله" و"الجرأة غير المسبوقة في الأحكام."
وهذه ظاهرة معقدة قررت بحول الله أن أكتب عنها مجموعة مقالات، لأنني اكتشفتُ أنه لا يمكن لي شرح رأيي بدقة وشمولية في هذه القضية من خلال مقالة واحدة.
أرجو من القراء الكرام قراءتها والتعليق عليها بحرية والتعبير عن آرائهم في هذه الظاهرة.
من جهة ثانية أنا في أمسّ الحاجة لأمثلة ونماذج ممّن سميتهم "أئمة القمامة".. فليت الأصدقاء يرسلونها لي، والأفضل أن يكون ذلك برسالة على الخاص حتى لا نشهّر بأحد.
من جهة ثالثة أريد أن يعرف القراء أنه ليس لي مشكلة مع الأشخاص بتاتا، وأنني بهذه المقالات لا أقصد شخصا بعينه، بل والله لا يهمني الأفراد: لا فلان ولا علان.. أنا باحث متابع للساحة الثقافية فاهتمامي يتعلق بالظاهرة في كُـليتها وعمومها.. أما الأشخاص فأمرهم وأمرنا جميعا بيد الله سبحانه، ولا أحد يعرف خاتمة أحد. لذلك فصداقاتي متنوعة فيها حتى بعض الملحدين.
أخيرا أتمنى أن يشارك القراءء هذا المقال حتى يعمّ النفع ونتعاون على الأمر بالمعروف والتنبيه على الخطأ.
رفقته المقال الأول الذي نشر البارحة بجريدة الأخبار: كبرى الجرائد اليومية المغربية: إلياس بلكا
ظروف ظهور الأئـــمة
الجــــــــــــــــــدد: انفجرت في العقد الأخير ظاهرة مواقع التواصل الاجتماعي، فكثـُرتْ وكثر عددها وتنوعت صورها.. وأصبح يرتادها ما يقدر بـ 130 مليون مواطن في العالم العربي.
مع الوقت برزت ظاهرة لبعض الشباب الذي يزعم أنه يريد إصلاح الأوضاع في العالم الإسلامي، فبدأ يثير أسئلة ويطرح إشكالات، وهو في الغالب ينقلها عن غيره.. وبدأ يتجمّع حول هؤلاء ما يسمى في لغة التواصل بالأنترنت: أصدقاء. وهؤلاء يضعون علامة "لايك" على المنشور الذي يعجبهم، وهو في الغالب فقرة من بضعة أسطر. وتعني "لايك" بالعربية: أعجبني.. ثم أصبحت هذه الإعجابات مهمة، فكأنها العُملة النقدية لمواقع التواصل، لذلك كلما كثرت أحسّ صاحب الحساب من هذا الشباب "المجتهد" بالرضى والفرح، فيزيده ذلك اجتهادا وحرصا على تطعيم الأصدقاء بمزيد من الأسئلة والإشكالات.ولما كان موضوع الإسلام هو موضوع الساعة في العقود الأخيرة، خاصة في العالم العربي-الإسلامي، فقد اتجه هؤلاء الشباب إلى هذا الموضوع بالذات لأنه يثير الانتباه ويصنع الجدل.. إلى جوار أسباب أخرى طبعا.
"آمن" هؤلاء الشباب (وضعتُ "آمن" بين مزدوجتين لأنني لم أعد أعرف بما يؤمنون، وإن كنت على يقين كما سأشرح ذلك لاحقا بأنهم يؤمنون بشيء واحد ثابت، وهو: نفوسهم.)... قلتُ: "آمن" هؤلاء الشباب بأن إصلاح أحوال الأمة يبدأ بإصلاح أو تغيير الدين، فانطلقوا يبحثون في هذا الدين عن "مكامِن الضعف ومواطن الداء" أو في فُهوم الأمة للدين.. فاهتدوا إلى أنها كثيرة، بل هي في واقع الأمر تتعلق بكل ما له علاقة بالإسلام وبالمسلمين. وأبرز ذلك ما يلي:
1- النص المُؤسِّس للدين: أي القرآن والسنّة. اتجه "النقد" بداية إلى الحديث النبوي، لأن الإسلام من دون حديث يتحوّل إلى مجموعة قيم ومبادئ عامة يمكن إفراغها من مضمونها بسهولة، إذ إن العدد الأكبر من مسائل الاعتقاد والسلوك الفردي والاجتماعي.. ترجع إلى الحديث، فإذا أسقطته سهُل عليك إنكار عذاب القبر وخروج الدجال ونزول المسيح مثلا.. وفي الحياة اليومية تخِفّ التكاليف جدا بإسقاط الحديث، وتتقلّـص دائرة الواجب والحرام .. إلى أبعد حدّ. ولمّا كان الراوي الأول للأحاديث هو الصحابي الفاضل أبو هريرة، فقد وقع الهجوم عليه أوّلا، فظهرت كتب ومقالات ومناشير في عالميْ الورق والأنترنت.. تحاول إقناع الناس بأن أبا هريرة شخصية غير جديرة بالثقة.. ثم شيئا فشيئا انتقل الهجوم إلى سلسلة الرواة بأكملها، فقالوا: ليس من الضروري أن نستمع للرواية، ومن حقنا أن نأخذ ما نشاء من الرواية ونرفض ما نشاء، والمعيار في ذلك هو العقل، وربما قال من يريد الإبقاء على شعرة معاوية مع الإسلام: المعيار هو عدم مخالفة القرآن. ثم هو يعطي لنفسه الحرية التامة في أن يُحدد ما يتفق مع القرآن وما لا يتفق..كذلك لما كان أصحّ كتاب في السنة النبوية هو الجامع الصحيح للإمام أبي عبد الله البخاري، فقد وقع هجوم مُركّز عليه، بدأ بحكاية أنه ليس كل ما في كتاب البخاري صحيح، ثم انتقل إلى أن الكثير ممّا في البخاري غير صحيح لمخالفته بزعمهم للقرآن أو للعلوم أو للعقل.. ثم انتقل الهجوم إلى فكرة أخرى وهي أن أكثر ما في كتاب البخاري غير صحيح، وأن تمييز الصحيح من غيره يكون وفق طريقة أخرى غير طريقة المُحدثين، أي وفق العقل وما يرتضيه.2- العلوم الشرعية: اعتبر هؤلاء الشباب أن هذه العلوم علوم بشرية، وأن من حقهم أن يأخذوا منها ما يشاؤون ويتركوا ما يشاؤون. ثم ظهر لبعضهم أنه من الواجب تجاوز هذه العلوم، فهاجموا خصوصا الفقه الإسلامي، وكان الغرض هو إزالة احترام الناس للفقه وللفقهاء. كما هاجموا كثيرا من تفاصيل العقائد الإسلامية واستهجنوها.
3- تاريخ الأمة: وهذا من أهم المجالات التي امتد إليها "اجتهاد" أئمة الفايسبوك والتويتر. بدأ ذلك بالتشكيك في بعض الأحداث التاريخية، ثم بإبراز بعض النقاط السوداء في تاريخنا.. وانتهى أخيرا بالحكم على هذا التاريخ بأنه مُزور لا ثِقة به، وبأن المؤرخين المسلمين كذبوا علينا، وبأن تاريخ الأمة عبارة عن حروب وسفك دماء وجواري.. وانتهى الأمر.
أين المشكلة مع
الأئــــــــمة الجدد ؟ والآن ما هو اعتراضنا على هذا الموضوع؟ لست أعترض على الشباب الذي يريد أن يجتهد فيشخص الأمراض ويصف الأدوية ويفكر في المشكلات ويبتكر الحلول.. على العكس من ذلك، هذا ما ينادي به الجميع منذ بدأت النهضة العربية-الإسلامية في منتصف القرن التاسع عشر.. وأنا شخصيا كتبتُ هذه السنة في "سلسلة الأسئلة المشكلة في تراثنا الإسلامي" عن حوالي أربعين قضية بحاجة للبحث. وكتبتُ السنة الماضية في "سلسلة آفاق جديدة في البحوث الإسلامية" عن أكثر من خمسين قضية دعوت الشباب لدراستها وحلّ مشكلاتها.
إنما نعترض على جملة أمور، أهمها أمران:الأول- مدى الأهليّة العلمية لمن يريد أن يخوض في العلوم الإسلامية خصوصا، وفي العلم عموما.الثاني- المنهج العام الذي يسير عليه هؤلاء الشباب.سأبدأ بشرح الاعتراض الثاني حتى يتضح للقارئ الكريم ماذا أقصد بعنوان المقالة، على أن أشرح الاعتراض الأول في الحلقات القادمة بإذن الله، وملخصه، أعني الاعتراض الأول: الضحالة العلمية لأغلب هؤلاء الشباب، أي أن تكوينهم العلمي المعرفي ضعيف لا يؤهلهم للكلام الكبير وفي القضايا الكبيرة.
جمع النفايات: ملخص منهج أئمة القمامة. إذن لا حرج في الاجتهاد وإعمال العقل. لكن الذي يفعله أغلب هؤلاء الشباب في الأنترنت، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الفايسبوك، هو أنهم يجمعون من تراثنا العربي-الإسلامي كلّ شيء يظهر لهم أنه سلبي فينشرونه ويجعلونه مادة للسخرية من الدين، أو على الأقل الدين كما فهمته الأجيال المتتابعة من العلماء من أربعة عشر قرنا، أو للسخرية من الأمة وتاريخها وحاضرها. فهم ينتقُـون أحداثا أو أقوالا معيّنة، ويقدمونها بطريقة هدّامة، وبإصرار واستمرار:
إما من الحديث النبوي أو آثار عن الصحابة، وبعض ذلك سنده صحيح وبعضه سنده واه أو حتى موضوع.
إما من التاريخ، كالتركيز على حادثة تاريخية، ولتكن مثلا خطأ وقع فيه أحد الفاتحين أو الحُكام أو العلماء... فيصوّرون تاريخ الأمة كله بهذا الشكل.
إما من الحاضر بإبراز كل نقص في حياة المسلمين وتجاهل كل إنجاز إيجابي لهم.
بعض هذه الأمور التي يذكرونها صحيحة مطلقا، وبعضها صحيح لكن يجب وضعها في سياقها الخاص بها.. وبعضها غير صحيح بتاتا، لكنهم لجهلهم وتسرّعهم وحِرصهم على مفاجأة جمهورهم.. يَروْنها كذلك.
بالمختصر تحوّل هؤلاء الشباب إلى آلات لجمع النفايات، سواء منها النفايات الحقيقية أم الوَهمية.. فهم كآلات سكانير لا تلتقط إلاّ ما هو سيّء أو يظهر لهم أنه سيء.لكن يوجد فرق بين جامِعي القمامة في المدن وبين هؤلاء، فجامعو النفايات أفضل منهم بكثير لأنهم يجمعونها من الناس ويلقونها بعيدا عنهم فيساهمون في نظافة حياتنا وأحيائنا.. فلهم كل التحيّة والاحترام. أما أصحابنا فيجمعون النفايات ويحرصون على نشرها بين الناس وإلقائها في وجوههم. لذلك سميتهم: أئمة القمامة، أو مجتهدي القمامة.بحول الله تعالى في الحلقة القادمة سأقدم نماذج لهذه النفايات ولطريقتهم في نشرها بوسائل التواصل الاجتماعي، وسأشرح خطورة هذه الظاهرة وكيف أن أغلب أهل العلم والفكر والثقافة لا يعرفونها، وإذا صادفوها في الشبكة العنكبوتية لم يعطوها ما تستحقه من اهتمام، بل ربما استهانوا بها، رغم أن معظم النار من مستصغر الشّرر.
وأرجو أن يصبر القارئ على هذا الموضوع، فهو أعقد ممّا يظنه الكثيرون.
Published on May 13, 2016 13:23
إلياس بلكا's Blog
- إلياس بلكا's profile
- 50 followers
إلياس بلكا isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

