محمد إلهامي's Blog, page 4
August 25, 2023
مذكرات جندي مصري - أحمد حجي

هذا كتاب لطيف مؤثر ..
يوميات متفرقة لجندي مصري طبيب علىجبهة قناة السويس قبيل حرب أكتوبر (1973 م)، كتبها بين عامي 1969 و 1972 .. قبل أنيلحق بالشهداء في 1972 م.
يطرب المؤرخون لمثل هذه اليوميات التيتكشف لهم حياة الناس والبسطاء المغمورين تحت سطح الحياة السياسية التي تتكدس فيهاأخبار الساسة والقادة، فمثل هذه الكتابات تلقي الضوء على الأعماق الإنسانيةالبعيدة للأحداث الكبيرة والقرارات السلطوية .. فبينما أنت تقرأ في كتاب التاريخنبأ الجيوش والشعوب كأنها بيادق وأدوات، تقرأ في مثل هذه المذكرات واليوميات نبأالإنسان الذي كان رابضا في الخنادق، فيم كان يفكر وماذا كان يأمل ومم كان يعاني.
صاحبنا مؤلف هذا الكتاب كتبه وهو فيالثلاثين من عمره، ولكن لغته وأسلوبه يكشفان عن قصاص ذي موهبة سينمائية، فهو يرسمالمشهد بينما يحكي الحكاية، ويصور الأجواء والظلال والألوان قبل وأثناء روايةالمضمون، ويربط بين عناصر القصة رباطا سهلا غير متكلف، فلا تنتهي اليومية إلا وقدأجاب عن السؤال الذي أثاره لديك في ثنايا السياق.
وأغرب ما في قصة هذا الكتاب أنه منع منالنشر، ولا أدري السبب، يقول الذين منعوه: لأنه يحتوي على أسرار عسكرية قد تفيدالعدو، ويقول الرافضون لهذا المنع: بل لأن الكتاب يثير قضية الجنود الذين دفعواالثمن ولم يحصلوا على أي تقدير، فيم ذهبت المكاسب إلى من لم يعاين الخطب ولم يعانأهوال الحرب!
وفي الكتاب حقا صفحات من هذه المأساة،ولكنها لا تبرر منعه، فكم نشرت في مصر كتب أشد خطرا من هذا، ولهذا يبدو لي المبررغير مقنع، ولعل ثمة ما لا أعرفه!
لكني حين بحثت عن الكتاب عثرت على نسخةإلكترونية، منقولة -كما قال الذي رفعها- عن النسخة التي صدرت عن "مختاراتالكرمة" .. وبينما أقرأ فيها، إذ عثرت على نص رائع أثار في نفسي بعضالذكريات، فهرعت لكي أضعه في ضمن بحث أكتبه، فاضطررت للبحث عن نسخة مطبوعة لكيأوثق منها هذا النص بالصفحة والرقم والطبعة (كما هي تقاليد البحث الأكاديمي)،فعثرت على النسخة التي أصدرتها دار الفكر، لكنني فوجئت أن النص الذي أريده غيرموجود!!!
وإذن، فثمة تلاعب بنص المذكرات جرى فيدار الفكر التي مقرها القاهرة وباريس ..
يتحدث هذا النص المفقود عن معلومةمثيرة للتأمل، وهي أن الناس (المقاومة الشعبية) انهمروا كالسيل لدعم الجيشوالمقاتلين في العدوان الثلاثي 1956، بينما لم يحدث هذا منهم في عام 1967 بل"إن الملل مثل الكابوس دخل كل بيت وتربع فيه".
ذكرتني هذه الفقرة بالمقارنة التيعقدها عدد من المؤرخين والمفكرين بين مقاومة الشعب المصري للحملة الفرنسية، وهيالمقاومة الهادرة التي انخرط فيها الجميع، وبين المقاومة الضعيفة الخافتة التيواجهوا بها الاحتلال الإنجليزي .. كان السبب في ذلك هو الانكسار العظيم الذي تعرضله الشعب على يد الطاغية الجبار محمد علي باشا وخلفاؤه، لقد كسر الطغيان روح الشعبوجرده من عوامل القوة، حتى سلمه هدية للاحتلال الإنجليزي.
ما الفارق بين 1956 وبين 1967 إلا هذهالفترة الناصرية السوداء الكئيبة التي أعيد فيها كسر الشعب وقهره وإذلاله وتحطيمعوامل قوته؟! إنه ليس إلا هذا .. ومن هاهنا اندفع الشعب لمقاومة العوان الثلاثيدفاعا عن وطنه الذي يشعر أنه قد استرده، ولكنه بعد 11 سنة من البطش كان في حالآخر!
لم أتتبع بالمقارنة ما إن كان هذاالفصل وحده هو المحذوف أم ثمة غيره .. لعل باحثا ينهض لمثل هذه المقارنة.
من أهم فوائد هذا الكتاب أنه يثبت -عبرالقصص الإنسانية والتفاصيل الصغيرة- تلك القاعدة المهمة في علم النفس الاجتماعي،وهي من طبائع الناس، أن الموقف أقوى من الفرد، بمعنى: أن الإنسان أكثر انسياقا معالبيئة المحيطة به، وغالبا ما ينهزم طبع المرء ونزوعه الأصيل أمام التيار الجارفالذي يحيط به. (لمن أراد مناقشة ضافية لكلا هاتين النزعتين، أنصح بكتاب: علم النفسالسياسي - ديفيد باتريك هوتون)
وهذه القاعدة هي التي عبر عنهاالأقدمون بقولهم: الناس على دين ملوكهم، والناس أتباع من غلب .. ولها في دينناتطبيقات عديدة، ومنها: نهي القرآن عن مجالسة الذين يخوضون في آيات الله، وأمرهبالهجرة إلى دار الإسلام، ومنها أيضا: نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإقامة فيديار الكفار، ونهيه عن العمل لدى الحكام الظالمين (لا سيما في الشرطة والعسكروجباية المال)، ونهيه عن مصادقة أصحاب السوء ... إلخ!
في هذا الكتاب نماذج عديدة عن الذينتولد فيهم الشجاعة إذا خاضوا القتال، وكيف ينقلب المرء من جبان إلى بطل، وكيف يصدرعنه في حال الشدة من المواهب والقدرات ما يندهش لها هو نفسه، وكيف يسترخص الإنساننفسه وحياته لإنقاذ غيره، وكيف تشيع البطولة في الجمع الكبير إذا شعروا بالحاضنةالشعبية من ورائهم .. وغير هذا كثير.
يقول: "مع تصاعد الموقف يتزايدالرجال الشجعان وتشتد حماستهم للقتال".
ويقول أيضا: "إن المقاتل علىالجبهة يثق بأن حل مشاكل الوطن الداخلية والصراع ضد الاستعمار هو بالمزيد منالقتال".
وفي الكتاب مآسي يصعب أن تنساها، منها:
هذا الجندي الذي أمسك بالصحيفة فإذافيها نعي للمقدم الفلاني، فتسائل الجنود المساكين المتكدسون في عربتهم: يموت مناكثيرون فلماذا لا يهتم أحد، فيجيب أحدهم: لا يهتمون إلا بالكبار، فلا يجد الجنديالذي يمسك بالجريدة ما يفعله إلا أن يمزق الصحيفة ويلقيها إلى الطريق!!
ومنها هذا الجندي الذي فقد منهم،فسجلوه هاربا، وكان عارا لنفسه ولكتيبته، ثم يكتشف بعد أسابيع أنه قد استشهد وهوممسك بسلاحه .. كيف اكتشفوه؟ .. رأوا كلبا يبحث في الأرض بإصرار .. ولولا هذاالكلب لظل الجندي عارا على نفسه وأهله وكتيبته!!
مشهد يجبرك على الخيال: ترى كم بطلا لميجد كلبا ينقذ سيرته فصار مكتوبا في سجل الهاربين؟! وكم كلبا جبانا تسلطت عليهوسائل الإعلام حتى غسلت سمعته وصار من الأبطال الكبار؟!
ومنها هذا الجندي الذي جاءته برقيةتقول: "تعال فورا، مات أبوك"، فلم يكن معه ثمن تذكرة السفر، فتعلقبالقطار وربض على سطحه، وبينما هو متشبث بالقطار على هذه الحالة الخطرة، إذ مرق القطارمن تحت كوبري القناطر، فصدمه الحديد فهشم رأسه، فمات من فوره!!
هذا الجندي أيضا لم يكن ليعرف أنه مات،لولا أن الله شاء له أن تسقط قطرات دمه على ذراع صاحبنا مؤلف اليوميات، والذي كانيحب الجلوس إلى جوار النافذة، فمن ها هنا انتبهوا إلى هذا المسكين القتيل الذي كانيحارب في سبيل الوطن!! الوطن الذي لم يوفر له ثمن تذكرة يرجع بها ليدفن أباه!!
ومنها هذه الكتيبة التي لم يكن يوجدلها إلا مدافع قريبة المدى، فكانوا مجبرين على البقاء قريبا من خطوط العدو، لتؤثرفي العدو مدافعهم .. فلأجل هذا كانوا عرضة دائمة لغارات العدو وأسلحته العنيفةوالمتقدمة، ولم يكن أمامهم غير الصمود .. أو بالاحرى: لم يكن أمامهم إلا أن يدفعوامن أرواحهم ثمن فساد الساسة والقادة وتقصيرهم في الحصول على السلاح! وهو ما كان!
هذا الكتاب ليس مجرد ذكريات .. إنهصفحة متكررة من حديث مستمر إلى يومنا هذا ..
إنه مجرد سطر في موسوعة الجنود الذينيضحون بأنفسهم تضحية لا ينتفعون بها هم ولا أهليهم .. لم تكن تلك قصة حرب أكتوبرفحسب، والتي أنجزها الأبطال وانتفع بأثمانها الخونة والفسدة والعملاء .. بل هي حتىالآن قصة أهل اليمن الذين اجتاحهم الحوثي ولا يزال الذين يقاتلونه يفعلون هذابأيديهم بلا غطاء من رئيس ولا جيش، لقد كان رئيسهم عبد ربه منصور هادي!!! .. وهيقصة ليبيا التي كان ثوارها يقاتلون حفتر وكان غطاؤهم السياسي فايز السراج!!.. وهيقصة السودان التي يقاتل المتطوعون فيها قوات حميدتي بينما قرارهم السياسي والعسكريرهين بهذا الصنم المتهالك المسمى عبد الفتاح البرهان!!!
وقل مثل هذا في مواطن عديدة نعرفهاجميعا ..
لا تزال القصة مستمرة، ولا تزالالمعضلة مستمرة .. متى يستطيع الأبطال أن ينجحوا في السياسة والقيادة كما نجحوا فيالقتال؟ ومتى يعرفون أن عدو الداخل ليس إلا صنيعة العدو الخارجي وواجهته ووكيله؟!
وحتى نجيب عن السؤال الإجابة الصحيحة.. فسنقرأ كثيرا من اليوميات على هذه الشاكلة!
August 20, 2023
إمبراطوريات متخيلة - زينب أبو المجد

ثمة مشكلة جوهرية في مدرسة التاريخالغربية عموما، تلك هي شغف المؤرخ بإنتاج نظرية تفسيرية، يؤرخون لهذا منذ فولتيرالذي سمع شكوى معشوقته مدام دي شاتيليه من أن التاريخ المسرود هو حشد من الأحداثالصغيرة المتقطعة، لا يبدو مفهوما، ولا يقدم إفادة.. فابتدأ الفيلسوف الفرنسي نمطامن التاريخ يقول عنه: "يجب أن يُكتب التاريخ مفلسفا".
وكان فولتير -مع إدوارد جيبون وديفيدهيوم- أول من شرعوا في هذا النمط من التاريخ الذي هو ليس مجرد بحث وتنقيب وسرد، بلهو فوق ذلك ومعه تحليل وتفسير واستنباط.. وصار هدف المؤرخ من ذلك الوقت أن يخرجكتابه كقصة مكتملة الأركان والزوايا، يقرؤه القارئ كما يقرأ الرواية المؤلفة..
ومن هاهنا لم يعد المؤرخ يتكلف البحثفي الوثائق والأرشيف ويستخرج المعلومات، بل عليه بعد ذلك أن يتكلف التحليلوالتفسير، فعليه أن يغوص في أغوار النفس، وأن يزيد من معارفه في علوم السياسةوالاجتماع والاقتصاد والجغرافيا بل والمناخ والتربة.
يقول قائل: ما المشكلة في هذا؟
والجواب: المشكلة أن أندر الناس منيطيق هذا كله.. ومن هنا فإن سيادة هذا المنهج وانتشاره، بفعل انتشار الجامعاتوأقسام التاريخ، ثم بفعل الهيمنة الغربية على العالم كله، لم يُخرج لنا مؤرخين علىهذا النمط أبدا.. بل أخرج لنا كثيرا ممن يفشلون أن يبلغوا هذا!
تماما مثل الجامعات الكثيرة التي تدرسالفلسفة، ولا يخرج منها إلا قليل جدا من الفلاسفة الحقيقيين!
إن استخراج نظرية هو عمل عظيم يأتيعادة بعد بلوغ النضج العلمي، بعد سنين طويلة من الخبرة والمعرفة والتجربة، ولايؤتاه بعد ذلك إلا أفذاذ الناس وأذكياؤهم.. لكن طالب التاريخ في عصرنا -لا سيما إندرس في جامعات غربية وشغف بطريقة الكبار منهم في استنباط نظرية- إن لم يكن مُطالبابنظرية تفسيرية يتبعها أو يبتكرها، فهو شغوف بأن يستخرج من عند نفسه نظرية يفسربها ويتبعها.. وهذه أزمة!
يشبه الأمر أن تُكَلِّف المراسل -الذيمهمته نقل الخبر- أن يكون محللا في السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانونوالجريمة، فهو عند كل خبر ينقله -من أول لقاءات الرئيس حتى الحادثة التي وقعت فيمصنع- يجب أن يكون محيطا بالتفاصيل العلمية والفنية التي تُمَكِّنه من تقديم روايةمتماسكة وافية عن الموضوع.. فانظر كم مراسلا يستطيع أن يفعل ذلك؟!
فإن كان هذا صعبا في المراسل الذي يحللحدثا حاضرا، فكيف يكون في شأن المؤرخ الذي يحاول استعادة الماضي الغائب المغمور؟!!
هذا الكتاب من هذا النوع.. نقطة ضعفهالقاتلة هو محاولة المؤلفة ابتكار نظرية تفسيرية، أسمتها "الإمبراطورياتالمتخيلة".. لو أنها لم تأبه لهذا، لكان كتابها أفضل كثيرا كثيرا مما صارإليه.
لقد غطى هذا الضعفُ في النظريةالمُتَكَلَّفة على المجهود القوي الذي بذلته المؤلفة في استخراج الأخبار منالوثائق والأرشيفات والسجلات القديمة.. وبدلا من أن يتوقف المرء بالإعجاب أمام مااستخرجته من تفاصيل، يجد نفسه مصطدما دائما بالتعسف المبذول لتطويع هذه المعلوماتومحاولة حشرها في سياق النظرية!
خلاصة فكرة الكتاب أن الصعيد المصري يمثلحالة تنكسر عليها مقولات المدارس التاريخية التي تجعل الإمبراطورية كيانا قوياومهيمنا على أجزائه، تقول المؤلفة: الصعيد يثبت أن الإمبراطوريات التي حضرت إلىالصعيد كانت فاشلة، وأن وجودها لا يعدو أن يكون وجودا مُتَخَيَّلًا، فقد واجهتمقاومة كبيرة من أهل الصعيد، أخفقت معه في تثبيت نفسها فيه، كما أنها جلبت إلىالصعيد أحوالا من البؤس والفقر والدمار لا يتفق مع دعاوى هذه الإمبراطوريات التيتزعم فيها أنها تغير حياة الناس إلى الأحسن!
ووفقا لهذا المنظور: درست المؤلفةأحوال الصعيد تحت خمس إمبراطوريات قالت إنها كانت جميعا على هذا النمط:
(1) الإمبراطورية العثمانية
(2) الإمبراطورية الفرنسية (سنواتالحملة الفرنسية)
(3) إمبراطورية محمد علي وأولاده
(4) الإمبراطورية الإنجليزية (زمنالاحتلال الإنجليزي)
(5) الإمبراطورية الأمريكية (زمنالسادات ومبارك)
وأخذت المؤلفة في تتبع أمرين في كلإمبراطورية؛ الأول: ما أحدثته هذه الإمبراطورية من الدمار والخراب والبؤس.والثاني: ثورات الصعيد ومقاومته لوجود هذه الإمبراطوريات.
يتمثل العيب الثاني الخطير لهذا الكتابفي الانحياز اليساري (الشيوعي) للمؤلفة، فقد أثَّر هذا الانحياز في اختيار وانتقاءأخبار المقاومة وأبطالها من بين الأرشيف الصعيدي الزاخر، ثم أثَّر في تفسير حركاتالمقاومة التي اندلعت في الصعيد..
كان الاختيار يأخذها دائما نحو:الطبقات الفقيرة والعُمَّال والمرأة (والعدو طبعا هم السلطة والأثرياء والوجهاءورجال الدين).. ولا بأس إذا اجتهدت فأدرجت في عِداد المقاومين أصحاب الجرائموقُطَّاع الطرق ممن عرفوا بالفلاتية ومطاريد الجبل.. ويجد المرء حرجا واضحا فيعباراتها حين تذكر أمثال خُطّ الصعيد وعزت حنفي ونوفل ونحوهم.
وكان التفسير يأخذها دائما نحو أسبابالفقر والتهميش والنزعة الذكورية والدين الذي يُدَجِّن الناس لحساب الأغنياءوالحكام.
ولهذا خرج الكتاب رواية يسارية ضعيفةلتاريخ الصعيد، فلم يستطتع أن يحقق بأدلة شبه كافية نظريته التي تقول بأن الحضورالإمبراطوري في الصعيد كان هشًّا ومتخيلا، ولا أن ثورات الصعيد كانت شيوعية!
وها هنا توضيح مهم يجب قوله: لست أعترضابتداء على أن يوصف الفلاتية والمطاريد بالمُقاوِمين طالما خرجت الأدلة الكافيةعلى هذا، بل هم في هجومهم على رجال السلطة وممثليها ومشاريعها يندرجون في أعمالالمقاومة بغير شك.. وذلك لأكثر من سبب:
1. منها: أنه لا توجد ثورة شعبية ولاتوجد حركة مقاومة نقية تلتزم بالقانون أو حتى بالدين، بل الثورة عمل شعبي لن يخلوأبدا من مساهمة "المجرمين" فيه، فهم من أبناء الشعب على كل حال، وكثيراما تكون مساهمتهم مفيدة وفاصلة، وكثيرا ما تكون مضرة ومربكة.. وهذا أمر لا مناص منذكره كحقيقة اجتماعية، ولو كره الثوار المثاليون!
2. ومنها: أن هؤلاء الفلاتية والمطاريدإنما هم في كثير من الأحوال ضحايا لظلم السلطة وإجرامها، ولا يمكن إدانة المظلومإذا انتهز فرصة ينتقم فيها من ظالمه وجلاده.. والقانون الأعور وحده -مثل الثائرالمثالي الأعور الملتزم بالقانون الأعور- هو من يبصر خرق هؤلاء للقانون، ولا يُبصرالجريمة الكبرى، وهو أن نفس هذا القانون قد وُضِع لتقنين وشرعنة الظلم والإجرام.
ومع هذه الاعتبارات المذكورة، فإنالحديث عن هؤلاء المطاريد والفلاتية في سياق كونهم إفرازا صعيديا للمقاومة ضد وجودالإمبراطوريات، هو الأمر الذي يجب أن توجد عليه أدلة كافية قبل الإقدام عليه.. وهوالأمر الذي لم تستطعه المؤلفة! فهذا موضع النقد الذي أقصده هنا! فهي قد بذلت جهداكبيرا لكي تجمع شتات أخبار هذه "المقاومة"، وتكلفت في العبارات، واقتصتاقتصاصا معيبا (يتبدى بوضوح لمن يراجع مصادرها وراءها) لكي تحتفظ بأكبر قدر من قصصهؤلاء الفلاتية والمطاريد، في سياق أنهم استهدفوا السلطة.
كذلك، فإن المؤلفة تأرجحت بين دعويَيْنمتناقضتيْن، فهي تتحدث عن وجود متخيل للإمبراطوريات الخمسة (وهذا ما يُفهم منه أنالمقاومة كانت أكبر من الهيمنة الإمبراطورية)، وتتحدث في الوقت نفسه عن أن هذه الإمبراطورياتقد جلبت معها الدمار والخراب والبؤس والفقر وأحالت حياة الناس إلى جحيم (وهو مايُفهم منه أن الإمبراطوريات كانت مهيمنة فعلا وأنها متغلبة على المقاومةالصعيدية).
وظلت المؤلفة طوال الكتاب تردد هذاالكلام دون أن تنتبه للتناقض بينهما، إلى حد يثير الحيرة والدهشة، وتضيف إليهماإدانة الإمبراطوريات التي لم تحقق ما زعمته لنفسها من تحسين أحوال المواطن والفلاحوالمرأة.. كأنها تدينه لفشله، ومتى كان المحتل صادقا في دعاواه؟!!!
ولكن المحتل -مهما كان كاذبا- فإن فشلهوما سببه من بؤس وخراب ودمار هو دليل وجوده.. فوجوده هنا ليس متخيلا ولا متوهما!
تلك النظرة اليسارية القومية(الصعيدية) -إن صح التعبير- جعل المؤلفة تجمع بين الإمبراطوريات الخمسة في سياقواحد.. فالصعيد قاوم العثمانيين كما قاوم الفرنسيين كما قاوم الأسرة العلوية كماقاوم الإنجليز والأمريكان.. وهذا في واقع الحال غير صحيح، ولا يحتاج المرء أن يسعىفي نقضه لشدة تهافته!
فالعثمانيون لم يحفلوا أصلا بالحضورالمركزي في الصعيد، على عادتهم في سائر الولايات، فضلا عن أن الصعيد -ولا حتىالشمال- لم ير العثمانيين كمحتلين ولم يسع في مقاومتهم.. وذلك على خلاف الفرنسيينوالإنجليز.. بل ولا يمكن القول أن الصعيد نظر إلى محمد علي وأسرته كمحتلين (معأنهم فعلا أسوأ من الاحتلال.. لكن لا يمكن إطلاق هذه الدعوى)، وكذلك أيضا:الأمريكان!
لقد كان فصل الأمريكان هذا هو الفصلالأضعف في الكتاب! ولا زلت أستغرب أنها وضعته كأنما هو دليل على مقاومة صعيدية، أوعلى وجود متخيل للإمبراطورية.
توقعتُ، أن المؤلفة ستتوقف طويلا عندفصل "الجماعات الإسلامية" في الصعيد، كدليل بارز على المقاومة الصعيديةللحضور الأمريكي، لقد قام العديدون من اليساريين بتفسير هذه الحقبة تفسيرا يساريااجتماعيا، وحاولوا حشر تجربة الجماعات الإسلامية في السياق الطبقي الاجتماعي..ولكن المؤلفة لم تفعل، ولم تذكر شيئا عن هذا الفصل مع أنه أشد الفصول بروزا وحضورافي تمردات الصعيد، وهو أقربها إلى الواقع.. لم تفعل المؤلفة إلا أن قفزت فوق كلهذا وذهبت تذكر حضور الصعيد في مظاهرات ثورة يناير.. ومن عجيب ما فعلت أنها نقلتهذه الفعاليات عن موقع "قنا أون لاين" الذي هو موقع الإخوان المسلمين فيقنا (لست أدري هل كانت تعرف هذا وتكتمه، أم أنها لا تعرفه).
ثمة الكثير من التفاصيل والمعلوماتيمكن التوقف عندها في هذا الكتاب، وفيه غرائب ليست بالقليلة: لقد أرادت المؤلفةتحميل مسؤولية انتشار الطاعون في الصعيد للدولة العثمانية والمماليك!! وأن حضورهمفي الصعيد هو الذي جلب الطاعون!! واتخذت هذا دليلا على الحضور الإمبراطوري المتخيلالمسبب للدمار والبؤس والخراب!!
ومن الغرائب أن تستعمل الكلمة ذاتهامرة دليلا على زعمها، ومرة ترد عليها وتحسبها من توهمات قائلها
ومن الغرائب مرورها العابر على ملفالأقباط والتصاقهم بالإمبراطوريات القائمة في الصعيد، تذكر ذلك في أوجز عبارةممكنة، وشغفها في توريط الفقهاء والعلماء المسلمين في هذا الالتصاق مع افتقادالأدلة على ذلك.
وأمور أخرى سيكون الخوض فيها منالتفصيل والتطويل غير المناسب لهذا المقام، ولعل الله ييسر فنفرد لذلك دراسة خاصةمطولة.
لا يزال تاريخ الصعيد، وتاريخ سائرالمناطق المهمشة في عالمنا الإسلامي، بحاجة إلى مؤرخين أصلاء، ينظرون إلى الأموربعين أهلها المسلمين، ويستطيعون استخراج النظريات التفسيرية الطبيعية لحركةالتاريخ في المجتمعات المسلمة، وليس حشر حركتهم في نظريات غربية أو متكلفة. عرضأقل
August 3, 2023
بعد 1000 يوم من المقاطعة، وقفات في أصل المعركة
دخلت الحملة المباركة، حملة مقاطعةالمنتجات الفرنسية، ألفيتها الثانية بعد أن جاوزت ألف يوم، ما انبعث لها إلا عوامالمسلمين وبعض المستقلين من علمائهم ودعاتهم، وطفقوا يحافظون عليها طوال هذه المدةبغير دعم من نظام أو دولة أو حكومة أو حتى مؤسسة دينية رسمية!
بل على العكس، أوحت هذه الحملة إلى بعضأهل العلم والمشيخة أن يُحَوِّلوا هم مجهودها إلى نظام ومؤسسة، فمن رحم هذه الحملةالشعبية العفوية، وُلِدت فكرة "الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام ﷺ"بعد تمام العام من انطلاق الحملة، وهذه الهيئة العالمية قد صارت لها فعالياتونشاطات، منها هذه المجلة التي بين يديك، مجلة "أنصار النبي ﷺ"، ومنها"أكاديمية أنصار النبي ﷺ"، ومنها مؤسسة البراق لدعوة الناطقين بغيراللغة العربية، فضلا عن العديد من الأنشطة الأخرى.
والآن وقد جاوزت هذه الحملة ألف يوم،ودخلت في ألفيتها الثانية نحتاج أن نتوقف عند بعض دورس وأمور، نتذكر بها أصلالمعركة وسياقها.
يبدو السؤال الأهم والأول قائما: لماذايبغض هؤلاء النبي ﷺ ولماذا يعادونه؟ ثم لماذا هم يعادونه بينما أتباعه اليوم ضعفاءمغلوبين وقد سيطر هؤلاء الأعداء على أرضهم ومواردهم بل صاغوا لهم حتى ثقافةالإعلام ومناهج التعليم وألزموهم بأنظمتهم الاقتصادية وأنماطهم الاجتماعية؟!
ثم يأتي السؤال الثاني المكافئ لهذاالأول: ولماذا تبدو هذه الأمة المغلوبة المستضعفة بعد طول الزمن ومع فارق القوةغير مستسلمة ولا قابلة بهذا الغالب؟! لقد كان الفصل الأول في معركة المقاطعةالحالية هو ذلك الفتى الشيشاني الذي انبعث ليقتل المدرس الفرنسي الذي أساء إلىالنبي ﷺ، مع أنه في بلد العداء ومجرّدًا من كل قوة، لقد قام فعليا بعمليةاستشهادية قُتِل على إثرها.. في هذا الفتى تُختصر قصة الأمة التي تُقاوم بلا أيحساب لميزان القوى، وتكافح وتناطح من ليست لها بهم قوة، ولا تتراجع عن ذلك، كلماهلك قوم خرج آخرون!
(1)
من بديع ما أخرجته العقول البشرية، هذهالكلمة النورانية للإمام ابن القيم، وهو يقول: المعاصي على ثلاثة أنواع: شهواتوشبهات وشرك، فمن أسرف على نفسه في الشهوات وقع في الشبهات، ومن أسرف على نفسه فيالشبهات وقع في الشرك. أ.ه
إنه ما من إنسان يُتبع نفسَه شهواتِهاحتى يصل إلى حدٍّ يتشكك فيه في الدين نفسه، فإن الذي تعوّد على تلبية شهواته لايرى في الدين إلا قيْدًا عليه، ويظل يتسرب إليه التشكك في أحكام الدين، حتى يروقله أن ينبذ الدين على الجملة، فينتقل بهذا من الشهوة إلى الشبهة إلى الشرك. وهو فيرحلته هذه لا يبغض شيئا في هذه الدنيا أكثر من حَمَلة الدين، أولئك الذين تكونمجرد رؤيتهم نوعا من تنغيص الحياة عليه!
وهذا الإنسان في رحلته من الشهوة إلىالشرك يُنتج لنفسه الأفكار والمبررات والنظريات التي تجعل عمله هذا هو العملالصحيح المقبول، وهو التصرف الطبيعي البديهي، بل هو التصرف الحضاري الراقي، فمنطبيعة الإنسان ألا يجمع في نفسه التناقض والتعاكس والتشاكس بين أفكاره وأعماله،فإن لم تنسجم أعماله مع قناعاته، لا بد أن تتغير قناعاته لتنسجم مع أعماله.
وفي كتابه المهم، "الاغتيالالاقتصادي للأمم" كشف جون بيركنز أن هؤلاء الرجال المهيمنين على سياساتالعالم، لم يعودوا يسعون وراء اللذة والمصلحة فحسب، مع أنهم يملكون أنهار الأموالويتحكمون في مقدرات الأمم، ولكنهم فوق ذلك طَوَّروا عقائد تجعل أعمالهم هذه هيالحق الوحيد، يقول: "بدأت أفهم أن معظم هؤلاء الرجال (قادة العالم وصانعيالسياسة) يعتقدون أنهم يفعلون الصواب. كانوا مقتنعين مثل تشارلي أن الشيوعيةوالإرهاب قوى شريرة أكثر من اقتناعهم بردود الأفعال المتوقعة إزاء القرارات التياتخذوها هم وأسلافهم، وأن عليهم واجبا نحو بلادهم ونحو أولادهم ونحو الله حتى يهديالعالم للاقتناع بمذهب الرأسمالية. وهم كذلك متشبثون بمبدأ البقاء للأصلح، وبدلامن الشعور بالامتنان والاستمتاع بالثروات الطائلة والتحول إلى طبقة متميزة وعدمالمعاناة من النشأة في أكواخ من الكرتون - يعملون على ضمان توريث هذه الثرواتلذريتهم".
وقد استطاعت الحضارة الغربية المعاصرة كسرسائر الأديان والحضارات، حتى القلاع الحضارية الشرقية مثل روسيا والصين واليابانوالهند، قد اكتُسحت حضاريا، حتى صارت مدنها وعمرانها وأزياؤها ونظمها الاقتصاديةنسخة من الحضارة الغربية، وصار الصراع بين هذه المراكز وبين الغرب صراعًا على حدودالقوى والنفوذ والسيادة، لا صراعًا في أصل التصور لقضايا الإنسان وعلاقته بغيرهوبالكون من حوله.
إن القيم الكبرى مثل حب الدنيا واتباعالشهوات واضطهاد الضعفاء والسعي إلى العلو في الأرض قد تواطأ عليها هؤلاء جميعا،ويلتمسون إلى تحقيقها ذات الوسائل التي اخترعتها وأنتجتها الحضارة الغربيةالغالبة. وما بقي في هذه المراكز الحضارية من رواسب شرقية أو صوفية أو فلسفية أوروحانية إنما ينزوي في المعابد والجبال والبرامج الروحية التي يمارسها الناسلإطفاء أشواقهم الروحية في وقت الراحة والإجازة الذي تمنحهم إياه الآلة الماديةالجبارة التي تدير حياتهم وتسيطر عليها.
لم يبقَ في العالم الآن من يُقَدِّمالبديل الحضاري، ويهاجم أصل المبادئ التي أسست عليها الحضارة الغربية سوى الإسلام،فالإسلام يقف كصخرة عظيمة كأداء أمام انتشار القيم الأساسية لطغاة العصر، فاللهوحده هو صاحب السيادة لا البشر، وهو الذي له حق التشريع ليس الذي غلب من البشر،وهو مصدر المعرفة والقيم لا من كتب الدستور أو سيطر على الإعلام والتعليم ومنافذالثقافة، وحب الدنيا –في الإسلام- هو رأسكل خطيئة، واتباع الشهوات هو علامة انحلال وفساد وليست علامة حرية ورقي، والتكاثرفي البنيان والأموال ليس دليلا على الصواب بل قد يكون دليلا على الطغيان، وانفرادالإنسان بالتشريع وبأن يكون مصدر القيم والمعرفة هو شرك بالله وكفر به وجحد له!وهذا العالم ليس نهاية المطاف ولا هو آخر السبيل.
ومع ما فيه المسلمون من الهزيمةوالاستضعاف فإن مبادئهم الدينية والروحية لم تكتفِ أبدا ولم تستسلم لأن تكون فيالزوايا والتكايا والخلوات والجبال، بل سرعان ما تتحول إلى برامج عملية سياسيةواقتصادية واجتماعية تكافح وتناضل في واقع الحياة، وضد هذه الآلة الغربية. وعلىنحو ما يقول علي عزت بيجوفيتش: ما من حركة إسلامية صادقة مع نفسها ودينها إلا وهيحركة سياسية!
إن الأخطر من هذه العقائد والأفكار"الخطيرة"، كما يراها الطغاة والمستكبرون الذين يمتصون أموال الشعوبودماءها، أن هذه العقائد تبعث رجالها ليغيروا الحياة لا ليتكيفوا معها، وهي تلهبهموتحفزهم على العمل مهما كانت موازين القوى، ولذلك لم ينقطع سيل من"الاستشهاديين" الذين يخوضون المعركة مهما كانت خسارتهم حتمية! وكيفيمكن الوقوف أمام رجل يرى في موته حياة أخرى سعيدة في جنات النعيم؟!!
إذا حاولتَ أن تتلبس عقلَ طاغية جبار،وتتقمص روحه ونفسه، فستجد نفسك في لحظة واحدة أمام عداوة مباشرة مع هذا الشخص الذيكان أصل هذا كله: مع محمد ﷺ.. نعم، هذا هو الرجل الذي أخرج هذه الكتائب المتتاليةمن المقاوِمين، أولئك الذين يتجددون ولا يموتون، يعملون ولا يفترون، وقد تصلبترؤوسهم وانطوت قلوبهم على دين صلب لا يتزحزح ولا يتشقّقّ!
إن محمدا ﷺ لا يزال يؤرق كل من يريداستعباد الناس وظلمهم، وكل من يريد التربحبالضغط على غرائزهم وإثارة شهواتهم، وكل من يريد سحب هذه الإنسانية من الكرامةالتي وهبها الله إياها إلى الانحطاط المادي الذي يريده لها الشيطان وأتباعه.
(2)
لهذا كانت المعركة ضارية منذ لحظتهاالأولى، منذ بُعِث محمد ﷺ نبيًّا، فإذا بأصحاب المصالح والشهوات والمنتفعين مناستعباد الناس ينقلبون عليه في الحال، وبعدما كان "الصادق الأمين" جعلوهكاذبا وكاهنا وساحرا ومجنونا!
إن التعريف بالنبي ﷺ من واجباتالمسلمين، ونعم، يوجد كثيرٌ من الناس يعادون النبي لأنهم لا يعرفونه فهم يجهلونحقيقته وشمائله، ولكن يجب أن نعرف في ذات الوقت أن أعرف الناس بالنبي ﷺ كذبوه لماناقضتْ رسالتُه مصالحهم ومطامعهم وشهواتهم، فلا نتوقع –والحال هكذا- أن تكون مجردمعرفة النبي مفضية إلى اتباعه والإيمان به، لن يفعل هذا إلا أسوياء الناس وخيرهمممن تعلو مبادئه على مصالحه، ويغلب ضميره على غرائزه.
ولهذا، فمثلما كان المسلمون –منذ عصرالنبوة- مكلفين بإبلاغ الإسلام وتعريف الناس بنبيهم ﷺ، كانوا مكلفين كذلك بالدفاععنه ونصرته وتأديب من يسيئ إليه ويعاديه، وكان لنا في صفوتنا الأولى من الصحابةالأسوة والمثل، فهذا عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، قال للنبي ﷺ: "إنكنتَ آمرًا بقتل أبي، فمُرْني أنا بذلك، فما عرفت العرب أبرَّ بأبيه مني".
إن المقاطعة الاقتصادية للمنتجاتالفرنسية والهندية والسويدية، وغيرها، هي لا شكّ عمل عظيم، وقد يدخل في بابالجهاد، لا سيما لمن لا يملك سوى ذلك.. وهي عملٌ يُحيي الأمة وينبهها إلى عظمةنبيها وقدره وواجبها نحوه، كما ينبهها إلى عداوة المنحطين له وبغضهم إياه. وكل هذامفيدٌ بل جليل الفائدة لأمة يُقصف وعيها ليل نهار، ويُراد لها أن تغفل وتضل.
ومهما كانت نتائج المقاطعة على هذهالدول، فالمعنى الأهم منها هو أن الأمة لا تزال حية، ولا يزال الذي يريد أن يبيعمنتجاته عندها محتاجا إلى أن يحترم مقدساتها.
ولكن هذا كله يجب ألا ينسينا الحقيقةالقائمة، وهي أن المقاطعة الاقتصادية وحدها هو فِعْل أمة مهزومة مستضعفة، فالواقعأن هذه المقاطعة لم تشارك فيها حتى حكومات الأنظمة والبلدان"الإسلامية"، بل إن بعض هذه الأنظمة والحكومات عَاكَسَ رغبة الأمة، فذهبيعقد الصفقات المليارية مع فرنسا! ويجدد علاقات الود مع الهند! فما أبلغ هذاالمشهد الذي يتجسد فيه قول الله تعالى {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَالْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَفَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28]، وقوله تعالى: {بَشِّرِالْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَالْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُالْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 138، 139]
وإذا أردنا حقا أن نمتلك الأدواتالفعالة للدفاع عن نبينا ﷺ ونصرته، فلن نجد حلًّا إلا أن نتحرر ونقوى، ولن يكونهذا إلا إذا امتلكنا إرادتنا وصارت أنظمتنا وحكوماتنا من اختيارنا، نُنَصِّبُهابقرارنا وأمرنا، فحينئذ يحكمنا من هو مِنَّا، هذا الذي هو مِنَّا هو الذي ينتقض لاشعوريا إذا أسيئ للنبي ﷺ، وهو الذي يبحث قدر طاقته عما يفعل في الردِّ على ذلك.
وفيما قبل هذا التحرر، سيظل كل جهد فينصرة النبي ﷺ مشكورا، بداية من تغريدة ينشرها محب على شبكة التواصل يُعرِّف بها منلا يعرف، وانتهاء بتضحية الفتى الشيشاني بنفسه ليتهدد به وبأمثاله كل من يفكر فيالإساءة! والله أعلم بكل امرئ وطاقته وقدرته، وعلى ذلك يحاسبه، ورسول الله ﷺسيلقانا يوم القيامة وهو يعرف ماذا بذل كل منا لنصرته، فلن تنفع التغريدة ولاالمقاطعة لمن قدر على أقوى منها.
لقد أنزل الله كلاما شديدًا فيمن يتخلىعن النبي ﷺ أو يتولى عنه أو يتكاسل أن يجاهد معه، وهذا الكلام الشديد جديرٌ بأننُعَلِّقه في بيوتنا وعلى هواتفنا لنتأمله صبحا وعشيا، كي لا ننسى ولا نغفل أننافي معركة حقيقية، قائدنا فيها محمد ﷺ، قال تعالى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ(20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَاللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُفِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْمُعْرِضُونَ (23)
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوااسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْوَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 20 - 24]
نشر في مجلة أنصار النبي، أغسطس 2023
July 3, 2023
الحج.. الفريضة التي أنشأت دولا وأشعلت مقاومة ومزجت بين المسلمين
من بين عشرات المؤتمرات التي حضرتها،لم أنتفع بواحدة منها كما انتفعت بمؤتمر "طرق الحج في إفريقيا" الذيانعقد في جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم، قبل سبع سنوات، عام 2016م، فلقد قُدِّمفي هذا المؤتمر نحوٌ من ستين ورقة علمية تبحث في هذا الموضوع، فوجدتني أمام بحرخضمٍّ من العلم الجديد النافع، وشعرتُ للمرة الأولى بالتأثير الفاصل الضخم لشعيرةالحج في حياة الأمة الإسلامية،وكم تشوقت لحضور مؤتمر مماثل عن طرق الحج من آسيا ومن أوروبا، إذن لتمَّت الفائدة!
لقد كانت شعيرة الحج سببا في نشوء دولإسلامية عظيمة، وفي تطوير دول مسلمة متخلفة تعرَّف أمراؤها ووزراؤها في رحلتهم إلىالحج على طرائق وأساليب تُنَمِّي بلادهم، واصطحبوا معهم أحيانا رجالا يهتدونبعلمهم في الدين أو في الدنيا، وقد سلك المسلمون في طريقهم إلى الحج طُرُقًا، فإذبهذه الطرق تنبت على ضفافها مراكز تجارية وسرعان ما تتحول إلى قرى ثم إلى مدنعامرة. وكم كان في بلاد المسلمين موارد لا تجد الأيدي العاملة، ومشروعات لا تجد منينفذها، فجاء الحجاج المارون بها والذين قد احتاجوا إلى النفقة، فظلوا يعملون بهاحتى يوفروا ويستكملوا أجرة الطريق إلى البيت الحرام، فتمَّت المشاريع بفضل هؤلاءالحجاج. وكم نشأت في طرق الحج من المبادلات التجارية، ثم من المصاهرات والأنساب ماتمازجت به الشعوب والقبائل وتضافرت وتعارفت، ما كان هذا كله ليحدث لولا الحج. وكماصطحب المسلمون معهم من العلماء والدعاة ومن الشعراء والأدباء ومن التجار والخبراءما تغيرت به أحوال بلدانهم في الدين والدنيا معًا.
إننا أمام مشهد حافل بالقصص الفارقةالمؤثرة في تاريخ المسلمين، وكلما ازداد المرء علمًا بهذه القصص استشعر هذا الفضلالعظيم لرحلة الحج على المسلمين.
في هذه السطور، سأذكر بعض شذراتمنثورات من هذه القصص، أحاول بها فتح الباب للقارئ الكريم ليتأمل ويتدبر في فضلالحج على المسلمين، وخير القرّاء من سيُعْمِل ذهنَه وعقلَه في تطوير الاستفادة منرحلة الحج لخير المسلمين في دينهم ودنياهم في قابل الأيام.
(1)
كانت دولة المرابطين، تلك الدولةالإسلامية العظيمة، ثمرة من ثمرات الحج، ففي رحلته إلى الحج التقى يحيى بن إبراهيمالجدالي ببعض العلماء، فعرف أن قومَه في ضلالة، فاصطحب معه الفقيه المؤسس عبد اللهبن ياسين، فكانت هذه بذرة دولة المرابطين.. هذه الدولة استطاعت توحيد المغربالأقصى، ثم دافعت عن الأندلس وأجَّلت سقوطها لقرن على أقل تقدير، ونشرت الإسلام فيغرب إفريقيا!.. ولو تصوَّرنا تاريخ المغرب بغير دولة المرابطين لوجدنا أنفسنا أمامصورة كئيبة للغاية لمسار التاريخ في ذلك الوقت!
وقريبا من هذا أيضا حالة دولة الموحدينالمغربية، فقد أنشأها محمد بن تومرت بعد رحلته إلى المشرق، وكان منها رحلته إلىالحج، وهذه الدولة أيضا كان من مزاياها دفاعها عن الأندلس، وكانت أوسع مساحة مندولة المرابطين، ولها سهم في معاونة صلاح الدين يوم كان يحارب الصليبيين، إذأمدَّته برجال وسلاح في البر والبحر!
(2)
قام الحجُّ بدور عظيم في إشعال حركاتالمقاومة ودعمها ضد الاحتلال الأجنبي، ومن أشهر ما يُذكر في ذلك ما تدفق على مصرإبان الحملة الفرنسية، إذ ما إن تسامع أبناء الحجاز بأن الفرنسيس احتلوا مصر حتىنزلت منهم جماعات لمحاربتهم إلى جوار إخوانهم المسلمين في مصر.
ومثلُ ذلك حصل أيضا في السودان أيامالحركة المهدية ضد الاحتلال الإنجليزي، إذ كان الحجاج هم من حملوا أخبار المهدي منالسودان إلى الحجاز، فتدفق عليه الأنصار الذين قاتلوا الإنجليز ذلك القتال الباسلالمشهور الذي هو من مفاخر هذه الأمة في ظل موازين قوى منهارة لصالح المحتل!
ولهذا ظلت السلطات الإنجليزية تراقبحجاج مستعمراتها، وتعمل جهدها على أن تحاصر ما يتسرب إليهم من أفكار المقاومة،سواءٌ بتعويق الحج نفسه، أو بوضع السياسات المختلفة لدى حكام مستعمراتها أو لدىصنائعها في نجد والحجاز لتحول دون ذلك.
ولأجل ذلك حضر الحجُّ في المنازعة بينالسلطان عبد الحميد والاحتلال الأجنبي، وظهر ذلك بقوة في خط سكة حديد الحجاز، الذيأراد به عبد الحميد توثيق الصلات بين أنحاء السلطنة العثمانية في العراق والشاموالحجاز وبين عاصمة الخلافة ومن ورائها ديار المسلمين في أوروبا كالبلقان ونحوها،بينما سعى الإنجليز جهدهم لتعويق هذا الخط، حتى تمكنوا من تعطيله على يد صنائعهمفيما بعد.
وظهر أيضا في رحلات الحج التي قام بهاالولاة المسلمون، إذ كان عبد الحميد حريصا على الحفاوة بهم في الحجاز، ويرسلتعليماته إلى ولاة مكة والمدينة، فينشأ بينه وبين هذه الأنحاء صلاتٌ سياسيةتُقَوِّي ما ضعف أو انقطع من الروابط الإسلامية، ومن أمثلة ذلك حجُّ سلاطينزنجبار، وما لقوه من الحفاوة بتوجيه من عبد الحميد، وهو الحج الذي كان بداية تواصلالعلاقة بين زنجبار والدولة العثمانية، مما سخط له الإنجليز، وسبب لهم المشكلات فيمستعمرتهم الإفريقية.
(3)
ذكر د. محمود مكي، من شيوخ المؤرخينالسودانيين، خلاصة نفيسة لأبحاثه في تاريخ الإسلام في قارة إفريقيا، تلك هي أنالمناطق التي مرَّت بها طرق الحج هي المناطق التي ازدهر فيها الإسلام وانتشر،والعكس صحيح، ولهذا فإن سكان غرب إفريقيا هم الأكثر حبا للعرب والإسلام، ومن هناأيضا، فإن الاحتلال الأجنبي لما احتل القارة الإفريقية عمل على عرقلة الحج، فصاريضع العراقيل ويعطل الموانئ، مما تسبب في تراجع وتناقص انتشار الإسلام في بعضالمناطق مثل جنوب السودان.
قلتُ (إلهامي): وهو الأمر الذي دفعالمسلمون ثمنا فادحا له ببقاء جنوب السودان وقد غلبت عليه الوثنية، مما أدى معالمؤامرات وطول الزمان إلى انفصال جنوب السودان، ثم إلى المحاولات المعاصرة لتمزيقالسودان نفسه كذلك.
ونحن نرى الحجَّ قد ربط بين المسلمينفي المشرق والمغرب برباط وثيق، ففي أقصى المشرق في ماليزيا وإندونيسا، وكذلك فيأقصى المغرب الإفريقي نرى أسماء البنات والشوارع وغيرها تحفل باسماء مثل: زمزم،صفا، مروة، كعبة، مكة.. هذا فضلا عن لقب "الحاجّ" الذي جعل لصاحبه رنينامحببا في الأسماع والقلوب، واختلط في بعض البيئات الإسلامية بمعنى العلم والسيادةوالولاية.
وإذا استحضرنا أن الحج قديما لم يكنكما هو الآن، بالطائرات والباخرات والحجز المسبق الذي تنظمه السفارات ومكاتبالسياحة ذات الترتيب المسبق والمواعيد الدقيقة، إذا استحضرنا هذا علمنا أن الحاجقد يستغرق الشهور والسنين، وقد يتعرض في الطريق للمعوقات كانقطاع الطريق ووقوعالمرض ونفاد المال وآفات الصحاري والأدغال من السباع والحيوانات، لهذا كله قد يخرجالحاج من بيته ثم يتأخر في الطريق فلا يدرك الحج، فيبقى حيث وصل في مصر أو السودانأو العراق أو الشام سنة أخرى حتى يأتي موعد الحج، فيقضي هذا الوقت في العمل أو فيطلب العلم أو في التجارة، وقد يتزوج ويطيب له المقام. لقد أثمر هذا كله تمازجاإسلاميا قويا بين الشعوب البعيدة، والتي ما كان لها أن تتعارف ولا أن تتصاهر لولارحلة الحج.
وربما وصلت رحلة الحج إلى عشر سنين،وربما خرج الرجل وزوجته معه فاستكملا حياتهما معًا في رحلة الحج، ومن طريف ما يُذكرهنا ما رواه فيلبي من أنه رأى في الحج رجلا بدأ رحلته إلى الحج هو وزوجته ومعهماولد واحد، فظل يمضي ويعمل –كغيره من أهل إفريقيا- في مزارع القطن بالسودان حتىيستكمل نفقة الرحلة، فلما انتهت رحلته إلى الحج كانت قد استغرقت 14 سنة، وصار لهمن الأولاد ستة!! بل ذكر فيلبي أنه رأى رجلا قضى في رحلة الحج سبعين عاما، وذلكأنه أخذ يقيم في كل حاضرة علمية فيتلقى العلم فيها زمنا حتى وصل إلى مكة!!وهذا إن لم يكن من مبالغات فيلبي، فإنه ربما يكون خلطا من الرجل نفسه، إذ كانطاعنا في السن وقتها.
ومن اللطائف التي استفدتها من د. ربيعالحاج، في هذا المؤتمر، أن الموانئ التي أقامها الإسلام في السواحل الشرقيةلإفريقيا كانت تنعم بالأمن والأمان، إذ تعايش فيها الحجاج من أهل البلاد بأخوةالإسلام، على عكس الموانئ التي أنشأها الاحتلال الأجنبي فيما بعد، والتي قامتأساسا للتجارة وامتصاص موارد البلاد، فقد كانت تعجّ بالمشكلات والاضطرابات!
(4)
بعض الطرق ما كانت لتنشأ ولا لتتمهدلولا الحج، من أصعبها وأشهرها ذلك الطريق الصخري الذي شقَّه الشيخ الملك عجيبالمنجلك إلى سواكن، وحجَّ منه بالفعل، فزار مكة والمدينة وأوقف بها أوقافا كثيرةعلى الحرمين، في ذلك المؤتمر سمعتُ اسم الشيخ عجيب لأول مرة، ثم تبيَّن أنه كان منالملوك العلماء العادلين، ألَّف عنه د. صلاح محيي الدين كتابه "الشيخ عجيبوالدولة الإسلامية في سنار".
وبعض الممالك ما كانت لتتطور لولاالحج، ومن أشهر ما يُذكر في ذلك أن سلطان مملكة كانم وبرنو الإفريقية (في وسطإفريقيا الآن بين تشاد والنيجر ونيجيريا) الذي أدى الحج عاد إلى مملكته بالأسلحةالنارية، فكان للسلطنة في وقته مهابة ومكانة وسمعة كبيرة، واستقدم الأتراكواستعملهم في صناعة السلاح ومصانع البارود.
وبعض العلوم ما كانت لتنتقل لولا الحج،وهذا حديث طويل جدا جدا جدا، وإذا شئنا أن نضرب مثلا في انتشار العلم عبر طريقالحج، فسنجد مثالا ناصعا في رحلة الحج للشيخ العلامة الكبير محمد الأمين الشنقيطي،صاحب تفسير "أضواء البيان"، فقد سَجَّل الشيخ رحلته إلى الحج، فقَيَّدفيها ما طُرح عليه من الأسئلة في البلاد التي مرَّ بها، وكان السائلون من قضاةالبلاد وأعيانها، والقارئ لهذه الرحلة يجدها قد احتشدت وتكدست بما فيها من العلومفي العقيدة والكلام والفقه والأصول والتفسير والحديث والأدب والشعر، فوق ما فيهابالتبعية من المعرفة بالبلدان والأعيان والأحوال الاقتصادية والاجتماعية لهذهالنواحي.. وسائر هذه البلدان هي التي مرَّ بها الشيخ في طريقه إلى الحج.
وكنتُ قدقدمتُ في هذا المؤتمر ورقة عن تاريخ مصر والتطور الذي حصل فيها بين رحلتيْ اثنينمن المستشرقين: جوزيف بيتس وريتشارد بيرتون، فلقد كان من بركات هذه الفريضة أنهااحتفظت لنا بمشاهد من تواريخ بلادنا ضمن رحلات الحج التي سجلها الرحالة الزائرون،ونرى فيما بين الرحلتيْن كيف انحطت أحوال مصر وصارت مطمعا للأجانب في عهد أسرةمحمد علي، على غير ما هو شائع في التاريخ المصري المعاصر.
وهكذا تظلرحلة الحج تواصل عطاءها في التقريب بين المسلمين، وتمتين ما بينهم، وتغذية المعارفوالعلوم، وتوثيق الصلات والعلاقات، والتعاون على البر والتقوى، ومن يدري: لعل فرجأمتنا وخروجها من نكبتها المعاصرة تكون بذرته التقاء رجليْن أو ثلاثة في رحلة الحجهذا العام، أو العام الماضي أو العام المقبل.. يدبر الله الأمر ويصرف المقادير،والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
نشر في مجلة أنصار النبي، يوليو 2023
وقدنُشِرتْ أوراق هذا المؤتمر في كتاب من أربعة أجزاء، وكان الكتاب منشورا على موقعالجامعة حتى وقت قريب، قبل أن تبتلى السودان ببلواها الأخيرة التي أفسدت كل شيء،ومن ضمن ما فسد: موقع الجامعة، وما عليه من المواد!
صالحمحروس محمد، "رحلات حجاج شرق إفريقيا وأثرها في القرنين التاسع عشروالعشرين"، ضمن: مؤتمر طرق الحج في إفريقيا، 2/18، 19.
فيلبي،حاج في الجزيرة العربية، ط1 (الرياض: مكتبة العبيكان، 2001م)، ص38، 39.
لمطالعةالورقة، ينظر: محمد إلهامي، في أروقة التاريخ، الجزء الأول.
June 4, 2023
الانتخابات التركية شاهدٌ جديد على تفوق النظام الإسلامي
سيصدر هذا العدد بعد نهاية الانتخاباتالتركية، بينما تُكتب هذه السطور قبل أن ينقشع الغبار، والذي نسأل الله تعالى أن ينقشعوقد انتصر أردوغان وحزبه على هذه الديناصورات التي ترجو ويرجو لها أسيادهاالغربيين أن تتجدد لتهدم تركيا ولتطعن الأمة المسلمة من جديد.
لكن، وحيث أنه مهما كانت النتجة، فلابد أن الطرف الغالب وأنصاره سينشؤون حفلة كبيرة وينصبون سوقا فكريا ضخما حولمميزات الديمقراطية وقدرة الشعوب على اختيار مصيرها، وحيث أن الطرف المغلوبوأنصاره سيقيمون سرادقا موازيا حول مشكلات الديمقراطية وقدرة الزعماء المستبدين أوقدرة مراكز القوى على خداع الجماهير.. حيث كان ذلك كذلك، فما هو قولنا نحنالمسلمين، في مجلة مثل هذه المجلة "مجلة أنصار النبي ﷺ" عن حدث ضخمكهذا، وفي سوق فكرية عظمى كهذه؟
نحن المسلمين نؤمن بأن ديننا جاءبالوقاية التامة ثم بالعلاج الشافي لمشكلات البشر، ونؤمن بأن نبينا محمدا ﷺ هورحمة الله للعالمين وهو البشير النذير الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلىالنور، وهو الذي إذا أطاعه البشر اهتدوا به.
لقد كانت الانتخابات التركية مناسبةطيبة لنفتح فيها الموضوع الكبير: كيف حرر محمد ﷺ البشر من الطغيان؟
لن يكفي المقام هنا إلا لإشارات سريعة،فاجتهد معي –أخي الحبيب- في القراءة والتأمل، كما قد اجتهدت لك في البيانوالإيجاز.
(1)
إذا وُضِع أمام الجائع المنهك شطيرة منالبرجر وزجاجة من الكولا، فإنه سينهمر عليها، وله العذر في ذلك، ومهما حاولت أنتحدثه عن أضرارهما فسيكون كل الكلام نوعا من العبث، على نحو قول شوقي:
لقد أعرتُك أذنا غير سامعة .. ورب مُنْتَصِتٍوالقلب في صمم
إن الحال الشنيعة التي نحياها فيبلادنا العربية تجعل الديمقراطية الغربية هي غاية المنى والأحلام، إذ هي المعروضةالمتاحة التي يسيل لها اللعاب، ويجعل كل حديث عن مشكلاتها، وعن تفوق النظامالسياسي الإسلامي عليها غير مسموع ولا مفهوم. فالغارق في المأساة الذي لا يملك ترفالاختيار، لا يُحسن أن يميز الأمور كما يُمَيِّزها من نجا من القاع السحيق، إنالمصيبة تعطل الحواس، وهذا ما يجعل مهمة بيان النظام السياسي الإسلامي وتفوقه علىغيره من النظم، بما في ذلك النظام الديمقراطي، أكثر صعوبة.
(2)
لنبدأ بالمشهد المزري الذي كشفت عنهالانتخابات التركية، لنحاول تقريب الصورة بالمثال، هذا الخطاب العنصري البغيض الذيخيَّم على مشهد الانتخابات التركية، لا سيما ضد السوريين والعرب والمسلمين، (ولاحظمعي أنه لم يكن ثمة خطاب كهذا ضد الروس والأوكران وقد امتلأت بهم تركيا في العامالأخير.. ولكن لهذا حديث آخر).. هذه العنصرية هي واحدة من أبرز مشكلات الديمقراطيةومشكلات الدولة القومية الحديثة، ففي هذه الدولة ينمو ويتمدد خطاب يُشَكِّل أفكارالناس على اعتبار أنهم قوم متميزين عن غيرهم، وأن هذه دولتهم وحدهم، وأنه منالمقبول تماما أن نغلق الحدود في وجه قوم يُذَبَّحون وتسيل دماؤهم لأن فتح الحدودقد يؤثر على مستوى رفاهيتنا، أو يسبب لنا بعض الصعوبات الاقتصادية!
لقد شقَّ هذه الانتخابات مرشحٌ صعدبقوة الصاروخ، لا رصيد له إلا هذا الخطاب العنصري الذي يتغذى على طرد الأجانب،وحصل على أكثر من خمسة بالمائة من الأصوات، ولما بدأت جولة الإعادة شهدت الساحةارتفاعا ضخما لهذا الخطاب ابتغاء جذب هذه الأصوات، حتى حزب العدالة والتنمية هُزِمأمام هذا الخطاب ولان له.
ولقد بدأت هزيمة الحزب أمام هذا الخطابمنذ أن خسر انتخابات البلدية في اسطنبول وأنقرة، وتسارعت إجراءات التضييق علىالأجانب في تركيا، ولا سيما المدن الكبرى مثل اسطنبول، حتى لقد هربت بالفعل كثيرمن رؤوس الأموال العربية التي كانت تستثمر في تركيا، فالبلد على الحقيقة تخسر جراءهذا الخطاب، ولكن المزاج الشعبي الذي يتغذى على الإعلام والأكاذيب لا يمكن للسياسيإهماله وهو يبحث عن الأصوات في الانتخابات.
وهذه إحدى المشكلات في التجربةالتركية، التي يشهد نظامها صعودا قويا للقوميين، سواءٌ منهم من كان مؤيدا لأردوغانوعنده مفهوم القومية الممتزجة بالإسلام، أو من كان منهم معايدا لأردوغان وعندهمفهومٌ للقومية يرثه من أتاتورك!
في النظام الإسلامي لا يمكن لهذا الخطابأن يولد ولا أن يتمدد ولا أن يهيمن، فالإسلام حاسمٌ تماما في هذه القضية، ولا مكانفيه لارتفاع قومية على أخرى لا في النصوص ولا في نظام المجتمع، ولا يمكن في مجتمعإسلامي أن يصعد زعيم يتبنى خطابا عنصريا أبدا، بل ولا يمكن أن يكون مقبولا إغلاقالحدود أمام محتاجين لأن قدومهم سيؤثر على مستوى رفاهيتنا ومستوى الأجوروالإيجارات وفرص العمل... إلخ!
(3)
هذا النموذج من ارتفاع العنصرية يفتحسؤال: هل الديمقراطية هي بالفعل الحل الإنساني والأمثل لمشكلات الشعوب؟
هنا يفترق الناس في بلادنا؛ يقول قائل:الديمقراطية ليست مجرد الوسائل والآليات، بل لا بد لها من مرجعية فوقية لكي لاتكون الديمقراطية وسيلة للعنصريين في اضطهاد الأعراق الأخرى، أو وسيلة للمتعصبيينفي اضطهاد الأقليات الدينية والمذهبية، أو وسيلة للطغاة الدمويين ذوي الزعامة والكاريزما،الذين يستطيعون خداع الناس ثم يوردونهم المهالك، مثل هتلر وموسوليني!
ويقول قائل غيره: بل الديمقراطية هيوسيلة وغاية معا، وأي محاولة لإيجاد مرجعية فوقية عليها هو بمثابة الاستبدادبالشعب والتحكم في اختياراته، وهذا نوع من الديكتاتورية التي وُجِدت الديمقراطيةأصلا لتجنبها، وبالتالي، فللشعب أن يختار الخيار كما يرغب فيتمتع بفضله إن كانقرارا صحيحا، ويذوق ويلاته إن كان قرارا خاطئا، وله أن يصحح مساره في الانتخاباتالقادمة.. وعلى المتضرر من الديمقراطية –مثل الأقليات والمهاجرين وغيرهم- أن يبحثله عن مكان آخر يذهب إليه، أو فليذهب حتى إلى الجحيم، كي لا يكون وسيلة لسلب شعبٍحرٍ ديمقراطيته وقدرته على الاختيار الخاطئ.
وأصحاب القول الأول يختلفون حولالمرجعية الأنسب للديمقراطية، ولأننا في عصر تفوق الغرب فالإجابة السائدة الغالبةتقول: المرجعية هي الليبرالية وحقوق الإنسان (بمفهومها الغربي)، فهي أكمل ما وصلتإليه الإنسانية في ترقيها وحضارتها. ويشاغبهم آخرون من الإسلاميين يقولون: بلالإسلام هو المرجعية المهيمنة على الديمقراطية، فالديمقراطية حلال ما لم تحل حراماأو تحرم حلالا، ولن نترك أبناءنا لتكتسحهم موجات الإباحية والشذوذ ودعوات التحولالجنسي من امرأة إلى رجل، ولن نقبل أن يسلبنا هذا النظام قدرتنا على تربية أبنائناعلى الدين والأخلاق والفضيلة!
ومن نافلة القول الآن أن كاتب هذهالسطور هو من أنصار هذا الرأي الأخير، فالإسلام عندنا فوق كل شيء وهو المهيمن علىكل شيء، وكل وسيلة تخرق نظام الإسلام هي مرفوضة أو يجب تعديلها لتلائمه، ولسنا فيهذا بدعا من الأمم التي توفق سائر الوسائل والآليات بما ينسجم مع أفكارها ومبادئهاوروحها وحضارتها.
ولكن الأمر أعمق وأعقد من هذه النظرةالبسيطة، فالإسلام هو المرجعية الوحيدة التي تضمن العدل وترسخ الأخلاق وتحول دونشهوات البشر الطغيانية كالظلم والعنصرية والتعلق بالمصلحة، وهذا هو مدخلنا إلىالفقرة الرابعة من هذا المقال.
ولكن قبل الدخول فيها نريد أن نؤكد علىخلاصة هذه الفقرة الثالثة: الديمقراطية ليست حلا أخلاقيا ولا مثاليا لمشكلاتالشعوب، ولا هي تعصم دون نمو مظاهر العنصرية وتحكيم المصلحة المادية القصيرة ولوعلى حساب المظلومين والمحتاجين، وهذا واضح ظاهر في كلام من يرونها فوق المرجعيات،ولا حكم على رغبة الشعب إلا مزاج الشعب وهواه، ثم هو واضح ظاهر أيضا في تصرفاتوسلوك من يُحَكِّمون عليها مرجعية حقوق الإنسان الغربية، فقد رأيناهم وخبرناهم كيفيفعلون بالديمقراطية في بلادنا حين لم تأتهم بما يحبون، وكيف فرحوا وطربوا لمحاولةالانقلاب في تركيا 2016م، وكيف هاجت صحافتهم وإعلامهم لتشويه أردوغان في هذهالانتخابات، وكيف هو حال المسلمين والأقليات في بلادهم حيث يُلزمونهم بما ينافيدينهم ويأخذون أبناءهم قسرا منهم وما لا يتسع له المقام من أنواع المظالم التيتلبس ثوبا قانونيا.
(4)
لماذا نقول: الإسلام هو المرجعيةالوحيدة التي تحول دون شهوات البشر الطغيانية، التي تدفعهم إلى الظلم، وكيف يكتسيهذا الظلم ثوبا فكريا وتاريخيا كالقومية والعنصرية، وثوبا سياسيا ومصلحيا كرفاهيةالمواطنين ومصلحة الأمن القومي ونحوها؟
الجواب ببساطة لأن الإسلام شريعةربانية لا يملك البشر تغييرها ولا تعطيلها ولا العبث فيها.. فالحقوق التي منحهاالله للأقليات من أهل الذمة والمستأمنين وغير المسلمين، أو منحها الله للمهاجرينواللاجئين، أو للضعفاء والمظلومين... إلخ! سائر هذه الحقوق هي تشريع لا يستطيعالبشر إلغاءه بدعاوى المصلحة الوطنية ولا الأمن القومي ولا رفاهية المواطن. ولايستطيع البرلمان أن يجتمع ليعدل فيها.
فإذا شاء حاكم ظالم أو عالم سوء أو حاشيةمنحرفة أن تفعل ذلك، رأى المجتمع المسلم نفسه مكلفا بمقاومة هذه الرغبة الظالمةوالحاشية الفاسدة، وطفق يدافع هو عن حقوق هؤلاء، لأنه بدفاعه عنهم يقيم دينه ويرجوبذلك الدار الآخرة.
وهذا ما جعل الأقليات تبقى في أراضيناوأمتنا بعد أكثر من أربعة عشر قرنا كانت حافلة بالفرص التي يمكن فيها إبادتهم، ومامن حاكم مسلم صالح يُروى عنه اضطهاد الأقليات، بل إن الحوادث التي سجلت لبعض حكامالمسلمين في اضطهاد الأقليات إنما كانت للحكام الظالمين الذين عمّ ظلمُهم المسلمينأيضا.
المزية العظمى في الإسلام أنه نزع منالبشر حق السيادة، ونزع منهم حق التشريع، وذلك حين وَحَّد مصدر المعرفة، ومصدرالصواب والخطأ، وتلك هي الأمور التي يستعبد الناس بها بعضهم بعضا، وتلك هي المداخلالتي ينشأ منها الطغيان والظلم والاستبداد.
ما من حاكم طاغية إلا وقد جعل نفسه فوقالناس بنوعٍ من الدعاوى التي منح فيها الحق لنفسه في التشريع، وبحق التشريع هذايجعل رغباته قانونا وشريعة، وبه يسلب أموالهم، ويجند أبناءهم، وينظم لهم حياتهموطرائق معيشتهم. فإذا لم يعجبه شيء أو رغب في شيء أصدر قانونا فجعله تشريعا يأخذبه ما أراد.
وهذا هو نفسه الواقع الحاصل في الغربالآن، ولكنه مغلف بغشاء مزخرف من عمل البرلمانات ومعلب في بنود قانونية، وهو ما لايخفى على منظريهم ومفكريهم، بل يخفى علينا نحن لأننا في قاع المحنة كما سبق بيانه.
الإسلام هو الضمانة الوحيدة للحقوق لأنالسلطة في نظامه السياسي غير قادرة على تعديل المبادئ الإسلامية، بل غاية ما تفعلأن تحاول التحايل عليها، وهي في هذا معرضة لسخط الناس ومقاومتهم، ويكون أولالواقفين في وجهها هم علماء الحق.. وهذا أمرٌ لا يوجد في منهج بشري آخر، فكلالأنظمة الأخرى أدخلت بالفعل –وتملك أن تُدخِل- تغييرات جوهرية وأصلية على المبادئالحاكمة عندهم.
(5)
وآخر ما يمكن قوله في هذه العجالة، أنهذا المبدأ العظيم، مبدأ نزع التشريع وحق السيادة من البشر، والذي أغلق الطغيانيةفي عالم الإسلام لم يكن مجرد مبدأ نظري، لم يكن مجرد نصوص مقدسة في القرآن والسنة،بل كان هذا بناء عميقا في أصول المجتمع، ومنهجا صيغت به حياة الناس الاقتصاديةوالسياسية والأخلاقية والاجتماعية.
إن الفرد هو من يملك أن يتمتع بالجنسيةالإسلامية، هذا إن صحّ التعبير، فالإنسان هو من يملك أن يكون مسلما فينتمي بذلكإلى أمة الإسلام.. على عكس الواقع الذي تحتكر فيه الدولة حق الجنسية، فمن منحتهإياها صار مواطنا له كافة الحقوق، ومن لم تمنحه إياها صار أجنبيا رهينة بما تمنحهالدولة من الحقوق المنقوصة ولا بد عن حقوق المواطن.
لو أن الإنسان في عالمنا هذا يمتلك أنيختار الجنسية التي يريد لوجدت أكثر الناس قد صار أوروبيا أو أمريكيا، لكن هذهالدول تقيم على نفسها حواجز من التأشيرات والشروط والقيود والالتزامات، وتقيم معهاحواجز من حرس الحدود وخفر السواحل والجيوش كذلك. وهذا وحده كفيلٌ أن يجعل الإسلامأعلى من كل هذه المناهج الوضعية، فما من حاكم مسلم يستطيع أن يمنع أحدًا الحق فيأن يكون مسلما ويتمتع بحقوق المسلم وواجباته!
وهذا الأمر نفسه هو ما يضرب العنصريةوالقومية في مقتل، فالإسلام حين ينسج أخوة الإسلام بين أبنائه، فهو يحذف في نفساللحظة فوارق اللون واللغة والعرق والمكان، فيجتمع في مساجد المسلمين وفي بيت اللهالحرام من لا يربطهم شيء إلا هذا الدين.. وحتى العرب الذين نزل القرآن بلسانهموفيهم أرسل رسوله، حتى هذه العروبة قد أعلن النبي أنها هوية لسان لا عرق، فقال:"إنما العربية اللسان"، فدخل في العروبة من تكلم بالعربية ولو لم يكن مننسل قحطان وعدنان، وخرج من العروبة من فقد هذه اللغة ولو كان من آل بيت النبي ﷺ!!
هذا حال الفرد المسلم في نفسه، حالٌتتلاشى معه فكرة القومية العنصرية والمصلحة المادية التي تجعل دولة الإسلام مقتصرةعلى جنس محدد، فتواليه ولو تضررت مصالح الأجناس الأخرى.
ثم أقام الإسلام بناء عظيما للمجتمع،بناء تمتزج فيه العبادات والشعائر والمعاملات والأخلاق، بحيث لا يمكن معه إلا أنيكون المجتمع مجتمعا قويا متماسكا، وتحت هيمنة أخلاقية قوية، وأن تكون صفوتهونخبته هم خير الناس دينا وكرما وأخلاقا، وأن تكون عناصر القوة موزعة بين السلطةوالمجتمع والعلماء بما يحول دون الطغيان، وبما يُقَصِّر صلاحية السلطة والحكام إلىأقصى حد ممكن. وذلك أمرٌ كررته من قبل كثيرا، فيستحسن هنا الإحالة إليه،ويضيق المقام عن تكراره.
بينما في ظل هذه الدولة الحديثة ذاتالأساس العلماني الغربي، لا يأخذ موقع الصدارة والنفوذ والقوة إلا وحوش البشر ممنيستطيعون إدارة المال، ثم يستطيعون دعم غناهم وثرواتهم بالهيمنة على ساحة الإعلاموالسياسة، ومن خلال هذه القدرات الهائلة يرسمون مسرح الانتخابات ويتحكمون فيالمرشحين وبرامجهم، وينمو حول العالم تدريجيا شبكة من الحكام الأخفياء الذينيتحكمون بمقدرات الشعوب والأوطان، وعن هؤلاء صدرت كتب بعنوان "السيطرةالصامتة"، و"أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها"،و"المتلاعبون بالعقول"، و"السيطرة على الإعلام".. إلى آخر هذهالكتابات التي تئن وتتألم من مسرحية تشعر فيها الشعوب أنها تقول كلمتها، بينما هممجرد مفعول به منصوب عليه مجرور من شهواته!!
***
يمكن إجمال الخلاصة المقصودة في قولالله تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}
ولكننا لا نبصر معالم الجمال التيعندنا ولا نرى الشمس المحجوبة مع أنها في أيدينا، وما ذلك إلا لشدة المحنة التينحن فيها، فيلوح لنا ضوء المصباح الذابل الخافت في ليلنا البهيم كأنه غايةالمطلوب، وذلك على نحو ما قال المتنبي:
يُقْضى على المرء في أيام محنته .. حتىيرى حسنا ما ليس بالحسن
فلعلهذه التجربة من الانتخابات التركية تكون درسا شاهدا جديدا على تفوق النظام السياسيالإسلامي.نشر في مجلة "أنصار النبي"، يونيو 2023
يرجىمتابعة الروابط في هذه المقالات والمنشورات: https://t.me/melhamy/4891 ، https://t.me/melhamy/6376
May 7, 2023
���� �������� �������������� ���� �������������������� ��������������!
������ �������������������� ������ �������������� �������������� ������ �������� ��������..
�������� ���������������� �������� ������ ���� �������� �������������� ���������������� �������������� ���������������� ���������� ���� �������������������������� �������������� �������� ���������� ������������ ������ ������ ���������������� ������ ������ ���� ���� ���������� ���������������������� �������� ���� �������� ������ ���� �������������� ��������..
���������� ���������������������� ������ ������������ �������� �������� ������ ������������ �������������� ������������������ ������������ �������� ���� ���������������� ���������� ���� �������� ������������ ������ ������������ ���� ������ ������������ �������� �������� ���������� ���� ���� �������� �������������� ��������.. ������ ���� ������������ ������ �������� ������������ ���� �������������� ������������.
���������� ��������������������������..
������ �������� ���������������� ������������ �������� ������������ �������������� ������ �������������� ���� �������������� ���� ������������ �������� ���� ������������ ���������������� ������ �������� �������� �������������� ������ �������� ������������ ������������.
�������� �������� ������������������ �������� ���� �������� ������ �������������� ���� �������������� �������������� ������ ���� �������� ����������������.. �������������� ���������� �������������� ���������������� �������������� �������� ������������ ���� �������������� ���� �������������� ����������������������.. ������ ���� ���������� �������������� ���������������� ������ ��������������: ������������ ������ ������������ ���������������������������� ������ ������������ �������������� ������������ ������ ���������� ����������������.. ���� ������ ������ ���������� ������������������������������ ������������ �������������� ������������ ������ ���������� �������������� �������� ���� ������������ ���� ������ ������ �������������� ����������������.. ������ �������� ���������������� ������ �������� �������� ������ ���������� �������� �������������� ���� ���������� �������� ������ ���������� ������������: ������������ �������� ������ �������������� �������� �������������� ������������ ���������������������� ���������� ��������������.
���������� ������ ���������� ���������� ���� ���������� ������ ���������������� ������ ���� ������ ������ ���������� ���������� ������ ���������� ���������������������� �������� �������� ���������� ���� ������������ �������������� �������� ���� �������� ���� ��������������.. �������� ������������������������ ������ ���������� ���������������� �������� �������� ���� �������� ������ �������������� ������ �������� ���������� �������������� ���������� ��������..
���������� �������������� ������ �������������� ������ �������� �������������� ������ �������� �������� �������������� ������������������ ������ ������ ������������������ ���������� ���� ���� �������� ���������� ������ ������ ���� ��������������.. �������������� ������������ ���� ���� ������������������ ���� ���� ������ ���� ������������ ���������� ���� ���������� ���������������� ���������� ���� �������������� ���� ���� �������������� �������� ���� ������ ���������� ���� ���� ����������.
������������ -��������������- ���� ������ �������������� ���� ������������ ���������������� ���������������� ���������������� ���������������� �������������������������������� ������ ������������ ������������ ���� ������ ��������������.. �������������� ���������� �������� ���� �������� �������������������������� ���� ������ ���������� ������������ ������ ������ ���������� ������������������.. �������� ������������ �������� �������������������� �������������� �������������� ��������������: ������������ ������ ������������ ������ ���������� ���������� ��������.. ������������������ �������� ���������� �������������� ������������������ ���������������� ������ ������������ �������� ������ ������������ ������������������������.. ������������ ������ �������������� ���������� ������������ �������� ������������ ������ �������� ���������� ���������������������������� .... ����������.
������������ ����������:���� ������ ���������������� ���������� �������� ���� ���������� ���������������� �������� ���� ������������ ���� �������� ���������������������� ������ �������� ������������ �������������� �������������� �������������������� ���������� ���� �������������� �������������������������� ��������
������������ ���� ������������ ���� ���� ������ ������ ������ ������������ ������������ ���� �������� �������� �������� ���� ������ ���������� �������������������������� ���� �������� �������� ���� ���������� ������������ ���� ���������� �������������� ���� �������� ������ ������ ��������������..������ ������ �������������� �������� ���������� ������ ���� ������������ �������������� ������������ ���� �������� �������� ������ ������������������ ������ ���������� ������ ���������� ���� ����������.. ���������� ���� �������� ������ ���������������� ���� ��������������..�������� ���� �������� ������ ������ ���������������� ���� ������ ������ ������ ���������� ������ ���������� ���������� ���������� �������������� ���������� ���������������� ���� ������ ����.. �������� ���� �������� ���� ������ ������������ ���������������� ������������������������������ �������������� ���������� ���� ���������� ���������� �������� ���������� ������ ���������� ������������ ���� ������������������������.
������������������������������ ���������� ���������� ���� �������������� �������������� ���������������� ���������������������� ���������������������������������� ���������������������� �������������� ���������������� ���������������� �������������� ���������� ������������ �������������������������������� �������� ��������.. ���������� �������������� ���������������� ���� ������ �������������� �������������� �������������������������� ������������ �������� ���������������� ������������ �������� ���������������������� ������������ �������� ���� ������ ���������� ��������������������.. �������� �������������� �������� �������������� ������������ ������������ �������� ������������ ������������ ���������� ���������������������� ������ ������������ ������ ���������� �������������� ������ ���������� ���������������� �������������� ���������� ���� ���������������� ������������ ������ ������������ ������ ����������... ������!.. ������ �������� ������ ���������� ���������� �������� ���������������������� ������ ���������� ���������� ����������.
���������� ������������������ ���� ���������� ������������ �������� ���������� ������ ���������������� �������� �������� ������������ ������ ���������� �������������� ������ �������� �������� ������������.
������ ������ ������������ ������.. ���� ���� �������� ������������ ���������� �������� ��������..
1. ������������������������ ������������ ������ ������ �������� �������������� ������������ �������� �������������� ������������������ ������ ���� ���� ���������������� �������� �������������� �������� ������������ ������ ����������������.. ������ ���������� �������� ���� �������������� ������������������ ������������ �������� ��������������.. ������������������ ��������������.. ������ ���� �������������� ������������ ���� �������������� �������������� ���� �������������� �������������� ���������������� �������������� ������������ �������� �������� ������������ ���� ������ ���������������������� ���� �������� ������������ �������� ������������ �������� ������������������ ���� ������ �������������� �������������� �������������� ���� ���������� ������������ ������ ������ �������� ���������� �������� ���������� �������� ����������������.
����������: ������������ �������������� ���� �������� ���������� ���������� ���� �������������� ������ ���������� ���� ���� ������������ �������� ������������������������ ���� ������ ���� �������� ������ �������������� ������������������ ������ �������� ������ �������������� ����������������..������������ ������ �������������� �������� ���������� ���� ������ ���������������� �������� �������� ���� ������������ ���������� ����������������������
2. ���� ������������������ �������� �������������� �������� �������������� ���� ���������� �������� ������������ ������ ���������� ���� ������ �������������������� ������������ ���������� ������ ���� ���� �������������� ���� ���� �������� ����������.. ������ ���� �������� ������������ ���������������� ���������������� ���������� ������ �������� ���������� �������������� ���� ������������ ���������� �������������� ���� ������������������������ ���������� ������ �������� ������������! ������ ���������� ���� ���������� ���� ������ ���� ���������������� ������������������ ������������ ������ ���� �������������� ������������������ ��������������������.. ���� ���� �������� ������ ���������� ������ ���������������� ������������ �������� �������������� �������� ���������� ���� ������������ �������� ������.
�������������������������� �������������� ������������ ���������������� ���������������� ������������ ���������������� ���������������� ������ ������������������ ������������ ������������ �������������� ���������� ������ ����������.
3. �������������������������� ������������ �������� �������� �������� ������������ ���� ���������� ������������ ������������ ���� �������������� ������������������ ���������� ���������������� ���������� ���� ������������ �������� �������� ������ ���������� ���������� ������������ ���� ���������������������� ���������� ������ ������ ������������ �������������� ������ �������� ������ �������������� ���������������� ������������������������������ �������� ������������ ���� ������ �������� ���� �������� ���� ��������.. ���� ���� ���������� ������������������ ���������������� ������������������ �������������� ������������������ ���� ������������ ���� ������ �������������� ���������� ���������� �������������������������� ���������� �������������� ���� ����������.. ���� ������ �������������� �������������� ���������������� �������������� ������������������ �������� �������������� �������� ������������������ ���������� ���� ���������� ����������������.
������ ������������������������ ���������� ���� �������� ���������� ������������ ���������������� ���� ������������ �������������� ���� ������ ���������������������� ���� ������ ����������.. ������ ������ ������ ������ �������� ������ ���������� ������������������ ���� ������ ����������..
(������ ������������������ ���������� ���������������� ���������� �������� ���� ������������ ������ ������ �������������� ������ ������������ ���������������� �������������� ���������� ���������������� �������� ���������� ������ �������� ����������������.. ������ ���������� ������������ ������������������������������ �������������� �������������� ������ ���������� ���������������� ������������ ���� ���� ������������ ��������������.. �������������� ���������� ���������������� �������� ����������.. ������ ���� ������������ ������������ ������������������ �������������� -�������� ������������������- �������������� ���� ������ �������������� ������������������ ���������������� ���������� ������������ ���� ���������� ���� ���������������� ������ ���� �������� ������ ������������).
���������� ���������������� ���������� ������ ���������� ���������������� �������������� ������������ �������������� ���������������� ������ ������������ ����..�������� �������� �������� ���� �������������� ���� ������ ������ ���� ������������ ���� ������ ���������������� ������ ������ ������������������������ �������������� �������������� ������ ��������.. �������� ������ �������� ���� ���� ������������ �������� ���������� ���� ���������������� ������ �������� ������������������ ������ ���������������� ������ ���������� �������� �������� ������������ ������������ ���� ����������������.
4. ������������������������ �������������� ����������������.. �������� ���� �������� ���������� �������� �������� ���� �������� �������������� ������������������ �������������� ��������������.. �������� ������ �������������� ���� �������� ������ ���� ������������ ������ ���� �������� �������������������� ������������ ������������.. �������� ���� �������������� ������������ �������� ���� �������� ������ ������������ ���������� ������������������ (�������� ������ ������������ ������ ������ ������������ ���������� �������� ��������).. ������ ���� �������������� ������������������ ������������ �������������� ������������ ������ ���� ���������������� ������ ���� ���������� ����������! ������ ���������������������� ���������� ������ �������� ���� ���������������� ���������������� ������ �������� ������������ �������������� ���� ���������� �������������������� ������������.
���������� �������������� ������ ������ �������� ���������������� ���������� ������������������ ������ �������� ���� ������.. ������ ������ �������� �������������������� ������������!
���������� �������� �������� ������������ �������������� ���� ������������������ ������������ ������ ������������ ���� ������ ���� ���������� ������������ ������������������ ���������������� �������������� ������������������ �������� �������� ���������������� �������������� ������������ ���������� ������������������ �������� �������������� ���������������� ������ ����������.. ������ ���� ������ ���� ������ ���� �������� �������� �������������������� �������� �������� ��������.. ���������� ������������ ������ ���� �������� ���� ������ ���� �������������� ������ ������ ���������������� ������ �������� ������ ������.. ������ ���� ���������� ������: ���� ������ ���������� �������� �������� ���� ���������� ���������� �������� �������� �������� ������ ���������� ���������� �������������� ������������..
�������� ���� ������������������ �������� �������� ������������ �������� ������ ���� ���������� ������ ������ ���������������� ������������ ������������ (�������������� ��������������) �������� ������ �������� ������������ ���������� ���������� ���� ���������������� �������� ������ ���������� ������������������������ ���������� ���� �������������� �������������� ������������.. ������ �������������� ������������ �������� ���� ���������������������� ������ ������������ ���� ������ �������� ���� �������� ���������� ������ ���� ���������� ���� �������� ���������� �������������������������� ���� �������������� �������� �������������� �������� ���� ������ ���������������� ���� ����������.
�������������� ���������� ���������� ��������.. �������� ���� ������ ������ ��������������.
���������������������������� �������� ���������� ������ ���������� ���������� �������� ������ ���������� ��������.
عن موقف العلماء من الانتخابات التركية!
بسم اللهوالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
كتبت قبليومين أدعو إلى أن يصدر العلماء ومجالسهم العلمية والفقهية بيانا في شأنالانتخابات التركية لدعم السيد الرئيس رجب طيب أردوغان، وأن هذا هو من قضايا الأمةالعامة التي لا يليق بهم أن يتخلفوا عنها..
وخلال هذيناليومين جرت نقاشات بيني وبين بعض السادة العلماء والفضلاء، وبعضهم أرسل لي يستدركأو يعترض أو يبدي تحفظا، وقد قدّرتُ أن بعض الكلام الذي أجبت بعضهم به قد يكون منالنفع نشره.. فها هو بَسْطٌ لما كنتُ أجملته في المنشور السابق.
نقول، وباللهالتوفيق..
نحن الآن فيمعركة، ومعركة شرسة وفاصلة ومؤثرة، ومن الطبيعي في المعارك أن تستخدم كافة ما بيدكمن الأدوات، وأن تقدم جانب الجسارة على جانب التحفظ والحذر.
وهذا نراه منأعدائنا أيضا مع أنهم غير متضررين من أردوغان كتضررنا نحن لو فازت المعارضة.. وماتزال وسائل الإعلام والمجلات الغربية تكتب بصراحة في التنفير من أردوغان والهجومعليه.. ومع أن مؤيدي أردوغان يستثمرون هذا ويقولون: انظروا إلى التدخل الخارجي،انظروا إلى الهجوم الغربي، انظروا إلى عمالة المعارضة.. مع هذا فإن الصحف والمجلاتالغربية ووسائل إعلامهم مستمرة ولا يعرقل الوسيلة منها ما أثارته من غضب ولا منإحراج للمعارضة.. ومن جانب المعارضة فهي تسكت إزاء هذا العمل الذي يحرجها، إن لمتكن ترحب به، ويقول قائلهم: انظروا ماذا فعل أردوغان وكيف خسَّرنا العالم وكيفتتناوله وسائل الإعلام.
القصد أنه لاأحد يتحفظ في البذل عند المعارك، حتى لو كان هذا البذل مسببا بعض إحراج لحلفائهلأنه يرجو بهذا البذل أن يأتيهم بالمكسب الذي هو أفضل من الإحراج.. فإذا فازتالمعارضة فلن يضرها الإحراج، وإذا خسرت لن يكون هذا الإحراج إلا سببا واحدا ضمنجملة أسباب أكبر..
وكذلك نحن،إذا فاز أردوغان فلن يضره الإحراج وأن يقال دعمه العلماء المسلمون، لكن إذا خسرفسندفع جميعا ما هو أعظم بكثير جدا جدا من الإحراج.. وساعتها سيتمنى كل من تحفظوتحسس أن لو بذل ما استطاع وليكن ما يكون، وساعتئذ، سيعرف أن الإحراج ما هو إلاتخوف ضئيل ما كان ينبغي له أن يقدره.
والرأي -كماأراه- أن على العلماء أن يكتبوا البيانات الجماعية والفردية والفتاوى الجماعيةوالفردية وأن ينزلوا بثقلهم في هذا المضمار.. وساعتها سيخرج فعلا من يدين ويستنكرويعتبر أن هذا تدخلا خارجيا وأن هذا خيانة للعلمانية.. ولكن ساعتها أيضا سيخرجمؤيدو أردوغان وحلفاؤه ليقولوا: انظروا إلى زعيمنا صار زعيما للأمة كلها.. كيفتتركون رجلا يؤيده العلماء والصالحون وتنتخبون هذا الكافر الذي يطأ بحذائه سجادةالصلاة؟.. انظروا إلى العلماء الذين يعرفون الله والدين كيف أنهم جميعا يختارونأردوغان .... وهكذا.
السؤال الأهم:هل هذه البيانات ستكون فعلا في مصلحة أردوغان؟ أليس من الممكن أن تأتي بنتيجةعسكية وأن تثير حساسية الأتراك القومية ويعتبرونها تدخلا في شؤونهم، فتؤديللانفضاض عنه؟
الجواب عن هذاأنه ما من أحد حتى هذه اللحظة يستطيع أن يقول بشكل حاسم بل ولا بالظن الراجحوالغالب أن صدور بيان عن علماء مسلمين في تأييد أردوغان قد يؤدي إلى هذه النتيجة..هذا أمر انطباعي بحت، ولذلك تجد في القادة الأتراك أنفسهم من يؤيد بقوة ومن يعارضبقوة ومن يتشكك ومن يحاول أن يتوسط.. فأرجو أن نزيل هذا الانطباع من أذهاننا..وعلى حد علمي فإن علم الاجتماع لم يصل بعد إلى الجزم بأن تصرفا واحدا بعينه يؤثرعلى نتيجة انتخابات في بلد ما.. سائر ما يقال في هذا توقعات وتحليلات صحافيةوإعلامية، وأكثرها منطلق من الهوى ومغرض وليس مبنيا على تحليل إحصائي أو تجاربميدانية.
نتيجةالانتخابات تتأثر بجملة من العوامل النفسية والشخصية والاقتصادية والاجتماعيةالضيقة والاجتماعية الواسعة والمصالح الذاتية، والشعوب شرائح متعددة ومتداخلةومتراكبة بشكل معقد.. وبيان العلماء المسلمين في دعم أردوغان ستتلقاه شرائحبالحفاوة وشرائح أخرى بالعداوة وشرائح أخرى باللامبالاة وشرائح أخرى لن يصل إليها البيانأصلا.. وحتى الشرائح التي ستتلقاه سيختلف موقفها منه، وستدور حوارات بينهم رفضاوقبولا، على الواقع وفي مواقع التواصل وفي وسائل الإعلام، وسينتقل بعضهم من الرفضإلى القبول ومن القبول إلى الرفض... إلخ!.. ولا يمكن بأي طريقة علمية حساب مآلاتالبيان ولا الجزم بأنها سلبية.
ولهذا فإنالتخوف من إصدار البيان أراه مبنيا على انطباعات أكثر منها حقائق، ولا أحسبه يرقىحتى إلى درجة الظن الراجح.
وها هنا أمرمهم آخر.. إن في صدور البيان مصالح أخرى مهمة..
1. مصلحةللإسلام بإثبات أنه ليس دينا علمانيا معتزلا لشأن السياسة ومعاركها، حتى لو أن هذاالشأن وهذه المعارك تؤثر مباشرة على المسلمين.. فكل الناس تعرف أن الإسلام يتأثربهذه النتجة سلبا وإيجابا.. والمسلمون يتأثرون.. فلو أن العلماء أحجموا عن بيانحكم الإسلام في المعركة الحالية المباشرة المؤثرة عليهم، فهذا منهم اعتزال في غير محله،وإحجام في موضع إقدام، وفيه انتصار عملي للعلمانية إذ صار المشايخ يتحسسون منالخوض في معركة سياسية حتى وهي تؤثر عليهم وعلى الدين وعلى المسلمين.
بمعنى: لوكانت المصحلة أن نعزز ونرسخ ونثبت أن الإسلام دين واقعي له في الواقع حكم، وكانتالمفسدة أن هذا قد يحرج بعض أصحابنا وحلفائنا، وقد يثير بعض أعدائنا ومبغضينا..فتقدير هذه المصلحة أعظم وأكبر من تلك المفسدة، فكيف ونحن لا نستطيع الجزم بأنهامفسدة؟
2. لو صدرالبيان وفاز أردوغان فأقل الأحوال أن مصلحة فوزه تحققت، وقد يتذكر هو هذه الوقفةوهذا الجميل فيكون منه في حق العلماء ما هو أكبر وأكثر.. ولو لم يصدر البيان وفازكمال كليتشدار أوغلو فلن يكون إحجام العلماء عن إصداره مخففا لغلوائه في اجتثاثهم،ولن يتذكر لهم أنهم أحجموا! ولن يتورع عن إغلاق ما نوى من المؤسسات والجمعيات وطردما ثوى من العلماء والصالحين والمهاجرين.. هو لا يخفي أنه سيغير بعض القوانين بلوبعض مواد الدستور التي ستوفر له الغطاء لهذا كله.
فمصلحةالعلماء أنفسهم، ومصلحة مؤسساتهم العلمية، ومصلحة مشاريعهم التربوية تقف أمامتهديد مباشر، تحملهم وتلزمهم بخوضه بكل القوة.
3. المصلحةالمهمة الأخرى التي أحسب أنها منسية، هي تثبيت وتعزيز وتأكيد أن العلماء مستقلونفي النظر والموقف، وأنهم لا يخضعون لأحد رغبا ولا رهبا، وأنهم يقولون ما اعتقدواواجب بيانه إذا دعت الحاجة ويقدمون على ذلك، وأن مجالسهم ومجامعهم الفقهيةوالعلمية ليست محصورة في سقف دولة أو قُطر أو نظام.. بل هم علماء المسلمين، وهميفتون للمسلمين، ويفكرون للمسلمين، لا يحجبهم عن ذلك تقسيمات وطنية حددها الأجانبورسخها وكلاء الأجانب من بعدهم.. بل هذه المجالس العلمية والمجامع الفقهية الأصلفيها أنها متجاوزة لهذه التقسيمات وأنها من وسائل مقاومتها.
فلا ينبغي،والحال هكذا، أن يحجم علماء العالم الإسلامي عن البيان والفتوى في أمر يخصالمسلمين في بلد بعينه.. حتى وإن كان هذا يغضب بعض أولئك الموجودين في هذا البلد..
(ولو افترضناأن هؤلاء الغاضبين كثير، وأنه لا يحركهم نحو رفض أردوغان إلا بيانات العلماء، فإنأمام هؤلاء الغاضبين تدخل خارجي آخر لدعم المعارضة.. فلو كانوا بالفعل مخلصينلشعاراتهم الوطنية الضيقة، فقد استوى الجانبان أمامهم في أن الخارج يدعمهما.. فلننخسر أولئك الغاضبين لهذا السبب.. وإن لم يكونوا مخلصين لشعاراتهم الوطنية -وهذا أرجحوأغلب- وتحسسوا من دعم العلماء والمسلمين لأردوغان وحده، فأولئك ما عليهم من سبيل،ولا لنا من سبيل إلى مودتهم).
ولهذا أجدنيغير مقتنع ولا منجذب للاقتراح القائل، فليصدر العلماء المجنسون فقط بيانا، لا..إننا بهذا نثبت أن العلماء لم يكن لهم حق الكلام في شأن المسلمين إلا لما أعطتهمالدولة الوطنية الحديثة هذا الحق.. وليس هذا بحق، بل هم مكلفون بهذا الأمر من قبلالله، وهم ورثة الأنبياء، وهم القائلون بما يرونه الحق سواء أكانوا أتراكا أم غيرأتراك.
4. مصلحةالعلماء الشخصية المباشرة.. وهذه لن أطيل فيها، لأني أعرف أن أكثر العلماء متجردونمن مصلحتهم الشخصية.. ولكن هذه المصلحة لن يشعر بها حق الشعور إلا من كانت تركيامأواه وملجأه الوحيد.. فأما من يتمتعون بإقامة آمنة في مكان آخر فسيخفت عندهم هذاالشعور (وهذا أمر طبيعي، لست هنا أدينه، وإنما أشير إليه).. على أن الزلزلة التيستحدث بخسارة أردوغان ستنعكس على كل المسلمين حتى في مناطق أمنهم! فإن أردوغانيحفظ الأمن على كثير من المسلمين وعلماءهم حتى خارج تركيا، ومواقفه من سوريا وقطروليبيا معروفة.
وأرجو ألاينسى أحد كيف تأثر المسلمون جميعا بالانقلاب على مرسي في مصر.. فلم يكن مجرد معركةوطنية داخلية!
وأكاد أجزم أنلو استقبل العلماء ما استدبروا، وعلموا هذا المصير من قبل أن يروه، لكانوا قدأمطرونا بالفتاوى الفردية والجماعية التي تحرم الانقلاب العسكري وتجرمه وتنهى عنه،والتي تجيز مقاومته ومكافحته بكل وسيلة.. فها هي مصر من بعد ما كانت فتحا علىالمنطقة كلها صارت نكبة.. ولولا انقلاب مصر لم يحصل ما حصل في السودان ولا غزة ولاليبيا ولا تونس ولا قطر.. ولو أن أحدهم قال: ما كان ليبقى بشار فإنه لم يبعد، وهاهو بشار الآن يعود إلى جامعة الدول العربية منتصرا..
يكفي أن نتخيلبقاء مرسي الآن وتكوين محور قوي مع تركيا ومع قطر والسودان وليبيا وتونس، (وهذاأقل الأحوال) لنرى كيف كانت ستنقلب خريطة القوة في المنطقة، وكيف كان سيكون الأمربالنسبة لغزة، بل بالنسبة للعلماء أنفسهم.. حتى العلماء الأسرى الآن في بلادالحرمين وفي غيرها، ما كان لأحد أن يفجر ويفعل بهم ما فُعِل لو كانت خريطة السياسةوالقوة في المنطقة يمسك بزمامها مرسي في مصر وأردوغان في تركيا.
والكلام فيهذا الشأن كثير.. أحسب أن هذا فيه الكفاية.
واللهالمستعان، وصلى اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
May 6, 2023
"أنصار النبي ﷺ" في عامها الأول
يمكن اختزال مشكلة المسلمين، ومشكلةالبشرية كلها، في أنهم لا يتخذون محمدا ﷺ إمامًا!
ترى لماذا لايفعلون ذلك؟
(1)
دون ذلك عوائقمتينة؛ أولها الجهل بالنبي ورسالته، فمع كثرة المسلمين إلا أن أقلهم أولئك الذينيستطيعون البيان والشرح لفكرة أن النبي ﷺ هو منقذ الإنسانية، وأن رسالته احتوت علىأسباب السعادة ونشر العدالة. ولقد يكون الإنسان تائها والخريطة في يده لكنه لايحسن قراءتها ولا يعرف فائدتها، وقد ضرب شاعرنا القديم مثلا على ذلك فقال:
ومن العجائب،والعجائب جمة .. قربُ الدليل، وما إليه وصول
كالعيس فيالبيداء يقتلها الظما .. والماء فوق ظهورها محمول
أي: كالإبل فيالصحراء يكاد العطش يقتلها، ولا تعرف أنها تحمل الماء فوق ظهرها.
وأشدُّ من ذلكما ضربه الله من المثل في قوله تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5]،فالحمار مهما حمل من الكتب لا ينتفع بذلك، بل لو أنزلت الكتب من فوق ظهره ونُشرتأمام عينه لما انتفع بذلك، إذ هو يجهل قراتها وفهم معانيها!
وثانيها: ماتنطوي عليه النفوس من الشهوة والأثرة، فكم في الناس من يعرف الحق ثم تغلبه شهوتهوأثرته، فينصرف عن الحق إلى الباطل، وعن العدل إلى الظلم، وعن الخير إلى الشر.فإذا هو واصل السير في هذا الطريق فإنه يصير من أئمة الباطل، فيكون بذلك عدوا للحقوحامليه، وعدوا للمصلحين ودعوتهم، بل عدوا للأنبياء والرسل {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَالِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْإِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112].. ويبلغ أولئك الحدَّالذي قال الله فيه {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْفَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} [المائدة: 70].
وثالثها: مابلغته الأمة في زماننا هذا من حال ضعف مزرية، جعلها مقهورة تحت عدوها الذي يغمرهابأفكاره ويُلزمها بنظامه ويشكك أبنائها في دينهم، فلستَ ترى منفذا من منافذالتعليم والإعلام والثقافة إلا وهو يُفسد في المسلمين أكثر مما يصلح، ويبعدهم عندينهم ونبيهم أكثر مما يقربهم إليه، فصارت العقول والقلوب منغمسة في بحر منالشهوات والشبهات، حتى صار من الغريب المستغرب أن يقنع المسلم بأن نبيه ﷺ هو منقذالإنسانية، وأن ما جاء به هو الدواء الشافي والجواب الكافي!
تأمل في هذه الآية: {وَمَاأَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْإِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَلَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَلَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوافِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 64،65].
وفي حالة نبينا محمد ﷺ تبدوالمسألة أوضح وأعظم، إن رجلا ظهر في التاريخ فجأة فنقل أمة العرب من التمزقوالفرقة والحروب، في سنوات معدودة إلى الوحدة والسيادة لهو رجلٌ جديرٌ بالوقوفطويلا أمام قصته وسيرته، وجديرٌ بأن يتعلم منه كل من تفكر في سبيل النهضة!
هكذا ينبغي أنيفكر في الأمر العلماني المادي الملحد الذي لا يبتغي من الحياة إلا النهضة الماديةوحدها لنفسه ولقومه، فإن تاريخ محمد ﷺ هو أنجح تجربة على الإطلاق لانبعاث أمة وانبثاقحضارة، يشهد بذلك مؤرخون غير مسلمين قبل أن يشهد له المسلمون.
فكيف، ومحمد ﷺفوق ذلك وقبله وبعده نبيٌّ يجب على من آمن به أن يتبعه وأن يطيعه؟! وأن ينصت لقولهويقتدي بفعله ويستسلم لحكمه؟! فإن هذا الذي آمن بالنبي لا يقتصر همُّه على الدنياوتحقيق النهضة فيها، بل يمتد همُّه إلى مصيره الكبير في الآخرة: الجنة أو النار!
كيف نستطيع أننرفع حواجز الجهل التي تحول بين المسلمين وبين أن يؤمنوا عن قناعة راسخة وفهممطمئن أن اتباع النبي هو السبيل الوحيد لإنقاذ البشرية؛ إنقاذها في الدنيا ثم فيالآخرة أيضا؟!.. ذلك والله هو التحدي!!
إنه ما منعاقل يستهين أو يستسخف قولَ العالِم المتخصص في علمه، فإذا فاجأك الخبير برأيمُستغرب فإن ما عنده من العلم والخبرة يحملك على التوقف والتفكر في كلامه وتأمله!فكيف إن كان الذي نتحدث عن طاعته والتسليم له نبي رسول، موصول بالسماء، جاء بالعلمالذي ينطق به وحيا صافيا نازلا من عند الله؟!
{يَاأَيُّهَاالنَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًالَكُمْ} [النساء: 170]
يبدو الأمرسهلا ومنطقيا وواضحا، ولكن بيننا وبين فهمه وتطبيقه تلك الحواجز العتيدة!
كان أبسط ماواجهناه في هذا العالم الأول من "مجلة أنصار النبي" هو سياسات مواقعالتواصل الاجتماعي، لا سيما الفيسبوك، إنه مصمم لنشر التفاهة والانحلال، فهو يزيدمن الوصول إليها ومن التفاعل عليها، وأما المحتوى الجاد النافع فإنه مُصَمَّمٌلدفنه وإخماده. وما هذا بالمستغرب! فإنه ابن الحضارة الغربية المادية المنحلةأخلاقيا التي تسعى سعيا محموما وراء الشهوة واللذة!
ومع ذلك، فيجب القول أيضا بأن هذهالمواقع لا تزال مفتوحة، ويمكن النشر عليها، فإن تلك الحضارة المادية الغربيةذاتها قد سيطرت على العالم المادي سيطرةً لا يمكن معها نشر هذه المجلة في عالمالواقع ولا تيسير وصولها إلى الجمهور، فمواقع التواصل –إذن- على كل ما فيها، هيالمتنفس الصغير الباقي، في عالم يزداد حصارا وإحكاما على من يقولون: اتبعوا محمدا ﷺ!
ترى هل هونجاحٌ أم إخفاقٌ أن نقول، بعد مرور عام من صدور هذه المجلة، أننا استطعنا الوصولإلى ثلاثة عشر مليون شخص على الأقل؟!
من نظر من بابالحصار المحكم والإمكانيات المحدودة وسيادة التفاهة رآه نجاحا وعدَّه في سجلالمناقب. ولكن من نظر من باب حجم المشكلة التي يحياها العالم والمسلمون رآهإخفاقا! فماذا يفعل مجرد الوصول إلى هذا العدد في مقاومة هذه العوائق الثلاثالمتينة؟!
(2)
وماذا علىأتباع الأنبياء أن يفعلوا إلا ما فعله الأنبياء؟!
لا أتذكر متى انتبهتُ أول مرة إلى هذاالمعنى: لقد نزل قول الله تعالى لعباده المؤمنين {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِاللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] في أخطر لحظة مرَّت على الدولةالإسلامية، في غزوة الأحزاب، حين كانت عاصمة الإسلام مهددة بالاجتياح، وكانتالمعركة معركة وجود! كانت لحظة مهولة مرعبة، وصفها الله تعالى بقوله: {جَاءُوكُمْمِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِالْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10، 11].
في هذا الهول الهائل والرعب الرعيب نزلقول الله تعالى "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"!
وبعدها مباشرة جاءت الآية التاليةتقول: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَااللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّاإِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]، فكأن هذا الذي تعلق برسول الله ﷺ واتخذه أسوة حسنة، يتنزل عليه الأمنوالسكينة والاطمئنان، حتى إنه ليصل إلى أن يرى العدو، فلا يشعر بالفزع والخطر بليشعر بصدق الوعد وبرد اليقين وزيادة الإيمان والتسليم!!
وفي هذا يقول القاسمي في تفسيره:"إذ لا يصح الجبن لمن صح اقتداؤه برسول الله ﷺ لغاية قبحه"! ويقول الشهيد سيدقطب: "كان رسول الله ﷺ على الرغم من الهول المرعب والضيق المجهد،مثابة الأمان للمسلمين، ومصدر الثقة والرجاء والاطمئنان. وإن دراسة موقفه ﷺ في هذا الحادث الضخم لمما يرسم لقادةالجماعات والحركات طريقهم؛ وفيه أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر".
هكذا إذن..خير ما تحصل فيه الأسوة الحسنة بالنبي ﷺ هو وقت المحنة والشدة، وقت الخوفوالكريهة، وقت الزلزلة الكبيرة!
إن تعلقنابالنبي ﷺ هو فوق تعلق الضال التائه بمن يهديه في الطريق المخوفة! وهو فوق تعلقالضعيف الخائف بالقوي الذي يحميه ويسعفه! وهو فوق تعلق الابن العاجز بأبيه وأمهاللذان يرحمانه ويرعيانه ويخلصان له النصيحة! وهو فوق تعلق التلميذ الجاهل بالمعلمالخبير الذي يعلمه ويفهمه! وهو فوق تعلق الحائر المضطرب بالمربي الشفوق الذي يهذبهويؤدبه! وهو فوق تعلق الكسول الخجول برائده الذي يأخذ بيده ويرفع همته! وهو فوقتعلق الجندي المحدود الرؤية والمهمة بقائده الذي يستشرف ساحة الحرب ويأخذ القرار..هو فوق كل ذلك، لأنه كل ذلك معًا!
{رَسُولًامِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَوَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151]
{رَسُولٌ مِنْأَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]
{يَأْمُرُهُمْبِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِوَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَالَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُوَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: 157]
{اسْتَجِيبُوالِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]
{وَإِنْتُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]
{النَّبِيُّأَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]
(3)
بقي في هذاالمقام أن أتقدم بالشكر الوافر للسادة الأفاضل الأماثل أصحاب السماحة والفضيلة منعلماء الهيئة العالمية لنصرة النبي ﷺ، وعلى رأسهم فضيلة الشيخ المؤسس الدكتور محمدالصغير، وهو –بعد الله جل وعلا- صاحب الفضل الأول على المجلة بما أولاها من رعايتهوعنايته واهتمامه، ثم أعضاء الأمانة العامة للهيئة، وأعضاء مجلس أمناء الهيئة،والسادة العلماء والأساتذة والباحثون الذين أثروا صفحات هذه المجلة بمقالاتهم الزاهرةالناضرة فاستحالت بهم صفحات المجلة حديقة غناء ذات ثمر شهي يشبع الآكلين ويرويالظامئين!
وأخص بالذكرمنهم علماءنا الأسرى الذين نسأل الله تعالى لهم الفرج القريب العاجل، وأن نتشرفبمقالاتهم التي يكتبونها أحرارا، من بعد ما تشرفنا بنشر نتاجهم قبل أَسْرِهم.
ثم الشكرللعلماء الأكارم الذين كتبوا لنا في مناسبة إتمام العام هذه العبارات الغاليةالرائقة التي تجدونها مبثوثة في هذا العدد، وعلى رأسهم فضيلة العلامة الكبير الشيخمحمد الحسن ولد الددو، وفضيلة الشيخ الحبيب القريب السهل اللين البشوش الدكتور عبدالحي يوسف رئيس أكاديمية أنصار النبي ﷺ، وغيرهم من مشايخنا المكرمين.
ثم الشكر لفريق عمل المجلة في الإعداد والتحريروالتصميم الفني، فبمجهودهم خرجت المجلة حديقة ذات بهجة تسر الناظرين والقارئين.
ثم الشكرلإخواني من السادة العلماء ومن غيرهم من الإعلاميين والفنيين الذين تعاهدونابالملاحظات ومقترحات التطوير والتحسين، ثم لسائر القراء الأفاضل الذين تفضلواعلينا بالقراءة والمتابعة، وخصوصا لمن تفضل منهم بالنشر والترويج وساعدنا فيالوصول إلى غيرهم من القراء، وبعضهم ساعدنا في ترجمة بعض المواد المنشورة فيالمجلة إلى اللغات الأجنبية.. وكنا في كل حين نكتشف أن المجلة وصلت إلى حيث لانعرف، وبعض من لا نعرف قد نشرها أو ترجم منها إلى لغات، ومنها لغات إفريقية محليةفي بلاد نائية!
والمجلة تفتحأبوابها للتعاون مع سائر المحبين والمخلصين من أنصار النبي ﷺ، فمن أراد الكتابةتشرفنا بالنشر له، ومن أراد أن يختار لنا من تراث أئمتنا الراحلين أو علمائناالأسرى نشرنا ما يقترح مع الإشارة إليه، ومن أراد أن يساعدنا في النشر والترجمةكنا له من الشاكرين، ومن استطاع أن يأخذ بأيدينا إلى وسائل الإعلام أو يأخذبأيديها إلينا كان له أجر الدلالة على الخير إن شاء الله، وكل امرئ أدرى بمايستطيع أن يفعل من وجوه الخير والدعم، وفي كلٍّ خير.
أسأل اللهجميعا أن يكتب لكل أولئك الأجر الجزيل والثواب الوافر. وأن يجمعنا دائما على طاعتهوفي نصرة نبيه، وأن يتوفانا على ذلك حتى يجمعنا مرة أخرى في ظل عرشه وعند حوض نبيهﷺ، فنُسقى من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا.
نشر في مجلة "أنصار النبي
ﷺ"، مايو 2023April 24, 2023
���� ������ �������� �������� ���� ���������� ���� ����������
���������� �������� ������������ ���������� ���������� ���������������������� ���������� ���������������� ���� ������ ���������� ������������.. �������� �������� ���������� ���� ���������� �������� ���� ������������ ��������.. �������� ���������� ������������ ������������.
(1)
������������: ������������ "������ ������������������������" �������� ������������ ���� ������ ���� ������������ �������������� ������ �������������� �������������� ������������������ ���������� �������������� ������ ���������� ������������ ������ ���������� ������ �������� �������� �������� �������������� ������������ �������� ������.. ������ �������������� ������ �������� ���������� ������ ���������������� ���� ������������ �������� MBC���� ���� ���������� "������������"�� ������ ���� ���������� �������� �������� ���������� ���� ������������ ���������������� ������������ ���� "������ ���������� ��������������" -�������� ��������- ������ ������������ ���������� -�������������� ��������-.. ���� ������ �������� ������������ ���������� ���� ������ ����������.
������ ������ �������� ���� ������ ���������������� ���� �������������� ������������ ���� ���������� �������� ���������������� ������������������ ������������ �������� ���������� ���� �������� ���������� ���������� ���������������������� ���� ���������� ������������������ ���� ���� �������� ���������� ������ ���� �������� ���� �������� ���������������������� ���������� �������� ���������� �������� ���� ������������ ���������� ���������� ���������� ���� ������������ �������������������������� �������� ������ ���������� ������ ���������� ���� �������� �������������� �������� �������� �������������� ������������������������������ ������������ ���� ������ ������ ������ ������ �������������� ���������������� ������: ������������ (����������) ����������������(����������) �������������� (��������������)�� �������� ���� ���������� ������������ ������ ������������ ���������������� "����������������������".
������ ������ �������� ���������� ������ ������ �������������������� ���� �������� ������ �������� ���� �������������� �������� �������� ���� ������������ ���� ������ �������������� ������������������������������������ ���� ������������ ������������ ������������ ������ ������������������ ���������� ���������������� ������������ ������������������������������������ �������������������� ������ ���� ���������� ������������ �������� �������� ���� ������ ���������� ���� �������� ��������!!������������ ������ ���� �������� ������ ������������������ �������� ���� �������� ���������� ������ �������������� -������ �������������������� ������������ ������������- ���� �������� ������ ������������ ���� ��������������.. �������������� �������� ���������������������� ������ ���� �������������� ������ ������ �������� ���������� ���� ������������ ���� ������ ��������.
�������� �������� ���������� �������������� ���������� ���������������� ������ ������������������ ������ ���������� �������������� ������������������ ���� ������ ���������� ���� ������ ������������������������ ������������������ ������������ ������ ������ ���� ���������� �������������� ���� ������ �������������� �������������������������������� �������� ���������� ��������.. �������� ������ �������� ���������� ���� ������������ ���������������� ������ �������� �������������������� ���� �������������� �������������� ���� ������ ���� ���������� ����������������.. ������ ������������ ���� �������� �������������������� ���������� �������������� ���� ������������ ������ ������������ �������� ������������ �������������� ���� ���������� ������������.
���������������� �������� ������ ������ "��������������������������" �������� ��������.. ������ �������� ������ ������ �������� �������� ������������ ������������ �������� �������������������� �������������� ���������������� ������������ ������ ���� ���������� ���������� �������� �������� ���� ���������� ���� ������..���� ������ �������� ������ ������ ������ �������� ���������� �������������� �������� (31 ��������) ���������� ���� ���������� ���������������� 12 ��������.
�������� ��������������: https://cutt.ly/I5hPcro
�������� �������������� ���� �������� ����������: https://youtu.be/QWCvPVya7fk
(2)
����������������: ������������ "���� ��������������������"
�������� ������ ���������������� ���������� �������� ���������������������� ������������ �������� ���������� ������ ���������� ���� ���� ������ ���� ���������� ������ ������ �������� ���������� �������� ����������������.. �������� ���������������� ���� �������������� �������� ���� ������ ���������� ���������� ���� ���������������� ���������� ������������������ ���� ������ �������� ���������� ���� ������ �������� ���������� ���� ���������� ���� �������� ���������� ���� ������ ���������� �������� ���� ���� �������� ���������� ���� ������..
���������� ���� ������ ������ �������� �������������� ���������������������������� �������� �������� ������������ ������������ ������������ ���������� ���� ������������ ����������������..
������ ������ ���������� ���� ���������� ���������� ���������������������� ���� ���� �������� ���� ������������ ������������ �������� �������������� ���� ���������������� ������������������ ������������������������ �������� ���������� �������������� ���� ������������ ��������������!
�������� �������� ������������ �������� ������ �������������� ������������ ���������� �������� �������� ������������ �������������� ���������� "����������������" ������������������ �������������������� �������� �������������� ���������������� ������������ ������ ���� ������ �������� ���� ������������ ���������� �������������������������� ������������ ������ ���������� ���� ������������ ���������� ������ ������������ ���������������� ������ �������� ��������������������������������.
�������� ����������������: https://cutt.ly/R5hDHIe
(3)
���� ���������� �������� �������������� ������ ���������������������� -���� ���������� ��������- ������ ���������������� ������������ �������� ������ ������������ ���� ������������"���������� ���������� - ������������ ������������".. �������� �������������� ������������ ������ ���������������������������� ������������������ ���������� ������������ ���������� �������� ������ �������������� ������������ �������� �������� ������ ���������������������� ������������������ ���������������� �������������� ���� ������������ �������������� ��������������!
���������� ������ �������������� �������������� ������ ���������������� ������������ ( youtube.com/melhamy ) ���� ������ ���������� �������������������� ������������ ����������.
�������� ������ �������������� �������������� �������� ������������������ ��������.. ���� �������� ������ ���� �������� �������� �������� ���� ���������� ������ ���������������� ���������� ���� �������������� ������ ���� ������������ ���� ������������ ���� �������� ���������������� ������ ���� �������� �������� ���� �������� �������������������������� �������� ���� ���������� ������������ ���� ������������ ���� ��������..
���������� �������� ���� ������������ ������������ ������������������������ ������ ���������� ������������������ ���� �������� ���������� ���� ���� �������� ������������ ���������� ��������������������!
من فضل الله الذي تم علينا في رمضان
يسَّر الله تعالى، بفضله وكرمه وجميلعطائه، إنتاج برنامجين في شهر رمضان الماضي.. ولقد لقيت فيهما من تيسير الله ما لاأحسن وصفه.. فلله المنة والفضل الجزيل.
(1)
أولهما: برنامج "قصة الفتنةالكبرى" التي تتناول ما وقع من الخلاف والقتال بين الصحابة الأجلاء رضوانالله عليهم أجمعين، منذ بداية التمرد على عثمان رضي الله عنه، وحتى استشهاد عليرضي الله عنه.. وقد استفزني إلى سرعة إخراج هذا البرنامج ما أعلنته قناة MBCعن بث مسلسل "معاوية"، وهو ما ردَّت عليه جهات شيعية في العراق ولندنببث فيلمين عن "أبي لؤلؤة المجوسي" -لعنه الله- وعن السيدة عائشة -رضيالله عنها-.. ثم قضى الله وقدَّر وأوقف بث هذه جميعا.
لقد يسر الله في هذا البرنامج كل شيء،جرى تصويره في أربعة أيام متتالية، بإمكانيات بسيطة، وكنت حينها ما أزال أعاني منأثر الأنفلونزا، ثم تطوّع بالمونتاج له أخ فاضل قدير، ترك ما بيده من عمله وشأنهليتوفر عليه، وجرى تيسير عجيب في انتقاء كلمات لنشيد التتر ثم تلحينه وتسجيلهصوتيا، وكان هذا التتر كله إهداء من قناة التناصح التي رحبت إدارتها بالبرنامجبحفاوة كبيرة، ثم جرى بثه على بعض القنوات الفضائية مثل: مكملين (مصرية) والتناصح(ليبية) والأنيس (جزائرية)، فضلا عن منصات يوتيوب مثل القناة المتميزة "شؤونإسلامية".
وتم فضل الله تعالى بأن لقي البرنامجما لم يلقه شيء قبله من القبول، وكان أعظم ما أدهشني أن بعض العلماء والباحثينالمتخصصين في الفتنة والذين تتلمذت على كتاباتهم، كانوا يتابعونه يوميا، ويمدوننيبالملاحظات والتعقيبات بعد كل حلقة، ويثنون عليه ثناء ما خطر ببالي أن يكون أبدا!!والحمد لله أن أغلب هذه الملاحظات كانت في أمور دقيقة جدا وتخصصية -مثل ضبطالألفاظ وأسماء الرواة- لا تؤثر على المادة أو الأفكار.. وانتفعت بذلك أيماانتفاع، وهو ما سأستفيد منه حين يخرج كتابي عن الفتنة إن شاء الله.
وهنا أعيد الشكر والثناء لكافة منأرسلوا إلي تعليقاتهم على منصات التواصل الاجتماعي أو على بريدي أو على وسائلالتواصل المختلفة، وأعتذر لهم أني لم أستطع التفاعل مع هذه الرسائل والتعليقات،ولكني قرأت كثيرا منها.. وإذا يسر الله تعالى في الأيام القادمة، فقد نفرد بعضالحلقات أو الجلسات لمتابعة ما ورد من أسئلة وتعقيبات.. فلا تنسونا من صالح دعائكمبعلو الهمة والبركة في الوقت، وأن يرزقنا الله وإياكم الإخلاص في القول والعمل.
وبالأمس، تفضل علي أخي "مصطفىالشرقاوي" بكرم جديد.. وقد تطوع قبل ذلك بأنه يعيد مونتاج الحلقة لضبط بعضالفنيات الدقيقة المتعلقة بالصوت قبل أن يبثها عنده، أسأل الله أن يجزيه عن ذلك..ثم أتم فضله هذا بأن صنع ملفا واحدا للحلقات كلها (31 حلقة) لتكون في فيديو واحدبمدة 12 ساعة.
رابط السلسلة: https://cutt.ly/I5hPcro
رابط السلسلة في حلقة واحدة: https://youtu.be/QWCvPVya7fk
(2)
وثانيهما: برنامج "في أروقةرمضان"
فلئن كان البرنامج الأول صعبا وثقيلا،فهذا برنامج طريف لطيف، كنا نتوقف في كل يوم من رمضان عند حدث وافق حصوله ذكرى هذااليوم.. فكان كالحديقة أو المتحف، يوما مع ابن خلدون ويوما مع المقريزي ويوما معالمنصور بن أبي عامر ويوما مع ابن ماجه ويوما مع أسامة بن منقذ ويوما مع علي بنأبي طالب ثم مع ابنه الحسن بن علي..
ويوما مع فتح مكة وفتح الأندلس وفتحالإسكندرية وفتح حارم ومعركة البويب وإنقاذ بغداد من الدولة البويهية..
ولم يخل الأمر من أحداث مريرة ومؤلمةقصدنا به أن ننظر في العبرة والعظة منها كالحديث عن الباطنية والقرامطة والمغولوفتنة بابك وثورة إبراهيم بن المهدي العباسي!
وهذه أيضا ثلاثين حلقة جرى تصويرها فيسبعة أيام، صحبت فيها الفريق المتميز لقناة "الرافدين" العراقية، والذينلقيت منهم انضباطا واحتراما وحفاوة فوق ما كان منهم من التميز الفني وحسنالمتابعة، فالشكر لهم جميعا من المدير العام إلى المدير التنفيذي إلى فريق التصويروالمونتاج.
رابط البرنامج: https://cutt.ly/R5hDHIe
(3)
ثم تفضلت قناة التناصح مرة ثالثةفأعادت -في رمضان أيضا- عرض البرنامج الأخير الذي كان عندهم، هو برنامج"ويبقى الأثر - الموسم الثاني".. وفيه تناولنا مذكرات بعض الساسةوالزعماء والأدباء، توقفا عابرا، نلتقط منها بعض المواقف المهمة التي تنير لنا بعضالإفادات التاريخية الثمينة، استفادة من خلاصات مسيرتهم الحافلة!
وسائر هذه الحلقات تجدونها على قناتيعلى يوتيوب ( youtube.com/melhamy ) أو على منصات هذهالقنوات المشار إليها.
أكتب هذا المنشور اعترافا بفضل اللهومنته أولا.. ثم شكرا لكل من ساعد وبذل شيئا في إتمام هذه الأعمال، ومنهم من لاأعرفه ومن لا أستطيع أن أوفيه، ثم شكرا وامتنانا لكل من تابع ووفر من وقته ليستمعوينتفع، ولكل من نفعني بتعليق أو ملاحظة أو دعاء..
وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم منالمتعاونين على الخير المجتمعين في طاعة الله، ثم في جنته ومستقر رحمته وداركرامته!