محمد إلهامي's Blog, page 8

June 4, 2022

أنصار النبي ﷺ.. تحية وسلاما إلى سادتنا الراحلين!

 

لقد شاء الله تعالى أن يصدر العدد الأول من مجلتنا مجلتنا "أنصار النبي ﷺ" في مطلع شهر ذي القعدة، في ذكرى حادثة مغمورة في نصرة نبينا ﷺ، وقعت في مصر قبل نحو قرن ونصف القرن من الزمان!

كانت مصر في ذلك الوقت في خضم الثورة القوية، التي عُرِفت فيما بعد بالثورة العرابية، حيث كان أهل مصر قد ضَجُّوا من تسلط الأجانب واتساع نفوذهم المالي والقانوني والثقافي، لا سيما الفرنسيين والإنجليز، في ظل أسرة محمد علي والخديوي إسماعيل وابنه توفيق، ففي ذلك الزمن كان المصريون يعانون الفقر والقهر والطغيان، بينما خيرات البلاد وكنوزها يسيطر عليها الأجانب، الذين صاروا سادة يستعملون أهل مصر كما يُستعمل العبيد، وكانت أجهزة الدولة التي يديرها موظفون مصريون، تحت رئاسة العناصر الأجنبية، تعمل بطاقتها الكاملة في ترسيخ الوجود الأجنبي وتعزيزه، حتى إن المحاكم القنصلية والمختلطة تستطيع أن تصدر حكما على الخديوي نفسه برهن أملاكه أو تجريده منها!

وبلغ الأمر إلى حدّ أن أصدرت صحيفة مصر (l’egypte) الناطقة بالفرنسية، والتي يصدرها فرنسي مقيم في مصر، عددَها في 2 أكتوبر 1881م، وهو يوافق (8 ذي القعدة 1298ه)، والذي حمل إساءة إلى للنبي ﷺ والخليفة الراشد عثمان بن عفان –رضي الله عنه-، حيث وصفه المحرر بأنه "خليفة متعصب لنبيٍّ كاذب".

وقد تغاضت إدارة مراقبة المطبوعات الأجنبية، عن هذه الإساءة، وصدرت الصحيفة، وظلت متداولة حتى وقعت بيد أحد القراء، فإذا به يرسل بما حدث إلى جريدة المفيد، فانتشر الأمر، وتفاقم الغضب حتى خشي هذا المسيئ على نفسه فغادر البلاد، وأصدرت الحكومة المصرية أمرا بإغلاق هذه الجريدة، ولم يستطع السفير الفرنسي في مصر الاعتراض على هذا القرار!

وبسبب الأحداث الضخمة التي عاشتها مصر آنذاك، فقد انغمر هذا الخبر ونُسي، ولم يعد يُذْكَر ولا أمكن العثور عليه في أورقة المصادر إلا بصعوبة، ونحن حتى الآن لا نعرف اسم هذا القارئ الذي كان له فضل السبق في نصرة نبيه وفضح هذه الصحيفة الفرنسية، ولا نعرف طبيعة ما حدث من غضب عام، فإنما مصادرنا فيها مسيحي متمصر وأجنبي مستعمر!

فنحن من ها هنا، ومن بعد مائة مائة وخمسة وأربعين عاما، نرسل التحية إلى روح هذا الذي انتصر لنبيه، وأثار الأمر، حتى كان له الفضل في رحيل هذا الخبيث القبيح عن أرضها الطيبة!

ثم ها نحن بعد ذلك الزمن لا نزال نخوض ذات المعركة، مع نفس العدو، وفي ظل ذات الظروف، فلا تزال فرنسا تحمل على عاتقها عبء الطعن في نبينا ﷺ، ولا تزال القوى الأجنبية تفتتح في بلادنا المؤسسات ووسائل الإعلام التي تذرف الإساءة لنبينا ﷺ، ولا زال في الأمة من يغضب ويقاوم ويكافح لكي يلقى كل مسيئ عقوبته التي يستحقها! ولا تزال الأنظمة الحاكمة في بلادنا إما صنيعة للأجانب فهي تسعى في إرضائهم وتنفيذ رغباتهم بأشد وأسرع مما يطلبون، أو هي ضعيفة خائرة تشتري ودّهم وتتجنب غضبتهم!

وبسببٍ من هذا الضعف جرى إغلاق صحيفة إسلامية أخرى، هي صحيفة الحجاز!.. فكيف كان هذا؟!

لقد كانت الحكومة المصرية آنذاك، هي حكومة الثورة التي طالب بها الشعب وفي طليعتهم الضباط المصريون بقيادة عرابي، وقد اضطر الخديوي توفيق إلى القبول بها لتهدئة الثورة، ومن جانبهم فإن الضباط قد طالبوا بمحمد شريف باشا لرئاسة هذه الحكومة، وهو شخصية وطنية محافظة غير ثورية، تؤمن بالقانون وتقدسه، وتعتمد طريق الإصلاح المتدرج البطيئ من داخل أروقة النظام. كان الضباط يريدون بهذا الاختيار تولية شخصية نظيفة من أبناء النظام ويهدفون بهذا إلى طمأنة السلطة أنهم لا يريدون قلبها وإزالتها، وسيكون هذا الاختيار واحدا من أهم أسباب فشل الثورة!

وجاء محمد شريف باشا، فكان بين ضغط ثورة تريد إصلاحا عاجلا، وبين ضغط سلطة تريده أن يكون أداتها ووسيلتها في إخماد هذه الثورة وتخديرها، ووراء هذه السلطة القوى الأجنبية التي شعرت بتهديد خطير على نفوذها في مصر إذا نجحت هذه الثورة!

وحيث أن شريف باشا رجل قانون ودستور، وهو المعروف بـ "أبو الدستور المصري"، وليس رجل ثورة، فقد كانت أعماله على الحقيقة إخمادا لهذه الثورة وتخديرا لها، وانصياعا وخضوعا لضغط الخديوي والأجانب، فانحاز إلى الأجانب حتى في القضية الحساسة التي كانت من أهم أسباب تفجير الوضع، وهو أن الميزانية المصرية يضعها الخديوي والأجانب ولا يتدخل البرلمان المصري لا في مراقبتها ولا له حق الاعتراض عليها، وهو ما أدى إلى انفضاض الثورة الوطنية عنه، فاضطر إلى الاستقالة! وفقدت الثورة بهذا وقتا ثمينا كان بإمكانها فيه أن تنجح نجاحا مؤزرا، وهذا هو الوقت الذي كانت بريطانيا وفرنسا قد استعدتا وأكملتا العدة في التآمر على غزو مصر.

ما يهمنا من هذا كله هو إغلاق صحيفة الحجاز..

لقد كانت الحكومة تشتري ودّ الأجانب، وتحرص على ألا يبدر منها أي شيء يمكن تفسيره على أنه تهديد لحياة الأجانب في مصر، وذلك كي تنزع من الدول الأجنبية أية ذريعة يمكن أن تكون مدخلهم إلى احتلال مصر. وفي النهاية ستخفق هذه الوسيلة، وسيصطنع الأجانب ذريعتهم بنفسهم، وسيختلقون شجارا يتكئون عليه لتنزل جيوشهم وتستولي على مصر. في دليل جديد يثبت أن القوي إذا أراد شيئا لم ينتظر زلة الضعيف، بل فعل ما يريد بذريعة أو بغير ذريعة، فإن احتاج إلى ذريعة اصطنعها واخترعها بنفسه، وما حديث الأسلحة النووية في العراق عنكم ببعيد!

كانت صحيفة الحجاز تنطق بلسان إسلامي مبين، وكانت في ذروة هذه الثورة الإسلامية تحتج على أن يكون الأجانب المقيمين في مصر على قلة عددهم هم الثُلَّة المُدَلَّلَة التي تقرر مصير البلد، ويُتَّخذون ذريعة لتخويف كل الناس من الاحتلال الأجنبي، وتنادي بالجامعة الإسلامية التي تعني أن مصر هي جزء من الدولة العثمانية، وأن الأمة الإسلامية كلها أمة واحدة، وتهاجم الأوروبيين وأنظمة حكمهم، وتنادي بأنه إذا خافت البلاد الأجنبية على رعاياها في مصر فلتأخذهم إليها، وتكون قد أمنت على رعاياها كما تكون قد أدَّت لمصر كلها خدمة جليلة!

وكانت تناشد علماء الأزهر أن يقوموا بدورهم، وتحيي فيهم وفي الناس ذكرى التاريخ الإسلامي العظيم، وتدين من وصف التمسك بهذا التاريخ العظيم بأنه تعصب وتطرف، فهذا "التعصب" و"التطرف" هو الذي كنا في ظلاله أعظم وأكبر قوة في الدنيا، فلما تخلينا عن هذا الإيمان وهذا التاريخ صرنا نحن وبلادنا أسرى في أيدي الغرباء الأجانب، وما هذا إلا عقاب على ذنوبنا وتخلينا عن هذا الإيمان.

باختصار: كانت صحيفة الحجاز من أشد الصحف المؤيدة للثورة، والداعمة لزعيمها الضابط الأزهري الإسلامي: أحمد عرابي.

ولكن حكومة شريف باشا، أغلقت صحيفة الحجاز في نفس اليوم الذي أصدرت فيه قرارها بإغلاق صحيفة "لإيجيبت" الناطقة بالفرنسية والتي أساءت إلى النبي ﷺ، كانت تريد أن "تُوازن" هذا القرار بهذا القرار، كي تسترضي الأجانب بإغلاق الصحيفة الإسلامية، ولكي لا يقع الظن لديهم بأنها حكومة إسلامية "متعصبة"! ستغلق صحف الأجانب!

وقد اختارت الحكومة إغلاق هذه الصحيفة، المؤيدة لعرابي، في الوقت الذي كان فيه عرابي في القاهرة، لتثبت للجميع، وفي طليعتهم هؤلاء الأجانب، أن السلطة الفعلية قد صارت لحكومة شريف باشا، وليست في يد عرابي، وأنها ليست واجهة ولا ضعيفة أمام الثورة والثوار، وابتلع عرابي هذه الإهانة، وسكت الثوار عليها، رجاء أن يكون أسلوب سحب الذرائع مفيدا في مواجهة الخديوي والأجانب!

لقد كتب التاريخُ أن هذا الأسلوب قد أخفق، وفيما بعد، نُفي عرابي وقادة الثورة، وأما شريف باشا فقد عمل رئيسا للحكومة تحت سلطة الاحتلال الإنجليزي، بل عاد مصطفى رياض نفسه رئيسا للحكومة وقد كان طغيانه من أهم أسباب تفجر الثورة، وضرب الإنجليز بكل المبادئ عرض الحائط، وظلوا في مصر لسبعين سنة!

نحن في هذا المقال، الذي يصدر في العدد الأول لمجلة "أنصار النبي ﷺ"، نريد إعادة الاعتبار وإعادة التذكير بأولئك الذين ذهبوا ضحية معركتهم وكفاحهم في نصرة النبي ﷺ، إنهم أنصار النبي ﷺ المجهولين المغمورين الذين لم تنصفهم الأحداث..

لقد اختفى ذكر صحيفة الحجاز من سائر الكتب التي تؤرخ للصحافة الإسلامية وللصحافة العربية وللحوليات المصرية، فلم أجد لها أثرا في "تاريخ الصحافة الإسلامية" للأستاذ أنور الجندي مع أنه من أمثلة الصبر والدأب والتنقيب، ولا في "تاريخ الصحافة العربية" لفيليب دي طرازي وهو من خبراء الكتب والصحف والأرشيف الأوائل!

ومع طول البحث الذي حاولت فيه أن أحصل على معلومات عنها إلا أنني لم أفلح! ولست أعرف إلى لحظة كتابة هذه السطور من هو صاحبها، فضلا عن الحصول على أعدادها التي صدرت في عام 1881م، قبل أن تغلق في هذا العام نفسه!

ولعل هذا المقال نفسه يكون دافعا لباحث شاب موهوب، قريب من الأرشيف والوثائق، صبور على التفتيش والتنقيب والتقليب، حتى يعيد إحياء سيرة أنصار النبي ﷺ الأوائل، أولئك الذين تصدُّوا لأول موجة تنطلق من بلادنا نفسها للإساءة إلى نبينا ﷺ!

لقد كانت خسائرنا فادحة حين هُزِمت هذه الثلة الأولى من أنصار النبي ﷺ، فلقد صار التهجم على النبي ﷺ عادة متكررة في مقاهي مصر وحواراتها الأدبية، بل صارت وسيلة يتخذها السفيه لكي يشير إلى نفسه بالعقل والعلم والثقافة وأنه ليس من المتعصبين، ولعل الذي قرأ كتاب "عبقرية محمد" قد رأى في سطوره الأولى كيف كان التهجم على النبي أمرًا سهلا يقترفه الشاب المغرور دون أن يخشى هلاك نفسه أو يخشى حتى عقوبة رادعة! فكان هذا التهجم الذي رآه العقاد هو سبب تأليفه هذا الكتاب!

نشرف الآن إذ نقدم هذا العدد الأول من مجلة "أنصار النبي ﷺ"، وهي التي تصدر عن "الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام ﷺ"، والتي كانت ثمرة الجهد الشعبي العام وانتفاضة الأمة للإساءات الفرنسية لنبينا ﷺ، ووُلِدَتْ الهيئة في ذكرى مرور العام على انطلاقة حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية، وعُقِد مؤتمرها التأسيسي في اسطنبول، أكتوبر 2021م.

وقد أسميناها "أنصار النبي ﷺ"، نحاول بهذا أن نجدد العهد ونرفع الإصر ونُذَكِّر بالموكب الطويل الشريف من أنصار نبينا ﷺ، منذ زمن الصحابة حتى زماننا هذا، نحاول أن نكون صوتا إسلاميا جديدا، صوتا أصيلا، يُحيى وينثر وينشر حب نبينا ﷺ في القلوب والعقول، صوتا يلقي الضوء على أولئك الأنصار الذين أبلغوا رسالة نبيهم ﷺ عبر العصور، لا سيما أولئك الذين قاموا بالحق في زمن الضعف والهزيمة، نحاول أن نكون صوتا يعيد من جديد بعث أصوات الحق من علمائنا الراحلين ومؤسساتنا العلمية العريقة، كما يعيد التذكير والتقدير للعلماء والدعاة الأسرى الذين غيَّبَتْهم السجون وحالت دون أن يقوموا بواجبهم في نصرة النبي ﷺ.

ولهذا تنقسم صفحات هذه المجلة إلى ثلاثة أقسام:

فأما القسم الأول فيكتبه أنصار النبي ﷺ من علماء الهيئة العالمية ودعاتها ومن أحباب النبي ﷺ في كل مكان من الشرق والغرب!

وأما القسم الثاني فنلتقطه ونستخرجه من مؤلفات وفتاوى علمائنا الراحلين ومؤسساتنا العلمية العريقة كالأزهر في مصر وجمعية العلماء المسلمين في الجزائر وعلماء الزيتونة في تونس وعلماء القرويين في المغرب وندوة العلماء في الهند وهيئة كبار العلماء في الجزيرة العربية وغيرها من المؤسسات الكبرى التي مَثَّلت حصون الإسلام في زمانها قبل أن تعدو عليها يد الزمان فتضعفها وتسعى في كسرها.

وأما القسم الثالث فنلتقطه ونستخرجه من مؤلفات وفتاوى علمائنا الأسرى الذين كانت مواقفهم الشريفة القوية هي السبب في إنزالهم السجون والمعتقلات، فحيل بينهم وبين رسالتهم، ووُضِعت السدود والقيود دون دعوتهم، فلكي لا ينحبس الصوت الحر الشريف، ولكي لا يُكمَّم القول الصادق الأمين، ولكي لا تُحبس كلمة الحق، ولكي يعلموا أن إخوانهم من خلفهم لم ينسوهم ولم يغفلوا عنهم، لهذا كله فإننا نعيد بعث ما نشروه وكتبوه من جديد!

وليس يتم هذا العمل إلا بجهد القارئ الكريم، جهده في القراءة والتأمل، والنصح والإرشاد، والنشر والإذاعة والترويج، وكذلك بجهده في الانتقاء والاختيار..

فمن كان يرجو الله واليوم الآخر فليساعدنا بما استطاع..

فإن رأى شيئا يستحق النصح فرحم الله رجلا أهدى إلينا عيوبنا!

وإن رأي في صفحاتنا ما يستحق النشر فليعمل جهده على النشر، فالدال على الخير كفاعله!

وإن كان عنده مزيد علمٍ من المواد النافعة للعلماء الراحلين أو مؤسساتنا الإسلامية العريقة أو علمائنا الأسرى فليرسل به إلينا!

وإن أحب أن يكتب إلينا بما يحب نشره فليكتب، وسيرى إن شاء الله أننا سنتقبله بقبول حسن، ونتعامل معه كخير ما يكون التعامل!

نسأل الله تعالى أن يبارك هذا العمل وهذا الجهد، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم! وأن يشرفنا بنصرة نبينا الكريم وأن يجعلنا ممن يشفع فيهم يوم القيامة، وأن يسقينا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا!

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

نشر في مجلة أنصار النبي   - العدد 1


جمعنا أجزاء هذه الواقعة في: سليم النقاش، مصر للمصريين، 4/208؛ اللورد كرومر، مصر الحديثة، 1/287، 288. وانظر إشارة عابرة للحادثة عند: إسماعيل سرهنك، حقائق الأخبار في دول البحار، 2/380.

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 04, 2022 22:01

May 14, 2022

آخر ما عندي من الكلام في موضوع شيرين أبو عاقلة

 


 

1. لم يطلب الذين تمسكوا بدينهم إلا الامتناع عن ثلاث كلمات: الشهيدة، الترحم، الدعاء بالمغفرة.. بينما سائر معاجم اللغة واللغات الشقيقة تتسع للكلام في رثاء مراسلة صحفية موهوبة، كان صوتها محفورا في أذهاننا وأعماقنا، مرتبطا بقضيتنا المقدسة!

 

لكن الذين يحبون الخلاف والمكايدة، تمسكوا بهذه الكلمات الثلاثة تحديدا وحصرا.. ليس لفرط رحمتهم ولا تهذبهم، فقد رأينا الأنياب المكشرة والأساليب المحرضة فضلا عن الشتائم.. بل لأسباب أخرى، ليس أولها هوان الدين في النفوس وليس آخرها حب الشهرة وإشعال المعارك.

 

وحين يطلب طرفٌ ما الامتناع عن ثلاث كلمات فقط، ثم يصر عليها الطرف الآخر متغاضيا عما تتسع له اللغة.. فالتطرف والتشدد والإساءة هنا من نصيب الطرف الثاني.

 

2. فلماذا طلبوا الامتناع عن هذه الكلمات الثلاث تحديدا؟

 

الجواب البسيط المباشر والواضح: لأنها كلمات دينية، ولها مدلولات خاصة.. وفي الدين من نصوص القرآن والسنة وإجماع العلماء النهي الصريح الواضح عن استعمالها في حق غير المسلم..

 

فلم يكن طلبهم الامتناع عن هذه الكلمات مجرد نزوة نفس، أو مؤامرة دبرت بليل، أو تنفيذا لرسائل التوجيهات القادمة من الموساد.. كان هذا النهي نهيا دينيا!

 

وأدل دليل على هذا أنه حين يموت المشهور من فساق المسلمين ومجرموهم لا يندفعون للإنكار على من ترحم عليه واستغفر له، ربما فعل بعضهم هذا كنوع من الورع أو الحذر، لكن كم مرت بنا في السنوات الماضية وفيات لمشاهير في التمثيل والرقص والسياسة، ولم تشتعل معركة الترحم عليهم!!

 

ربما انقسم الناس إلى من يدعو له بالجنة ومن يدعو له بالنار، لكونه إعلاميا مجرما محرضا على الدماء مثلا، لكن لن تجد أحدا منهم يُحَرِّم الدعاء له بالمغفرة والرحمةـ أو يهاجم الصلاة عليه!

 

فالمسألة عندهم مسألة علمية دينية!

 

3. أما الذين وقفوا في جانب الترحم والدعاء لها بالمغفرة ووصفها بالشهيدة، فقد كانوا مهرجانا ومسخرة.. وفي اللحظة التي كانوا يهاجمون فيها الآخرين بدعوى احتكار الدين وأن عندهم مفاتيح الجنة والنار.. كانوا هم يوزعون مفاتيح الجنة لمن شاؤوا ويمنعونها عمن شاؤوا!!

 

وصار الدين جدعنة وسخاء، والعاطفة مع البلطجة غلبت على كل كلام، حتى صار مشهدهم مؤسفا مريعا.. بعضهم باع دينه صراحة، وبعضهم صرح أن دينه قد تحرف تحريفا لم يحرفه دين من قبل، وبعضهم صار يقطع منه ما يحب ليأخذه ثم يرمي بالباقي في سلة الزبالة! وبعضهم أعلن أنه لن يدخل الجنة ما لم تدخلها شيرين أبو عاقلة!!

 

وهكذا صحّت النكتة القائلة: ضحى بالأم والجنين لكي تنجح العملية.. فإذا بالذي كان يدافع عن الأقصى لأنه قضية دينية مقدسة ولأنه مسرى النبي، قد هدم دين النبي كله وانخلع منه لأجل تعاطفه مع المراسلة!!

 

وبدلا من أن كنا نجاهد لأجل فلسطين في سبيل الله، صار علينا أن نترك الله ودينه ورسوله من أجل فلسطين!!

 

وهكذا، لا دين ولا علم ولا عقل.. بل عاطفة غبية تضرب ولا تبالي!!

 

وقد وصل الأمر إلى الدعاء أن يجعلها الله مع النبيين والصديقين والشهداء في الفردوس الأعلى من الجنة.. بل وصل الحال إلى إقامة صلاة جنازة عليها، وهو الأمر الذي لم يُبِحْه أحدٌ قط، حتى أولئك الذين قاموا بمجهود وافر وولاة عسرة أرادوا بها استخراج أي شيء يقول بجواز الترحم عليها والدعاء لها بالمغفرة!!

 

ولعل هذا الحد ينبههم إلى أي مدى يجب عليهم أن يحذروا من ضياع الدين!

 

4. لا أعرف من هذا الذي اخترع التفرقة بين "المغفرة" و"الرحمة".. ثم ذهب يلتمس ويتكلف أن يجعل المغفرة ممنوعة .. أسأل الله أن يتوب مما فعل، فإن لم يفعل، فلقد ضل بضلالته هذه خلق كثير.. وأشد من ضلالتهم، أنهم حسبوا أنفسهم قد وقعوا على تفريق دقيق عميق من خفي العلم، فصاروا يرمون غيرهم بالجهل!!

 

وهذا التفريق بين الرحمة والمغفرة اختراع اخترعه واحدٌ من عند نفسه، وهو مخالف لما في النصوص القرآنية والنبوية من أن الكافر لا يُدعى له بالمغفرة، وأنه يائس من رحمة الله!!

 

وأولئك الذين ذهبوا يخلطون -لا أدري عن عمد أم عن جهل- بين دلالة المنطوق ودلالة المفهوم، وبين مسائل التفسير ومسائل الأصول، وبين القول الشاذ والقول الضعيف، وبين ما يُستدل له وما يستدل به.. أولئك أسأل الله أن يتوب عليهم.. فوالله لقد ثلموا في هذا الدين ثلمة لا أحد يدري متى ترتق!!

 

فعليهم وزرهم، ووزر من أخذ بقولهم!!

 

والاجتهاد، كما قال بعض مشايخنا، ليس مقامرة مضمونة النتائج (أجر أو جرين)، فليقل كل من شاء ما شاء.. بل هو أمر عظيم كم تورع عنه العلماء، ولم يجترئ عليه إلا من هو دونهم.

 

5. وأما هؤلاء الذين يتشوقون إلى كل قول يوافق أهواءهم.. إنكم لتذهبون إلى أكثر من طبيب، فإن اتفق اثنان تركتم قول الثالث.. فكيف ترضون لدينكم أن تتركوا قول الآلاف وتأخذوا بقول الواحد والاثنين، هذا إن صح أن هذا الواحد والاثنين من جملة العلماء أصلا؟!

 

إنه بقدر ما يُدان الذين يفتي بهواه، يدان كذلك الذي يأخذ ما يحب من الأقوال ولا يحتاط لدينه كما يحتاط لجسده من أخطاء الأطباء، أو يحتاط لماله من أخطاء الموظفين، أو يحتاط لإجراءاته من أخطاء المحامين!!

 

وما الذي يجبر أي مسلم على خوض هذا المسلك؟؟ وفي عبارات التعاطف سعة، وفي الحزن سعة.. لماذا يرتكب المرء ما قد يدفع ثمنه من دينه وأخراه إذا كان غيره ممكنا؟! ولماذا يخوض المرء في أمر لن ينفع الميت ولكنه قد يودي بمصير الحي في دنياه وآخرته؟!!

 

ألا رحم الله الواقفين على ثغور الدين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر!
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 14, 2022 11:46

May 11, 2022

لماذا لا يترحم المسلمون على غير المسلمين؟!

 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..

في نهاية يوم حزين مؤلم، أحسب لا بد من تسطير هذه الكلمات، وأسأل الله أن يشرح صدري وييسر أمري ويحل عقدة من لساني، وأسأله تعالى أن تلقى هذه قلوبا وعقولا تفقهها وتحملها على أحسن وجوهها.

1. أصبحنا اليوم على الخبر الحزين المؤلم المؤسف، بمقتل مراسلة الجزيرة #شيرين_ابو_عاقلة التي كانت بالفعل جزءا من وعي الجيل عن فلطسين، ذلك الجيل الذي تابعها على القناة العربية الأشهر: الجزيرة، في البقعة الإسلامية المقدسة: بيت المقدس، عبر الزمن الملتهب الساخن الذي لم يهدأ.. حتى صارت صورتها وصوتها محفوران لا إراديا في عمق الذاكرة!

هذا فضلا عن أنها موهبة حقيقية، وكان تقريرها وجبة دسمة عن اليوم الحافل.

2. لم أعرف أنها مسيحية إلا بعد مقتلها، كنتُ قد كتبتُ "رحم الله شيرين أبو عاقلة"، فلما تبين لي أنها مسيحية، حذفت المكتوب، واستعملت العبارة الأنسب التي لا تخرج بي عن حدود ديني، وتقوم في ذات الوقت بالتعبير عن إدانة الظلم والقتل والتعزية اللائقة بالمسلم في المقتول ظلما من غير المسلمين.

لكن سرعان ما انفلت الأمر على مواقع التواصل، فالبعض احتشد لينبِّه على ضرورة الانضباط في الترحم عليها ووصفها بالشهيدة، إذ هذا مخالف لديننا، وفي العبارات متسع ومندوحة، والبعض على الضفة الأخرى شملته العاطفة -وربما غاب عنه أنها ليست مسلمة- فترحم عليها ووصفها بالشهيدة..

ثم دخل على الخط من يناكف ويكايد ويصفها بالشهيدة ويترحم عليها في عبارات تثير السخط أكثر مما يعبر بها عن عضبه وحزنه، وقابلهم على الجهة الأخرى من يرد ويدفع.. وابتدأت الدائرة السيئة التي جعلت حزن هذا اليوم حزنيْن، وكآبته كآبتيْن!!

يقول كل طرف: هم الذين بدؤوا، وإنما كنتُ أدافع وأردّ.. وفي مواقع التواصل، لكل شخص قصته الخاصة وروايته الخاصة، بحسب التغريدة أو المنشور الذي رآه أولا.

3. ولأننا في عصر صار فيه الإسلام أهون شيء، فسرعان ما تتحول أي قضية من قضايا التناقض بين (الإسلام) و (الثقافة الغالبة) إلى معركة..

فأصحاب الثقافة الغالبة والمتأثرون بها يريدون حمل الإسلام على إسباغ الشرعية على ما يريدون، وينبت في هؤلاء من يقدم لهم نسخة الإسلام التي يحبونها..

وهو الأمر الذي يستفز المسلمين ويثير حساسيتهم فيأخذون في دفع هذه المحاولات ومهاجمتها كما تفعل الأجسام المناعية في أي جسد ضد الخطر، وفي النهاية: فإن أي قضية إذا وزنت بقضية الإسلام طاشت أمامها، فلا قيمة لشيء ولا لأحد إن كانت نصرته تخصم من معالم الإسلام أو تشوهها..

وإذا كان أبو طالب سيدخل النار، فكيف بمن هو دونه؟!

وهذا مقتضى الدين، وهو كذلك مقتضى العدل.. فإذا كان أبو طالب سيدخل النار فكيف نُدخل نحن الجنة من أحببناه إذا لم يستوفِ شروطها؟!

4. هذه المعركة ليست قاصرة على شيرين أبو عاقلة أو غيرها، بل هي تتردد في كل لحظة احتكاك وتناقض بين الإسلام وثقافة العصر.

فهي تخرج -مثلا- عند كل قصة تحرش بفتاة متبرجة.. إن الفعل يدينه الجميع بطبيعة الحال، لكن أنصار التبرج يحرصون على جعل التبرج حقا من حقوق المرأة، فيخرج في المقابل من يدفع هذا ليؤكد على أن التبرج معصية وإثم وأن المتبرجة لها نصيب من المسؤولية فيما وقع عليها.. فتشتعل المعركة!

وهي تخرج -مثلا- عند كل عيد لغير المسلمين: هل نهنئهم أم لا؟.. فأصحاب الثقافة العصرية المصبوغة بالعلمانية والتي لا تجعل الدين أمرا عظيما ومهما في علاقات الناس يسرفون في التهنئة، ويجدون من يستخرج لهم أقوالا ضعيفة وشاذة في الفقه المعاصر المهزوم، أو يحاول بعضهم جعلها من العادات الدنيوية المحضة.. فيخرج في المقابل من يؤكد على حرمة التهنئة ويستدعي إجماعات العلماء وأقوالهم الكثيرة.

وهي تخرج -مثلا- عندما يخرج فيلم أو كتاب أو مسرحية فيها إساءة للدين وتهجم على النبي.. فإذا بأهل الثقافة الغالبة والمزاج العصري يدرجون ذلك في حرية الفن وحرية الرأي والتعبير، وإذا المدافعون عن الدين ونبيه وصحابته يقفون مستنكرين أن يكون هذا من الحرية، بل هو من الممنوع والمحظور.

فحقيقة الخلاف في كل هذا ليس قائما حول شخص، بل هو قائم حول منهج وثقافة وطريقة حياة.. العصر الذي تهيمن عليه الثقافة الغربية العلمانية وابنتها الدولة الوطنية الحديثة تفرض معايير للحياة غير معايير الإسلام.. والمسلمون المقهورون الضعفاء يدافعون عن أحكام الدين المستقرة لئلا تتميع وتُحَرَّف تحت هذا القصف المستمر.

5. نعم، تضيع في هذه المعركة التي لا يملك أحد زمامها كثير من المصالح ومواطن الاتفاق.. ذلك أن كل طرف يرى أن قضيته الكبرى أرفع وأعلى وأسمى من القضية الصغرى المثارة الآن.. فإسباغ الشهادة على غير المسلم قضية أعلى عند الطرفين من شخصية شيرين أبو عاقلة أو أي مخترع غربي شهير! وجعل التبرج حقا للمرأة أو منعها من ذلك أسمى وأهم عند الطرفين من شخصية الضحية المتحرش بها، وتثبيت جواز التهنئة لغير المسلم أو تحريمه أهم وأسمى عند الطرفين من فلان الذي سيهنئ جاره أو زميله في العمل، والذي لن يملك أحدٌ منعه أو إجباره على ذلك!

ولستُ أكلمك هنا عن الطرفين، وكأنما أنا العاقل الذي يقف على مسافة واحدة، أو الحكيم الذي يشاهد صراع الصغار.. أنا منحاز بكليتي للفريق الثاني، فريق المدافعين عن أحكام الدين أن تتبدل وتزور وتغير خضوعا لثقافة الواقع.. وإنما أتحدث بهذه الصيغة لمجرد الوصف والتوضيح.

6. يعترف الذين قالوا بجواز الترحم والدعاء بالمغفرة لغير المسلم بضعف موقفهم العلمي، فليس في أيديهم إلا نقليْن أو ثلاثة على أقصى تقدير، وهي عند التحقيق نقول عليهم وليست لهم، ولو صحَّ أنها لهم فليس فيها حجة، فالمتقرر الذي يعرفه من طلب العلم يوما أنه إذا شذ واحد أو اثنين أو ثلاثة من العلماء عن إجماع مشهور، فإنه يهدر قوله ويعد شاذًّا، ولا تتحول المسألة بقوله هذا إلى أن تكون خلافا معتبرا.

ويزداد الحال ضعفا إذا كان هذا الذي شذّ من المتأخرين زمنا، أو كانوا في زماننا هذا المعاصر.. فالمسائل التي لا تتغير (ومنها مسألتنا هذه في جواز الترحم على غير المسلم والدعاء له بالمغفرة) بتغير الزمان والمكان لا تعد من النوازل الجديدة التي قد تختلف فيها الفتوى.

والأخطاء التي يتحدث بها القائلون بالجواز أخطاء ظاهرة وواضحة، لا تخفى على أحد طلب العلم يوما.. وبعض الذين يقولون بهذا لا أشك أنهم يعرفون ويعلمون خطورة ما يقولون، وخطورة ما يؤدي إليه منهجهم.. وإنما هي فتنة!

ولو كان يمكن التعلق بقول الواحد والاثنين وترك قول الجميع، لكان سعد الهلالي إمام العصر، ولكان الخلاف في القاتل السفاح سائغا مقبولا، بل لكان التفريط في الأقصى قولا مقبولا.. فلم تخل مسألة من قول شاذٍّ قيل فيها!!

وكنتُ هممتُ أن أكتب، أو أسجل ردًّا على هذه النقولات التي تعلق بها القائلون، ثم رأيت بعض إخواني ممن هم أعلم وأخبر قد فعلوا بعض ذلك، وبعضهم ينويه.. فأكتفي بأن أتكلم فيما أحسب أنه قد يكون جديدا.

7. إذا كنتَ عزيزي القارئ قد تحملتني ووصلت معي إلى هذا السطر.. فلك عندي مكافأة، ربما تكون مفاجأة أيضا..

إن كل فكرة لها خطوطها الحمراء، وهؤلاء الذين يتصورون أن الإسلام متشدد حين يقصر الشهادة على من مات مسلما، لا ينتبهون في غمرة انفعالهم وتأثرهم بهذا العصر إلى أنهم يقبلون نفس ذلك الأمر ولكن في أشكال أخرى..

خذ عندك هذه الأمثلة البسيطة الساذجة:

- إذا مات لاعب كرة قدم، هل تُكَرِّمه وكالة الطاقة الذرية، لأنه كان على خلق أو لأنه أمتع الجماهير؟!

- إذا قررت دولة قطر مثلا أن تعطي لأسرة كل مواطن متوفى مبلغ مليون ريال، هل سيطالبها أحد أن تعطي هذا المبلغ لكل متوفي صومالي أو بنجلاديشي لأنه أكثر فقرا واحتياجا؟!

- هل تعرف دولة من الدول تسمح بنشر أفكار تخالف مبادئها الأساسية، أو تكوين جمعيات على خلاف قواعدها الدستورية؟!

- لماذا لا يكون نشر أفكار داعش -مثلا- من قبيل حرية الرأي والتعبير؟!.. لماذا لا يكون تمزيق العلم الوطني من قبيل حرية الفكر والمعارضة؟!.. لماذا لا يكون حمل السلاح -في الدول التي تحظر حمله على المواطنين- من قبيل حق الدفاع عن النفس؟!

- في أي دولة يكون من حق الأجنبي الترشح لرئاسة الجمهورية وتولي المناصب الحساسة؟ أو حتى يكون من حقوقه أن يُعفى من الضرائب أو يحصل على المزايا التي يحصل عليها المواطنون؟!

إن كل فكرة، كل دولة، كل ثقافة.. لها خطوطها الحمر، لها قاعدتها الأساسية التي بناء عليها تفرض الولاء والبراء، وتفرض العقوبة، وتمنح المزايا!

لن يمكنك التمتع بمزايا المواطن الأمريكي إلا إن كنت أمريكيا، وستعاقب على مقاتلتك في صفوف أعداء الأمريكان لأنك تخون الوطن، ولن يلتفت أحد إلى رأيك في عدالة هذه الحرب أو غيرها، ولن يقتنع أحد بدوافعك مهما كانت نبيلة إن ارتكبت مخالفة ظاهرة للقوانين الأمريكية.

يتميز الإسلام عن سائر هذه الأفكار والأنظمة في أن قرار انتماءك له هو قرارك أنت.. فأنت لن تكون أمريكيا لأنك تريد هذا، بل لأن الدولة أصدرت قرارا بهذا.. بينما في النظام الإسلامي أنت الذي تختار أن تكون مسلما فتكتسب في تلك اللحظة كل حقوق المسلم، ويكون عليك واجباته أيضا.

الردة عن الإسلام عقوبتها القتل، مثلما خيانة الوطن والتخابر مع أعدائه عقوبتها الإعدام.. في كل الأنظمة ولاء وبراء، ولكن القاعدة هنا هي الدين، والقاعدة هناك هي الدولة.

8. للمزيد في توضيح بعض هذه الأمور، إن كنت ما زلت هنا، وإن كنت ما زلت ترغب في المزيد، انظر:

لماذا حول المسلمون آيا صوفيا إلى جامع

https://melhamy.blogspot.com/2020/07/...

الدولة الإسلامية أم الدولة النيوزيلاندية

https://melhamy.blogspot.com/2019/04/...

تهنئة غير المسلمين بأعيادهم.. لماذا يتكرر الجدل

https://t.me/melhamy/4820

ولمحبي الفيديو، تفضلوا:

تهنئة غير المسلمين بأعيادهم

https://youtu.be/ePKmcT_35sE

كيف نقرأ تاريخنا بأعين أعدائنا، وكيف يؤثر هذا علينا

https://youtu.be/KYLudimiyXk

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 11, 2022 15:50

May 4, 2022

عن لجنة العفو السيساوي، والمأساة التي تتكرر

 بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..

أمران في رمضان كانا يضغطان على نفسي للكتابة فيهما، الأول: التسريبات التي أذعيت لقيادات الإخوان وعبد المنعم أبو الفتوح في مسلسل الاختيار، والثاني: الحديث الحقوقي الذي يملأ مصر بخصوص العفو عن المعتقلين في سجون #السيسي_عدو_الله

أما الأمر الأول، فأؤجله لوقت أكون فيه أكثر هدوءا، فإنه يحتاج إلى حكمة وهدوء وضبط للألفاظ.. وأما الثاني، فنستعين بالله ونقول:

1. الذين كانوا يتصورون في 2013 أن إنهاء حكم مرسي هو امتداد للثورة، وأن ما فعله السيسي ليس انقلابا عسكريا.. هؤلاء يجب دائما، يا عزيزي القارئ، أن تفقد الثقة في تفكيرهم وعقلهم.. وإذا هم صدقوا مع أنفسهم، فيجب أن يتوقفوا عمليا عن الإفتاء في شأن السياسة.. لأن الخطأ البشع في الموقف الصريح الواضح، يعبر عن خلل في طبيعة التفكير وفي تصور الأمور.. وإذا عجزوا عن رؤية ما حصل في 2013، بل كانوا جزءا منه، فهم أعجز عن رؤية ما سواه وما هو أخفى منه!!

وهذا مع افتراض حسن الظن فيهم، وأنهم كانوا مجرد مغفلين وطنيين حسبوا أنهم بهذا يحققون مصلحة الوطن، فكانوا يُساقون إلى حتفهم وهم لا يشعرون.. فأما أن يكونوا ممن داعبتهم شهوة السلطة والوزارة والمكانة، أو أن غلبت عليهم كراهيتهم للإسلاميين، فهؤلاء لا نتحدث عنهم.. فإنهم هم العدو!

تبدو هذه الجملة خارج السياق، ولكني أكتبها الآن لأني سأحتاجها فيما بعد!

2. لئن كان مسلسل #الاختيار3 يريد تزوير التاريخ، وربما يكون قد نجح في هذا جزئيا عند بعض الشرائح الصغيرة السن، أو التي تسكن كومباوندات المناطق الراقية، فإن ميزته العظمى أنه رجع مرة أخرى إلى لحظة الثورة والانقلاب..

عن نفسي، أنا سعيد بعودة الحياة إلى هذه اللحظة التي سار قطار السيسي والدولة المصرية بكل القوة والجبروت في طريق إنهائها وطمسها وحذفها من العقول والقلوب..

من يهتم بالتوثيق والتسجيل وشأن الذاكرة يعرف إلى أي حد خاض السيسي ونظامه خوضا جادا لتجاوز اللحظة وإنهائها وتغييبها.. كان من فضل الله علينا وعلى الناس أنه هو نفسه كان يبعثها من جديد للذاكرة ليعلق عليها شماعة فشله، كما في سد النهضة أو في أزماته الاقتصادية.. لقد كانت كلمته عن الثورة تعيد النقاش من جديد، فينهدم بهذا عمله وعمل نظامه في طمسها وتغييبها!

نعم، من الأهمية القصوى أن نظل دائما نتناقش حول لحظة 2011 و2013.. نعم، نعم.. هذه هي اللحظة المفصلية التي تقرر فيها مصير البلد، والنقاش حولها ليس نقاشا حول الماضي، بل هو في عمقه نقاش حول المستقبل وحول طريق الخلاص.

تركز النقاش حول لحظة الثورة ولحظة الانقلاب هو نصف الحل بلا أدنى مبالغة.. لأن نقاشنا حول أي لحظة أخرى معناه أننا نتوه ونغيب في سراديب الأفكار والأحداث وغابات الفلسفة والتنظير.

لهذا فأنا سعيد حقا، بأنه صنع مسلسلا يعيد إلى الأذهان، وبشكل مكثف النقاش حول لحظة الثورة والانقلاب.. لقد حاول أن يقدم روايته المزورة.. ولكن هذه المحاولة هي التي ستثير غيره لتقديم روايتهم أيضا.. وكفى به مكسبا عظيما.

3. نأتي إلى ما حصل في 2011 وفي 2013..

كانت ثورة شعبية، سكت عنها الجيش بإذن الأمريكان، والتقت المصالح حول إزاحة مبارك، فكان!

ثم اختلفت الغايات، وتضاربت المصالح، وأسفرت الأحداث عن انتخابات نزيهة فاز فيها الإسلاميون، وسرت صعقة كهربائية في الإقليم المستبد وفي إسرائيل، وفي الشرائح العلمانية، وفي دولة العسكر، وبعد أخذ ورد وتردد قرر الأمريكان الاستجابة لإسرائيل والخليج وتنفيذ انقلاب عسكري في مصر بيد عبد الفتاح السيسي.

تصور الجميع أن الانقلاب سيكون سهلا، وقد كان يمكن أن يكون كذلك، لولا أمرين: الأول أن مرسي لم يستسلم كما فعل مبارك، والثاني: أن الإسلاميين كانوا قد خرجوا إلى الشارع قبل عزل مرسي!

لو استسلم مرسي لانتهى الأمر وكان الانقلاب سهلا!

لو كان الأمر بيد قيادة الجماعة لقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وفكروا في الحياة في ظل النظام الجديد (لأن قيادة الإخوان تحت عوامل الاختراق الأمني المنتشر في صفوف قياداتهم، والانهزام النفسي التام في صفوف قياداتهم غير المخترقة لم يؤمنوا لحظة بأنها ثورة شعبية وأنها لحظة فارقة.. ولهذا حديث آخر).

لكن مرسي لم يستسلم.. والناس قد نزلوا إلى الشارع بالفعل.. فانفلت القرار من يد قيادة الجماعة، وصارت الدولة أمام جسد الجماعة السائل، ومن وراء الجماعة الشعب الكبير الذي رأى أحلامه تتبدد ويعود للحظيرة من جديد.

(هنا لا أنفي أبدا أن السيسي كانت له شعبية، وأن كثيرا من الناس نزلوا في 30 يونيو.. لكنني أنفي تماما وبشدة أن هؤلاء كانوا أغلبية بل ولا شبه أغلبية.. وهذا أمر أذكره هنا كتوضيح جانبي لا أكثر.. وليس هو موضوعنا)

4. الجسد السائل للجماعة، والحالة السائلة للشعب أسفرت عن أمرين متداخلين: قيادات الجماعة -خصوصا مع الضربات الأمنية التي استهدفتهم- لا تستطيع إعادة الناس للبيوت، ولا تستطيع التصرف مع المفاجأة الصاعقة (كانوا يعتقدون حتى اللحظة الأخيرة أن السيسي رجلهم).. والدولة نفسها التي تراخت تعمدا في زمن مرسي بعد ارتباكها منذ ثورة يناير لم تستطع بدورها فرض السيطرة التامة على المشهد!

والحالة الثورية التي لا تزال باقية من يناير، مع الحالة الثورية التي ضخّتها آلة العسكر لتجميل الانقلاب، أسفرتا معا عن حراك خارج التنظيمات وداخل التنظيمات!

والتقت إرادة قيادات الإخوان المخترقة والمنهزمة نفسيا في القاهرة وفي الدوحة على الاختفاء والصمت والسكون.. ويوما ما سيُكتب ويُنشر كيف عملت بعض القيادات بجد واجتهاد على تسكين وتثبيط وإسكات طاقات الجماعة كأنما هم أكفأ ضباط لأجهزة الأمن!

هذا الاختفاء، هو الذي أدى إلى بروز بعض المخلصين مثل الشهيد محمد كمال وإخوانه (جميعهم جرى قتلهم فيما بعد)، ليحاولوا إعادة الجماعة إلى الحياة، وإعادة الجسد السائل الذي كان يتحرك بالقصور الذاتي إلى النظام.

(أكثر الناس سيندهش حين يعلم أن الجماعة ظلت بلا رأس لأكثر من عام.. أي أن كل المظاهرات الحاشدة الرهيبة التي استمرت حتى 2015 كانت مجرد حركة بالقصور الذاتي، بلا تخطيط ولا توجيه.. وهذا يخبرك عن حجم الخيانة التي اقترفتها القيادات البائسة التي دمرت الجماعة وعصفت بمصير الأمة كله في هذه اللحظة الفارقة)

وما إن بدأ محمد كمال يعيد ترتيب صفوف الجماعة، وما إن بدأت الجماعة تعود إلى الحياة، حتى ظهر الفارق الكبير في حركة الجماعة، وبدأت الخيانة تظهر، وإذا بالقيادات المختفية تعود من جديد لتفصل الذين كانوا يعملون، وإذا بأجهزة الأمن تفرج عن قيادات بعينها لتعود إلى مكانها من جسد التنظيم لتعيد السيطرة عليه، وإذا بعناصر كانت تسرح وتمرح بين أبو ظبي والرياض والقاهرة، تستطيع أن تسافر بسهولة بين هذه العواصم وبين الدوحة واسطنبول حتى تحقق القضاء على محاولة محمد كمال والتي كان بوسعها حقا أن تغير التاريخ!

وما بين الدوحة واسطنبول ولندن جرى تصفية الجماعة وتقطيع أوصالها، وإلقائها على طبق من فضة لعبد الفتاح السيسي، ليأكلها هنيئا مريئا، مع توسلات بالمصالحة والحوار والعودة إلى الحياة.. ولكن السيسي أكل الجماعة وتوسلاتها ثم أكل بعدئذ ما تيسر له من القيادات التي شاركته في ذبح الجماعة!!

5. ما الغرض من كل هذه الثرثرة التاريخية؟

الغرض منه ببساطة هو التذكير ببعض هذه الأمور:

- الجماعة كقيادة لم تتخذ أبدا قرار مقاومة الانقلاب العسكري.. بل تعاونت قياداتها المعروفة في كسر من قاوموا!

- النظام ضرب الجماعة بكل العنف من قبل أن تفكر أي شرائح داخل الجماعة في المقاومة، وحشد منهم عشرات الآلاف إلى السجون.. ليست الجماعة فحسب، بل كل من استطاع القبض عليه في مظاهرة.. ثم تطور الحال عبر السنين إلى اعتقال كل من يجد على صفحته منشورا مؤيدا لثورة يناير في 2011

- الجماعة تطلب المصالحة منذ ما قبل مذبحة رابعة، والسيسي هو من يرفض.

- الذين قاوموا الانقلاب، واستهدفوا الجيش والشرطة، كانوا مجموعات شبابية محدودة سرعان ما فصلتهم الجماعة وانفصلوا عنها.. ومعهم مجموعات سبق أن تركوا الجماعة كلها من قبل الثورة أو من قبل الانقلاب أو من بعده، حين شاهدوا بواقع الحال أن كل طرق التغيير السلمية تنتهي عند الدبابة!!

- الذين أخذهم النظام إلى السجون هم في غالبيتهم العظمى لم يقاوموه بشيء.. أكثرهم أخذ من منشور فيسبوك ومن مظاهرة سلمية ومن بلاغات كيدية ومن مكان تصادف أن كانت فيه مظاهرة أو ستكون فيه مظاهرة أو أخذوا للضغط على أقاربهم.. أو أخذوا لأنهم كانوا يديرون صفحات أو مواقع رافضة للحكم العسكري... إلخ!

ركز في هذه الأمور فسنحتاجها بعد قليل.

6. دعنا الآن لا نتحدث من منطلق الإيمان بالله أو الواجب الشرعي على الناس الذين وقعوا تحت الظلم.. بل دعنا نترك حتى منطلق الغريزة الحيواني الذي يحمل كل حيوان على الدفاع عن نفسه وعن عرينه وعن حماه..

دعنا نتكلم بالمنطق الفلسفي والفكري السخيف.. حين يُكتب التاريخ، ويقرؤه قارئ التاريخ.. فقل لي بربك، أيهما خير:

أن يقرأ سطرا يقول: حدثت ثورة، ثم انقلب عليها جنرال عسكري، فاستسلم له الناس وخضعوا..

أم يقرأ سطرا يقول: حدثت ثورة، ثم انقلب عليها جنرال عسكري، فاشتعلت الأرض تحته، وقاومه الناس حتى خلعوه وأدبوه، أو حتى: حتى هزمهم وقهرهم بعد صراع عنيف؟!!

أي السطرين تحب أن يقرأهما ابنك عنك؟

أي السطرين تحب أن يكتب في تاريخك؟!

فإذا كنت باردا بلا كرامة ولا يهمك ما يقال عنك.. فماذا تحب أن يُكتب في صحيفتك التي ستلقى بها الله يوم القيامة؟!

هل تحب أن تكون محشورا في زمرة الخانعين (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض. قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)

أم تحب أن تكون في زمرة الذين قاوموا وبذلوا حتى لقوا الله بإحدى الحسنيين؟!!

7. الآن تجتمع كلمة الحقوقيين وأصحاب المبادرات السياسية والوطنية.. سواء من كان منهم من طرف النظام أو من طرف المعارضة أو من طرف المحايدين على عبارة واحدة، اتفقوا عليها على اختلاف بينهم في كل شيء.. وهذه العبارة تقول:

"الإفراج عن كل المعتقلين ممن لم يتورطوا في العنف".. وبعضهم يضيف لمزيد من الدقة والإحكام والإنصاف "ومن لم يتورط في التحريض على العنف"

يقصدون بهذا: أولئك الذين لم يرضوا أن ينقلب عليهم العسكر، ولم يخضعوا للإجرام والظلم، فقاوموا!!!

يستحق هؤلاء وقفة طويلة نثبت فيها لهم وعليهم الحقيقة الساطعة التي تقول: بأن أغلب المعتقلين إذن ليسوا ممن تورط في عنف ولا في التحريض على العنف!!

وهذا بحد ذاته دليل على الإجرام الكبير والوحشية الشنيعة التي يتصف بها هذا النظام!!

فأي شيء أشرف للناس إذن: الذين أخذهم هذا النظام إلى السجون وهم لم يفعلوا له شيئا.. أم الذين سقطوا في أيديه وهم يقاومونه؟!!

ألم يكن الذين قاوموا أكثر شجاعة وكرامة وحمية فأُخِذوا بحق وهم يقاومون، أو ماتوا وهم واقفين.. من أولئك الذين أُخِذوا وهم يتكلمون ويهتفون، وماتوا وهم يصيحون ويشتكونه في أروقة محاكمه؟!

بل نزيد على ذلك خطوة فنقول: ألم يكن الذين قاوموا أكثر ذكاء ونضجا ومعرفة بطبيعة هذا النظام من أولئك الذين ظنوا أن سلميتهم أقوى من الرصاص فإذا بهم يسكنون نفس ذات الزنازين؟!

لكن المدهش هنا، والذي يستحق التوقف عنده طويلا، هو لماذا يقبل أولئك الحقوقيون وأصحاب المبادرات أن يكون النظام شرعيا بعدما ارتكب جريمة الانقلاب العسكري نفسها، وجرائم ذبح الناس في الشوارع وحشرهم في الزنازين وإعدامهم بالمشانق وبالرصاص الحي؟؟

لماذا يقبلون أن يكون النظام بعد كل هذه الجرائم نظاما شرعيا يعتبر الذين خرجوا عليه وقاوموه مجرمين بالفعل لا يستحقون العفو والخروج؟!

لئن كان المعيار هو القانون والدستور، فالنظام هو المجرم الأول الذي خرق الدستور والقانون.. وما فعله هؤلاء ليس إلا رد فعل غريزي!

أو فليدخل معهم الذين ارتكبوا هذه الجرائم من أركان النظام وأنصاره!

ولئن كان المعيار هو الإنسانية والرحمة وفتح صفحة جديدة فليخرج الجميع وعفا الله عما سلف للجميع!!

أسمع قائلا يقول: كن واقعيا، ولا تطالب بالمستحيل، والسياسة فن الممكن.. والمهم هو خروج المعتقلين ورفع الأذى عنهم.

وأقول لك: موافق على ما تقول

نعم، ميزان القوى ليس في صالحنا، خروج أي عدد هو أمر مهم ومطلوب ومنشود، فليخرج من استطاع ما استطاع

ولكن واجب مثلي أن يُذَكّر دائما بالحق الذي هو الميزان الذي قامت عليه السموات والأرض!

لئن عجزت وعجز الناس عن إخراج المعتقلين فلا بد أن يبقى واضحا وساطعا ونقيا أن الذين أُسِروا وهم يقاومون هم أشجع الناس وأذكاهم وأنبلهم وأفضلهم..

لئن عجزت وعجز الناس عن إخراج هؤلاء فالعار كل العار أن نسمح بالنظر إليهم كمجرمين أو أو نسكت عن بيان الحق الذي يعيد إليهم حقهم وفضلهم ومنزلتهم..

وأما أصحاب المبادرات والحقوقيون، فأكثرهم (أؤكد: أكثرهم وليس كلهم) لا يُنسى له غفلته وغباؤه حين كان جزءا من قتل تجربة مرسي ودفنها.. فليتواضعوا وليتهموا عقولهم قبل أن يتسببوا لمرة أخرى في تلويث وتجريم أشرف الناس وأنبلهم وأشجعهم وأذكاهم.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 04, 2022 01:00

May 2, 2022

الرئيس التافه!

 

يبدو أن مسلسل #الاختيار3 لم يحقق هدفه المنشود، رغم ميزانيته التي تساوي ميزانية 10 مسلسلات!! فجاءت البرامج التلفازية لتدعمه بعد كل حلقة!! ثم المنصات الإخبارية!!

في مشهد يحدث في التاريخ لأول مرة على حد علمي.. مشهد عبثي من أوله إلى آخره، فنحن لسنا الآن إزاء "المنتصر الذي يكتب التاريخ" من خلال السياق الطبيعي والنفوذ الطبيعي في مؤسسات التعليم والإعلام والثقافة..

نحن الآن أمام حاكم عسكري يعلن أنه أمسك بقلم التاريخ ويكتبه.. ثم إنه يجبر الناس على تمثيله.. ثم يجبرهم على الاستماع إليه.. ثم يريد أن يجبرهم على تصديقه!!!

فبعد كل ما حدث، اصطنع #السيسي_عدو_الله احتفالا جديدا، وأتى بالذين جسّدوا هذا التاريخ -مجبرين بسيف المعز وذهبه- ليخطب فيهم مؤكدا أنهم قاموا بعمل عظيم ومهم ومؤثر وأمين!!!

إذا لم يكن هذا المجنون قد اتخذ قرارا بإعدام بعض قيادات الإخوان فهو الآن يمهد له بذلك، لكان في حقيقة الحال مجنونا بنفسه، بل ويستحق أن يوضع تحت أجهزة الفحص لفهم طبيعته النفسية المحمومة التي تصوّر له أن إطعام الناس للمعلومات بهذه الطريقة الفجة لا يأتي بالفائدة المطلوبة!!

كيف لرئيس دولة يحترم نفسه أن يجلس بنفسه ليصنع مسلسلا يتابع كتابته واختيار ممثليه ثم يمارس التأكيد على أهميته بنفسه!! وذلك في وقت تعاني فيه البلاد انهيارا شاملا، وتقف على شفير إعلان الإفلاس!!

هذا أمر يُحَقِّر من شأنه حتى بميزان المنطق الدولتي السلطوي الرسمي الذي يحرص دائما على بقاء صورة الدولة كيانا متساميا ورفيعا وفوق الصراعات.. ولهذا فإن مثل هذه المعارك تترك لصغار الصحافيين والإعلاميين "الشوارعية"، بينما يحتفظ المسؤولون في الدولة، فضلا عن رئيسها، بصورة كبير البلد، والشخصية الرسمية المحترفة التي لا تصدر عنها الصغائر ولا تتلوث بالدخول في المهاترات!!

ثم هذه الكلمة البائسة التي ألقاها في هذا الاحتفال، يؤكد فيها على صدق المسلسل وأمانته، يريد فيها أن يغير التاريخ الذي ما زلنا نعيشه، بل نحن ضحاياه.. وهو التاريخ الذي لم تعد السلطة منفردة بكتابته، بل تفيض به الصور والمرئيات والتسريبات التي تفضح كم كان خنوعا ذلولا خاشعا أمام مرسي، بل أمام وزرائه ومساعديه!!

إن ما يرويه شهود العيان عن تذلل السيسي لهم مدهش مثير، وهم لا زالوا أحياء، وشهادات كثير منهم منشورة من قبل هذا المسلسل!!

ذكرتني هذه الكلمة البائسة بموقف أبي جهل وحيي بن أخطب.. موقفان يعبران عن حقد نفسي عميق، يطلب تغيير التاريخ بل تغيير الكتب المقدسة لتوافق هواه (كتبت عن هذين الموقفين هنا: https://t.me/melhamy/1961 )

عبد الفتاح السيسي لم يعد منذ زمن طويل عدوا للإسلاميين وحدهم، وهو لم يكن أصلا عدوا للإسلاميين فحسب، هو منذ اللحظة الأولى عدو للشعب كله.. لأنه ابن العسكر الذين أذلوا هذا الشعب وقهروه وقتلوه وأفقروه.. وفي اللحظة التي استطاع فيها هذا الشعب أن يتنفس بعض الحرية، كان السيسي هو ممثل المنظومة المجرمة لإعادة الشعب مرة أخرى إلى حظيرة الذل والفقر!

لكنه الآن صار عدوا حتى للسلطويين الدولتية الذين يؤمنون بالدولة إلها من دون الله، ويحرصون على قداستها وقوتها وتفوقها وسطوتها.. هذا الرجل لا يستطيع الدولتي أن يدافع عنه وهو ينزل بمقام رئيس الدولة إلى المحلل الفني والناقد السينمائي، ويتحدث عن كلام جرى بينه وبين أسير لا يملك أن يرد عن نفسه.. رئيس دولة يقسم في الجلسة الواحدة عشر مرات كالذي يعرف في قرارة نفسه أنه مجرم مذنب مخطئ، ويعرف أيضا أن الناس لا تصدقه!!

السيسي في هذه اللحظة خطر على الدولة بمنطق الدولة نفسها، وميزان الدولة نفسها!!

نحن في لحظة عجيبة مدهشة! وما كان المرء يتوقع أن يصل الحال إلى هذا العار الذي تتناقل فيه مواقع الأخبار تصريحات متكررة لرئيس دولة عن مسلسل درامي!!!

ولا حول ولا قوة إلا بالله!

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 02, 2022 08:26

May 1, 2022

تأديب النفس في رمضان

 

من أكثر المعاني ترددا في القرآن الكريم معنى أن الحق واضح وإنما يُعرض عنه الناس تكبرا عليه وجحودا له..

بل كاد هذا المعنى يكون في كل صفحة، صراحة أو ضمنا..

ومن عجائب القرآن أنه يوقف الإنسان أمام نفسه، وينزع عنه ما يتعذر به من أعذار زائفة.. وأعظم ما يرى الإنسان نفسه في هذا المشهد حين يقع في الكرب.. فحين يموج البحر ويوشك الغرق تنقشع الفلسفات والمماحكات وينفض القلب على نفسه كل الأعذار فيتوجه خالصا لله في لحظة الكرب.. لا يفكر في شيء غيره!!

ولعله لهذا قال نبينا ﷺ "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر"..

ومن بديع ما قاله العلماء تعليقا على هذا الحديث رائعة حجة الإسلام الغزالي في إحياء علوم الدين، فقد كانت له نظرة عميقة في آثار الكبر، وذلك قوله:

"وإنما صار (الكبر) حجابا دون الجنة لأنه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين كلها، وتلك الأخلاق هي أبواب الجنة

والكبر وعزة النفس يغلق تلك الأبواب كلها، لأنه:

- لا يقدر على أن يحب المؤمنين ما يحب لنفسه وفيه شيء من العز

- ولا يقدر على التواضع وهو رأس أخلاق المتقين وفيه العز

- ولا يقدر على ترك الحقد وفيه العز

- ولا يقدر أن يدوم على الصدق وفيه العز

- ولا يقدر على ترك الغضب وفيه العز

- ولا يقدر على كظم الغيظ وفيه العز

- ولا يقدر على ترك الحسد وفيه العز

- ولا يقدر على النصح اللطيف وفيه العز

- ولا يقدر على قبول النصح وفيه العز

- ولا يسلم من الازدراء بالناس ومن اغتيابهم وفيه العز

ولا معنى للتطويل..

فما من خلق ذميم إلا وصاحب العز والكبر مضطر إليه ليحفظ عزه، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه خوفا من أن يفوته عزه"

وللنبي ﷺ تشبيه مرعب في حال الذي يتكبر ويحرص على نفسه.. فقد صوَّر النبي ﷺ صورة مذبحة فظيعة، وهي كالآتي:

ذئبان جائعان أُطْلِقا في غنم.. ففتكا بها

تأمل صورة المذبحة واسرح فيها وحاول أن تتصورها، فتصوُّرها مهم..

ثم ذكر النبي أن الحرص والكبر أشد فتكا في دين المرء من هذين الذئبين الجائعين في الغنم!!

قال ﷺ: "ما ذِئْبان جائعان أُرسلا في غنم، بأفسدَ لها مِن: حرص المرء على المال والشرف لدينه".

وهذا شهر رمضان.. معسكر تدريبي مكثف، يؤمر فيه المرء بالجوع والعطش، ويُستحب له فيه قيام الليل والسهر والتعب، ويطيل الركوع والسجود وهما هيئة الخضوع والتذلل والتعبد، ويرفع يده بالدعاء ويذرف الدموع وتلك هيئة الفقير المحتاج المتوسل!

ويسمع من الآيات ما يغمره بعظمة الله وقدرته وسطوته وهيمنته وجبروته.. فترتج عليه نفسه!

ويسمع منها ما يُزَهِّد في الدنيا ويُحَقِّرها ويقلل منها.. فتصغر الدنيا وما فيها في عينه وقلبه!

ويسمع منها ما يجعله عبدا مثله مثل الناس، لا فضل له عليهم إلا بما يعمل من العمل الصالح.. ويرى فيها انقسام الناس إلى مؤمن وكافر، فتزول حسبة القبائل والعشائر والمناصب والأموال!

ويرى في الآيات مصارع الفراعين والمتكبرين والمتجبرين.. فإذا الذين شادوا القصور ونحتوا الجبال وملؤوا الدنيا أموالا وآثارا قد ذهبوا في عاصفة ريح أو في موجة بحر أو خسفة أرض.. فيرى المرء في نفسه أنه لا يقوم لهذه القوة الجبارة التي تصرف الكون وتدبر الأمر!

هذا شهر رمضان، شهر كثيف العبادة، تخرج منه النفس وقد خشعت لله، فالتاريخ كله يمرّ في سطور، والأقوام المعمرين قد صاروا "أحاديث"، والممالك العظمى قد اندثرت وبادت.. فإذا المرء يعرف من نفسه أنه ليس إلا ذرة عابرة في سحابة الزمن، ونقطة مهملة في فساحة الكون.. وليس له إلا ما يلقى به وجه الله يوم القيامة!

اللهم تقبل منا رمضان.. وأعنا على الاستقامة بعده!

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 01, 2022 05:27

April 18, 2022

فاتن أمل حربي، مأساة صنعتها الدولة والقانون


لئن تصفدت شياطين الجن في رمضان، فلقد انطلقت شياطين الإنس، يفتنون الناس عن دينهم..

 

لقد اخذت هذه الأنظمة الحاكمة على عاتقها أن تُفسد على المسلمين دينهم ودنياهم، وجعلت جرعة الإفساد في شهر رمضان مكثفة، تعويضا عما ينقص هذا العالم من شرور الشياطين في هذا الشهر.. فنعم أولياء الشيطان حقا!

 

وفي مصر، تولت السلطة إفساد أفكار الناس وتصوراتهم على سائر المستويات، فدفقات من الشهوات تقذف بها البرامج والمسلسلات والحفلات، ودفقات من الشبهات تقذف بها مسلسلات صنعتها السلطة على عينها.

 

فإن كنت من أهل الاهتمام بالشأن العام فها قد جاءك الجزء الثالث من مسلسل الاختيار الذي بلغت ميزانيته أكثر من ميزانية عشر مسلسلات!!

 

(ويجب أن تتذكر كلمات طبيب الفلاسفة: احنا فقرا أوي.. كده خربانة وكده خربانة.. قولوا لي اعمل ايه.. حد يقول لي اجيب فلوس منين.. يا رب احنا وضعنا صعب أوي... إلخ!)

 

وهدف هذا المسلسل في نهاية الأمر أن يُقنعك أن ما أنت فيه من الفقر والقهر والذل والعبودية إنما هو نعيم الوطنية.. فأنت الآن تعيش في الإنجاز الكبير الذي صنعه عبد الفتاح السيسي الذي أنقذ مصر!!..

 

وفي الواقع فليست الخطورة في هذه "الشهوة الوطنية" التي يوقظك فيها هذا المسلسل لتعيش مغفلا وتموت مغفلا وأنت تعتقد أن مؤسسات الدولة مؤسسات وطنية ملائكية محترفة.. لا لا.. ليس هذا هو الأخطر.. الأخطر حقا هو ما يتسرب إلى وعيك ويتكون في ضميرك من الوثنية، نعم.. وثنية "الدولة" وصنم "الوطن"!.. ستخرج من المسلسل وقد تشكل في ضميرك إله جديد تشرك به مع الله، وهو هذا الإله الذي اسمه الدولة أو الوطن..

 

(إذا كان لديك وقت، وأحببت التعرف على هذا الوثن، فتجول هنا:

https://melhamy.blogspot.com/2014/06/...

 

https://melhamy.blogspot.com/2014/07/...

 

https://t.me/melhamy/5262)

 

فإذا لم تكن من محبي السياسة، فلقد ادخرت لك السلطة مسلسلات أخرى، يقوم على كتابتها أمثال إبراهيم عيسى.. وبينما أنت تتابع قصة اجتماعية لامرأة مظلومة مهضومة، فما هو إلا أن تجد نفسك قد خرجت من المسلسل، وقد نفرت من المشايخ الجهلاء، والفقه الظالم، والدين المُخْتَرَع، وتسرب إلى ذهنك أن أبا هريرة والبخاري وابن تيمية والأزهر مسؤولون عن ضياع المرأة والأطفال في عصر الملاك البريئ عبد الفتاح السيسي!!

 

وبدلا من أن تفكر في حل طبيعي منطقي لإنقاذ المرأة والأطفال في هذا الواقع المعاصر، إذا بالمسلسل يأخذك لتعديل دينك، وخوض معركة مع المحدثين والفقهاء والمشايخ، بل والصحابة والسنة، لتجد نفسك في مواجهة الدين، وفي مواجهة فقه يتمدد على طول أربعة عشر قرنا، وعلى عرض الديار الإسلامية من الصين حتى الأندلس!!

 

في المشهد الشهير الذي ذاع وانتشر حول حضانة الأم لأطفالها، وهو المشهد البائس علميا وفنيا معا، كان الحوار فجًّا ومباشرا وقبيحا انتهى بقول الشيخ: هو ده اللي أنا حافظه، وبقول المرأة: ربنا أرحم من إنه يقول كده!!

 

وقد شاهدت بعض الردود القوية عليه، ولن أكرر ما قالوه، فقد أفادوا وأجادوا، ويمكنك أن ترجع إليها هنا:

 

رد الشيخ عبد الله رشدي | https://youtu.be/x2CWRRgbcSM

 

رد الأستاذ معاذ عليان | https://youtu.be/zwV2HnPXDAQ

 

رد الأستاذ حسام عبد العزيز | https://youtu.be/a8n8VtG8g4s

 

رد الشيخ ياسر النجار | https://youtu.be/HOMTT4Q3q3U

 

لكن أمرًا واحدًا لم يتطرق إليه أحد، اللهم إلا الشيخ ياسر النجار في التفاتة سريعة، أرى أنه في الغاية القصوى من الأهمية، وأحب أن ينتبه له سائر القارئين، وأن يدلي بدلوهم فيه سائر الرادّين على هذا المسلسل وأشباهه.

 

ذلك هو أن مأساة المرأة والأطفال في واقعنا المعاصر، هي النتيجة المباشرة لتنحية الشريعة وإلغاء القضاء الشرعي، بل ولا مبالغة إذا قلنا أيضا بأنه من آثار تقنين الشريعة.

 

باختصار شديد:

 

القاضي في النظام الإسلامي له مساحة اجتهاد واسعة في النظر وفي القرار، وذلك كالتالي:

 

1. القاضي لا يحكم بقانون أنتجته الدولة، بل يستمد أحكامه من كتب الفقه الإسلامي، وهذه الكتب أنتجها علماء المسلمين بغير تدخل من السلطة ولا تأثير فيها.

 

2. لأن النصوص -مهما اتسعت- محدودة، فإن مساحة الاجتهاد أمام القاضي واسعة.. هذا ما وفَّره له الفقه الإسلامي نفسه.. فللقاضي أن يحكم في القضية المعروضة أمامه بما يناسبها من أقوال الفقهاء داخل مذهبه، أو حتى يحكم فيها بقول من مذهب آخر يرى أنه الأنسب في هذه الحالة.

 

3. مسألة حضانة الطفل في كتب الفقه، مهما اتفق فيها العلماء أو اختلفوا، فالخط الثابت الواضح فيها أن المقصود من النقاش فيها هو: مصلحة الطفل نفسه. أو اختيار الطفل.. فقد يُحكم بالحضانة لأبيه أو لأمه أو لأم أمه أو لخالته أو لعمته.. على حسب ما تكون مصلحة الطفل واختياره.

 

وتقدير مصلحة الطفل، ومشاهدة اختياره، أمرٌ يراه القاضي الذي ينظر في القضية.

 

فتخيل معي الآن، أيهما أنفع للطفل: قاضٍ يختار من بين النصوص الفقهية الكثيرة القول الأنسب لحالة القضية التي أمامه، أم القاضي الذي نزل عليه من الدولة نصٌّ قانوني لا يستطيع أن يتعداه، فهو مُجبر على القضاء به حتى لو كان يرى بعينه أن الطفل سيضيع إذا أوكلت حضانته لأمه؟!

 

4. القاضي المسلم في القضاء الشرعي كان شيخا، هو يرى في نفسه أنه مكلف بإقامة الدين في الناس، ومكلف بالتزام التقوى والأخلاق في نفسه، على هذا تربى ونشأ، وعلى هذا يحاسبه المجتمع! فالقاضي الشرعي يخدشه أنه لا يصلي الصبح حاضرا في جماعة، أو أنه يتفوه بالكلام الساقط، أو أنه يدخن، أو أنه يأتي عملا من خوارم المروءة.

 

بينما القاضي المعاصر هو في أحسن الأحوال مستقيم اجتماعيا، كأن لا يكون ممن يرتشي أو ممن يظهر انحلاله الأخلاقي!

 

والفارق هائل وضخم بين من يرى نفسه شيخا من ورثة الأنبياء والناس يتوقعون منه استقامة دينية فوق الاستقامة الاجتماعية.. وبين من أعلى أحواله الاستقامة الاجتماعية وحدها.

 

مثلما أن الفارق ضخم بين من يرى نفسه مُكَلَّفا بالقضاء وفق ما يُرضي الله تعالى ويحقق مصلحة العباد، وبين من يرى نفسه مكلفا بإنفاذ القانون وإرضاء الدولة.. إنه الفارق بين عبد الله وعبد الدولة!

 

فأما إن كان القاضي المعاصر في مصر المعاصرة، فنحن أمام نموذج آخر.. نحن أمام منظومة قضائية مبنية على الفساد والانحلال الأخلاقي، ومبنية على استبعاد العناصر الصالحة.. فالقضاء في مصر هو تركة يتوارثها الفاسدون، يدخلون إليها بالرشوة والمحسوبيات، ويشيع فيها تلقي الرشاوى والانحلال الأخلاقي، وهم يُفرزون فيصعدون ويُستبعدون بناء على تقييم السلطة لخضوعهم لها وتنفيذهم لرغباتها..

 

القوانين التي تنظم عمل القضاة والمحاكم موضوعة أصلا لتحقيق هدف تطويع القضاء والقضاة للسلطة الحاكمة!

 

وفي السنوات العشرين الأخيرة، فتحت السلطة بابا في القضاء يجعل ضابط أمن الدولة اليوم هو القاضي غدا!! وتأمل في حال منظومة قضائية يسودها عمالقة التعذيب والفساد والانخلاع من الدين!!

 

5. والخلاصة التي أريد التركيز عليها عزيزي القارئ الصبور، الذي أشكره أن وصل معي إلى هذا السطر، أن مأساة المرأة والطفل في عصرنا هذا، هي فرع من مأساة ابتعادنا عن الدين وعن الشريعة، وهي فرع من مأساة إلغاء القضاء الشرعي وتقنين الشريعة.. ذلك التقنين الذي -هو في أحسن أحواله- نزع عن الشريعة إهابها الأخلاقي والروحي فأحالها نصوصا قانونية جامدة، يقوم على تنفيذها قضاة فاسدون مختلون، يعبدون القانون!

 

فالمأساة المعاصرة هي الثمرة المباشرة للنظام العلماني لهذه الدولة الحديثة، وهذا النظام الطغياني الفرعوني المجرم.

 

وإذا كان لديك وقت آخر.. فهذه بعض روابط عن الفارق بين الشريعة والقانون وعن تقنين الشريعة وعن ضعف العلماء:

 

https://melhamy.blogspot.com/2011/10/...

 

https://youtu.be/K6VoJYEPWXc

 

https://youtu.be/c4IRlQs9Pjw

 

https://youtu.be/mkIHMWmTUMU 
6 likes ·   •  2 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 18, 2022 21:21

April 16, 2022

مجرد عصابة عسكرية منظمة!

 

لمرة أخرى يجب أن نكرر ونؤكد ونقول من جديد بأن المشكلة القائمة الآن في عالمنا العربي ليست مشكلة بين الإسلاميين وأنظمة الحكم.. بل هي مشكلة بين أنظمة الحكم وبين الجميع!

نعم، الإسلاميون هم الأقوى والأقدر على مقاومة هذه الأنظمة، وهم الذين يتعرضون للجانب الأعظم من التشويه والتكسير لسبب بسيط: أنهم الإفراز الطبيعي للأمة المسلمة.

لكن الذي تفعله أنظمة الحكم المعاصرة هو ضد الدين وضد الوطنية وضد العقل وضد الشرف.. فأي إنسان مخلص لوطنه ولو من منظور علماني وطني مادي لا علاقة له بالدين، فهو سيتوصل في النهاية إلى عداوة هذه الأنظمة، وسيرى فيها عملاء العدو بكل وضوح.

بعبارة أخرى..

لو أن مصر يحكمها رئيس علماني وطني يرى أن الدين خرافة وأنه مصدر تخلف.. فهذا الرئيس الذي يحمل هذه الأفكار، هو نفسه الذي سيتحرك من منطلق وطني بحت في دعم الأزهر، لأن الأزهر يمثل قوة ناعمة مضافة إلى قوة البلد، الأزهر سيُوَلِّد له وجودا طبيعيا في مناطق شاسعة من إفريقيا وآسيا، وسيكون مدخله الطبيعي لعلاقات دولية واسعة، وسيضع في يده أوراقا كثيرة يمكنه أن يستعملها في تقوية مواقفه السياسية!

ذات الكلام سيُقال عن السعودية إذا حكمها حاكم علماني وطني.. إنه سيلقي بكل أنواع ثقله ودعمه لتعزيز مكانة الحرمين ونشر السلفية وطباعة كتب مشايخها واستقدام الدارسين من سائر بقاع الدنيا إلى السعودية..

مثلا، هذا التمدد الشيعي الذي يشتكي منه الجميع الآن، ما كان له أن يكون لولا الدعم التام الذي تقدمه الدولة للحوزة العلمية في قم ومشهد، وتلقي بثقلها السياسي والمالي كي لا يكون للشيعة حوزات علمية منافسة في العراق أو لبنان أو باكستان أو أفغانستان.. ولو أن الذي يحكم إيران ليس من آيات الله، وإنما هو حاكم وطني علماني بحت، فلن تراه يتراجع عن دعم هذه الحوزة العلمية لتتمدد في أنحاء العالم وتنشر قوتها الناعمة التي يستفيد منها سياسيا!

هذا ما فعله الغرب ذاته.. الغرب الذي شنق القساوسة واعتنق العلمانية وأقصى الكنيسة، هو ذاته الذي يسخو ويجود ويدعم حملات التنصير والإرساليات التبشيرية، وكانت جيوشه (العلمانية) تحتوي -أو تساند- البعثات الكنسية التي تنشر المسيحية في أدغال إفريقيا وبوادي آسيا! ولا يزال للفاتيكان نفوذ هائل وسطوة ضخمة في عالم السياسة، وهو مجرد كنيسة كبيرة!

ومن ثم، فما تقوم به هذه الأنظمة من ضرب معاقل القوة: كالأزهر في مصر والسلفية في السعودية و... إلخ، هو عمل من أعمال الخيانة.. ليست خيانة الدين فحسب، بل خيانة الوطن بالميزان العلماني المادي نفسه!

فبلادنا -من وجهة نظر علمانية وطنية بحتة- لن تكون ذات حضور سياسي ولا ذات قوة إقليمية ودولية إذا انخلعت عن دينها واعتنقت العلمانية الغربية، فماذا تكون قيمتنا في هذا العالم إذا كان أقصى ما سنستطيع تقديمه أن نكون خاضعين مخلصين للأفكار الغربية!

إن الغرب نفسه لن يسمح لنا بالالتحاق به عضوا محترما في عالمه، وكيف يسمح بذلك لمن انخلعوا من أنفسهم وجاؤوه خاضعين؟! متى رأيت غنيا ثريا سمح لخادمه أن يجلس إلى جواره ويكون ندًّا له، لمجرد أنه ارتدى نفس الثياب واجتهد في حفظ البروتوكول؟!

وأدلُّ دليلٍ على ما نقول، أن هذه الأنظمة الحاكمة لم تجتهد أبدا في بناء دولة على النمط الغربي بحق، فلا هي تعمل على تكوين قضاء مستقل نزيه تسود أحكامه على الرؤساء والأمراء والملوك، على نحو ما فعلت الدول الغربية. ولا فكروا في إنشاء صحافة حرة وإعلام قوي، ولا حتى اجتهدوا في إنشاء جيوش قوية تدخل في سباق محموم لتحقيق التفوق الإقليمي وتدافع بشراسة عن حدود الأمن القومي للدولة!

والغرب الذي يؤزهم أزّا، ويدفعهم دفعا، لهدم حصونهم الدينية والثقافية لم يضغط عليهم أبدا لصناعة ديمقراطية حقيقية أو مؤسسات مستقلة..

ومن هنا، فناتج ما يجري في بلادنا أنه هدم بغير بناء.. تُهدم صورة الشيخ الذي يُعَلِّم ويُفتي ويقضي، ولا تُبْنَى صورة القاضي المستقل أو البرلماني الحر أو المُعَلِّم الكريم!

تُهْدم الأسرة بضرب فكرة قوامة الرجل وبضرب الأحكام الدينية التي تنظم حياة الرجل والمرأة، ولا تُبْنَى المؤسسات التي يمكنها انتشال المرأة المطلقة والمعيلة من مجتمع قاسٍ، أو حماية البنت المراهقة من عبث الشباب، أو رعاية المرأة المسنة من عقوق الأولاد!

تُهْدم منظومة التكافل المجتمعية الذي تحتوي الفقراء والمساكين والعاجزين والمحتاجين والمراهقين والشباب، ولا تُبْنَى مؤسسات الدولة للرعاية والضمان الاجتماعي وحماية المظلومين!

أي إن الدول في بلادنا -كما يقول بحق تشارلز تيلي- مجرد عصابات عسكرية منظمة لتحقيق أكفأ نهب ممكن!!

ونحن في كل حديثنا السابق هذا، ننظر من منظور علماني وطني مادي بحت.. وإلا فيعلم الله أنني أحتقر هذا النموذج المادي وأراه قزما كسيحا أمام عظمة النموذج الإسلامي.. وإذا كان رجل مثل وائل حلاق -وهو الأستاذ الجامعي المرموق- يفضل أن يعيش ذميا في عصر بني أمية وبني العباس على أن يعيش في أمريكا الحديثة.. فماذا عسى مثلي أن يقول وأنا الذي ينقسم يومي بين مطالعة تاريخنا ومعايشة واقعنا في بلادنا المنكوبة المقهورة؟!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 16, 2022 21:36

April 10, 2022

أستاذتي وشيختي الأولى.. في ذمة الله


  كانت جارة لنا.. نشأت فرأيتها.. وهي أول من رأيتها تلبس النقاب، ولم يكن هذا شائعا في محيطي الأول..

 

ولكن تحت النقاب نفس مشرقة، ووجه صبوح، وسَمْتٌ منير، وكلام يسيل منه الحب والرحمة..

 

وقد أخبرتني أمي أنها تائبة، فقد رأتها أمي قبل مولدي بسنوات، وهي غير متحجبة، حين كانت تمضي إلى عملها، إذ كانت مديرة مدرسة.. لكن الله أنعم عليها بالتزام الدين وهي في الأربعينات!

 

وإذا بالمعدن الأصيل والنفس الطيبة ينقلب حاله، فما هو إلا قليلٌ حتى انكبت على الدين وكتبه، وما هو إلا قليل حتى صار لها درس تعقده للنساء، وقد كنتُ شاهدا على النساء اللاتي تغير حالهن على يدها، بأثر من درسها!

 

درجت إليها طفلا، كانت أول من علمني سور القرآن الصغيرة، وبعض الحساب، وذلك قبل أن أدخل إلى المدرسة، وهي أول من سمعت منه حديث الجنة والنار، نعيم الجنة وما فيها من القصور والطعام والشراب، وعذاب النار وما فيها من الجحيم والنكال!

 

وهذه هي اللبنة الأولى التي حُفِرت في نفسي، وكان تأثيرها هو التأثير الباقي الدائم، فمهما توسع اطلاع المرء فيما بعد، إلا أن الأثر الأعظم هي لتلك الرجفة الأولى التي شعرتها وأنا بين يديها.. رجفة الشوق إلى الجنة ورجفة الخوف من النار!

 

نزلت من عندها في هذا اليوم الذي لا أنساه وأنا عازمٌ على إقامة الصلاة..

 

لقد كانت امرأة يشع منها الدين، تصدر عنها الأخلاق الحسنة طبعا وجبِلّة، لا يقارن أثرها على الأطفال إلا بأثرها على النساء.. وقد حضرت مع أمي بعض دروسها وأنا صغير، فكان كلاما لم أفهمه، ولكني فهمت أن النساء يجلسن أمامها كأن على رؤوسهن الطير!!

 

وذات يوم قالت لي أمي وهي حزينة: لن تعطي الحاجة "هناء" دروسها..

 

- لماذا؟

 

- منعوها؟

 

- من الذين منعوها؟

 

- الحكومة

 

- ولماذا تمنع الحكومة درس الحاجة هناء؟!

 

لا أتذكر الآن كيف أجابت أمي على سؤالي، لكنها كانت المرة الأولى التي أعرف فيها أن هناك شيء اسمه "الحكومة" تمنع الخير وتصد عن سبيل الله!!

 

فيما بعد عرفت كيف جاءها التهديد، كان على هذه الصيغة: انتهاء الدرس فورا، وإلا سيختفي زوجك وأبنائك إلى الأبد!

 

ذات مرة رأيتها تقرأ في كتاب ضخم.. وقد ملأته بالخطوط، فسألتها: ما هذا الكتاب؟

 

قالت: في ظلال القرآن

 

- وما معنى هذا؟

 

ولا أتذكر الآن كيف أجابتني أيضا!

 

هُرعت إلى أمي وأنا أسألها: من الذي يستطيع أن يكتب كتابا كبيرا مثل الذي تقرأ فيه الحاجة هناء؟

 

قالت أمي: هذا كتاب كتبه الشيخ سيد قطب

 

- وأين هو الشيخ سيد قطب؟ (كنت أظن أنه في مدينتنا الصغيرة)

 

قالت أمي: أعدموه.

 

وللمرة الثانية أعرف أن هذه الحكومة التي تمنع دروس الدين هي التي يمكن أن تقتل العلماء.

 

نعم، إنها المذاقات الأولى..

 

ربما لم أستفد منها علما كثيرا، لكني استفدتُ منها ما هو أعظم من العلم.. التأثر!

 

ملامحها لا تغيب عني وهي تصف لي وصف الجنة والنار، وهي تعلمني الوضوء والصلاة، وهي تعطيني "نجمة كبيرة" لأني أصبتُ في حل مسائل الحساب.. كان تعاملها وتشجيعها يشعرني أنني على قدر من الأهمية!!

 

وعلى هذا النحو من الخلق الجميل كان زوجها رحمه الله، وكان ولداها حفظهما الله..

 

ثم تقلبت الأيام وتباعدت الديار وانقطعت الأخبار.. حتى عرفت اليوم أنها قد تُوفيت منذ شهور، فكانت من شهداء هذا الوباء.. أحسبها كذلك والله حسيبها!

 

مما لا أنساه من المواقف المؤثرة، ذلك الموقف العجيب الغريب الطريف الذي يخبرك أين وصلت بلادنا!

 

كانت قد تقدمت في العمر واحتاجت لمن يخدمها، فجيئ لها بخادمة تحمل عنها بعض العبء، إلا أن هذه الخادمة سرقتها، ولما اكتُشِفت السرقة، ووُجِهت هذه الخادمة بجريمتها لم تنكر.. ولما هُدِّدت بإبلاغ الشرطة قالت: لا بأس، أبلغوا الشرطة وأنا سأقول: إنها كانت تستضيف في بيتها اجتماعات كثيرة حافلة بالمنتقبات والملتحين!!

 

كانت خادمة وسارقة، ولكنها تفهم أحوال البلد خيرا من جمهرة المثقفين المتسكعين في الفضائيات والمراكز البحثية، أولئك الذين يبيعون الكلام!!

 

فاجتمع على المرأة الصالحة في هذا الموقف قهر وعجز وخوف!!

 

سلاما عليكِ يا معلمتي الأولى..

 

أسأل الله تعالى أن يكتب لك أجرك المنثور فيمن تعلموا على يديك، وأن يجعلك من الشهداء، وأن يرفعك إلى عليين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا!!
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 10, 2022 21:32

March 2, 2022

عند الأزمات تتبخر المبادئ وتظهر الحقائق!

 

في أوقات الأزمات تتبخر الطلاءات وتتفتت القشور وتتمزق الأغلفة وتذوب المساحيق!!

أعتبر نفسي محظوظا لأني اكتشفت زيف مبادئ "شركاء الثورة والميدان" من قبل الثورة.. كل شعارات الديمقراطية تتبخر حين تأتي بالإسلاميين!

وأعتبر نفسي محظوظا أني قرأت تاريخ العسكر قبل وقوع الانقلاب، وما كتبتُه في وقت الثورة وبعد تنحي مبارك بأيام يشهد أني توقعت انقلابهم في كل لحظة.. كل شعارات الوطن والوطنية والسيادة تتبخر حين يتهدد النظام!

وأعتبر نفسي محظوظا الآن أيضا، لدينا من تجارب القهر ما كان يغنينا عن الإعجاب بالغرب والانبهار به.. كل خرافات الدبلوماسية والمبعوث الدولي وجولات التفاوض وسلاسل مؤتمرات جنيف وسوتشي وباريس ولندن والصخيرات ... إلخ! كلها تتبخر حين يكون الدم المسال دم المسيحي الأبيض!!

ومع هذا فإني أعرف تمام المعرفة، وأوقن حق اليقين، أنه لولا هذه الأحداث ما تغيرت قناعة أكثر الناس.. إنها سطوة الغالب! إنه زخرف القول! إنه سِحْر الإعلام!

لنعترف.. نحن لم نؤمن بما في كتاب ربنا ولا بما في سنة نبينا إلا عندما سقطت الصاعقة على رؤوسنا.. فلننظر في حواراتنا ونقاشاتنا وإنتاجنا الثقافي والفكري والأدبي..

الآن تتبخر أحاديث الإنسانية والآن نتعلم درس الولاء والبراء من الغرب بموقفهم من أوكرانيا!!

الآن تتبخر أحاديث السيادة الوطنية والآن نتعلم درس "الجهاد العالمي" بما نراه من الغرب من فتح باب التطوع وتدفق الأسلحة والمقاتلين للقتال مع الأوكران ضد الروس!!

مثلما تبخر حديث الجيش الوطني وحرية الإعلام والقضاء الشامخ والأزهر الشريف مع موجة الانقلابات العسكرية والثورات المضادة!!

لم نؤمن بقوله تعالى (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) إلا حين ظهروا علينا ففعلوا ما كان فوق خيال المتشائمين "الوطنيين"!!

لم نؤمن بأن الناس ينحازون في النهاية إلى أفكارهم، مهما كانت مصالحهم، إلا حين رأينا اتحاد العلمانيين والعسكر على قتلنا، مع أنهم مهددون بالقتل والسجن أيضا، ولكنهم اعتنقوا عن إيمان وقناعة أو عن شهوة لم يستطيعوا لجمها عقيدة "نار العسكر ولا جنة الإسلاميين".

إنني أتذكر تلك اللحظة التي رأيتُ فيها تبخر المبادئ.. كانت لحظة ثمينة والله.. تشبه من وجوه كثيرة لحظة محمود شاكر وهو يرى طه حسين يسرق فكرة مرجليوث ويعيد تسويقها بين المسلمين!!

صنعتني تلك اللحظة!! عرفت حينها عن حق ويقين أن كل محاولات "تهذيب الإسلام" وإعادة تركيبه على مقاس الوطن والمواطنة والدولة وما تناسل عنها من قيم = عرفت عن حق ويقين أنها محاولات فاشلة!!

ليست فاشلة من حيث أنها لن توصلنا إلى شيء، فهذا أمر محتوم.. هي فاشلة من حيث أنها تسلبنا ديننا ومصدر قوتنا وتميزنا، وتفقدنا روحنا الملتهبة المؤمنة المتحمسة.. ثم لا يفعل مثل ذلك أحد غيرنا!!

إننا نخلع ملابسنا وحدنا.. والكل يرتدي دروعه التي صنعها من أفكاره!!

منذ ذلك الوقت، وأحمل في نفسي إجلالا عميقا عظيما مهيمنا لكل من آمن بما في كتاب الله وسنة رسوله دون أن تعلمه التجارب أنهما حق.. آمن بهما وشرب منهما وقرأ بهما طبيعة الحياة وخريطة الصراع وحقيقة المشاعر قبل أن ينزل سيف الخذلان على رأسه، قبل أن تصعقه الصاعقة، قبل أن يرى دمه مسفوكا على مذبح أوثان العصر وقيمه الزائفة!!

ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول -على ضعف همتي وقلة بضاعتي- أن أقول بوضوح: إن ابتعادنا عن ديننا في أصالته وبساطته وأفكاره الأولى هو التيه والضياع.. ومنا من سيضيع إلى الأبد! ومنا من سيعود لكن بعد أن نكون قد فقدنا من الخسائر ما لا يمكن تعويضه، وأهم من الخسائر: ما نكون قد فقدناه من الزمن.. ومن الفرص!!

ترى: ماذا كنا سنصنع لو كنا نعرف من قبل الثورة أن جيوشنا وعسكرنا مجرد خونة وعملاء مثلما نعرف ذلك الآن؟!.. كم كان ذلك الأمر سيغير من سلوكنا ومن مصائرنا؟!

ترى: ماذا كنا سنصنع لو كنا نؤمن بأن الغرب مجرم وحشي عنصري، لا يرانا إلا كالحشرات، مثلما نعرف ذلك الآن؟!!!

أين كان سيكون مستوى نقاشنا وكلامنا وطبيعة تصرفنا وسلوكنا في سائر الملفات؟!

ألم يأنِ بعد كل هذه التجارب أن نعود فنتلقى أفكارنا من القرآن والسنة، أن نجلس في حضرة الوحي كالتلاميذ الصغار، الخاضعين المستسلمين، المنتبهين اليقظين؟!

كم من التجارب نحتاجها لنكتشف حقيقة المعركة والصراع في هذا العالم؟!

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 02, 2022 15:35