أحمد القاضي's Blog, page 5
October 12, 2013
إلى عرفات الله
سُبحان الله!تمر الأعوام وتتبدل الأحوال وتتغيَّر الظروف، ولا يبق إلا وجه الله عز وجل الذي لا يتغيَّر، وكل ما في الكون ما هي إلا أمور يُبديها ولا يبتديها، سُبحانه وتعالى.أكتب تلك الكلمات قبل لحظاتٍ من التوجه إلى أداء مناسك الحج للمرة الرابعة، ولكن شتَّان ما بين المرة الأولى والآن، وما أعظم الفارق بيني الآن وبين نفسي حينما حججت للمرة الأولى مًنذ سبعة أعوام، وما أكبر الفارق بين الأحلام والطموحات والتحديات والأحوال في المرتين، وينطبق ذلك على الشأن العام قبل الخاص أيضاً.أين كنت وفيم كنت أفكر حينها وماذا أصبحت الآن؟ يالله .. كأنني أصبحت شخصاً آخر، وسُبحان الله.أدعو الله عز وجل أن يُصلح أحوالي وأحوال بلادي وسائر بلاد المسلمين، وأن يرفع عنَّا الضيق والكرب، وأن نعود بإذن الله من حجنا هذا مغفور لنا ومُستجابٌ دعائنا.لبيك اللهم لبيكلبيك لا شريك لك لبيكإن الحمد والنعمة لك والمُلك، لا شريك لك تدوينة عن الحج الأول عام 2006تدوينة عن الحج الثاني عام 2008تدوينة عن الحج الثالث عام 2011
Published on October 12, 2013 06:50
August 29, 2013
النوم
فجأةً، يتم استدعاء مشهد ما إلى ذاكرتي، ذلك المشهد كنت قد رأيته ضمن أحد المُسلسلات التليفزيونية حينما كنت صغيراً لم أتجاوز السنة التاسعة من عُمري بعد، بالطبع لا أذكر شيئاً عن المُسلسل ولا عن أبطاله، لكنني أذكر جيداً ذلك المشهد الذي يجلس فيه أحد أبطال المُسلسل في صالة منزله فيخرج عليه أحدهم ليسأله لماذا تجلس هُنا في هذا الوقت المُبكر للغاية؟ فيجيبه الأول: إنني لم أنم طوال الليل. أذكر أنني حينها كنت مُندهشاً للغاية من ذلك المشهد، كيف لإنسانٍ ما ألا ينام طوال الليل؟ فالليل بالنسبة لي آنذاك كان له قُدسية كبيرة، فهو وقتٌ النوم فقط، كما أن الظلام يُصاحبه دوماً، وبالتالي فإنني لم أكن اتخيّل كيف يكون شكل الحياة والدُنيا كلها أثناء الليل؟ كيف يُمكن للإنسان أن يعيش مُتيقظاً بينما الكون كله نيام؟ هل من كائنات أُخرى تعيش وتتحرك أثناء الليل؟ أم أن الهدوء والسكون وحدهما هما المُسيطران حينها؟ لا أدري لماذا لم أسأل والديَّ حينها عن كل تلك الأسئلة التي تعصف بي، لكنني تمنيت حينها لو أنني أمر بتجربة مُماثلة لتلك التي قام بها ذلك المُمثل من باب الفضول، ثم طردت الفكرة من رأسي خوفاً ورُعباُ. وما هي إلا سنوات قليلة، ويأتي شهر رمضان في فصل الصيف بما يتبعه من سهرات تليفزيونية مُطوّلة، وألعاب ليلية مع الأصدقاء والجيران حتى طلوع الفجر، حينها حققت حلمي بأن أقوم بالسهر حتى الصباح، واكتشفت أن ذلك الأمر آمنٌ للغاية طالما أن الجميع من حولنا يشاركوننا نفس التجربة، فالليل يتحول إلى نهار بسبب الصُحبة، ويتبدد الخوف بسبب كثرة المُحيطين بنا. بعدها بسنوات، كنت قد التحقت بالجامعة، وكنت مُضطراً أحيانا لأن أقضي ساعاتٍ مُطوّلة بعد مُنتصف الليل في عمل بعض اللوحات الهندسية أو استذكار بعض المواد الدراسية الصعبة، لم يكن الأمر مُمتعاً، ولم يكن يُشاركني الكثيرون في ذلك مثلما كنا صغاراً في ليالي شهر رمضان، لكن المُبرر للسهر الطويل ليلاً كان يستحق، وكانت ضُغوط الدراسة كبيرة بحق. يمر رُبع قرنٍ آخر، تتغير الظُروف وألاحوال، تزداد الهُموم والمسؤليإت والتحديات بشكلٍ تصاعُدي، تعصف ببلادنا العديد من الكوارث التي تؤثر في حياتنا رغماً عنّا، تتقاطع الهُموم العامة والخاصة لتنسف هُدوء حياتنا وتتراكم المشاكل وتضيق الصدور، فأجدني في النهاية لا أستطيع النوم بعُمق وراحة أثناء الليل، وكثيراً ما أقضي ليلي في أرقٍ مُتواصل. أستدعي ذلك المشهد الذي حكيت عنه منذ قليل في أحد المُسلسلات، أتذكر ذلك المُمثل الذي لم ينم ليلته .. وأبتسم! تعددت الليالي التي لا أستطيع النوم فيها، وكثيراً ما قضيت مُعظم ساعات الليل وأنا مُتيقظ ومُتنبه، صرت أحسد أحدهم عندما أعرف أنه قد نام ليلته لأن ذلك الأمر قد أصبح هو الإستثناء الآن! صرنا لا نستطيع النوم ليلاً أو نهاراً!
Published on August 29, 2013 13:46
July 21, 2013
رمضان والذكرى
أنظُر إلى الساعة المُعلَّقة على الحائط، يتبقى خمس دقائق فقط على موعد أذان المغرب، فأعود ببصري نحو طاولة الطعام لأتأكد أن جميع الأشياء موجودة ولا ينقصها شيء، كوب العصير وبعض التمر وتلك الوجبة الجاهزة التي اشتريتها بالأمس، فأنا أشتري وجبتين معاً تكفيان ليومين مُتتاليين لأنني أتكاسل عن الخُروج كل يوم لشراء الطعام. لست جائعاً، لكنني أشعر بالخمول وهو ما يدل على أنني لابُد أن أتناول شيئاً، فأنا أتناول الطعام فقط لكي أبقى على قيد الحياة، ولا يعنيني الطعم ولا أن يكون الطعام شهياً، فشهيتي ليست على ما يُرام، رُبما كانت الوحدة هي السبب، رغم أنني تناولت الطعام برفقة آخرين منذ أيام لكن لم يتغير أي شيء. أفيق من شرودي على صوت أذان المغرب، فأتناول العصير وأدعو الله، اللهم لك صُمت وعلى رزقك أفطرت، أنظر إلى الطعام مُجدداً، أهز رأسي يميناً ويساراً ثم أقوم لأُصلي صلاة المغرب، لعلِّي أشعر بالجوع بعدها. أنتهي من صلاتي وأقوم بتشغيل جهاز التليفزيون أملاً في أن أجد ما يشغلني ويسليني، أتفاجأ ببرنامج للرسوم المتحركة للأطفال يقوم بحكي بعض القصص بصوت المُذيعة القديرة أبلة فضيلة. أبتسم بشدة من فرط سيل الذكريات، وأبدأ في تناول طعامي دون أن أشعر، بل إنني لا أشعر بطعمه أيضاً، فقد كنت مشدوداً للغاية نحو حكاية أبلة فضيلة! الحكاية كانت عن بَطَّة كبيرة ترقُد على بيضها تحت احدى الأشجار، وفوق أغصانها تُغرِّد بعض العصافير، ترفع البَطَّة رأسها نحوهم وتقول أنها لا تستطيع النوم بسبب تغريدهم، ليتهم يصمتون قليلاً، فيمتثل العصافير لطلبها. وبعد أن تستغرق البَطَّة في النوم، يأتي بعض الضفادع فيقفزون في مياه البركة المُجاورة للشجرة ويمرحون ويصيحون، تستيقظ البَطَّة مُنزعجةً وتطلب من الضفادع الكفَّ عن الصياح، فيسبحون في هدوء لكي تتمكَّن البَطَّة من النوم. تأتي ناموسة سخيفة تُحاول أن تطن في أُذن البَطَّة، فتتوعدها العصافير بأن يلتهمونها بمناقيرهم لكي لا توقظ البَطَّة، وتتطوع الضفادع لأكل الناموسة بألسنتهم الطويلة، فتهرب الناموسة. وفجأة، يصدر صوت شيء ما يتكسَّر، يخشى العصافير والضفادع أن تستيقظ البَطَّة، لكنهم لا يعلمون مصدر الصوت، وفجأة تستيقظ البَطَّة وتنهض، لقد كان مصدر الصوت هو البيض الذي ترقد عليه، فقد حان موعد فقس البيض وخروج البَط الصغير إلى الحياة وهو يصيح. تتعجَّب العصافير والضفادع من أن البَط الصغير يصيح بينما البّطَّة الكبيرة لا تغضب ولا تنام برغم تعبها واجهادها، وتسأل أبلة فضيلة: هل تعلمون لماذا تتحمَّل البَطَّة الكبيرة كل ذلك؟ وتُجيب على السؤال: لأنها الأم .. لأنها ماما .. أغلى ما في الوجود .. وتتحملنا إلى مالا نهاية .. أتذكر أُمِّي الراحلة، أترك الطعام فجأة وأغلق جهاز التليفزيون .. وأبكي ..
Published on July 21, 2013 13:05
June 14, 2013
حفل توقيع رواية سبع ساعات
وسط حضور العديد من المدوَّنين والأصدقاء والكُتَّاب، أُقيم حفل توقيع رواية "سبعُ ساعات" وذلك في مساء يوم الإثنين الموافق العاشر من يونيو عام 2013 بمقر مكتبة "ألف" بالميرغني بمصر الجديدة بالقاهرةأدار الندوة الأستاذ "عماد عدلي" المُستشار الثقافي والإعلامي لمجموعة مكتبات "ألف" حيث تمت مُناقشة العديد من الموضوعات التي تدور حولها الرواية وسط مُشاركة وتفاعُل الحضورتطرَّق النقاش إلى حرفية الروائي في خلق صورة لمجتمع ما في إطار زمني ضيَّق، ومدى تأثير آلام الغُربة على الرواية من عدمه، وكذلك نظرية الأدب العائلي والكتابات الملتزمة، بالإضافة إلى تأثير ثورات الربيع العربي على المُغتربين بدول الخليج العربيرواية "سبعُ سياعات" هي الكتاب الخامس في سلسلة مؤلفات أحمد القاضي نبذة عن مؤلفات أحمد القاضيالكتاب الجماعي: شارك مع مجموعة كبيرة مِن المُدَوِّنين في إصدار أول أعداد "مدونات مصرية للجيب" بنشر قصتين قصيرتين وذلك في مايو 2008 عن دار "أكتب" للنشر.الكتاب الأول: صدر له مجموعة قصصية بعنوان "الحياة بدون كاتشاب" وذلك في يوليو 2009 عن دار دَوِّن للنشر، والمجموعة تحتوي مجموعة من القصص القصيرة التي تدور حول حالة من الإفتقاد للأشياء والأشخاص.الكتاب الثاني: صدر في يونيو 2010 الكتاب الساخر بعنوان "عليك واحد" عن دار دَوِّن للنشر وهو كتاب يحتوى على جُزئين مُنفصلين أحدهما سياسي والآخر إجتماعي لكن كلاهما يندرج تحت نفس الهدف وهو أن الإنسان المصري مخدوع سواء على المُستوى السياسي أو الإجتماعي.الكتاب الثالث:صدر في يونيو 2011 مجموعة قصصية بعنوان "دائما امرأةٌ أُخرى" عن دار دَوِّن للنشر والتوزيع، وهو يحتوي على مجموعةٍ مِن القصص القصيرة التي تحكي عن المراة الثانية في حياة الرجل، وكذلك الرجل الثاني في حياة المرأة.الكتاب الرابع: رواية نور كاشف، والتي صدرت في يناير 2012 عن دار دَوِّن للنشر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وهي رواية اجتماعية يوجد بها صراع نفسي بين الرغبات والأحلام من ناحية وبين الواقع وما يفرضه المجتمع من ناحية أُخرى.الكتاب الخامس: صدر في مايو عام 2013 وهو رواية "سبع ساعات". تُعد الرواية تأريخاً غير مُباشراً لحياة المصريين في بلاد الخليج العربي، حيث يستعرض جميع أبطال الرواية مُعاناتهم وانجازاتهم بشكلٍ موضوعي مع بعض التفاصيل التي تخفى عمَّن لم يُجرب تجربة السفر الى دول الخليج العربي، كما سنكتشف أن تجربة السفر تلك قد غيَّرت مِن التكوين المُجتمعي للمصريين حتى داخل مصر أيضاً.
Published on June 14, 2013 05:56
May 22, 2013
سوق التجزئة المصري
عندما كنتُ أعيش في دولة الكويت مُنذُ سنوات، كان عدد السُكَّان هُناك حوالي ثلاثة ملايين نسمه، كان ذلك هو عدد سُكَّان الدولة كلها بما فيها مِن مُواطِنين وأجانِب ووافدين يعملون هُناك. وانتقلتُ بعدها للعمل في مدينة جدَّه بالمملكة العربية السُعودية، وهي مدينة كبيرة يبلُغ عدد سُكَّانها أربعة ملايين نسمه، أي أن مدينة جدَّه يفوق عدد سُكَّانها عدد سُكَّان دولة الكويت. أمَّا عدد سُكَّان المملكة العربية السُعودية كُلها فهو يقترب مِن أربعة وعشرين مليون نسمه شاملاً الأجانب والوافدين، وهو ما يفوق عدد سُكَّان دوَل الخليج العربي مُجتمعين بكثير. أذكر الآن تلك الأعداد لكي أُوضِّح الفروق البينية في حجم الأسواق المالية والإستهلاكية، وهو الشُغل الشاغِل لدى المُستثمرين ومديري التسويق والمبيعات، فكُلما زاد حجم المُستهلكين كُلما كان ذلك مصدراً لجذب الإستثمارات في قطاعات السلع الإستهلاكية وأسواق التجزئة. ولننظُر إلى مدينة القاهرة بمصر، فالقاهرة يبلغ عدد سُكَّانها الآن حوالي أربعة وعشرون مليون نسمه، أي أنَّ السوق الإستهلاكي في العاصمة المصرية وحدها يفوق حجم عدد المُستهلكين في دولة كالسُعودية بأكملها، فما بالنا بحجم السوق المصري ككُل وهو ما يقترب مِن التسعين مليون نسمه الآن؟ حتى ولو كانت القوَّة الشرائيَّة أضعف مِن مثيلتها بدوَل الخليج العربي، حتى لو انخفضت إلى النصف، فلا يزال عدد السُكَّان المهول دافعاً قوياً لأن يكون السوق المصري جاذباً للإستثمار في قطاع التجزئة أكثر مِن أية أسواق أُخرى بالمنطقة. وللعلم بالشيء، فإنَّ قطاع التجزئة هذا يشمل على سبيل المِثال لا الحصر المًنتجات الغذائية والمُستهلكات المنزلية والشخصية والطبية والأجهزة الكهربائية والملابس والمفروشات وما يُماثلها. إذاً فمِن الحقائِق العلمية المُؤكَّدة هو أنَّ عيون المُستثمرين الأجانب تقع جميعها على عدد السُكَّان في مصر لأنَّه يُمثل سوقاً واعدةً بالنسبة إليهم، لكِن اذا نظرنا إلى نوعية تلك السوق تلك فسنجدها تندرج تحت بند اقتصادي يُسمى FMCG وهو اختصار لمُصطلح يعني السِلَع المُستهلكة سريعة الحركة في السوق، وسُرعة الحركة هُنا تعني سُرعة دوران رأس المال، أي أنَّ هذه الإستثمارات سيتم تحصيل أرباحها واستعادة رؤوس أموالها بسُرعة وفي سنواتٍ قليلةٍ جداً مُقارنةً بالصناعات الثقيلة التي تؤتي ثمارها بعد سنواتٍ طويلةٍ كالحديد والصُلب وتكرير البترول وغيرها. مُعظم تلك الأرباح المُباشرة تعود على المُستثمرين فقط أكثر مِن غيرهم، أما المُستهلكين – وهم أبناء هذا الشعب المصري العريض – فسيتم تفريغ جيوبهم في مُقابِل الحصول على تلك السِلَع الإستهلاكية، ولن تكون هُناك إضافة قوية إلى الإقتصاد اللهم إلا بعض المُساهمات في خلق الوظائف وبعض الإنشاءات التي ستحتاجها تلك الأسواق والمراكز التُجارية الكبيرة التي سيتم اضافتها، بالإضافة إلى ترويج المُنتجات المصرية المُختلفة، وليتنا نتوقف عن ترويج المُنتجات الكمالية المُستوردة التي تستنزف احتياطياتنا النقدية من العُملات الأجنبية، وهي مُنتجات يُمكننا الإستغناء عنها بالفعل. لكننا في الحقيقة في حاجةٍ ماسةٍ إلى ما هو أهم مِن الإستثمار في قطاع التجزئة والمراكز التجارية الكبيرة، فنحن لا نُريد أن نُشجع النمط الإستهلاكي فقط، بل نحن في حاجةٍ إلى قيمةٍ مُضافةٍ إلى إقتصادنا الوطني مِن مشروعات زراعية وصناعات ثقيلة وتحديداً الإستراتيجية مِنها، فكلما اعتمدنا على أنفسنا في غذائنا وصناعاتنا كلما كانت لنا أسباب القوة والعزَّة، وكُلَّما اعتمدنا على أنفسنا كُلَّما تضاءلت فُرَص التدخُّل الأجنبي في سياساتنا الداخلية رغماً عنَّا بسبب الحاجة والعَوَز، فالخارج يتمنَّى دائِماً أن نكون دولةً مُستوردة وفي حاجة دائِمة إلى الآخرين، فيملون شروطهم علينا ويتحكمون في قراراتنا. وللحديث بقية ..
Published on May 22, 2013 04:38
April 16, 2013
قريباً.. سبعُ ساعات
أحياناً قد تلتقي أشخاصاً كُنتَ تظُنُّ أنَّكَ تعرفهم حق المَعرِفة، كُنت تراهم مِن خلف زُجاجٍ صامتٍ بوجوههم الجافة الساكنة، لكِنَّك وإن اقتربتَ مِنهم، ورأيتَ ما بداخل ذلك الزُجاج مِن حكايات، لوجدتَ أنَّك لم تكُن تعرف شيئاً عنهم بعد، ولرُبما قابلتَ الشخص الوحيد الذي لم تشُّك للحظةٍ أبداً أنَّكَ لم تكُن تعرفه، وقد تُقابل نفسكَ للمرَّةِ الأولى، فكُن مُستعدأً لذلك كتابي الخامِس وهو روايتي الثانية، تصدُر قريباً عن دار دوِّن للنشر والتوزيع في خامِس تعاون مُشترَك للعام الخامِس على التوالي مُنذُ عام 2009 وحتى الآن
Published on April 16, 2013 14:25
March 19, 2013
تأمُّلات طائِرة 1
كانت الطائرة مُمتلئةً عن آخرها رغم ضخامة حجمها وكثرة عدد مقاعدها، كُنتُ مِن آخر الذين يدخلون إلى داخل الطائرة وكانت جميع المقاعد مشغولةً تقريباً، وكان اللون الأبيض هو اللون الغالب على جميع الركاب، فقد كانوا يرتدون جميعاً ملابس بيضاء اللون سواء كانوا رجالاً أم نساءً، وكانت وجوههم بيضاء أيضاً مِن فرط النقاء والطُهر، فقد كانوا جميعاً عائدين إلى الوطن بعد أداء العمرة، وكان النور يتلألأ في وجوههم جميعاً
رُبما كُنتُ أنا الوحيد الذي يرتدي اللون الأسود، كُنتُ الوحيد الذي يرتدي ملابس رسمية وربطة عنق، كان منظري شاذاً بينهم جميعاً، رُبما لاحظوا أيضاً أنَّ وجهي لا يتلألأ مثل وجوههم، فمشاكل العمل كانت تعصفُ بي طوال اليوم، كما تراكمتْ الهموم على صدري بسبب المشاكل المالية التي تتعلق بتمويل أعمالنا، كُنتُ بحقٍ مُتعباً للغاية.
وصلتُ إلى مكان المقعد المُخصَّص لي ثُمَّ وضعتُ حقيبتي الخاصة بالرَّف العُلوي وجلست، كان بجواري شاب وامرأة كبيرة في العُمر، قد تكون أُمّه أو عمّته أو خالته، كانت المرأة تتوسط المقاعد بيني وبين ذلك الشاب، أغمضتُ عيوني من فرط تعبي، فقد كُنتُ مُتعباً بدنياً ونفسياً، سمعتُ الشاب يقول لتلك المرأة بلهجةٍ ريفيةٍ واضحة: هل نتبادل الأماكن لكيلا تكوني بجوار الرجل؟ كان يقصدني أنا، وكان ذلك آخر ما وعيته، فقد خلدتُ إلى النوم بعدها فوراً.
استيقظتُ بعدها على صوت المُذيع وهو يصفُ حالة الجو وارتفاع الطائرة وخلافه، لم أشعر أبداً بتحرُّك الطائرة ولا صعودها، لا أشعرُ بشيءٍ عندما أكون مُجهداً هكذا، لمحتُ بجواري ذلك الشاب وهو يتوسطني أنا وتلكَ المرأة، متى تبادلا أماكنهما يا تُرى؟ وكيف لم أشعر بذلك؟ كان أمراً عجيباً فالأماكن ضيقة للغاية.
جاءتْ المُضيفة لتُقدم لنا الطعام، وكانتْ تتحدَّث اللغة الإنجليزية فقط، سألتنا عَن نوع الوجبات التي نُفضل أن نتاولها، وقالتْ: تشيكين أور بيف؟ نظر إليَّ الشاب وقال: ماذا تقولُ تلك المُضيفة؟ ابتسمتُ له وقُلت: أتريدُ دجاجاً أم لحماً؟ فقال لي: كلانا يُريد دجاجاً.
قُلتُ ذلكَ للمُضيفة باللغة الإنجليزية بينما لمحتُ الشاب يميلُ على تلكَ المرأة حيث همستْ في أُذنه بشيءٍ ما، اعتدلَ الشاب ثُمَّ التفتَ إليَّ وقال: لقد غيَّرتْ مِن رأيها، إنَّها تُريد اللحم بدلاً مِن الدجاج، ابتسمتُ في وجهه وكأنَّني أُريد أن أقول لهُ إنَّ المرأة لم تختر شيئاً في البداية، إنَّه أنتَ مَن اخترتَ لها.
ظنَّ الشاب أنَّني مِن طبقة المُثقَّفين لأنَّني أتحدَّثُ الإنجليزية، فسألني: ماذا تعمل؟ فقُلتُ لهُ أنا أعملُ مُهندساً، فقال لي وهو يتصنَّع المعرفة: أي نوعٍ من المُهندسين أنت؟ أعرفُ العديد من المُهندسين، فأنا عاملٌ في مصنع، فابتسمتُ وأخبرته عَن مجال عملي، لم يفهم بالطبع طبيعة عملي الخاصة، فتصنَّع أنَّه قد فهمني ثم التفتَ إلى المرأة التي بصُحبته وأخذ يتحدث معها.
كان حديثهما معاً شيقاً للغاية، فكلاهما مِن أُصولٍ ريفيةٍ بسيطة ولا توجد لديهم أيَّ تعقيداتٍ للحياة، كُنتُ أنظر إلى اللاشيء بينما حديثهم يخترقُ أُذني، كانا يتقاسمان مصروفات رحلة العُمرة وكانا يضحكان بصوتٍ مسموع حيث كان كلاهما يُحاول خدعة الآخر، فهمتُ أن هُناك ألف وتسعمائة وأربعون جنيهاً قد أنفقاها سوياً في شيءٍ ما ويُريدان أن يتقاسماها، وكان كُل منهما قد ساهم بجزءٍ مُختلف، كانتْ المرأة تُحاول اقناعه بأرقامٍ غير سليمة فيضحَك، ثُمَّ يُدافعُ هو بطريقةٍ مُعاكسةٍ وغير سليمةٍ أيضاً فتضحَك، كانت ضحكاتهم نقيَّةً وجميلة، وجدتُ نفسي أبتسمُ بعفويةٍ عندما تحدَّدَ الخلافُ بينهما حول أربعين جُنيهاً مِن وجهة نظره هوَ، وعشرين جُنيهاً مِن وجهة نظرها هِيَ، ما أبسط حياة هؤلاء، أحسَّ الشاب أنَّني أُتابعُ كُل شيءٍ يدورُ بينهما، فأراد أن يُشركني وأن يحتكم إليَّ، فسألني: أيُرضيك هذا؟ أرأيت كيف تعاملُني أُمِّي؟ هل يُمكن لأُمِّكَ أن تفعل معكَ ذلكَ؟
ابتسمتُ لهُ وتنفستُ بعمقٍ ثُمَّ قُلتُ لهُ: ليس لي أم، لقد ماتتْ مُنذ أكثر مِن رُبع قرن!
Published on March 19, 2013 00:40
February 21, 2013
إنَّه الإقتصاد أيها الغبي
فلينشغل النظام الحاكِم الجديد بما يشاء، دعوهم يهتمون بالتمكين مِن السُلطة وببسطِ نفوذهم هُنا وهُناك، لينتقموا مِن سنواتٍ سابقة عاشوا فيها مظلومين – كما يقولون – فيهرعون الآن إلى إقصاء كُل مَن هو دونهم، وليكون شُغلهم الشاغِل هو المُعترك السياسي ليل نهار، وليمضوا أغلب أوقاتهم في التبرير لما يفعلونه، لا تنزعجوا مِن كُل ذلك، فالشعوب لا تتعلَّم مِن أخطائِها إلاَّ بثمنٍ باهِظ، إنَّها حِكمة الحياة، وكُل ذلك له نهاية، بل ونهاية قريبة جداً، ذلك لأنَّ محور الحياة الحقيقي هو الإقتصاد ولا شيء غيره، وهو الذي يُشارف على الإنهيار في غضون شهور ثلاثة فقط، إلا إذا تمَّ تدارُك الأمر مِن الآن وبسُرعة. أذكر أنَّه في تُركيا ذات يوم، وصل إلى سدَّة الحُكم حِزبٌ يمينيٌ مُماثِل كما حدث بمصر، لكنَّ ذلك الحزب حينها سلكَ طريقاً رائِعاً بأن نحَّى كُل الأمور الخِلافية جانباً، ولم يصُب الرُعب في نفوس الأقليَّات أوالمُبدعين أو المًختلفين معهم سياسياً، فاهتمَّ ذلك الحِزب بالإقتصاد والإقتصاد فقط، فتحولت بعدها تُركيا في غضون عشرة أعوامٍ إلى دولةٍ مِن الدوَل العشرين الكبار عالمياً، وتحسَّن المُستوى المَعيشي للمواطِن التُركي، وهو ما جعل الجميع هُناك يلتفون حول ذلك الحِزب ويُقدِّرُونه، وبالذات مِمَّن لم يقوموا بانتخابه قبل أن يكونوا مِمَّن انتخبوه، أمَّا في مصر فقد سلكَ النظام الحاكم طريقاً مُعاكساً تماماً في كُلِّ شيء. إنَّه الإقتصاد أيها الغبي، عبارةٌ مشهورةٌ قالها المُستشار الإقتصادي "جيمس كارفيل" للرئيس الأمريكي بيل كلينتون حينما خاض انتخابات الرئاسة الأمريكية قبل عام 1992 حيث كان كلينتون يُواجه مشاكِل عديدة في حجم شعبيته في مُقابل جورج بوش الأب، لم يكُن لدى كلينتون حينها برنامج واضح المعالم وكانت الولايات المُتحدة الأمريكية بحاجةٍ ماسة إلى قراراتٍ وبرامج قوية لتتجاوز عقباتها الإقتصادية ولتُحقق العديد مِن الإحتياجات الأساسية للشعب الأمريكي آنذاك. أدرك حينها "جيمس كارفيل" هذه الحاجات، فما كان مِنه إلاَّ أن نطق بجُملته الشهيرة: إنَّه الإقتصاد أيها الغبي، فأصبحتْ هذه العبارة هي المُحرّك الرئيسي وراء حملة بيل كلينتون الإنتخابية، فتمَّ تصميم البرامِج والقرارات والخِطط التي زادتْ مِن شعبية كلينتون وساعدته على الفوز برئاسة الولايات المُتحدة الأمريكية. لكنَّ الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، فقد حرص كلينتون على تطبيق كُل ما جاء في برنامجه الإنتخابي، وهو ما جعل عصر كلينتون مِن أزهى العصور الإقتصادية حينذاك. هل يُذكركم ذلك ببرنامج مشروع النهضة؟ هل تمَّ تطبيقه بعد الفوز بالإنتخابات المصرية؟ أم أنَّه لم يكُن هُناك برنامج مِن الأساس؟ أعتقد أن الحالة الإقتصادية المصرية اليوم تُجيب على ذلك السؤال بنفسها، فقد مرَّت ثمانية شُهور ولَم نرى شيئاً حتى الآن، لا البرنامج ولا تطبيقه. أكتب ذلك وأنا على يقين مِن أن التبريرات ستكون كثيرة، فليكُن، ففي النهاية لَن يصِح إلاَّ الصحيح، وسيكون الإقتصاد هو المقبرة التي ستودي بحياة نظام جديد ما لبث أن بدأ مُنذ أقل مِن عامٍ واحد! ولابُد هُنا مِن أن أترك الإقتصاد للحظات وأذكر نُقطتين هامتين: أولاً: النظام الحاكِم الذي فاز بحُكم مصر كان يعلم مِن البداية أنَّ فوزه قد تحقق بأغلبية ضئيلة للغاية، وكان نصف مَن قاموا بانتخابه لم يكونوا على اقتناعٍ تامٍ به، بل كان ذلك نكايةً في مُنافس مِن بقايا النظام السابق، لذلك كان على النظام الحاكِم أن يأتي بالأفعال التي تُقنع الذين لم ينتخبوه وكذلك مَن كانوا مُرغمين على انتخابه بأنَّ قناعاتهم كانت خاطئِة، لكِنَّ ما حدث هو العكس، فقد ندم الكثيرون على ذلك وفقد النظام الكثير مِن رصيده. ثانياً: كان النظام الحاكِم على علمٍ بأن القوى المُضادة – مِن الداخِل ومِن الخارِج - ستعمل على إفشاله وتعطيله بقوة، أي أنَّه لا مُفاجآت في ذلك على الإطلاق، وهو ما كان يتطلَّب أن تكون هُناك حِنكة في التعامُل مع العديد مِن الأمور.وفي النهاية، لا يسعني إلا أن أقول مُجدداً: إنَّه الإقتصاد أيها الغبي، فليهتم أيُّ نظامٍ حاكِمٍ بالإقتصاد أولاً، وبعدها سيكون كُل شيءٍ مضموناً بسهولةٍ بعد ذلك، المناصِب والتمكين والشعبيَّة والتفاف الشعب، بل سيتحقق أيضاً ما هو أهم ألا وهو إلغاء التبعية الخارجية، فمَن يملك غذاؤه يملك مصيره وقراره، اللهم قد بلَّغت.
Published on February 21, 2013 07:57
February 6, 2013
أربعة شُهور
أتذكَّر بين الحين والآخر أنَّ لديَّ مُدَوَّنة، في الحقيقية أنَّ برنامج الريدر – وهو برنامج قارئ للمُدوَّنات – هو مَن يُذكرني ولستُ أنا شخصياً الذي أتذكَّر ذلك بنفسي، المهم أنَّني أتصفَّح مُدوَّنتي بعدها فأتفاجأ بأنَّني لم أكتب على صفحاتها شيئاً مُنذُ أكثر مِن أربعة شهور! فأتساءل: أين أنا مِن تلك الأيَّام الذهبيَّة التي كُنتُ فيها أقوم بتدوين موضوع واحد على الأقل كُل أسبوع؟ وهو بالمُناسبة ما أصابه الإضمحلال فيما بعد ليُصبح التدوين مُقتصراً على موضوع واحد كُل شهر، والآن لا شيء كُل شهر. ومُنذُ عامٍ ونصف، كُنتُ قد كتبتُ في تدوينةٍ عنوانها "حنين تدويني" عن أسفي بسبب ابتعاد العديد مِن المُدَوِّنين عن التدوين بسبب تغيُّر أرواحهم مِن الداخل بعد أن طحنتهم الحياة الحقيقية بين شقي رحاها ، وهو ما أُعبِّر عنه باستمرار بمقولتي المُتكرِّرة: يتغيَّر كُل شيءٍ فينا كما يتغيَّر كُل شيءٍ حولنا، أنا نفسي تغيَّرتُ كثيراً لدرجة أنَّني قد أصبحتُ شخصاً آخر لا أعرفه! وبعد ذلك بشهورٍ قليلة كتبتُ في تدوينةٍ أُخرى عنوانها "كان لديَّ مُدَوَّنة" عن الإيقاع السريع للأحداث مِن حولنا وهو ما أسهم في هبوط المُعدَّلات التدوينية بشدَّة لصالح الوسائل الأُخرى، وهي سُنَّة الحياة للأسف. فالتدوين أصبح مِثل الرسائِل البريديَّة الورقيَّة التي كادت تندثر مُقارنةً بالبريد الإليكتروني الذي يتسيَّد العالم الآن لسُرعته وسهولته، ولا زال القادم أسرع. إذاً فالعقل يقول أن التدوين يندثر، سواء كان ذلك بسبب سيطرة الهم العام على أرواحنا كأشخاص، أو بسبب سيطرة الإيقاع المُتسارع على وسائِل التواصل. لكنَّ القلب لا يُريد ذلك الإندثار، فالتدوين هو الذكريات والأحلام والأيَّام الجميلة كأفلام الأبيض والأسود، وأقول ذلك رغم أن عُمر التدوين هو سبعة أعوامٍ فقط! يالها مِن حياةٍ قاسية. ما الغرض مِن هذه التدوينة إذاً؟ لا شيء، أنا فقط أُحاول أن أُبقي على روحي بعض الشيء وسط هذا العالم المجنون، وذلك بأن أكتب تدوينة شخصيَّة أتحدَّث فيها بيني وبين روحي، وبين وأرواحكم. وكما يقول الشاعر الذي لا أعرف له إسماً حتى الآن:أنا فيه إتنين عايشين جوايا ..واحِد عيِّل .. دايماً يضحك ووِشُّه بَشُوش ..وواحِد عاقل ..أنا عن نفسي ما بحبوش ..
Published on February 06, 2013 10:06
September 22, 2012
العيب
كُنَّا دائماً ونحن صِغار، تخترق آذاننا كلمة نسائية شهيرة: أنا رايحة الصالون، أنا جايَّة مِن الصالون، عَرفت فيما بعد أنه المكان الذي تتجمَّل فيه النساء، وأدوب أنا. طلبتُ كثيراً مِن فَتَيَات العائلة أن تصحبني إحداهُنَّ إلى هُناك، فقد كنتُ أعشق رُؤية تلكَ اللحظات التي يتم فيها طِلاء الأظافر، لكنهُنَّ كُنَّ يرفُضنَّ اصطحابي وبِشدة، قالتْ لي إحداهُنَّ أن ذلك "عيب" ثُمَّ تكرَّرتْ تلكَ المقولة مِن أكثر مِن فتاة، وأنا لا أدري ما هو ذلك "العيب" الذي يفعلنَهُ هُناك في الصالون! قالتْ لي إحداهُنَّ بعد ذلك إنها أُمورٌ نِسائيَّة لا يصح ل "ذكرٍ" مثلي أن يراها، وهو ما أكدَّهُ لي ذلك الموقف الغريب حينما كانتْ إحدى أقاربي على مشارف الزفاف إلى زوجها بعد يومين، فاجتمعتْ بعض الفتيَات في المطبخ وهُنَّ يقمُنَّ بإعداد شيءٍ ما على موقد الطعام وأنا لا أدري ما هو ذلك الشيء الذي يقومون بطبخه، ثُمَّ أخذْنَ ما طبخوه إلى غُرفة أُختي الكبيرة ولم يسمحوا لي بالدخول معهُنَّ، ثُمَّ مَكثْنَ ساعةً كاملةً يصرُخْنَ حيناً ويضحَكْنَ حيناً، وأنا لا أفهم ما الذي يحدُث. عِندما طَرقتْ عليهنَّ الباب طالباً السماح لي بالدخول، قالتْ لي إحداهُنَّ مِن خلف الباب أن ذلكَ "عيب" وهو ما جعلني أربط بِشدة بين العيب الذي يفعلونه بالصالون، وبين العيب الذي يوجد بالداخل الآن. بالطبع عندما قُمنَ بِفَتح الباب دخلتُ بِسُرعة لأُشاهد ذلك العيب فلم أجد شيئاً! قمتُ بعد ذلك بمُتابعة تلك التردُّدات التي يقُمنَ بها فتيَات العائلة إلى الصالون فاكتشفت أن ذلك يكثر تحديداً في ليالي الأعياد المُختلفة، انتابني خَلْطٌ في رأسي بسبب ذلك العيب المجهول، ما هي مُميزات أن يفعلنَ ذلك العيب في الصالون في أيام الأعياد؟ وهل العيب في الصالون أكثر امتاعاً عنه في المنزل؟ كان الأمر شديد الغرابة، وكاد فضولي أن يقتلني، إلى أن طمأنتي احداهُنَّ عندما قالتْ لي: ستعرف كُل شيءٍ عندما تُصبح كبيراً، وهو ما جعلني أهدأ وأنتظر، فالمسألة مسألة وقت لا أكثر، لأنتظر إذاً. تمر الأيَّام وألتحق بالمدرسة الإعدادية، يزورنا بعض الأقارب فيربِتْ أحدهم بيدِه على رأسي ويقول لي: ما شاء الله لقد صِرتَ كبيراً، أفرح كثيراً لهذا الإعتراف، أصرخُ في فرحةٍ ولهفةٍ وأقول: ياله مِن خبرٍ رائع، لقد انتظرتُ هذا اليوم طويلاً، قولوا لي إذاً .. ما هو العيب الذي يفعلنه البنات في الصالون؟ كانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها ضربي بالمنزل، كُنتُ مُدللاً طِيلة عُمري، لماذا ضربوني بِوَحشيَّةٍ هكذا؟ هل كانت فتيَات العائلة يَقُمنَ بتضليلي؟ هل ذلك العيب هو أمرٌ خطير لدرجة أن السؤال عنه قد أصبح مِن الكبائر؟ كان لابُد لي مِن استشارة أصدقاء السوء في المدرسة، كان الإستهزاء واضحاً في ردودهم عليَّ، إلى أن طمأنني أحدهم وقال إنني سأعرف كل شيء عندما أتزوَّج! سألت نفسي حينها .. كيف لهذا الصديق أن يعرف ماهو ذلك العيب؟ هل مِن المعقول أنه تزوَّج في هذه السِن الصغيرة؟ ياله مِن أمرٍ غريب! عُدتُ إليهم في المنزل لأطلب مِنهم أن يزوِّجونني، ضحكوا طويلاً وسادتْ بينهم حالة مِن الهمز واللمز والتلميحات التي لم أفهمها، سألوني عن سبب طلبي ذلك، لكنني لم أُفصِح لهم عن السبب، لقد تعلمت أن السؤال عن العيب الذي تفعله النساء في الصالون هو أمرٌ جلل، ولن أسالهم عنه ثانيةً. لكن نقاشاتنا عن الزواج لم تنته، كُنتُ مُصِرَّاً للغاية على أن يزوجونني، بينما هُم في المُقابل بدأو معيَ حملةً واسعةً لتوعيتي بتبعاتِ الزواج، حدثوني عن المَسكَن والأثاث والمفروشات، حدثوني عن الأجهزة المَنزليَّة والأواني والتشطيبات المُختلفة مِن أرضيَّات وحوائط وأعمال صحيَّة وكهربائية، حدثوني عن حفل الزفاف ومُستلزمات العروس، وكُل ذلك وأنا فاغر الفَمِّ لا أُصدق هَوْلَ ما أسمع، كُل ما كُنتُ أُريده هو أن أعرف العيب ليس أكثر، ما كُل هذا التعجيز؟ لكنني لم أستسلم، وضعتُ الزواج هدفاً نُصبَ عينيَّ، وعبرت كافة تلك الأهوال والمصاعب، لقد اجتهدت جداً في كافة سنواتِ دراستي، التحقتُ بإحدى كليَّات القِمَّة وتخرجتُ مِنها بنجاح، ثُمَّ التحقت بوظيقةٍ مرموقةٍ أدرَّتْ عليَّ دخلاً كبيراً مَكَّنني مِن أن أتزوَّج في وقتٍ قصير بعد تخرُّجي في الجامعة، وها أنا ذا أخيراً أنفردُ بزوجتي الفاتنة لأولِ مَرَّة، فقد كان اليوم هو يوم زفافنا. كانت العروس خَجِلَةً للغاية، أمسكت بيديها بحنان شديد فازدادتْ حُمرَة وَجهِها بِشدة، اقتربتُ مِنها فانتفضتْ بعيداً عنِّي، لم أستسلم واقتربتُ مِنها مُجدداً فأمسكتْ بطرفِ ثوبها وهرولتْ بعيداً عنِّي في اتجاه غُرفة النوم، لحقتُ بها وهي تُحاول أن تُغلق الباب بينما أنا أُقاومها، كانت تُحاول إغلاق الباب بينما أنا أُحاول أن أفتحه، تغلَّبت عليها فهرولتْ إلى الداخل نحو الفراش وصَعَدتْ فوقه، قالتْ لي وهي ترتعدْ: ماذا تُريد مِنِّي؟ قُلتُ لها: لا تخافي أرجوكِ، فأنا زوجكِ .. حبيبك .. قالت: أعلم أنك زوجي، لكنِّي مُحرجة جداً اليوم، أرجوك أن تتركني الآن .. قلتُ: حسناً يا حبيبتي، لكن على الأقل لابُد أن نفعل شيئاً هاماً اليوم .. ارتعدتْ زوجتي بِشدةٍ وقالت وهي تتلعثم: وما هو هذا الشيء؟ قُلت: خبريني بالله عليكِ .. ما هو العيب الذي كُنتِ تفعلينه في الصالون ليلة أمس؟
Published on September 22, 2012 14:01


