أغنياء أم فُقراء
سُؤال مُكرَّر ومُعَاد: هل نحن فُقراء بالفعل؟ أقصد هل بلادنا بالفعل فقيرة في مواردها؟ أم أنها دولة غنيَّة ويَتِم نهبها كما يقولون؟ صبراً عزيزي القارىء فالمقال نفسه ليس مُعَاداً، أعدُك بذلك، فقط تحمَّل معي هذه السطور. كان أركان النظام السابق يُرددون على مسامعنا ليل نهار أننا دولة فقيرة وأن الزيادة السُكَّانية تلتهم كل موارد التنمية كالنار في الهشيم إلى آخر تلك المحفوظات. وفي المُقابل كان هُناك مَن يؤكدون على أن الفساد الذي أرساه أركان النظام السابق هو الثُقب الذي يلتهم كل موارد التنمية وأن بلادنا ليست فقيرة أبداً، كلام رائعٌ جداً. وقامتْ الثورة وزاد الحديث عن المليارات المَنهوبة وبدأ الجميع يحلم باسترداد تلك المليارات ثم توزيعها علينا نحن أفراد هذا الشعب، ثم لا شيء، لم يحدُث أيَّ شيء. ثم انخفض سَقْفْ الأحلام بعد ذلك عندما تعاقبتْ الحُكومات الواحدة تلوَ الآخرى. وكلما جاءتْ حُكومة لَعَنَتْ أُختها لنجدَ أن الحديث أصبحَ مُختلفاً ويكاد يقترب مِن حديث النظام السابق! فالبلاد تحتاج إلى آلاف المليارات، ومواردنا الطبيعية ما هيَ إلا خامات أوليَّة لا زالتْ تحتاج إلى تمويلٍ ماليٍ ضخم لتتحوَّل إلى مُنتجاتٍ وأشياء يُمكن بيعها أو الإستفاده مِنها، أمَّا المليارات المنهوبة فهي شيءٌ لا يُذكر مُقارنةً بما تحتاجه البلاد. هل هذا المقال يُدافع عن النظام السابق؟ بالطبع لا، فكل ما سبق كان مُقدمةً للمقال، أنا لم أبدأ بعدْ، إهدأ عزيزي القارىء، أعلم وَقْع المُفاجأة عليك. ونعود لنفس السؤال: هل نحن دولة فقيرة أم دولة غنيَّة؟ لِنضربَ بعض الأمثلة القليلة، هل تعلمون ما هو حَجْم الإنفاق الذي يُنفقه المصريون سنوياً لزيارة الأراضي المُقدَّسة لأداء العُمرة والحَجْ؟ إنه رقمٌ ملياري كبير لو تعلمون. هل تفقَّدتُم يوماً حجم ثروتنا العقارية الهائلة في مدينة أكتوبر والتَجمُّع الخامِس والشروق والعبور وكافة المُدن الجديدة وغيرها؟ هل لاحظتُم أن أغلب تلك المساكن مُغلقة ولا يسكنها أحد؟ تُقَدَّر قيمة تلك المساكن بألفي مليار جنيه تقريباً! لماذا تَمَّ تجميد تلك الأموال الهائلة في كُتَلْ مِن الخرسانة والطوب لن تُدِّر دخلاً للبلاد سوى بعض الأرباح الريعيَّة التي لا تُفيد سوى صاحبها إذا نَجَحَ في بَيْع العقار ذات يوم بِسعرٍ أعلى بعد سنواتٍ طويلة؟ ماذا لو كُنَّا استثمرنا تلك الأموال في مشروعاتٍ زراعيَّةٍ وصناعيَّةٍ تُثري الإقتصاد وتُدِّر عوائدَ سنويَّة وتستوعِبَ جيوش العاطلين؟ هل تذكرون ما حكيته في مقالٍ سابقٍ حينما قابلتُ شاباً جامعيَّاً مِصريَّاً في الخارج يعمل سائقاً للتأكسي؟ قال لي إنه سافر مع اثنين مِن أصدقائه بعد أن دفع كل مِنهم ثلاثين ألفاً مِن الجُنيهات ليحصلوا على تأشيرة العمل بالخارج كسائق تاكسي! ماذا لو فكَّروا قليلاً وقاموا بتجميع أموالهم معاً؟ ألا تكفي المائة وعشرون ألفاً لعمل مشروع مُشترك بينهم بدلاً مِن العمل كسائق بالخارج يتقاضى راتباً يُنفق معظمه إزاء تكاليف الحياة الباهظة هُناك؟ هل وصلتكم الفكرة؟ هل أدركنا إجابة السؤال الذي سألناه في أول المقال؟ ليس الموضوع هو الفقر أو الغِنَى، إن السِر وكُل السِر هو الإدارة، لقد فشلنا في إدارة أمورنا الماليَّة سواء على مُستوى الدولة أو حتى على مُستوى الأفراد، نُقَلِّد بعضنا البعض ولا نُفكر في تنميةٍ حقيقية، ولا نعلم هل نحن أغنياء أم فُقراء!
Published on September 06, 2012 15:05
No comments have been added yet.


