محمد إلهامي's Blog, page 9
January 21, 2022
أطفال العالم يحتاجون إلى الإسلام!
رأى رجلٌ رسول الله ﷺ يقبِّل الحسن بن علي، فاستغرب قائلا: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتْ منهم أحدا. فنظر إليه رسول الله ﷺ وقال: من لا يرحم، لا يُرْحَم.
وعن عائشة رضي الله عنها أن قوما من الأعراب قدموا على رسول الله ﷺ فقالوا: أتقبِّلون صبيانكم؟ فقال ﷺ: نعم. فقالوا: لكنا والله ما نقبل. فقال ﷺ: وما أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة؟!
تأمل كيف جعل رسول الله ﷺ القبلة للطفل دليل وجود الرحمة، وجعل انتفاءها دليل على القسوة ونزع الرحمة؟!
كيف يكون الحال إذن لمن كان يعتقل الأطفال ويعذبهم ويقصفهم بالبراميل المتفجرة وبالكيماوي؟!!
لقد وفَّر لنا عصر الفيديو وسرعة التواصل هذا أن نرى من الحقائق ما كنّا سنكذبه إذا سمعنا به!
لقد رأيتُ من انهال على رأس طفل مسلم بالجرافة في بورما حتى هشَّمها، بعدما هشَّم أمامه رأس أبيه!!
ورأيت من أمسك بطفلين فعلقهما في سلك ثم شنقهما، كأنه يمارس عملا روتينيا!
ورأيت من عرَّى طفلا فانهال عليه ضربا، لا لشيء إلا لأنه مسلم يريد تطهير الأرض منه!! ويرى في هذا قياما بحق دينه عليه!!
رأيت أطفال المسلمين في تركستان، والصيني ينهال عليهم بالضرب الوحشي، وأشدُّ من محنة الطفل حين يُضرب، محنته حين يتلفت حوله، يبحث عن ملاذ أو نصير فلا يجد!!.. نظرة الفزع والبحث عن الحل أشد هولا من ألم الضرب!!
رأيت جنودا صينيين ينتزعون طفلا من أبيه، والأب قد انحبس صوته، وكُتِمت أنفاسه، وسالت دموعه تحكي قهرة قلبه، وهو يتمسك بالطفل، يعرف أنه لن يراه مرة أخرى!!
وهذا الذي يجري في الصين، يجري مثله في كندا والسويد وغيرها من بلاد أوروبا، لكنه يجري هناك مزخرفا بغطاء قانوني، ودعاوى براقة، فيتحقق معنى السبي تحت لفظ "حماية الطفل" من أبويه!!
كم رأينا أطفال سوريا وهم يصارعون الحياة يريدون أن يلتقطوا من الهواء هواء، بعدما قصفهم بشار بالقنابل الكيماوية!! وكم رأينا منهم من تمزقت أشلاؤه، أو انهار السقف عليه فكسر رأسه أو قطع ذراعه!!
بعض المنظمات تتحدث عن أعداد مهولة وثَّقتها لعدد الأطفال المعتقلين في سوريا، مات منهم تحت التعذيب 173 طفلا في آخر إحصائية اطلعت عليها.. هل تتخيل أن 173 طفلا ماتوا من التعذيب؟!!
في مصر، يُعتقل الأطفال مع أمهاتهم.. ويغيبون في السجون سنينا، وبعضهم حتى الآن لا يعرف له مصير!! فبينما الأطفال في الدفء والنعيم، يعيش الأطفال في الزنازين الباردة!!
كم مرة استُعْمِل الأطفال لتعذيب أمهاتهم في مصر، وفي سوريا، وفي سائر بلاد الطغيان.. القصص في هذا تحتاج فريقا من المؤرخين!!
وها نحن الآن نرى أطفال سوريا في المخيمات، التي سقطت تحت ضغط الثلوج.. وقد كان حكام العرب قبل أسبوعين قد أنفقوا مئات الملايين في فرقعة الألعاب النارية، وحفلات الرقص في رأس السنة!!
الثلوج التي تكاد تفتُّ في عظام من يرى المشهد عبر الشاشة، كيف تراها تفعل فيمن لا يحميهم منها خيمة ولا غطاء، ولا يملكون أمامها إلا الثوب القليل الرقيق؟!
يا لهف قلبي على طفل أصابه المرض، وانقطعت به السبل، كيف يشعر؟! بل كيف يشعر أبوه وأمه وهم يرونه يذهب نَفَسًا نَفَسًا، وأمتهم المتخمة بالأموال تغفل عنهم وتنفقها في الخمر والسكر واللهو والغفلة؟!
حتى التبرعات التي جمعها لهم بعض الشباب من خلال وسائل التواصل، بخلوا عليهم بتوصيلها، وسلموها للأمم المتحدة، التي قررت أن تأخذ نصفها لرواتب موظفيها وميزانيات مكاتبها، ثم ستبعث لهم نصفها الآخر في "الشهور القادمة".. والمعنى في بطن الشاعر!!
إنها أيام الأندلس من جديد..
أيام محاكم التفتيش، وموجات التنصير والتهجير، حين كانوا يُجبرون على تعميد أطفالهم، ثم يُجبرون على تركهم حين يطردونهم!!
وهي أيامنا في كل أندلس، في البلقان والقوقاز عند سقوط الخلافة العثمانية، وفي بلاد الترك في زمن الشيوعية، وفي إفريقيا أيام عصر الاستعمار!!
كان السيد الأبيض يتخذ أطفالنا عبيدا، يتلاعب بهم، فيمددهم ليضع عليهم قدمه، أو ينصبهم ليمسكوا له عصاه، وكان يتخذهم حقلا للتجارب، يجرب عليهم العقاقير والأدوية.. أو كان يستخدمهم لإخضاع آبائهم وأمهاتهم، فكم ضرب السيدُ الأبيضُ رأسَ طفل في صخرة أمام أمه، وكم قطع يد طفل لأن أباه لم يأتِ بحصته الواجبة عليه من الصمغ!!
(ابحث في جوجل عن قطع الأيدي في الكونغو)
تلك الصفحات التي كنا نقرؤها في الكتب فنتخيلها بخيالنا، ثم حملتها إلينا الرسوم والصور حتى رأيناها بعيوننا، ثم ما لبث الزمان حتى أرانا إياها صوتا وصورة، فنحن نسمع ونرى صراخهم وموتهم.. لقد كان الخيال أهون من كل حقيقة!!
إنه الزمن الذي أزداد فيه إيمانا بأننا المسلمين، رحمة الله للعالمين، وأن العالم قد خسر كثيرا كثيرا كثيرا بانحطاط المسلمين!
إن كان الذي لا يُقَبِّل الصغار رجلا قد نزع الله الرحمة من قلبه.. فكيف يبلغ هؤلاء من الغلظة والقسوة والشناعة؟!
إن حقوق الحيوان في الإسلام ( انظر بعضه هنا: https://bit.ly/3rGg1Oj) يتصاغر أمامها حق الإنسان في عالمنا التعيس هذا!!
وأعظم ما لدينا أن هذه الحقوق ليست حبرا على روق، وليست قرارات مؤتمر، ولا حتى مجرد قوانين تعتمد على قوة السلطة وعلى نزاهة القضاء، بل هو دين، دينٌ يدافع عنه المجتمع المسلم، فبه يرجو الجنة، وبه ينجو من النار!
ولذا لا تجد مصدرا تاريخيا ذا قيمة يمكن أن يروي شيئا عن مذابح ارتكبها المسلمون بحق الأطفال، يوم كانوا في علو وحضارة، بل لقد سجَّل المؤرخون من غير المسلمين أن العبد في بلادنا كان خيرا من الحر في بلادهم (انظر بعض ذلك هنا: https://bit.ly/3IrjOG4)
لا يحضرني ختام مناسب لهذا الكلام.. يكفي أنني أدفقه لأشعر ببعض الراحة.. الخلاصة: هذا العالم يحتاج إلى الإسلام، على الأقل، لإنقاذ نفسه من هذا التوحش المتكاثر الذي يتفجر في كل مكان ولا يرحم حتى الأطفال!!
January 20, 2022
النبي المقاتل والنظرة المنهزمة
ليس حال الضعيف المهزوم في أمتنا اليوم بأسوأ من حال البغداديين الذين طلع عليهم جندي تتري أعزل، ففزعوا منه، فأمرهم بالوقوف هنا وانتظاره حتى يأتي بسيف يستأصلهم به، فسمعوا وأطاعوا من هول ما هم فيه من الرعب والضعف والهزيمة، حتى جاء الأعزل الواحد بسيف فقضى عليهم!
إن الهزيمة تلقي على الحقائق الواضحة ثوبها المشؤوم، فإذا الأعزل الواحد المنتصر كجيش يُخشى ويُخاف، وإذا الجماعة المهزومين تخضع له بالسمع والطاعة، وقوتهم أضعاف قوته!
أجد نفسي كثيرا أمام هذه الصورة حين أقارن بين ما يكتبه كثير من الدعاة والعلماء وأهل الفكر الإسلامي، وبين ما يكتبه المؤرخون غير المسلمين عن ذات الحدث، فكثيرا ما تجد لهجة المسلم لهجة اعتذارية وانسحابية، في أمر لا يُرى فيه عيبٌ أصلا!
من أمثلة ذلك، ما سأسوقه إليك في هذه السطور، من كلام مستشرقين ومؤرخين فرنسيين، كان لهم "بعض" الإنصاف إذ يتناولون سيرة نبينا ﷺ، في مسألة هي أم المسائل الحساسة والشائكة، وهي قتال النبي للمشركين وجهاده إياهم!
خذ لديك مستشرقا مثل هنري دي كاستري، وقد كان من رجال الإدارة الفرنسية في الجزائر، ثم تأثر بالمسلمين، وكتب كتابه "الإسلام: خواطر وسوانح"، أدان فيه ما لحق سيرة النبي من تشويه صليبي وُلِد في عصر الحملات الصليبية، وكان من ضمن ما قاله هذه العبارة البسيطة الواضحة، التي تبدو حين تقرؤها من موقع المهزوم كأنها قذيفة صاروخية:
"ما كان ينبغي للنبي –حبا في السلام- أن يترك الباطل يعلو على كلمة الحق المبين".
وينتقل دي كاستري من الدفاع إلى الهجوم والإدانة، ولا يبالي في انطلاقته هذه أن يُتَّهم بالإرهاب، وباضطهاد الأديان، إنه يستغرب كيف يُمكن أن يُدان الرجل الذي يُحارب الخرافة الوثنية، ويُحارب أن يخضع الإنسان للحجر، متخليا بطوع إرادته عن كرامته وقدره! يقول:
"وقد نظر بعضهم إلى هذه الآيات (آيات الجهاد) وما يماثلها، فاتهموا النبي بالتعصب. أفما كان يجب عليه أن يحارب بقوة السلاح المعاندين من الوثنيين، ليبيد تلك الديانة إلى الأبد من بلاد العرب، كما أنها هي التي أخنت على مذهب التوحيد، مذهب الخليل قبل الإسلام، وأن يجعل بين المؤمنين وبين عبادة الأصنام حدًّا فلا يرجعوا إليها؟".
ثم ينطلق بعدها إلى إدانة جديدة، لأولئك الذين كذبوا على أنفسهم وعلى الناس، حين صَوَّروا لهم أن الإسلام إنما انتشر بالسيف، فيقول دي كاستري مستشهدا بالتاريخ والواقع:
"ولو كان دين محمد انتشر بالعنف والإجبار، للزم أن يقف سيره بانقضاء فتوحات المسلمين، مع أننا لا نزال نرى القرآن يبسط جناحه في جميع أرجاء المسكونة".
أما إميل درمنجم، وهو مستشرق فرنسي غلب عليه الإنصاف، وكتب كتابا عن النبي بعنوان "حياة محمد"، فقد سلك سبيلا آخر في بيان صورة النبي ﷺ لبني قومه، وكان درمنجم يحاول تقديم صورة معتدلة عن النبي في قومٍ ترسخ عندهم أنه صورة مناقضة للمسيح عيسى عليه السلام، فطفق طوال كتابه يقرب بين الإسلام والمسيحية حتى جاوز الحدّ تحت ضغط هذه الرغبة، ولكنه فيما يخص موضوعنا هنا، موضوع النبي والجهاد، فإنه أثبت الحقيقة البسيطة الأولى في هذا الباب وهي أنه:
"لم يشرع الجهاد لهداية الناس بالسيف، ففي القرآن {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} والقرآن يأمر المسلمين بالاعتدال وبألا يبدأوا بالاعتداء".
ووسَّع صورة الجهاد في الإسلام كي يلفت نظر الغربيين، الفرنسيين تحديدا، إلى أن القتال في الإسلام، بل حتى القتال في الجاهلية العربية، لم يبلغ حد التوحش الذي يُعرف في الغرب، كما أن الحديث عن النبي المجاهد المقاتل ينقض الأسطورة القائلة بأنه كان مصابا بالصرع والجنون، فالصورة الغربية تحت ضغط الحقد والأجواء الصليبية، جمعت بين النقيضيْن: الجنون وإدارة الحرب، يقول:
"بلغ عدد مغازي محمد أربعين في عشر سنين، واشترك هذا الرجل (الذي نعته بعضهم بالماكر الماهر ورآه آخرون مصابا بالصرع) في نحو ثلاثين غزوة وأدار نحو عشر معارك بشخصه فضلا عن المفاوضات الصعبة التي قام بها، وليس بمجهول ما يجب أن يتحلّى به السيدُ العربي في الغزوات بجزيرة العرب من تحمل المشاق والصبر على المكاره وخلق الثبات والأناة وحسن السياسة والنشاط والمرونة، وهذا إلى ما يحيق بسلطانه من المخاطر وإلى اعتماده على مؤازرة جمهور متقلب، ففي هذا المضمار الصعب المضني برع محمد".
ويزيد درمنغم الصورة وضوحا، ليتحدث عن شخصية النبي ﷺ في حال السلم والموادعة، أو في حاله بعد النصر والتمكن، فيقول:
"إذا كان محمد يفرط في القسوة عند اشتباك الفريقين ويقابل العدوان بالعدوان والمكر بالمكر، فإنه قلّما يقسو في حالة دَعَتِه، بل كان يبدو معتدلا إلى الغاية كما يشهد بذلك أمره حين فتح مكة، فقد أبدى في أثناء هذا الفتح من الكرم وعظمة النفس ما لا تجد مثله في التاريخ إلا نادرا، وكان محمد يوصي جنوده بأن يرحموا الضعفاء والشيوخ والنساء والأولاد، وكان ينهى عن هدم البيوت وإهلاك الحرث وقطع الشجر المثمر، ويأمر بألا يَسُلَّ مسلمٌ حسامه إلا عند أقصى الضرورة، وسنرى أنه أنحى باللائمة على بعض رجاله فعوَّض بالمال مما اقترفوه، وهو الذي رأى أن النفس الواحدة خيرٌ من كل الغنائم".
ومن قبل إميل درمنجم، كان المستشرق الفرنسي الشهير لويس سيديو، صاحب الكتاب الشهير "خلاصة تاريخ العرب"، الذي هو ربما أول كتاب فرنسي يُترجم للعربية ويشمل التاريخ الإسلامي العام، كان لويس سيديو قد سلك نفس الطريقة، في توسيع الصورة لبيان حقيقة شخصية النبي ﷺ، وأنها لم تكن –كما يتصوره الغربيون- سبَّاقة إلى القتال والدماء، يقول سيديو:
"وأما أخلاقه وأفعاله فكانت غاية في الكمال؛ منها عفوه عن ألدّ أعدائه بعد فتح مكة، وحلمه في الأخذ بحقوق الحرب من القبائل، وأسفه على قضائة على بعض، وعدم استعانته بما له من عظيم السطوة والسلطة على إجابة داعي القسوة، ولذا كان يحاول بالحث العود بمن خرج عن الحد من أصحابه إلى حدود الاعتدال، ومنها إباؤه إشارة عمر عليه بقتل الأسرى بعد واقعة بدر، وصفحه عمن قتل عمه حمزة، وقوله: اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد حين أخذ بثأر قريبه من بني جذيمة".
ولا حرج على المستشرق إذا لم يفطن أن أن خالدا بريئ من تهمة الثأر من بني جذيمة، إذ ليس لهؤلاء القدرة على سبر الروايات ومعرفة الصحيح منها من الضعيف، ولكن المقصد واضح، وهو أن النبي ﷺ تبرأ من الخطأ ولو ارتكبه بعض صحابته، ولو كان الذين جرى الخطأ عليهم هم قومٌ من أعدائه!
إن القليل من قراءة سيرة النبي والاطلاع عليها يكشف للباحث فورا أنه إزاء رجل عظيم، حمل رسالة الهداية، ثم حمل السيف من أجل هذه الرسالة لا من أجل اضطهاد الناس وإكراههم على دينه!
لكن القصد من هذه السطور السابقة، أن الفرنسي الذي أصابه الإنصاف كان أوضح في قراءته وبيانه من المسلم الذي أصابته الهزيمة، فلم ير أحدهم أن مجرد حمل السيف والقتال كان عيبا، ولا أنه أمر يستحق أن نتكلف له التأويلات والاعتذارات!!
إن نفسية القارئ هي من تفرض عليه طبيعة الفهم، وأحرى بالمسلمين أن يخلعوا ثوب الهزيمة ونظارة الضعف، وأن ينظروا للأمر بعين من آمن بالله واعتز بدينه، عندئذ تشرق في نفسه فتوحات الفهم والبيان، ويشرق في قلبه نور العلم والعمل.
نشر في الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام ﷺ
هنري دي كاستري، الإسلام: خواطر وسوانح، ترجمة: أحمد فتحي زغلول، ط1 (القاهرة: مكتبة النافذة، 2008م)، ص67.
هنري دي كاستري، الإسلام، ص65.
هنري دي كاستري، الإسلام، ص131.
درمنغم، حياة محمد، ترجمة: عادل زعيتر، ط2 (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، د. ت)، ص196.
درمنغم، حياة محمد، ص198.
درمنغم، حياة محمد، ص197.
سيديو، خلاصة تاريخ العرب، أمر بتهذيبه وترجمته: علي باشا مبارك، ط1 (القاهرة: مطبعة محمد أفندي مصطفى، 1309ه)، ص64.
January 16, 2022
لماذا تضعف ثقافة المقاومة ضد السيسي وأمثاله؟!
لا يزال #السيسي_عدو_الله مستمرًا في سياسة هدم المباني والمنازل.. وهو يتفنن في أسباب هدمها:
فهو يهدمها أحيانا لرغبة إسرائيلية كما فعل في رفح حتى استطاع تحقيق الخنق الكامل للمقاومة!
ويهدمها أحيانا بحثا عن أموال في ظل أزمته المالية، فلقد أنفق كل الأموال التي انهمرت عليه في لذائذه الخاصة كالقصور الشاسعة والطائرات الرئاسية الفارهة ومؤتمراته الأسبوعية، والمسلسلات التي يخدر بها الناس، والسجون التي يبنيها لمن يعترض!!.. وهذا هو الذي فعله في القرى والمدن بدعوى أنها بُنِيت على الأرض الزراعية.. فصار الذي بنى بيته يسدد ثمنه مرتين: مرة لأخذ الترخيص الأول، ومرة باسم "المصالحة"!
وأما البيوت التي بُنِيَت في قلب المدن وبإجراءات قانونية تامة، فهو يهدمها من أجل المشاريع الاستعمارية والاحتلالية، بدعوى المنفعة العامة، فمما لا يعرفه كثير من الناس، ولكن يعرفه الباحثون في تاريخ الحداثة وقصة الاقتصاد أن التوسع في إنشاء الطرق والكباري والمحاور في الدول الضعيفة سياسيا وصناعيا ليس إلا وسيلة للتحكم الأمني (بتسهيل انتقال قوات السلطة لضرب الناس والسيطرة على المناطق) وللاستنزاف الاقتصادي (بتقصير زمن وتكلفة نقل البضائع من مصادرها إلى المواني أو المصانع ضمن منظومة اقتصادية يستفيد منها الأجانب والطبقة الرأسمالية ولا تعود بالنفع على المواطنين).
وعبد الفتاح السيسي زاد على ذلك فجعل استعمال هذه الطرق وسيلة ليستصفي منها أموالا جديدة.. ويدل على ذلك قوله مع كامل الوزير قبل أسبوعين، حتى إن كامل الوزير قال له: لتحقيق الاستقرار الأمني، فقال عدو الله: لا، بل لجلب الأموال!!
والآن يتعرض سكان القلب في مناطق القاهرة لمشروعات الهدم والإزالة، مثلما تعرض لها قبل سنين سكان الأحياء المحيطة بالحرم، وقبلها سكان الجزر الموجودة في قلب النيل.. فالأطماع الاستعمارية (يسمونها: الاستثمارية) لا تتوقف عند حد!! وحين يأخذ الحاكم المجرم رشوة عظيمة من مستثمر أجنبي، أو يكون شريكا له، فإنه لا ينظر إلى الناس على أنهم مجرد حشرات ومخلفات يجب إزالتها، بدعوى "المنفعة العامة"!!
أجد هذه اللحظة، لحظة مناسبة، للتذكير بأمر مهم، ولكنه يغيب في أي نقاش حالي..
إن السيسي يُقدم على تدمير حياة الناس بلا تردد ولا رحمه، ولكن من أهم ما يساعده على ذلك الثقافة السائدة التي تتمثل في أنه "دولة".. فمخالفة السيسي هي في ذات الوقت مخالفة "الدولة"، إنها خروج على القانون والدستور!!
والقانون والدستور مجرد أداة في يد السيسي.. فالفارق بين المجرم الذي يتولى السلطة، والمجرم الذي يسرح في الشارع، أن المجرم الأول يجعل رغبته قانونا، فيجعل جريمته تنفيذا للقانون، ويجعل الذي يقاوم هذه الجريمة خارجا عن القانون، فتدور آلة الدولة كلها لسحقه وسجنه.. فالدولة هي جهاز الإجرام الأكبر.
بينما المجرم الذي يسرح في الشارع حتى وإن تمكن من الإفلات من عقوبة القانون، فهو يواجه ثقافة سائدة تجعله مجرما، وتجعل الذي يقاوم جريمته بطلا، وتجعل التعاون بين الناس على مقاومته عملا عظيما!
إن امتلاك الحق في التشريع وكتابة القانون والدستور هي أم المصائب التي سببت أعظم البلايا في تاريخ البشرية كلها، بها امتلك الفراعين والأكاسرة والقياصرة والأباطرة القدرة على تحقيق رغباتهم مهما كانت مجرمة.. بها امتلكوا القدرة على تقسيم الناس وجعل أنفسهم آلهة أو شبه آلهة ثم جعل الناس عبيدا لهم بلا حقوق.. وبها امتلكوا القدرة على تكوين الثقافة السائدة، فما أحبوه جعلوه حلالا وفضيلة، وما كرهوه جعلوه حراما ورذيلة، ومن نافسهم في شيء من نفوذهم أو نادى بتحقيق العدالة أو خرج عليهم يقاوم ظلمهم فهو المجرم الأكبر الذي يجوز لهم أن يسحقوه!!
وفي كل إمبراطورية وجد الفرعون عددا من الكُهَّان والأحبار وعلماء السوء والقانونيين والدستوريين من يُفصِّل رغبته في قوانين ودساتير، فيجعلون مقاومة ظلمه خروجا على القانون والناموس والأحكام!
وهنا تأتي المزية العظيمة للإسلام، أن الإسلام انتزع حق التشريع من الحاكم، فالمشرع هو الله، والنصوص الأساسية المصدرية للشريعة هي نصوص لم يضعها حاكم، بل جاءت في القرآن والسنة.. وعلى القرآن والسنة بُنِي الفقه بعيدا عن ضغوط الحكام ورغباتهم.. فلم يستطع حاكم إضافة حرف أو حذفه في قرآن أو في سنة، وأعلام الفقهاء الذين انتشرت مذاهبهم لم يكن واحد فيهم مقربا من السلطة، بل كل واحد فيهم كانت له محنة معها سُجِن أو ضُرب بسبب موقفه منها.
وفي الإسلام وحده كان الدخول على السلاطين من أسباب الطعن في العالِم وعدم الثقة فيه، بينما لن تجد في أي نظام آخر -بما فيها النظام الديمقراطي المعاصر- إلا أن القرب من السلطة مما يضفي الاحترام والتقدير على صاحبه، فالقانوني الذي تولى منصب وزير أو رئيسا لمحكمة دستورية في النظام الديمقراطي، فإنما هذا مما يزيد قدره في مجاله!!
والمقصود أن الشريعة حين تكونت بعيدا عن رغبة الحاكم، في مصادرها الأصلية وفي فروعها، قد أثمرت عددا من النتائج الخطيرة والفارقة:
1. أن الشريعة صارت هي المرجعية العليا التي لا يملك تغييرها ولا تعطيلها، بل إن خروجه على الشريعة يجيز للناس الخروج عليه.. وإن معصيته لله ورسوله يحرض الناس على معصيته.. فطاعته مقيدة مخصوصة مشروطة بطاعة الله وقيامه بحكم الشريعة. وهو يُطاع في المعروف لا يطاع على طول الخط!
2. ضيق مساحة تصرف الحاكم بالقوانين، إذ صار محكوما بحدود لا يستطيع أن يتعداها.. فإذا أراد أن يتعداها تكلف أن يتمحك ويتأول ويتكلف التفسير.. ويكون حينئذ مفضوحا منبوذا، هو وعلماء السوء الذين وافقوه على ذلك.
3. أن الشريعة لا يحتكر أحدٌ تفسيرها، لا فرد ولا مؤسسة، ومن ثم فليس قول عالِم السلطان ولا تفسيره للشريعة ملزما.. بينما قانون الدولة الحديثة ملزم للجميع، وتحتكر المحاكم تفسيره.
4. أن كل فرد في المجتمع، بما في ذلك شرطة السلطان وعسكره، لا يجوز لهم طاعته في المعصية، ولا يجوز لهم تنفيذ ما يأمر به إن كان مخالفا للشريعة.. وهذه الثقافة تعطي حصانة قوية للمجتمع، وقدرة على رفض الظلم والتعدي، فهي ثقافة عامة تجعل مقاومة الحاكم عملا بطوليا.
وكل ما سبق، إنما يجب أن يُفهم في ضوء أصل أكبر.. وهو أن النظام الإسلامي يبني مجتمعا قويا يقوم على تحديد وتضييق صلاحيات السلطة، في مقابل تقوية وتوسيع نشاط المجتمع.
وهذا النظام العام في العلاقة بين السلطة والمجتمع، المسنود بثقافة فقهية قوية وتقاليد اجتماعية راسخة وهيمنة أخلاقية شاملة، يجعل الحاكم غير مطلق اليد في الاعتداء على المجتمع والناس، وهو ما جعل تاريخنا حافلا بالثورات، وهو ما جعل كثيرا من الملوك العظماء في تاريخنا مطعونا فيهم لأنهم قتلوا معارضا أو كانوا قساة في إخماد ثورة أو أنه ظلم عالِمًا أمره بالمعروف ونهاه عن المنكر... إلى آخر هذه الأمور التي كانت في ثقافتنا شيئا عظيما يُخدش به تاريخ السلطان العظيم، بينما هي في تصورنا الآن من التفاهات التي لا يتوقف أحد عندها!!
حتى مفهوم المنفعة العامة وضع له الفقهاء عبر العصور ضوابط وقيود وشروط، مبنية على نصوص القرآن والسنة، تجعل الحاكم غير مطلق اليد في تقدير المنفعة العامة التي يضطر لأجلها من إزالة بيت أو تجريف أرض أو تغوير بئر أو ردم نهر!!
الخلاصة: إن ثقافة الدولة والقانون والحاكم الذي يملك التشريع هي في صلب الأزمات التي نعيشها الآن، ونحن الآن نعيش في زمن كثرت مصائبه حتى يجب علينا التذكير الدائم بما في الشريعة من فضائل تغل يد الحاكم عن مثل هذه التصرفات!
ولعلها لحظة مناسبة يُفْهَم فيها موقف الإسلاميين الرافضين للديمقراطية، لأنها تعطي حق التشريع للناس من دون الله، فتجعلها معقودة بنواب أو بسلطة لا يملكون المعرفة بالدين ولا حتى يتعهدون بالالتزام بأصوله وثوابته!! إن الذين يرفضون الديمقراطية من منطلق إسلامي لا يرفضون معنى الشورى الذي فيها، ومعنى حق الناس في الاختيار والمراقبة والعزل، فكل هذه حقوق جاء بها الإسلام.. إنما يرفضون كونها تجعل حق السيادة والتشريع لغير الله وشرعه.
هذه روابط لمزيد تفصيل لمن أراد:
https://melhamy.blogspot.com/2020/07/...
https://melhamy.blogspot.com/2017/10/...
https://www.youtube.com/watch?v=zJjkY...
https://www.youtube.com/watch?v=TaPeW...
https://www.youtube.com/watch?v=ikfGG...
January 14, 2022
دراسة حالة السيسي الطبية!
في كثير من المواقف يبدو #السيسي_عدو_الله كأنه إنسان متخلف عقليا، يحتاج بحق إلى فحص طبي بالفعل.
مثلا في الموقف الشهير الذي قال فيه "أنا لو ينفع أتباع لاتباع"، كان يتكلم بكل الجدية، بينما الكلمة لا يمكن أن يفهمها أحد إلا على سبيل المزاح الثقيل.. يعني إذا عُرض هذا المشهد دون أن نعرف صاحبه ومناسبته، فسنتخيل أنه مقطع كوميدي، ولن يتصور أحد أن رئيس دولة ما كان يرى الحل في بيع الناس بمن فيهم رئيس البلد نفسه لحل مشكلة البلد!!
ومثل ذلك قوله لصحافية: مش هناكل يعني.. مش هناكل، بس نبني بلدنا.. أهم حاجة نبقى كده!!.. انتِ خايفة ليه؟ ده أنا لما اشوفك بتفاءل!!
ومثل ذلك قوله لشاب سأله عن الذين يريدون البقاء في الحكم إلى الأبد، فأجابه ببراءة: ليس هناك من يبقى في الحكم للأبد، لأن كل شخص سيموت!!
انظر إلى براءة الإجابة، كأنه يخبرك عن حكمة عميقة، أو يكتشف اكتشافا جديدا.. كأنما كان السائل لا يعرف أن الحاكم سيموت في نهاية الأمر!!
ومثل ذلك موقفه في المؤتمر الصحافي الشهير مع ماكرون، حين سُئل عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، فقال منفعلا: لماذا لا تسألني عن الصحة؟ ليست لدينا صحة جيدة. لماذا لا تسألني عن التعليم؟ ليس لدينا تعليم جيد. لماذا لا تسألني عن الإسكان؟ ليس لدينا إسكان جيد.
وهذا وحده موقف تنتحر عنده علامات التعجب، فالطبيعي أن الطاغية المجرم حين يريد حرف الأنظار عن جرائمه في القتل والسجن أن يتحدث عن إنجازه في التعليم والصحة والإسكان.. أما هذا، فإنه يعترف على نفسه علنا بأنه لم يفعل شيئا لا في الصحة ولا في التعليم ولا في الإسكان.. مع أنه ينتهك حقوق الإنسان أيضا؟!!
حتى إن نظرات ماكرون له كانت استغرابية، ويلوح لي أنه ظن أن الترجمة خاطئة!! إذ لا يمكن لعاقل أن يقول مثل هذا الكلام!!
ويتكرر نفس هذا الموقف في ختام منتدى الشباب، فقد واجه سؤالا عن حقوق الإنسان، فانطلق يقول ذات الكلام عن أن حقوق الإنسان لا تقتصر على حقوقه السياسية وعلى حرية التعبير بل تشمل أيضا حقه في المسكن والدخل الجيد.. ومع ذلك، فهو يعترف على نفسه بأن الشعب المصري لا يجد ما يتنزه به لأنه لا يجد ما يعيش به حياة الكفاف!!
بعد تسع سنين من التمكين التام، بصحبة أجهزة أمن متوحشة بلا رحمة، وأجهزة إعلام لا تستحيي من الكذب الفاجر، وأنهار أموال تدفقت عليه من الخليج ومن القروض الأجنبية.. بعد هذا كله، يعترف السيسي على نفسه أنه لم يحقق للإنسان في مصر لا صحة ولا تعليم ولا سكن ولا حتى أبقى له كرامته.. فهو يقتلهم ويسجنهم ويعذبهم من أجل حياة ليس فيها معنى الحياة!!
هذه المواقف وحدها ينبغي أن تدفع إلى التفكير في المستوى العقلي لهذا السفاح!! هذه الكلمات التي يقولها لا ينطق بها عاقل.. نحن أمام حالة تتفوق على القذافي الذي كان مضرب المثل في الهذيان والتخريف والتفوه بما لا يُعقل!
فكيف إذا وضعناها إلى جانب مواقف أخرى مناقضة لها تماما؟!!
فالسيسي نفسه يتحدث عن الشعب الذي يكنز الأموال ويخزنها بعيدا عن يد الدولة! ويتحدث عن المليارات التي أصبحت "زي الكوتشينة"، ويتحدث عن إلغاء التموين لكل من استطاع أن يتزوج، فالزواج عنده دليلٌ على الغنى!! ويتحدث عن رفع الدعم عن رغيف الخبز!!
ومؤتمراته شبه اليومية التي تكون على هامش افتتاح ما يسميه مشاريع لا يرى أحد لها ثمرة، هي المؤتمرات التي يؤكد فيها أن البلد في نهوض وصعود وتطور، وأن ما حدث فيها ما كان ممكنا أن يحدث ولو في عشرين سنة، وأن ما أنجزه هو بدون دراسات جدوى لو كان قد نفذه بعد دراسة جدوى ما استطاع تحقيق ربعه أو خمسه!!
السيسي يغني على هذه النغمة نهارا، ثم يواصل فريق إعلامه الغناء عليها ليلا!! في مشهد يشبه تماما مشهد الحكاية الخرافية التي يُروى فيها أن منافقا استطاع أن يقنع الملك أنه قد نسج له ثوبا من خيوط الشمس والقمر، حتى خرج الملك عاريا، والكل يتأمل ويتغنى بجمال ثوبه من الشمس والقمر، لا يجرؤ أحد أن يتحدث عن حقيقة أنه عريان، لولا أن أفسد المشهد رجل مخبول صاح قائلا: إني أرى الملك عاريا!!
السيسي يتحدث عن الفقر بعد يوم واحد من تصريحه أنه أنفق 400 مليار جنيه للخروج بالبلد من متاهة الفقر!
ويتحدث أن المياه التي تصل إلينا من إثيوبيا 10% وأن البلد دخلت مرحلة الفقر المائي، وهو نفسه في مؤتمرات سابقة قال بكل ثقة: بلاش هري، عيشوا حياتكوا، بلدكم في أمان.. وقال قبلها: هو أنا ضيعتكم قبل كده علشان أضيعكم؟!!
وأرجوك -عزيزي القارئ- لا تنسى أهم مشهد في أزمة السد، المشهد الذي يمثل تجسيدا ممتازا للتخلف العقلي.. مشهد "قول والله والله والله.. لن نقوم بأي ضرر.. للمياه في مسر"!!!
وأرجوك لا تنسى أيضا أن هذا الشخص، كما قال هو بنفسه، لديه ثلاثة فلاتر، يعبر عليها كلامه قبل أن يخرج من فمه!!!
الخلاصة أن الوضع يحتاج إلى تفكير حقيقي حول قدرة هذا الشخص على الحكم، ومستوى إدراكه العقلي.. إنه في الموقف الواحد يعبر عن حالة مثيرة للاستغراب.. فإذا جمعنا موقفه هذا مع مواقفه السابقة نرى تناقضا لا يمكن حله..
والمسألة هنا ليس لها علاقة بكونه عميلا أو وطنيا، فحتى العميل يمكنه أن يحقق ما يريده من الضرر بكفاءة، أما هذا فحالة تستحق الدراسة حول طبيعة تفكيره!!
ولا تنس أن هذا الذي يفعل كل ما سبق يرى نفسه قد أوتي فهما نادرا كفهم سليمان، وأنها نعمة اختصه الله بها، وأن الله خلقه طبيبا يستطيع توصيف الحالة، وأنه بلغ في العبقرية حدًّا أن الفلاسفة يستمعون إليه ويوصون به، وأنه قرأ كل مقالات الصحف المصرية منذ كان في التاسعة!!!
قل لي بربك: أليست هذه حالة تستحق أن يعكف عليها الأطباء النفسيون ليدرسوها؟!
November 26, 2021
هل يمكن تفسير سلوك السيسي بالعقل؟!
من أظهر الأمور التي لا يمكن تفسيرها بالعقل في سلوك #السيسي هذا الاهتمام الشديد بأحجار الفراعنة، فحملات الترميم والمواكب الاحتفالية وبناء متحف ضخم للآثار المصرية، هو هدر سفيه غير معقول في بلد هش، لا تستطيع السلطة فيه الإنفاق على جهازها الإداري، وتلجأ لاختراع أنواع من الضرائب ومحاسبة الناس على بناء بيوتهم منذ عشرين سنة، ثم تتعكز الدولة -مؤخرا- على ودائع دولارية من حليفها السعودي.
هذا السفه الشديد، وغير المفيد، لا يمكن تفسيره بالعقل والمصلحة، بل يجب أن نبحث في علم النفس لتفسيره:
هل هو تعلق من السيسي بالفرعنة والطاغوتية والجبروت، فهو يحب أن يحيي تراث الفراعين الذين ضرب بهم المثل في القسوة والظلم وتسخير الشعب!
إن بناء الأهرامات الضخمة يظل دليلا قائما على قدرة الفرعون على تسخير الناس لأعوام طويلة لبناء قبر ضخم!! إنه شاهد على الظلم والطغيان الذي خيم على ذلك العصر!
أم يا ترى هو جزء من نفسيته المبغضة للإسلام؟!.. فهذا الرجل الذي لا يتورع ولا يتردد في هدم عشرات المساجد، هو نفسه الذي يقنن الكنائس المبنية المخالفة للقانون، وهو نفسه الذي يجدد -على نفقه الدولة- المعابد اليهودية التي لا يعرفها أحد ولا يزورها أحد.. فهل إحياؤه الوثنية الفرعونية هو جزء من هذا الخط؟!!
بالأمس توفي النائب البرلماني حمدي حسن، كان سجينا في سجن العقرب منذ 2014، ولم يره أهله منذ 5 سنوات!!
وهذا ليس حاله فحسب، بل هو حال كل النازلين في العقرب: الشيخ حازم أبو إسماعيل، د. محمد بديع، م. خيرت الشاطر، د. باسم عودة، د. محمد البلتاجي، د. سعد الكتاتني ... وآخرين!!
ومن اتفاق المناسبات أن عبد الله الحداد كان قد كتب مقالا عن أبيه السجين بالعقرب، يكشف فيه أنه صار عند كل رنة هاتف من والدته يتوقع سماع خبر وفاة أبيه.. وأبوه هو: د. عصام الحداد مستشار الرئيس الشهيد مرسي للعلاقات الخارجية!!
وهؤلاء كانوا نجوم المجتمع، ولهم علاقاتهم الواسعة بكثير من الدول والمنظمات، لطبيعة مكانتهم المرموقة.. هناك آخرون ينزل بهم كل هذا أو أشد، ولكن لا يعرف ذلك أحد، لأنه لا يهتم بهم أحد، طوابير أخرى في السجون العسكرية ومن المتهمين في قضايا "عنف" كما يسميها النظام!! وتلك قضايا يتهرب الجميع من ذكرها والدفاع عن أصحابها!
في مقال عبد الله يبدو واضحا أن سجن هؤلاء، والتعامل معهم على هذه الصورة لا يمكن تبريره بأي منطق عقلاني.. فهؤلاء السجناء من القيادات المحجوبة عن العالم كله وعن أهاليهم قد تقدم بهم العمر، ثم إنه قد تغيرت البيئة التي يمكن أن تمثل أي تهديد للنظام القائم، وبالتالي فالإفراج عنهم لن يمثل أي خطر أو ضرر على النظام القائم، لكنه يمثل إغلاقا لصفحة أليمة في تاريخ أهاليهم وأبنائهم.. بل ربما كان الإفراج عنهم مكسبا يوضع في صالح النظام.. فلماذا لا يفرج النظام عنهم؟
إذا أضفنا إلى ما قاله عبد الله الحداد، أن جماعة الإخوان، أعلنت (فعليا) استسلامها منذ زمن طويل، وقام المستسلمون منها بمحاربة من ذهبوا إلى المقاومة ورفع الغطاء عنهم، بل وتسليمهم في بعض الأحيان.. إذا كان ذلك كذلك، وهو أمر يعرفه النظام جيدا، فكيف يمكن تفسير هذا الأسلوب بالعقل؟!
السجون مليئة بالغرائب والعجائب، عدد لا يمكن إحصاؤه يُحاكم على "جرائم" حدثت وقت أن كان سجينا بالفعل، وهناك عدد غير معروف على وجه التحديد ممن سُجِنوا لأن قريبا لهم لم يستطع النظام اعتقاله، أبرزهم علا ابنة الشيخ القرضاوي وزوجها، وإخوة الإعلامي المعروف عبد الله الشريف، وهؤلاء عُرِفوا لأن ذويهم من المشاهير، بينما طابور طويل من الأقارب المسجونين لا يعرفهم أحد!!
هذا كله فضلا عن طرائف الأعمى المتهم بالتدريب على القنص، ومريض الأعصاب المتهم بمحاولة اقتحام قسم شرطة، والطفل الصغير المتهم بالاعتداء على مجموعة من رجال الأمن... إلخ!!
تلك الأمور كلها لا يمكن تفسيرها بمنطق مصلحة الدولة، ولا بتحليل عقلاني كما يتوهم بعض الناس أن الأمور تجري بالحساب والتدبير.. هذه أمور لا تفسر إلا بشهوة التجبر والطغيان التي تسكن نفوس المجرمين!!
هذا الذي وصفه ربنا تبارك وتعالى في كتابه فقال:
{كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة}
{إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم}
{قد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر}
{قال: ربي الذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت}
{آمنتم له قبل أن آذن لكم؟! ... فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف، ولأصلبنكم في جذوع النخل، ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى}
{يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري}
وهذه قصة فيها عبرة، كيف يشعر الفرعون بالطعنة الهائلة في جبروته ولو من امرأة واحدة!
https://melhamy.blogspot.com/2019/12/...
November 17, 2021
لماذا تنخفض الفائدة البنكية فتنخفض العملة في تركيا؟!
اختصار مخل جدا في مسألة الفائدة، بمناسبة انهيار الليرة التركية، وتصريحات أردوغان التي يُصِرّ فيها على خفض الفائدة البنكية.
وهذا الاختصار كلام بدائي جدا في باب الاقتصاد، ولكن المشكلة أن الألفاظ الفخمة الضخمة والمصطلحات الاقتصادية بعيدة عن الفهم لدى أغلب الناس، فكثيرا ما أكتشف أن الأمر يحتاج للكلام فيه.
بداية وقبل كل شيء، فإن فوائد البنوك هي الربا المحرم، وهذا الأمر بمثابة الإجماع العلمي، ولا يُعرف عالِمٌ معتبر أجاز فوائد البنوك دون شبهة اضطرار أو إكراه.. فالمسلم يلتزم بهذا الأمر الإلهي وإن لم يعرف حكمته وأبعاده الاقتصادية، وإنما هو يعرف بمقتضى إيمانه أن الربا خطير ومضر ومستجلب لغضب الله.
وبالمناسبة، فهذا الأمر، أي التزام المسلم بدينه دون معرفة الحكمة من الحكم الشرعي، هو من أقوى وأرسخ عوامل نجاح الإسلام وقوة الأمة الإسلامية.. إذ يكفي في معركة التحرر أن يُقال للناس: فوائد البنوك حرام، وهي الربا الذي يستجلب غضب الله ويأذن بحربه، فيمتنع كل متدين عن اقتراف هذه الجريمة.. ولولا هذا الدين لاحتجنا في إقناع الناس إلى كلام كثير كثير وتفصيل طويل طويل، وأغلب الناس لن يفهمه.
إذا تلقى المرء معرفة اقتصادية بدائية سيعرف أن الربا من أشد وسائل استعباد الناس واستنزافهم لحساب القلة الغنية المترفة، وهو مفسد للغني والفقير، فأما ضرره على الفقير فمعروف، وأما ضرره على الغني فإنه يزيده جشعا وطمعا وكسلا وتآمرا على الفقير، إن الربا يدمر أخلاق الإنسان ويجعله آلة مادية نهمة وشرسة!
وأما ربا البنوك فهو أشد بكثير من ربا المعاملات الفردية، فالبنوك الآن هي شرايين النظام العالمي المالي، وهي مؤسساته التي لا تقل خطرا عن القواعد العسكرية، وهي محمية ومسلحة بالقوانين وبالجيوش، ومهمتها ليس استعباد الأفراد وحدهم، بل استعباد الشعوب كاملة.. فالبنوك في كل بلد من البلاد الضعيفة هي الوسيلة التي تمنعها من النمو والنهوض، وتحافظ على عملية امتصاص أموالها!
البنوك -بتبسيط شديد- هي أداة شفط الأموال من عموم الناس، لوضعها في يد القلة الغنية المترفة، فإذا بددها الأغنياء دفع الفقراء الثمن!
يتم هذا عبر منظومة معقدة، ومتخفية تحت ألفاظ رنانة براقة ومصطلحات لا يفهمها عموم الناس.. كيف ذلك؟
حين تكون الفائدة البنكية مرتفعة، فإن هذا يدفع كل من لديه بعض الأموال أن يضعها في البنك، لأن الفائدة المرتفعة ستأتي له بربح عال بلا أدنى مخاطرة.. فإذا كان لديك مبلغ من المال وتحتار هل تستثمره في مشروع يتوقع أن يأتي بربح 10% عند نهاية العام، أو أن تضعه في بنك لتحصل على نفس الفائدة عند نهاية العام.. فالاختيار الطبيعي أن تضعه في البنك لتوفر على نفسك مشقة إنشاء المشروع وتأسيسه وإدارته وتحمل مخاطره.
وكلما ارتفعت الفائدة كلما ذهب الناس لوضع أموالهم في البنوك بدلا من استثمارها في مشروعات زراعية أو صناعية أو تجارية.
من المستفيد من هذه العملية؟
المستفيد هم حيتان الأموال، كبار رجال الأعمال، أولئك الذين يستطيعون أن يقترضوا من البنوك بضمان ما لديهم من الأملاك والأموال، ويستثمرون هذه الأموال الضخمة في مشروعات ضخمة تدر عليهم أرباحا ضخمة.. فيتضاعف ثراؤهم!
فإن خسر المشروع أو أفلس رجل الأعمال فإنه يستطيع من خلال علاقاته ونفوذه أو حتى من خلال القوانين أن يؤجل دفع الديون التي عليه للبنك، أو يخفضها، (يسمونها اسما مهذبا لطيفا = "إعادة جدولة الدين") أو حتى يستطيع أن يهرب إلى خارج البلد! فإن كان ذا علاقات أقوى ونفوذ أكبر تصالح رجل الأعمال مع البنك، وظل يكرر المحاولة: الاقتراض بعد الاقتراض، والفشل بعد الفشل.. وطالما لديك من العلاقات ما يعصمك من السجن والعقوبة، فلماذا لا تتمتع بأموال الناس كيفما أحببت؟!
مجتمع رجال الأعمال يستطيع أن يساهم في تغيير القوانين أيضا، فأولئك بما لديهم من قدرة على تمويل الحملات الانتخابية وعلى تمويل الصحف والقنوات الفضائية يستطيعون صناعة القوانين على هواهم ولمصلحتهم.. وهم يستطيعون أيضا الاستفادة من علاقتهم بالحكام السياسيين.
وهكذا -عزيزي القارئ- فإن الفائدة كلما ارتفعت، كلما تعطلت الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة، وازدهرت استثمارات رجال الأعمال الضخمة.
وفي ظل عالم رأسمالي، تزداد خطورة رجال الأعمال، لأنهم فئة متميزة وتزداد تلاقيا وتشاركا وتحالفا، وتكون هي بنفسها من وسائل الهيمنة العالمية على الدول والأوطان.. ومن هنا فإن هؤلاء يعملون معا بدافع المصلحة الذاتية أو حتى بتوجيه دولي نحو التأثير السلبي في اقتصاد الدول التي تحاول التحرر من الهيمنة المالية العالمية.
وأخطر ما يتضرر به هؤلاء أن تقل الفائدة البنكية.. لأن الفائدة إذا كانت 1% أو 2% أو حتى 0% فإن هذا سيحفز من لديه المال أن يستثمره في مشروع لا أن يضعه في البنك.. وساعتها ستقل العباءة المالية للبنك، وتزداد المشروعات الصغرى والمتوسطة، فلا يجد حيتان المال أموالا يقترضونها لمشاريعهم الهائلة!
ولأن رجال الأعمال في مجملهم من أحباب الكسب السريع المضمون فإن استثماراتهم تكون في القطاعات قصيرة الأجل مضمونة الربح، كالعقارات والترفيه والسياحة ونحوها.. والنادر منهم من يخوض المغامرة في استثمارات طويلة الأجل كالصناعة والزراعة والتقنية.
ومن هنا فإن رفع الفائدة البنكية يجعل هذه القطاعات الترفيهية السياحية تزدهر، ويجعل لرجال الأعمال حصة عظيمة من السوق، وهي حصة تحت التهديد دائما إذا قرروا سحب استثماراتهم.. ولهذا يسمونها "الأموال الساخنة" تأتي سريعا وتذهب سريعا!
بينما خفض الفائدة البنكية يجعل قطاعات الصناعة الزراعة تزدهر، ويحافظ على بقاء الأموال داخل الأوطان، وتكون حصة الأموال من السوق موزعة بين عدد كبير من الشعب، وليست محصورة في عدد قليل من رجال الأعمال الوطنيين أو حتى الأجانب.
للبنوك قوانين أخرى جهنمية، فمن صلاحيات البنوك "خلق الأموال"، فالبنك هو الجهة الوحيدة التي تقرض الناس أموالا لا وجود لها، كل هذا وفقا للقوانين التي وضعها شياطين الاقتصاد لاستنزاف الشعوب.. المشكلة تظهر دائما عند الأزمة الاقتصادية.. فالأموال التي "خلقها" البنك يدفعها عموم الناس عند الأزمة، فيخسرون مدخراتهم وبيوتهم وأعمالهم، بينما رجال الأعمال الكبار مستفيدون دائما أو على الأقل محصنون من الخسارة، بل على العكس، تضطر الدولة -وفقا لقوانينها ونظامها الرأسمالي- أن تدعمهم من أموال الفقراء ليواصلوا مسيرتهم الاقتصادية كي لا تتسبب الأزمة في اختناق اقتصادي عام!
وهكذا -عزيزي القارئ- لن تجد أسعد حظا من رجل أعمال في نظام رأسمالي.. يتمتع بأموال الناس كما يحلو له، فإذا أخفق، دفع له الناس تكاليف الخسارة.
حين تحاول دولةٌ ما الخروج من نظام الهيمنة هذا، يكون أول ما تضطر إليه خفض الفائدة، لإنعاش القطاعات الصناعية والزراعية والتقنية -التي هي الاقتصاد الحقيقي- فيكون هذا ضربة قوية لمنظومة المال ورجال الأعمال الغربية التي تبدأ حربها على عملة هذا البلد!
في الإسلام المال هو مجرد صورة وانعكاس للموارد.. لا يمكن للمال أن ينمو من تلقاء نفسه.. في الرأسمالية العكس تماما.. المال يمكن أن يلد مالا، والمال يمكن أن يخلق مالا.. هذه العملية تتم في البنوك وفي البورصة!
كيف تتم هذه العملية؟
باختصار شديد ومخل: طالما أنت سياسي لطيف تمشي على خط النظام العالمي، تعمل المنظومة بشكل طبيعي في تبادل العملة الوطنية، لأن الفائدة في النهاية تنعكس على هذا النظام العالمي نفسه لمزيد من الهيمنة.
إذا حاولت التحرر، تحركت المنظومة لتحارب العملة الوطنية، مما يتسبب بأضرار اقتصادية مباشرة في القطاعات التي يتحكم بها رجال الأعمال! وهي عادة قطاعات الكسب السريع كالعقارات والسياحة والترفيه، أو القطاعات التي تعتمد على الاستيراد.
هذا ما يحدث في تركيا ببساطة شديدة.. ويحدث وسيحدث عند كل عملية تحرر من منظومة الاقتصاد العالمية الشيطانية!
وبعد هذا الكلام الكثير.. لا أدري هل نجحت في تبسيط الأمر أم لا.. قناعتي أنا، أني نجحت بنسبة 50%.. ونسأل الله التبليغ عمن ضعفت أداته ووسيلته.
للمزيد، اقرأ:
November 15, 2021
لحظات خاصة في مؤتمر انطلاق الهيئة العالمية لنصرة النبي ﷺ
حين غصَّ المؤتمر بالحاضرين وصرنا نبحث عن المقاعد لمن لم يجلس بعد، حتى استنفدنا طاقة الفندق، كان فريق الإنشاد قد بدأ يصدح:
يا رسول الله هل يرضيك أنا .. إخوة في الله للإسلام قمنا
ننفض اليوم غبار النوم عنا .. لا نهاب الموت، لا، بل نتمنى
أن يرانا الله في ساح الفداء
إن نفساً ترتضي الإسلام ديناً .. ثم ترضى بعده أن تستكينا
أو ترى الإسلام في الأرض مهينا .. ثم تهوى العيش نفساً لن تكونا
في عِدادِ المسلمين العظماء
يا رسول الله قم فانظر جنودا .. لم يكونوا في الوغى إلا أسودا
كرهوا العيش على الأرض عبيدا .. ورأوْا فيك نعيما لن يبيدا
كل شيء ما سوى الدين هباء
تثير تلك الكلمات ذكريات عميقة مستقرة في تاريخ النضال الإسلامي كله، كلماتٌ مرتْ عليها نحو ثمانين سنة ولا تزال ندية، إلا أنها في تلك الموقف تثير العين لكي تتقلب بين الوجوه التي غصَّت بها القاعة، فإذا بالبصر يسرح بين كل الناس: الشيخ والكهل والشاب والمرأة والصبي، العالِم والداعية وطالب العلم، الصوفي والسلفي والإخواني وغير ذي الاتجاه والتنظيم، العربي والكردي والتركي والأمازيغي والإفريقي، الأبيض والأحمر والأسود، ذو العباءة وذو البذلة وذو القميص العربي والقميص الإفرنجي، كأن عالم الإسلام اجتمع في قاعة!!
سائر من حضروا كانوا من نخبة علماء الأمة وصفوتها، والعادة أن هؤلاء ممن تنوء كواهلهم بالأعباء والمشاغل، فإذا دُعِي أحدهم إلى مؤتمر كان الأمر يحتاج إلى ترتيب مسبق يبدأ قبلها بوقت طويل، أما هذا المؤتمر، فقد هُرِع إليه أولئك الحاضرون، وسعوا إليه سعي من يعرف أنه يتشرف بحضور المؤتمر لا أن المؤتمر يتشرف به!!
يروي الشيخ محمد الصغير في كلمته أنه اتصل بالشيخ محمد الحسن ولد الددو، فقال له: اقترح الموعد الأنسب لك لنرتب، فقال الشيخ الددو: هذا أمر تُقطع له المسافات وتُلغى له الارتباطات، حددوا أنتم وأخبروني!
وقد فعل ذلك فعلا، طار من موريتانيا إلى المؤتمر ليحضره في بضع ساعات، ثم طار إلى موريتانيا مرة أخرى!
ومثل ذلك فعل غيرُه ممن سافر خصيصا لأجل المؤتمر، ثم عاد بعدها مباشرة إلى بلده وعمله! ومن هؤلاء شيخ قد شاب شعر رأسه ولحيته، خرج قبل شهور من عملية قلب مفتوح، وتحامل على ضعفه، وتجاوز أنه ضرير، فجاء من عاصمة غربية بغير قائد، يطير به قلبه إلى مؤتمر نصرة النبي ﷺ.
ولما أحسَّ الشيخ نواف التكروري –رئيس هيئة علماء فلسطين بالخارج- أن الوقت طال على الحضور، قرر أن يتنازل عن كلمته، لكنه عاد فقال: "استحييتُ أن أُطلب للكلام في موقفِ نُصْرَةٍ للنبي ﷺ ثم أتنازل عنها"! لقد كانت كلمة الشيخ نواف من أكثر ما أثَّر فيّ من بين كلمات المؤتمر، كانت كلمة رجل محب ملتاع!
ولما ارتقى منبر الكلمة الشاعر أنس الدغيم، إذا بالقاعة تهدر، فصدق الحبيب القائل "إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة"، فلقد طارت القلوب مع كلماته الباذخات، ودفقه المنهمر، فكأنما كانت قذائف حب لا أبيات قصيدة!
تكلم الجميع فأحسن وأتقن وأجاد، إن حب النبي عميق في صدور المسلمين، كيف لا، وقد وصف النبي ﷺ رجالا من أمته بقوله: "إن من أشدّ أمتي حبا لي، قوم يود أحدهم لو رآني بأهله وماله" (رواه مسلم)، ولقد كانت لي كلمة، فتحيرت ماذا يُقال بعد الذي قيل، هل غادر العلماء من متردم؟!
قال لنا شيخ كريم: كنا ندخل إلى الناس من باب المسرى فتُفتح لنا القلوب والأبواب، وتدخلون أنتم من الباب العالي! باب الذي أُسْرِي به نفسه!
ولما اجتمعنا بعد المؤتمر، في الأمانة العامة، ثم في مجلس الأمناء، إذا بكل واحد يحمل في جعبته من القصص ما يُمكن جمعه تحت عنوان "كرامات المؤتمر وبركاته"!
فهذا رئيس تحرير مجلة المجتمع، الأستاذ سالم القحطاني، بمجرد أن سمع عن فكرة الهيئة ومؤتمرها، حتى عزم أن يجمع أبرز مقالات الدفاع عن النبي في مجلة المجتمع منذ صدورها، وما إن أشار بذلك حتى نزلت البركة، فإذا بالكتاب مطبوعا بعد أسبوع واحد!!
وهذا عالمٍ في الصدر من أهل العلم، وفي الصدر من أهل بلده، يسأل: هل لديكم عضوية ولو بدرجة خادم؟!.. وقال: لو أن العمل استمر على الوتيرة التي بدأ بها، فلعله يكون المؤسسة التي تجدد هذا الدين في هذا القرن!
وهذا عالمٌ في أهله وبلده، وهو مسؤول سابق، ومرتبط بموعد سفر على طائرة، أصرَّ أن يبقى حتى يشهد البيان الختامي للمؤتمر، ولو اضطره هذا لتغيير موعد السفر المحدد مسبقا، ثم استأذن إدارة المؤتمر أن يسمحوا له بالمغادرة دون أن يتناول الغداء!
وهذا مسؤول سابق يقول في مجلس خاص: قد حضرت الكثير من المؤتمرات فما شعرتُ بسكينة مثل التي غشيتني في هذا المؤتمر!
وهذا شيخ آخر يقول: على غير عادتي، وأنا الملول، لم أشعر بملل قط في هذا المؤتمر!
رأيتُ من لا يُجْلَسون إلا في الصدر إذا انعقدت المجالس، رضوا –أو اختاروا- أن يجلسوا في الزوايا والخبايا، ما يرى الواحد منهم أنه قد نقص قدرا، ولم ير الوفد أنه أُزري بمكانه!
ورأيتُ في المؤتمر من جاوز الستين والسبعين، وهو من ضيوف المؤتمر، قد نصب نفسه لئلا يجلس إلا إن جلس الضيوف جميعا، يرى نفسه خادما لضيوف جاءوا في نصرة رسول الله، ويتحمل على رغم سنه ومكانته أن يظل واقفا، ويجلس من هم دونه في السن والقدر، لكونهم ضيوف النصرة لرسول الله ﷺ.
ولما رأى أحدهم هذه المواقف، تدخل فذكر أنه يعاني من أمور صحية تجعله إذا وقف لنصف ساعة لا يستطيع ليلته تلك أن يجلس أو أن ينام لما يصيبه من آلام، فإذا به يستحيي أن يجد في الضيوف واقفين، فظل لنحو الساعتين واقفا، ولما أعدّ نفسه لليلة عصيبة، مرَّت الليلة عليه بسلام كأنه لم يكن يشتكي شيئا!
كان مجلس عاطفة متقدة في ظلال الحب النبوي الشريف..
ولما انتهى المؤتمر، وبينما أنا في الطريق إلى البيت، طالعت رسالة غاضبة من صديقٍ من خلصائي وأصحابي الأقربين، وحاولت الاتصال به فإذا به لا يرد، وظللت أطارده يوما كي أفهم ماذا أغضبه، وهو الذي لم أكن أتصور أن يغضب مني أصلا، فلما صفت نفسه عاتبني ولامني أني لم أدعه إلى المؤتمر. والسبب في أني لم أدعه أني أعرف انشغاله بكتاب يؤلفه قد استغرق كل وقته، حتى لقد امتنع معه أن يخرج إلى أي مكان، ولما كان خبر المؤتمر شائعا ما خطر ببالي أنه لم يعرف به، وقدَّرت أن مشاغله تمنعه، فإذا به يغاضبني كل هذا الغضب لأني لم أدعه. يقول: مثل هذا المؤتمر لا يُفَوَّت مهما كانت المشاغل!
استطعتُ في المؤتمر أن أقتنص قبلة على يد الشيخ محمد الحسن ولد الددو، وقد كنتُ أعرف منه أنه يمانع هذا، ولكن ما إن قبلت يده حتى انكبّ بحركة مفاجئة لم أتوقعها فقبَّل يدي!! فكاتمت دموعي وأنا أرى الرجل الممتلئ علما قد سال تواضعا!
قد كان يوم المؤتمر هذا يوما فارقا، ما أحسبه يُنسَى أبدا، وأسأل الله تعالى الذي أنعم علينا فجعلنا في هذا الأمر، أن يتم نعمته علينا فيجعلنا أهلا له، وأن يجبر كسرنا وتقصيرنا، وأن يعفو عن خطئنا وزللنا!
ثم لا ننسى الفضل لصاحب الفكرة، فضيلة الشيخ محمد الصغير، فقد فاجأنا جميعا بهمته ونشاطه وحضور ذهنه، فوق ما نعرفه عنه من غيرة على الحق وصدع به، نسأل الله له ولنا الإخلاص والسداد والقبول.
نشر في الهيئة العالمية لنصرة النبي ﷺ
October 25, 2021
حواري مع مجلة المجتمع عن الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام
خلال السنوات الأخيرة تصاعدت ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب وتأجيج كراهية المسلمين، وربط الإسلام زورا بالإرهاب والتطرف، ومن مظاهر هذا كانت جرائم الإساءة للرسول الكريم ﷺ بعدة وسائل كالرسوم المسيئة، قوبل ذلك بحملات شعبية إسلامية تبنت خيار المقاطعة للمنتجات الفرنسية، وهي تتم عامها الأول، واستثمارا لهذا الدور الشعبي جرى مؤخرا تدشين الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام، لكن كان لابد من استعراض الأمر تاريخيا وكيف تعامل الرسول مع من أساء إليه؟ ثم ما هو سر العداء الفرنسي الحالي، وكذلك الدور الذي يمكن أن تقوم به الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام؟
ولهذا كان الحوار التالي مع الباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية محمد إلهامي وهو أيضا عضو الأمانة العامة للهيئة.
- من السيرة .. ما هي أبرز مواقف الإساءة للرسول وكيف تعامل معها النبي الكريم؟
إن أشد الناس بلاء الأنبياء، فسير الأنبياء عامة هي سير الرجال الذين تحملوا الإساءة والعذاب والأذى في سبيل الرسالة، ومثلهم في هذا الصالحون، فهم قد ورثوا طريق الأنبياء بما فيه من تكاليف ومشاق وصعوبات، ونحن إذا راجعنا السيرة فسنجد أن النبي ﷺ سمع الأذى لأول مرة في قومه منذ بلغ الرجولة يوم أعلن الرسالة، فقيل له "تبا لك، ألهذا جمعتنا؟".. وسرعان ما تحول النبي ﷺ في يوم واحد فقط، هو يوم إعلانه الرسالة، من "الصادق الأمين" إلى "ساحر وكاهن وشاعر ومجنون وكذاب... إلخ".. وهذه من أشد الأمور على من عاش شريفا نسيبا معظما في قومه.. ثم استمر العنت والأذى، فكان ﷺ كما قال عن نفسه أول من أوذي وأول من أخيف وأول من جُوِّع، كما في الحديث الشريف "لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أُخِفْتُ في الله وما يُخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثالثة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد، إلا ما وارى إبط بلال".
وقد تعامل النبي مع الأذى بما تتطلبه الحكمة، فبالصبر والتحمل أحيانا في بداية الدعوة، وبالصفح والعفو أحيانا بعد أن صار قائد أمة. ولكن المهم هنا أن العلماء فرقوا بين أمرين: بين موقف النبي ممن سبه وآذاه، وبين موقف الأمة ممن سب النبي أو آذاه، فالنبي ﷺ له أن يعفو عمن سبه، بينما من واجب الأمة أن تقوم لمن سبه، فلا مجال لأن تصفح الأمة عمن سب نبيها بحال من الأحوال، وهذا الأمر مبسوط مفصل في الكتب الفقهية التي تناولت هذا الموضوع.
- تاريخيا.. لوتستعرض لنا محطات تاريخية شهدت إساءات للرسول وكيف تعامل معها المسلمون؟
حين كانت الأمة قوية لم يكن شأن سب الرسول مباحا أو متاحا من أصله، ولا كان يستطيع أحد أن يتجرأ على اقترافه، بل تروي بعض المصادر الغربية في الأندلس أن رجلا سب النبي أمام القاضي المسلم فتعامل معه على أنه مجنون، وصار يسأله ليتأكد من سلامة عقله، فأصر الرجل على موقفه، فحبسه ليتأكد ما إن كان ذلك موقفه فعلا أم هي من نوبات الجنون، فلما تيقن من أنه اقترف هذا واعيا أمر بقتله. هذا الرجل تعرفه التواريخ المسيحية باسم الفارو القرطبي، ويعد في تواريخهم طليعة الشهداء المسيحيين في مقاومة الاحتلال الإسلامي.
ما يهمنا الآن أن المسلمين كانوا حساسين جدا تجاه التعرض لمقام النبي حتى إن الإساءة إليه بالسب لم تكن متصورة، بل كانت عملا يدل على حالة مرضية، ويؤكد هذا ما جاء في أخبار القضاة المسلمين الذين حكموا بقتل من صدرت عنه الإساءة للنبي أو التعريض به.
طبعا نحن الآن في زمن صارت فيه الأمة مستضعفة، وهذا بنفسه يتحكم في معنى المقدسات، فحتى حرية الرأي والتعبير التي صارت قيمة مقدسة في الزمن المعاصر، تتوقف تماما عند مقدسات الأقوياء، فلا يمكن لأحد التشكيك في المحرقة النازية، أو سب الدولة أو احتقار الدستور أو إهانة العلَم الوطني.. فالواقع أن القوي لا يسمح بانتهاك مقدساته، حتى لو أن حضارته تقوم على أصل "حرية الرأي والتعبير"!!
- كيف ينظر الغرب لمقام ومكانة الرسول الكريم؟ وهل هنا تختلف نظرة المفكرين والعلماء عن تلك الصورة التي يتم ترويجها للعوام في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي؟
هذا سؤال في غاية الأهمية لأنه يضعنا أمام ثلاثة أمور مختلفة؛ الأمر الأول: أن الغرب كدولة ونظام وثقافة اجتماعية موروثة وسائدة وشائعة ينظر إلى النبي ﷺ نظرته إلى العدو الخطير الذي أخرج أمة تهدد وجوده، ويتحدث كثير من الغربيين أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي هدد وجود الحضارة الغربية لمرتين على الأقل، كما حصل في الموجة الأولى للفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام والتي وصلت إلى باريس، أو في الموجة الثانية التي كانت على يد الدولة العثمانية ووصلت إلى فيينا.
والأمر الثاني: هو موقف المثقفين والباحثين والدارسين الذين استطاعوا أن يقرؤوا المصادر الأصيلة عن النبي، وأن يبحثوها، وهؤلاء تختلف مواقفهم من النبي ﷺ كما تختلف مواقف أي إنسان عرف الحق، فمنهم من آمن بالنبي وأسلم، ومنهم من ظل مقيما على عداوته وحقده، ومنهم من أنصف النبي وهو إنصاف تتفاوت فيه الدرجات والأحوال.
والأمر الثالث: أن هؤلاء الباحثين والمثقفين استطاعوا تكوين موقف مستقل عن الثقافة الجمعية الموروثة والسائدة، وهي الثقافة التي تكونت جذورها في أزمنة الحروب الصليبية -كما يتفق على ذلك المؤرخون والباحثون في العلاقات الإسلامية الغربية- .. ولكنهم رغم استقلالهم في تكوين مواقفهم، إلا أنهم نادرا ما يستطيعون اتخاذ موقف مضاد ضد مجتمعهم، لأن شبكة القوى والعلاقات داخل المجتمعات الغربية لا تسمح بإنصاف الإسلام ونبيه، ومن يتخذ منهم هذا الموقف فإنه يحكم على نفسه بالمعاناة ومواجهة الصعوبات.. فتكون الثمرة النهائية لجهد الباحثين والمثقفين والمؤسسات الأكاديمية هي ما يخدم السياسة الغربية المهيمنة، ويمكن في هذه المسألة مراجعة تجربة المستشرق الفرنسي المعاصر فرنسوا بورجا.
- خلال العقدين الأخيرين ظهرت موجة الرسوم المسيئة للرسول الكريم في عدة دول غربية كالدنمارك وفرنسا قوبلت بهبة شعبية إسلامية هل ترى أنه تم استثمار الدور الشعبي بشكل صحيح في هذه الأزمة؟
السؤال المهم هو: من يستثمر؟.. المشكلة أن هذه الأزمة الأخيرة مع فرنسا لم تتفاعل معها إيجابيا إلا عدد محدود جدا من المؤسسات الرسمية، بينما ظلت الحكومات تتعامل مع فرنسا أو حتى تدعم موقفها بشكل فجّ لم يكن يحدث في الماضي. إن الحالة السياسية العامة في الدول العربية والإسلامية تقف من الهبات الشعبية موقف التجاهل أو حتى موقف العداء، مع أنها بالمقياس المادي والاقتصادي البحت فرصة مهمة لتنمية الصناعات المحلية وتنشيط المنتجات البديلة وتنويع مصادر الاعتماد الاقتصادي.
ومما يؤكد ما نقول أن الهبات الشعبية نفسها إنما تظهر قوتها في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تستطيع أن تتحول إلى فعاليات حقيقية في الواقع، بمعنى أنه إن لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي موجودة لظننا جميعا أن الأمة خانت حب النبي ﷺ وانصرفت عن التفاعل مع الإساءة إليه. وهكذا نرى أن المشهد الحالي لا يعبر عن حقيقة مشاعر الأمة ومواقفها.
-مؤخرا تبنت فرنسا بشكل رسمي الرسوم المسيئة للرسول بحجة حرية التعبير، وإصرارا منها على ذلك أعلنت تكريم المدرس الذي عرض تلك الرسوم مؤخرا بمناسبة مرور عام على مقتله، كما أنها سنت عدة قوانين من شأنها التضييق على مسلميها وإغلاق مساجدهم، وتكيل الاتهامات للإسلام بحجة التطرف، متناسية تاريخها الاستعماري المليء بالمجازر بحق بلادنا المسلمة وأفريقيا.. برأيك لماذا تبنت فرنسا هذا الموقف؟
الشيء من معدنه لا يُستغرب، فالافتراس من طبائع الوحوش، والتحليق من طبائع الطيور، وفرنسا عريقة في معاداة الإسلام، منذ 1300 عام، عندما توقفت الفتوحات قبل باريس في معركة بواتيه، منذ ذلك الوقت ترى فرنسا أنها قلعة المسيحية الكاثوليكية، حتى بعد أن تعلمنت في خضم الثورة الفرنسية، فإنها لم تتخل عن روحها الصليبية، حتى قيل بحق: "صليبيون بالنهار، علمانيون بالليل"، ويتسم السلوك الفرنسي تجاه الإسلام بعدائية عميقة ومكشوفة، فحتى الإنجليز والأمريكان -مع كل عدائيتهم- لم يكونوا بهذه الفجاجة الفرنسية في التعامل مع المسلمين سواء في داخل بلادهم أو في البلاد التي احتلوها. ويجب ألا ننسى أن الحروب الصليبية إنما كان نصيب الأسد فيها هو لفرنسا. فمنها انطلقت، وأغلب المقاتلين فيها من الجنود والأمراء كانوا فرنسيين، ولذلك غلب عليها في التواريخ العربية اسم "الفرنجة".
فالسؤال عن سر العداء الفرنسي يشبه السؤال عن سر افتراس الوحش أو عن سر تحليق الطير، ثم نضيف إلى ذلك أن فرنسا الآن تشعر بالتهديد وتضاؤل الدور، فلم تعد فرنسا دولة مؤثرة في السياسة العالمية، بل حتى تراجع دورها في أوروبا، ومن المتوقع ممن يشعر بالهزيمة أن يبدأ في إثارة المعارك وافتعال الأزمات ليحصل على الدعم وليحقق التحشيد.. والمسلمون هم الطرف الأضعف الذي يمكن خوض معركة مأمونة العواقب معهم، إذ ليس لهم من يدافع عنهم أو من يهدد مصالح فرنسا إذا استهدفتهم.
-ردا على موقفها.. ظهرت حملة شعبية تدعو لمقاطعة المنتجات الفرنسية، وتعد هذه الحملة من أنجح المواقف الشعبية استمرارية في تبني نصرة الرسول ورفض الإساءة إليه صلى الله عليه وسلم فقد أوشكت أن تتم عامها الأول.. فما هو تقييمك لهذه لحملة؟
لا شك أن حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية كانت أقوى مما تخيل الجميع، واستطاع الناشطون على مواقع التواصل ابتكار العداد اليومي للمقاطعة، وظل وسم المقاطعة وسما متصدرا طوال أيام السنة، التي كانت حافلة بالأحداث الكبيرة والخطيرة.. وحتى لو اختلف بعض الناس حول التأثير الحقيقي للمقاطعة، فمن المؤكد أنه كان تأثيرا مهما، ومن أجل ذلك تحركت الخارجية الفرنسية كثيرا لمحاولة حصار هذه الحملة.
ولكن النجاح الأهم هو المعنى التربوي والنفسي والإيماني لهذه المقاطعة، فحتى لو لم تكن المقاطعة مؤثرة بأي شكل، فإن استعادة المسلم لكرامته وحميته وغيرته، وتعبيره عن ذلك ولو بمجرد الامتناع عن الشراء، إن مجرد ذلك هو نجاح عظيم ومهم نحتاجه بشدة، ففي اللحظة التي نفقد فيها غيرتنا وحبنا لنبينا أو استهانتنا بالإساءة إليه نكون قد انتهينا وسقطنا في اختبار الإيمان أولا، قبل أن نسقط في التبعية الكاملة لأعدائنا! وهي تبعية اقتصادية وثقافية ونفسية شاملة.
- هل يمكن تكرار هذا النموذج من الحملات مع الدول التي تسيء للإسلام أو تضطهد المسلمين لديها كالهند؟
أكرر على نفس المعنى: تظل المقاطعة سلاحا تربويا ونفسيا وإيمانيا، وهو مهم جدا جدا، ويمكن استعماله في كل موقف.. ولكن الحديث عن التأثير الاقتصادي للمقاطعة تجاه الدول التي تضطهد المسلمين، يحتاج إلى قياس كل حالة بمفردها، لاختلاف الظروف والتفاصيل والمنتجات والقدرة على التخلي عنها وغير ذلك من العوامل.
- مؤخرا دشنتم الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام.. من أين جاءت الفكرة؟ وماذا ينتظر من أدوار يمكن أن تقوم بها الهيئة؟
يعود الفضل في هذه الفكرة للشيخ محمد الصغير، عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقد كان من أهم وأنشط المتبنين لحملة المقاطعة على مواقع التواصل، وهو لشهرته وكثرة متابعيه مثَّل ضلعا مهما في هذه الحملة. ثم طرح الفكرة على بعض من المشايخ الذين شاركوه هذا الهمّ بحملة المقاطعة، فانتهى الأمر إلى هذه الفكرة.
وإذا أردنا اختصار دور الهيئة، فهي أنها تحاول أن تكون تجميعا لمجهودات نصرة النبي ﷺ بحيث تصل في النهاية إلى تجريم الإساءة إليه في أي مكان، وهو ما يستدعي في الوقت نفسه القيام بحملات للتعريف بالنبي واستنهاض الهمم في نصرته، وإتاحة المجال للطاقات المغمورة والكامنة لتنشط في نصرة النبي، وتوجيه الأنظار والأبصار إلى هذا الموضوع.. ربما يمكن أن نصف مهمة الهيئة بأنها "الدبلوماسية المحمدية"، فلو كان ثمة دولة إسلامية واحدة تعبر عن الأمة لكانت من أوائل مهماتها التعريف بالنبي ونصرته وتحشيد الطاقات في سبيله.
نشر في مجلة المجتمع، 25 أكتوبر 2021
October 20, 2021
على هامش كلمة شيخ الأزهر في ذكرى المولد النبوي
وجدت أخيرا بضع دقائق استطعت فيها أن أستمع لكلمة شيخ الأزهر أحمد الطيب في احتفال المولد النبوي..
وأحسب أن من استمع إلى الكلمة سيغلب على ظنه أنها كتبت في مكتب السيسي، لا في مكتب الطيب، فهي كلمة بائسة حتى بالنسبة لمواقف الطيب!
أولها ثناء على النبي وصفاته، وأوسطها إدانة صريحة للحركات الإسلامية التي يسمونها "إرهابا وتطرفا"، وآخرها إدانة خجولة لصعود اليمين في أوروبا، وهي إدانة مبررة بأنهم إنما يتخذون "التطرف" ذريعة لأغراضهم!!
ووقع في الكلمة خطأ خطير، أثير حوله غبار في أوساط المبغضين للأزهر، ذلك هو استدلال الطيب بكلمة منسوبة لجورج برنارد شو في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وهي كلمة لا تثبت عنه، وأتذكر أني قضيت أياما طويلة قبل نحو 12 عاما لمحاولة التثبت منها فلم أجدها رغم شهرتها وانتشارها. ولا شك أن دسّ هذه الكلمة في خطاب يلقيه شيخ الأزهر هو إما غفلة وجهل واستهتار يستحق كاتب الكلمة العقوبة عليها، أو أنها محاولة لتوريط شيخ الأزهر في خطأ يُحسب عليه!
وإذن، فعناصر الكلمة الرئيسية، ثم هذا الخطأ الفادح، هو ما يجعل الظن متجها نحو أن الذي كتبها واحد في مكتب السيسي.. فهي إلى لسان السيسي أقرب منها إلى لسان الطيب الذي لا يزال فيه بعض تعظيم للتراث!
ثم ثارت الشجون، وما أكثر ما تثور..
وتمدد بي الخيال نحو زمن سليمان القانوني، الذي كان أعظم ملك في عصره، ويبسط نفوذه على أوروبا وإفريقيا والجزيرة العربية، وتقاتل جيوشه وأساطيله في المحيطين والبحار الثلاثة والجهات الأربعة!!
في ذلك الزمان.. أرسل سليمان القانوني داود باشا إلى مصر، وكان داود باشا -كما ينقل مؤرخ العصر ابن أبي السرور البكري- على هذه الصورة:
"كان رجلا حليما، باذلا كريما، محبا للعلماء ... وكان محبا لمطالعة الكتب العربية، وجمع منها شيئا كثيرا، لأن غالب كتبة مصر كانوا يكتبون له مع كثرة شرائه لها أيضا، وكان محبا للفضلاء، الأئمة النبلاء، سوق العلم عنده رابح، وبالاشتغال إلى الترهات غير طامح. وإحسانه واصل إلى علماء مصر، والرخاء في زمنه موجود، والجور والظلم في دولته مفقود، والرعايا في دولته في الرفاهية وتسهيل الأرزاق من غير مشقة، فعليه الرحمة والرضوان مع توالي الزمان"
تصور عزيزي القارئ التعيس الذي يعيش في زمن السيسي، الذي سرق الأحباش منه النيل، وسرق الأعراب منه الجزيرتين، ويعمل عبدا للروم وخادما.. تصور، ماذا فعل شيخ الأزهر مع داود باشا!!
في ذلك العصر العثماني، وقف شيخ الأزهر السنباطي لينادي في داود باشا أن ولايته غير شرعية، وذلك أنه عبد، ولا يجوز أن يتولى العبد الولاية على الأحرار.. فغلى الدم في رأس داود باشا، وأراد أن يفتك بالشيخ.. فمن ذا الذي جعل نفسه سلطانا فوق السلطان؟ ومن ذا الذي يريد عزله وقد ولاه سليمان الذي هو أقوى ملك في عصره؟!!
أراد داود أن يفتك بالشيخ السنباطي.. فماذا حصل؟!
وقف جنود داود باشا له، مدافعين عن شيخ الأزهر، وقالوا له: هذا شيخ الإسلام الإمام!!!
ولم يجد داود باشا إلا أن يرفع الشكوى لسليمان القانوني، لقد عجز والي مصر -ثاني أهم الديار العثمانية- أن يتصرف مع من يريد عزله من منصبه!!
فكيف تصرف سليمان القانوني؟!!
أرسل إلى الشيخ شكره، ومع الشكر رقعة فيها عتق داود باشا!!
فأين السنباطي في جلالته ومهابته ومكانته، في عصر سليمان.. من أحمد الطيب في عصر السيسي؟!!
ألم تر أن السيف يزري بقدره .. إذا قيل: السيف أمضى من العصا؟
فإذا طاف في خيالك عزيزي القارئ التعيس الذي ابتلاه الله بالعيش في زمن السيسي أن ذلك إنما كان في زمن السلاطين الأتقياء.. فتعال أحدثك حديثا آخر عن الأزهر في زمن المماليك الأشقياء!!
فبعد هذه الواقعة بحوالي القرن وثلث القرن، كانت قبضة العثمانيين قد ضعفت في مصر، وكان الذين يديرون الحكم عمليا هم المماليك.
وقد وقع انقسام مملوكي شهير بين طائفتين منهم هما: القاسمية والفقارية، ووقع بينهم القتال، وحين انتصر القاسمية لم يجد فلول المماليك الفقارية إلا الجامع الأزهر يحتمون به.. فهرعوا إليه!!
فماذا فعل العسكر المنتصرون؟
هل أحرقوا الأزهر كما أحرق جنود السيسي مسجد رابعة؟!.. هل اقتحموه بأحذيتهم كما فعل عسكر السيسي في مسجد الفتح ومسجد النور بالعباسية؟!.. هل هدموه على رؤوس أهله كما فعل جند السيسي حين اعترض المسجد طريق كوبري أو طريق أراد إنشاءه؟!!
لم يجرؤوا على شيء من هذا، بل خرجوا إلى الوالي العثماني -الممثل الشرعي للسلطة العثمانية الضعيفة- واستصدروا منه قرارا بمعاقبة هؤلاء الثلاثين الملتجئين للأزهر ونفيهم إلى دمياط أو قبرص
(لا تتعجب، ففي ذلك الزمن كانت قبرص جزءا من بلاد المسلمين.. ولعلك تابعتَ القمة الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان، عزيزي القارئ التعيس المبتلى بالعيش في عصر السيسي)
في الأزهر وقف الشيوخ لحماية الملتجئين، وعلى رأسهم شيخ الأزهر سلطان المزاحي، هل تحدوا قرار السلطة؟!.. لا، بل أكثر.. لقد خرج شيخ الأزهر على رأس أربعة من المشايخ إلى الوالي إبراهيم باشا، وحمله على إصدار قرار العفو عن هؤلاء الملتجئين للأزهر، وأجبره على إسقاط فرمانه الذي أصدره بالأمس بنفي هؤلاء.. وقالوا له: حتى لو فُرِض أن هؤلاء وقعت منهم مخالفات فإن التوبة تمحوها؟!
فماذا فعل الباشا العثماني؟
مزق فرمانه القديم، وكتب فرمانا جديدا بالعفو، وكان في صدر قراره "امتثالا لما رآه السادة العلماء الفضلاء"
فماذا فعل العسكر القاسمية المنتصرون؟!
نزلوا كذلك على رغبة السادة العلماء الفضلاء، وامتثالا لهم.
وبفضل هذه الهيبة التي كان يتمتع بها السادة العلماء الفضلاء عاد بعض المطاردين إلى مناصبهم بكامل رواتبهم وصلاحياتهم!!
ذلك هو الزمن الذي قصده شوقي حين مدح شيوخ الأزهر فقال:
كانوا أجلَّ من الملوك جلالة .. وأعز سلطانا وأفخم مظهرا
زمن المخاوف كان فيه جنابهم .. حرم الأمان وكان ظلهم الذرا
عزيزي القارئ.. لئن كنت من جيلي، ودرست قصيدة شوقي هذه في المدرسة، فلا تستغرب أنك لم تقرأ هذيْن البيتيْن من قبل.. فلقد كانا محذوفين من القصيدة، ضمن عميلة إخصاء ذاكرتنا التاريخية وغيرتنا الدينية!!
للمزيد:
https://youtu.be/c4IRlQs9Pjw
September 21, 2021
في مثل هذا اليوم 21 سبتمبر
في هذا اليوم (21 سبتمبر) تمر بنا عدد من الذكريات المثيرة للشؤون والشجون!!
1. تشير بعض المصادر إلى أن هذا اليوم هو اليوم الذي وصل فيه نبينا صلى الله عليه وسلم إلى قباء، أي أنه يوم بدء الدولة الإسلامية، وهو ذكرى حدث الهجرة النبوية المشرفة التي هي أخطر لحظة في تاريخ الإسلام، بها صارت الدعوة دولة، وصار المسلمون أمة، وبها انطلقت حضارتهم العظيمة.. وربما يختلف التاريخ يوما أو يومين بحسب الخلل الذي يقع في حساب التوافق بين التواريخ الهجرية والميلادية.
2. وفي مثل هذا اليوم من عام 717م، توفي الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وهو واحد من أولئك الخلفاء الذين لم يطل بهم العمر ولم تطل لهم مدة الخلافة ولكنه ترك إنجازات عظيمة..
فقد توفي وهو في الخامسة والأربعين، ومدة خلافته سنتان وثمانية أشهر..
ولكنه كان بداية التصحيح العظيم في مسار بني أمية، إذ ابتدأ خلافته بعزل ولاة الحجاج ورجاله، وقرب إليه الصالحين كرجاء بن حيوة وعمر بن عبد العزيز، وهو الذي عهد بالخلافة من بعده لعمر بن عبد العزيز -أفضل خلفاء بني أمية بعد معاوية رضي الله عنه- وظن البعض من صلاحه واعتدال الزمان في أيامه أنه المهدي.
ومن أعظم مآثره أنه عزم على فتح القسطنطينية، وجهز لها جيشا ضخما أنفق فيه كل موارد الدولة، وجعل قيادته لابنه ولأخيه، ونقل مقره إلى مرج دابق لتكون مركز عمليات متقدم لمتابعة الفتح، ثم أقسم بالله ليفتحن القسطنطينية أو ليموتن قبل ذلك.. وقد وفى بقسمه، فقد عاجله الموت وما يزال المسلمون في حصار القسطنطينية، في واحدة من أقوى المحاولات التي بذلها المسلمون لفتح القسطنطينية.
3. وفي مثل هذا اليوم من عام 1556 توفي شارل الخامس ملك إسبانيا الشنيع، وهو الذي يعده الإسبان من أعظم ملوكهم إذ كان أقوى ملوك أوروبا في وقته، وكان سيد العالم الكاثوليكي.
والمهتمون بتاريخ الأندلس يعرفون هذا الإمبراطور جيدا، كيف لا وقد كان صاحب أكبر عملية تنصير للمسلمين الأندلسيين، وقد غدر بالعهود التي بذلها بعدم تنصيرهم أو طردهم، وقد حكم سبعا وثلاثين سنة كانت جحيما على الأندلسيين، وازدهرت فيها محاكم التفتيش الرهيبة الرعيبة.. واستطاع أن يفلت من هزيمة محققة على يد السلطان العثماني سليمان القانوني عند أسوار فيينا! وكان هو وسليمان القانوني أعظم ملوك ذلك العصر، ويتوقع المؤرخون أن لو تأخر أو تقدم زمن أحدهما عن الآخر لكان التاريخ قد تحول مجراه حتما!
ولا تقتصر شناعة هذا الملك على ما نزل بالمسلمين في الأندلس أو في الشمال الإفريقي، بل إن الأسطول الإسباني كان يتوحش على طول السواحل الإفريقية -فضلا عن السواحل الأمريكية التي كانت عالما جديدا آنذاك- والتي كانت، أي السواحل الإفريقية، حافلة بالممالك المسلمة التي أدخلها هذا الإمبراطور في عصر الإذلال والاستعباد.. وهو العصر الذي يسمونه تهذبا وتلطفا عصر الكشوف الجغرافية، ويستحق أن يسمى بجدارة عصر التوحش الأوروبي!!
4. وفي مثل هذا اليوم من عام (1840) وُلِد السلطان العثماني مراد الخامس.. وهو السلطان الذي لم يبق في السلطنة إلا تسعين يوما، ثم قيل بأنه يعاني من الجنون، فعُزِل واختير بعده أخوه السلطان العثماني الشهير عبد الحميد الثاني.
ويعد عصر مراد الخامس عصرا تراجع فيه قوة السلاطين، إذ قُتِل قبله عمه السلطان عبد العزيز، ونُصِّب هو بعد انقلاب من رجال الدولة النافذين، ثم عُزِل كذلك بأمرهم، فكاد نفوذ السلاطين يذهب تماما لولا أن أخاه الذي بعده -عبد الحميد الثاني- أمسك بتلابيب التاريخ، وأجَّل هذا المسار ثلاثين سنة أخرى!
5. ومن عجائب القدر أن عبد الحميد الثاني وُلِد في نفس يوم مولد أخيه، (21 سبتمبر أيضا) لكن بعد عامين من ولادته (في 1842)، وهو السلطان المشهور، الذي حاول تجديد الخلافة، وهو آخر السلاطين الأقوياء من بني عثمان، ويعد الانقلاب عليه في 1909 هو النهاية الفعلية للدولة العثمانية الإسلامية، وهو بداية دخول الدولة العثمانية في العلمنة والتتريك واتباع الغرب عن قناعة ورغبة من رجال الدولة لا عن اضطرار أو بنية الاقتباس من التقدم الغربي.
وعبد الحميد الثاني أشهر من أن يُتَكَلَّم عنه في هذه السطور، ولكن يمكن القول بأنه آخر خلفاء المسلمين على الحقيقة، ومن ذلك الوقت لم يعد للمسلمين خليفة يفكر في أمرهم وشؤونهم، ولم يعد للمسلمين مركز قوة يدافع عنهم أو يستندون إليه.
6. وفي مثل هذا اليوم من عام (1866) وُلد المؤرخ البريطاني الشهير هربرت جورج ويلز، وهو أديب وعالم اجتماع، وعرف بكتابه موجز تاريخ العالم، وفيه أنصف التاريخ الإسلامي في عدد من المواضع، منها
قوله عن الفتوحات الإسلامية: "أعجب قصص الفتوح التي مرت على مسرح تاريخ الجنس البشري"
وقوله عن التراث الإسلامي "لقد قذفت المقادير بالذكاء العربي في طول العالم وعرضه بصورة أسرع وأروع مما فعلت بالعقل اليوناني قبل ذلك بألف سنة خلت، لذا عظمت إلى أقصى حد الاستثارة الفكرية التي أحدثها وجودها للعالم أجمع غربي بلاد الصين، كما اشتد تمزيق الأفكار القديمة وتطور أخرى جديدة ... كان العلم يثب على قدميه وثبا في كل موضع وطئته قدم الفاتح العربي"
7. وفي مثل هذا اليوم من عام (1911) توفي البطل الإسلامي العربي الكبير، أحمد عرابي، زعيم الثورة العرابية، وآخر قائد للجيش المصري ينحاز للشعب ضد الاستبداد والاحتلال.. وهو زعيم الثورة التي أثبتت لأول مرة أن الأنظمة المحلية العميلة تستند في وجودها وبقائها إلى القوى الأجنبية، ولهذا نزل الإنجليز بأنفسهم لاحتلال مصر لكي لا تنجح ثورة عرابي..
كان عرابي زعيما على طول العالم الإسلامي وعرضه، وكان المسلمون في الهند والمغرب يتابعون أخباره وقت أن لم يكن ثمة وسيلة إعلام إلا صحيفة رسمية وحيدة، وصحف محلية نادرة في مصر فحسب.. وكان الناس إذا لقوه في منفاه يقبلون يده ويلمسون ثيابه.. لقد كان زعيما تخوفت فرنسا أن يجدد نجاحه من جديد عصر الأبطال المسلمين القدامى كصلاح الدين الأيوبي.
ولولا بعض الأخطاء التي وقعت منه لطبيعة كونه جنديا في الدولة الحديثة والجيش الحديث، لما استطاعت بريطانيا أن تحتل مصر.. وهو أمر فصلناه في مقالات سابقة يمكن الرجوع إليها.
8. وفي مثل هذا اليوم من عام (1916م) استطاعت قوات ما تسمى بـ "الثورة العربية" المدعومة بقوات الإنجليز أن تهزم الحامية العثمانية في الطائف.. ليبدأ في عالمنا العربي عصر دول التجزئة والتفتيت.. حيث أسماء وألقاب الملوك والأمراء وأصحاب الفخامة والجلالة والسمو، وهم لا يساوون في السياسة العالمية حمل بعير!!
لقد فضل الشريف حسين وقواته المدعومة إنجليزيا أن تكون الحجاز ومدنها المقدسة تحت الهيمنة البريطانية ولا أن تكون تحت الحكم العثماني.. ثم لم تلبث بريطانيا أن أسلمتهم لعبد العزيز فاكتسحهم، ولم يبق لهم من الملك إلا قطعة في صحراء الأردن، ثم مات الشريف حسين منفيا في قبرص، كأنه جندي مخطئ معاقب ولم يكن ذات يوم حليفا ينادون بألفاظ التعظيم والإجلال!!
ومن عجائب القدر أن هذا اليوم نفسه (21 سبتمبر) من عام 1970 شهد بدء القمة العربية في القاهرة لمحاولة معالجة أحداث أيلول الأسود، حين هجمت القوات الأردنية على الفلسطينيين.. وهو نفس اليوم الذي بدأت فيه قمة الطائف (1989م) لتحل مشكلة الحرب الأهلية اللبنانية..
ولا تزال هذه الملفات عالقة حتى الآن.. فلا نحن بقيت لنا خلافة جامعة، ولا هذه الدول استطاعت أن تنفع نفسها ولا أن تحل نزاعا بين شعوبها.. وإنما ظل بأسهم بينهم شديدا، وظلوا عبيدا عند القوى الأجنبية التي تحتلبهم وتستنزف أموالهم ومواردهم وبلادهم!!