صافي ناز كاظم's Blog, page 11

October 5, 2013

"وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين"كأن ساحرة من ساحرات شكس...

"وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين"
كأن ساحرة من ساحرات شكسبير المخترعة في مسرحيته ماكبيث قد تركت المشاركة في تقليب محتويات قدرتها الخبيثة لزميلاتها وحطت عند بوابة مصر تطن القر المشهور:"طوبة على طوبة لتظل العركة منصوبة"، حتى لم يصبح عندنا، في بر وبحر وجو، من لا يتشاجر ويزعق ويتنابز بأقبح الألفاظ خامشا وجارحا وطاعنا وناحرا، وهكذا بدا المشهد بمثابة خناقة في حانة للسكارى، كالتي نراها في الأفلام التجارية الرخيصة، تتطاير فيها الموائد والأكواب والزجاجات والأطباق والملاعق والشوك والسكاكين، وتضرب الكراسي في "الكلوب" وتنطفئ الأنوار ويُفقد الصواب ويلبس الجميع في الجميع، ولا نتبين الحق من الباطل، والكذب من الصدق، والتلفيق والبهتان من قرائن الجرائم الثابتة وبراهين الفساد الدامغة، فلا تتأكد جناية الجاني ومظلمة المجني عليه، ولا نتثبت من عداء عدو أو  إنصاف حليف؛ الكل يصرخ وشبورة من الكراهية، يُجزمعها على الأسنان، تلف الرؤوس وتعمي البصر والبصيرة.

تتناثر شائهات القول كذباب قارص تحمله رياح السموم، تلسع وتلهب وتدمي وتترك الندوب، التي لا تنام أوجاعها بعد الحطام  فتظل بؤرة بُغض يقظ يتوهج شرره للإندلاع حين يُراد ويُطلب منه ذلك.
لاجدوى الآن في مواجهة أو مناقشة أو رد لتصحيح معلومة، أو طرح لوجهة نظر، في طقس يسوده الإحتقان؛ حيث لا مجال للفهم، ولا مجال للوعي، ولامجال للتذكر والمذاكرة والمراجعة والتقوى، فلا سمع ولا إنصات والهيمنة متروكة لرغبة عارمة لتبادل اللكمات!

لابد لنا من واحة نتنسم فيها شهيقا لايتلوث وزفيرا، صادقا وصحّيا، ممكنا نوفره لعقلاء، لحظة ينجلي عن البلاد هيشان هذه الفوضى المقصودة.
 متى يا ربي يعود الناس يستلهمون من أدب وأخلاق دينهم سبل الرشاد؟
بسم الله الرحمن الرحيم: "وقل ربّ أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك ربّ أن يحضرون." صدق الله العظيم ، المؤمنون 97\98.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 05, 2013 00:12

October 3, 2013

ذكريات عصفت بي!

مايو 1975: عدت إلى منزلي في وقت متأخّر، أحمل نوارة على كتفي ونجم إلى جواري. صامتان. مقبوضة. الأشياء بغيضة، وإن كان تنفس نوارة المتقلقل يلفح رقبتي فأتذكّر أن هذه نعمة كبرى؛ أنا ونوارة وزوجي معاً، هذه حقيقة يمكن أن يطاح بها في أي لحظة، ربما الآن أو بعد ساعة أو هذا الفجر أوالذي بعده. ممنوعة من النشر منذ أربعة أعوام؟ نعم لكن الأكثر إيلاما هو أنني فقدت تدريجيا قابليّتي للكتابة. مُهانة. لا أستطيع أن أأتلف مع القهر ولو أخذ شكلا مُبسّطا. القهر: قهر؛ ليس هناك حد أدني أو أقصى للقهر، كل أشكال القهر إمتهان للإنسان ومهانة الإنسان سقوط لكل شئ.

حين حشدونا، خليطا من مُثقّفي مصرنا العزيزة، في صندوق اللوري المُظلم، نقلا من سجن القلعة إلى النيابة، إرتفع صوت بيننا يقرّر أن الأشياء في عصر السادات أفضل على أي حال من عصر عبد الناصر فنحن على الأقل ننقل إلى النيابة للتحقيق، ونحن على الأقل نُسجن فحسب بلا ممارسات التعذيب البدنية، ونحن على الأقل يمكننا الإحتجاج إلى النيابة إذا حدث تعذيب، ونحن على الأقل يمكننا الشكوى إلى المحامي إذا أصمّت النيابة أذنيها و.....جزعت نفسي: ما حاجتهم للتعذيب بعد؟ لقد نفذ سهمهم إلى مداه وتأصّل الإمتهان في الروح وهاهو الضحية يحمد لجلاده أنه صار يسجنه "فقط"! كيف يمكن أن يكون السجن "فقط"؟ ويسأل سائل: هل كانت المعاملة داخل السجن طيّبة؟ كيف يُمكن أن يطيب أي شئ داخل سجن؟ ناهيك عن سجن برئ؟

إحساسي أنني عريانة وأن بيتي نهب مُباح لكلاب يدهسونه في أي لحظة تعن لهم؛ يقلبون في الكتب والأوراق وأدمغتهم السميكة تتحرّك كالدوم الفارغ، بين حجرة النوم والمكتب ومخدع الطفلة، تبحث عن مستودع الشعر والفكر والرأي، يصد قابليتي عن الحياة نفسها. نكتب عن المسرح، عن الشعر، عن الاستعمار والاحتلال والمعاملة السيئة التي يلقاها العربي داخل أرض فلسطين المحتلّة وهذا الدوم الفارغ يطل فوق أوراقنا، لا يفقه شيئا، لكنه يملك أن يزوّر قضية وهمية لا يعتني حتى بمداراة بطلانها الواضح، فالوقاحة سمة لصيقة بالدوم الفارغ أسوة بالسماجة، يملك أن يضعنا في صندوق مُظلم نتن في لوري ينقلنا كالبهائم من سجن لسجن ولا يعدم أن يجد بداخله أو خارجه من يشكر الإجراءات الرحيمة، التي شملت نوارة وعمرها أربعة عشر شهرا محجوزة مع والديها في مرحاض ملئ بالجرب والقمل بقسم بوليس الوايلي.

أثناء هذا كله: 
مهرجان للأدب،
مهرجان للشعر،
مهرجان للمسرح،
والحاضرون:
1 ـ قتلة الأدب والشعر والمسرح،
2ـ الموالسون للقتلة،
3ـ أصوات قليلة مُغتربة تشاغب أحيانا في الندوات مُنخدعة بأكذوبة جدوى الحوار مع السفاحين!
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 03, 2013 23:29

October 2, 2013

من مذكراتي صيف 1971:

ربما خرجت هذا المساء أتريّض بالسير.

أصدقائي جميعا وجوههم شاحبة، ومساء صيف القاهرة يعبقه الياسمين والخجل الذي يقف في الحلق؛ وهل غير الخجل أرتديه وأنا سائرة وحدي أتنفّس الهواء المنبعث من النيل الكتوم الطيّب؟ أستند إلى الحاجز الحديدي وأصب في النيل ما لا أقدر على البوح به لأحد: إنه القهر الذي يمنعك أنت ابن المرحلة من التعبير عنها والخدمة فيها، ويكون قهرك تحت الشعار الذي حاربت أنت أولا لترفعه، وثانيا لتحققه ولتحافظ عليه؛ أنت مقهور في مرحلة القهر، ثم أنت مقهور في مرحلة شعار "قهر القهر" لأن المرحلة تحوّلت إلى قهر القهر بالقهر وتنفيذ العملية بالقصّر والعميان والأنذال، وتفتح عينيك لتجد أنك مازلت أنت المقهور في المُحصّلة النهائية والقاهر هو الوجه العتيق القديم!
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 02, 2013 21:52

فتحي رضوان: المثقف القدوة وذكرى مرور 25 سنة على رحيله في مثل هذا اليوم.

 المثقف القدوة: فتحي رضوان11 مايو 1911 \ 2 أكتوبر 1988
لعلي، بهذا المقال أكون المحتفلة وحدي بمرور ربع قرن \ 25 سنة على  رحيل هذا الوطني الجليل: فتحي رضوان الذي تتوهج ذكراه المعلّمة مع توهج إرادة الشعب المصري بثورته المذهلة في 25 يناير 2011 وتخفت بمحاولة إخفاء ذكرها من أولاد الحرام.
  فتحي رضوان هو من سجنه أنور السادات في هجمة اعتقالاته المروّعة لكل رموز مصر الثقافية والأدبية والسياسية في سبتمبر 1981، ونعته في خطبته يوم 5 سبتمبر 1981 بأنه قد بلغ السبعين وأنه "خرف"!
وكان ذلك الاعتقال لفتحي رضوان هوالتالي منذ خرج من سجن الملك فاروق ليلة 23/7/1952، فمن هو فتحي رضوان الذي عاش عمره يدمج الفن بالجهاد للحق والجهاد بالفن للجمال و لم يفز حتى وفاته ، 2/10/ 1988، بجائزة الدولة التقديرية من أي سلطة حكمت مصر؟ ولا مكان للدهشة والرجل لم يكن في كل العهود إلا جبهة معارضة لصالح الوطن والناس، يرفض المسايرة والتخفي بالرأي طمعا في رضاء السلطان وعطاياه ، وإن كان قد  قبل في بداية حركة يوليو 1952 أن يكون وزيرا مؤسسا لوزارة الثقافة والإرشاد القومي في حكومة عبد الناصر مطلع الخمسينيات، إلا أنه  تعامل مع الوزارة من منطلق الجندي الذي يلبي نداء مسؤليته نحو خدمة الوطن وليس  كمرفأ يهدأ فيه ويسكن أملا في تحقيق مكاسب غير مشروعة والعياذ بالله. أسموه، وقتها، "جناح المعارضة" داخل مجلس الوزراء ، وقد ذكر في كتابه " 72 شهرا مع عبد الناصر" أنه كان يتكلم بالبدهيات ويندهش من الذين كانوا يهنئونه علي "شجاعته"!
 كانت "الوزارة" عند فتحي رضوان موقعا جديدا من مواقع جهاده المستمر، ولذلك لم يبق بها سوى تلك الشهور المذكورة في كتابه ولم يتقلد بعدها أي منصب وزاري آخر حتى رحيله ، فلم يكن من الممكن لمثله أن يحتمل، بفتحة علي الياء ـ أو يُحتمل ـ بضمة على الياء ـ فآثر الانسحاب من المناصب السلطوية كلها ـ وخرج لائذا بمكتب المحاماة وقلم الكتابة، وحين أتيحت صحف المعارضة ـ في المرحلة الساداتية ـ أصبح من أشد فرسانها جسارة وبسالة، يقول الحق كاملا ووقت لزومه في يسر وبساطة وسيولة ، شهيقا وزفيرا وتنفسا طبيعيا لصدر الأمة.
 كانت مقالاته الأسبوعية ، في ذلك الزمن السبعينات والثمانينات في جريدة الشعب ، بلسما لجراح القلب والروح والفم، كانت قراءتي لها مخففا لإحساسي بالاختناق حين لم يكن بإمكاني كتابة رأيي  فما من مقولة قيلت ، أو إجراء  تم، أو حادث حدث ، وتمنيت في إثره رفع صوتي وقلمي بالاعتراض أو التفنيد إلا ووجدت عند أستاذنا النبيل فتحي رضوان ما يشفي غليلي ويكفيني ، وقد أسرع بمبادرة في مقاله الأسبوعي  يقظا متابعا متصديا في شهامة ، مواجها السلطة ، أيا كانت ، العين بالعين في فتوة ونصاعة وشموخ ؛ بين جيله وأقرانه هوحقا: "الكاتب الحر" الذي لم "يحسبها" أبدا.
كنت أرى في مقالاته ـ مع قوة الموقف ـ "فن كتابة" يتألق بين الكلمة والكلمة والسطر وما يليه ، أدبا راقيا مصقولا من العنوان إلى المدخل حتى نقطة النهاية ، في إيقاع منضبط  كأنه الشعر، وكنت أقول: ها هو فن المقال يعود به فتحي رضوان ليصبح فن المرحلة المسيطر؛ توارى المسرح وتوارت القصة وتوارت الرواية ، حتى الشعر تقهقر لان تلك المرحلة ـ مرحلة كامب ديفيد والهيمنة الأمريصهيونية ـ فرضت فنين لازمين لها: فن الخطابة وفن المقال، وفي الفنين أشرق فتحي رضوان ابنا متطورا ممتدا من موقف وبلاغة مصطفى كامل .
أول لقاء لي وجها لوجه مع فتحي رضوان كان يوم 25/11/1981 عندما كان الإفراج عن الدفعة الأولى من معتقلي تلك الهجمة الساداتية السبتمبرية فادحة الظلم والإستبداد . واللقاء الثاني كان بمكتبه بشارع عبد الخالق ثروت حيث أهداني كتابه الضخم القيم "الإسلام والمسلمون"، وعرفت يوم مولده 11\5\1911 ، السنة التي ولد فيها نجيب محفوظ ، وكان عيد ميلاده "السبعون" قد مر وهو ملقى بالسجن الساداتي تحت سيل هجوم وتنديد ينعته على الملأ بـ"الخرف" وهو النموذج المبدع في الوعي والحكمة.
تتضمن قائمة مؤلفات فتحي رضوان الطويلة: 16 نصا مسرحيا ، و4 مجموعات من القصص القصيرة ، 4 كتب من أدب التراجم ، و3 في الذكريات السياسية ، ومثل عددها في التاريخ السياسي ، وكتابين في السياسة والاجتماع ، و7 دراسات نقدية وإسلامية مختلفة ، ومذكرات في القانون الدستوري ، وبحوثا قصيرة ومالا يعد ولا يحصى من المقالات والخطب ، غير أن احب كتبه إلى نفسي كانت: "خط العتبة" ، و"الخليج العاشق"، و"محام صغير"، و" 72 شهرا مع عبد الناصر"؛ حين أعود لقراءتها يبدو كأني أستعيد سماعه وهو يتكلم بحديثه الطلي المتدفق الممتلئ بالشجن والحزن والمفارقات والدعابة والضحكات ، فهذه الكتب الأربعة هي مسلسل سيرته الذاتية منذ كان طفلا فصبيا فشابا فكهلا وشيخا، وهي أعمال أدبية تجتذب بأسلوبها الوهاج المفعم بالحيوية قارئها وتأخذه عدوا يلهث بين الصفحات كأنه في زورق على سطح شلال لا يملك أن يتوقف أو يلتقط أنفاسه حتى يبلغ منتهاه فيفيق ليجد أنه ، رغم سرعة حركة الصور، صار متملكا لهذه الصور المتتالية الكثيفة حتى ليخالها القارئ ، بتداخلاتها المتراكمة وتفصيلاتها الدقيقة ، جزءا من تجربته هو الشخصية وفصولا حية من ذكرياته يجتر نوادرها فيضحك، ويستعيد آلامها فيعتصر القلب. وأنا اشهد أنني لم أقرأ في أدبنا المصري المعاصر نظيرا لمثل السيرة الذاتية في "خط العتبة" ، و"الخليج العاشق" ، التي تسجل حياة طفل مصري نما وترعرع في حيين من أعرق أحياء القاهرة ، وأكثرها ازدحاما بالحوادث والشخصيات والعلامات ، وهما "حي السيدة زينب" ، و"حي الخليج" المجاور له، ذلك الطفل الذي شاء له الله سبحانه أن يكون من أفضل وجوه الثقافة والوطنية المصرية ، وأن يكون مع ذلك من بين الذين أسماهم هو "مشهورون منسيون" ، إلى جوار المجاهد "محمد فريد" و"عبد العزيز جاويش"، وغيرهم الكثير الكثير، الذين يسقطون سهوا أو عمدا أو جهلا من كتابات الراصدين لمشاهدنا الثقافية والأدبية والفنية والجهادية.


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 02, 2013 01:46

September 30, 2013

وديع فلسطين هو من يستحق إحتفالي بعيد ميلاده التسعين اليوم أول أكتوبر، حفظه الله ورعاه:

وديع فلسطين:  وطن من أوطاني الثقافية
أوطاني الثقافية ملاذ وملجأ ، لست في حاجة إلى إضافة المزيد لتوضيح ما أعني سوى أن أستشهد بأن أستاذي وديع فلسطين واحد منها.
في أول مقال كتبته عنه ،منذ أعوام، وصفته بأنه "السهل الممتنع".
على الرغم من مسيرته الطويلة في عالم الصحافة والأدب ـ70سنة تقريبا ـ ورغم كوني واحدة من الذين كانت حياتهم على مدار 58 سنة، في دائرة الصحافة، إلا إنني لم أعرفه ولم أقرأ له، بل ولم أسمع عنه، إلا منذ عام 1993 حين اشتـركت في جريدة "الحياة" اللندنية وبدأت أقرأه بانتظام، بل لعلي أكون أكثر دقة لو قلت إنني عندما كنت أتصفّح جريدة "الحياة" اللندنية وتلقف عيني زاويته "حديث مستطرد" أبتسم وأقول: "اليوم يستحق أن أنهض له". في البداية عندما كنـت أقرأ اسمه "وديع فلسطين"، وأجد في الهامش تعريفاً مستمرا له "كاتب مصري"، أتعجّب وأقول: من أين ظهر هذا الكاتب المصري؟ وعلى أي أرض يعيش؟
ولا أكتم أنني في البداية كنت أقفز فوق زاويته ولا أقرأها خوفاً من أن يكون من كتاب الأحجار والإسمنت، وأقول لنفسي: "حديث مستطرد؟ إحنا ناقصين؟!" حتى جذبني عنوان مقالة عن الشاعر البائس محمود أبو الوفا" المنشور بالجريدة (الجمعة 10 فبراير 1995)، عندها تنمّرت ، وعدتُ أقول لنفسي: ماذا يمكن أن يكون مكتوباً عن شاعر أُحِبُّه، صاحب أجمل الأشعار للأطفال؟.
بدأت أقرأ كعادتي بتوجس، متوقعة كتابة مملة بطيئة أو رثة مليئة بالشحوم والثرثرة، أو كتابة إسمنتية مليئة بالصياغات سابقة التجهيز التي تملأ الصفحات ولا تعرف من أين تقضمها من دون أن تكسر أسنانك، تشاؤمي هذا ـ الذي يُصاحبني قبل قراءة أي اسم غير مألوف لدي ـ سببه التجارب المريرة مع الكتابات التي صارت للأسف تغرق معظم أوراق الصحف والمجلات والأبحاث والكتب. ذلك التشاؤم والتثاؤب ينقشع حالا حين أجدني مسحوبة إلى داخل الأسطر من دون أي كدمات تذكر، فكيف يكون أمري حين أجدني أكتشف مراعي كتابة مذهلة الجمال والإحكام، ريانة كقلب الخَسّة، ومفيدة كغذاء ملكات النحل؟ أقول لكم إجابتي بحق: إنني أفرح فرحاً لا يساويه إلا فرحة تجسّدت أمامي مرة ـ حين كنت معتقلة سياسية بسجن القناطر 1973ـ تجسدت في امرأة كان محكوما عليها بالإعدام، وجاءها خبر حكم محكمة الاستئناف بالبراءة!
قرأت قطعة الأستاذ وديع فلسطين عن "أبو الوفا"، ولم أنقطع بعدها عن قراءته، حتى أنني في لحظات الضيق أفتح ملفه الرابض على مكتبي وأُعيد قراءة بعض ما قرأت من قبل فأستعيد نشاطي وإقبالي على الأيام الرمادية.
في كتابته ذقت خفة الظل غير المُتكلّفة مع الوقار والجدية، وذقت حلاوة نادرة في صياغته المتينة وهو يرسم بقلمه في "حديث مستطرد" ملامح لشخصيات في الأدب والشعر والثقافة والصحافة والسياسة والفكر، شخصيات من كل الأقطار العربية ومن كل مَهاجر الدنيا، عاصرها في شبابه منذ مطلع الأربعينيات وصاحب مسارها حتى توفاها الله. شخصيات قد لا يعرف المثقف العربي من جيلي إلا أسماءها ـ بالكاد ـ وإذا بوديع فلسطين يبعثها نابضة بالحياة والحيوية، مبرزاً أبعـادها في مرحلتها وأهميتها في تاريخنا وضرورتها لتعِيَها ذاكرةُ الأجيال وراء الأجيال.
يعقد وديع فلسطين بيننا وبين الشخصية التي يكتب عنها علاقة إنسانية حميمة تجعلنا حين نتحدث نحن عنها ـ بدورنا ـ نبدو وكأننا قد سكنّا وعشنا معها ردحاً كافياً من الزمن. ومهما كانت الشخصية محسوبة على نسق في التفكير أو موقـف في السياسة، نختلف معه أو نعاديه، نجد أننا نتقبّلها على الرغم من الخلاف أو العداء، فوديع فلسطين قادر في كل الأحوال أن يجذبنا إليه بحنين إنساني يُروِّض ـ بسماحته وأناقته ـ نفورنا الفكري أو السياسي فيكسر من حدّته.
إذا قلت إن وديع فلسطين هو "ملك" فن كتابة رسم الملامح الشخصية الأدبية والثقافية، لا أكون مُغاليةً أو مُبالِغةً (وإن كنت على فكرة لا أتحرّج مما يبدو مبالغة ومغالاة مني في التعبير عن حبي وإعجابي بفن الكتابة الفريد والفذ عند وديع فلسطين)، يا سبحان الله! من يلوم الظمآن يفرح طروباً حين يعثر على عين مياه عذبة في صحراء، مياه لم تُلوِّثها نفايات المصانع والمحاجر والمبيدات؟
 هذا الكاتب "الجديد-القديم" لم يكف أبداً عن الكتابة على طول مشوار حياته الأدبية والصحفية على الرغم من النوازل والمعوّقات والعقبات والسدود والحواجز والحصار التي عانى منها منذ ديسمبر 1952، عندما أغلقت الدار الصحفية التي لمع على صفحات جريدتها المسائية اليومية "المقطم" ومجلتها الشهرية "المقتطف" ـ وهي الدار الثانية في أقدمية إنشـائها بعد دار جريدة "الأهرام"ـ وهكذا كان على وديع فلسطين، وهو في أوج شهرته ونبوغه الصحفي ـ وعمره 29 سنة فقط ـ أن يواجه الاضطهادات والافتراءات ويحاول رغم كتل الثلج وكور النار أن يسبح فوق الأمواج المُعادية والمُتلاطمة ، شراعه وقاربه ومجدافه ورايته: قلمه الأصيل الجميل، وإخلاصه الشديد للغة العربية.
أقف أمام بعض مفرداته وأندهش لأنني لا أذكر أني قرأتها إلا في بعض آيات القرآن الكريم، ينتقيها بتذوق ويضعها ـ كالصّائغ الماهر ـ في مكانها المناسب تماماً، وحين تُفاجئك كلمة مثل "ولا يؤوده" في توظيفها الجديد تبتسم للشجاعة والبراعة وللتألق، وتزداد الدهشة حين نسترجع أن هذا القادر على التملك الباهر الجذاب لناصية اللغة العربية، يشكلها بسلاسة وأُلفة وبشاشة ـ كان، كما قال لي، راسباً دائماً في مادة اللغة العربية في كل شهاداته الدراسية!
مع إعجابي المتزايد بمقالات وديع فلسطين ـ (الذي ظنه الكثير لبنانيا أو فلسطينيا وهو المولود في أخميم، البلدة الصعيدية على الشط الآخر من سوهاج، أول أكتوبر 1923، من أب وأم قبطيين من مدينة قنا) ـ كان لابد أن أبحث عن وسيلة ما للاتصال به على الأقـل، لأقول له: "أشكرك على كل هذا الجمال الذي تشيعه في كتابتك". كان في دليل الهاتف أكثر من مشترك تحت اسم "وديع فلسطين"، لكنني حينما حصرت الاختيار في ساكني مصر الجديدة التقطت رقمه.
وصلني صوته عبر الهاتف طيبا، متعجبا لإطرائي، زاهداً فيه زهدا كاد يصل إلى حد الزجر! هذا الزهد وهذا التواضع عند وديع فلسطين فوق أنهما من سمات برجه الميزان ـ ربما يكون وراءهما حـزن نبيل لواحد من الذين يمكن أن ينطبق عليهم المثل القائل: "كل نبي مغبون في وطنه". لكنني أقول: هكذا هي ستنا، مصرنا المحروسة دائماً في أحشائها الدر كامن، ولابد لنا أن نصبر صبر الصيادين، ونخترق الزبد لنصل إلى ما ينفع الناس، الماكث في الأرض. سبحان الله!
نجحت في أن أجلب لنفسي صداقة عظيمة معه، كان عليَّ أن أكدح كدحاً لنيلها عبر محادثات هاتفية ثقافية ثرية وشائقة عمقت هذه الصداقة على الرغم من أن لقاءاتنا لم تتعدّ عدد أصابع اليد الواحدة. غمرني بكرم عطاياه بكل ما طلبت من كتبـه ومن مقالاته ودراساته، أجمعها في حيز وحدها بمكتبي من أهمها كتابه: "قضايا الفكر في الأدب المعاصـر"، الطبعة الثانية التي أخرجتها دار الجديد ببيروت تحية له بمناسبة بلوغه السبعين عن الطبعة الأولى التي أصدرها بالقاهرة سنة 1959 المكتب الفني للنشر، وعلى ظهر الغلاف نقرأ حكمته: "فليختلف الأدباء على المذاهب الأدبية المتباينة ، وليتناحروا على المعايير، وليتضاربوا ـ إذا شاءوا ـ على إمارة الشعر أو إمامة الأدب، ولكن حذارِ أن يضحوا بهذه القِنْيَة الغالية قِنية الحرية الفكرية وهم يتلاحوْن ويتنابذون". ثم كتابه "مختارات من الشعر العربي المعاصر، وكلام في الشعر" الذي أصدره مركز الأهرام للترجمة والنشر عام 1995م، وقلت له: "أحببت مقدمتك وتلذذت بقراءتها وإن اختلفتُ مع آرائها، أما المختارات فالسلام عليكم ورحمة الله"! ضحك، واحترمنا "قنية الحرية الفكرية ولم نتلاح أو نتنابذ".

تعجبني "عنايته" بفن "الكتابة"، تلك العناية ـ التي وإن كانت وسيلة لتوصيل قوله ـ فقد صارت بذاتها غاية فنية، ونزهة إمتاع للقارئ ، تجلت في موسوعته ، "وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصر"، التي صدرت في مجلدين فاخرين عن دار القلم بدمشق ،2003 ، والتي تضم في مجملها 93 شخصية بين شاعر وقاص وناقد من كل أنحاء الوطن العربي، بل من كل أركان العالم أينما كان بها كاتب باللغة العربية ،أعاد لنا أستاذي وديع فلسطين بها زهوة " فن التراجم" الذي كاد يختفي من ساحتنا الأدبية.من جملة من تحدث عنهم : "علي الغاياتي: المصري السويسري"، و"إبراهيم المصري: القصاص الذي ابتلعته الصحافة"، و"أبو علي جورج خير الله"، و"الشاعر المهجري: جورج صيدح"، و"أشياء من سيرة بشر فارس رائد الرمزية المجهول في الشعـر العربي الحديث"، و"عبد الله يوركي حلاق الحلبي"، و"علي أحمد باكثير: اليمني المتمصر"، و"خليل مطران وصديقه يوسف نحّاس". غير أن لوحته الرائعة عن وداد سـكاكيني التي لم تتعد 14 صفحة من مجلة "بناة الأجيال" الدمشقيـة، وتم نشرها في يناير 1995 تحت عنوان "وداد سكاكيني في حياتها وآثارها"، تُعد من الدراسات التي تعطيك بصفحاتها المحدودة متعة وثـراء كتاب ضخم.
 لا يكتب إلا عن شخصيات عرفها ولامَسَها سمعا وكلاما ومُصاحبة، فلا عجب أن تحس منه نبضها الحي فكأنك صرت ـ بدورك ـ صديقا لها؛ يكتب في مجلة "الأديب" البيروتية عدد يناير 1979م تحت عنوان "حديث مستطـرد عن إبراهيم ناجي ورابطة الأدباء" ما نراه غضبا من الذين يتصدون للكتابة عن المعاصرين "… لا حديث معرفة شخصية، بل حديث عنعنة، أي أنها اقتصرت على السمـاع وعلى النقل، أما الشاعر فلم تستقصها منه ـ وهو قريب العهد بنا ـ ولا من معاصريه ومُخالطيه، بل روتْها نقلا عن الذين وضعوا مؤلفات سابقة عن نـاجي … وأقول في غير تجن على أحد إن الكتب التي تناولت الشاعر ناجي إما أشارت إشارة سريعة إلى رابطة الأدباء التي كان له فيها دور ريـادي نحو ثماني سنين وإما أغفلت الإشارة إليها إغفالا تاما، ولما كنت من الضالعين في رابطة الأدباء منذ إنشائها وإلى أن هجرتُها ثم هجرها ناجي بُعيْدي فقد ارتأيتُ أن أُرسل الحديث عن هذه الرابطة وأن أتطرّق إلى ما أعرف من أخبار ناجي وأموره في هذا الحديث المستطرد …".
هو فنان شهادة أدبية على عصر أدبي وثقافي يأبى إلا أن ينقل إلينا أنفاسه التي لا تزال لديه ساخنة كأنه لم يبرحْه. في موضوع ناجي سمعت منه عن الطعنة التي قتلت الشاعر الطبيب العملاق الرهيف ذلك عندما وجد اسمه ضمن قائمة "تطهير" من "الفساد" و"المنحرفين" بعد 23/7/1952م، وكيف رأى ناجي بسببها يبكي ويمرض ويموت في مارس 1953.

في مقاله بجريدة "الحياة" 11/1/1995م كتب وديع فلسطين مقالا مهما تحت عنوان: "حديث حـول بدايات نجيب محفوظ عبد العزيز" اعتنى فيه بذكر حقيقة أنه كان الثاني ـ سابقاً على سيد قطب ـ في التنبيه والإشادة بعبقرية نجيب محفوظ، تلك الحقيـقة التي يُضايقه أن نجيب محفوظ لم يذكرها أبداً في أي معرض لحديثه عن الذين نبَّهوا إليه في بداية مشواره الروائي. يقول وديع فلسطين ـ في هذا ـ عند حديثه عن تأسيس "لجنة النشر للجامعيين": "وافتتحت السلسلة في شهر مايو 1943م (كان وديع فلسطين لم يبلغ بعد العشرين) برواية أحمس لعبد الحميد جودة السحار، وتلتها رواية رادوبيس لنجيب محفوظ عبد العزيز، ولعله اختار هـذا الاسم الثلاثي حتى لا يخلط الناس بينه وبين الطبيب المصري ذي الشهرة العالمية الدكتور نجيب محفوظ باشا، وتوالى نشر الكتب في مطلع كل شهر، مما شجع شبانا آخرين على مُؤازرة لجنة النشر للجامعيين، مثل: محمد عبد الحليم عبـد الله ـ وكان بدوره قد فاز بجائزة وزارة المعارف عن روايته بعد الغـروب، ومثل صلاح ذهني، وأمين يوسف غراب، والشيخ الأزهري كامل محمد عجلان، وكاتب هذه السطور. كما ارتفعت قامة اللجنة عندما قصدها أدباء كبـار لنشر آثارهم مثل إبراهيم عبد القادر المازني، ومحمود تيمور، وكامل كيلاني، وإبراهيم المصري، ومحمود محمود (شقيق الدكتور زكي نجيب محمـود)، والأديبة السورية وداد سكاكيني. ورحبت اللجنة بناقد الرسالة سيد قطب فنشرت له كتابه طفل في القرية، وبأشقائه فنشرت لمحمد قطب كتاب سخريات صغيرة، وللأخوة الأربعة سيد ومحمد وأمينة وحميدة قطب مجموعة أقاصيص الأطياف الأربعة. استفادت اللجنة من انضمام هؤلاء الأدباء الكبار إليها، فكتب المـازني يُعرِّف ببعض آثارها، وعني سيد قطب بالكتابة عن عدد من مطبوعاتها في مجلة الرسالة، ثم جمع كتاباته بعد ذلك في مصنفه كتب وشخصيات، وذلك عندما كان سيـد متفرغا للأدب والنقد. وكنت بدوري من الذين سبقوا إلى التعريف بآثار معظم الكاتبين في هذه السلسلة، وأثبت الدكتور علي شلش في كتابه ،نجيب محفوظ: الطريق والصدى ،أنني كنت الثاني في التعريف بنجيب محفوظ فسبقت بذلك قائمة طويلة من النقاد جاءوا بعدي في الترتيب الزمني. بل إن علي شلش سجَّل ما يكاد يكون نبوءة لي بالمجد الذي ينتظر نجيب محفوظ، وذلك بقولي في ختام مقالي عن روايـة رادوبيس ما نصُّه: وفي اعتقادي أن هذه الرواية تستطيع أن تُزاحم روايات الغرب إذا هي وجدت من يُعنى بتـرجمتها إلى لُغات الأعاجم …، ونشرت لي هذه اللجنة مسرحية الأب التي ترجمتها عن الأديب السويدي سترندبرج وظهرت في أغسطس 1945. وعندما أعلن عن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل سأله الصحفيون الذين غَزَوْا داره عما إذا كان مطلعاً على الأدب السويدي، فقال: طبعاً، فقد قرأت آثار سترندبرج، واكتـفى بهذه العبارة دون أن يشير إلى ناقل هذه الآثار الذي كان أول من قدَّم سترندبرج إلى اللغة العربية".
يعيش وديع فلسطين وديعا في بيته العريق ـ من الباقي من بيوت شارع العروبة الجميلة بضاحية مصر الجديدة ، له برنامجه المنتظم المنظم، ينزل يوم الخميس إلى  "البوستة العمومية" (على حد لهجته في قوله الهاتفي لي) يُرسل ويتلقى مراسلاته التي لا تزال تجوب أقطار الكرة الأرضية يلتقي بها مع أصدقائه وتلاميذه الموزعين في كل مكـان، ومن بينهم ابنه باسل فلسطين المهاجر منذ  سنوات حيث يعمل في محطة التليفزيون الكندي ويمارس هوايته الموسيقية عزفاً وتأليفاً. يتحمل رحيل زوجته الوفية، منذ سنوات، ويبقى  تؤنسه ابنته هناء المتزوجة والمتخصصة في علـم النفس وأحفاده الأربعة: ولد واحد، وثلاث بنات. يذكر أحيانا عفو الخاطر كلمة عن أشقائه؛ فقد أنجب والده عشرة أبناء: نصفهم ذكور، والآخر إناث، لا أعرف ترتيبه بينهم، لكنني أذكر أسفا خفيفا يلمّح به أحيانا يخص به شقيقه المثَّال لويس فلسطين، الذي عاش مغتربا في أسبانيا حتى وفاته عام 1992.

تحية لأستاذنا، وزميلنا، وصديقنا وديع فلسطين  في عيد ميلاده التسعين وهو يواصل رسالته النبيلة الجميلة ، قاطعا وراءه 70عاما في بلاط الصحافة منذ طرق أبوابها في التاسعة عشرة من عمره المديد، حفظه الله ورعاه.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 30, 2013 15:14

الشهيد سيد قطب بعيدا عن السفهاء والجهلاء والمنافقين قاتلهم الله بعدله ورحمته!

الشهيد سيد قطب  صاحب رسالة الشاعر ومهمته في الحياة
لم يتيسر لي معرفة تراث الشهيد سيد قطب الثقافي والفكري والعلمي، الا بعد استشهاده بسنوات، وكنت قد قرأت كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام»، الذي أصدره عام 1947 في العهد الملكي، مترجما إلى اللغة الانجليزية حين وجدته، قدرا، في مكتبة نيويورك، وأنا أبحث عن مراجع لبعض مواد دراستي في المسرح. وكان ذلك عام 1965، وكان اسم سيد قطب كفيلا بإلقاء الرهبة في القلب والاحساس بالخطورة، ذلك لأنني من الجيل الذي، ومنذ وعي، لا يعرف اسم سيد قطب الا متهما ومدانا وراء القضبان. أمسكت بالكتاب اقرؤه لأعرف أبواب الخلل في فكر هذا المتهم بالتخريب والارهاب والتآمر على أهداف «ثورة يوليو 1952»، والتي كما كانوا يقولون، تسعى لتحقيق «الاشتراكية العربية» الرامية الى «العدالة الاجتماعية». لم أصدق عيني ودعوة الكتاب منذ 1947 تندد بالظلم الاجتماعي، وتؤكد ضرورة صياغة «اشتراكية» نابعة من العقيدة الاسلامية. أدق بيدي على صفحات الكتاب وأقول لأصدقائي: هذا رجل نطق بكلمة العدالة الاجتماعية في العهد الملكي، وقت أن كانت الاشتراكية تعد من مفرادت الكلمات القبيحة! لم افهم بتاتا كيف يمكن لمثل هذا الكاتب أن يكون «هو» من أعداء «أهداف» يوليو 1952، وكيف يمكن أن يكون متآمرا على مصالح شعبنا الفقير، بينما كنت أرى أمامي موفدين من قبل نظام الحكم الناصري يبعثرون «العملة الصعبة» في تفاهات وشراء سلع استهلاكية، يعودون بها من «أمريكا» إلى أرض الوطن المزروعة بلافتات الصراخ ضد الامبريالية الأمريكية!
في 7 أغسطس 1966، عدت إلى مصر بعد غيبة ست سنوات متواصلة، قضيتها في الدراسة، على نفقتي الخاصة تماما، والعمل بالولايات المتحدة، ذهبت بعدها بأيام أتفقد اصدقائي أسلم عليهم، وكان من بينهم الكاتب أحمد بهجت بمبني الاهرام القديم، بشارع مظلوم بباب اللوق، وجدته واجما يهمس: «اليوم تم تنفيذ حكم الاعدام في سيد قطب»، لعله كان يوم 20 أغسطس 1966 وإن كان البعض يقرر أنه 29 أغسطس، بلعت غصتي، وتذكرت مآسي ومحن السابقين من الكتاب والمفكرين والمجتهدين، الذين نكل بهم الطغاة الأغبياء الجهلة: تذكرت ابن حنبل، وابن المقفع، وتاج الدين السبكي والكثير غيرهم من المعروفين أو المجهولين، في قوائم وسجلات أمة الإسلام المليئة بوجع القلب.
ظلت كتابات سيد قطب ممنوعة ومحظورة طوال المرحلة الناصرية من 1954 حتى 1970، لا تتوفر قراءتها لجيلي ـ من مواليد الثلاثينيات ـ حتى جاءت مرحلة حكم أنور السادات، حين بدأت ـ تدريجيا ـ السماح لدور النشر بالإفراج عن عمله الموسوعي الجليل في تفسير القرآن الكريم «في ظلال القرآن»، الذي مكنه الله سبحانه وتعالي بما يشبه المعجزة، من تنقيحه ومراجعته وزيادته، قبل استشهاده في ظروف المرض والتعذيب والآلام المبرحة في سجنه الطويل، حتى بلغ اكتماله الحالي ليصل الي ستة مجلدات بلغ مجموع صفحاتها 4012 صفحة، ثم اتسعت الانفراجة وتدفقت مؤلفات سيد قطب.
رغم أن مرحلة حكم السادات كانت بالنسبة لي شخصيا، سنوات قحط وظلم وعسف، ذقت فيها الحرمان من النشر، الذي استمر 12 سنة كاملة، مع الاعتقال وتلفيق القضايا الوهمية والاتهامات الجائرة من أغسطس 1971 حتى 25 مارس 1983، إلا أنني اشكر لتلك الحقبة الساداتية أنها مكنتني من قراءة مكتبة سيد قطب كاملة والحمد لله، وأذكر حينما انتهيت من إتمام قراءة «في ظلال القرآن»، الذي أعود إليه كثيرا، أنني كنت متعجبة من البشاشة والهدوء وأجواء السلام، التي تنبعث من سطور تلك المجلدات، كأنها لم تكن مكتوبة من وراء قضبان، ولا في وقفات الاستراحة الخاطفة بين وجبات التعذيب، ودورات التحقيق وظلمات الظلم.
وكان ما استلفت اهتمامي كتيبه الجميل تحت عنوان: «مهمة الشاعر في الحياة»، الذي صدر في الطبعة الأولى عام 1932، واقتنيته في مايو 1975، ويقع في 98 صفحة، في طبعة دار الشروق، وقدم له الدكتور محمد مهدي علام أستاذ التربية بدار العلوم بكلمة مؤرخة 28 فبراير 1932، وهذا يعني أن سيد قطب نشر هذا الكتيب، وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره.. يبدو كتيب «مهمة الشاعر في الحياة»، كأنه عريضة دفاع عن الشعراء الجدد عام 1932، وتبشير بنهضة جيل من الشباب، يحرث أرض الشعر ويسقيها الحيوية والعافية، ولكنني بعد كل هذه السنوات، وعلى ضوء كل كتابات سيد قطب وملحمة حياته وقلمه حتى استشهاده، أجده الخريطة الكاشفة لمهمة سيد قطب في الحياة، والتي حددها لنفسه منذ البداية واستقام عليها، نافية ما ظنه البعض من تحولات وتغيرات وانتقال. يقول سيد قطب في تقديمه للكتيب: «هذا مجهود ضئيل صغير الحجم، أعد ليكون محاضرة فحسب.. والذي أريد أن أقوله في مقدمة هذا المجهود الضئيل الصغير الحجم: أن أهم ما فيه اقتناعي بما فيه، اقتناعا كاملا متغلغلا في نفسي، حتى لهو جزء من عقيدتي، أدافع عنه كما يدافع كل مؤمن عن عقيدته.. ».
 وبعد ان يتكلم عن: من هو الشاعر، الخيال في الشعر، ذوق الشاعر، التعبيرات الشعرية، شخصية الشاعر، ينهي كتيبه بكلمات غاضبة لاسعة تقول: «.. لاحظتم في كل النماذج التي أخذناها لشعرائنا الناشئين لمحة من البؤس الصامت أو الصارخ، وبعضكم يعجب بهذه الظاهرة المتشائمة الشاكية.. ولكن ذلك في نظرنا دليل صدق هؤلاء الشعراء وسلامة فطرتهم، فهم صورة من النفسية المصرية العامة في هذه الفترة.. مدوا أبصاركم في كل نواحي الحياة المصرية ألا ترون التصادم بين القوى الناشئة والظروف المحيطة التي تناوئها مناوأة قاسية؟ ألا تسمعون الصيحات داوية بالألم والاستنكار من كل جانب؟ فعلام اذن لا يكون كذلك الشعر؟.. علام يغرد الشعراء بأناشيد الفرح والمراح، وكيف تدب روح النشاط الطروب في الفنون؟ هل انتصرنا في موقعة حربية على جيوش الأعداء؟ افتحنا في العالم فتحا جديدا؟ لا.. أحصلنا على استقلالنا المغصوب؟ أنتنفس بحرية في أي جو من الأجواء؟.. كل ما في البلد جدير بالشكوى وكل ما فيها يلذع بالألم.. وإن التألم والشكاة لدليل عدم الرضاء، ودليل السعي لتغيير هذه الحال.. ولو إن هذه الشكوى الدائبة صمتت اليوم أو انقلبت الى لهو ومراح، لكان ذلك دليلا على الموت والاضمحلال.. إن الذين يهزلون اليوم أو يغنون ويمرحون هم أحد فريقين: فريق أناني مجرم لا يعنى بهذه الأمة، ولا يحفل بآلامها لأنه في ظل نعمة.. وفريق ميت الوجدان، ذليل الكرامة، لا تنبض به حياة إلا كالدواب والجراثيم...».
كتب سيد قطب هذه الكلمات ونشرها في ظل حكم الملك فؤاد الأول، وتحت وطأة الاحتلال الانجليزي في العام الذي توفي فيه الشاعران حافظ إبراهيم وأحمد شوقي، واستغرق مشواره في الحياة 60 عاما، الا 51 يوما ما بين يوم مولده في 9 أكتوبر 1906 في قرية صغيرة من قرى صعيد مصر اسمها «موشا»، تقع في زمام محافظة أسيوط، حتى يوم 20 أو 29أغسطس 1966 حين قدم عنقه قربة لوجه الله  ليلتف عليه حبل مشنقة ظالمين جبارين، من «دون تلعثم أو تحرج» على حد تعبير له كتبه في واحد من مقالاته التي نشرها في 2 أغسطس 1951 .
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 30, 2013 01:28

رحم الله الشهيد سيد قطب ولعن قاتله!

طفل من القرية
لم أستطع أن أضع يدي على هذا المرجع الهام "طفل من القرية"، الذي يُستشهد به عند الكتابة عن حياة وطفولة الشهيد سيد قطب، حتى أهداني أستاذي وصديقي الناقد العلامة وديع فلسطين نسخة مُصورة من الكتاب كان سيد قطب قد أهداه إليه في 28 \3\1946 موقعا: "هدية إلى الأديب الفاضل وديع فلسطين مع مودتي، المخلص سيد قطب".
يفتتح سيد قطب كتابه "طفل من القرية" متوجها بكلامه: "إلى صاحب كتاب الأيام الدكتور طه حسين بك، إنها يا سيدي أيام كأيامك، عاشها طفل في القرية، في بعضها من أيامك تشابه، وفي سائرها عنها إختلاف؛ إختلاف بمقدار ما يكون بين جيل وجيل، وقرية وقرية، وحياة وحياة، بل بمقدار مايكون بين طبيعة وطبيعة، واتجاه واتجاه، ولكنهاـ بعد ذلك كله ـ أيام من الأيام".
يحدد سيد قطب تاريخ إنتهائه من مؤلفه 1 \ 7\1945، وقد بلغ مرحلة نضجه 39 سنة، مشيرا إلى أنه يرجع بذكرياته إلى "ربع قرن من الزمان" فهي "صور من حياة القرية التي عاصرت طفولتي ..."، وهذا يعني عام 1920 الذي ترك فيه قريته لإستكمال دراسته بالقاهرة وهو في الرابعة عشرة من عمره، وقد رأى أن تسجيل تلك الصور من قرية طفولته بمثابة "... إحتفاظ بصفحات من الحياة القومية والتاريخ الحديث في سجل الفنون، والكثير منها لايزال يعيش، ولكن أهل المدينة المترفين لا يكادون يتصورونه، لا في عالم الواقع ولا في عالم الخيال، وفي تسجيله هنا مايطلع الجيل الجديد على صور من الريف القومي بخيرها وشرها لعل لهم رأيا فيما ينبغي أن يبقى منها وما ينبغي أن يزول!"، ويقدم 12 صورة منها: المجذوب، ضابط الجمباز، بعثة طبية، سيد الحكيم، حركة ثقافية، قانون اللصوص، جمع الأسلحة، أحزان الريف. وإذا كنا نعرف أن سيد قطب ولد في 9 أكتوبر 1906 فهذا يعني أنه حين يعود إلى بداية وعيه الطفولي في سن الرابعة يكون قد بدأ تسجيل صور من حياة قريته سنة 1910 ويكون كتابه قد غطى عشر سنوات من تلك الذكريات التي ينهيها بأسطر من فصل "أحزان الريف" كاتبا:"وترتد القرية إلى ظلامها الدامس، وإلى حرمانها الموروث، وإلى أحزانها التقليدية، فتجتر هذه الأحزان، التي تسميها أغلاب الزمان: غلب الفقر، وغلب الحرمان، ثم غلب الجور من الحكام، فالريفي مرهق أبدا بالحكام...... ثم سُخرة الجسور، وسُخرة تنقية الدودة في مزارع الأثرياء، وتفاتيشهم خارج القرية، ومكافحة الجراد، وما لا يحصى من هذه المأموريات التي يحس القروي فيها أنه سائمة أو حمار شغل على الدوام، ثم غلب الكد المتواصل في الأرض والزرع لتوفير قوته من الذرة وياليته يجدها على مدار العام، ثم غُلب التقاليد، وبخاصة على المرأة التي لا ترتفع في نظر الرجل عن السلعة.........".
بعد "طفل من القرية" قدم سيد قطب كتابه "العدالة الإجتماعية في الإسلام" سنة 1947، ولست أدري هل قرأ جمال عبد الناصر هذه الكتب كما قرأ لتوفيق الحكيم "عودة الروح"؟ وكيف سُوّل له ظلم نفســـــــــه بقتل سيد قطب 20 أغسطس، وفي قول آخر 29 أغسطس، 1966؟
 مسكين عبد الناصر!
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 30, 2013 00:38

September 28, 2013

كرامات أحمد المسلماني بعد استحواذه على الرئاسة: ممنوع المساس بزويل رغم أنف القانون!

من ملف العدوان الزويلي على جامعة النيل، ومازلنا ننادي كما نادينا من قبل:
أزيلوا زويل!
كان أن صدر القرار غير الموفق بتمكين الزويليين من الإستيلاء على جامعة النيل، إعتصم الباحثون الشباب اعتصاما سلميا دفاعا عن جامعتهم، صرّح واحد من مجلس أمناء زويل، الدكتور محمد غنيم، بأن الإعتصام فوضى وحرّض المسئولين على ضرب المعتصمين "بيد من حديد"، ومن ثمّ جاءت قوات الاقتحام بعين حمراء شديدة البأس، يوم الإثنين 17 سبتمبر  2012 الموافق أول الشهر الحرام ذو القعدة 1433 الموافق 7 توت من السنة القبطية 1729، وهتكت ستر الحرم الجامعي للنيل؛ ضربت الرجال وسحلت النساء وألقت القبض على المجني عليهم.  كنت، على غير عادتي، أتابع على شاشة فضائية شريط الأخبار وأصابني الهلع وأنا أقرأ أنباء الإقتحام الزويلي الغاشم، ثم أصابني التقزز وأنا أسمع  صاحب برنامج يشير باستهانة إلى الباحثين الشباب على أساس أنهم مجرّد "طلبة" (كأن الطلبة يستحقون الاستهانة)، هرعت في جزع بالغ أبحث عن مُغيث حتى توصلت إلى رقم هاتف الدكتور ياسر علي، لم يتفضل الدكتور ياسر علي  بالرد على محموله، عنّفت نفسي وأنا أفكّر في أسماء أخرى؛ ماذا يامؤمنة؟ الله ملاذي فكيف أفكر فيمن هم دونه؟ مايحدث طامة كبرى لابد أن يكون كل من أفكر في الاستغاثة بهم قد علموا بها ومع ذلك لم يتداركوها وآثروا أن "يطنّشوها"، "ليس لها من دون الله كاشفة"؛ فسجدت أدعوه: اللهم إنّا نستدفع بك عنا أحمد زويل ومجلس أمنائه وهيئة الدفاع عنه والمؤيدين لجبروته والمخدوعين بتضليل حملاته الدعائية وكل من يؤازر عدوانه  وخطره وأنت بهم عليم يارب العالمين.
قالت الباسلة جوانا جوزيف مقولتها الدقيقة: "الأمر أوضح من أن نشرحه"! وقال النقي التقي الأستاذ الدكتور ابرهيم بدران مافيه الكفاية، و بسط  الدكتور عبد العزيز حجازي شارحا وموضحا ومؤكّدا كل الحقائق المطلوبة، وقال القائلون أساتذة الجامعة وأهلها من بعدهم ما من شأنه أن يحث المسئولين على التدخل الفوري "بيد من تحرير" لفك أسر الجامعة الشهيدة وإعادة الأمن والطمأنينة للمروّعين والعاكفين بإصرار على مواصلة دراستهم في العراء أمام مبانيهم المُغتصبة بقرار من مجلس به وزراء للبحث العلمي والتعليم العالي والتربية والتعليم ولا حول ولا قوّة إلا بالله!
وكان أن بسطنا المطلب العاجل وهو: إزالة زويل؛ هذا العالم الأمريكي المستشار العلمي للإدارة الأمريكية والمبعوث العلمي لها إلى أرض مولده جمهورية مصر العربية ليبيع لها الترام؛ بآلية التحايل القديمة التي أوقعت الهنود الحمر لخسارة أرضهم مقابل حفنة من الخرز الملوّن، والحائز على جائزة وولف عام 1993 من الكيان الصهيوني (وهذا كلام ليس من باب فتح ملفات قديمة كما إدعى أحدهم لأن الملف، وما به أكثر مما ذكرت، لم يُغلق ولم يُسحب ولم يُعتذر عنه ولم تُرد مكاسبه!)، وأحد أقطاب المُطبّعين مع القتلة والسفاحين ومدنّسي المسجد الأقصى.

 النداء قائم حتى الآن ومُوجّه لكل من يهمه أمر البلاد والعباد: أزيلوا زويل؛ هذا المتعجرف الجاهل بأقدار باحثينا الأجلاء؛ الناحتين في الصخر والصابرين على قلة الزاد ووحشة الطريق، أزيلوه فورا هو ومستوطنته، ليس من فوق صدر جامعة النيل فحسب بل من فوق صدر بلادنا بأسرها وضعوا نصب أعينكم البدهية التي يتم تجاهلها في معمعة الجدال والمهاترات ألا وهي: "البحث العلمي أمن قومي" فاحموه من احتمالات الإختراق مثل كل حدود مصر الواجب أمانها وتأمينها، فهي الأولى بعدم المساس!
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 28, 2013 17:01

September 27, 2013

اللهم يا قاصم الجبارين إنا نستعين بك على أحمد زويل وزمرته وأعوانه فأعنّا بحولك وقوتك ورحمتك:

استقال الدكتور عبد العزيز حجازي احتجاجا على التحدّي البالغ لأحكام القضاء وإصرار المسئولين على جعل أحمد زويل فوق القانون، وأعيد هنا ماكتبته ونشرته بجريدة الوطن 8 سبتمبر 2012 إنعاشا للذاكرة والله على ماأقول شهيد.


البحث العلمي أمن قوميمع تأييدى لكل أشكال الاحتجاجات التى قام ويقوم بها طلبة وأساتذة جامعة النيل، المظلومة والمغدورة والمأخوذة مبانيها والمشتتة أبحاثها، أسمح لنفسى بالتدخل فى حكاية «البحث العلمى» بصفتى مواطنة مصرية نشأت وترعرعت فى بلد لم يتوقف فيه لحظة واحدة نداء ملأ أذنى منذ نعومة أظافرى: «حى على الفلاح، حى على البحث العلمى»؛ بما يعنى أن التنبيه إلى ضرورة وأهمية «البحث العلمى» فى مصر ليس اختراعا «زويليا»، كما يحب البعض الإيحاء بذلك، فهو بدهية حضارية تصبو إليها الدول الساعية إلى إثبات جدارتها والجلوس شامخة فى صالون الأمم ذات الحيثية العلمية المساهمة فى خدمة الإنسانية ورفعة شأن الوطن، ولا أدرى كيف دلف اسم الأستاذ الدكتور أحمد زويل بصفته الراعى العلمى والإدارى والإعلامى المهيمن على البحث العلمى فى جمهورية مصر العربية، فلقد وجدنا أنفسنا نؤخذ فى غمضة عين إلى ماتم تسميته «مدينة زويل العلمية»، وبين ضجيج الطبول وصفير المزامير وسرسعة المزازيك المختلفة ألقى فى روع الجميع أن السيد زويل قد أتى إلينا بما لم يأت به أحد من قبل، بأصالة كونه الحائز على جائزة نوبل، وهى جائزة لا أحمل لها مع كثيرين فى العالم أى احترام أو ثقة لظلالها المشبوهة سيئة السمعة، لكن هذا لا يدخل فى حساب رفضى لهيمنة زويل والتنبيه لضرورة اتخاذ الحذر لمنع اطلاعه على أسرار البحث العلمى فى مصر، لكونها من مقتضيات الأمن القومى للبلاد، وهذا الحذر ليس لكونه أمريكى الجنسية فحسب بل لكونه مستشار الإدارة الأمريكية، والحائز على جائزة وولف فى الكيمياء من الكيان الصهيونى عام 1993، التى استلمها بنفسه فى زيارته لإسرائيل داخلا فى قائمة المطبعين معها من دون أى تأثم أو حرج.لقد تصور البعض أن الدكتور زويل ربما قد جاء لمصر بدعم مالى هائل استبسالا منه لتحقيق المرجو لأرض مولده ولكن الأمر لم يمهل الظانين به ظن الجود والعطاء وافتداء الوطن فقد توضح للجميع، بما لا يدعو للشك، قيام دعوة لحث المصريين على التبرع لـ«مدينة زويل للبحث العلمى»، ونهض سماحة المفتى الأستاذ الدكتور على جمعة مصاحبا الدكتور زويل فى كل جولاته الإعلانية والإعلامية داعيا بنفسه لجمع التبرعات؛ بما لم نرتضه بتاتا لمكانة «مفتى الديار المصرية» وواحد من علماء ديننا الأجلاء، وصرنا لا نشاهد الدكتور زويل إلا فى صحبة الرؤساء والوزراء وكبار المسئولين؛ مُجتمعا بالباحثين وذوى المكانة العلمية نائلا هالة استثنائية من الأهمية، لم ينلها الدكتور فاروق الباز ولا الدكتور مجدى يعقوب، مما دفع بعض الأساتذة من الكتاب إلى هيستيريا المبالغة حيث لم يجدوا أن هيمنة زويل على البحث العلمى تكفى فهتفوا به فى عناوين مقالاتهم رئيسا توافقيا لجمهورية مصر الثورة!إن جدية النظر فى مشروع البحث العلمى يجعلنا لا نحيد عن حمايته من الاختراق: فهو أمن قومى، ومن ثمّ لا بد من قرار مخلص سريع يعيد لجامعة النيل مبانيها وحقوقها ومكانتها العلمية، ليس هذا فحسب بل يلغى ويزيل ويمحو بالضرورة، إلغاء وإزالة ومحوا سريعا وتاما، مستوطنة العالم الأمريكى الأستاذ الدكتور أحمد زويل المدعوّة: «مدينة زويل للبحث العلمى» التى أقامها من أقامها فى غفلة منا ضارة بالبلاد والعباد.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 27, 2013 21:00

September 26, 2013

مرض حُب الطغاة!


تأملوا معي المعاني التي تغنى بها كبار مطربينا، وعلى رأسهم أم كلثوم وعبد الوهاب، تأملوا معي أغنية تدور مدلولاتها حول: «لي لذة في ذلتي وخضوعي/ وأحب بين يديك سفك دموعي»، وكانت من أشهر أغنيات أم كلثوم في مطلع القرن العشرين، وتابعوا القائمة الطويلة والتراث المتراكم من أغنيات وأشعار الحب المتسول الخانع الذي يرفع شعار غناه عبد الوهاب: «أحبه مهما أشوف منه ومهما الناس قالت عنه..... بيظلم فيّ وبحبه وده قاسي عليّ وبحبه...آه...آه...آه...أنا أحبه». وحين يخطر ببال مشمئز من هذا الانسحاق أن يقول: «حبّك بُرص»، يطلع من يعود بعبد الوهاب يرد مؤكدا: «مولاي وروحي في يده/ قد ضيعها سلمت يده....»، وتزاحمه من تقول: «يا لايمين في الهوى حوشوا الملام عني».

ولأن أم الكلثوم هي قمة الغناء والطرب، فقد يجوز لنا أن نحملها مسئولية إشاعة مرض حب الطغاة، فلقد أبدعت، من بدايتها إلى نهايتها هي ومؤلفوها وملحنوها في تزكية ذلك الاتجاه المؤدي إلى الابتلاء بحب الظالم، المفتري، الوغد، الذي يمسح بالمغرمين البلاط ويعصرهم ويرميهم في الجردل، ثم يسعّف بهم السقف – بصفتهم رأس عبد – ويملأهم بالعناكب ومع ذلك يغنون خلفها بتناحة: صعبان علّي أقول لك كان والحب زي ما كان وأكتر/ وأفكرك بليالي زمان وأوصف في جنتها وأصور....أيام ما كنا احنا الاتنين: إنت ظالمني وأنا رااااااااضي! وحين يحاول أحدهم أن يستعين بعبد الوهاب: «أوعى يا قلبي تكون حنيت للي شكيت منه وبكيت....»، تأتي أم كلثوم بالحجة: «...إنت العذاب والضنى والعمر إيه غير دول؟»، ويستسلم القطيع لمصاص الدماء النموذج في أغنية: «يا للي كان يشجيك أنيني.. كل ما اشكي لك أسايا»، ومع هذه الاستكانة المروعة، لهذا الذي يشجيه الأنين، تصهلل أم كلثوم: «عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك...»؟، ومعها جماهير السرادقات الذين وقعوا في براثن حب القتلة والسفاحين يواصلون التلذذ بجعير غليظ تبثه الفضائيات: «كان منايا يطول حنيني للبكا وإنت معايا».
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 26, 2013 23:47