أحمد القاضي's Blog, page 8
April 22, 2011
فنجانٌ من القهوة
كانت ليلة أمس ليلةً خاصةً جداً، فقد تمكنتُ أخيراً من إرتشاف فنجان من القهوة بعد غياب إسبوعين عنها، فقد كنتُ ممنوعاً من أشياء كثيرة بعد أن تعب قلبي فجأة ولم يعد يُطاوعني على أن أمارس كُلَّ تلك الأنشطة العديدة التي كنتُ أقوم بها يومياً بحماسٍ ومجهودٍ متواصل دون مللٍ أو كللربما كانت ضغوط العمل هي التي أوصلتني إلى تلك النتيجة، ربما كانت الأسفار الطويلة المتعاقبة، ربما كانت ضغوط الحياة الإجتماعية، وربما كانت مصر التي أحملُها في قلبي أينما ذهبت، وتظلُ حاضرةً في فكري وأحاسيسي ونقاشاتي في كُلِّ مكان، وأخشى عليها من أي سوءٍ في كُلِّ وقت
المهم أنني قد أحسست فجأة أنني قد شُفيت بالأمس، وأنني يُمكنني مُخالفة أوامر الأطباء مُجدداً، فأنا أشعر بقلبي أكثر منهم جيداً دون أن أقوم بأية فحوصات أو أشعة أو قياسات، وها أنا قد تناولتُ فنجاناً من القهوة دون أن يحدث لي شيء، لكنني لازلت مُلتزماً بأوامر الأطباء في مسألة الإبتعاد عن النقاشات السياسية الحادة، وخصوصاً أن الأيام قد أثبتت لي أن الخلاف يُفسد للود قضية، على عكس ما كُنَّا نردد دائماً
ربما كان أفضل ما استفدتُ منه هي تلك اللحظات الغريبة التي كنتُ فيها تحت جهاز رسم القلب حيثُ العديد من الأسلاك المُتَصلة بجسدي، فبرغم أن المشهد لا يبدو جميلاً أبداً إلا أنني استطعت ولأول مرة أن أستعيد شريط ذكريات حياتي كلها خلال تلك الدقائق، وهو ترفٌ لم أكن لأتمتع به أبداً في الظروف العادية، وهو ما نَشَّطَ العديد من الذكريات والمشاهد في ذاكرتي، فزادتني متعة حياتية رغم وجود الألم
ومن عجائب الصُدف، كان ذلك بعد أن زرتُ القاهرة للمرة الثالثة بعد قيام الثورة المصرية العظيمة، وبرغم قصر إقامتي فيها، وبرغم أن الثورة قد خلقت بين الجميع حالةً ثريةً من الحوارات والنقاشات التي لم يكن يعهدها الشعب المصري، إلا أنَّه كان واضحاً أن التجربة برمتها حديثةً تماماً بالنسبة للجميع، وأن الغالبية من أبناء هذا الشعب – وأنا منهم – لازالت تحتاج إلى توعيةٍ سياسيةٍ سليمة، والأهم من ذلك هو أن يحترم كُلُّ مِنَّا الآخر حتى لو كانت قناعاته مختلفة عنا ومعاكسةً لها
تحدث معي بعض الأصدقاء عمّا يتوجب علينا أن نفعله تجاه بلادنا في هذه الأيام، فتوصلنا إلى أنه بجانب ضرورة دفع عجلة الإقتصاد كمطلب حيوي ورئيسي، فإن توعية الناس تأتي أيضاً في المقام الأول الآن، وهو أمرٌ ليس بالشيء السهل، وقد يحتاج الأمر منَّا عقداً كاملاً أو أكثر حتى نُحققه، لكن المهم هو أن نبدأ، وإتفقنا أن نبدأ
وبينما أنا هكذا بين الشأن الخاص والشأن العام، أخشى أن يكون فنجانُ القهوة بالإضافة إلى كتابة فقرتين سياسيتين هنا قد يؤثرا عليَّ سلباً مرة أخرى، وأنا لا زلتُ أتمنى أن أتناول فنجاناً آخر من القهوة عمَّا قريب، لذا سأكتفي بهذا القدر إلى أن نلتقي مع فنجانٍ آخر، وبقلبٍ أكثر صحة وحيوية وتسامح وصفاء
Published on April 22, 2011 07:37
March 29, 2011
الزوجة المصرية قبل وبعد الثورة
يقول سُقراط: تزوَّج يا بُنَّي، فإن كانت زوجتك جميلة الطباع .. صِرت أسعد الناس، وإن كانت سيئة الطباع .. صرت حكيماًمرحباً بكم وبالشعب المصري الحكيم، وأهلاً بكم في نادي الحُكماء، وأنا منكم وإليكم بالطبع
كان ذلك في الماضي، لكنَّ الأمر قد تغيّر الآن، فقد كانت مقولة سُقراط تنطبق تماماً على الزوجة المصرية قبل الثورة، لكننا الآن في عهد جديد، ولابد لنا من أن نتصالح ونغيّر التاريخ مرةً أُخرى، وأن نصل إلى صيغة توافقية جديدة تمكن الجميع من أن يعيشوا حياة أفضل، قولوا يا رب
كانت الزوجة المصرية تتميّز عن غيرها بأنها مصدرٌ للنكد والقتامة والتكدير، وقد احتار العلماء في ذلك السر الذي بسببه تتحول المُزَّة المصرية أثناء فترة الخطوبة وما قبلها، إلى ذلك الكائن الغريب ذو الشكل العجيب والفريد فيما بعد الزواج، فالزوجة يتغير شكلها الخارجي ويصاحبه تغير داخلي أيضاً في الطباع والعواطف، كل ذلك كان قبل الثورة
كانت الزوجة المصرية تنتظر عودة زوجها من عمله بفارغ الصبر كي تستقبله بكافة المشاكل والكوارث التي تُلقيها في وجهه بمجرد دخوله إلى المنزل، وبعد أن يكون الزوج قد أمضى يوماً عنيفاً في العمل مليئاً بالمُشاحنات والمُضايقات، وبعد أن يصل إلى المنزل وهو ينشد الراحة والهدوء ولا يستطيع أن يتحدث من فرط تعبه، يجد زوجته الأصيلة وهي تحكي له عن مشاكل الأولاد في المدرسة وعن صنبور المياه الذي يتوجب عليه اصلاحه، وعن المصباح الذي لا يُضيء، فيجد الزوج المسكين الدنيا وقد أظلمت في عينيه، ويجد أنه ينفر من المنزل الذي كان يحلم بالراحة فيه
كانت الزوجة المصرية لا تهتم بأناقتها وجمالها في المنزل إلا نادراً، وتحديداً إذا كانت في عزومة شهر رمضان التي تدعو إليها أهل زوجها أو أهلها، وفيما عدا ذلك فهي ترتدي من الثياب ما يصلح لأعمال ميكانيكي السيارات، وتضع من الروائح ما هو من مُشتقات البصل والثوم أو الكرنب في أفضل الأحوال، ولا تتعامل مع مستحضرات التجميل إلا عندما يتم دعوتها لحضور حفل خطوبة مها إبنة خالتها محاسن، أو ليلة الحنّاء لأختها الصغيرة التي أخيراً ستتزوج بعد ثلاثة خطوبات فاشلة
كانت الزوجة المصرية تدعي أن الزوج هو السبب في كل ما وصلت هي إليه، وكانت تدافع عن نفسها بطريقة ضربني وبكى سبقني واشتكى، أي أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع، فكانت تُصر على أن الزوج هو من يتوجب عليه أن ينظر إلى نفسه في المرآه ليرى الكِرش البارز أمامه، وأن يتأمل صلعة رأسه التي انحسر عنها الشعر إلى غير رجعة، وأن يُلاحظ ذقنه الطويلة دون حلاقة، ناسياً أنها هي التي بدأت كل ذلك، وأنه زهد الدنيا وما فيها بعد أن حاول أكثر من مرة أن يعيدها من طائفة الزوجات إلى مجتمع المُزَّز، إلى أن فقد الأمل وأدرك أن كل النساء كذلك ولا داعي للمحاولة
كان كل ذلك قبل الثورة، أما الآن فمن الحق والواجب علينا أن نرصد التغيرات التي حدثت في الزوجة المصرية، وأن نعيد صياغة تلك المفاهيم الخاطئة، وأن نعطي كل ذي حق حقه
أتدرون ما الذي تغير في الزوجة المصرية الآن بعد الثورة عما كان قبل الثورة؟
الإجابة: لم يتغير شيء
فلنعد إلى سُقراط مرةً أُخرى
Published on March 29, 2011 14:15
March 20, 2011
نعم .. التي لم تكن مفاجأة
بعيداً عن كافة التحليلات السياسية التي قتلها الجميع بحثاً وفحصاً وتمحيصاً وتفعيصاً، وبمنتهى البساطة والصراحة والوضوح والسرعةعزيزي المواطن المصري
في الإستفتاء الأخير الذي قام به المصريون للتصويت على التعديلات الدستورية الأخيرة، هل تعجَّبتَ من أنَّ نتيجة الإستفتاء قد جاءت بنعم، وبنسبة تتخطى السبعة وسبعين في المائة؟
هل تعتبر نفسك من ضمن أفراد ذلك الشعب الخاص الذي يدور في فَلَك القنوات الفضائية وجرائد المُعارضة والكومبيوتر والإنترنت والمُنتديات والمُدوَّنات والفيس بوك والجايكو والتويتر؟
عزيزي المواطن المصري المُتفاجئ
اذا كانت الإجابة بنعم، اذاً يتوجب عليك أن تعرف الآتي
بما أنَّ عدد سكان مصر في نهاية العام الماضي وصل إلى ثلاثة وثمانون مليون نسمة
وبما أنَّ عدد المصريين خارج مصر يبلغ أحد عشر مليون نسمة
وبما أنَّ عدد المصريين في الريف هم حوالي ستون في المائة من عدد السكان
وبما أنَّ عدد سكان العاصمة لا يمثلون أكثر من ربع عدد سكان مصر
وبما أنَّ عدد مستخدمي الانترنت في مصر ثلاثة وعشرون مليون شخص
وبما أنَّ عدد مشتركي الفيس بوك خمسة ملايين شخص في مصر
وبما أنَّ عدد مشتركي التويتر ربعمائة ألف شخص في مصر
وبما أنَّ الإنتخابات في المحافظات تعتمد إلى حدٍ كبير على القِبَليَّة والعائلات وليس الأحزاب
وبما أنَّ نصف الإقتصاد المصري هو اقتصاد موازٍ وليست له تسجيلات أو احصائيات
اذاً أنت تدور في فلك ضيِّق ظناً منك أنت تُمثل الشعب المصري كله، بينما أنت في الحقيقة تدور وتناقش وتتحدث مع الخُمس فقط من حجم هذا الشعب، أنت تعتقد أنَّك الأحق في أن تقود هذا الشعب في اتجاه رأيك أنت وماعدا ذلك فهم إما جهلاء أو طوائف أُخرى تريد اقصاؤها من الحياة السياسية وكأنَّها غير موجودة، وكأنَّك وحدك الوصيّ على هذا البلد دون غيرك
عزيزي المواطن المصري المُتفاجئ
كانت نتيجة الإستفتاء هذه المرة تُمثل مصر الحقيقية شئت أم أبيت، وهذه النتيجة هي التمثيل الحقيقي لحجم رأيك في الشارع المصري العريض، فعليك الآن أن تتفهم ذلك وتعيه جيداً، وعليك أن تتجاوز صدمة الحقيقة المُرة، وأن تعمل جاهداً من جديد على أن تصل قناعاتك لمن هم أبعد من تلك النسبة التي حصلت عليها، مادمت مُقتنعاً وحريصاً على مصر ومستقبلها
ومصر هتفضل غالية عليَّا
الصورة من الموقع الإلكتروني للدستور الأصلي
Published on March 20, 2011 13:46
February 23, 2011
ثلاثة وثلاثون ساعة في القاهرة
نعم، لا يوجد خطأ في عنوان المقال، فأنا أقضي أحياناً عشرة ساعاتٍ فقط في القاهرة، وأحياناً أربعة وعشرين ساعة، وربما يُسعدني الحظ مثل هذه المرة فأمكثُ فيها أكثر من يوم، إنها القاهرة التي أُحب معنى اسمها كثيراً، وهي من أكثر المدن التي أسافرُ إليها على الإطلاق، لكنَّها من أقل المدن التي أُبيت فيها على الإطلاق أيضاً، ولكنَّ هذا شأنٌ خاص وله حديثٌ آخركانت القاهرة هذه المرة مُختلقةً جداً، كُلُّ ما فيها غريبٌ وجديدٌ، تلمَّستُ ذلك منذ لحظة خروجي من الطائرة ومروراً بكُلٍّ الوجوه التي صادفتني، وكذلك عند احتكاكي وتعاملاتي مع الجميع أثناء التنقلات والشراء والإجتماعات، إنَّها آثار الثورة التي لم يتوقع حدوثها أحد، ولم يتنبأ بنتائجها أكثرُ المُتفائلين والمُحللين السياسيين، ولا زال الجميع يتجادل بشأنها وبشأن ما سيأتي بعدها، والكُّلُّ لم يزل في حالة ترقب
صار الجميع يتحدث في السياسة، وصار لكُلِّ فردٍ رؤيته وقناعاته، منهم من يستقي تلك القناعات من الآخرين، ومنهم من يؤسس لنفسه قناعاته الشخصية، كما أنني لمستُ بنفسي أنَّ الكُلَّ يتفقُ على حتمية تطبيق الديمقراطية، لكن عدداً كبيراً من هؤلاء الجمع يتخذُك عدواً لمجرد أن تتلفظ برأيٍ مخالفٍ لرأيهم، إنهم يحبون الديمقراطية لكنَّهم لا يستطيعون أن يمارسونها بعد، أتلمس العذر للجميع، وأبتسم
حمدتُ الله كثيراً أنَّنا من الدول القلائل التي لديها مرجعية مُحترمةً متمثلةً في هذا الجيش القوي وذلك المجلس العسكري الأعلى، فهناك العديد من الدول التي زرتها شرقاً وغرباً لا توجد لديها تلك المرجعيات العسكرية، ولا تلك الخبرات الحربية العريقة، وكم من دولٍ قريبةٍ منَّا تُعَدُّ بدون حماية تقريباً إذا ما تعرضت لخطر، والأمثلة كثيرة
وعندما يتحدثُ الناسُ عن الجيش، رأيتُ الكثيرين يتعجلون ويضيق صدرهم من رجالات الجيش لأنهم لم يقوموا بكُلِّ الإصلاحات اللازمةٍ فوراً، وهنا كانت لي ملاحظتين، أولهما هي كيف لنا أن نتعجَّل أن يقوم الجيش بإصلاحات أفسدتها عقودٌ طويلةٌ متراكمةٌ ومتشابكةٌ في أيامٍ قليلة؟ أي عقلٍ في هذا المطلب؟ وخصوصاً أن الفساد كان قد استشرى في جميع تفاصيل الحياة بكافة طبقاتها؟ وثانيهما أن الجيش ليس الخبير الأول في كافة مجالات الحياة من زراعة وصناعة وتجارة وتعليم واقتصاد وغيره، فلابد له من التأني والإستعانة بالخبراء في كافة مجالات الحياة، ويتوجب علينا ألا نُحمَّل الجيش فوق طاقته، أو أن نُحمِّلُه مالا يستطيع أن يعمله خارج تخصصه، لكن كيف تصل هذه الرسالة لشعب مكبوتٍ خرج كالمارد من القمم حديثاً؟ أتلمس العذر للجميع، وأبتسم
كان هذا عن الجيش، أما عن الشعب، فمثلما تغيرت طبائع الكثيرين إلى الأفضل، ومثلما صارت الثورة هي كلمة السر التي تستطيع أن توقف بها أي شخص يقوم بعمل سيء، ومثلما تجددت في مصر روح تعاونية جميلة بين الناس كانت قد اختفت وسط الأنانية المفرطة فيما سبق، كانت هناك سلبيات أُخرى تتمثل في أن التشكيك في كُلِّ شيء صار أمراً منتشراً للغاية وبشكلٍ يفوق التصوُّر، وقد تلاسن الكثيرين بالفعل لدرجة أنَّ هناك العديد من الناس لن يستطيعون التعامُلَ مع بعضهم البعض مستقبلاً، وعلى نفس القياس، فمثلما غيَّرت الثورة من الناس وكسرت حاجز الخوف بداخلهم، ومثلما صاروا يعرفون حقوقهم وواجباتهم ولا يُفرِّطون فيها مُجدداً، إلا أنَّ هناك من تخطوا تلك الشعرة الدقيقة بين الجرأة والوقاحة، فوجدنا من يتطاولون على أي شخصٍ لدرجة أن هناك مرؤسين صاروا لا يطيعون أوامر رؤسائهم في العمل، وأصبح ذلك أحياناً على مستوى من يعملون أعمالاً تندرج تحت بند تأدية خدماتٍ للآخرين أيضاً، وواجهنا مطالب فئوية منها ما هو معقولٌ وعادلٌ ومنها ما هو خارج حدود المنطق، وهو ما يتنافي مع قِيَم الثورة المصرية النبيلة، وهو ما أتمنَّى ألاً يستمر كثيراً وإلا استيقظنا على مجتمعٍ جديدٍ لن يستطيع أفراده أن يتعاملوا مع بعضهم أبداً، فقد خلق الله الناس طبقاتٍ ودرجاتٍ، وفضَّل بعضهم على بعضٍ
أتمنى أيضاً أن يفيق الجميع وأن ينتبهون إلى عجلة الإقتصاد، ففي وسط النشوة والفرحة بتلك الثورة الجميلة، لابد لنا أن نعيَ أنَّ الإقتصاد هو عصبُ الحياة، وإذا توقفت عجلة الإقتصاد في مرحلةٍ ما سيظهر تأثيرها السلبي لاحقاً فيما بعد، ولكي أُقرب إليكم الأمر أكثر، تخيلوا معيَ مخبزاً يقومُ بإعداد الخبز وبه مخزونٌ من الدقيق يكفيه لمدة عشرة أيامٍ مثلاً، إذا توقف المطحن ذات يومٍ عن امداد المخبز بالدقيق، ربما لن يشعر الناس بشيء، ذلك لأنَّ المخبر لا زال يُقدم للناس الخبز بشكلٍ طبيعيٍ لمدة عشرة أيام مُعتمداً على المخزون السابق، وما أن يأتي اليوم الحادي عشر سيكتشف الناس اختفاء الخبز، وهكذا الإقتصاد، لابد أن تكون عجلته في حالة دوران مستمر حتى لا تتوقف ذات يومٍ فيما بعد
هناك حقيقة أُخرى مؤلمة، تظهر تلك الحقيقة كُلَّما تمَّ ترشيح اسمَ شخص ٍما لتولي منصب ما، فما أن يتم الترشيح اذا بالكثيرين يُفندون مساوئ ذلك الشخص المقترح ويعددون السلبيات فيما كان في تاريخه سابقاً، ينسى الجميع أنَّنا كُنَّا جميعاً نتفاعل مع النظام السابق بطريقةٍ أو بأُخرى، نسيَ الجميع أنه لكي تعيش في مصر فإنه كان يتوجب عليك أن تتعايش مع كُلِّ ما هو متعلقٌ بذلك النظام البائد، فالآلاف كانوا يعملون في مصانع وشركات يمتلكها هؤلاء ممن تم القاء القبض عليهم الآن، والكثيرين منَّا كانوا يقومون بدفع الرشاوي ويبحثون عن الواسطة لقضاء أعمالهم، فالجميع مُدان ولا ريب، تذكرتُ ذلك وأنا أرى أحد المؤرخين الكبار الذين عاصروا فترات حُكْم جمال عبد الناصر والسادات، كان يتحدث ويُحلل ما حدث أثناء الثورة ويتشفَّى في مُبارك وكأنَّه ملاكٌ نقيٌ من أية شائبة، رغم أنَّني أعرف جيداً عن هذا المؤرخ أنَّه كان فيما مضى يغضُّ الطرف عن أحداثٍ جسيمةٍ كعزل عبد الناصر لمحمد نجيب واندثار ذكره، ورغم أنَّني أعرفُ جيداً أيضاً أنَّ هذا المؤرخ له ابنٌ هو رجل أعمال شهير يمتلك احدى بيوت التمويل المليارية العجيبة التي ظهرت فجأة وتقاطعت مع مجال عملي ذات يوم، وهو من أحد المُستفيدين من عهد مُبارك، وأضع أنا والجميع عليها علامة استفهام كبيرة عن مصادر أموالها وصفقاتها المُريبة
المهم، انتهت زيارتي القصيرة لمصر بسرعة، لكنَّها كانت بالنسبة لي بمثابة ثلاثة وثلاثون يوماً وليس ثلاثة وثلاثون ساعة، أرتقي سلم الطائرة وأنا أنظر إلى القاهرة من خلفي قبل الرحيل مرةً أخرى، أجدني أقول في نفسي: صبراً شعب مصر، فالأمور تحتاج لوقت ليس بالقليل كي تنضج، ولن تكون النقله للأفضل فجائية، ولن تكون مصر هي المدينة الفاضلة بين يوم وليلة، لكنَّني متأكدٌ من أن الغد لن يكون أبداً أسوأ من الماضي، بل بإذن الله أفضل
Published on February 23, 2011 01:46
February 11, 2011
تَنَحِّي مُبارك عن حُكم مصر
وكأنَّنا نعيشُ حلماً ساحراًإنَّهُ يومٌ للتاريخ والتأريخ وهذا يكفي الآنتنحَّى اليوم "مُبارك" عن الحُكم في مصروندعو الله عزَّ وجل أن نرى مِصر أفضل بإذن الله
Published on February 11, 2011 08:58
February 6, 2011
تعادُل بِطَعم الفوز
لنتفق من البداية، لا أتحدث هنا عن تحليلٍ سياسي أو شرحٍ للمواقف، فقد تشبعنا بِكَمٍ ضخمٍ من التحليلات والرُؤى والمناظرات، لكنني أتحدث هنا عن زاويةٍ جديدةٍ من خارج الصندوق رُبما خَفيَت عن البعض وسط الأحداث التي عصفت بنا ولم تهدأ، فالثورة المصرية لعام 2011 كانت ولا تزال وستظَّل هي أعظم الثورات المصرية على الإطلاق في كُلِّ جوانبها، إن لم تكن من أعظم الثورات في العالم أجمععلمتني الثورة الكثير الكثير، وأهمُّ ما تعلَّمتُه هو أن الغضب قد يُشوَّش تماماً على العقل ويُعمي البصر ويؤثر على نقاء البصيرة، وهو ما رأيناه – ولا زلنا نراه – من احتدادٍ رهيب في النقاشات اليومية بيننا جميعاً، والتي وصلت جميعُها إلى الحدِّ الذي يُفرِّق بين الناس وبعضهم البعض، برغم أن الصورة واضحة وبرغم أن الأمور أصبحت إلى حدٍ كبير مُحدَّدة
أتدرون لماذا لا زلنا نتناقش بحدَّة حتى الآن؟ أتدرون ما السر وراء تلك المَكْلَمَةِ العظيمة التي لا تنتهي بين الناس؟ إنها الصدمة والهوَّة التي تفصل بين الأحلام والواقع، بين الأُمنيات والإنجازات، بين الطموح والإمكانيات، بين القلب والعقل
تخيلوا معي أننا في مباراة لكرة القدم في كأس العالم وتفاجأنا بأننا في الإفتتاح قد انتصرنا على البرازيل وهي الأولى في اللعبة على مستوى العالم مثلاً بهدفٍ للاشيء، أتدرون ماذا سيحدث حينها؟ سيرتفع سقف الأحلام وسيأتي من يقول أننا من المُمكن أن نحصل على كأس العالم، فإذا جاءت المُباريات التالية تَكَشَّفَ لنا أن مُستوانا لا يرقى لذلك وستكون هزيمتنا صادمةً وبشدَّة
كُنَّا جميعاً نحن والثوار نحلم بنصرٍ ساحقٍ، ستة أهدافٍ مقابل لا شيء، وكنتُ معهم أحلم بأعلى سقفٍ ممكنٍ للأحلام، لكنَّنا نسينا أنَّ هناك أمورٌ أُخرى في المُقابل تحول بيننا وبين ذلك النصر الساحق، ولا أريد أن أتحدث عنها بالتفصيل هنا، فمقالي هذا ليس تحليلاً سياسياً للموقف
درسنا ذات يومٍ في كُلية الهندسة أنك إذا ربطت حجراً بسبعة حبالٍ من أطرافٍ مُختلفةٍ ثم أخذ كُلُّ رجل يشد طرفاً من الحبال كُلُّ في اتجاهٍ مخالفٍ، فإن الحجر سيتحرك في اتجاهٍ ربما لا تتوقعه أنت أبداً، إنه سيتحرك في اتجاه مُحصلة القوى المُختلفة، والتي يتخلف كل منها في حجم قوته واتجاهه
هذا هو لُبُّ القصيد، فكُلُّ طرفٍ يظنُّ أن الحجر سيتحرك – أو لابد أن يتحرك – في إتجاهه هو فقط، مُتناسياً أن هناك أطرافاً أُخرى مُتعددة تُريد أن يتحقق لها نفس الأمنية، وهو ما يدل على أن الجميع لا يعرفون أن العدل البشري (وليس العدل الإلهي) ما هو إلا تحقيق التوازن بين المصالح المُتعارضة، حتى وإن كان بعض المصالح تلك لا تنطوي على فطرةٍ سليمةٍ، ولا عجب أبداً فيما أقول، فتلك هي سُنَّة الحياة، وتلك هي طبيعة الأشياء، فقد خلق الله تعالى الحقَّ والباطل، ولا تأتي الريح بما تشتهي السفن دائماً، وليس كُلُّ ما يتمناهُ المرء يُدركه
كنتّ أتمنى مثل الجميع نصراً ساحقاً للثورة، يتغيَّر فيه النظام العسكري الحاكم بأكمله، وأن أرى دولةً مدنيةً ديمقراطيةً يحكمُها الدستور الذي سنتفق جميعاً عليه، ويختفي منها الفساد والمصالح الخاصة، وأن نتخلص من المصالح الدولية الحقيرة التي تلوث بلادنا منذ عقود
لكن الأمر ليس بهذه السهولة، وليست كُلُّ كروت اللعبة في أيدينا، إنها لعبة الشطرنج اللعينة التي لا تستطيع أن تُحرَّك فيها قطعةً واحدةً بدون أن تدرس تأثير بقية القطع المُنافسة على ذلك التحرك الذي تنوي عملُه، وللأسف دائماً ما تكون قُدرة الفرد الواحد على الصمود ضعيفة أمام عجلة الحياة والحاجة إلى دورانها
يكفي هذه الثورة شرفأً أنها قد حرَّكت المياه الراكدة، وأرغمت النظام على العديد من التنازلات التي لم يكن أبداً يُفكِّر أن يقوم بها ذات يومٍ، كما يكفي هذه الثورة فخراً أنها قد كسرت الحاجز النفسي بين الشعب والنظام وإلى الأبد، وأنا على يقين من أنَّ المسؤلين سيقومون بأداءٍ أفضل مُستقبلاً، خوفاً من شعبٍ عظيم ظهر أخيراً أنَّه ليس قطيعاً من النعاج يُمكن أن يسوقه أي شخص في أي اتجاه
أستخلصُ من هذه الثورة أنَّ هذه الجولة قد انتهت بالتعادل، لم يتحقق النصر الكامل الذي حلمنا به هذه المرة، وسيحتاج الامر إلى جولةٍ أخرى ومباراةٍ أخرى، كانت النتيجة هذه المرة تعادلاً .. لكنهُ بطعم الفوز
Published on February 06, 2011 12:28
January 9, 2011
فاصِل شَحْن
نعم أنا فاصِل شَحْن .. أعترفُ بذلك وأعتز بذلك، بل وأُقرُ بذلك أيضاً .. أنا مبسوط كِده .. أنا مرتاح كِدهلابد لي من أنزع مِقبس الكهرباء (الفيشة يعني) والمُتصلة برأسي فتحدث المُعجزة التي أتمناها منذ زمنٍ طويل، فتصيبني عوارض البلاهَة والعَتَه وأُفكرُ فقط في اللاشيء .. حيث الفراغ والخواء وراحة البال
تتابع الأحداث من حولنا داخل الوطن وخارجُه بشكلٍ عنيف، ونرى الخطرَ وهو يُحدّقُ بنا من كل اتجاه، حيث لم يعد هناك أمان في الحاضر ولا طمأنينة للمُستقبل، نفكر في كل لحظة تمر بنا في كافة الإحتمالات التي يُمكنها أن تتحقق من جراء كل تلك الأحداث، تزدحم الرؤوس بالكثير من السيناريوهات ويُصبح العقل وكأنه محولٌ كهربائي تم تصميمة على أن يتحمل جهداً مقداره 220 كيلو فولت، فإذا به يتعرض إلى ألف ألف فولت، فينفجر
نعم، لقد انفجرت رأسي بالفعل من جراء ذلك الزحام الرهيب، الكل يعبث فيها وبها ويرميها في كل اتجاه، أعني رأسي، فقررتُ فجأةً ألا أقرأ أي خبر، وألا أكتب عن أي موضوع، وألا أقوم بتحليل أية حادثة
لم أعد حريصاً على مطالعة الصحف والمجلات، وامتنعتُ عن متابعة البرامج التليفزيونية والتويتر، كما أنني أحجمتُ تماماً عن الدخول في أية نقاشات أوتحليلات تفصيلية مع الزملاء والأصدقاء
أخذت أبتعد عن هؤلاء الذين ما أن يرون وجهي حتى يقولون: شُفت اللي حصل امبارح؟ لا أريدُ أن أعرف شيئاً، لا أريد أن تصيبني ذبحةً صدْرية أو أزمة نفسية أو ارتفاعٍ مفاجئٍ في السكر أو ضغط الدم، لا أريد أن يأتي ذلك اليوم الذي يرى فيه أحدُكم شخصاً ما عاري الجسدِ يجري في الشوارع ويقذفُ المارةِ بالطوب، ويكون ذلك الشخص هو أنا
ببساطة .. أصبحتُ فاصِل شَحْن
Published on January 09, 2011 12:32
December 29, 2010
عام جديد؟
خدعوكَ فقالوا أن هناك عاماً جديداً سيبدأ بعد أيام قليلة، ولا أنكر أنني قد تم خداعي أنا أيضاً بنفس الطريقة قبل ذلك مراتٍ عديدة. لا أدري من هو ذلك الشخص الذي أقنع الجميع بأن هناك عاماً جديداً سينقضي مع انتهاء ليلة اليوم الواحد والثلاثين من شهر ديسمبر، ليبدأ بعدها عاماً جديداً صبيحة اليوم الأول من يناير؟ ما الذي سيتغيّر فجأةً بين ليلةٍ وضحاها هكذا؟ ما الذي يجعل الإنسان يظنُ أن أموره قد تتيغيّر من حالٍ إلي حال بمُجرد أن يقضي تلك الليلة وكأنه قد سافر فجأةً من بلدٍ إلى بلدٍ آخر فيتغيّر كل شيء من حوله؟ففي مثل هذه الأيام من كل عام تخرج علينا الصُحف والمَجلات والكُتب وهي تتحدث عن توقعات الأبراج والفلك لما سيقع من أحداث في العام المُقبل، كما نرى أيضاً العديد من الإحصائيات والتقارير التي تتحدث عن أحداث العام المُنصرم، كل هؤلاء يتعاملون مع العام الماضي وكأنه صندوقٌ منفصلٌ بذاته، حيث سيتم اغلاقُه بعد قليل ليرحل بما بداخله، وبعدها تمتلئ القلوب بالأمنيات بأن يكون العام القادم أفضل مما سبقه، وأن تتغير كل الأمور مما هي عليه إلى ما هو أجمل
حسناً، لا أعني من كلامي هذا أنني لا أتمنى أن يسود الأمل بيننا أوأن يملأ التفاؤل قلوبنا، فما أجمل أن نعيش بروح معنوية عالية ونفس راضية، لكنني أريد أن أشير إلى تلك اللحظات المُحبطة التي يكتشف فيها كل منّا أن الأيام الأولى من يناير لا تختلف كثيرا عن تلك التي سبقتها في أواخر ديسمبر، فالأحوال مُستمرة كما هي، والظروف المُحيطة بنا لم تتغير كثيراً، وكأن شهر ديسمبر لا يزال مُمتداً، وكأن العام الماضي لم تنتهِ أيامُه بعد
ما هو الحل لهذه المُعضلة إذاً؟ هل نستسلم في نهاية كل عام إلى أوهامٍ سُرعان ما سنكتشف أنها مُزيفة وكاذبة بعد أيامٍ قلائل؟ أم أننا سنعتاد تلك الأحلام في نفس التوقيت من كل عام وكأنه قد صار موسماً ثابتاً للأوهام؟ الحل هو أن يصنع كل منا عامَه الخاص به، ألا ننتظر البدايات التي تأتي مع أوائل الشهور والأعوام، وألا ننتظر تلك الأحلام التي تأتي مع تنبؤات الفلكيين والمُنجمين، بل يجب ان يسعى كل منّا لأن يتعرف على حلمه وأن يشرع في تحقيقه بكل ما أوتي من قوة في أي وقت من العام، وحينها ستكون تلك اللحظة هي بداية العام الخاص لكل واحد منّا، وسيكون العام الواحد ممتلئاً بالعديد من شهور يناير، ومن يدري، فربما تتحقق العديد من الأحلام ويصبح العام الواحد مليئا بالأعوام الجديدة
كل عام وأنتم بخير
اسمعوا معي: ابدأ من جديد
مهما كان حلمك بعيد
مهما كان صعب وعنيدحتى فى نهاية الطريقابدأ من جديد
Published on December 29, 2010 15:17
December 15, 2010
أطول ثوان
أُدرك وأعي تماما أنها كانت مُجرد لحظات .. ربما مُجرد ثانيتين أو ثلاثة أو أربعة ثوان .. لكنها لم تستغرق أكثر من ذلك أبدا .. ورغم ذلك فقد حدث فيها كل ذلكيقول العلماء أن الأحلام التي نُشاهدها أثناء نومنا لا تستغرق أكثر من خمسة عشر ثانية على أقصى تقدير، لكننا نظنها تستغرق ساعتين أو أكثر كالأفلام، وسبب ذلك هو كثرة وتعاقب وتداخل الأحداث التي نُشاهدها ونعيشها أثناء الحلم، الآن تحققت من كل ذلك بنفسي، وما عشته خلال تلك اللحظات كان أيضا حلم .. أو كالحلم
حدث ذلك عندما كنتُ أقود سيارتي بسرعة على الطريق السريع حينما انحرفت نحوي فجأة تلك الشاحنة .. حينها رأيتُ الموت وهو يقترب مني أو أنا الذي أقترب منه .. فلن يستغرق الأمر أكثر من ثانيتين أو ثلاثة أو أربعة ثوان على أقصى تقدير وسأكون قد اصدمتُ بتلك الشاحنة لتسحقني سحقاً .. لم أكن أعرف هل سأشعر بالألم خلال تلك الثواني البسيطة التي ستسبق موتي أم أنني سأموتُ فجأة ولن أشعر بشيء؟ أتمنى دائما أن أفارق الحياة دون ألم
ربما كانت ثانيتين أو ثلاثة أو أربعة ثوان .. لكنني تذكرتُ فيها زوجتي بل وتخيلتها وهي تستقبل خبر وفاتي .. أعلم أنها ستجزع وتنهار وقد تظل على ذلك لشهور عديدة قادمة، لكنها ستعتاد غيابي بعد ذلك بعدة شهور كما أنها ستكون مُمتنة لأنني لم أكن مُقصرا في تأمين مستواها المعيشي المرتفع سواء كنت حيا أو ميتا، فبوليصة التأمين على حياتي ستوفر لها دخلاً شهرياً مرتفعاً لن يُشعرها بأي تغيير أو نقص مادي. فكرتُ حينها .. هل ستفتقدني زوجتي حقاً أم أنها ستفكر بأن ترتبط برجل غيري من بعدي؟ أعلم أنها ستكون مطمعاً للكثيرين حينها وسيحوم حولها الكثيرون، ومن يدري فربما تميل هي إلى أحدهم بعد أن تعتاد نسياني، أغتاظُ بسبب ذلك كثيراً جداً لكنني لن أستطيع أن أمنعها من فعل ذلك وأنا ميت بالطبع
ثانيتين أو ثلاثة أو أربعة ثوان .. ماذا عن أطفالي إذاً؟ يؤلمني جدا أن يعيش أبنائي بدون أب وهم صغار هكذا، كيف تراهم سيستقبلون خبر وفاتي؟ دعنا من التفكير في أيام تقديم العزاء وزحام زيارات الأصدقاء، ماذا عن تلك الأيام التي سينفض فيها الناس من حولهم؟ هل سيتنفسون الصعداء لأن رقابتي لهم قد انتهت؟ هل سينعمون بمظاهر اللهو واللعب التي كنتُ أقوم بتقنينها لهم؟ هل ستكون أمهم مهتمة بمستقبلهم العلمي والأدبي مثلما أنا كنتُ على قيد الحياة؟ أم أنها ستنشغل بحالها عنهم؟ يكادُ رأسي ينفجر من الإحباط حينها لكن ما الذي يمكنني فعله وأنا ميت؟
ثانيتين أو ثلاثة أو أربعة ثوان .. ماذا عن المنصب الذي كنت أشغله؟ أتخيل هؤلاء الأفاقين الذين كنت أحجم دورَهم وهم فرحين برحيلي لأنني كنت دائماً العقبة التي تُعيق ألاعيبهم، أراهم وهم يتصارعون من بعدي على الكرسي الذي كنتُ أشغله، وأراهم وهم يدبرون السرقات والمخالفات فتحترق دمائي داخل عروقي، لكنني لن أستطيع أن أمنعهم وأنا ميت
ثانيتين أو ثلاثة أو أربعة ثوان .. كنتُ قد نجحتُ في الإنحراف بسيارتي متفاديا تلك الشاحنة بإعجوبة .. وكأنني أتخطى الموت وأعود إلى الحياة مجدداً .. تنفستُ الصعداء وتحسستُ جبهتي وكأنني أتأكد من أن جسدي لازال سليما وأنه يمتلئ بالحياة .. وماهي إلا ربع ساعة وكنتُ قد وصلتُ إلى منزلي
أدخل إلى المنزل فأجد زوجتي وهي تقوم بالعناية بأظافرها، ينتابني الشك والريبة فيها لأنها كانت منذ لحظات ستتزوج من آخر وتغدق عليه من أموالي أنا، وأغضب من أبنائي الذين كانوا سيعيثون فسادا من بعدي منذ قليل
Published on December 15, 2010 09:00
December 2, 2010
قَطَر التي لم تحصل على صفر
لنتفق من البداية، لكُل من يريد أن يتحدث عن الريادة المصرية في الماضي، أقول له أنني لا أنسى ذلك الأمر أبداً ما حييت، مثلما لا ينساه كذلك لا القطريون ولا غيرهم من بقية الأشقاء العرب، فالجميع يعي تماما أننا – أعني المصريين -كنا الرواد في جميع المجالات، ولكن ذلك كان في الماضي، بينما نحن نتحدث الآن عن الحاضر فشكراً لكم، ولِنَدَع الحديث عن الريادة المصرية لوقت آخر وحديث آخرولنتفق من البداية مجدداً، لكُل من يريد أن يُذكرني بأن مساحة دولة قطر لا يمكن مقارنتها بمساحة مصر، أقول له أنني أعلم تماماً أن مساحة دولة قطر تزيد بالكاد عن واحد في المائة من مساحة مصر، أي أنها أنها تُمثل تسعة عشر في المائة من مساحة سيناء
ولنتفق مرة أخرى، فلكل من يريد أن يقول أن قطر دولة نفطية وبها أكبر احتياطي للغاز في العالم بينماعدد سكانها لا يتعدى المليون نسمه، أقول له أنني أعرف أن لمصر موارد متعددة لم تنعم بها أية دولة أخرى عبر التاريخ، فمصر تنعم بكل تلك النعم منذ آلاف السنين وحتى الآن، بينما دولة قطر لم تر تلك الثروات النفطية إلا منذ عقود قريبة، فالمقارنة ليست عادلة لأننا كمصريين الأغنى بالفعل، ولهذا حديث آخر
المهم، كفانا من الإتفاقيات الإفتتاحية تلك الآن ولنبدأ في التحدث في صُلب الموضوع، فالمُناسبَة التي نتحدث عنها الآن يعلمها الجميع ألا وهي حصول دولة قطر على شرف تنظيم مسابقة كأس العالم لكرة القدم للعام 2022 متفوقةً بعرضها الذي قدمته عبر ملفها الرائع عن كل المنافسين الآخرين وهم للعلم الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكوريا الجنوبية واستراليا!
هذا الفوز القطري هو نفسُه ما فشلت فيه مصر منذ عدة سنوات عندما كانت تتصارع مع دولة جنوب افريقيا لنيل شرف تنظيم المسابقة ذاتها في العام 2010 وهو ما نذكره جميعا بحادثة صفر المونديال الشهيرة، حيث نال حينها الملف المصري على درجة صفر، وهو ما أصاب الجميع بالدهشة والصدمة، فقد كان الشعب كله على يقين تام من أن فوزنا بتنظيم المسابقة هو أمر مفروغ منه، ولم لا ونحن الرواد بلا شك؟ إنه الغرور وعدم الإعتراف بالواقع والإرتكان إلى أمجاد الماضي التي لا تُسمن ولا تغني من جوع الآن، كان الحدث مثالا لعدم المعرفة الحقيقية بما كُنا مقدمين عليه، فخرج الملف المصري بعيدا عن الإحترافية والإقناع، مثل كافة الأمور الأخرى التي تُدار في مصر
أعرف أن قطر دولة صغيرة، وأعرف أنها لا تمتلك من المقومات الجغرافية والبشرية ما يُعينها على التوسع بشدة، لكنها مع ذلك اختارت ألا تستسلم لتلك الظروف، وقررت أن يكون لديها مكانا بين الكبار، ولم لا؟ فالعبرة ليست بالكم كما يظن البعض بل بالكيف والكفاءة والجودة. أتذكرون عندما تم اطلاق قناة الجزيرة من قطر؟ لا أناقش الآن أداء قناة الجزيرة ولا توجهاتها، لكنني أشير هنا إلى أن قناة الجزيرة كانت أن أول من قام بمحاكاة ثم منافسة القنوات الإخبارية العالمية كقناة السي إن إن الأمريكية وقناة البي بي سي البريطانية، بينما لم يكن لتليفزيون الريادة المصري تواجد مماثل وحتى حينه، فقناة الجزيرة هي نموذج لما أعنيه عن كيفية البحث عن مكان بين الكبار، والنجاح فيه
ما علاقة قناة الجزيرة بكأس العالم إذاً؟ إنها مجرد مثال فقط لما أعنيه عن كيفية مُناطحة الكبار، فما أريد أن أقولُه هو أن النموذج القطري في مُعالجة الأمور يتسم دائما بالإحترافية الشديدة، وإذا لم يتوفر من يحققون تلك الإحترافية داخل البلاد فإنهم لا يركنون إلى نظام الفهلوة أبدا، بل يعطون الخُبز لخبازُه كما نقول نحن في أمثالنا المصرية، وبناء عليه فأنا لا أخفيكم سراً عندما أقول أنه كان لدي احساس قوي بأن قطر ستفوز بشرف تنظيم هذا المونديال بالفعل، ولمن لا يعلم، فقد كان هناك تجربة مماثلة عندما نظمت قطر دورة الألعاب الأسيوية عام 2006 بنجاح منقطع النظير، حيث أبهرتنا قطر حينها بالتنظيم الفائق الجودة والإحترافية العالية والمستوى المتميز
لا أتحدث هنا عن قطر وما حققته مؤخرا - خلال عقدين فقط من الزمان - من انجازات مرموقة على أصعده عديدة مثل البنية الأساسية والصناعات النفطية والصناعات الثقيلة واستقدام الجامعات والمعاهد الدولية وصناعة المؤتمرات والخطوط الجوية القطرية المتميزة والمطار الرائع، لكنني أدعوكم للتفكير في أمر واحد وهو كيف للملف القطري أن يتفوق على نظيرة الأمريكي أو الياباني أو الكوري أو الأسترالي وجميعها دول عريقة ذات سطوة اقتصادية وخبرة دولية مرموقة؟ ما السر الذي يجعل الملف القطري أكثر احترافية من هؤلاء وأكثر اقناعا بأنها الأجدر بتنظيم حدث كبير كهذا؟ ستجدون أن الإجابة عن هذه الأسئلة هي ذاتها نفس الإجابات التي تُفسر صفر المونديال الشهير ولا عجب
تتبقى نُقطة أخيرة أود أن أتحدث فيها، فحزب أعداء النجاح ومحبي النصف الفارغ من الكوب يتحدثون دوما عن مدى جدوى الإنفاق المالي الضخم على المنشآت الرياضية والملاعب والفنادق؟ وما هي الإستفادة من كل ذلك بعد انتهاء المونديال؟ أقول لهؤلاء باختصار أن تنظيم المونديال مثله مثل أي مشروع اقتصادي له جدوى اقتصادية، فيها حسابات للأرباح والمصروفات، وتلك الأرباح يوجد منها ما هو مباشر كأرباح تذاكر حضور المُباريات والنقل التليفزيوني والفضائي والسياحة وانعاش حركة الطيران والإشغال الفُندقي إلى آخره، وهناك الأرباح الغير مباشرة والتي أحيانا يُمكن تقديرها ماليا كالدعاية المجانية للبلاد، وأحيانا قد لا تُقدر بمال أبدا، حينما تصبح دولة كقطر رائدة في تنظيم حدث عالمي كهذا في منطقتنا العربية، وتُصبح حديث العالم منذ اللحظة الحالية ولسنوات طويلة عديدة. هذا بخلاف أن كل تلك المنشآت سيستفيد منها أجيالا عديدة في المستقبل القريب والبعيد
فبعيدا عن أية أمور جانبية قد تصرف نظرنا عن الحقائق الدامغة وضوء الشمس التي تظهر في وضح النهار، دعوني أُحيي قطر التي لم تحصل على صفر، ولنعمل نحن من الآن على أن نحقق انجازاً مماثلا على الأقل حتى نستعيد ثقتنا في أنفسنا، وحينها سنكون قد بدأنا أول خطوة على طريق إستعادة الريادة من جديد، إذا كنا فعلا نتمنى ذلك
Published on December 02, 2010 14:35


