رسالة الأستاذ علي الصوفي الشاذلي لملوك ورؤساء العالم ولكل مسؤول وللشعوب أيضا. رســــــــــــــالة النصيحـــــــــــة:



رسالة الأستاذ علي الصوفي الشاذلي لملوك ورؤساء العالم ولكل مسؤول وللشعوب أيضا.رســــــــــــــالة النصيحـــــــــــة:بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه، وعلى جميع ساداتنا الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم أجمعين." هذه رسالة أولى أكتب بها إلى رؤساء وملوك العالم وشعوبهم كافّة، تليها إن شاء الله تعالى رسالة ثانية أكتب بها إلى المسلمين كافة حُكّاما ومحكومين. "أمّا بعد:اعلموا - بَصّركم الله تعالى ببصائر الإيمان وفتَح على قلوبكم أبوابَ الهداية بِمَدد الإيقان وروح الإحسان قبل حُلول سنن الله تعالى في الخَلق كلّما ظلموا، القائل سبحانه: ( وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا ):  أنّ العالَم أمْسى اليوم في مُفترق طرقٍ على جرف هار يكاد يخِرّ بالخلق أجمعين، حيث هوَتْ دَركات الباطل وظُـلمته إلى مستوى تَزاحَم فيه وتَناطَح نور الحقّ في مراتبه.. حتّى أوْشك العالَم في الآونة الأخيرة على الاجتماع على الباطل واستبدال الحقّ به، بما يحدث مِن تحريف وتضليل للعباد في مختلف البلاد عبر وسائل إعلام جبّارة تـَبثّ السّموم الشيطانية بين مختلف أجناس وأعراق شعوب العالم، حتّى كره الإنسان أخاه الإنسان، وحَقد الإنسان على أخيه الإنسان، وسفك الإنسان دم أخيه الإنسان، وأكل الإنسان ظلما رِزق أخيه الإنسان، واعتدى الإنسان على أملاك أخيه الإنسان، واغتصب الإنسان أراضي وبلاد أخيه الإنسان، وشَرّد الإنسان أهالي وذراري أخيه الإنسان..  حيث لا تَملّ تلك الوسائل الإعلامية -في خِضمّ هذه الثورة المعلوماتية- ولا تَكلّ في نشر الأكاذيب والأراجيف والعمل على إدْخال الفوضى والفتن والتضليل والتلبيسات.. تُـرَوّجها بين العباد في مختلف أنحاء البلاد مُلبّسة عليهم كونها حقّا وعدلا ..تلك الوسائل الإعلامية الضخمة والتي تُموّلها أموال هائلة.. دخلتْ كلّ بيت وخرّبت في كلّ عقل، فوجّهت قلوب العباد ضدّ بعضهم بعضا، فزَرعت العداوات الحاقِدة والخصومات المريرة، ودفعتْ بالعالم نحو الدمار والحروب والصدام الظاهر والباطن..  حيث يتخفّى وراء ذلك الغول الإعلامي الرهيب أقنعةٌ، لو فتّشتم وبحثتم فحَتما ستعرفونها، ويمكنكم عندئذ رصْد دائرة أفراد نواتِها، فأين العقلاء في حكوماتكم وبِطاناتكم وبين شعوبكم ؟اعلموا أنّ الله تعالى خلق الخلـْق كلّهم مُعترفين بألوهيته شاهِدين على توحيده، وجَعلهم خلائِف الأرض ليعبدوا الله وحده لا إله إلا هو، بعد أن وَحّدوه في عالم الأرواح وشهِدوا على أنفسهم في ذلك العالم بألوهيته، كما قال تعالى في القرآن الكريم: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ).وأنّ الله تعالى أمَر بالإصلاح في الأرض لا بالإفْساد  فيها، كما قال تعالى في قرآنه الكريم الذي هو جِماع ما في الكتب السماوية السابقة التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه ورسله عليهم السلام: ( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا).إنّ من الإفساد في الأرض نشر الكفر والشرك والإلحاد المتطرّف واللادينية بين العباد في مختلف البلاد.. والسكوت عن الظلم والرضى به، واستبدال الطاعات بالمعاصي، وعدم استقامة النفوس وترهيبها من عذاب الآخرة ويومِ القيامة بِترك مُساعفتِها لأهوائها والحرص على شهواتها الدنيوية ورغباتها العاجلة الفانية التي لا تسوى شيئا عند العقلاء والحكماء، ما يَستوجِب الخروجَ عن منهج الله تعالى -خالق الكون: الربُّ المعبود-، وذلك بترك لِجام مجاهَدتها بلا أي رادع ولا زاجر، كما قال تعالى: ( وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ )، وقال تعالى: ( قَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ).وأنّ الله تعالى جعل العدلَ أساس  الاستخلاف في الأرض، فلا استمرار للحياة من دون عدل، فمتى فُقدتْ معانيه بَطُـلت بذلك أحقيّة الاستخلاف في الأرض، وحَلّ العذاب ظاهرا وباطنا، فإنّه لا شيء يَستوجب العقوبةَ والهلاك والعذاب والبَوار أكثر من الظلم، كما قال تعالى: ( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا).اعلموا أنّكم اليوم أمام مسؤولية عظيمة ومَسار تاريخي خطير، لم يشهد العالم له مثيلا بكلّ المقاييس، وذلك بعد أن امْتلك بعضُ بلدانكم -تحت إشراف خُبرائكم وباحِثيكم مِمّن لا يخشى الله تعالى ولا يَخافه- تِرسانات من الأسلحة الرهيبة التي لم يَشهد لها تاريخ الإنسانية من عهد آدم عليه السلام مثيلا، ولا شَهدتها الأرض قبل هذا اليوم منذ خلقها الله تعالى، لهذا هابَتكم بلدان وخافتكم أخرى وسايَركم غيرها.. حتى رضي بعضهم بسياسات صنّاع القرار منكم في مختلف الأصعدة ومجالات الحياة ، من السياسة والاقتصاد.. الخ.. وصولا إلى مستوى الدين والثقافة والاجتماع...اعلموا أنّ غرض إبليس لعنه الله تعالى -وهو أبو الشياطين الذي تَوعّد آدم وذُريته بالإغْواء ونشر العداوة بينهم وإشعال الحروب وارتكاب المظالم-  قد أخبر عنه الله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء .. .. الآية).وقال تعالى مُخاطبا جميعَ خلقه ومُختلف شعوب العالم: ( يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).وقد أخبرنا نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلّم أنّ جَميع الخَلق إخوة، وأنّه لا فرق بين عربي ولا عجميّ إلا بالتقوى، وأنّنا كلّنا من آدم، وآدم من تراب. وقد نصّ القرآن -الذي نزل على نبيّنا صلى الله عليه وسلّم- على أنّ الخلق أجمعون إنّما جَعلهم الله تعالى شعوبا ليتعارفوا، كما قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).وأنّ جميع المؤمنين من جميع الأمم هم إخوة، كما قال تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ).وأنّ تَعدّدَنا واختلافَ ألسنتنا وألواننا من آيات الله تعالى، كما قال تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ). وأنّ الأرض تسَعُـنا جميعا، فهي أرضُ الله تعالى الذي خلقها مُستقرّا للبشر إلى حين؛ فكلّ كائنٍ حيّ -من إنسان وحيوان- جَعل له فيها رزقه وقُوتَه الذي رزقه الله تعالى إياه، كما قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ).. كما أنّ الإسلام -دين الله تعالى- يَسعُ البشرية جمعاء على اختلاف فروق الألسنة والألوان والعادات والطبائع والأعراق والأجناس والطبقات ...وأنّه في الحقيقة يُوجد من الثـّراء الإنساني في مختلف الميادين وفنون ومجالات الحياة الدنيوية والدينية ما يجمع شملَ جميع تلك الشعوب لتتعارف وتتحابّ وتتسالم.. أكثر بكثير ممّا يظهر أنّه يُـفرّقها ويَبثّ بينها العداوة والبغضاء والأحقاد والثأر ..قال تعالى: ( كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين).ثمّ اعلموا أنّ أكبر كِذبة صَدّعت مَسامع الخلق وغزتْ قلوبَهم كالسِّهام الفاتكة، تنشرها وتُغذيها ألسنة خبيثة وسليطة ماكرة وشريرة في وسائل الإعلام العالمية في مختلف أنحاء الدنيا، هي كذبة وجودُ الحرب الدينية بين مختلف طوائِف أهل الاعتقاد من البشر. فقد بيّن لنا نبيّنا عليه الصلاة والسلام -فيما تلقّاه عن ربّه من القرآن- قوله تعالى: ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ).حيث إنّ هذه الآية نصّ صريح في عدم وجود شيء اسمُه الحربُ الدينيّة العقائدية في الإسلام، وإنّ الحربَ العقائدية القائمة والخُصومة الدائمة لم يبدأ بِها المسلمون، إذ دينهم ينْهاهم عن ذلك، بل بدأ بها خُصومهم ممّن يُعادونهم، كما قال تعالى: ( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ )؛ فالحربُ الدينية صادِرةٌ منهم نحو المسلمين، وكذلك كان الأمر منذ عهد نبيّهم محمّد صلى الله عليه وسلّم، لمّا همّتْ طائفة من طوائف بني إسرائيل بقتل نبيّ الله تعالى ورسوله العربي الأمّي عليه الصلاة والسلام، بعد أن خانوه ونقضوا عهدهم معه، بيد أنّه عقد  معهم معاهدة سلام تَحفظ كِيانهم ووجودهم وحقوقَهم في بلدهم حيث يعيشون بين العباد ويأكلون من خيرات الله تعالى في البلاد ..أما اليوم فمعاداتُهم قائمة أيضا، كما نراه ونشاهده من تشويهٍ لصورة هذا النبيّ العربي الأمّي المبعوث بالقرآن كلامِ الله تعالى رحمةً للعالمين عليه الصلاة والسلام، وذلك بنشر صور مشينة وكاريكاتير لا يَـليق بمقامات الأنبياء والمرسلين، أصحاب النفوس المطهرة والأرواح القدسية والقلوب الطاهرة النقيّة، إذ إن الاستهزاء بالرسل هو استهزاء بالله تعالى، لذلك قال تعالى في كتابه الكريم: ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)... فإنّ ذلك يَبثّ الأحقادَ في القلوب ويُفسد الوُد وروح التسامح، لما فيه من اعتداء على مشاعر وأحاسيس الآخرين، ويدفع البشر نحو التقاتل والتصادم، إذ لا يُعقل في دين الإسلام أبدا أن تُمسّ صورة نبيّ من الأنبياء، أو يُشان دينُه، بل هو من الكفر الصريح عند المسلمين كافّة، كما قال تعالى في قرآنه الذي أنزله على رسوله عليه الصلاة والسلام: ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون).ثمّ إنّ المشاكلَ التي يعانيها الاقتصاد العالمي وتَفشّي الفقر والجريمة، لم يكن سببها الديانات ولا الثقافات المتعدّدة -بما فيها دين الإسلام المظلوم-، وإنّما أسبابها الواضحة عند كل ذي عينين من العقلاء في مختلف حكوماتكم هي الأنظمة المالية الفاسدة المُسيطرة على أرزاق العباد التي امتلأتْ بطونُها وتَضخّمت أوْداجُها من الجشع والطمع والإرهاب الاقتصادي، واستعباد شعوب وبلدانٍ بحالها واتخاذها رهائن وودائع من حيث الديون بعد أن زاوجْتم بين السياسة والمال، فحَكم العالمَ أصحابُ رؤوس الأموال، ولو كان هذا الحاكم أو ذاك أرعنا صغيرا تافها لا قيمة له، فاحتكرتُم التجارة والصناعات، وقسّمتم العالم إلى مجموعات غنيّة محتكِرة للسياسة والمال، وأخرى فقيرة رعيّة محكومة بالحديد والنار، فلم تقسّم الثروات الأرضية من المعادن والبترول والزراعة بالعدل على مختلف العباد في كافة البلاد.هذا رغم أنّ الله تعالى أرْشد عبادَه إلى أنّ حمْل أعباءِ وظائفِ الحكم والتسيير وامتلاك روح المسؤولية: يكون بصِفةٍ أوْلى لصاحب العقل الراجح والعلم والثوابت من مكارم الأخلاق والحكمة البالغة والفطانة النافذة والاستقامة والعدل والرحمة الغالبة.. كما قال تعالى لمّا احتجّ بنو إسرائيل على أحقّيتهم بالحكم واستئثارهم به دون طالوت بكثرة المال: ( وقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ )، فاحتجّوا على أحقيّة المُلك والحكم بكثرة الأموال وسِعتها.ثمّ إن الله تعالى خلق العباد وأعْلَـمهم أنّه تكفّل بأرزاقهم كما كتب آجالهم وقدّر أقواتهم، وأنّ رزقه جعله في حكمة أسبابه وضِمْنَ النهوض إلى السعي والكدّ والعمل، إذ لا تُخالف الحقائقُ الإلهية الشرائعَ الحياتية في الظاهر والباطن، كما قال تعالى في كتابه الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلّم: ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).ثمّ اعلموا أنّ هذا الكون بأسْره -بما فيه كوكب الأرض الذي يعيش فيه البشر- هو مِلكٌ لله تعالى وليس ملكا لأحد غيره، وهو المُتصرّف فيه بداية ونهايةً، وما الخلق بأسرهم إلا عبيد له كما قال تعالى: ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا )، وهم جميعهُم فقراء إليه ظاهرا وباطنا، كما قال تعالى مخاطبا جميع خلقه مؤمنهم وكافرهم: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).ثمّ اعلموا أنّ الإسلام هو دين الله تعالى، كلّ الخلق فيه سواسِية، لا يختصّ بعربي ولا أعجمي، لا مكان للحزبية ولا الطائفية ولا العَصبية المَقيتة فيه، فلا يُمثـّله " داعش " ولا القاعدة " ولا الإرهابيون من كلّ فصيل في كلّ زمان ومكان، إِذ راية هلال الهداية الرَّحَموتية الإسلامية عالية، في سماء النور خفّاقة، فمحاربته تحت أي مسمّى وتبرير-فضلا عن التلبيس والتضليل- هي محاربة لله تعالى ورسله وأنبيائه وملائكته جميعا، كما قال تعالى: ( مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ).وإنّ ما قدّمه المسلمون للعالم عبر تاريخهم -من حضارة وتقدّم ورُقِي وعلوم وفُهوم- كان حجرا أساسا لما وصل إليه التقدّم التكنولوجي في عالم اليوم، وإن غَمط حقّ التعريف بعلومهم ومعارفهم وحضارتهم الواسعة وثقافتهم الباهرة والتّجْهيل بعلمائهم وقادتهم العظام عبر تاريخهم الحافل وإِظهارهم بمَظهر التخلف والجهل والجريمة والفوضى والتأخّر وإخْفاء حقائق علومهم وتجاربهم وآدابهم وابتكاراتهم عن أنظار وعقول وقلوب البشرية في مختلف المحافل العلمية الدولية والمجالس الثقافية والجامعات الأكاديمية... إن هذا الغمط ظلم وإفساد كبير، والله تعالى لا يرضى بذلك ولا يُحبّه كما قال تعالى في كتابه الكريم: ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون َ ).كذلك اعلموا أنّ الدعوة إلى دين الإسلام هي دعوةٌ إلى الاجتماع على كلمة سواء التي هي كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله )، متى علِمنا أنّ الله تعالى هو إلهُ الجميع، كما قال تعالى داعيا أهل الكتاب إلى الأخوّة الإيمانية والخِلّة الإحسانية: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ).حيث كتب بهذه الآية نبيّنُا عليه الصلاة والسلام -في رسالته إلى هرقّل عظيم الروم- يدعوه فيه إلى الإسلام، كما دعا مَلك فارس كسرى وبقيةَ الملوك والأمراء، فمنهم من آمن ومنهم من أبى؛ وليس هي دعوة جهل أو حِقد أو تسَلّط على الرقاب وسلبٍ للحريات أو اعتداء على النفوس والأموال أو إجبار وإرغام قاهر على العقول والقلوب، بل هي دعوة للسلم والتعايش والتعارف والتّحابُب والبرّ والأخلاق والقسط ونشر الفضيلة والمودة ..ثمّ اعلموا أنّ نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم هو خاتم الأنبياء فلا نبيّ بعده، وأنّ الله تعالى أرسله للخلق كافّة أجمعين بلا تمييز ولا عصبية ولا أعراق ولا حزبية ولا طائفية، كما قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ).فهو رحمة مُهداة لجميع الخلق، فليس العرب أولى به من غيرهم متى أسلم هذا الغير، إذ يلاحظ المُستقرئ لتاريخ المسلمين أنّ هناك مِن قادتهم وعلمائهم ونُبغائِهم من كانوا من العَجم، لذلك يتعيّنُ الإيمان به لأنّ دينه هو نفس دين موسى وعيسى وجميعِ رسل الله وأنبيائه، فدين الإسلام هو دينُ جميع الرسل والأنبياء، وهو دين إبراهيم الداعي ربّه بقوله: ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ).  وقال تعالى: ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ).ثمّ اعلموا أنّ الموت حقّ، وأن البشر جميعُهم سيرجعون إلى ربّهم بعد موتهم، وأن الله تعالى سيَبعث مَن في القبور، فيُرَدّون إلى عالم الغيب والشهادة، وأنّ يوم القيامة حقّ لا ريب فيه، وأن جميعَ ما أخبر الله عنه في قرآنه -وفي كتبه السابقة كالتوراة والإنجيل والزبور حول البعث والنشور-  حقّ لا مِرية فيه، وأنّ أهوال يوم القيامة شيء مُهوِل عظيم، كما قال تعالى: ( مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ). وقال تعالى: ( فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ). وقال تعالى: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ). وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ).ثمّ اعلموا أنّ العالمَ اليوم أشدُّ ما يكون حاجة للصّلح والسِّلم العالمي، رغم أن شرار حكوماتكم وأنظمتكم الجليّة والخفيّة وبِطاناتكم -التي قد تعمل لغير حسابكم وتَنتهج غيرَ سبيل آرائكم وتُخالف قراراتكم-  يدفعون بشعوبكم والعالم نحو الحروب والدمار والخراب، ويَدفعون نحو الفتك بالمسلمين الآمِنين في بلدانهم ومُحاربتهم وقتالهم وسَلب أرزاقهم وسرقة ثرواتهم على كافّة الأصعدة وفي كلّ الاتجاهات، ويعملون ليلا ونهارا، علـَنا وفي الخفاء، على محاربة الإسلام دين الله تعالى وتشويه صورته في نظر الخَلق.إنّ عدوَّنا وعدوّكم وعدوّ البشرية جمعاء هو إبليس لعنه الله تعالى، أبو الشياطين، وهو من الجنّ المَخفي عن أنظار البشر المُتشكّل في كثير من الصور، يقود حَملته التي توعّدنا بها منذ آلاف السنين كما قال تعالى: ( قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِين).وإنّ الذي يُصاحبه في هذا الإغْواء من الإنس طاغيةُ البشريّة من بني آدم ( المسيح الدجّال ) الذي تنتظرُه كثير من شعوبكم الذين وقع تضليلُهم من طرف المُضلّلين من أحْباركم ورهبانكم، بداية بـ"الشعب اليهودي" من بني إسرائيل.. تنتظره على كونه المُنقذ المصلح، الذي صَوّر لهم المسلمين في أذهانهم على أنهم شياطين، ليسْتعديكم عليهم بعد أن وعدكم بالقضاء عليهم وإفنائِهم في خِضمّ حروبكم عليهم بالوكالة عنه، وهم الآمنون في بلدانهم.فهذا الرجل هو أيضا عدوّنا وعدوّكم، سواء بسواء، إذْ ما بعث الله نبيّا إلا وحذّر أمته وقومَه منه، فلهذا الرجل من خوارق العادات الظاهرة الملموسة والمحسوسة ما سيُضلّل أغلب الخلق عن طريقها، فهو زعيم التدجيل وقائد التضليل، يدّعي الصلاح والنبوّة، ثمّ يدّعي الألوهية والرُّبوبية.لهذا تعيّن على جميع البشر -المسلم والمسيحي واليهودي سواء بسواء كافّة- الاحتماءُ بعلوم الأولياء العارفين في الأمة المحمّدية الشريفة التي هي خير أمّة أخرجت للنّاس، إذ هُم بمثابة أنبياء في هذه الأمّة الإسلامية حيث إنهم ورِثوا من أحوالهم وعلومهم وأسرارهم ومعارفهم وحقائقهم، فليس هناك اليوم سَند يستند إليه ويُحتمى به من تضليل الدجال وغواية إبليس لعنهما الله تعالى أمْتنُ من التمسك بكتاب الله تعالى وهدْي نبيّه خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام، بفهم الأولياء العارفين وشرحهم وتفسيرهم، لكوْنهم السند الروحي القلبي الحقيقي المتّصل بحضرة النبوّة المطهرة الذين هم ساداتُ أهل زمانهم في المنظومة البشرية، إذ همْ على هدي خاتم الأنبياء والرسل عليه صلاة الله وسلامه؛ كما قال تعالى في حقّه: ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ).وختاما أتلو قول الله تعالى ذاكرا منهج كتابه وعنوان قرآنه الكريم: ( هَٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).
والله تعالى يقول الحقّ وهو يهدي السبيل.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 30, 2016 14:08
No comments have been added yet.


إلياس بلكا's Blog

إلياس بلكا
إلياس بلكا isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow إلياس بلكا's blog with rss.