أحمد القاضي's Blog, page 7
November 8, 2011
مَشَاهِد مَعَ الحَجِّ
المشهد الأوَّل: موسم الحَجِّ عام 2006 وأنا أُنهي طوافَ الوداع بالحَرَم المَكّي، يقتربُ موعدُ الحافلة التي ستُقلنا إلى مكان السَكَن بِمكة ومِنها إلى المطار، أبكي بشدّةٍ ولا أُريد أن أُغادر الحَرَم المَكّي، يجذبُني الأصحابُ مِن يدي بالقوة لنلحقَ بالحافلة، فأدعو الله عزَّ وجلَّ وأنا ما زالت أبكي بأن أعود مُجدداً إلى هذا المكان الطاهر في العام التالي
المشهد الثاني: يوليو 2007 وأنا أدخل الحَرَم المَكّي بعد يومين مِن استلام عملي الجديد بالسعودية، أسجدُ للهِ شاكراً على أن أجابَ دُعائي الذي دَعوتُه مُنذُ سبعة شُهور، وأصبحتُ مُقيماً بالقُرب مِن مَكَّة على مسافة ساعةٍ بالسيّارة
المشهد الثالث: موسم الحَجِّ عام 2008 وأنا لا أُصدّق أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد اختارني مَرَّةً أُخرى لأكونَ مِن ضيوف الرحمن في هذا الحدث المُهيب، فأُعاهد نفسي على أن أحُجَّ بيت اللهِ مَرَّةً كُل عامين، وأحلُم بالحَجِّ عام 2010 إن كان في العُمر بقيَّة
المشهد الرابع: مُحاولاتٌ مُستميتة قبلَ موسم الحَجِّ لعام 2010 لحجز مكان مَع شركات الحَجِّ المُختلفة، وتبوء جميعُها بالفشل لأسبابٍ غريبة، برغم استيفاء الأوراق وسداد الرسوم كُلِّها، فعَرَفتُ أنَّني لم أكُن مَدعُواً لأكونَ مِن وفدِ الله عزَّ وجلَّ، وأن عهدي الذي قطعتُه على نفسي لا يتحقّق إلا بِمشيئة اللهِ عزَّ وجلَّ، فأبكي مَرَّةً أُخرى
المشهد الخامس: موسم الحَجِّ عام 2011 في اللحظات الأخيرة قبل غروب شمس يوم عرفه، حيث يتجلَّى اللهُ لعبادِه ويدنو مِن صعيدِ عرفه بِما يليقُ بجلاله، فيُباهي سُبحانه الملائكة بالحجيج ويغفرَ لهم ويستجيب دُعائهم، أقفُ وأرفع يدي إلى السماء وأبكي بحُرقة سائلاً الله عزَّ وجلَّ ألاَّ يحرمني أبداً هذا الفضل، وأحمدُه وأشكره سُبحانه على أن مّنَّ عليَّ مّرَّةً ثالثة بهذه النعمة العظيمة، ثُمَّ أسمع أذان المغرب فأجلس وأنا كُلِّي خوف ألاَّ يُستجابُ لي هذا الدعاء
وعلى الهامش: لا يُنكر إلاَّ جاحِد أن السُلطات السعودية قد قامت بمجهودٍ جَبَّار هذا العام لإنجاح هذا الحَجِّ، وقد لمستُ هذا التطور بنفسي لأنَّني حَجَجتُ قبل ذلكَ مَرَّتين، كان أهمُّ ما في الحَجِّ هذا العام هو اكتمال مشروع قِطار المَشاعِر المُقدَّسة الذي يربطُ بين عرفات ومُزدلفة ومِنَى ولكُلٍ مٍنها ثلاثة مَحَطَّات، أي بإجمالي تسعة مَحَطَّات، ويُنتَظَر أن يُستكمَل الخطّ الحديدي نحوَ مَكَّة بعدَ ذلكَ
كما رأينا توفير المصاعد والعربات السريعة للعجائز والنساء وخصوصاً في جسر الجمرات، كما أن أفراد الجيش كانوا يقومون بِمجهودٍ غَيْر عادي لتنظيم الحُشود وتأمين سلامَتِهم مَع التَقيُّد بِحُسنِ المُعاملة والإرشاد وسعة الصدر، كان اللهُ في عونِهم، هذا بخلاف توزيع المياه والعصائر بل وأحيانا الوجبات الغذائية دونَ مُقابل، ولازالت هُناك العديد مِن المشروعات قيد التنفيذ والتي ستُسهِّل أكثر مِن مناسك الحَجِّ برغم تزايُد أعداد الحُجَّاج عاماً بعد عامٍ بدرجةٍ مُخيفة
أدعو اللهَ عَزَّ وجَلَّ أن يرزُقكُم جميعاً نعمةَ أداءِ هذهِ الفريضة الغالية، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين
ملحوظة: الصور كُلها مِن حُجِّ هذا العامموضوعات سابقة ذات صِلة
لبييك اللهم لبيك
عدنا ولله الحمد
لبيك اللهم لبيك .. اللهم تقبل
وأذن في الناس بالحج
Published on November 08, 2011 10:15
October 26, 2011
فيها حاجة حلوة
كانت تلك هي رحلتي الدولية رقم 202 وهو رقم مُميز بلا شك، لكن المسألة لم تكُن في الرقم نفسه بقدر المُصادفة التي دفعتني دونَ ترتيب لكي أستقل طائرة ''مصر للطيران'' بعد خصامٍ طويل دام أعواماً عديدة
نعم، كُنت أكره وأتجنب السفر على طائرات مصر للطيران لأسبابٍ عديدة لا أُنكر أن أغلبها لازال موجوداً ولم يتم علاجها بعد، لذلك عشت أعواماً طويلة أُسافر فيها عبر الطائرات الأجنبية والعربية، ولا أتعامل إلا مع أطقُم الطيّارين والمُضيفين الأجانب باستمرار، ولا أتحدّث باللغة العربية إلا نادراً
التاريخ والموعد والمكان فرضوا عليَّ أن أستقل هذه الطائرة بالتحديد، لم تكُن هُناك خيارات أُخرى مُناسبة لتلك الظُروف مُجتمعة، وما أن وصلت إلى مكان الطائرة إذا بي أجدها طائرةً مِن النوع المتوسط الحجم والتي لا تتناسب (مِن وجهة نظري) مع تلك المسافات الطويلة، فهي لا تكون مُستقرة في الجو كما ينبغي وتحديداً عندما نعبر بحراً كبيراً أو عندما نمر فوق قمم الجبال الضبابية، أرتاح أكثر لأن يكون حجم الطائرة كبيراً في مثل تلك الرحلات الطويلة
كُنت أصعد سلم الطائرة وأتأمل في جسم الطائرة، تبدو الطائرة قديمةً بعض الشيء وتبدو بعض الأجزاء وكأنها مُجهدة من كثرة الإستعمال أو انعدام الصيانة، تبدو البداية غير مُطمئنة، لكنني أعرف أن الطائرات هي وسيلة النقل الأكثر أماناً على الإطلاق، ويتم تغيير أجزاءها وفق عدد مُعين من ساعات التشغيل، ووفق جداول زمنية للصيانة يتم اتباعها بدقةٍ متناهية
دخلتُ إلى الطائرة لأجد طاقم الضيافة المصري وبينهم قائد الطائرة المصري أيضاً يُرحبون بالمُسافرين، كان قائد الطائرة يتبادل النكات وقد ترك باب كابينة القيادة مفتوحاً دونَ اكتراث، ولم يكُن مُهتما بمُتابعة بعض القياسات الهامة قبل الإقلاع، شعرتُ حينها بالفهلوة المصرية وابتسمتُ له، بل إنني ألقيتُ على مسامعه نُكتة أُخرى رداً على نكاته فضحك، تأملت طاقم الضيافة وقارنت بينهم في مُخيلتي وبين أطقم الضيافة العاملين في الطائرات الأجنبية الأُخرى، لم أجد بالطبع تلك الأجسام الممشوقة القوام، ولا الملابس القصيرة الساخنة، ولا ألوان الشعر الذهبية والبُنية،ولا ألوان البشرة الناصعة البياض، لكنهن جميعاً كًنَّ يُشبهن أخواتنا وعمّاتنا وخالاتنا، شعرتُ وكأنني في اجتماعٍ عائلي ولستُ في رحلةٍ جوية
كانت الرحلة جيّدة على عكس ما توقعت، صحيح أنني لم أجد تلك الفخامة التي أعدتها على متن الطائرات الأجنبية، لكن ما أعجبني هو أنهم كانوا يحاولون تقليد تلك الطائرات الأجنبية ولكن عبر حلولٍ وابتكاراتٍ تتسم بالبساطة وخفة الدم، كما أن التحدث إلى الطاقم باللهجة المصرية جعلني أشعر بالحميمية وجو العائلة الذي أفتقده مُنذ زمنٍ بعيد، كُنت أشعر وكأنني أجلس في مقهى شعبي داخل أزقة القاهرة، وشعرت (رغم صغر حجم الطائرة) بأنني في أمان لأن قائد الطائرة المصري سيبتكر وسيُحسن التصرف إذا حدث مكروه، ومرحباً بالفهلوة حينئذ
أعترفُ بأنني استمتعت بتلك الرحلة بشكلٍ كبير لم أعشه مُنذ زمنٍ بعيد، وبرغم أنها أقل فى المُستوى مما اعتدته، وبرغم أن الطابع الغالب على كُل شيء كان شعبياً خالصاً، إلا إنني شعرتُ بأُلفةٍ شديدةٍ ونشوةٍ جميلة لأشياء افتقدتها، كانت رحلة ''مصر للطيران'' بالنسبة لي مثل ''مصر'' تماماً، فبرغم كُل عيوبها ومشاكلها، وبرغم كُل مساوئها وهمومها، تظل وكأنها تجري في دمائنا تحت جلودنا دونَ أن نشعر، تظل جُزءاً مِن تكويننا لا تشوِّهُه أيّة حياةٍ خارجيّة، تظل دائماً .. فيها حاجة حلوة .. والله العظيم حلوة
Published on October 26, 2011 06:03
September 20, 2011
حنين تدويني
رُبما تكون هذه التدوينة حالمة بعض الشيء في زمن لم يعد هُناك فيه مكانٌ للحالمين، كما أنَّها تأتي في توقيت يسود فيه التوتر والترقب والحذر من كل شيء. رُبما هي لحظات نادرة من التأمل تنتابني لفترة قصيرة وسريعاً ستختفي في زخم الحياة، مثل أي شيء آخر يولد فجأة ونحن لا ندري ما هي احتمالات استمراريته أو فناؤهأتذكر تلك الأيام التي كان النشاط التدويني حينها في أقصى مُعدلاته، فبرغم ولادة التدوين في عام 2005 إلا أن العصر الذهبي له كان خلال العامين 2007 و2008 عندما أصبح التدوين مُلتقى للجميع كمقهى أدبي يضم المُدوِّنين كل يوم، ولدرجة أن التعارُف بين الناس كان يتم عبر التعليقات والردود عليها داخل التدوينات، وأعني بالتعارف هو معرفة العُمر والحالة الإجتماعية ومجال العمل وعدد الأبناء وخلافه، كان كل ذلك قبل أن تظهر مواقع التعارف الإجتماعي كالفيس بوك وغيرها والتي توَّحشت وجذبت العديد من المُدوِّنين وأبعدتهم بعيدا عن مدوناتهممرَّت خمسة أعوام وتبدل الحال تماماً عمَّا كان، طحنت الحياة العديد من المُدوِّنين بين رحاياها وانعكس ذلك على تدويناتهم يوماً بعد يوم، إلى أن اختفى العديد منهم تماماً، واتجه البعض منهم إلى الإهتمام بالنشر الورقي عبر الصُحف أو الكُتب، وقلَّ انتاج البعض الآخر ممن أصبحوا يظهرون بتدوينة جديدة بين فترة وأُخرى على استحياء، وتغيَّرت أرواح مدوَّنات أخرى بسبب تغيُّر ظروف وأحوال أصحابها من المُدوِّنين، وهو ما سبب لي أكبر الأسف
أتذكر مثلاً العديد من المُدوِّنين الذين لمعت مُدوَّناتهم عندما كانوا طلاباً في الجامعة وكانت تدويناتهم تمتلئ بالمواقف المرحة والحكايات الطريفة والتي تتسم بالبساطة في تناول الموضوعات المطروحة على الساحة، كانت تدويناتهم مُنطلقة وتدعو إلى التفاؤل، فالمُستقبل من أمامهم يفتح ذراعية تاركاً جميع الإحتمالات والأحلام والطموحات مُتاحة بلا استثناء، هكذا كانت الروح المُسيطرة على تدويناتهم، أما الآن وبعد خروجهم إلى واقع الحياة العملية، تبدلت تلك الروح الجميلة في تدويناتهم، وصار كل منهم (أو من استمر منهم) يبث همومه عبر المدوَّنة سواء كانت بسبب مشاكل العمل أو تبعات الزواج و الأطفال أو المُتطلبات المادية أو واقع الفساد الذي يسري داخل أوصال المجتمع في أسفله أكثر من أعلاه كنت دائماً أدَّعي أن التدوين يعكس حالة المجتمع تماماً كمرآة جديدة لم تكن موجودة قبل ذلك، بل إنني أكاد أجزم أن التدوين يُعَّدُ الأكثر صدقاً من كافة المرايا الأُخرى التي كانت موجودة قبل ذلك كالصُحف والمجلات والإذاعة والتليفزيون والسينما والقنوات الفضائية، وذلك لأنها تُعبر عن نبض الجماهير الحقيقي التلقائي دون تَكلُّف، وإن كان انعدام الرقابة والحرية المُطلقة يعيب التدوين مثلما يُميزه في نفس الوقتوالآن وبعد أن تحققت رؤيتي عن إنعكاس الواقع عبر التدوين، أجدُني أتمنى لو لم يكن قد تحققت تلك الرؤية بالفعل، وذلك لأنني أحزن على انطفاء العديد من المُدوِّنين وتَحَوُّل العديد منهم من أقصى درجات التفاؤل إلى مناطق داكنة من واقع الحياة المؤلم، وهو ما نقرأه عبر تدويناتهمأما أطرف ما في هذا المقال، هو أن كاتب هذه السطور يتحدث عن كل ما سبق كما لو كان هذا الكلام لا ينطبق عليه هو الآخر! ابتسم من فضلك
أتذكر مثلاً العديد من المُدوِّنين الذين لمعت مُدوَّناتهم عندما كانوا طلاباً في الجامعة وكانت تدويناتهم تمتلئ بالمواقف المرحة والحكايات الطريفة والتي تتسم بالبساطة في تناول الموضوعات المطروحة على الساحة، كانت تدويناتهم مُنطلقة وتدعو إلى التفاؤل، فالمُستقبل من أمامهم يفتح ذراعية تاركاً جميع الإحتمالات والأحلام والطموحات مُتاحة بلا استثناء، هكذا كانت الروح المُسيطرة على تدويناتهم، أما الآن وبعد خروجهم إلى واقع الحياة العملية، تبدلت تلك الروح الجميلة في تدويناتهم، وصار كل منهم (أو من استمر منهم) يبث همومه عبر المدوَّنة سواء كانت بسبب مشاكل العمل أو تبعات الزواج و الأطفال أو المُتطلبات المادية أو واقع الفساد الذي يسري داخل أوصال المجتمع في أسفله أكثر من أعلاه كنت دائماً أدَّعي أن التدوين يعكس حالة المجتمع تماماً كمرآة جديدة لم تكن موجودة قبل ذلك، بل إنني أكاد أجزم أن التدوين يُعَّدُ الأكثر صدقاً من كافة المرايا الأُخرى التي كانت موجودة قبل ذلك كالصُحف والمجلات والإذاعة والتليفزيون والسينما والقنوات الفضائية، وذلك لأنها تُعبر عن نبض الجماهير الحقيقي التلقائي دون تَكلُّف، وإن كان انعدام الرقابة والحرية المُطلقة يعيب التدوين مثلما يُميزه في نفس الوقتوالآن وبعد أن تحققت رؤيتي عن إنعكاس الواقع عبر التدوين، أجدُني أتمنى لو لم يكن قد تحققت تلك الرؤية بالفعل، وذلك لأنني أحزن على انطفاء العديد من المُدوِّنين وتَحَوُّل العديد منهم من أقصى درجات التفاؤل إلى مناطق داكنة من واقع الحياة المؤلم، وهو ما نقرأه عبر تدويناتهمأما أطرف ما في هذا المقال، هو أن كاتب هذه السطور يتحدث عن كل ما سبق كما لو كان هذا الكلام لا ينطبق عليه هو الآخر! ابتسم من فضلك
Published on September 20, 2011 01:11
August 23, 2011
عم منصور
عم منصور هو السائق الخاص بنا مُنذ سنواتٍ طويلة، أشعرُ أنَّهُ لا تظهر عليه علامات كِبَر السِّن رغم أنَّه عندما أتى ليعمل لدينا كان كبيراً في العُمر، ولم أستطع أن أناديه باسمه مُباشرةً دون أسبقهُ بكلمة ''العم'' .. فهو يكبرني بعشرين عاماً على الأقل، لكنَّه لم يتغيَّر شكله مُنذ ذلك الحين، بينما أنا الذي أزداد عُمراً وأخالني أقتربُ مِن عُمره، عُمر عم منصور.وعندما نكون سوياً بداخل السيارة، فإنَّ عم منصور لا يقوم بتشغيل أية برامج إذاعية غير اذعة القُرآن الكريم، قد يكون لديه موروثٌ قديم يقول أنَّ الأغاني والموسيقى ليستْ بشيءٍ حَسَن، رُبما يعتبرها حراماً وربما يعدها مِن المساخر، المهم أنه يتجنبها بشدة، لكنَّني على العكس أُحِبُ أن أستمع إلى الأغاني لأُنفِّسَ عن بعض هُمومي ومتاعبي، لكنَّني أستحي أن أبدو أمام عم منصور بصورة الرجل المُحِب للهزل أو المرح.لذلك ألجأُ إلى حيلةٍ تجعلني لا أبدو كذلك في نظره (أو هكذا أظن)، فبمُجرد ركوبي السيارة أُنصتُ إلى تلاوة القرآن الكريم الذي يقوم بتشغيله عم منصور، وأنتظرُ قليلاً ثم أقول صدق الله العظيم، وأشرع في تحويل مُفتاح القنوات الإذاعية نحو الإذاعة الرسمية لأستمع إلى نشرة الأخبار. أنا لا أُحب نشرات الأخبار، لكنَّني أتحملها وأنا أتصنَّعُ الجديَّة والصرامة حتى تنتهي، فيعقبها بعض الاغاني والتي هي هدفي مِن البداية. أشيحُ برأسي بعيداً عَن عم منصور كي لا أرى ردَّ فعله، ولكي أدَّعي أنا أيضاً عدم الإكتراث.أولادي لا يستحون، لا يُهمهم صورتهم ولا انطباعات الآخرين عنهم، وبمُجرد ركوبهم السيارة يُبادر أحدهم بتشغيل اسطوانة أغاني أو شريط كاسيت دون أن يستأذن أو يقول صدق الله العظيم، كما أنَّ عم منصور لا ينهرهم أو يوبخهم على ذلك أبداً، تتحرك السيارة بينما الأولاد يصفِّقون ويتمايلون مع الأغنية.حبيبي قرب .. بص وبص بص ..زعلان إزعل .. إزعل نص نص .. ألتفتُ نحوَ عم منصور فأجدهُ في مُنتهى السعادة بسبب مرح وسعادة الأولاد وبسبب طريقة تفاعلهم مع الأغنية، أراهُ يبتسم ويضحك مِن اندماجهم، ورُبما كان يعشق الأغاني مثلي لكنَّه لا يُصرِّح بذلك، رُبما يُحبها لكنَّه يخشى أن يقوم هو بتشغيلها خوفاً مِن موروثٍ ديني أو أخلاقي يُسيطرُ عليه مُنذ زمن.لا أدري لماذا أشغلُ بالي بعم منصور، إنَّهُ رجلٌ كبيرٌ ومُلتزم، يستمع فقط إلى القرآن الكريم وتتميَّز حياته بالبساطة، لابد أن نفسيته سويَّةً أكثر مِنِّي لأنَّه لا توجد أمورٌ كبيرةٌ تؤرقهُ مِثلي، أنا الذي يحملُ هموماً كثيرةً هُنا وهُناك، وكُلَّما اتسعتْ دائرة أعمالي كُلَّما ازدادتْ هُمومي أكثر.قال لي صديقي (وهو رجل أعمالٍ أيضاً) أنَّ أفضل شيءٍ قد يُساعدني على نسيان همومي هو تدخين الحشيش، قال لي أنَّه شيءٌ لا يُسبب الإدمان كالكوكايين والهيرويين، لذا فلن يُضيرني أن أقوم بتجربته، لأُنفِّسَ عَن روحي وضيق صدري.كيف يُمكنني أن أشتري ذلك الحشيش؟ لا أُريد أن أُرسل أحدهم ليشتريه لي وإلا اهتزَّتْ صورتي أمام الناس، المُهم هو المظهر العام، تمنيتُ لو كان بإمكاني أن أُرسل عم منصور ليشتريَ لي الحشيش، فهو الوحيد الذي أئتمنهُ، أطردُ الفكرة مِن رأسي سريعاً وأنا أضحك، عم منصور لا يقوم بتشغيل الأغاني أبداً.وصف لي صديقي مكاناً غريباً يُمكنني أن أشتري مِنهُ الحشيش، لا مَفرَّ مِن أن أذهب بنفسي كي لا يعلم بأمري أحد، تركتُ سيَّارتي بعيداً وترجَّلتُ نحو المكان الذي وصفه صديقي لي، إنَّه مَتْجَرٌ مُتواضعٌ يبيع بعض الخردوات كستارٍ يخفي وراءهُ تجارة الحشيش، لقنني صديقي كلمةً سريَّةً لابُد أن أُلقيها على البائع حتى يطمئنَّ إليَّ ويبيعني الحشيش، يالها مِن مغامرةٍ ساخرةٍ لا تليقُ برجل أعمالٍ مِثلي، رأيتُ أحدهم يقفُ أمام باب ذلك المَتْجَر، وقفتُ بعيداً انتظرهُ ريثما يرحل، اشترى الرجل شيئاً مُريباً في لفافةٍ صغيرةٍ جداً وعاد ليمُرَّ مِن أمامي تماماً دون أن يلتفتَ إلى أحد، كان الرجل مُرتبكاً وقلقاً للغاية، تابعتُه بنظري ريثما ابتعد عنِّي قليلاً، كان الرجل هو عم منصور
Published on August 23, 2011 15:49
August 5, 2011
عن التدوين أتحدَّثْ
في مثل هذا الشهر مُنذ خمسة أعوام، بدأتُ رحلتي التدوينية معكم على صفحات هذه المدوَّنة، ثُمّ تطوّر الأمر كثيراً بعد ذلك بالنسبة لي وللعديد من المدونين الآخرين ايضاً، كُنتُ قد تنبأتُ ذات يوم بأن التدوين هو بداية لشيء ما، وشعرتُ أنَّ التغيير قادم لا محالة، وما كان التدوين سوى بداية مُتواضعة على طريق ذلك التغيير، والذي يتم الآن بالفعلوفي هذه المُناسبة، أعرض لكم مقالتي التي تم نشرها بمجلة فصول الأدبية في عدد الربيع لعامنا هذا، لتطرح لكم فكرتي عن التدوين، البداية والنهاية والتأثير
المقال
رُبما يجدر بي في البداية أن أقوم بتعريف العنوان قبل أن أشرع في استكمال المقال، فكلمة التدوين باختصار هي مُصطلح تم التعارُف عليه من قِبَل مستخدمي الإنترنت ليعبروا عن تلك المواقع الإلكترونية التي تسمح باستضافة صفحات يُمكن لأي أحد أيا كان أن يدوّن عليها وكأنه قد أنشأ موقعاً خاصاً به على الإنترنت ولكن بالمجان، وقد بدأتْ تلك المواقع في الظهور والإنتشار في وطننا العربي عام 2005 وازدهرت بعد ذلك تدريجياً في الأعوام اللاحقة أكثر فأكثر
ومن وجهة نظري المُتواضعة فإن التدوين في حد ذاته يُعتبر نقطة تحول فاصلة في تاريخ الأدب الحديث شئنا أم أبينا، فبظهور التدوين أخذ الإنتاج الأدبي يتخذ مساراً جديداً لا يُمكن انكارُه أو اخفاؤُه
لماذا أعتبر التدوين نقطة تحوُّل؟ لكي أجيبكم على هذا السؤال دعونا نرجع قليلاً إلى الوراء فيما قبل ظهور التدوين لنتابع حالة الحركة الأدبية في مصر والوطن العربي، فقد كانت الحركة الأدبية لها آلياتها وصورها الثابتة والراسخة التي لم تتغيّر كثيراً عبر عقود طويلة. لا أحد يعلم كم كان عدد المُبدعين في عالمنا العربي وكم عدد الموهوبين القابلين إلى التحول إلى مُبدعين حقيقيين بعد التدريب والإحتكاك؟ رُبما صادف العديد مِنّا الكثيرين من المُبدعين الهواة في كافة المجالات وليس في الأدب فقط، لكن كم منهم استطاع الوصول إلى القنوات التي يُمكنه من خلالها نشر ابداعه؟ إنهم نُدرة بلا شك
وهنا لُب المشكلة، فقد كان الوصول إلى القنوات التي يُمكن من خلالها نشر الإبداع صعباً للغاية، سواء كانت تلك القنوات صُحفاً يومية أو مجلات دورية أو دوراً لنشر وتوزيع الكُتب. وكم من مُبدعين انطفأت ابداعاتهم عبر عقود عدة وذلك لأنهم لا يعرفون السبيل لنشر ابداعاتهم، وحتى اذا عرفو الطريق وطرقوا الأبواب، فإن اقتناع القائمين علي تلك القنوات كان دائماً صعباً وغير مُشّجع
ما علاقة ذلك بالتدوين إذاً؟ لقد جاء التدوين لينسف كافة القيود التي تتحكم في نشر الإبداع نسفاً، فقد أصبح فجأة من حق أي مبدع أو أي شخص أن يقوم بنشر ابداعاته في أي لحظة دون انتظار لرأي رقيب أو موافقة رئيس تحرير أو دار نشر، أصبح النشر متاحاً ومجانياً وسهلاً وسريعاً في ذات الوقت. تفككت فجأة كافة القيود المفروضة على النشر والتي كانت دائما السبب الرئيسي في وفاة العديد من الإبداعات مُبكراً في عقود عديدة، وانفجرت المدوّنات هُنا وهُناك لكافة الأجناس والأعمار بلا استثناء وأصبح الجميع سُعداء بأن أخرجوا ما يجيش بصدورهم إلى النور دون قيد أو شرط
لم تنته القصة عند حد النشر فحسب، فنشرُ الإبداع ليس هدفاً في حد ذاته فقط، بل حدث ما هو أهم، وهو تفاعُل القُرّاء عبر التعليقات. تلك التعليقات هي المحرك الرئيسي الذي أضاف للتدوين بُعداً هاماً جداً، فمن خلال التعليقات والنقاشات والسجالات التي كانت تتم فيها، أصبح للمُبدع وسيلة هامة وسهلة وسريعة تُعرّفُه مدى جودة ما كتب، وما هي نقاط الضعف والقوة فيها. لقد أصبح التدوين ابداعاً جماهيرياً وفي نفس الوقت جاء النقد جماهيرياً أيضاً، ولندع مفهوم النقد المتخصص جانبا الآن، فالمُهم أن النشر والتعليقات قد أديا معاً إلى تحسين مُستمر في جودة الإبداع وأديا معاً إلى الإرتقاء بأنصاف المُبدعين إلى أن يكونوا مُبدعين بحق مع تقدم الزمن
لم أبدأ التدوين إلا بعد عام كامل من مُتابعة المدونين الأوائل في صمت، ولا أُنكر أنني قد أمضيت وقتاً ليس بالقليل وأنا مُندهش ومبهور بما أرى، كُنتُ وقتها قد بدأتُ سنوات غربتي خارج البلاد وكُنتُ على يقين داخلي بأن هذه الشعوب أصبحتْ تافهةً ولن يخرج من بينها ابداعاً مُحترماً كما كان في الماضي، لكن رأيي هذا تغيّر تماماً بظهور التدوين حيث أخذتُ أتابع العديد من المدوَّنات المُتنوعة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو قصصي ومنها ما هو خاص بالشعر ومنها ومنها ومنها، حينها تفاجئتُ بالمستوى الراقي للمدونين وما يكتبونه، وتفاجئتُ باختلاف الأعمار السنية فمنهم من هو دون العشرين عاماً ومنهم من هو فوق سن الخروج إلى المعاش، وتذكرتُ نفسي عندما كُنتُ طالباً في الجامعة عندما كنتُ كاتباً للقصص والشعر ولم يكن أمامي حينها سوى زملاء الجامعة لكي أعرض عليهم ما أكتبه وأسألهم عن آرائهم فيما أكتب، أبتسم وأتمنى لو كان التدوين موجوداً آنذاك مثلما هو الحال الآن، فقد رأيت طُلاباً كثيرين ينشرون ابداعاتهم ويحصلون على التشجيع والنقد، وهو ما أسهم في ارتفاع مستواهم وشهرتهم
المهم أن الموضوع أخذ بُعداً جديداً بعد ذلك إذ بدأتْ دور النشر في تبني تلك الإبداعات وشرعتْ في نقلها من مرحلة النشر الإلكتروني عبر الإنترنت إلى أن تكون كُتباً ورقية، وهذه خطوة محمودة بلا شك لعدة أسباب أولها أن القُرّاء عن طريق الإنترنت مازال عددهم قليلاً جداً في منطقتنا العربية مقارنة بعدد السكان، وبالتالي فإن وصول الأفكار ونشر الإبداعات مازال يتطلب أن يتم عبر النشر الورقي، وثانيها أنه لا توجد بعد آليات لحماية ما يُنشر على الإنترنت، فكان النشر الورقي بمثابة توثيق لهذا الإبداع وحمايته، وثالثها أن النشر الورقي يُحتِّم على الكُتّاب الجُدد أن يخرجوا من خلف شاشات الكومبيوتر ليتواجدوا في الساحة فيتفاعلون مع الناس والنقاد
كان هذا عن سهولة النشر وعن طريقة تفاعل القراء، وكلاهما يُعدُّ كما هو واضح أمراً جديداً حديثاً لم تشهده الساحات الأدبية قبل ذلك ولم يتخيّل أحد أن تلك المُستحدثات سوف تُولد من الأساس، لكنّها التقنيات الحديثة التي طالتْ كل شئ، ولكن ماذا إذا عن اللغة والأساليب؟
فبعد أن كانت الأساليب المستخدمة في الكتابة محصورة في أشكال تقليدية ثابتة لا تتغير، وبعد أن كانت أية محاولات للتجديد في أساليب الخطابة يتم مواجهتها قهرا وخوفا من الخروج عن تقاليد الكتابة التي ظلت ثابتة عبر عقود، خرج المدوّنون جميعاً بأساليب مختلفة ومُتعددة ومُبتكرة في الكتابة والسرد والتعبير، وذلك لأنه لا يوجد رقيب يمنعهم من عرض تلك الإبتكارات كما كان يحدث في قنوات النشر التقليدية، ولأن تفاعُل القراء كان مُشجعاً إلى حد كبير
لا أعني هنا استخدام العامية أو الفصحى بقدر ما أعني اختلاف الأساليب نفسها وخروجها عن الأُطر التقليدية الرسمية المتوارثة، فظهر ما هو خليط بين العامية والفصحى، وظهر ما هو بالعامية الشبابية التي تمتليء بالألفاظ الدراجة بين الشباب، وظهر ما هو مُبتذل أيضاً
أصبح ظهور كل تلك الأساليب الجديدة ناجحاً جداً رُبما أكثر من الأساليب القديمة والقوالب المعتادة، ذلك لأن المدونين يمثلون شرائح المجتمع المختلفة وبالتالي فإن تلك الأساليب هي أساليب الحديث العادية والدارجة والواقعية بالفعل بين الناس وبالتالي فإنه لا يُمكن اهمالها أو إغفالها أبدا إذا ما أردنا أن نقوم بتوصيل فكرة ما بالشكل المطلوب
فلغة الشباب الغريبة التي يتحدثون بها ويستنكرها الكبار هي في الواقع لغة يتحدث بها أكثر من نصف المجتمع، ولا داعي أبدا لدفن رؤسنا في الرمال فنرفض وجودهم ونفرض عليهم لغة ما في الإنتاج الأدبي قد لا يفهمونها
الخُلاصة أن الإبداع كان نشرُه محصوراً في فئة تتحدث لغة رسمية جداً ولا يفهمهم سوى من شابههم وهم القلة الآن، أما التدوين فقد جاء محققاً لرغبات كافة أطياف المجتمع بكافة أعمارهم، فتعددت لغات الخطاب الأدبي وتغيرت أشكال اللغة لذلكقد يرى البعض أن ذلك الأمر خطر على اللغة وهادم لها، وهو أمر غير مُستبعد بالطبع، لكننا لا يجب أن ننسى أن الفائدة الأساسية للغة هي أن تقوم بتوصيل الأفكار وتحقيق التواصل، وليست الإبداعات اللغوية هدفا في حد ذاتها
Published on August 05, 2011 06:17
July 18, 2011
عن حفل التوقيع الأخير
نُشر في جريدة العالم اليوم يوم الخميس 14 يوليو عام 2011
اضغط على الصورة للتكبير
وفي جريدة الشروق في هذا الرابط
لقطات من فيديو حفل التوقيع هنا
اضغط على الصورة للتكبير

وفي جريدة الشروق في هذا الرابط
لقطات من فيديو حفل التوقيع هنا
Published on July 18, 2011 17:07
July 3, 2011
حفل توقيع .. دائماُ امرأةٌ أُخرى
[image error]
بإذن الله تعالى، سيُقام حفل توقيع المجموعة القصصية الجديدة "دائماً امرأةٌ أُخرى" في تمام الساعة السابعة من يوم الأربعاء القادم الموافق السادس من يوليو وذلك في مكتبة "ألف" بالزمالك
ولو حد يعرف يدلني أروح ازاي يبقى ينوبُه ثواب كبير
أراكم على خير هُناك
لينك الخبر على الموقع الإلكتروني
ولو حد يعرف يدلني أروح ازاي يبقى ينوبُه ثواب كبير
أراكم على خير هُناك
لينك الخبر على الموقع الإلكتروني
Published on July 03, 2011 04:47
June 15, 2011
يصدُر قريباً .. دائماً امرأةٌ أُخرى
تفاصيل الخبر في موقعي الإلكتروني
في ثالث تعاون بين دار دوِّن للنشر والتوزيع، وبين المهندس أحمد القاضي، وللعام الثالث على التوالي، تصدر قريباً المجموعة القصصية الجديدة بعنوان "دائماً امرأةٌ أُخرى" وهي مجموعة من القصص القصيرة يبدو محتواها جليا من خلال الفقرة الموجودة على الغلاف الخلفي للكتاب والتي تقول: كانت دوماً تحس رائحة امرأةً أخرى دون أن تشمها .. كانت تشعرُ بوجودها في الفراش بينها وبين زوجها، كانت تراها في عيون زوجها .. في عقله المُنشغل وروحه التي تُحلق في مكانٍ آخر .. تشعرُ بها تجلسُ بينهما وتسرقُ وعيه وأحاسيسه وأحاديثه .. تشعرُ بها في تغيِّر طباعه وحتى في طريقة احتضانه لها .. كان يحتضنُ الأُخرى .. كان دوماً يبدو وكأنه يرى امرأةً أُخرى حتى وهي أمام عينيهتحتوي المجموعة على فصلين، أحدهما يتحدث عن المرأة الأخرى في حياة الرجل، أما الفصل الثاني فهو يتحدث عن الرجل الثاني في حياة المرأة، في محاولة جديدة لعرض احساس المرأة المماثل تماماً، وعنوان الفصل الثاني هو: وأيضاً رجلٌ آخريحتوى الكتاب على 34 قصة قصيرة، كما يحتوى على (155) صفحة من القطع المتوسط
Published on June 15, 2011 08:36
May 27, 2011
ألف باء الإدارة الإقتصادية
بداية لابُد منها، هل تعلمون نظرية "ماسلو" والتي أطلقها عالم النفس الأمريكي الشهير "إبراهام ماسلو" والتي تتحدث عن هَرَم إحتياجات الإنسان؟ كان ماسلو قد قام بترتيب إحتياجات الإنسان بشكل هَرَمي كما يلي وفقا للأهم فالأقل أهميةأولاً: الإحتياجات الفسيولوجية من طعام وشراب وجنس
ثانياً: الحاجة إلى الأمن والحماية والأمان الوظيفي
ثالثاً: الحاجة إلى الانتماء، لوطن أو عقيدة أو حتى نادي رياضي
رابعاً: الحاجة إلى الإحترام والتقدير
خامساً: الحاجة إلى المعرفة
سادساً: الحاجة إلى الجمال والفن
سابعاً: الحاجة إلى البحث عن الحقيقة
ثامناً: الحاجة إلى التفوق والسمو
هل كانت هذه المقدمة صادمة إلى حد ما؟ لا تهمُني الإجابة بقدر ما يهمُني هو أن نعيَ أن حقيقة الحياة مبنية على أمر هام وهو أن الحاجة إلى المأكل والملبس والمسكن تأتي في مرحلة أهم بكثير من الحاجة إلى المعرفة والثقافة والفن، تلك هي الحقيقة العارية شئنا أم أبينا، فإذا كُنتَ فقيراً مُعدماً لا تجد ما تأكل، لن تفكر أبداً ذات يومٍ لتتمتع بحضور حفلة موسيقية لعُمر خيرت في دار الأوبرا، وهكذا
والسؤال الآن، ماذا تفعل إذا أصبحتَ أنتَ يوماً مسؤلاً عن الإدارة الإقتصادية لبلادك؟ هل الموضوع هو فعلاً بسيط وسهل كما يدَّعي كُل هؤلاء الكُتَّاب في الصُحف، أوكما يخرج علينا يومياً هؤلاء المُحللين في القنوات الفضائية؟ هل تنعم مصر بالفعل بخيراتٍ وفيرة تُمكنها من تحقيق الرفاهية لهذا الشعب؟ هل لو عادت الأموال المنهوبة فسيكون ذلك كافياً لتحقيق ذلك الرخاء؟ هل الحل السحري سيكون في حصيلة تلك الصناديق المالية؟ أو في تلك المشروعات التنموية التي يتحدث عنها بعض العُلماء؟ أم أن كُل ذلك هو مُجرد كلامٌ مُرسل لا يستند إلى بيانات سليمة ولا يوجد من قام بتلك الحسابات الرقمية بعد لنتحقق من حقيقة الأمر؟ سؤال يحتاج إلى إجابة
ففي واقع الأمر، لم يثبُت لديَّ حتى الأن أنه يوجد من رأى الصورة بأكملها بكافة أجزائها، فالكُل يتحدث من زاويته الخاصة دون أن يضع في اعتباراته كافة الزوايا الأُخرى، وهذا ما أود أن أوضحه هنا ببساطة وسهولة كما سيلي
هل تعلم يا عزيزي أن هناك مُعدَّلات شهرية معروفة لإستهلاك الفرد الواحد من المأكل والمشرب والصرف الصحي والملبس والإتصالات التليفونية والمواصلات المُختلفة والكهرباء؟ رُبما كان هذا السؤال واضحاً إلى حدٍ ما، بل رُبما تمكن كُل فردٍ منكم من أن يقوم بتلك الحسابات وتقديمها لنا، والغرض من معرفة تلك المعلومة هو تحديد الحجم الإجمالي من إحتياجات الدولة من المُنتجات الغذائية المُختلفة وكذلك أنواع الوقود والطاقة المُختلفة، وذلك عن طريق حساب حاصل ضرب رقم استهلاكك الذي ستقوم بحسابه في عدد المواطنين
لكن هل تعلم أن هناك مُعدَّلات معروفة لإستهلاك الفرد من الخشب والحديد والأسمنت والألمونيوم والنحاس والأسفلت وغيرها من المواد؟ رُبما كان السؤال غريباً هذه المرة، ولكن في الحقيقة فإنك اذا تزوَّجت وقمت بحساب كميات الحديد والأسمنت التي تم استخدامها لإنشاء الوحدة السكنية التي جمعتك بزوجتك، وإذا قمت بحساب كمية الأخشاب المُستخدمة في الأبواب والنوافذ والأثاث، وإذا قمت بحساب كميات الزجاج والألوميتال والأقمشة وخلافة، فإنك ستتعرف على مُعدَّل إستهلاك الفردين معاً من كافة تلك المواد، هذا بخلاف أن نقوم بنفس الحساب لتلك المواد المُستخدمة في الأغراض العامة الأُخرى كالمُستشفيات والمدارس والجامعات والطرق والمصالح الحكومية والنوادي والأماكن الترفيهية، ففي النهاية سنحصل على متوسط استهلاك الفرد من كافة الأشياء بلا استثناء، ومنها سنتعرف على حجم إحتياجات الدولة ككل من كافة الأشياء بعد الحصول على حاصل ضرب تلك المُعدَّلات في عدد المواطنين
وإليكم أسئلة تحتاج إلى إجابة
أولاً: كُل ما فعلناه في السطور السابقة حتى الآن هو أننا حصلنا على الحجم الإجمالي للإحتياجات على مستوى الدولة، وبالتالي سنتمكن من حساب تكلفتها أو ثمن شراؤها، والسؤال الآن، هل يوجد لدينا من الأمول أو الموارد ما يكفي لتمويل وشراء وتحقيق تلك الإحتياجات؟ وما هي الحلول إذا كانت الإجابة بلا؟ هل سنقترض؟ هل سنطالب الشعب بالتقشُّف في حجم تلك الإحتياجات لتتناسب مع الدخل؟
ثانياً: ما هو مُعدَّل الزيادة السنوية في عدد السكان؟ وبالتالي ما هو حجم الزيادة السنوية في حجم تلك الإحتياجات؟ وكيف سيتم تمويل تكلفة شرائها؟ وهل يتزايد الدخل العام للدولة ليُغطي تلك الزيادة في الإحتياجات بنفس النسبة؟ وما هو الحل إذا كانت الإجابة لا؟
إن الإدارة الإقتصادية للدولة أمر جسيم، فهي من الحجم الرهيب لدرجة أن جميع عناصر الحياة قد تم توزيعها على ما يقرب من الثلاثين وزارة، وكل وزارة منها تعني بمجال ما أو أكثر، فتقوم بحساب إجمالي إحتياجات الدولة من ذلك المجال، وتقوم بحساب تكلفة تلك الإحتياجات ومُعدَّل نموها السنوي، ثم يتم تجميع ذلك كله عند رئيس الوزراء للثلاثين وزارة معاً، وإذا وجد رئيس الوزراء أو رئيس الدولة أنه قد لا يستطيع أن يفي بجميع تلك المطالب المالية لكل الوزرات معاً، فسيضطر حينها إلى أن يدخل في حساب الأولويات، ويؤجل ما يُمكن تأجيله
هل لاحظتم كم هو صعب أن نقوم بحساب حجم الإنفاق الضخم الذي تحتاجُه الدولة؟ فما بالكم بحساب الموارد المطلوبة لتغطية هذا الإنفاق الرهيب؟ وما هو السبيل نحو تنمية تلك الموارد وتنويعها وزيادتها لتتناسب مع حجم الإنفاق؟ وكيف يتم خلق موارد جديدة للدخل دون أن نتكبد تكاليف إنشائية جديدة قد يتم إضافتها إلى التكاليف التي هي موجودة بالفعل على كاهل الدولة؟ وكيف يتم الحفاظ على مُعدَّلات مُتزايدة لذلك الدخل لتتناسب مع مُعدَّلات تزايد الإنفاق المطرد بسبب زيادة عدد السكان؟ من يمتلك تلك المعلومة الصحيحة التي تُمكننا من أن نقارن بين الدخل والإنفاق على مستوى الدولة؟ كيف نتجنب الإقتراض وفوائده المالية؟ أسئلة لازالت جميعها تحتاج إلى إجابة
مفاجأة لابد من ذكرها: كُل ذلك ونحن لا زلنا نتحدث عن أولى مراحل هرم ماسلو الشهير، راجع النظرية أعلاه
Published on May 27, 2011 13:55
May 5, 2011
الجالية المصرية في مصر
أكثر ما يُلفت انتباهي أينما سافرت، هو أن الجاليات المُغتربة في أي دولة يتكتل أفرادها معاً فيُنشؤن رابطة ما يكون من أهم أهدافها هو رعاية مصالح تلك الجالية ومعاونة أفرادها بعضهم البعض في بلاد الغُربة، فتلك الرابطة أو أياً كان اسمها تُساعد أفرادها على الحصول على عمل في حالة فقدان الوظيفة، ويتكافلون معاً حين حدوث مكروه ما لأحد أفرادهم، كما يُسهمون في تسهيل الحصول على المسكن أو أية سلع أُخرى تخص تلك الجالية، فلا يشعر الفرد بأنه مُغترب، بل يشعر وكأنه في وسط مجتمعه الأصلي إلى حد كبير
لكن ما لفت انتباهي أكثر، هو أن هناك بعض الجاليات التي تقوم روابطها أو تجمعاتها بما هو أبعد من ذلك، كان ذلك في العام الماضي عندما تعرفت على رابطة المهندسين الهنود بالسعودية، وهي رابطة لا تعني بأمور التوظيف والمسكن للمهندسين، لكنها تهتم بشيء آخر وهو النهوض بالمستوى العلمي للمهندسين الهنود، فيتبادلون معاً الأبحاث العلمية والتقنيات الحديثة، ويثقفون بعضهم البعض عبر المُحاضرات والنشرات العلمية، بل ويعقدون مؤتمراً علمياً في الأول من مايو في كل عام، وهو ما تمت دعوتي إليه في العام الماضي والعام الحالي، وقمت بإلقاء كلمة فيه في عامنا هذا
إذا فالجاليات الأجنبية لا يتواصل أفرادها من أجل تسهيل الأمور الحياتية في بلاد الغُربة فحسب، بل يتواصلون من أجل أن يكونون في تحسن مُستمر من حيث المستوى العلمي والفني، فيسبقون الجاليات الأخرى بمسافات تزداد عاماً بعد عام، بينما يبقى الآخرون لا يتحركون من أماكنهم إلى الأمام
تشرفت في هذا العام بالتكريم من السفير الهندي بالسعودية، والذي يدل حضوره لهذا المؤتمر في كل عام على مدى الوعي والإهتمام بتطوير المستوى العلمي للجالية الهندية، كما تصادقت وتعرفت عن قرب بالقنصل الهندي والذي تفاجئت بأنه درس اللغة العربية بالقاهرة وأقام فيها لمدة عامين، والأغرب جداً أنه كان مُهندساً كيميائياً قبل أن يحترف العمل الدبلوماسي! كما أنه كان حريصاً على أن نلتقي مُجدداً، مع تأكيده على استعداده لمُساعدتي في أية أمور تتعلق بزياراتي للهند أو أية أمور تخص العمالة الهندية التي تعمل معي
ملحوظة: لم أحظ أبداً بأي تعارف من قريب أو من بعيد مع أي مسؤل في أية سفارة مصرية في كل البلاد التي زرتها أو أقمتُ فيها، ولهذا حديث آخر
لم أكن الوحيد الذي قام بإلقاء الكلمات في ذلك المؤتمر، فقد كانت المُحاضرات الأُخرى أكثر من رائعة وتعلمتُ منها الكثير، وقد تحدثت قبل ذلك عن العملاق الهندي القادم في هذا الرابط، لكن أكثر الكلمات التي أعجبتني للغاية، هي الكلمة التي ألقاها السفير الهندي، فقد قال إن الريادة في هذا العصر ستكون لمن يملك العلم والتكنولوجيا، ولا أخفيكم سرا عندما أقول أن الهند كانت قد أوشكت على الإفلاس المالي مُنذ أحد وعشرين عاماً، لكن كل شيء تغيَّر الآن، لقد كانت الهند في الماضي البعيد تُصدر إلى دول الخليج العربي ثلاثة منتجات فقط هي الأقمشة والتوابل والمشغولات الذهبية، لكن مع ظهور الثروة النفطية في تلك الدول، ومع توفر المقدرة المادية، احتاجت دول الخليج العربي لأن تقوم بتشييد البنية الأساسية في كل مناحي الحياة، وبرغم أن الدول الخليجية استمرت في استيراد نفس الثلاثة مُنتجات التي ذكرناها سابقاً، إلا أنها أصبحت تحتاج إلى استيراد شيء رابع أهم، وهو القوى البشرية المُدربة، وفي بداية الأمر كان ترتيب الجالية الهندية في الخليج العربي هو الرابع أو الخامس من حيث العدد، أما الآن فقد صارت الجالية الهندية هي الأولى من حيث العدد، وإن دلَّ ذلك على شيء فإنه يدل على الإعتراف بالمستوى العلمي والفني لتلك العمالة
لقد عمل الملايين من الهنود في دول الخليج، وحان الوقت إلى أن يتم تطوير ذلك المفهوم، وبدلا من أن نهتم بشئون العمالة الهندية، فلنهتم بالهند نفسها، وبدلا من أن نهتم بتوظيف الهنود، فلنهتم بأن تحصل الشركات الهندية على حصة أكبر من السوق الخليجي، فتتعامل الدول الخليجية مع الشركات الهندية وليس أن توظف العمالة الهندية فقط، فكروا في الهند وليس في الهنود، ولا تنسوا أننا قد غيرنا من نظرة العالم نحونا بعد أن كان الجميع يسخرون من تعداد سكاننا المخيف والذي تخطى المليار ومائتين مليون نسمه
كانت كلمة السفير الهندي صاعقة وصادمة بالنسبة لي، كان المؤتمر كله وكأنه صفعة هزت من كياني، فقد كنت أفكر حينها في مصر والمصريين، أين نحن وكيف سنتقدم ومتى سنتقدم، وخصوصاً أن أكبر انجازاتنا حتى الآن هي: الكلام، ولنا في البرامج الفضائية أسوة ودليل
أخرج من المؤتمر وأذهب إلى منزلي وأنا شارد الذهن، أتصفح الإنترنت فأجد خبراً يقول: تفاصيل معركة شارع عبد العزيز .. تبادُل اطلاق الأعيرة النارية والمولوتوف علي مدار أربع ساعات كاملة
Published on May 05, 2011 15:13


