أحمد القاضي's Blog, page 6

September 6, 2012

أغنياء أم فُقراء

سُؤال مُكرَّر ومُعَاد: هل نحن فُقراء بالفعل؟ أقصد هل بلادنا بالفعل فقيرة في مواردها؟ أم أنها دولة غنيَّة ويَتِم نهبها كما يقولون؟ صبراً عزيزي القارىء فالمقال نفسه ليس مُعَاداً، أعدُك بذلك، فقط تحمَّل معي هذه السطور. كان أركان النظام السابق يُرددون على مسامعنا ليل نهار أننا دولة فقيرة وأن الزيادة السُكَّانية تلتهم كل موارد التنمية كالنار في الهشيم إلى آخر تلك المحفوظات. وفي المُقابل كان هُناك مَن يؤكدون على أن الفساد الذي أرساه أركان النظام السابق هو الثُقب الذي يلتهم كل موارد التنمية وأن بلادنا ليست فقيرة أبداً، كلام رائعٌ جداً. وقامتْ الثورة وزاد الحديث عن المليارات المَنهوبة وبدأ الجميع يحلم باسترداد تلك المليارات ثم توزيعها علينا نحن أفراد هذا الشعب، ثم لا شيء، لم يحدُث أيَّ شيء. ثم انخفض سَقْفْ الأحلام بعد ذلك عندما تعاقبتْ الحُكومات الواحدة تلوَ الآخرى. وكلما جاءتْ حُكومة لَعَنَتْ أُختها لنجدَ أن الحديث أصبحَ مُختلفاً ويكاد يقترب مِن حديث النظام السابق! فالبلاد تحتاج إلى آلاف المليارات، ومواردنا الطبيعية ما هيَ إلا خامات أوليَّة لا زالتْ تحتاج إلى تمويلٍ ماليٍ ضخم لتتحوَّل إلى مُنتجاتٍ وأشياء يُمكن بيعها أو الإستفاده مِنها، أمَّا المليارات المنهوبة فهي شيءٌ لا يُذكر مُقارنةً بما تحتاجه البلاد. هل هذا المقال يُدافع عن النظام السابق؟ بالطبع لا، فكل ما سبق كان مُقدمةً للمقال، أنا لم أبدأ بعدْ، إهدأ عزيزي القارىء، أعلم وَقْع المُفاجأة عليك. ونعود لنفس السؤال: هل نحن دولة فقيرة أم دولة غنيَّة؟ لِنضربَ بعض الأمثلة القليلة، هل تعلمون ما هو حَجْم الإنفاق الذي يُنفقه المصريون سنوياً لزيارة الأراضي المُقدَّسة لأداء العُمرة والحَجْ؟ إنه رقمٌ ملياري كبير لو تعلمون. هل تفقَّدتُم يوماً حجم ثروتنا العقارية الهائلة في مدينة أكتوبر والتَجمُّع الخامِس والشروق والعبور وكافة المُدن الجديدة وغيرها؟ هل لاحظتُم أن أغلب تلك المساكن مُغلقة ولا يسكنها أحد؟ تُقَدَّر قيمة تلك المساكن بألفي مليار جنيه تقريباً! لماذا تَمَّ تجميد تلك الأموال الهائلة في كُتَلْ مِن الخرسانة والطوب لن تُدِّر دخلاً للبلاد سوى بعض الأرباح الريعيَّة التي لا تُفيد سوى صاحبها إذا نَجَحَ في بَيْع العقار ذات يوم بِسعرٍ أعلى بعد سنواتٍ طويلة؟ ماذا لو كُنَّا استثمرنا تلك الأموال في مشروعاتٍ زراعيَّةٍ وصناعيَّةٍ تُثري الإقتصاد وتُدِّر عوائدَ سنويَّة وتستوعِبَ جيوش العاطلين؟ هل تذكرون ما حكيته في مقالٍ سابقٍ حينما قابلتُ شاباً جامعيَّاً مِصريَّاً في الخارج يعمل سائقاً للتأكسي؟ قال لي إنه سافر مع اثنين مِن أصدقائه بعد أن دفع كل مِنهم ثلاثين ألفاً مِن الجُنيهات ليحصلوا على تأشيرة العمل بالخارج كسائق تاكسي! ماذا لو فكَّروا قليلاً وقاموا بتجميع أموالهم معاً؟ ألا تكفي المائة وعشرون ألفاً لعمل مشروع مُشترك بينهم بدلاً مِن العمل كسائق بالخارج يتقاضى راتباً يُنفق معظمه إزاء تكاليف الحياة الباهظة هُناك؟ هل وصلتكم الفكرة؟ هل أدركنا إجابة السؤال الذي سألناه في أول المقال؟ ليس الموضوع هو الفقر أو الغِنَى، إن السِر وكُل السِر هو الإدارة، لقد فشلنا في إدارة أمورنا الماليَّة سواء على مُستوى الدولة أو حتى على مُستوى الأفراد، نُقَلِّد بعضنا البعض ولا نُفكر في تنميةٍ حقيقية، ولا نعلم هل نحن أغنياء أم فُقراء!
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 06, 2012 15:05

August 8, 2012

الجِنِّي

ما زال يُدهشني ذلك الإنسان، ولازالتْ أحوالُه وتطورات حياته لا تُفضي بيَ إلى أن أرسم له مِنهاجاً مُحدداً يسير عليه، دائماً تكون أفعالُه وردود أفعالُه خارج التوقعات ولا تتناسب مع المُعطيات، ومُنذُ يوم ولادتي والتي كانت قبل ثلاثمائة عام وأنا لازلتُ لا أفهمه، ويبدو أنني لن أفهمه أبداًّ. قال لي والدي – أطال الله في عُمره – أن الناس يتحاكون فيما بينهم عنَّا بصوتٍ خافت، فهم يخافوننا بشدة ويخشون أن يروْنا رأي العيْن! لا أدري لم يخافوننا؟ سألتُ والدي فلم أجد لديه إجابةً شافية، قال لي رُبما هم يخشون كُل ما لا يلمسونه بحواسهم العادية التي منحها الله لهم مِن سمعٍ وبصرٍ وغيرها، رُبما يخافون كُل ما هو من الغيْبيَّات بالنسبة لهم، فهم يضعوننا في سلةٍ واحدة عندما يتحدثون عن الموت والآخرة والقبور والليل والظلام. اندهشتُ عندما سمعتُ ذلك، فجميعُنا يخاف الموت والظلام، لكنني سمعتُ أيضاً أن بعض الناس يقولون أننا لا نظهر إلا ليلاً، مِن أين جائتهم تلك المعلومة الغريبة؟ لا أدري، رُبما لذلك فهم يخشون الليل والظلام، إننا لا نظهر للإنسان في أي وقت. وسمعتُ آخرين يقولون أننا لا نعيش إلا في المناطق المهجورة، مسكينٌ ذلك الإنسان، إننا نحن مَن اضطُرِرنا إلى الهرب بعيداً عن أماكن تجمعات الإنسان لأننا سئمنا الزحام والضوضاء والضجيج الذي يحدثونه أينما حلَّوا وأينما كانت بينهم مُعاملات، إنهم يأكلون بعضهم البعض ولا يتراحمون فيما بينهم أبداً. أما عن الحياة ليلاً، فالإنسان هو مِن دفعنا إلى ذلك، فكيف لنا أن نعيش في سلام بينما هم يتحركون نهاراً في كُل مكان ويؤذون كُل مَن حولهم في كل اتجاه؟ لقد اخترعوا العديد مِن الآلات ووسائل الإنتقال التي آذتنا كثيراً مما دفَعَنا إلى الإبتعاد عن أماكن تجمُعاتهم بل أكثر مِن ذلك، لقد دفَعَنا ذلك إلى الإبتعاد عن أوقات نشاطهم أيضاً. كُنا فيما مضى ننتظر صلاة العشاء بفارغ الصبر، فما أن تنتهي تلك الصلاة فإن الهدوء يُخيِّم على الأرض ويخلدُ الإنسان إلى نومه، إنها الفُرصة الذهبية لكي نَتَزاوَر أو أن نقضي مصالحنا فيما بيننا نحن الجِن في أمانٍ تام وسلامٍ مضمون، كانت الفترة الزمنية بين صلاتي العشاء والصُبح هي فترة حياتنا الهادئة، ثم نُحاول جاهدين أن ننام بعد بزوغ الشمس، نعم كُنا نُعاني في نومنا، فما أفظع تلك الضوضاء التي يُحدثها بني الإنسان نهاراً. قلت إن ذلك كان فيما مضى، فمُنذُ مائة عامٍ تقريباً لم يعد بني الإنسان ينامون ليلاً كما كانوا ينامون بعد صلاة العشاء، فقد استطاعوا أن يُضيؤا ليلهم، وصاروا ينامون في وقتٍ مُتأخِّر، وصار الوقت المُتاح لقضاء مصالحنا نحن الجِن ضيقاً للغاية، وبرغم ذلك، فإن أنشطتهم النهارية لم تتغيَّر، فقد كنتُ أعتقد أن الوقت الذي اقتطعوه مِنَّا ليلاً قد يعوضوننا بغيره نهاراً، لكنه لم يحدثّ. اليوم، هلَّ علينا شهر رمضان، سمعتهم يقولون أنهم في مأمَنٍ منَّا في ذلك الشهر! لا أدري مَن الذي يحتاج أن يأمَنْ مِن الآخر؟ ولِمَ يخلطون بين الجِن والشياطين؟ لا يهم ذلك الآن، ما يهمني هو أن نشاط بني الإنسان سوف يقل لأنهم كسالى ويكرهون العمل، ومِن المؤكد أنهم سيتعللون بمجهود الصيام. لكن المُفاجأة هو أنهم صاروا يسهرون حتى طلوع الفجر، لم يتركوا لنا أيَّ ظلامٍ نتحرك فيه أو أي ليل نقضي فيه حوائجنا، لقد استولوا على الليل كُله، كما أنهم يزعجوننا أثناء النهار كُله أيضاً، ومع كُل ذلك، لا زال الناس يتحاكون فيما بينهم عنَّا بصوتٍ خافت، ولا زالوا يخافوننا بشدةٍ ويخشون أن يروْنا رأي العيْن، ويدَّعون أننا نظهر ليلاً!  
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 08, 2012 04:25

July 14, 2012

رائِحَتُه

كانت لا تزال تُحاول أن تستيقظ مِن نومها الهادئ، وكانت لم تفتح عيناها بعد، تقلَّبت في فراشِها برشاقتها المعهودة ثم استنشقتْ الهواء بعُمق، كانت وكأنها تجذب كُل الهواء المُحيط بها لتستودعه بداخل رئتيها، ابتسمتْ ثم فتحت عيناها، انتفضت وتحولت إلى وضع الجلوس فجأة وكأنها قد وجدت شيئاً، نظرتْ حولها قليلاً ثم أخذتْ نَفَسَاً طويلاً أكثر عُمقاً مِن السابق، أغمضت عينيها مُجدداً وكأنها تستمتع بذلك الشهيق، ثم فتحت عينيها وهزَّت رأسها يميناً ويساراً، وانطفأت ابتسامتها! إنها رائحتُه .. أجل إنها رائحته .. أنا مُتأكدة مِن ذلك .. هكذا حدثت نفسها، توجهَّتْ إلى خِزانة الملابس واستخرجتْ قطعةً مِن ملابسه التي تركها مُؤخراً قبل أن يتركها ويُسافر، احتضنتها وضمتها إلى صدرها ثم رفعتها إلى أنفها واستنشقتها بعُمق، أجل إنها نفس الرائحة التي داعبت أنفها عند استيقاظها مِن نومها، إنها رائحتُه، رائحة جسده التي تشمها هي وحدها، ولا يعرفها أحد غيرها حتى هو نفسه! كثيراً ما كانت تقترب مِنه وتشمه كما تفعل القِطَّة مع أولادها الصغار، وكان هو يضحك مِما تفعلُه، وفي كُل مرة كان يسألها: هل تُعجبك رائحة هذا العِطر الجديد؟ وفي كُل مرة كان تجيبُه بأن العِطر لا يعنيها، فهي تستطيع أن تفصِل بسهولةٍ بين رائحة جسده ورائحة عِطرة، كثيراً ما حاول أن يتعرَّف على تلك الرائحة التي تتحدَّثْ عنها، لكنها كانت تضحك وتقول إنها الوحيدة التي تشُم تلك الرائحة! تتحرَّك بِتثاقُلٍ شديد نحو النافذة، تُزيح الستائر الخفيفة وترمي بِبصرها بعيداً نحو تلك الحديقة التي تُواجه شُرفة المنزل، تلك الحديقة التي كانت السبب الرئيسي في اختيارهما معاً لذلك المنزل على وجه التحديد، لكنه الآن ليس معها في المنزل، إنه يومٌ آخر يخلو مِن وجوده، يومٌ آخر ليس لهُ عُنوان، يومٌ تُريده أن يمر وكأنه لن يتم احتسابه مِن بين أيام عُمرها.تشُم رائحتُه مُجدداً، تتسع حدقتا عينيها بِشدة وتتلفتْ يميناً ويساراً وكأنها ستجدُه، تبتسم مِن فرط سذاجتها فهي تعلم جيداً أنه مُسافرٌ إلى بلادٍ بعيده وسيغيب عنها طويلاً، يُصيبها بعض الإحباط فتُقرر أن تشغل نفسها بأي شيء، تتوجه إلى المطبخ وتُفكر في أن تُضيِّع يومها كُله في إعداد الطعام والحلوى لتقوم بحفظها في الثلاجة، رُبما يُلهيها ذلك عن التفكير فيه، رُبما. تنهمك بشدة في أعمال المطبخ، وتتعدد الروائح مِن حولها ما بين رائحة السمن والبيض والحليب والسُكَّر، وفجأة، إذا برائحته تُداعب أنفها مُجدداً، تباً لتلك الرائحة، فقد ذكرتها به مِن جديد وكأن جميع تلك الأشغال الشاقة لم تتمكن مِن أن تُنسيها إياه أو أن تصرف تفكيرها عنه، أطفأت موقد الطعام وهي تشعُر باليأس، لكن رائحتُه لازالت تزداد فحواها في أرجاء المكان، تهز رأسها وتُقرر الخروج مِن المطبخ، وما أن استدارت إلى الخلف، اذا به أمامها وهو لا يزال يحمل حقيبة سفره، فقد عاد للتو فجأة إليها.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 14, 2012 14:15

June 5, 2012

عن طوابِع البريد أتحدَّث

طوابِع البريد؟ أجل، أتحدَّث هُنا عن طوابِع البريد! أرى علامات الدهشة والإستنكار على وجوهِكم الآن، فمنكم مَن سيقول: ما الذي ذكَّرك بهذا الشيء الآن؟ ومنكم مَن سيسأل: وما هو هذا الشيء أصلاً؟ ولا عجب في ذلك، لن أندهش مِن كِلا السؤالين، فهُناك جيلٌ كاملٌ لم يتعرَّف على طوابِع البريد، ورُبما لن يتعرَّف. وعموماً، فطوابِع البريد هي تلك الطريقة التي اخترعها الإنجليز عام 1837 وبدأوا في تطبيقها عام 1840 لتكون بديلاً سهلاً عن تحصيل رسوم البريد، فهي تلك الصور المُسَنَّنة التي نشتريها ونلصقها على الخطابات البريدية، وتعدَّدت تصميماتها وأحجامها ومُناسباتها حتى صارت عُنصراً هاماً في حياة الأُمَم وأحد مصادر التأريخ فيها، كما أن هواية جَمْع طوابِع البريد قد صارت أحد أهم الهوايات العالمية على الإطلاق، وأصبحت الطوابِع القديمة تُباع بأسعارٍ عالية وكأنها مِن التُحف القديمة التي يلهث الناس وراءها لإقتنائها، وصارت لتلك الهواية تجهيزات خاصة مِن ألبوماتٍ وأوتارٍ وخلافُه. ولكن، هل ستستمر تلك الهواية إلى الأبد؟ أعني هواية جَمْع طوابِع البريد؟ أم أنها في طريقها إلى الإندثار؟ والسؤال بطريقةٍ أُخرى هو: هل مازال هُناك ذلك الحجم والكَم مِن الرسائل البريدية؟ الإجابة: بالطبع لا، فمُنذ أن ظهرت الإنترنت وما صاحبها مِن وسائل مُتعددة للتواصُل كالبريد الإلِكتروني ومواقع التعارُف الإجتماعي وما تحتويه مِن بريدٍ داخلي (إن بوكس) فإن البريد الورقي يتناقص حجمُه بشكلٍ مُريع، فقد تم إحلال تلك الوسائل البريدية التقليدية بوسائل أُخرى تكنولوجية أكثر سُرعةً وأرخص سِعراً مع إمكانية استنساخ وطَبْع وتعديل المُرفقات المُصاحبة بسهولةٍ أكبر، وبشكلٍ لم يكُن مُتوفراً في البريد التقليدي العادي. أعلمُ أن البريد العادي لم يندثر تماماً بعد، فهو لا زال قَيْد الإستخدام، لكن لا يوجد خلاف على أنه يتناقص تدريجياً إلى حد النُدرَة، وبالتالي فإن هذا يُعيدُنا إلى موضوعنا الأصلي وهو: طوابِع البريد، فهل ستندثر طوابِع البريد تدريجياً؟ يبدو أن الإجابة ستكون بالإيجاب، وهذه سُنَّةُ الحياة.     ولننظر لما هو أبعد مِن طوابِع البريد أو الرسائل البريديَّة الورقيَّة، مَن مِنَّا كان يتخيَّل مثلاً أنه ستوجد في يومٍ ما صناعة أو متاجر تبيع لنا برامجاً وصوراً وألحاناً للهواتف المحمولة؟ لم تكُن هُناك هواتف محمولة أصلاً، ولكن عند اختراعها، صِرنا نرى المتاجر التي تبيع أجهزة الهاتف المحمول، ثم تطوَّر الوضع حتى صِرنا نرى المتاجر التي تبيع المُستلزمات المُصاحبة مِن أغلفةٍ وسمَّاعاتٍ وأجهزة شحنٍ كهربائية، حتى وصلنا إلى مرحلة المتاجر التي تبيع ما لا نلمسه، مُجرد صور اليكترونية أو نغمات وألحان! أي أنها مُنتجات مرئيَّة ومسموعة فقط. إنها التكنولوجيا التي تسحق ما قبلها بشدة، وتُزيح ما كان يتربَّع على عرش المبيعات وتستبدلُه بشيء آخر مُغاير تماماً، فيصبح ما سبق مُجرد ذكرى أو شيئاً أثرياً، ويحل محلَّه الوافد الجديد. تماماً مثلما كانت أجهزة الكومبيوتر المنزلية هي أحدث الصيحات مُنذ عشرين عاماً، لتزيحها مِن عرشها أجهزة الكومبيوتر المحمول مُنذ عشرة سنوات، والتي بدورها يتم ازاحتها هي الأُخرى الآن عن طريق الأجهزة اللوحية، وهكذا. وما يشغلني الآن هو: ماذا سأفعل بتلك الألبومات الكثيرة التي أقتنيها مُنذ سنوات وتحتوي على كميَّةٍ كبيرة مِن طوابع البريد؟ هل لو تركتها لأبنائي قد يهتم بها أحد؟ أم أنهم سيلقونها في أقرب صندوق للقمامة؟ 
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 05, 2012 16:32

May 5, 2012

حفل توقيع رواية نور كاشف

يُشرفني أن أدعوكم لحضور حفل توقيع روايتي الجديدة "نور كاشف" والصادرة عن دار دوِّن للنشر والتوزيع، وذلك بمشيئة الله تعالي في الساعة السابعة مساءً من يوم الخميس المُوافق 10 مايو  2012 في مكتبة "أَلِف" وعنوانها 132 شارع الميرغني بمصر الجديدة  الرواية هي أول عمل روائي طويل بعد أن صدرت ثلاثة أعمال سابقة وهي:
الحياة بدون كاتشاب: وهي مجموعة قصصية صدرت في يوليو 2009 وتتحدث عن الإفتقاد للأشخاص والأماكن والأشياء

عليك واحد: وهو كتاب من الأدب الساخر صدر في يونيو 2010 ويتحدث عن الشعب المصري المخدوع سياسياً واجتماعياً

دائماً امرأةٌ أُخرى: وهي مجموعة قصصية صدرت في يونيو 2011 وتتحدث عن المرأة الأُخرى في حياة الرجل وكذلك الرجل الآخر في حياة المرأة
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 05, 2012 16:36

March 20, 2012

أفكار طائرة

لا أعلم سبباً مُحدداُ يدفعني إلى التأمُل هكذا في حياتي وأحوالها، هل كثرة الأسفار والترحال هي ما يدفعني إلى ذلك؟ أم أن العمر قد أوشك على أن تتكرر أيامُه وولَّت ورائي أيام الحماسة والمغامرات؟ هل هي أحاسيس مُنتصف العُمر؟ هل أنا بمُنتصف عُمري حقا؟ أبتسم من طرافة الفكرةأقفُ في المطار أمام مكتب وزن الأمتعة وأمدُ يدي إلى الموظفة لأُعطيها جواز سفري وتذكرة الطائرة، هي امرأةٌ في الأربعين مِن عُمرها وتُشبه أُمِّي كثيراً، ماتتْ أُمِّي في مِثل عُمرها تماماً، أتأملُ في ملامحها وأكادُ أن أدعوها بأُمِّي، أتذكَّرُ أنَّني في نفس عُمرها تقريباً الآن، أبتسمُ مُجدداً .. فكيف تكون هذه المرأة مِثل أُمِّي؟ لا أدري لماذا توقفتْ أُمِّي عند سنِّ الأربعين في مُخيلتي حتى الآن أذكرُ خالتي وهي تُطلق زغرودةً مُدويةً فرحاً بعودة أُمِّي مِن رحلة الحج، كان ذلكَ أمام باب منزلنا وكُنتُ أنا طفلاً صغيراً ألهو على درجات السلم، كانتْ زغرودةً طويلةً ومُدويةوأذكرها أيضاً - خالتي - وهي تصيح وتنوّح عندما دخلتْ إلى نفس المنزل لتحضر مراسم العزاء التي أقمناها عند وفاة أُمِّي، كُنتُ أهبط على درجات نفس السلم لأبيتَ بعيداً مع أبناء عمتيوما بين المشهد الذي تعلوه الزغاريد، وبين المشهد الذي يملؤه النواح، علمتني الحياة أشياء عديدة، وطحنتي بين شقيْ رحاها طحناً مُبْرِحاً لم أعد أشعر بعده بأيَّ ألم، وربما بأيَّ فرح، فأنا وحدي في هذا العالم، لا شيء يُثير الإنتباه، لا شيء يُهمتهتزُّ الطائرة بشدةٍ من أثر عاصفةٍ رعديةٍ شديدةٍ، ويبدو وكأنَّنا سنسقطُ في البحر عمَّا قليل، لا أدري هل هي حالةٌ خطيرةٌ أم أمرٌ طبيعي، رُبما أموتُ الآن، ورُبما ستكون فقط لحظاتٌ مِن الرُعب قد تزولُ بعد وقتٍ ليس بالقصير، أُفكِّرُ في الموت وأتساءل: هل أخافُ أن أموتَ الآن؟ أم أنَّني أُريد أن تمتد بيَ الحياة؟ تختلطُ عليَّ الأفكار والأحاسيس فلا أُحددُ لنفسي موقفاً مُحدداً، لا شيء يُثير الإنتباه، لا شيء يُهمأستعيدُ وجه خالتي عندما كانت فرحةً لعودة أُمِّي وأستعيدُ وجهها وهي تبكي لرحيل أُمِّيويتوقف فجأةً اهتزاز الطائرة وتبدأُ في الهبوط بأمان .. وأتذكَّرُ أنَّني لازلتُ وحدى في هذا العالم

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 20, 2012 06:42

February 10, 2012

مطعمنا الوطني

كان ذلك في اليوم السابع عشر بعد وصولي إلى ذلك البلد الأوروبي البعيد، لازلت أذكُر أنَّه اليوم السابع عشرحتى بعد مرور كُل تلك السنوات الطوال، أبتسم كثيراً كُلما تذكرت ذلك الرقم وكأنَّه رقمٌ سحري، كُنتُ قد استقريت على أربعة أنواع من الأطعمة الأوروبية التي يُمكنني أن أتناولها في ذلك البلد العجيب، وكُنتُ أُكرر تلك الأطعمة الأربعة بشكل دوري كُل أربعة أيام، إلى أن أخبرني أحدهم في مساء اليوم السادس عشر بأن هُناك مطعماً جديداً قد افتتحه أحد أبناء وطني مُؤخراً على أطراف العاصمة، وأن ذلك المطعم يُقدم أصناف طعامنا الوطني للجاليات العربية المُقيمة في ذلك البلد الأوروبي البعيد، بخلاف أن ذلك يُعد شيئاً جذاباً للأوروبيين أنفسهم أيضاً، عندئذٍ قررت أن أقوم بإيقاف جدول الأطعمة الأربعة الذي كُنتُ أتبعه، وذهبت لأقوم بتجربة ذلك المطعم الذي ظهر فجأة، وكان ذلك في اليوم السابع عشر.
كان ذلك المطعم غريباً عما سواه هُناك في كُل شيء، فقد اجتهد صاحبه قدر الإمكان لكي يُضفي عليه روح وطننا، بدا ذلك في شكل الحوائط والمقاعد والطاولات، وكانت هُناك أغانٍ خفيفة تتردد لمُطربي وطننا بين جنبات المكان، كان صاحب المطعم كمن يُحاول أن يبث روح الوطن وسط ذلك البلد البعيد، فبرغم كُل مظاهر الحياة الأوروبية خارج المطعم بكُل تفاصيلها، إلا أنَّك تستشعر وكأنًّك قد سافرت فجأة إلى قلب الوطن بمُجرد دخولك عبر بوابة المطعم!
كان ذلك عن الجو العام للمطعم مِن الداخل، أما عن الطعام نفسه، فللأسف لم يكُن مُستواه في مِثل مستوى الطعام الذي نتاوله في وطننا أبداً، قال لي صاحب المطعم حينها أن المُشكلة لا تكمُن في طريقة الطهي أبداً، فقد استقدم طباخين مهرةً للغاية مِن وطننا لكي يعملوا لديه، لكنَّ المُشكلة تكمُن في المواد التي يُصنَع مِنها الطعام، فالمواد والأطعمة هُنا في أوروبا تختلف تماماً عن تلك التي تنبت في أرض الوطن، لكنُّه سيجتهد لكي يقوم بحل تلك المُشكلة الفارقة عمَّا قريب.
لم أفهم كيف سيتمكَّن صاحب المطعم من أن يحل تلك المُشكلة بحق، فنحن على بُعد آلاف الأميال عن وطننا، لا أُنكر أنَّ تصميم المطعم وشكل الطعام يُنبئان بأنَّنا في مكانٍ يقع بين ربوع الوطن، فالمناظر العامة للمكان والطعام معاً تجعلُنا نشعُر بذلك تماماً، لكنَّ مذاق الطعام نفسه مُختلفٌ تماماً.
الغريب في الأمر أن مذاق الطعام بدأ يتغير بالفعل مع مرور الزمن، كُنتُ في كُل مرة أزور فيها ذلك المطعم، أجد صنفاً جديداً قد تحسَّن طعمُه، كان صاحب المطعم هو مَن ينصحني بتناول صنفٍ ما بعينه في كُل مرة أزورُه فيها، وعندما سألته عن السبب في ذلك، قال لي أنه استطاع أن يعقد صفقةً ما مع أحد المزارع أو المجازر في وطننا البعيد كي تمدهُ بصنف ما من المواد الأولية التي يُصنع منها الطعام، وكانت تلك المواد تصله عبر النقل الجوي. كان يفعل ذلك شيئاً فشيئاً، فقد كان حذراً جداً في انفاقه، ولم يكن يرد أن يخوض تلك التجربة في كافة المواد اللازمة لطهي جميع الأصناف معاً دُفعةً واحدة.
مرَّت السنين وطالت تلك التجربة طويلاً، كُنتُ أمزح مع صاحب المطعم في كُل مرَّةٍ أزورُه فيها وأقول له: ألم تنته مِن نقل الوطن إلى مطعمك بعد؟ ألم تنجح بعد في أن تصنع شيئاً مُماثلاً تماماً لوطننا؟ وكان يضحك ويقول مُستطرداً: بقِىَ خمسة عشر صنفاً، بقى أحد عشر صنفاً، وهكذا.
مُنذُ عشرة أعوام، زُرت ذلك المطعم ذات يوم، فوجدت صاحب المطعم مُلتصقاً بجوار المذياع وهو حزينٌ ومهموم، قال لي إن إحدى الدول العُظمى قد قامت باحتلال بلادنا لكي تُنقذها مِن طُغيان الحاكم الذي كان يحكم بلادنا منذ زمنٍ طويل، لم أُصدق ما سمعته حينها، بل إنني لم أدر أشرٌ ذلك أم هو خيرٌ لوطننا؟ كُنتُ فرحاً بالطبع لرحيل ذلك الحاكم الطاغية، فبسببه كُنتُ قد رحلت عن وطني عندما ضاقت بي الأرض وهاجرت مِنها، لكن هل سيكون ذلك الإحتلال الأجنبي ذو أغراضٍ نبيلة بالفعل؟ أم أنَّ المشهد يحتوي على أشياء أُخرى أبعد مِن ذلك؟
لم أنتظر طويلاً كي أعرف الإجابة عن سؤالي ذاك، فقد ظهر الوجه القبيح للمُحتَل على الفور عندما وضع يده على ثروة بلادنا، فانتشرت على الفور فِرَق مُقاومة الإحتلال بعد ذلك في كُل مكانٍ وحاربته، بل وأوجعته طويلاً حتى اضطر إلى الرحيل بعدها بعامٍ واحد فقط، حينها عادت الفرحة لصاحب المطعم ولي أنا أيضاً، ثُمَّ أخذنا نحلم بقائدٍ جديد يقود وطننا مِن الظلام إلى النور، قائد جديد يختاره شعبنا ولا يكون مفروضاً عليه.
أعوامٌ أُخرى تمضى وتمضي ولا يصل ذلك القائد المجهول إلى سدة الحُكم في بلادنا أبدأً ، أعوامٌ تبدأ وتنتهي وقد اشتدت الحرب الأهلية بين نفس الفِرَقِ التي كانت تقاوم الإحتلال معاً ذات يوم! أعوامٌ تمضي وهُم لا يتفقون على قائدٍ يتوافقون عليه ويُرضيهم جميعاً، الجميع يظُن أنَّه هو الوحيد الذي على حق وطمعوا جميعاً في السُلطة ونسوا الوطن ومصلحته العُليا، تناحروا كثيراً وبشدة إلى أن تمزَّق الوطن وأصبح أشلاءً، ولم يتفقوا إلا بعد أعوامٍ طويلة، اتفقوا على الهُدنة بعد أن انهاروا جميعاً وانهار الوطن معهم وبسببهم، بعد أن تغيَّر الوطن ولم يُصبح كما كان.
قالوا لنا أن بلادنا لم تعُد كما كانت، تلاشت المتاحف والمُنتزهات والأماكن الجميلة وحلَّ بدلاً منها الخراب والدمار، أُغلقت الجامعات والمدارس والمسارح وكافة أماكن التجمُعات، حلَّ الجهل والظلام وانهارت الخدمات، ولم يتبقَّ لدينا نحن من الوطن سوى تلك الصور القديمة، وتلك المشاهد القليلة التي تحفظها ذاكرتنا.
كان مطعمنا الوطني هو الملاذ الوحيد لنا كي نشعر أن لنا وطناً ما، وبرغم أن امدادت المواد الغذائية الواردة من وطننا قد توقفت تماماً بسبب حروبنا الأهلية هُناك، وبرغم أن مذاق الطعام قد هبط مستواه مِن جديد مثلما كان عند افتتاح المطعم، إلا أن المناظر والأغاني كانت هي السلوى والملجأ، ولم نعُد نشتكي أبدأً من هبوط مستوى الطعام.اليوم، زُرت مطعمنا الوطني مرةً أُخرى، فوجدت هُناك ضيفاً وجيهاً قالوا لي إنه وزير جديد في الحكومة الجديدة لوطني، كان الوزير مُعجباً جداً بالطعام الذي يُقدمه ذلك المطعم، وبعد أن انتهى من طعامه هو وضيوفه، طلب مِن صاحب المطعم أن يقوم بافتتاح مطعمٍ مُماثل هُناك بين ربوع الوطن، وذلك لكي يتعرَّف الشعب هُناك على تلك المأكولات الوطنية، فقد اندثرت تلك المأكولات أثناء الحرب الأهلية مثلما اختفى كُل شيء، لقد نسيها الناس أو رُبما ماتوا أثناء الحرب، وأصبح الجيل الحالي الجديد لا يعرف عمَّا كان في وطنه شيئاً.


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 10, 2012 12:54

January 20, 2012

رواية "نور كاشف" بمعرض القاهرة الدولي للكتاب

في رابع تعاون مع دار دوَّن للنشر والتوزيع للعام الرابع على التوالي، تصدر رواية "نور كاشف" لأحمد القاضي في مُنتصَف شهر يناير 2012 وسيتم طرحها في معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2012 بجناح دار دوَّن، وذلك ابتداء من يوم الأحد 22 يناير ولمدة اسبوعين


الرواية هي أول عمل روائي طويل بعد أن صدرت ثلاثة أعمال سابقة وهي

الحياة بدون كاتشاب: وهي مجموعة قصصية صدرت في يوليو 2009 وتتحدث عن الإفتقاد للأشخاص والأماكن والأشياء


عليك واحد: وهو كتاب من الأدب الساخر صدر في يونيو 2010 ويتحدث عن الشعب المصري المخدوع سياسياً واجتماعياً



دائماً امرأةٌ أُخرى: وهي مجموعة قصصية صدرت في يونيو 2011 وتتحدث عن المرأة الأُخرى في حياة الرجل وكذلك الرجل الآخر في حياة المرأة




رابط الخبر على الموقع الإلكتروني لأحمد القاضي

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 20, 2012 05:06

January 2, 2012

أن تكون رئيساً




مُقدمة لابُد منها، يحضُرني في الماضي مُنذ عشرين عاماً تقريباً أن أصاب تمثال أبو الهول الشهير تآكل ما في الجُزء المُنحني بآخر ظهره، فما كان من مُرمِّمي الآثار آنذاك إلا أنهم قاموا بإصلاحه في الحال بأن قاموا بتَكْسِيَة الجُزء المُتآكل بواسطة المونة الأسمنتية العادية. ولكن بعد عدة شُهور بسيطة، تفاجأ الجميع بأن الجُزء الأسمنتي الجديد قد بدأ هو الآخر في التآكُل! أفتى حينها أحدهم بأنَّه قد كان من الخطأ أن يتم إصلاح تمثال حجري بواسطة مواد أسمنتية لا تتناسب مع الحجارة التي تم نحت التمثال منها، وبالتالي تم إستخدام نوع آخر من المواد التي تتفق طبيعتها مع طبيعة التمثال، لكن المُفاجأة أنه قد حدث التآكل مُجدداً بعد شهور وفي نفس الموضع
كان الموضوع شديد الغرابة، ولذلك فقد تم تشكيل العديد من اللجان البحثية في مُحاولة لإستنتاج نوع المواد المُناسبة لذلك الترميم لكنها جميعاً باءت بالفشل، إلى أن طلبوا المشورة من إحدى الدول الأجنبية، مُتوقعين أن نجد لديهم حلاً أكثر تقدُماً وتطوراً لهذه المُشكلة الغريبة، فما كان من الأجانب إلا أن أرسلوا مُهندساً واحداً ذو تخصُص غريب لم نسمع عنه من قبل، وكُل مجال عمله أنه فقط يُحدد نوع العلم الذي تنتمي إليه المُشكلة! هذا المُهندس لم يكُن معمارياً أو مدنياً أو كهربائياً أو ميكانيكياً، بل أنه لم يتخصص في أي مجال هندسي بعينه على الإطلاق، وكُل ما فعله أنه قال: إن مشكلة تمثال أبو الهول تنتمي إلى علم الديناميكا الهوائية، فالتيارات الهوائية في المنطقة تصطدم بظهر التمثال وتُسبب تآكله، أنتم تحتاجون لمن يعطيكم مُعادلة أو رسم المُنحنى الصحيح الذي تنساب عليه التيَّارات الهوائية ولا تصطدم به، وبالتالي إذا تم الترميم بأن شكَّلتُم المُنحنى الإنسيابي الصحيح على ظهر التمثال فستنتهي مشكلتكم
ماذا تعني هذه المُقدمة؟
أعني أن الجهل = ألا تعلم
والجهل المُركَّب = ألا تعلم أنك لا تعلم
مُقدمة ثانية لابُد منها أيضاً، يحضُرني أنني أثناء دراساتي العليا في مجال إدارة المشروعات الهندسية بإحدى الجامعات الأجنبية، أعطونا يومها كتاباً ضخماً للغاية عنوانة: جسم المعرفة لإدارة المشروعات، وقالوا لنا إن هذا الكتاب الضخم هو بداية المعرفة، وهو كتاب لا يتخصص في أي بند من بنود علم إدارة المشروعات، بل أنه فقط يتحدث عن العناوين المُختلفة لتلك البنود مع مُلخَّص سريع لكُل بند منها في نصف صفحة! والمطلوب فقط أن نعرف أن هذه البنود موجودة، فإذا واجهتنا مُشكلة ما فإنه يتوَجَّب علينا أن نتعرَّف على إسم البند الذي تنتمي إليه تلك المشكلة، ويُمكننا عندئذٍ أن نتعمق أكثر في هذا البند، لدرجة أنهم قالوا إن البند الواحد قد يكون كافياً جداً لأن نقوم بتحضير رسالة ماجيستيرخاصة به
ماذا إذاً بعد كلُ تلكَ المُقدمات؟
وما علاقة ذلك كُله بعنوان المقال؟
أعود إلى تعريف الجهل والجهل المُركَّب، وأذكُر ذلك كُلما رأيت حماساً مُشتعلاً تجاه ترشيح شخصٍ ما لرئاسة الجمهورية، وخُصوصاً لو كانت كُل مُقومات ذلك الشخص أنه كاتبٌ كبير أو عالمٌ مشهور أو خطيبٌ مفوَّه، ناسين أن التقدُم للرئاسة يتطلَّب مُقومات إدارية خاصة للغاية ومُتنوعة جداً وهو ما يندر أن تجدهُ في شخص واحد. يُشبه ذلك تماماً عندما نبحث عن شخص مُميَّز ليكون رئيساً تنفيذياً أو مُديراً عاماً لإحدى الشركات العملاقة ذات الأنشطة المُتعددة، فهؤلاء المُديرين ليسوا مُتاحين طوال الوقت بسهولةٍ هكذا، فالمُقومات النفسيَّة والمِعرِفيَّة ورؤيتهم الإقتصاديَّة والإداريَّة لهؤلاء تجعلهم مؤهلين دائماً إما لإنشاء الشركات الجديدة من العدَم، أو لتأهيل الشركات الخاسرة لتتحول إلى الربحية
لم أر حتى الآن مُرشَّحاً واحداً كان قبل ذلك مُديراً لمنظومة كبيرة تجعلني أقتنع أنه سيكون صاحب رؤية شاملة ليكون جديراً بقيادة البلاد حال فوزه بالإنتخابات الرئاسية، كما أنني لم أر منهم من لديه قاعدة بيانات شاملة عن البلاد يستنتج منها الخطة التفصيلية التي ستسير عليها البلاد حال ترؤسه لها، فكُل ما سمعته هو عبارة عن مبادئ عامة وعناوين فضفاضة لا يتحول منها أي عنوان إلى أية تفاصيل
فمن مبادئ الإدارة الأساسية هي أن تُحدد لكُل عنوان تطرحه خمسة إجابات عن:كيف ومتى وأين ولماذا ومن سيقوم بماذا؟ إنها نظرية الخمسة استفهامات الشهيرة
فالرئيس مثله مثل أي مُدير، لابد أن يتحلَّى بالمُقومات العشرة الشهيرة التي يجب توفرها في أي مُدير ناجح لمنظومةٍ كبيرة، وهذه المُقومات العشرة هي
أولا: التخطيط
ثانيا: مُتابعة ما تم تخطيطه
ثالثا: تحقيق التعاون بين الإدارات المختلفة
رابعا: التنسيق بين الإدارات المختلفة
خامسا: حماية المنظومة من الأخطار التي تُحدق بها
سادسا: اقتناص الفرص الممكنة
سابعا: الهيكلة التنظيمية
ثامنا: إتخاذ القرار
تاسعا: حل المشكلات
عاشرا: العمل الروتيني اليومي دون تأخيرُه
والسؤال الآن، مَن يا تُرى مِن مُرشَّحي الرئاسة الحاليين يتمتع بكُل المُقومات العشرة السابقة معاً؟ وإذا أعطينا درجةً واحدةً لكُل بندٍ مِن المُقومات العشرة، كم سيكون مجموع درجات كُل مُرشَّح رئاسي؟ هل سنقبل أن يحكُمنا مَن يحصُل على ما هو أعلى مِن خمسة درجات كحد أدنى للنجاح مثلما يحدُث في المدارس؟ هل سنعمل بمبدأ أن نرضىَ بأفضل السيئين؟ أسئلة كُلها تحتاجُ إلى إجابة، وأترك الإجابات لكم
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 02, 2012 11:00

December 12, 2011

كان لديَّ مُدَوَّنَة


أتذكر بين الحين والآخر أنني أمتلك مُدَوَّنَة، وأتذكر أيضاً أن تلك المُدَوَّنَة كانت من أهم اهتماماتي وهواياتي في فترة ما، أنظر إلى التحليلات الإحصائية لعدد الموضوعات التي قمت بنشرتها في الماضي، فأجد أنني في العامين الأوليين للتدوين كنت أقوم بنشر موضوع واحد على الأقل اسبوعياً، ليقل ذلك المُعدَّل تدريجياً عبر الثلاثة سنوات التالية لذلك وأصل إلى أن أنشر موضوعاً واحداً كل عشرة أيام، أما في العام السادس وهو العام الحالي، سيصل مُعدَّل الموضوعات المنشورة إلى موضوع كل شهر أو كل ثلاثة أسابيع.
أتعجب تماماً من هذا الإنخفاض المُفاجئ في أعداد الموضوعات المنشورة، هل صرت مشغولاً إلى تلك الدرجة التي قاربت فيها على هجر التدوين رغم حبي الجارف له؟ هل سيخبو نشاطي التدويني رغم أنني أدين إلي التدوين بالفضل في أنه كان مُتنفساً لي بل وقادني إلى أن أقوم بنشر العديد من الكُتب من تأليفي الخاص؟
أعتقد أن هناك سراً يُحيط بالتدوين والمُدوِّنين، وهو أمر ألحظه على أغلب المُدوِّنين، رُبما كان السر هو أن التدوين رغم حداثته إلا أنه يتسم بالبُطء والرتابة مُقارنة بالوسائل التفاعُلية الأًخرى كالفيس بوك والتويتر واليوتيوب، ورُبما كان السر هو أن لهذا العام تحديداً وضعاً خاصاً للغاية، فالأحداث فيه مُتسارعة وصادمة إلى حد كبير مما جعل المدوِّنين يلهثون بسرعة لتتابع الأحداث الصادمة والمُفاجئة، والتي عصفت بالجميع عصفاً شديداً على كافة الأصعدة.
هل كان السر هو أن اتجاه المُدوِّنين إلى النشر الورقي أو حتى عبر المجلات الإلكترونية سيحد من ذلك الإبداع المجاني الذي كانت تزدهر به المُدَوَّنَات؟ أم أن الظروف التي كانت تدفع المُدوِّنين للكتابة قد زالت سواء كانت عن الهم العام أم الخاص مثلما ذكرت قبل ذلك في تدوينة حنين تدويني؟
والسؤال، هل سيندثر التدوين تدريجياً رغم أن عمره لم يتجاوز الستة أعوام؟ هل لهذه الدرجة تسحق التكنولوجيا الحديثة ما يسبقها بهذه السُرعة؟ هل التغيرات التي أصابت العالم هذا العام هي من سيفرض أن يتحول اهتمام المُدوِّنين إلى شيء آخر؟ أسئلة كلها تحتاج إلى إجابة، لكنني لا زلت أتمنى أن أعود أنا والجميع إلى التدوين كما كنا قبل ذلك، مُتجاهلاً أن الزمان قد تغيَّر، فهل يُمكن للزمن الماضي أن يعود؟

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 12, 2011 07:04