صافي ناز كاظم's Blog, page 16
August 29, 2013
أحدث طبعة في لغة النفاق!
لا يتأثم البعض من إستعارة صياغات المخاطبة التي تخص الذات العليّة وحدها؛ مثل التي خاطب بها رسولنا الكريم ربّه متضرعا راجيا قائلا: "لك العتبى حتى ترضى"، ولا أظن أن تلك الصياغات تجوز ذوقا، حتى وإن أجازها البعض شرعا، لغيره سبحانه؛ مثل قولنا لعزته وجلاله: "سبحانك" و"المُلك لك" و"عنت الوجوه لك" إلى آخر عبارات التسبيح والتمجيد والتنزيه التي لا يجوز أن نشارك فيها مخلوق مع الخالق الواحد الأحد الذي ليس كمثله شئ، لكن هناك من يحبذ التجاوز المنافي للذوق والأدب فتراه في أحدث طبعة للنفاق يخاطب رجال القضاء، في رقاعة بلاغية لزجة تليق بجنون البقر الإعلامي، قائلا: "لكم العتبى حتى ترضوا"!
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفاء منا، نستغفرك ونتوب إليك.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفاء منا، نستغفرك ونتوب إليك.
Published on August 29, 2013 03:23
August 28, 2013
هذا الشئ الذي اسمه "سياسة"حين يقال أن الثقافة والتربية وا...
هذا الشئ الذي اسمه "سياسة"
حين يقال أن الثقافة والتربية والتعليم والفن والأدب والمسرح.....إلخ أشياء أخرى غير "السياسة" فهذا لا يعني أنها صماء بكماء عمياء غير مسئولة عن مجريات الأمور والهموم فالمقصود أنها أرقى من "السياسة" لأنها: متقدمة في الرؤية؛ ترى الأزمات المستقبلية وتحذر، كزرقاء اليمامة، من مغبتها قبل المداهمة التي تصبح شغل "السياسة" فيما بعد، كما أنها أعمق في استيعاب الخسائر الراهنة وأبعد إدراكا في تحليل مسبباتها ورصد شواهدها.
منذ المسرح اليوناني القديم إلى مسرح شكسبير وعصره حتى الحديث، وقضايا العدل والغدر والمقاومة ومصائر الناس وما إلى ذلك هي محاور العمل التي يتناولها كل زمان من زاويته بلغته التي تؤثر في الناس فيتجاوبون معها ويتعلقون بأطواق نجاتها. ولا نكاد نرى في تراثنا العربي والإسلامي، البعيد والمتوسط والقريب، أدبا وشعرا وكلاما ذا قيمة لم تكن هموم الأمة وأزمات الوقت والإنسان هي مشغوليته وحافز وجوده إبتداءً.
ليس هناك شئ منفصل لوحده اسمه "سياسة" خارج مسيرة الحياة اليومية الملامسة لحياة سواد الناس؛ يبدو معها "السياسي" وكأنه يلبس شيئا طارئا، مثل "النوبة" أو النزوة أو الهواية أو المرض، مايلبث أن يتركه أو يعتزله أو يشفى منه حيث يكون تعبير "مهتم بالسياسة" يبدو أحيانا كتهمة وأحيانا كامتياز وتميّز فئة على الغالبية، التي يُتصوّر أن تستمر في طريقها خالية القلب غير مشغولة سوى بشأنها الخاص.
ما يحدث حولنا، الذي صار مسرحا حيا أكثر قسوة من مسرح القسوة الذي قدمه "أنتونين أرتود"، يفرض على "سواد الناس" القلق الذي يهدد وجودهم اليومي الروتيني بالفقد في أي لحظة، وهم لذلك مرغمون على الإهتمام والمتابعة ومعرفة ما الذي يحدث حولهم ولماذا يحدث، ليس لأنهم "سياسيون" أو مهتمون بما يسمونه "سياسة"، ولكن لأن الدمار ينتظرهم إذا تغافلوا. الحقيقة التي صارت جلية هي أن "سواد الناس" هم الذين تنزف دماؤهم مباشرة، وهم الذين يذبحون ويشردون ويطردون من بيوتهم ويتلقون الكوارث بكل أنواعها ملتهبة بين أيديهم؛ بسبب هذا التماس الحاد مع "معرفة"، هي: الحياة أو الموت، فإنه لا يحق لكائن من كان أن يسمي متابعة مايجري هنا وهناك والبحث عن أسبابه ومسبباته " سياسة" من نتائجها تحويل "سواد الناس" إلى "سياسيين"، فيعطي بذلك الحق لمن بيدهم وسائل القهر منعهم من الخلط والإختلاط بـ "السياسة"!
إن المتابعة أي: "الوعي بما يحدث" هي باب حماية الزوجات والأطفال من الموت والتشرد خارج الديار؛ حماية للحياة اليومية بتفاهاتها المرحة ولذائذها البريئة ومآسيها الصغيرة، وهنا تصبح الثقافة ويصبح الفن والأدب والتربية والتعليم مجبرة على مساعدة "سواد الناس" على الفهم وعلى النجاة، تماما كجندي الإنقاذ الذي يأخذ بأيدي من تهددهم الأخطار للخروج أحياء من بين الأنقاض والخرائب.
إن الذي يتعامل مع "الثقافة" و"الفن" بأفرعه و"الأدب" بأشكاله و"التربية والتعليم" بأحوالهما عليه أن يعرف أنه باختياره هذا الطريق يكون قد حمل أمانة أثقل وطأة من "المحلل السياسي"؛ لأن مهمته الدائمة، لإفهام "سواد الناس" ومساعدتهم للوعي بمصالحهم، هي رصد الأحداث وتقييمها بمعيار الخسائر والمكاسب الإنسانية، وفقا لمبادئ العقيدة، بعيدا عن غبن مصالح السلطة والسلطان وأهواء "الدول الكبرى".
حين يقال أن الثقافة والتربية والتعليم والفن والأدب والمسرح.....إلخ أشياء أخرى غير "السياسة" فهذا لا يعني أنها صماء بكماء عمياء غير مسئولة عن مجريات الأمور والهموم فالمقصود أنها أرقى من "السياسة" لأنها: متقدمة في الرؤية؛ ترى الأزمات المستقبلية وتحذر، كزرقاء اليمامة، من مغبتها قبل المداهمة التي تصبح شغل "السياسة" فيما بعد، كما أنها أعمق في استيعاب الخسائر الراهنة وأبعد إدراكا في تحليل مسبباتها ورصد شواهدها.
منذ المسرح اليوناني القديم إلى مسرح شكسبير وعصره حتى الحديث، وقضايا العدل والغدر والمقاومة ومصائر الناس وما إلى ذلك هي محاور العمل التي يتناولها كل زمان من زاويته بلغته التي تؤثر في الناس فيتجاوبون معها ويتعلقون بأطواق نجاتها. ولا نكاد نرى في تراثنا العربي والإسلامي، البعيد والمتوسط والقريب، أدبا وشعرا وكلاما ذا قيمة لم تكن هموم الأمة وأزمات الوقت والإنسان هي مشغوليته وحافز وجوده إبتداءً.
ليس هناك شئ منفصل لوحده اسمه "سياسة" خارج مسيرة الحياة اليومية الملامسة لحياة سواد الناس؛ يبدو معها "السياسي" وكأنه يلبس شيئا طارئا، مثل "النوبة" أو النزوة أو الهواية أو المرض، مايلبث أن يتركه أو يعتزله أو يشفى منه حيث يكون تعبير "مهتم بالسياسة" يبدو أحيانا كتهمة وأحيانا كامتياز وتميّز فئة على الغالبية، التي يُتصوّر أن تستمر في طريقها خالية القلب غير مشغولة سوى بشأنها الخاص.
ما يحدث حولنا، الذي صار مسرحا حيا أكثر قسوة من مسرح القسوة الذي قدمه "أنتونين أرتود"، يفرض على "سواد الناس" القلق الذي يهدد وجودهم اليومي الروتيني بالفقد في أي لحظة، وهم لذلك مرغمون على الإهتمام والمتابعة ومعرفة ما الذي يحدث حولهم ولماذا يحدث، ليس لأنهم "سياسيون" أو مهتمون بما يسمونه "سياسة"، ولكن لأن الدمار ينتظرهم إذا تغافلوا. الحقيقة التي صارت جلية هي أن "سواد الناس" هم الذين تنزف دماؤهم مباشرة، وهم الذين يذبحون ويشردون ويطردون من بيوتهم ويتلقون الكوارث بكل أنواعها ملتهبة بين أيديهم؛ بسبب هذا التماس الحاد مع "معرفة"، هي: الحياة أو الموت، فإنه لا يحق لكائن من كان أن يسمي متابعة مايجري هنا وهناك والبحث عن أسبابه ومسبباته " سياسة" من نتائجها تحويل "سواد الناس" إلى "سياسيين"، فيعطي بذلك الحق لمن بيدهم وسائل القهر منعهم من الخلط والإختلاط بـ "السياسة"!
إن المتابعة أي: "الوعي بما يحدث" هي باب حماية الزوجات والأطفال من الموت والتشرد خارج الديار؛ حماية للحياة اليومية بتفاهاتها المرحة ولذائذها البريئة ومآسيها الصغيرة، وهنا تصبح الثقافة ويصبح الفن والأدب والتربية والتعليم مجبرة على مساعدة "سواد الناس" على الفهم وعلى النجاة، تماما كجندي الإنقاذ الذي يأخذ بأيدي من تهددهم الأخطار للخروج أحياء من بين الأنقاض والخرائب.
إن الذي يتعامل مع "الثقافة" و"الفن" بأفرعه و"الأدب" بأشكاله و"التربية والتعليم" بأحوالهما عليه أن يعرف أنه باختياره هذا الطريق يكون قد حمل أمانة أثقل وطأة من "المحلل السياسي"؛ لأن مهمته الدائمة، لإفهام "سواد الناس" ومساعدتهم للوعي بمصالحهم، هي رصد الأحداث وتقييمها بمعيار الخسائر والمكاسب الإنسانية، وفقا لمبادئ العقيدة، بعيدا عن غبن مصالح السلطة والسلطان وأهواء "الدول الكبرى".
Published on August 28, 2013 20:21
August 27, 2013
هكذا تكلّم كل هولاكو:
× "...ولقد صفت روحي واغتسل قلبي ولم أستسلم للحقد مثلكم؛ لقد قتلتكم وتسامحت ونسيت الأمر تماما فلماذا لاتنسون أنتم أيضا ظُلمي لكم؟ آه لو تسامح البشر ونسى المقتول طعنة القاتل كما نسى القاتل طعنه للمقتول، لكن هكذا القتلى: ذاتيون، حقودون، لاينسون الطعنات وهم لذلك سبب شقاء هذا العالم"!
× قال بعصبية: لماذا لا أقهرك ونظل أصدقاء؟
× قال بعصبية: لماذا لا أقهرك ونظل أصدقاء؟
Published on August 27, 2013 17:28
August 26, 2013
تم نشر هذا المقال "هموم مستعادة" اليوم بجريدة الأهرام، صفحة الثقافي.
هموم مستعادةتوفي إلى رحمة الله المخرج توفيق صالح، الساعة الثامنة والنصف صباح الأحد 18 أغسطس 2013، وهو المولود 27 أكتوبر 1926.
رغم صداقة قديمة تربطني بهذا المُخرج السينمائي الفنان، (ترجع ربما لعام 1956 عن طريق صديقنا المشترك صلاح جاهين)، إلا أنني لم أكن قد شاهدت أيا من أعماله حتى زيارتي له يوم الإثنين `22 فبراير 1999 لتهنئته بجائزة الدولة التقديرية في الفنون لعام 1998، وقد يبدو ذلك من الأمور الغريبة إلى درجة الإستنكار لكن الظروف التي تحكمت في مسار حياة توفيق صالح ومسار حياتي تبرر بقوّة هذا النقص غير اللائق في التواصل؛ فاتني مشاهدة فيلمه الأول "درب المهابيل"، الذي أخرجه عام 1955، لأنني لم أكن أذهب وقتها لمشاهدة أي فيلم عربي حيث كنت مُكتفية بما تعرضه سينما الأندلس الصيفية المقامة أمام عمارتنا 116 شارع العباسية وكنا نشاهد أفلامها العربية مجانا من كل شرفات ونوافذ شقتنا المُطلة على شاشتها بوضع "لوج" درجة أولى ممتاز، وفاتني "صراع الأبطال، 1961، و "المُتمردون"، 1966، لأنني كنت في الولايات المتحدة في فترة دراسة متّصلة من أغسطس 1960 حتى أغسطس 1966، ولا أعرف سببا واضحا في ذاكرتي منعني من مشاهدة "زقاق السيد البلطي"، 1967، و "مذكرات نائب في الأرياف"، 1968، أما فيلمه "المخدوعون" الذي أنتجته سوريا 1971 عن رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس" وحصد به العديد من جوائز السينما العالمية فقد ظللت ألح على توفيق صالح أن يمكنني من مشاهدته وهو يسوّف طيلة مُعاصرتي له بالعراق، فترة وجودي ببغداد أدرّس مادة الدراما لطلبة كلية آداب جامعة المستنصرية من سبتمبر 1975 إلى 28 يونيو 1980، وبالطبع لم يكن ممكنا مشاهدة الإنتاج العراقي لفيلمه "الأيام الطويلة" الذي هو آخر أعماله. حين أصبح عندي "فيديو" يُمكنني من مشاهدة المتاح مما أريد مشاهدته أعارني توفيق صالح نسخا من أشرطة أفلامه المنقولة من برنامج "ذاكرة السينما" لسلمى الشمّاع. جلست أسبوعا أشاهد كل ليلة فيلما في مهرجان خاص أقمته لنفسي لمشاهدة كل أعمال توفيق صالح دفعة واحدة، محاكية تلك المهرجانات التي كانت تُقام بمحيط جامعة نيويورك، وحضرتها أثناء دراستي بها 1964 حتى تخرجي فيها يونيو 1966، في سينما مُتخصصة لعرض روائع تراث وعلامات الفن السينمائي؛ مهرجانات شاهدت فيها كل أفلام "شارلي شابلن" و "جريتا جاربو" و كل أعمال المخرجين العظام "إنجمار برجمان" و"أنتونيوني" و "فلليني" و "كازان"، ومهرجان أفلام الفن السينمائي الرائدة مثل "السماء فوقنا والأرض تحتنا" و "دكتور كاليجاري" ... إلخ.أهمية تلك المهرجانات أنها كانت تُكدّس في إحساسي الوعي المكتمل بالفنان وهمومه المستوطنة وقضاياه المتسلطة، بل كل "متسلّطاته" إذا أردنا توضيح المصطلح.
فماذا تكدّس لدي عند مشاهدتي مهرجاني الخاص لأفلام الفنان المُبدع الأمين توفيق صالح؟***داهمتني في البداية حالة من الدهشة الحزينة أمام كل هذه الهموم المستعادة؛ كيف تأتّى أن ما كان "بائدا"، بقيمه السلبية والمرفوضة والمحتج عليها والمطالب بإدانتها والعمل على التصدّي لها حتى لا تعود، أصبح حاضرا من جديد بوقع حثيث ثقيل يريد أن يستحكم ويسجّل هو إدانته لمن أدانه وقاومه؟***"درب المهابيل"، 1955، تصوّر حدوتة بسطاء يواجهون شظف العيش، وقصة حب شريفة يُعوّقها الفقر عن الاكتمال بالزواج، وحقّ يتم انتزاعه من صاحبه بنوازع الطمع الشرسة الكامنة في الطبيعة البدائية. ويُعيد "صراع الأبطال"، 1961، طرح أزمة الفقر كوباء، مُتخذا عام 1948 والعهد الملكي المستباح ساترا تدور في زمنه مشاكل الوطن المزمنة التي صاحبت كل الأزمنة من بعده ومن بعد بعده، طارحا الخلاص في بؤرة الوعي غير المُزيِف لجذور الأوبئة والأمراض والمعاناة. في "يوميات نائب في الأرياف" يبدو البطل ساخرا سُخرية من سبق له الحلم والتفاؤل بمستقبل أفضل ثم ضعضعته شبكة الفساد فأحنى رأسه واحتضن مثاليته بغصص المرارة: ما هو العدل؟ ما هو القانون؟ أهو نص أم روح؟ وهل للقانون، بنصّه أو روحه، قوّة تحقق العدالة ومقاليده وزمامه بيد الظالمين؟ تساؤلات توفيق الحكيم مسجّلة عام 1935، وتساؤلات توفيق صالح مُسجلة عام 1968، ولا تزال التساؤلات هي هي نفسها تؤرّقنا!مع " المخدوعون"، 1971، تصبح الرؤية أكبر من مأساة "رجال في الشمس"؛ إنها حقا الخداع والخديعة والخادعون والمخدوع، بإرادته، يمشي متحرّكا في سراب الصحراء حتى الإحتراق مُجازفا لعله يجد البديل عن مذلة السكون وقلّة الحيلة والجوع والأرض المسلوبة والتساؤل العريض أيهما أفضل: اختيار الموت أم حياة بعد اجتثاث الرجولة؟، بل هو التساؤل: أيهما يكون الموت حقا؟***تعتمد سينما توفيق صالح على قدر كبير من الصمت، الذي هو بالطبع ليس الخرس بل هو وسيلة خلق التواصل النفسي المشحون بين المشهد والمشاهد، حين تكون اللفتة ونظرة العين وكَدَر الوجه أو بسمة الشفاه هي المُعبّر الأبلغ أمام لا جدوى الكلمات؛ يختار وجه برلنتي عبد الحميد في "درب المهابيل" و "راوية عاشور" في "يوميات نائب في الأرياف"، ومساحات الصحراء الشاسعة وأفق الشمس البيضاء اللاهبة وجذوع النخل وهاماتها العالية قمما نحو السحاب في "المخدوعون"، ويعطي جموع الفلاحين، الواقعة تحت الحصار في "صراع الأبطال"، حركة وتخبطات الفزع لقطيع يهيم بلا قيادة ينشد الفرار من دون أن يدري كيف وإلى أين.قليلون الذين يحترمون الصمت ويفهمونه ويدركون طيات تربته وثرائها أما النادر فهذا الذي يعرف إدارته بكفاءة ويجيد طرحه ويدرك ضرورته الموظفة لإنطاق الفن السينمائي لغته الفريدة، وهذا القليل النادر هو لب أسلوب الإخراج عند توفيق صالح.***هم الآن، الأربعاء 21 أغسطس 2013، في سرادق عزاءك يا توفيق ظهرا تجنبا لحظر التجوّل في ظل الطوارئ، شاركت زوجتك الفاضلة "روضة" و ابنتك الحبيبة "ريم" العزاء هاتفيا، فلا يمكنني أبدا الذهاب إلى السرادق والمخاطرة برؤية الفنانين والفنانات، هؤلاء الوحوش البشرية الهاتفين بـ "أُفرم أفرم يا سيسي"!
الحمد لله يا توفيق الذي عافاك مما ابتلى به غيرك؛ رحمك الله وأثابك كل الخير.
رغم صداقة قديمة تربطني بهذا المُخرج السينمائي الفنان، (ترجع ربما لعام 1956 عن طريق صديقنا المشترك صلاح جاهين)، إلا أنني لم أكن قد شاهدت أيا من أعماله حتى زيارتي له يوم الإثنين `22 فبراير 1999 لتهنئته بجائزة الدولة التقديرية في الفنون لعام 1998، وقد يبدو ذلك من الأمور الغريبة إلى درجة الإستنكار لكن الظروف التي تحكمت في مسار حياة توفيق صالح ومسار حياتي تبرر بقوّة هذا النقص غير اللائق في التواصل؛ فاتني مشاهدة فيلمه الأول "درب المهابيل"، الذي أخرجه عام 1955، لأنني لم أكن أذهب وقتها لمشاهدة أي فيلم عربي حيث كنت مُكتفية بما تعرضه سينما الأندلس الصيفية المقامة أمام عمارتنا 116 شارع العباسية وكنا نشاهد أفلامها العربية مجانا من كل شرفات ونوافذ شقتنا المُطلة على شاشتها بوضع "لوج" درجة أولى ممتاز، وفاتني "صراع الأبطال، 1961، و "المُتمردون"، 1966، لأنني كنت في الولايات المتحدة في فترة دراسة متّصلة من أغسطس 1960 حتى أغسطس 1966، ولا أعرف سببا واضحا في ذاكرتي منعني من مشاهدة "زقاق السيد البلطي"، 1967، و "مذكرات نائب في الأرياف"، 1968، أما فيلمه "المخدوعون" الذي أنتجته سوريا 1971 عن رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس" وحصد به العديد من جوائز السينما العالمية فقد ظللت ألح على توفيق صالح أن يمكنني من مشاهدته وهو يسوّف طيلة مُعاصرتي له بالعراق، فترة وجودي ببغداد أدرّس مادة الدراما لطلبة كلية آداب جامعة المستنصرية من سبتمبر 1975 إلى 28 يونيو 1980، وبالطبع لم يكن ممكنا مشاهدة الإنتاج العراقي لفيلمه "الأيام الطويلة" الذي هو آخر أعماله. حين أصبح عندي "فيديو" يُمكنني من مشاهدة المتاح مما أريد مشاهدته أعارني توفيق صالح نسخا من أشرطة أفلامه المنقولة من برنامج "ذاكرة السينما" لسلمى الشمّاع. جلست أسبوعا أشاهد كل ليلة فيلما في مهرجان خاص أقمته لنفسي لمشاهدة كل أعمال توفيق صالح دفعة واحدة، محاكية تلك المهرجانات التي كانت تُقام بمحيط جامعة نيويورك، وحضرتها أثناء دراستي بها 1964 حتى تخرجي فيها يونيو 1966، في سينما مُتخصصة لعرض روائع تراث وعلامات الفن السينمائي؛ مهرجانات شاهدت فيها كل أفلام "شارلي شابلن" و "جريتا جاربو" و كل أعمال المخرجين العظام "إنجمار برجمان" و"أنتونيوني" و "فلليني" و "كازان"، ومهرجان أفلام الفن السينمائي الرائدة مثل "السماء فوقنا والأرض تحتنا" و "دكتور كاليجاري" ... إلخ.أهمية تلك المهرجانات أنها كانت تُكدّس في إحساسي الوعي المكتمل بالفنان وهمومه المستوطنة وقضاياه المتسلطة، بل كل "متسلّطاته" إذا أردنا توضيح المصطلح.
فماذا تكدّس لدي عند مشاهدتي مهرجاني الخاص لأفلام الفنان المُبدع الأمين توفيق صالح؟***داهمتني في البداية حالة من الدهشة الحزينة أمام كل هذه الهموم المستعادة؛ كيف تأتّى أن ما كان "بائدا"، بقيمه السلبية والمرفوضة والمحتج عليها والمطالب بإدانتها والعمل على التصدّي لها حتى لا تعود، أصبح حاضرا من جديد بوقع حثيث ثقيل يريد أن يستحكم ويسجّل هو إدانته لمن أدانه وقاومه؟***"درب المهابيل"، 1955، تصوّر حدوتة بسطاء يواجهون شظف العيش، وقصة حب شريفة يُعوّقها الفقر عن الاكتمال بالزواج، وحقّ يتم انتزاعه من صاحبه بنوازع الطمع الشرسة الكامنة في الطبيعة البدائية. ويُعيد "صراع الأبطال"، 1961، طرح أزمة الفقر كوباء، مُتخذا عام 1948 والعهد الملكي المستباح ساترا تدور في زمنه مشاكل الوطن المزمنة التي صاحبت كل الأزمنة من بعده ومن بعد بعده، طارحا الخلاص في بؤرة الوعي غير المُزيِف لجذور الأوبئة والأمراض والمعاناة. في "يوميات نائب في الأرياف" يبدو البطل ساخرا سُخرية من سبق له الحلم والتفاؤل بمستقبل أفضل ثم ضعضعته شبكة الفساد فأحنى رأسه واحتضن مثاليته بغصص المرارة: ما هو العدل؟ ما هو القانون؟ أهو نص أم روح؟ وهل للقانون، بنصّه أو روحه، قوّة تحقق العدالة ومقاليده وزمامه بيد الظالمين؟ تساؤلات توفيق الحكيم مسجّلة عام 1935، وتساؤلات توفيق صالح مُسجلة عام 1968، ولا تزال التساؤلات هي هي نفسها تؤرّقنا!مع " المخدوعون"، 1971، تصبح الرؤية أكبر من مأساة "رجال في الشمس"؛ إنها حقا الخداع والخديعة والخادعون والمخدوع، بإرادته، يمشي متحرّكا في سراب الصحراء حتى الإحتراق مُجازفا لعله يجد البديل عن مذلة السكون وقلّة الحيلة والجوع والأرض المسلوبة والتساؤل العريض أيهما أفضل: اختيار الموت أم حياة بعد اجتثاث الرجولة؟، بل هو التساؤل: أيهما يكون الموت حقا؟***تعتمد سينما توفيق صالح على قدر كبير من الصمت، الذي هو بالطبع ليس الخرس بل هو وسيلة خلق التواصل النفسي المشحون بين المشهد والمشاهد، حين تكون اللفتة ونظرة العين وكَدَر الوجه أو بسمة الشفاه هي المُعبّر الأبلغ أمام لا جدوى الكلمات؛ يختار وجه برلنتي عبد الحميد في "درب المهابيل" و "راوية عاشور" في "يوميات نائب في الأرياف"، ومساحات الصحراء الشاسعة وأفق الشمس البيضاء اللاهبة وجذوع النخل وهاماتها العالية قمما نحو السحاب في "المخدوعون"، ويعطي جموع الفلاحين، الواقعة تحت الحصار في "صراع الأبطال"، حركة وتخبطات الفزع لقطيع يهيم بلا قيادة ينشد الفرار من دون أن يدري كيف وإلى أين.قليلون الذين يحترمون الصمت ويفهمونه ويدركون طيات تربته وثرائها أما النادر فهذا الذي يعرف إدارته بكفاءة ويجيد طرحه ويدرك ضرورته الموظفة لإنطاق الفن السينمائي لغته الفريدة، وهذا القليل النادر هو لب أسلوب الإخراج عند توفيق صالح.***هم الآن، الأربعاء 21 أغسطس 2013، في سرادق عزاءك يا توفيق ظهرا تجنبا لحظر التجوّل في ظل الطوارئ، شاركت زوجتك الفاضلة "روضة" و ابنتك الحبيبة "ريم" العزاء هاتفيا، فلا يمكنني أبدا الذهاب إلى السرادق والمخاطرة برؤية الفنانين والفنانات، هؤلاء الوحوش البشرية الهاتفين بـ "أُفرم أفرم يا سيسي"!
الحمد لله يا توفيق الذي عافاك مما ابتلى به غيرك؛ رحمك الله وأثابك كل الخير.
Published on August 26, 2013 16:30
ودار الزمان دورته وفعل ما فعل ونحمد الله في كل الأحوال، في معرض والدي خبير الخطوط وفنانها 15 مارس 2013 ببيت السناري.
Published on August 26, 2013 12:13
August 25, 2013
صافي ناز عند التخرج بالماجستير في جامعة نيويورك يونيو1966.
Published on August 25, 2013 23:45
August 24, 2013
أحدث تجليات جنون البقر الإعلامي: كتب أحدهم، من فلول مباحث...
أحدث تجليات جنون البقر الإعلامي: كتب أحدهم، من فلول مباحث أمن الدولة، يأسف لأن الرئيس الأمريكي جونسون إنتصر لحقوق السود المدنية التي مكّنت أوباما من الوصول إلى البيت الأبيض!
Published on August 24, 2013 23:38
لا تجعل نفسك مزمارا في يد غيرك؛ يعزف بك عليك أنغامه، كما ...
لا تجعل نفسك مزمارا في يد غيرك؛ يعزف بك عليك أنغامه، كما يشاء، وقتما يشاء، فتغنيها كأنها لك، كأنها أنت!
عن شكسبير بتصرف وزيادة.
عن شكسبير بتصرف وزيادة.
Published on August 24, 2013 18:16
" من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فالقها في و...
" من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فالقها في وجهه"!
منسوبة إلى سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
منسوبة إلى سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
Published on August 24, 2013 01:07
August 23, 2013
آية من سورة فُصلت:
بسم الله الرحمن الرحيم:
"لا يسأم الإنسانُ من دعاء الخير وإن مسّه الشّرُ فيئوس قنوط (49)". صدق الله العظيم.
"لا يسأم الإنسانُ من دعاء الخير وإن مسّه الشّرُ فيئوس قنوط (49)". صدق الله العظيم.
Published on August 23, 2013 09:40